مع الحبيب المصطفى: الاستسقاء بالنبي ﷺ وهو طفل
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
185ـ الاستسقاء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهو طفل
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَكرَمَ اللهُ تعالى البَشَرِيَّةَ جَمعَاءَ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخرَجَهَا اللهُ تعالى من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، ومن الذُّلِّ إلى العِزِّ، ومن المَهَانَةِ إلى الكَرَامَةِ، ومن الجَهْلِ إلى العِلْمِ، ومن الظُّلْمِ والجَوْرِ والاستِعبَادِ والتَّكَبُّرِ إلى العَدْلِ والمُسَاوَاةِ، والتَّوَاضُعِ والتَّسَامُحِ والمُسَاوَاةِ.
لقد أَنقَذَهَا اللهُ تعالى بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من النَّارِ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرضُ، لِتَكُونَ لَهَا دَارَ قَرَارٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تَتَعَرَّفَ على هذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ؟ أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تَقرَأَ سِيرَةَ هذا الحَبِيبِ العَظِيمِ؟ أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تُدَافِعَ وتَذُبَّ عن هذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ الكَذِبَ والافتِرَاءَ، وخَاصَّةً في هذا الزَّمَنِ، حَيثُ هُنَاكَ من يَنعَقُ ويَقُولُ: إنَّ الدِّينَ الذي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ دِينُ إِرهَابٍ، هوَ دِينُ قَسْوَةٍ وغِلْظَةٍ، دِينٌ مَا عَرَفَ الرَّحمَةَ؟
هؤلاءِ انطَبَقَ عَلَيهِم قَولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الحَدِيثَ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ على الأُمَّةِ، وإنَّ تَعْمِيمَ سِيرَتِهِ أَمَانَةٌ مَنُوطَةٌ في عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ، وخَاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، ومن فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورَحمَتِهِ أَنَّهُ حَفِظَ لهذهِ الأُمَّةِ سِيرَةَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لقد كَانَت سِيرَتُهُ عَطِرَةً قَبلَ النُّبُوَّةِ وبَعدَ النُّبُوَّةِ، وفي حَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبَعدَ انتِقَالِهِ إلى الرَّفِيقِ الأَعلَى.
الاستِسْقَاءُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ طِفْلٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةً للنَّاسِ مُنذُ وِلادَتِهِ الشَّرِيفَةِ المُبَارَكَةِ، لقد كَانَ بَرَكَةً على السَّيِّدَةِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، وعلى دِيَارِ أَهلِهَا.
وكَانَ بَرَكَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَهلِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ مَعَ شِرْكِهَا باللهِ تعالى، ولقد لَفَتَ اللهُ عزَّ وجلَّ أَنظَارَ الخَلْقِ إِلَيهِ وهوَ طِفْلٌ، حَتَّى يَعرِفُوا قَدْرَهُ عِندَ اللهِ تعالى.
روى ابنُ عَسَاكِرَ عن جَلْهُمَةَ بنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: قَدِمتُ مَكَّةَ وهُم في قَحْطٍ، فَقَالَت قُرَيشٌ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَقحَطَ الوَادِي، وَأَجدَبَ العِيَالُ، فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ.
فَخَرَجَ أَبُو طَالِبٍ وَمَعَهُ غُلامٌ، كَأَنَّهُ شَمْسُ دُجُنَّةٍ ـ أي: ظُلْمَةٍ ـ تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ ـ من القَتَامِ، وهوَ الغُبَارُ ـ حَولَهُ أُغَيْلِمَةٌ ـ جَمْعُ غُلامٍ ـ فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ، فَأَلصَقَ ظَهْرَهُ بالكَعبَةِ،وَلاذَ بِأَصبُعِهِ الغُلامُ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ ـ قِطْعَةٌ مِن سَحَابٍ ـ فَأَقبَلَ السَّحَابُ من هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَأَغدَقَ واغْدَوْدَقَ ـ أي: كَثُرَ مَطَرُهُ ـ وَانفَجَرَ الوَادِي، وَأَخصَبَ النَّادِي وَالبَادِي، وإلى هذا أَشَارَ أَبُو طَالِبٍ حِينَ قَالَ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
أيُّها الإخوة الكرام: لمَّا وَقَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ وَوَجَعِهِ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ ، جَعَلَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَقُولُ: بِأَبِي أَنتَ وأُمِّي، واللهِ كَمَا قَالَ القَائِلُ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
فَأَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ،فَقَالَ: «هذا قَوْلُ عَمِّي أَبِي طَالِبٍ» وقَرَأَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾.
فَارَ المَاءُ من بَينِ أَصَابِعِهِ كَأَمثَالِ العُيُونِ:
أيُّها الإخوة الكرام: البَرَكَةُ كُلُّهَا للهِ تعالى ومِنهُ، وهوَ المُبَارِكُ جَلَّ وعَلا، بِيَدِهِ الخَيرُ وهوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وهوَ سُبحَانَهُ يَختَصُّ بَعْضَ خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ من الخَيرِ والفَضْلِ والبَرَكَةِ، قال تعالى عن سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام:ومِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ أَوَّلُ المُبَارَكِينَ فِيهِ، لأنَّ اللهَ تعالى اختَصَّهُ بِمَزَايَا لم تَكُنْ لأَحَدٍ من قَبلِهِ، ولا لأَحَدٍ من بَعدِهِ، فمن أَعظَمِ بَرَكَاتِهِ هذا الدِّينُ العَظِيمُ الذي بَعَثَهُ اللهُ تعالى بِهِ، فمن أَخَذَ بِهِ سَعِدَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومن رَدَّهُ خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةَ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. ومَا هذا النَّكَدُ والشَّقَاءُ الذي تَعِيشُهُ الأُمَّةُ إلا بِسَبَبِ بُعْدِهَا عن هذهِ الرِّسَالَةِ الخَالِدَةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُغَاثُ العِبَادُ حِسَّاً ومَعنَىً، فَلَئِن كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةً لأَهلِ مَكَّةَ وهوَ صَغِيرٌ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةٌ لأَصحَابِهِ الكِرَامِ من بَابِ أَولَى وأَولَى.
روى الإمام البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ ـ أي: أَسرَعُوا لِأَخْذِ المَاءِ ـ.
فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟».
قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ، إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا.
قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟
قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
يَا رَسُولَ اللهِ، اِستَسْقِ لِمُضَرَ:
أيُّها الإخوة الكرام: القَومُ مَا عَرَفُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بل عَرَفُوهُ، ولكنَّهُم جَحَدُوا، لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةً حَتَّى بالمُشرِكِينَ.
روى الإمام البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشاً لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِن الْجَهْدِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ.
قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ».
فَاسْتَسْقَى لَهُمْ، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾.
فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾.
قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَمَا يُبطَشُ بالعَبدِ، ويَذُوقُ العَذَابَ، يَنحَنِي للحَقِّ، ويُعلِنُ التَّوبَةَ والإِنَابَةَ، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾.
لقد انحَنَتْ قُرَيشٌ، وَدَسَّتْ رَأسَهَا في التُّرَابِ عِندَمَا دَعَا عَلَيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَسَّلُوا إِلَيهِ، لأَنَّهُم عَرَفُوهُ أَنَّهُ نَبِيُّ الرَّحمَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَسْقَى لَهُم، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إلى حَالِهِم، وهذا شَأنُ الكَافِرِ الجَاحِدِ العَاصِي.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: جَدِيرٌ بالمُسلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ أن يَغتَنِمُوا شَهْرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ الأَنوَرِ، وأن يُجَدِّدُوا الصِّلَةَ بهذا الحَبِيبِ الأَعظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأن يَلتَزِمُوا مِنهَجَهُ الحَقَّ، وذلكَ عَمَلاً بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾. وبِقَولِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.
جَدِيرٌ بالأُمَّةِ أن تَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُخَاطِبَ النَّاسَ جَمِيعَاً: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.
جَدِيرٌ بالأُمَّةِ أن تَتَعَرَّفَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَافَّةِ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ، مُنذُ الوِلادَةِ الكَرِيمَةِ إلى أن رَحَلَ إلى الرَّفِيقِ الأَعلَى، بَعدَ أن بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وأَدَّى الأَمَانَةَ، ونَطَقَ بالحُجَّةِ، ونَصَحَ الأُمَّةَ بِأَفضَلِ أُسلُوبٍ، وأَروَعِ مِنهَجٍ، حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ تعالى أَفوَاجَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على المُسلِمِينَ اليَومَ أن يُعطُوا الصُّورَةَ الصَّحِيحَةَ عن إِيمَانِهِم بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وذلكَ من خِلالِ تَخَلُّقِهِم بِأَخلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتَّحَلِّي بِصِفَاتِهِ، وإلا فالوِزْرُ على من أَعطَى صُورَةً قَبِيحَةً عن إِيمَانِهِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: من أَعظَمِ صِفَاتِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَحمَةُ للعَالَمِينَ، فَهَل عِندَنَا الرَّحمَةُ؟
اللَّهُمَّ لا تَنْزَعِ الرَّحمَةَ من قُلُوبِنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
185ـ الاستسقاء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهو طفل
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَكرَمَ اللهُ تعالى البَشَرِيَّةَ جَمعَاءَ بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخرَجَهَا اللهُ تعالى من الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، ومن الذُّلِّ إلى العِزِّ، ومن المَهَانَةِ إلى الكَرَامَةِ، ومن الجَهْلِ إلى العِلْمِ، ومن الظُّلْمِ والجَوْرِ والاستِعبَادِ والتَّكَبُّرِ إلى العَدْلِ والمُسَاوَاةِ، والتَّوَاضُعِ والتَّسَامُحِ والمُسَاوَاةِ.
لقد أَنقَذَهَا اللهُ تعالى بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ من النَّارِ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرضُ، لِتَكُونَ لَهَا دَارَ قَرَارٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تَتَعَرَّفَ على هذا النَّبِيِّ الكَرِيمِ؟ أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تَقرَأَ سِيرَةَ هذا الحَبِيبِ العَظِيمِ؟ أَلَيسَ من الوَاجِبِ على الأُمَّةِ أن تُدَافِعَ وتَذُبَّ عن هذا الرَّسُولِ الكَرِيمِ الكَذِبَ والافتِرَاءَ، وخَاصَّةً في هذا الزَّمَنِ، حَيثُ هُنَاكَ من يَنعَقُ ويَقُولُ: إنَّ الدِّينَ الذي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ دِينُ إِرهَابٍ، هوَ دِينُ قَسْوَةٍ وغِلْظَةٍ، دِينٌ مَا عَرَفَ الرَّحمَةَ؟
هؤلاءِ انطَبَقَ عَلَيهِم قَولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الحَدِيثَ عن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَاجِبٌ على الأُمَّةِ، وإنَّ تَعْمِيمَ سِيرَتِهِ أَمَانَةٌ مَنُوطَةٌ في عُنُقِ كُلِّ مُسلِمٍ ومُسلِمَةٍ، وخَاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ، ومن فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورَحمَتِهِ أَنَّهُ حَفِظَ لهذهِ الأُمَّةِ سِيرَةَ نَبِيِّهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لقد كَانَت سِيرَتُهُ عَطِرَةً قَبلَ النُّبُوَّةِ وبَعدَ النُّبُوَّةِ، وفي حَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وبَعدَ انتِقَالِهِ إلى الرَّفِيقِ الأَعلَى.
الاستِسْقَاءُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ طِفْلٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةً للنَّاسِ مُنذُ وِلادَتِهِ الشَّرِيفَةِ المُبَارَكَةِ، لقد كَانَ بَرَكَةً على السَّيِّدَةِ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ، وعلى دِيَارِ أَهلِهَا.
وكَانَ بَرَكَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأَهلِ مَكَّةَ المُكَرَّمَةَ مَعَ شِرْكِهَا باللهِ تعالى، ولقد لَفَتَ اللهُ عزَّ وجلَّ أَنظَارَ الخَلْقِ إِلَيهِ وهوَ طِفْلٌ، حَتَّى يَعرِفُوا قَدْرَهُ عِندَ اللهِ تعالى.
روى ابنُ عَسَاكِرَ عن جَلْهُمَةَ بنِ عُرْفُطَةَ قَالَ: قَدِمتُ مَكَّةَ وهُم في قَحْطٍ، فَقَالَت قُرَيشٌ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَقحَطَ الوَادِي، وَأَجدَبَ العِيَالُ، فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ.
فَخَرَجَ أَبُو طَالِبٍ وَمَعَهُ غُلامٌ، كَأَنَّهُ شَمْسُ دُجُنَّةٍ ـ أي: ظُلْمَةٍ ـ تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ ـ من القَتَامِ، وهوَ الغُبَارُ ـ حَولَهُ أُغَيْلِمَةٌ ـ جَمْعُ غُلامٍ ـ فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ، فَأَلصَقَ ظَهْرَهُ بالكَعبَةِ،وَلاذَ بِأَصبُعِهِ الغُلامُ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ ـ قِطْعَةٌ مِن سَحَابٍ ـ فَأَقبَلَ السَّحَابُ من هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَأَغدَقَ واغْدَوْدَقَ ـ أي: كَثُرَ مَطَرُهُ ـ وَانفَجَرَ الوَادِي، وَأَخصَبَ النَّادِي وَالبَادِي، وإلى هذا أَشَارَ أَبُو طَالِبٍ حِينَ قَالَ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
أيُّها الإخوة الكرام: لمَّا وَقَعَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِهِ وَوَجَعِهِ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ ، جَعَلَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنها تَقُولُ: بِأَبِي أَنتَ وأُمِّي، واللهِ كَمَا قَالَ القَائِلُ:
وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ *** ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
فَأَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ،فَقَالَ: «هذا قَوْلُ عَمِّي أَبِي طَالِبٍ» وقَرَأَ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾.
فَارَ المَاءُ من بَينِ أَصَابِعِهِ كَأَمثَالِ العُيُونِ:
أيُّها الإخوة الكرام: البَرَكَةُ كُلُّهَا للهِ تعالى ومِنهُ، وهوَ المُبَارِكُ جَلَّ وعَلا، بِيَدِهِ الخَيرُ وهوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وهوَ سُبحَانَهُ يَختَصُّ بَعْضَ خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ من الخَيرِ والفَضْلِ والبَرَكَةِ، قال تعالى عن سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام:ومِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هوَ أَوَّلُ المُبَارَكِينَ فِيهِ، لأنَّ اللهَ تعالى اختَصَّهُ بِمَزَايَا لم تَكُنْ لأَحَدٍ من قَبلِهِ، ولا لأَحَدٍ من بَعدِهِ، فمن أَعظَمِ بَرَكَاتِهِ هذا الدِّينُ العَظِيمُ الذي بَعَثَهُ اللهُ تعالى بِهِ، فمن أَخَذَ بِهِ سَعِدَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومن رَدَّهُ خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةَ، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. ومَا هذا النَّكَدُ والشَّقَاءُ الذي تَعِيشُهُ الأُمَّةُ إلا بِسَبَبِ بُعْدِهَا عن هذهِ الرِّسَالَةِ الخَالِدَةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: بالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُغَاثُ العِبَادُ حِسَّاً ومَعنَىً، فَلَئِن كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةً لأَهلِ مَكَّةَ وهوَ صَغِيرٌ، فَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَةٌ لأَصحَابِهِ الكِرَامِ من بَابِ أَولَى وأَولَى.
روى الإمام البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رِكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ، فَجَهِشَ النَّاسُ نَحْوَهُ ـ أي: أَسرَعُوا لِأَخْذِ المَاءِ ـ.
فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟».
قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلَا نَشْرَبُ، إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرِّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا.
قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟
قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
يَا رَسُولَ اللهِ، اِستَسْقِ لِمُضَرَ:
أيُّها الإخوة الكرام: القَومُ مَا عَرَفُوا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، بل عَرَفُوهُ، ولكنَّهُم جَحَدُوا، لقد كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَحمَةً حَتَّى بالمُشرِكِينَ.
روى الإمام البخاري عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِأَنَّ قُرَيْشاً لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ، حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِن الْجَهْدِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.
قَالَ: فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، اسْتَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ.
قَالَ: «لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ».
فَاسْتَسْقَى لَهُمْ، فَسُقُوا، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾.
فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَ أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾.
قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَمَا يُبطَشُ بالعَبدِ، ويَذُوقُ العَذَابَ، يَنحَنِي للحَقِّ، ويُعلِنُ التَّوبَةَ والإِنَابَةَ، قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾.
لقد انحَنَتْ قُرَيشٌ، وَدَسَّتْ رَأسَهَا في التُّرَابِ عِندَمَا دَعَا عَلَيهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَسَّلُوا إِلَيهِ، لأَنَّهُم عَرَفُوهُ أَنَّهُ نَبِيُّ الرَّحمَةِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَسْقَى لَهُم، فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إلى حَالِهِم، وهذا شَأنُ الكَافِرِ الجَاحِدِ العَاصِي.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: جَدِيرٌ بالمُسلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ أن يَغتَنِمُوا شَهْرَ رَبِيعٍ الأَوَّلِ الأَنوَرِ، وأن يُجَدِّدُوا الصِّلَةَ بهذا الحَبِيبِ الأَعظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأن يَلتَزِمُوا مِنهَجَهُ الحَقَّ، وذلكَ عَمَلاً بِقَولِهِ تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ﴾. وبِقَولِهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً﴾.
جَدِيرٌ بالأُمَّةِ أن تَتَذَكَّرَ قَوْلَ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيُخَاطِبَ النَّاسَ جَمِيعَاً: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾.
جَدِيرٌ بالأُمَّةِ أن تَتَعَرَّفَ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِكَافَّةِ جَوَانِبِ حَيَاتِهِ، مُنذُ الوِلادَةِ الكَرِيمَةِ إلى أن رَحَلَ إلى الرَّفِيقِ الأَعلَى، بَعدَ أن بَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، وأَدَّى الأَمَانَةَ، ونَطَقَ بالحُجَّةِ، ونَصَحَ الأُمَّةَ بِأَفضَلِ أُسلُوبٍ، وأَروَعِ مِنهَجٍ، حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ تعالى أَفوَاجَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على المُسلِمِينَ اليَومَ أن يُعطُوا الصُّورَةَ الصَّحِيحَةَ عن إِيمَانِهِم بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وذلكَ من خِلالِ تَخَلُّقِهِم بِأَخلاقِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتَّحَلِّي بِصِفَاتِهِ، وإلا فالوِزْرُ على من أَعطَى صُورَةً قَبِيحَةً عن إِيمَانِهِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: من أَعظَمِ صِفَاتِ الحَبِيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَحمَةُ للعَالَمِينَ، فَهَل عِندَنَا الرَّحمَةُ؟
اللَّهُمَّ لا تَنْزَعِ الرَّحمَةَ من قُلُوبِنَا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin