مع الحبيب المصطفى: «لا يَجنِي جَانٍ إلا على نَفسِهِ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
177ـ «لا يَجنِي جَانٍ إلا على نَفسِهِ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: اِتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ، واتَّفَقَتِ الفِطَرُ السَّوِيَّةُ، وأَصحَابُ النُّفُوسِ المُستَقِيمَةِ، على أنَّ العَدْلَ تَاجٌ على رَأسِ صَاحِبِهِ، لأنَّهُ نِظَامُ الحَيَاةِ، وهوَ مِيزَانُ الحَقِّ.
دِينٌ بلا عَدْلٍ لا يَكُونُ، ودَولَةٌ بلا عَدْلٍ لا تَقُومُ، أُمنِيَةُ عُقَلاءِ البَشَرِ العَدْلُ، وغَايَةُ الرِّسَالاتِ السَّمَاوِيَّةِ العَدْلُ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: العَدْلُ في دِينِنَا مَفْخَرَةٌ لِكُلِّ مُسلِمٍ في مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، وهوَ تَاجُ عِزٍّ على رَأسِ هذهِ الأُمَّةِ، لأنَّهُ وَسِعَ الأَقرِبَاءَ والغُرَبَاءَ، والأَقوِيَاءَ والضُّعَفَاءَ، والأَصدِقَاءَ والأَعدَاءَ، والمَرؤُوسِينَ والرُّؤَسَاءَ؛ وكَيفَ لا يَفْخَرُ المُسلِمُونَ بِدِينِهِمُ الذي لا يُجَامَلُ فِيهِ قَوِيٌّ ولا نَسِيبٌ، ولا يُحَابَى فِيهِ بَعِيدٌ أو قَرِيبٌ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد نَالَت هذهِ الأُمَّةُ شَرَفَ الرِّيَادَةِ والسِّيَادَةِ، وكَانَت خَيرَ أُمَّةٍ أُخرَجَتْ للنَّاسِ، بالعَدْلِ والعَادِلِينَ، ورَضِيَ اللهُ تعالى عَن الصِّدِّيقِ عِندَمَا قَالَ عِندَ تَوَلِّيهِ الخِلافَةَ: ألا إِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ.
ورَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى عَن الفَارُوقِ الذي أَوصَى أَبَا مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِقَولِهِ: سَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ ومَجْلِسِك وَعَدْلِك، حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِك، وَلَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك.
إمَامٌ عَادِلٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَكثَرِ العَدْلِ نَفْعَاً، ومن أَعظَمِهِ وَقْعَاً على النُّفُوسِ، عَدْلَ السُّلطَانِ الذي يَقْسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ويَعْدِلُ في القَضِيَّةِ، ويُشْفِقُ على الرَّعِيَّةِ، لذلكَ كَانَ أَوَّلَ السَّبعَةِ الذينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ.
عَلَيكَ بالعَدْلِ إنْ وُلِّيتَ مَمْلَكَةً *** وَاحْذَرْ من الجَوْرِ فِيهَا غَايَةَ الحَذَرِ
فَالمُلْكُ يَبْقَى على الكُفْرِ البَهِيمِ ولا *** يَبْقَى مَعَ الجَوْرِ في بَدْوٍ وفي حَضَرِ
«لا يَجنِي جَانٍ إلا على نَفسِهِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: ومن العَدْلِ الذي تَمَيَّزَ بِهِ شَرْعُنَا الحَنِيفُ، والذي نَعتَزُّ بِهِ ونَفتَخِرُ، أنَّهُ لا يَأخُذُ أَحَدَاً بِجَرِيرَةِ غَيرِهِ، وهذا ما رَبَّى عَلَيهِ سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبَّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾.
وبذلكَ خَتَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرْعَهُ الشَّرِيفَ حِينَ وَقَفَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ يُرَكِّزُ على هذا الجَانِبِ المُهِمِّ في حَيَاةِ الأُمَّةِ، حَتَّى تَنَالَ الأمْنَ والأَمَانَ والاستِقْرَارَ.
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّمِيمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ ـ أَيْ: لَطْخَ حِنَّاءٍ ـ وَرَأَيْتُ عَلَى كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ ـ خَاتَم النُبُوَّةِ ـ.
قَالَ أَبِي: إِنِّي طَبِيبٌ، أَلَا أَبُطُّهَا لَكَ؟ ـ من البَطِّ، وهو شَقُّ الدَّمْلِ ـ ولَم يَعرِف أَبُو أَبِي رِمْثَةَ أنَّهُ خَاتَم النُبُوَّةِ.
قَالَ: «طَيَّبَهَا الَّذِي خَلَقَهَا».
(وفي رِوَايَةٍ للإمامِ أحمد قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتَ بِطَبِيبٍ وَلَكِنَّكَ رَفِيقٌ طَبِيبُهَا الَّذِي وَضَعَهَا».)
قَالَ: وَقَالَ لِأَبِي: «هَذَا ابْنُكَ؟»
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ».
وروى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَلَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ وَلَا بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ».
وروى الإمام أحمد والنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَأَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ».
قَالَ: فَدَخَلَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الْيَرْبُوعِيُّونَ الَّذِينَ قَتَلُوا فُلَاناً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: هذا المَبدَأُ نَجِدُهُ وَاضِحَاً في كِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ الذي لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ، تَسأَلُهُ آسِيَةُ زَوجَةُ فِرعَونَ أن يُكرِمَهَا بِبَيتٍ في الجَنَّةِ، قَالَ تعالى مُخبِرَاً عَنهَا: ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. وأَكرَمَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ بذلكَ، ولم يُحَمِّلْهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ إِثْمَ زَوجِهَا.
روى الإمام أحمد والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ.
قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟»
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
وروى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمَلَ مِن الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِن النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ ـ وَهُوَ أَنْ يُثْرَدَ الْخُبْزُ بِمَرَقِ اللَّحْمِ ـ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَلَيكُمْ بالعَدْلِ، فإنَّهُ أَمَانٌ لِصَاحِبِهِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، ورِضَاً من اللهِ تعالى عن العَادِلِ، ويَسْلَمُ بِهِ من شَرِّ الآخَرِينَ، وإِيَّاكُم والجَوْرَ والظُّلْمَ، وأن تَأخُذُوا قَرِيبَ المُجرِمِ بِوِزْرِ المُجرِمِ، لِقَولِ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
أيُّها الإخوة الكرام: لا تُحَمِّلُوا نِسَاءَكُم إِثْمَ أُمَّهَاتِهِنَّ وإِسَاءَتَهُنَّ إِلَيكُم، وكذلكَ لا تُحَمِّلُوا أُمَّهَاتِ نِسَائِكُم إِثْمَ نِسَائِكُم، فلا تَأخُذُوا هذهِ بِجَرِيمَةِ هذهِ، ولا هذهِ بِجَرِيمَةِ هذهِ.
وكذلكَ لا تُحَمِّلِ المَرأَةُ زَوجَهَا إِثْمَ أُمِّهِ وإِسَاءَتَهَا لَهَا، أو أَخَوَاتِهِ، وكذلكَ لا تُحَمِّلِ المَرأَةُ أُمَّ زَوجَهَا وأَخَوَاتِهِ إِثْمَ زَوجِهَا، فلا تَأخُذْ هذهِ بِجَرِيمَةِ هذا، ولا هذا بِجَرِيمَةِ هذهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لا تُحَمِّلُوا الأُستَاذَ والشَّيخَ جَرِيمَةَ المُرِيدِ والتِّلمِيذِ، ولا تُحَمِّلُوا الوَالِدَ جَرِيمَةَ وَلَدِهِ، ولا تُحَمِّلُوا الأَخَ جَرِيمَةَ أَخِيهِ، ولا تُحَمِّلُوا العَائِلَةَ جَرِيمَةَ فَرْدٍ من أَفرَادِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: وإنَّ من الظُّلْمِ الشَّنِيعِ، والإجرَامِ الفَظِيعِ، أن يُحَمِّلَ النَّاسُ الإسلامَ وِزْرَ المُسلِمِينَ، ويَطعَنُوا في الإسلامِ بِسَبَبِ سُوءِ بَعْضِ المُسلِمِينَ في تَصَرُّفَاتِهِم وأَفعَالِهِم.
كَمَا أنَّ من العَارِ الكَبِيرِ على وَلِيِّ الأَمْرِ أن يُحَمِّلَ وِزْرَ إنسَانٍ إنسَانَاً لا عَلاقَةَ لَهُ بهذا الوِزْرِ، سَوَاءٌ كَانَ هذا الإنسَانُ قَرِيبَاً من صَاحِبِ الوِزْرِ أم بَعِيدَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المَدَنِيَّةَ اليَومَ مَدَنِيَّةٌ مُزَيَّفَةٌ كَذَّابَةٌ، فإنَّهَا تَأخُذُ شَعبَاً كَامِلاً بِوِزْرِ فَرْدٍ من أَفرَادِهِ.
وفي الخِتَامِ، عَودَةٌ إلى هَدْيِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا أَرَدْنَا سَعَادَةَ الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومن الهَدْيِ الذي جَاءَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لما يُرضيكَ عَنَّا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
177ـ «لا يَجنِي جَانٍ إلا على نَفسِهِ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: اِتَّفَقَتِ الشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةُ، واتَّفَقَتِ الفِطَرُ السَّوِيَّةُ، وأَصحَابُ النُّفُوسِ المُستَقِيمَةِ، على أنَّ العَدْلَ تَاجٌ على رَأسِ صَاحِبِهِ، لأنَّهُ نِظَامُ الحَيَاةِ، وهوَ مِيزَانُ الحَقِّ.
دِينٌ بلا عَدْلٍ لا يَكُونُ، ودَولَةٌ بلا عَدْلٍ لا تَقُومُ، أُمنِيَةُ عُقَلاءِ البَشَرِ العَدْلُ، وغَايَةُ الرِّسَالاتِ السَّمَاوِيَّةِ العَدْلُ، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: العَدْلُ في دِينِنَا مَفْخَرَةٌ لِكُلِّ مُسلِمٍ في مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، وهوَ تَاجُ عِزٍّ على رَأسِ هذهِ الأُمَّةِ، لأنَّهُ وَسِعَ الأَقرِبَاءَ والغُرَبَاءَ، والأَقوِيَاءَ والضُّعَفَاءَ، والأَصدِقَاءَ والأَعدَاءَ، والمَرؤُوسِينَ والرُّؤَسَاءَ؛ وكَيفَ لا يَفْخَرُ المُسلِمُونَ بِدِينِهِمُ الذي لا يُجَامَلُ فِيهِ قَوِيٌّ ولا نَسِيبٌ، ولا يُحَابَى فِيهِ بَعِيدٌ أو قَرِيبٌ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد نَالَت هذهِ الأُمَّةُ شَرَفَ الرِّيَادَةِ والسِّيَادَةِ، وكَانَت خَيرَ أُمَّةٍ أُخرَجَتْ للنَّاسِ، بالعَدْلِ والعَادِلِينَ، ورَضِيَ اللهُ تعالى عَن الصِّدِّيقِ عِندَمَا قَالَ عِندَ تَوَلِّيهِ الخِلافَةَ: ألا إِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ، وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ.
ورَضِيَ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى عَن الفَارُوقِ الذي أَوصَى أَبَا مُوسَى الأَشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِقَولِهِ: سَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ ومَجْلِسِك وَعَدْلِك، حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِك، وَلَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِك.
إمَامٌ عَادِلٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ من أَكثَرِ العَدْلِ نَفْعَاً، ومن أَعظَمِهِ وَقْعَاً على النُّفُوسِ، عَدْلَ السُّلطَانِ الذي يَقْسِمُ بالسَّوِيَّةِ، ويَعْدِلُ في القَضِيَّةِ، ويُشْفِقُ على الرَّعِيَّةِ، لذلكَ كَانَ أَوَّلَ السَّبعَةِ الذينَ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ.
عَلَيكَ بالعَدْلِ إنْ وُلِّيتَ مَمْلَكَةً *** وَاحْذَرْ من الجَوْرِ فِيهَا غَايَةَ الحَذَرِ
فَالمُلْكُ يَبْقَى على الكُفْرِ البَهِيمِ ولا *** يَبْقَى مَعَ الجَوْرِ في بَدْوٍ وفي حَضَرِ
«لا يَجنِي جَانٍ إلا على نَفسِهِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: ومن العَدْلِ الذي تَمَيَّزَ بِهِ شَرْعُنَا الحَنِيفُ، والذي نَعتَزُّ بِهِ ونَفتَخِرُ، أنَّهُ لا يَأخُذُ أَحَدَاً بِجَرِيرَةِ غَيرِهِ، وهذا ما رَبَّى عَلَيهِ سَيِّدُنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ، وذلكَ من خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبَّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. ومن خِلالِ قَولِهِ تعالى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾.
وبذلكَ خَتَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَرْعَهُ الشَّرِيفَ حِينَ وَقَفَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ يُرَكِّزُ على هذا الجَانِبِ المُهِمِّ في حَيَاةِ الأُمَّةِ، حَتَّى تَنَالَ الأمْنَ والأَمَانَ والاستِقْرَارَ.
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ التَّمِيمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ ـ أَيْ: لَطْخَ حِنَّاءٍ ـ وَرَأَيْتُ عَلَى كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ ـ خَاتَم النُبُوَّةِ ـ.
قَالَ أَبِي: إِنِّي طَبِيبٌ، أَلَا أَبُطُّهَا لَكَ؟ ـ من البَطِّ، وهو شَقُّ الدَّمْلِ ـ ولَم يَعرِف أَبُو أَبِي رِمْثَةَ أنَّهُ خَاتَم النُبُوَّةِ.
قَالَ: «طَيَّبَهَا الَّذِي خَلَقَهَا».
(وفي رِوَايَةٍ للإمامِ أحمد قَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَسْتَ بِطَبِيبٍ وَلَكِنَّكَ رَفِيقٌ طَبِيبُهَا الَّذِي وَضَعَهَا».)
قَالَ: وَقَالَ لِأَبِي: «هَذَا ابْنُكَ؟»
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ».
وروى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَلَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيرَةِ أَبِيهِ وَلَا بِجَرِيرَةِ أَخِيهِ».
وروى الإمام أحمد والنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: «يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، وَأَدْنَاكَ فَأَدْنَاكَ».
قَالَ: فَدَخَلَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الْيَرْبُوعِيُّونَ الَّذِينَ قَتَلُوا فُلَاناً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: هذا المَبدَأُ نَجِدُهُ وَاضِحَاً في كِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَرَبُّنَا عزَّ وجلَّ الذي لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ، تَسأَلُهُ آسِيَةُ زَوجَةُ فِرعَونَ أن يُكرِمَهَا بِبَيتٍ في الجَنَّةِ، قَالَ تعالى مُخبِرَاً عَنهَا: ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. وأَكرَمَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ بذلكَ، ولم يُحَمِّلْهَا رَبُّنَا عزَّ وجلَّ إِثْمَ زَوجِهَا.
روى الإمام أحمد والحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ.
قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذَا؟»
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
وروى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَمَلَ مِن الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِن النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ ـ وَهُوَ أَنْ يُثْرَدَ الْخُبْزُ بِمَرَقِ اللَّحْمِ ـ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَلَيكُمْ بالعَدْلِ، فإنَّهُ أَمَانٌ لِصَاحِبِهِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، ورِضَاً من اللهِ تعالى عن العَادِلِ، ويَسْلَمُ بِهِ من شَرِّ الآخَرِينَ، وإِيَّاكُم والجَوْرَ والظُّلْمَ، وأن تَأخُذُوا قَرِيبَ المُجرِمِ بِوِزْرِ المُجرِمِ، لِقَولِ رَبِّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. ولِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
أيُّها الإخوة الكرام: لا تُحَمِّلُوا نِسَاءَكُم إِثْمَ أُمَّهَاتِهِنَّ وإِسَاءَتَهُنَّ إِلَيكُم، وكذلكَ لا تُحَمِّلُوا أُمَّهَاتِ نِسَائِكُم إِثْمَ نِسَائِكُم، فلا تَأخُذُوا هذهِ بِجَرِيمَةِ هذهِ، ولا هذهِ بِجَرِيمَةِ هذهِ.
وكذلكَ لا تُحَمِّلِ المَرأَةُ زَوجَهَا إِثْمَ أُمِّهِ وإِسَاءَتَهَا لَهَا، أو أَخَوَاتِهِ، وكذلكَ لا تُحَمِّلِ المَرأَةُ أُمَّ زَوجَهَا وأَخَوَاتِهِ إِثْمَ زَوجِهَا، فلا تَأخُذْ هذهِ بِجَرِيمَةِ هذا، ولا هذا بِجَرِيمَةِ هذهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لا تُحَمِّلُوا الأُستَاذَ والشَّيخَ جَرِيمَةَ المُرِيدِ والتِّلمِيذِ، ولا تُحَمِّلُوا الوَالِدَ جَرِيمَةَ وَلَدِهِ، ولا تُحَمِّلُوا الأَخَ جَرِيمَةَ أَخِيهِ، ولا تُحَمِّلُوا العَائِلَةَ جَرِيمَةَ فَرْدٍ من أَفرَادِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: وإنَّ من الظُّلْمِ الشَّنِيعِ، والإجرَامِ الفَظِيعِ، أن يُحَمِّلَ النَّاسُ الإسلامَ وِزْرَ المُسلِمِينَ، ويَطعَنُوا في الإسلامِ بِسَبَبِ سُوءِ بَعْضِ المُسلِمِينَ في تَصَرُّفَاتِهِم وأَفعَالِهِم.
كَمَا أنَّ من العَارِ الكَبِيرِ على وَلِيِّ الأَمْرِ أن يُحَمِّلَ وِزْرَ إنسَانٍ إنسَانَاً لا عَلاقَةَ لَهُ بهذا الوِزْرِ، سَوَاءٌ كَانَ هذا الإنسَانُ قَرِيبَاً من صَاحِبِ الوِزْرِ أم بَعِيدَاً.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المَدَنِيَّةَ اليَومَ مَدَنِيَّةٌ مُزَيَّفَةٌ كَذَّابَةٌ، فإنَّهَا تَأخُذُ شَعبَاً كَامِلاً بِوِزْرِ فَرْدٍ من أَفرَادِهِ.
وفي الخِتَامِ، عَودَةٌ إلى هَدْيِ سَيِّدِنا رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا أَرَدْنَا سَعَادَةَ الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومن الهَدْيِ الذي جَاءَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَولُ اللهِ تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَجْنِي نَفْسٌ عَلَى أُخْرَى ـ مَرَّتَيْنِ ـ».
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لما يُرضيكَ عَنَّا. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin