مع الحبيب المصطفى: الفرج مع الكرب
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
182ـ الفرج مع الكرب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: المِحَنُ والشَّدَائِدُ مِحَكٌّ لا يُخطِئُ، ومِيزَانٌ لا يَظلِمُ، وبِهَا يُكشَفُ مَا فِي القُلُوبِ، ويَظهَرُ مَا فِي الصُّدُورِ، ويُفرَّقُ فِيهَا بَينَ الصَّادِقِ والكَاذِبِ، وبَينَ المُؤمِنِ والمُنَافِقِ، وبِهَا يَعرِفُ المُؤمِنُ نَفسَهُ، فإذا وَجَدَ نَفسَهُ غَيرَ صَادِقٍ في ادِّعَائِهِ تَدَارَكَ نَفسَهُ قَبلَ أن يَكُونَ عِبرَةً لِغَيرِهِ، ويَكُونَ ضَحِيَّةً، قَالَ تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: المِحَنُ تُرِقُّ القُلُوبَ، وتُوقِظُ الضَّمَائِرَ، ويَتَوَجَّهُ العَبدُ إلى بَارِئِهِ مُتَضَرِّعَاً طَالِبَاً رَحمَتَهُ وعَفْوَهُ ومَعُونَتَهُ، مُعلِنَاً تَمَامَ عُبُودِيَّتِهِ وتَسْلِيمِهِ الكَامِلِ للهِ تعالى، فلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِهِ تَبَارَكَ وتعالى، ولا مَهْرَبَ مِنهُ إلا إِلَيهِ، ولا مَلجَأَ ولا مَنجَا إلا بِهِ تَبَارَكَ وتعالى، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، ومَا لم يَشَأْ لَم يَكُنْ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وهوَ أَسرَعُ الحَاسِبِينَ، بَاقٍ فلا يَفنَى ولا يَبِيدُ، ولا يَكُونُ غَيرُ مَا يُرِيدُ، مُنفَرِدٌ بالخَلْقِ والإرَادَةِ، وحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهُ.
فَرَجُ اللهِ قَرِيبٌ من المُؤمِنِينَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الشَّدَائِدَ تَتَعَاقَبُ على المُؤمِنِينَ على مَمَرِّ الأَيَّامِ والسِّنِينَ، ولكنَّ فَرَجَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى قَرِيبٌ من المُؤمِنِينَ، وخَيرُ شَاهِدٍ على ذلكَ مَا جَاءَ في مُحكَمِ الكِتَابِ المُبِينِ.
هذا سَيِّدُنَا يَعقُوبُ وسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِمَا السَّلامُ، وعلى نَبِيِّنَا أَفضَلُ الصَّلاةِ وأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، قد تَجَلَّتْ في قِصَّتِهِمَا حَقَائِقُ الفَرَجِ بَعدَ الضِّيقِ.
لا تَتَعَجَّلْ في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على المُؤمِنِ أن لا يَتَعَجَّلَ في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ، فإنَّهُ قَد قِيلَ: مَا بَينَ رُؤيَا سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ حَينَ قَالَ: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾. ومَا بَينَ تَحقِيقِهَا عِندَمَا قَالَ: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾. أَكثَرُ من أَربَعِينَ عَامَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد رَأَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ الرُّؤيَا وهوَ صَغِيرٌ يَافِعٌ، وبَينَ هذهِ الرُّؤيَا وبَينَ تَحقِيقِهَا أَحدَاثٌ، بل حَلَقَاتٌ من أَحدَاثٍ دَامِيَاتٍ، تُمَزِّقُ القَلبَ، ولكنْ بالصَّبْرِ والتَّقوَى انتَهَتِ الآلامُ والأَحزَانُ إلى مَا انتَهَتْ إِلَيهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الفِتنَةُ الأُولَى: الإلقَاءُ في غَيَابَةِ الجُبِّ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الأُولَى التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ الإلقَاءُ في غَيَابَةِ الجُبِّ، قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: كَم خَارَ اللهُ تعالى لِعَبدِهِ وهوَ كَارِهٌ؟ وكَم طَوَى اللهُ تعالى لِعَبدِهِ المِنحَةَ في المِحنَةِ؟ هذا الحَدَثُ الذي كَانَ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ في مِقيَاسِ البَشَرِ فَاجِعَةٌ عَظِيمَةٌ، لأنَّ الوَلَدَ فَقَدَ حَنَانَ الأُبُوَّةِ، وعَطْفَ الوَالِدِ، ولَذَّةَ التَّلَذُّذِ بِحَنَانِ الأَبَوَينِ، هذهِ هيَ نَظْرَةُ البَشَرِ.
ولكنَّ حِكْمَةَ اللهِ تعالى وقَدَرَهُ يَدَّخِرُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ شَيئَاً آخَرَ، يَدَّخِرُ لَهُ النُّبُوَّةَ والرِّسَالَةَ، وحُكْمَ مِصْرَ، وأن يَكُونَ على خَزَائِنِ مِصْرَ، لقد كَانَت حِكْمَةُ اللهِ تعالى تَدَّخِرُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ أُمُورَاً فَوقَ أَفهَامِ البَشَرِ، وتَعجِزُ عُقُولُهُم عن إدرَاكِهِ أو استِشفَافِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُرُوا في البِدَايَاتِ ثمَّ انظُرُوا في النَّتَائِجِ والنِّهَايَاتِ، لا تَتَعَجَّلُوا ولا يَضِقْ صَدْرُكُم من القَدَرِ الذي جَاءَ على خِلافِ مَا تُرِيدُونَ، لا تَتَعَجَّلُوا في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ، وفِرُّوا من اختِيَارِكُم إلى اختِيَارِ اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
الفِتنَةُ الثَّانِيَةُ: البَيْعُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الثَّانِيَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ البَيْعُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وذلكَ بَعدَ نَجَاتِهِ من غَيَابَةِ الجُبِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً واللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الإنسَانَ الكَرِيمَ المُستَقِيمَ لا يَضِيرُهُ أن يَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهِ نَظْرَةَ نَقْصٍ إذا كَانَ عَظِيمَاً عِندَ اللهِ تعالى، فَسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ مَا عَرَفَتِ السَّيَّارَةُ قَدْرَهُ، فَبَاعُوهُ عَبدَاً رَقِيقَاً وبِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ، وكَانُوا فِيهِ من الزَّاهِدِينَ، ولكِنَّهُ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ غَالٍ، فَمَاذَا ضَرَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ، إذا كَانَ عِندَ اللهِ غَالِيَاً؟
الفِتنَةُ الثَّالِثَةُ: فِتنَةُ النِّسَاءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الثَّالِثَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ فِتنَةُ النِّسَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾. وهذهِ الفِتنَةُ أَعصَفُ فِتنَةٍ مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ، وكَانَت في بِدَايَةِ الأَمْرِ تَتَمَثَّلُ في امرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، ثمَّ تَضَخَّمَتِ الفِتنَةُ فاجتَمَعَتْ عَلَيهِ النِّسْوَةُ، فالتَجَأَ إلى اللهِ تعالى، وصَبَرَ وصَابَرَ، وقَالَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
الفِتنَةُ الرَّابِعَةُ: فِتنَةُ السِّجْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الرَّابِعَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ فِتنَةُ السِّجْنِ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾. دَخَلَ السِّجْنَ ظُلْمَاً وعُدْوَانَاً، ومَعَ ذلكَ كَانَ في هذهِ الفِتنَةِ الرَّابِعَةِ دَاعِيَاً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى مُخبِرَاً عَنهُ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
الفِتنَةُ الخَامِسَةُ: فِتنَةُ المُلْكِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الخَامِسَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ في نِهَايَةِ المَطَافِ هيَ فِتنَةُ المُلْكِ، قَالَ تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: فَرَجُ اللهِ تعالى قَرِيبٌ ولو طَالَ، وتَذَكَّرُوا بِأَنَّا جَمِيعَاً في الامتِحَانِ، إنْ كُنَّا في شَدَائِدَ فَنَحنُ في امتِحَانٍ، وإنْ كُنَّا في رَخَاءٍ فَنَحنُ في امتِحَانٍ، وسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ نَجَحَ في الشَّدَائِدِ، ونَجَحَ في الرَّخَاءِ، نَجَحَ عِندَمَا دَخَلَ في غَيَابَةِ الجُبِّ، ونَجَحَ عِندَمَا بِيعَ بِدَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ، ونَجَحَ في فِتنَةِ النِّسَاءِ، ونَجَحَ في فِتنَةِ السِّجْنِ، وكُلُّهَا شَدَائِدُ، ونَجَحَ في نِعمَةِ المُلْكِ.
وجَمَعَ اللهُ تعالى الشَّمْلَ، وحَقَّقَ لَهُ الرُّؤيَا، التي قَصَّهَا لأبِيهِ عِندَمَا قَالَ: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾. حُقِّقَتْ لَهُ البِشَارَةُ، لأنَّ وَعْدَ اللهِ تعالى لا يُخلَفُ، وقد قَالَ تعالى لَهُ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
فَبَعدَ أَربَعِينَ عَامَاً حُقِّقَتِ البِشَارَةُ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: اِصبِرُوا وصَابِرُوا، وأَبشِرُوا إذا تَحَقَّقَتْ فِيكُمُ التَّقوَى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وتَذَكَّرُوا قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اعْلَمْ أنّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْب». رواه الإِمَامُ التِرمِذيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ ، رضيَ اللهُ عنهمَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للطَّاعَةِ، وأَعِنَّا على الصَّبْرِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
182ـ الفرج مع الكرب
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: المِحَنُ والشَّدَائِدُ مِحَكٌّ لا يُخطِئُ، ومِيزَانٌ لا يَظلِمُ، وبِهَا يُكشَفُ مَا فِي القُلُوبِ، ويَظهَرُ مَا فِي الصُّدُورِ، ويُفرَّقُ فِيهَا بَينَ الصَّادِقِ والكَاذِبِ، وبَينَ المُؤمِنِ والمُنَافِقِ، وبِهَا يَعرِفُ المُؤمِنُ نَفسَهُ، فإذا وَجَدَ نَفسَهُ غَيرَ صَادِقٍ في ادِّعَائِهِ تَدَارَكَ نَفسَهُ قَبلَ أن يَكُونَ عِبرَةً لِغَيرِهِ، ويَكُونَ ضَحِيَّةً، قَالَ تعالى: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ واللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: المِحَنُ تُرِقُّ القُلُوبَ، وتُوقِظُ الضَّمَائِرَ، ويَتَوَجَّهُ العَبدُ إلى بَارِئِهِ مُتَضَرِّعَاً طَالِبَاً رَحمَتَهُ وعَفْوَهُ ومَعُونَتَهُ، مُعلِنَاً تَمَامَ عُبُودِيَّتِهِ وتَسْلِيمِهِ الكَامِلِ للهِ تعالى، فلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بِهِ تَبَارَكَ وتعالى، ولا مَهْرَبَ مِنهُ إلا إِلَيهِ، ولا مَلجَأَ ولا مَنجَا إلا بِهِ تَبَارَكَ وتعالى، مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، ومَا لم يَشَأْ لَم يَكُنْ، لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وهوَ أَسرَعُ الحَاسِبِينَ، بَاقٍ فلا يَفنَى ولا يَبِيدُ، ولا يَكُونُ غَيرُ مَا يُرِيدُ، مُنفَرِدٌ بالخَلْقِ والإرَادَةِ، وحَاكِمٌ جَلَّ بِمَا أَرَادَهُ.
فَرَجُ اللهِ قَرِيبٌ من المُؤمِنِينَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الشَّدَائِدَ تَتَعَاقَبُ على المُؤمِنِينَ على مَمَرِّ الأَيَّامِ والسِّنِينَ، ولكنَّ فَرَجَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى قَرِيبٌ من المُؤمِنِينَ، وخَيرُ شَاهِدٍ على ذلكَ مَا جَاءَ في مُحكَمِ الكِتَابِ المُبِينِ.
هذا سَيِّدُنَا يَعقُوبُ وسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِمَا السَّلامُ، وعلى نَبِيِّنَا أَفضَلُ الصَّلاةِ وأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، قد تَجَلَّتْ في قِصَّتِهِمَا حَقَائِقُ الفَرَجِ بَعدَ الضِّيقِ.
لا تَتَعَجَّلْ في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: يَجِبُ على المُؤمِنِ أن لا يَتَعَجَّلَ في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ، فإنَّهُ قَد قِيلَ: مَا بَينَ رُؤيَا سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ حَينَ قَالَ: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾. ومَا بَينَ تَحقِيقِهَا عِندَمَا قَالَ: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾. أَكثَرُ من أَربَعِينَ عَامَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد رَأَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ الرُّؤيَا وهوَ صَغِيرٌ يَافِعٌ، وبَينَ هذهِ الرُّؤيَا وبَينَ تَحقِيقِهَا أَحدَاثٌ، بل حَلَقَاتٌ من أَحدَاثٍ دَامِيَاتٍ، تُمَزِّقُ القَلبَ، ولكنْ بالصَّبْرِ والتَّقوَى انتَهَتِ الآلامُ والأَحزَانُ إلى مَا انتَهَتْ إِلَيهِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
الفِتنَةُ الأُولَى: الإلقَاءُ في غَيَابَةِ الجُبِّ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الأُولَى التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ الإلقَاءُ في غَيَابَةِ الجُبِّ، قَالَ تعالى: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ * فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: كَم خَارَ اللهُ تعالى لِعَبدِهِ وهوَ كَارِهٌ؟ وكَم طَوَى اللهُ تعالى لِعَبدِهِ المِنحَةَ في المِحنَةِ؟ هذا الحَدَثُ الذي كَانَ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ في مِقيَاسِ البَشَرِ فَاجِعَةٌ عَظِيمَةٌ، لأنَّ الوَلَدَ فَقَدَ حَنَانَ الأُبُوَّةِ، وعَطْفَ الوَالِدِ، ولَذَّةَ التَّلَذُّذِ بِحَنَانِ الأَبَوَينِ، هذهِ هيَ نَظْرَةُ البَشَرِ.
ولكنَّ حِكْمَةَ اللهِ تعالى وقَدَرَهُ يَدَّخِرُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ شَيئَاً آخَرَ، يَدَّخِرُ لَهُ النُّبُوَّةَ والرِّسَالَةَ، وحُكْمَ مِصْرَ، وأن يَكُونَ على خَزَائِنِ مِصْرَ، لقد كَانَت حِكْمَةُ اللهِ تعالى تَدَّخِرُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ أُمُورَاً فَوقَ أَفهَامِ البَشَرِ، وتَعجِزُ عُقُولُهُم عن إدرَاكِهِ أو استِشفَافِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: اُنظُرُوا في البِدَايَاتِ ثمَّ انظُرُوا في النَّتَائِجِ والنِّهَايَاتِ، لا تَتَعَجَّلُوا ولا يَضِقْ صَدْرُكُم من القَدَرِ الذي جَاءَ على خِلافِ مَا تُرِيدُونَ، لا تَتَعَجَّلُوا في الوُصُولِ إلى الثَّمَرَةِ، وفِرُّوا من اختِيَارِكُم إلى اختِيَارِ اللهِ عزَّ وجلَّ ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ واللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
الفِتنَةُ الثَّانِيَةُ: البَيْعُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الثَّانِيَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ البَيْعُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وذلكَ بَعدَ نَجَاتِهِ من غَيَابَةِ الجُبِّ، قَالَ تعالى: ﴿وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً واللهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الإنسَانَ الكَرِيمَ المُستَقِيمَ لا يَضِيرُهُ أن يَنظُرَ النَّاسُ إِلَيهِ نَظْرَةَ نَقْصٍ إذا كَانَ عَظِيمَاً عِندَ اللهِ تعالى، فَسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ مَا عَرَفَتِ السَّيَّارَةُ قَدْرَهُ، فَبَاعُوهُ عَبدَاً رَقِيقَاً وبِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ، وكَانُوا فِيهِ من الزَّاهِدِينَ، ولكِنَّهُ عِندَ اللهِ عزَّ وجلَّ غَالٍ، فَمَاذَا ضَرَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ، إذا كَانَ عِندَ اللهِ غَالِيَاً؟
الفِتنَةُ الثَّالِثَةُ: فِتنَةُ النِّسَاءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الثَّالِثَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ فِتنَةُ النِّسَاءِ، قَالَ تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾. وهذهِ الفِتنَةُ أَعصَفُ فِتنَةٍ مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ، وكَانَت في بِدَايَةِ الأَمْرِ تَتَمَثَّلُ في امرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، ثمَّ تَضَخَّمَتِ الفِتنَةُ فاجتَمَعَتْ عَلَيهِ النِّسْوَةُ، فالتَجَأَ إلى اللهِ تعالى، وصَبَرَ وصَابَرَ، وقَالَ: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
الفِتنَةُ الرَّابِعَةُ: فِتنَةُ السِّجْنِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الرَّابِعَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ بَعدَ الرُّؤيَا الصَّالِحَةِ هيَ فِتنَةُ السِّجْنِ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ * وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾. دَخَلَ السِّجْنَ ظُلْمَاً وعُدْوَانَاً، ومَعَ ذلكَ كَانَ في هذهِ الفِتنَةِ الرَّابِعَةِ دَاعِيَاً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، قَالَ تعالى مُخبِرَاً عَنهُ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
الفِتنَةُ الخَامِسَةُ: فِتنَةُ المُلْكِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الفِتنَةُ الخَامِسَةُ التي مَرَّ بِهَا سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ في نِهَايَةِ المَطَافِ هيَ فِتنَةُ المُلْكِ، قَالَ تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: فَرَجُ اللهِ تعالى قَرِيبٌ ولو طَالَ، وتَذَكَّرُوا بِأَنَّا جَمِيعَاً في الامتِحَانِ، إنْ كُنَّا في شَدَائِدَ فَنَحنُ في امتِحَانٍ، وإنْ كُنَّا في رَخَاءٍ فَنَحنُ في امتِحَانٍ، وسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلامُ نَجَحَ في الشَّدَائِدِ، ونَجَحَ في الرَّخَاءِ، نَجَحَ عِندَمَا دَخَلَ في غَيَابَةِ الجُبِّ، ونَجَحَ عِندَمَا بِيعَ بِدَرَاهِمَ مَعدُودَةٍ، ونَجَحَ في فِتنَةِ النِّسَاءِ، ونَجَحَ في فِتنَةِ السِّجْنِ، وكُلُّهَا شَدَائِدُ، ونَجَحَ في نِعمَةِ المُلْكِ.
وجَمَعَ اللهُ تعالى الشَّمْلَ، وحَقَّقَ لَهُ الرُّؤيَا، التي قَصَّهَا لأبِيهِ عِندَمَا قَالَ: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾. حُقِّقَتْ لَهُ البِشَارَةُ، لأنَّ وَعْدَ اللهِ تعالى لا يُخلَفُ، وقد قَالَ تعالى لَهُ: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
فَبَعدَ أَربَعِينَ عَامَاً حُقِّقَتِ البِشَارَةُ، قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: اِصبِرُوا وصَابِرُوا، وأَبشِرُوا إذا تَحَقَّقَتْ فِيكُمُ التَّقوَى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
وتَذَكَّرُوا قَولَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اعْلَمْ أنّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْب». رواه الإِمَامُ التِرمِذيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ ، رضيَ اللهُ عنهمَا.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للطَّاعَةِ، وأَعِنَّا على الصَّبْرِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin