مع الحبيب المصطفى: ما حمل الإسراء والمعراج من معاني ومقاصد
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
203ـ ما حمل الإسراء والمعراج من معاني ومقاصد
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد مَرَّتْ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سَنَوَاتٌ مَأْسَاوِيَّةٌ، مَلِيئَةٌ بالعَوَاصِفِ العَاتِيَةِ من التَّعْذِيبِ والإِيذَاءِ القَوْلِيِّ والفِعْلِيِّ، من البَغْضَاءِ والافْتِرَاءِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لقد ذَاقَ أَصْحَابُهُ الكِرَامُ أَلْوَانَ الأَذَى والعَذَابِ، ومَزَّقُوهُمْ وسَامُوهُم سُوءَ العَذَابِ، وكَانُوا سَبَبَاً في هِجْرَتِهِم عن أَوْطَانِهِم إلى الحَبَشَةِ وتَرْكِهِمْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ.
ثمَّ جَاءَ العَامُ العَاشِرُ من البِعْثَةِ الشَّرِيفَةِ عَامُ الحُزْنِ، ثمَّ هَاجَرَ إلى الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النَّصِيرَ من البَشَرِ من أَجْلِ نَشْرِ دَعْوَتِهِ وتَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَرَدُّوا عَلَيهِ أَقْبَحَ رَدٍّ، وآذَوْهُ ونَالُوا مِنهُ مَا لَمْ يَنَلْ مِنهُ قَوْمُهُ، وَعَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، ودَخَلَ في جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ وهوَ رَجُلٌ مَشْرِكٌ.
في ظِلِّ هذهِ الأَجْوَاءِ الكَالِحَةِ، والظُّرُوفِ الحَرِجَةِ، شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُسَلِّيَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويُثَبِّتَهُ على الحَقِّ، فَمَنَّ عَلَيهِ بِرِحْلَةٍ لَمْ يَنَلْ شَرَفَهَا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ؛ رِحْلَةٌ طَيِّبَةٌ مُبَارَكَةٌ، بَدَأَتْ من أَقْدَسِ بِقَاعِ الأَرْضِ من مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وانْتَهَتْ إلى أَعْلَى طَبَقَاتِ السَّمَاءِ حَيثُ وَصَلَ إلى مَقَامٍ مَا وَصَلَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَصَلَ إلى مَكَانٍ سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ.
رِحْلَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جَاءَ تَكْرِيمُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعدَ أَنْ نَالَ من إِعْرَاضِ الخَلْقِ، ومن إِيذَاءِ البَشَرِ مَا شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَنَالَ، وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ صَابِرَاً، فَمَا وَهَنَ ومَا ضَعُفَ ومَا اسْتَكَانَ حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِحَادِثَةِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ رِحْلَةُ الإِسْرَاءِ رِحْلَةً أَرْضِيَّةً بَيْنَ مَسْجِدَيْنِ كَرِيمَيْنِ مُبَارَكَيْنِ مُقَدَّسَيْنِ، بَينَ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، والذي بَنَاهُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ، والمَسْجِدِ الأَقْصَى أُولَى القِبْلَتَيْنِ، والذي بَنَاهُ سَيِّدُنَا سُلَيمَانُ عَلَيهِ السَّلامُ، قَالَ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثمَّ بَدَأَتْ رِحْلَةُ المِعْرَاجِ السَّمَاوِيَّةِ من المَسْجِدِ الأَقْصَى إلى السَّمَاوَاتِ العُلَى، إلى مُسْتَوَىً لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، وفي هذهِ الرِّحْلَةِ السَّمَاوِيَّةِ كَانَ يُرَحِّبُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَعَاظِمُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَفِي السَّمَاءِ الأُولَى رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا يَحْيَى وسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِمَا السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا إِدْرِيسُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الخَامِسَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا هَارُونُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ، ثمَّ رُفِعَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، قَالَ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾. ثمَّ رُفِعَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى مَكَانٍ سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ.
«أُتَيتُ بالبُرَاقِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسْتَمِعْ إلى قِصَّةِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَمَا يَرْوِيهَا الإمام مسلم في صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ.
فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ؛ ـ يَعِني: اخْتَرْتُ مَا يُتَنَاوَلُ بِالجِبِلَّةِ وَالطَّبْعِ، ومَا لَا تَنشَأُ عَنهُ مَفْسَدَةٌ، وَهُوَ الَّلبَنُ، ولِأَنَّ الَّلبَنَ أوَّلُ مَا يَدخُلُ جَوفَ الصَّبِيِّ وَيَشُقُّ أَمعَاءَهُ ـ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ هُوَ اسْتِفْهَامٌ مِنَ المَلائِكَةِ عَن بَعثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِرسَالِهِ إِلَى الخَلقِ. وقِيلَ: مَعنَاهُ اسْتِفْهَامٌ عَن إرسَالِ اللهِ تَعالى إِليهِ بِالعُرُوجِ إِلى السَّمَاءِ.
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَي الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانَاً عَلِيَّاً﴾.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدَاً ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ـ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِمَارَتِهِ بِدُخُولِ المَلائِكَةِ فِيهِ وتَعَبُّدِهِم عِندَهُ ـ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ ـ وَالْقُلَّةُ جَرَّةٌ عَظِيمَةٌ ـ؛ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟
قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً.
قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ.
فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي؛ فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَاً.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسَاً.
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَاً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئَاً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَحْمِلُ في طَيَّاتِهَا مَعَانِيَ جَلِيلَةً، ومَقَاصِدَ نَبِيلَةً، من جُملَةِ ذلكَ:
أولاً: تَسْلِيَةُ فُؤَادِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعدَ تِلكَ الشَّدَائِدِ والأَزَمَاتِ التي مَرَّتْ عَلَيهِ خِلالَ سَنَوَاتٍ عَشْرٍ وَزِيَادَةٍ، فَجَاءَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَكْرِيمَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وتَجْدِيدَاً لِعَزْمِهِ وثَبَاتِهِ، فاللهُ تعالى مَعِيَّتُهُ لا تَنْقَطِعُ عَن أَوْلِيَائِهِ والصَّالِحِينَ، فَكَيفَ بِسَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟ ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. هذهِ الآيَةُ هيَ آخِرُ سُورَةِ النَّحْلِ، التي أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في آخِرِهَا بالصَّبْرِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا باللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. ثمَّ قَالَ لَهُ: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وبَعدَهَا جَاءَتْ سُورَةُ الإِسْرَاءِ، فَقَالَ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثانياً: أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إِخْوَةٌ، ودِينَهُم وَاحِدٌ، وصَارَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الوَارِثَ الوَحِيدَ لَهُم جَمِيعَاً، فَجَاءَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُؤَكِّدَاً لِدَعْوَةِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ من قَبْلُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: مَا جَرَى في اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرَانِيَّةِ من تَحْرِيفٍ هوَ صُنْعُ أَيدِيهِم، كَمَا أَخْبَرَنَا عزَّ وجلَّ عَنهُم بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
ثالثاً: أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ صَلاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بالأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ دَلِيلٌ على أَنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدَهُ، وأَنَّ دِينَهُ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ من الأَدْيَانِ.
وفي الخِتَامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ الإِسْلامَ لَيسَ لَهُ حُدُودٌ يَقِفُ عِنْدَهَا، ولا مَعَالِمُ يَجِبُ أَنْ لا يَتَخَطَّاهَا، فالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وُلِدَ بِمَكَّةَ، ودَعَا في مَكَّةَ والطَّائِفِ، وأُسْرِيَ بِهِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، وهَاجَرَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وهَاجَرَ أَصْحَابُهُ إلى الحَبَشَةِ، فالأَرْضُ للهِ عزَّ وجلَّ، يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ من عِبَادِهِ، وسَوفَ يَكُونُ أَهْلُ بِلادِ الشَّامِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى حَمَلَةَ الإِسْلامِ الصَّحِيحِ جِيلاً عَقِبَ جِيلٍ، وصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ القَائِلُ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
اللَّهُمَّ شَرِّفْنَا بِخِدْمَةِ هذا الدِّينِ الحَنِيفِ، وحَقِّقْنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ والاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
203ـ ما حمل الإسراء والمعراج من معاني ومقاصد
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد مَرَّتْ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ سَنَوَاتٌ مَأْسَاوِيَّةٌ، مَلِيئَةٌ بالعَوَاصِفِ العَاتِيَةِ من التَّعْذِيبِ والإِيذَاءِ القَوْلِيِّ والفِعْلِيِّ، من البَغْضَاءِ والافْتِرَاءِ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لقد ذَاقَ أَصْحَابُهُ الكِرَامُ أَلْوَانَ الأَذَى والعَذَابِ، ومَزَّقُوهُمْ وسَامُوهُم سُوءَ العَذَابِ، وكَانُوا سَبَبَاً في هِجْرَتِهِم عن أَوْطَانِهِم إلى الحَبَشَةِ وتَرْكِهِمْ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ.
ثمَّ جَاءَ العَامُ العَاشِرُ من البِعْثَةِ الشَّرِيفَةِ عَامُ الحُزْنِ، ثمَّ هَاجَرَ إلى الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النَّصِيرَ من البَشَرِ من أَجْلِ نَشْرِ دَعْوَتِهِ وتَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَرَدُّوا عَلَيهِ أَقْبَحَ رَدٍّ، وآذَوْهُ ونَالُوا مِنهُ مَا لَمْ يَنَلْ مِنهُ قَوْمُهُ، وَعَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، ودَخَلَ في جِوَارِ المُطْعِمِ بنِ عَدِيٍّ وهوَ رَجُلٌ مَشْرِكٌ.
في ظِلِّ هذهِ الأَجْوَاءِ الكَالِحَةِ، والظُّرُوفِ الحَرِجَةِ، شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يُسَلِّيَ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، ويُثَبِّتَهُ على الحَقِّ، فَمَنَّ عَلَيهِ بِرِحْلَةٍ لَمْ يَنَلْ شَرَفَهَا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ؛ رِحْلَةٌ طَيِّبَةٌ مُبَارَكَةٌ، بَدَأَتْ من أَقْدَسِ بِقَاعِ الأَرْضِ من مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، وانْتَهَتْ إلى أَعْلَى طَبَقَاتِ السَّمَاءِ حَيثُ وَصَلَ إلى مَقَامٍ مَا وَصَلَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ ولا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ عِنْدَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَصَلَ إلى مَكَانٍ سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ.
رِحْلَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جَاءَ تَكْرِيمُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعدَ أَنْ نَالَ من إِعْرَاضِ الخَلْقِ، ومن إِيذَاءِ البَشَرِ مَا شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَنَالَ، وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ صَابِرَاً، فَمَا وَهَنَ ومَا ضَعُفَ ومَا اسْتَكَانَ حَتَّى أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِحَادِثَةِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَتْ رِحْلَةُ الإِسْرَاءِ رِحْلَةً أَرْضِيَّةً بَيْنَ مَسْجِدَيْنِ كَرِيمَيْنِ مُبَارَكَيْنِ مُقَدَّسَيْنِ، بَينَ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ للنَّاسِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةَ، والذي بَنَاهُ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ، والمَسْجِدِ الأَقْصَى أُولَى القِبْلَتَيْنِ، والذي بَنَاهُ سَيِّدُنَا سُلَيمَانُ عَلَيهِ السَّلامُ، قَالَ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثمَّ بَدَأَتْ رِحْلَةُ المِعْرَاجِ السَّمَاوِيَّةِ من المَسْجِدِ الأَقْصَى إلى السَّمَاوَاتِ العُلَى، إلى مُسْتَوَىً لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، وفي هذهِ الرِّحْلَةِ السَّمَاوِيَّةِ كَانَ يُرَحِّبُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ أَعَاظِمُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَفِي السَّمَاءِ الأُولَى رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا يَحْيَى وسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيهِمَا السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا إِدْرِيسُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ الخَامِسَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا هَارُونُ عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ، وفي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ رَحَّبَ بِهِ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ، ثمَّ رُفِعَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، قَالَ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾. ثمَّ رُفِعَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ إلى مَكَانٍ سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ.
«أُتَيتُ بالبُرَاقِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسْتَمِعْ إلى قِصَّةِ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَمَا يَرْوِيهَا الإمام مسلم في صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ قَالَ: «أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ.
فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ؛ ـ يَعِني: اخْتَرْتُ مَا يُتَنَاوَلُ بِالجِبِلَّةِ وَالطَّبْعِ، ومَا لَا تَنشَأُ عَنهُ مَفْسَدَةٌ، وَهُوَ الَّلبَنُ، ولِأَنَّ الَّلبَنَ أوَّلُ مَا يَدخُلُ جَوفَ الصَّبِيِّ وَيَشُقُّ أَمعَاءَهُ ـ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ هُوَ اسْتِفْهَامٌ مِنَ المَلائِكَةِ عَن بَعثِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَإِرسَالِهِ إِلَى الخَلقِ. وقِيلَ: مَعنَاهُ اسْتِفْهَامٌ عَن إرسَالِ اللهِ تَعالى إِليهِ بِالعُرُوجِ إِلى السَّمَاءِ.
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَي الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانَاً عَلِيَّاً﴾.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟
قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.
قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟
قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدَاً ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ـ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ عِمَارَتِهِ بِدُخُولِ المَلائِكَةِ فِيهِ وتَعَبُّدِهِم عِندَهُ ـ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ.
ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ ـ وَالْقُلَّةُ جَرَّةٌ عَظِيمَةٌ ـ؛ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟
قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً.
قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ.
فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي؛ فَحَطَّ عَنِّي خَمْسَاً.
فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسَاً.
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرَاً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئَاً، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ.
فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إِنَّ حَادِثَةَ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَحْمِلُ في طَيَّاتِهَا مَعَانِيَ جَلِيلَةً، ومَقَاصِدَ نَبِيلَةً، من جُملَةِ ذلكَ:
أولاً: تَسْلِيَةُ فُؤَادِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بَعدَ تِلكَ الشَّدَائِدِ والأَزَمَاتِ التي مَرَّتْ عَلَيهِ خِلالَ سَنَوَاتٍ عَشْرٍ وَزِيَادَةٍ، فَجَاءَتْ حَادِثَةُ الإِسْرَاءِ والمِعْرَاجِ تَكْرِيمَاً لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، وتَجْدِيدَاً لِعَزْمِهِ وثَبَاتِهِ، فاللهُ تعالى مَعِيَّتُهُ لا تَنْقَطِعُ عَن أَوْلِيَائِهِ والصَّالِحِينَ، فَكَيفَ بِسَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟ ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. هذهِ الآيَةُ هيَ آخِرُ سُورَةِ النَّحْلِ، التي أَمَرَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ في آخِرِهَا بالصَّبْرِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا باللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. ثمَّ قَالَ لَهُ: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾. وبَعدَهَا جَاءَتْ سُورَةُ الإِسْرَاءِ، فَقَالَ تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
ثانياً: أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ إِخْوَةٌ، ودِينَهُم وَاحِدٌ، وصَارَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ الوَارِثَ الوَحِيدَ لَهُم جَمِيعَاً، فَجَاءَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ مُؤَكِّدَاً لِدَعْوَةِ إِخْوَانِهِ الأَنْبِيَاءِ والمُرْسَلِينَ من قَبْلُ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: مَا جَرَى في اليَهُودِيَّةِ والنَّصْرَانِيَّةِ من تَحْرِيفٍ هوَ صُنْعُ أَيدِيهِم، كَمَا أَخْبَرَنَا عزَّ وجلَّ عَنهُم بِقَوْلِهِ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾.
ثالثاً: أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ صَلاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بالأَنْبِيَاءِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ دَلِيلٌ على أَنَّهُ لا نُبُوَّةَ بَعْدَهُ، وأَنَّ دِينَهُ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ من الأَدْيَانِ.
وفي الخِتَامِ:
أيُّها الإخوة الكرام: كُونُوا على يَقِينٍ بِأَنَّ الإِسْلامَ لَيسَ لَهُ حُدُودٌ يَقِفُ عِنْدَهَا، ولا مَعَالِمُ يَجِبُ أَنْ لا يَتَخَطَّاهَا، فالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ وُلِدَ بِمَكَّةَ، ودَعَا في مَكَّةَ والطَّائِفِ، وأُسْرِيَ بِهِ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ، وهَاجَرَ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وهَاجَرَ أَصْحَابُهُ إلى الحَبَشَةِ، فالأَرْضُ للهِ عزَّ وجلَّ، يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ من عِبَادِهِ، وسَوفَ يَكُونُ أَهْلُ بِلادِ الشَّامِ بِإِذْنِ اللهِ تعالى حَمَلَةَ الإِسْلامِ الصَّحِيحِ جِيلاً عَقِبَ جِيلٍ، وصَدَقَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ القَائِلُ: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
اللَّهُمَّ شَرِّفْنَا بِخِدْمَةِ هذا الدِّينِ الحَنِيفِ، وحَقِّقْنَا بِحُسْنِ الاقْتِدَاءِ والاتِّبَاعِ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin