مع الحبيب المصطفى: «لا تكن سبباً في شقاء أبنائك وبناتك»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
153ـ «لا تكن سبباً في شقاء أبنائك وبناتك»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ قَولَ الصَّرَاحَةِ ضَرُورِيٌّ، وخَاصَّةً فِيمَا بَينَنَا وبَينَ أَنفُسِنَا، وإنَّ عَدَمَ الصَّرَاحَةِ يَدفِنُ الحَقَائِقَ ويُوقِعُ في الأَخطَاءِ، ويَجعَلُ العَبدَ خَاسِرَاً يَومَ الحِسَابِ.
أيُّها الإخوة الكرام: هُنَاكَ مُشكِلاتٌ اجتِمَاعِيَّةٌ، وأخطَاءٌ في عَلاقَةِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ مَعَ الأَبنَاءِ، لذلكَ لا بُدَّ من طَرْحِ هذهِ المَوضُوعَاتِ وعِلاجِهَا، الحَقِيقَةُ مُرَّةٌ، والمُصَارَحَةُ مُؤلِمَةٌ، ولكِنَّهَا أَهوَنُ من مَرَارَةِ النَّتَائِجِ الفَادِحَةِ التي فَرَّقَت كَيَانَ الأُسَرِ.
البَعضُ كَانَ سَبَبَاً في شَقَاءِ أَبنَائِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَصبَحنَا في زَمَنٍ تَكَالَبَ فِيهِ أَعدَاءُ الأُمَّةِ على الإسلامِ وأَهلِهِ، وكَشَّرُوا فِيهِ عن أَنيَابِهِم، لقد أَصبَحنَا في زَمَنٍ انتَشَرَت فِيهِ وَسَائِلُ الفَسَادِ والإفسَادِ، حتَّى عَمَّت وطَمَّت، وقَلَّمَا أن يَخلُوَ بَيتٌ مِنهَا، لذلكَ كَانِ لِزَامَاً عَلَينَا نَحنُ الآبَاءَ والأُمَّهَاتِ أن نَهتَمَّ بِتَربِيَةِ الأَبنَاءِ، وأن نَبحَثَ عن كُلِّ وَسِيلَةٍ تُعِينُنَا على القِيَامِ بهذهِ المَسُؤولِيَّةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: تَكَلَّمتُ مُطَوَّلاً عن بِرِّ الوَالِدَينِ، والتَّحذِيرِ من عُقُوقِهِمَا، ولكن يَجِبُ عَلَيَّ أن أَقُولَ كَلِمَةَ حَقٍّ، وإن كَانَت تُحزِنُ القَلبَ، وتُفَتِّتُ الفُؤَادَ، ألا وهيَ: لقد أَهمَلنَا تَربِيَةَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ، واستَهَنَّا بِهَا، وضَيَّعنَاهَا، فما حَافَظنَا على أَبنَائِنَا، ولا رَبَّينَاهُم على البِرِّ والتَّقوَى ـ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى ـ بل وبِكُلِّ أَسَفٍ، الكَثِيرُ من الآبَاءِ كَانُوا سَبَبَاً في شَقَاءِ أَبنَائِهِم وفَسَادِهِم، فَكَم من الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ مِمَّن أَشقَى أَبنَاءَهُ وبَنَاتِهِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وذلكَ بإهمَالِهِم وتَرْكِ تَربِيَتِهِم، بل أَعَانُوهُم على أَهوَائِهِم وشَهَوَاتِهِم، وهُم يَزعُمُونَ أَنَّهُم يُكرِمُونَهُم، وهُم في الحَقِيقَةِ يُهِينُونَهُم، ويَزعُمُونَ أَنَّهُم يَرحَمُونَهُم، وهُم في الحَقِيقَةِ يَظلِمُونَهُم.
وكَانَت نَتِيجَةُ هذا الإهمَالِ ضَيَاعَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ حتَّى وَقَعُوا في العُقُوقِ، وفَوَّتُوا على أَبنَائِهِم حَيَاتَهُمُ الطَّيِّبَةَ في الحَيَاةِ الدُّنيَا، وسَعَادَتَهُم يَومَ القِيَامَةِ، وبذلكَ خَسِرُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ.
وكَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ: إذا رَأَيتَ الفَسَادَ في الأَولادِ، رَأَيتَ عَامَّتَهُ من قِبَلِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.
تَسَاءَلُوا أَيُّهَا الآبَاءُ والأُمَّهَاتُ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَسَاءَلُوا فِيمَا بَينَكُم وبَينَ أَنفُسِكُم عن بَعضِ الوَاجِبَاتِ التي أَلقَاهَا اللهُ تعالى عَلَيكُم نَحْوَ أَبنَائِكُم وبَنَاتِكُم، هل التَزَمتُم هذهِ الوَاجِبَاتِ، أم ضَيَّعتُمُوهَا؟
أولاً: هل سَأَلتُمُ اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ شَأنُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أن يَسأَلُوا اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، فهذا سَيِّدُنَا إبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ يَدعُو اللهَ تعالى بِقَولِهِ: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾. ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ يَدعُو اللهَ تعالى بِقَولِهِ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.
وهؤلاءِ عِبَادُ الرَّحمنِ يَسأَلُونَ اللهَ تعالى بِقَولِهِم: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: هل سَأَلنَا اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وسَأَلنَاهُ أن لا يَجعَلَ للشَّيطَانِ عَلَيهِم سَبِيلاً؟
وهذا ما حَثَّنَا عَلَيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً».
وذلكَ لأنَّ الشَّيطَانَ إذا شَارَكَ الآبَاءَ والأُمَّهَاتِ في الأَولادِ فقد خَسِرُوا خُسرَانَاً مُبِينَاً، كما قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً﴾.
ثانياً: هل غَرَستُم في نُفُوسِهِمُ الإيمَانَ والعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ حِرْصُ الصَّفْوَةِ من الخَلْقِ على إيمَانِ وعَقِيدَةِ أَبنَائِهِم وبَنَاتِهِم مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم، قال تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنَا إبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾.
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغرِسُ العَقِيدَةَ في نَفسِ ابنِ عَمِّهِ مُنذُ نُعُومَةَ أَظفَارِهِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
ثالثاً: هل حَرِصتُم على تَعلِيمِهِم أُمورَ دِينِهِم؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ حِرْصُ الخِيرَةِ من الخَلْقِ على عِبَادَةِ أَبنَائِهِم وبَنَاتِهِم للهِ عزَّ وجلَّ، وذلكَ انطِلاقَاً من قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
هذا سَيِّدُنَا إبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾.
ويُخبِرُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن سَيِّدِنَا إسمَاعِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ بِقَولِهِ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيَّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً﴾.
ويُخبِرُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن سَيِّدِنَا لُقمَانَ إذ يُوصِي وَلَدَهُ بِقَولِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.
ويَقُولُ اللهُ تعالى آمِرَاً سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَأمُرَ أَهلَهُ بالصَّلاةِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: وقد امتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطرُقُ البَابَ على فَاطِمَةَ وعَلِيٍّ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَةً فَقَالَ: «أَلَا تُصَلِّيَانِ؟».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا.
فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئاً، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾.
وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَّجِهُ إلى حُجُرَاتِ نِسَائِهِ آمِرَاً: «سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِن الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِن الْخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الأُسرَةُ هيَ نَوَاةُ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ، وبِصَلاحِ الأُسرَةِ صَلاحُ البَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، كما أنَّهُ بِفَسَادِهَا فَسَادُ الأَرضِ ومَن عَلَيهَا.
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّوا أَبنَاءَكُم مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم على الإيمَانِ باللهِ تعالى، واجعَلُوهُم يَستَشعِرُونَ حَقِيقَةَ كَلِمَةِ التَّوحِيدِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في أَبنَائِنَا وبَنَاتِنَا، ولنَكُنْ لَهُم قُدوَةً صَالِحَةً، ولنَقُمْ بالوَاجِبِ الذي عَلَينَا نَحْوَهُم، لأنَّنَا سَوفَ نُسأَلُ عَنهُم يَومَ القِيَامَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وعَدَّ مِنهُم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ».
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَستَعِدَّ لِلِقَاءِ اللهِ تعالى، ولِسُؤَالِهِ لَنَا عن أَبنَائِنَا.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
153ـ «لا تكن سبباً في شقاء أبنائك وبناتك»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ قَولَ الصَّرَاحَةِ ضَرُورِيٌّ، وخَاصَّةً فِيمَا بَينَنَا وبَينَ أَنفُسِنَا، وإنَّ عَدَمَ الصَّرَاحَةِ يَدفِنُ الحَقَائِقَ ويُوقِعُ في الأَخطَاءِ، ويَجعَلُ العَبدَ خَاسِرَاً يَومَ الحِسَابِ.
أيُّها الإخوة الكرام: هُنَاكَ مُشكِلاتٌ اجتِمَاعِيَّةٌ، وأخطَاءٌ في عَلاقَةِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ مَعَ الأَبنَاءِ، لذلكَ لا بُدَّ من طَرْحِ هذهِ المَوضُوعَاتِ وعِلاجِهَا، الحَقِيقَةُ مُرَّةٌ، والمُصَارَحَةُ مُؤلِمَةٌ، ولكِنَّهَا أَهوَنُ من مَرَارَةِ النَّتَائِجِ الفَادِحَةِ التي فَرَّقَت كَيَانَ الأُسَرِ.
البَعضُ كَانَ سَبَبَاً في شَقَاءِ أَبنَائِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَصبَحنَا في زَمَنٍ تَكَالَبَ فِيهِ أَعدَاءُ الأُمَّةِ على الإسلامِ وأَهلِهِ، وكَشَّرُوا فِيهِ عن أَنيَابِهِم، لقد أَصبَحنَا في زَمَنٍ انتَشَرَت فِيهِ وَسَائِلُ الفَسَادِ والإفسَادِ، حتَّى عَمَّت وطَمَّت، وقَلَّمَا أن يَخلُوَ بَيتٌ مِنهَا، لذلكَ كَانِ لِزَامَاً عَلَينَا نَحنُ الآبَاءَ والأُمَّهَاتِ أن نَهتَمَّ بِتَربِيَةِ الأَبنَاءِ، وأن نَبحَثَ عن كُلِّ وَسِيلَةٍ تُعِينُنَا على القِيَامِ بهذهِ المَسُؤولِيَّةِ.
أيُّها الإخوة الكرام: تَكَلَّمتُ مُطَوَّلاً عن بِرِّ الوَالِدَينِ، والتَّحذِيرِ من عُقُوقِهِمَا، ولكن يَجِبُ عَلَيَّ أن أَقُولَ كَلِمَةَ حَقٍّ، وإن كَانَت تُحزِنُ القَلبَ، وتُفَتِّتُ الفُؤَادَ، ألا وهيَ: لقد أَهمَلنَا تَربِيَةَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ، واستَهَنَّا بِهَا، وضَيَّعنَاهَا، فما حَافَظنَا على أَبنَائِنَا، ولا رَبَّينَاهُم على البِرِّ والتَّقوَى ـ إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى ـ بل وبِكُلِّ أَسَفٍ، الكَثِيرُ من الآبَاءِ كَانُوا سَبَبَاً في شَقَاءِ أَبنَائِهِم وفَسَادِهِم، فَكَم من الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ مِمَّن أَشقَى أَبنَاءَهُ وبَنَاتِهِ في الدُّنيَا والآخِرَةِ، وذلكَ بإهمَالِهِم وتَرْكِ تَربِيَتِهِم، بل أَعَانُوهُم على أَهوَائِهِم وشَهَوَاتِهِم، وهُم يَزعُمُونَ أَنَّهُم يُكرِمُونَهُم، وهُم في الحَقِيقَةِ يُهِينُونَهُم، ويَزعُمُونَ أَنَّهُم يَرحَمُونَهُم، وهُم في الحَقِيقَةِ يَظلِمُونَهُم.
وكَانَت نَتِيجَةُ هذا الإهمَالِ ضَيَاعَ الأَبنَاءِ والبَنَاتِ حتَّى وَقَعُوا في العُقُوقِ، وفَوَّتُوا على أَبنَائِهِم حَيَاتَهُمُ الطَّيِّبَةَ في الحَيَاةِ الدُّنيَا، وسَعَادَتَهُم يَومَ القِيَامَةِ، وبذلكَ خَسِرُوا الدُّنيَا والآخِرَةَ.
وكَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ: إذا رَأَيتَ الفَسَادَ في الأَولادِ، رَأَيتَ عَامَّتَهُ من قِبَلِ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.
تَسَاءَلُوا أَيُّهَا الآبَاءُ والأُمَّهَاتُ:
أيُّها الإخوة الكرام: تَسَاءَلُوا فِيمَا بَينَكُم وبَينَ أَنفُسِكُم عن بَعضِ الوَاجِبَاتِ التي أَلقَاهَا اللهُ تعالى عَلَيكُم نَحْوَ أَبنَائِكُم وبَنَاتِكُم، هل التَزَمتُم هذهِ الوَاجِبَاتِ، أم ضَيَّعتُمُوهَا؟
أولاً: هل سَأَلتُمُ اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ شَأنُ الأنبِيَاءِ والمُرسَلِينَ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ أن يَسأَلُوا اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، فهذا سَيِّدُنَا إبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ يَدعُو اللهَ تعالى بِقَولِهِ: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾. ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾. ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ يَدعُو اللهَ تعالى بِقَولِهِ: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.
وهؤلاءِ عِبَادُ الرَّحمنِ يَسأَلُونَ اللهَ تعالى بِقَولِهِم: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: هل سَأَلنَا اللهَ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وسَأَلنَاهُ أن لا يَجعَلَ للشَّيطَانِ عَلَيهِم سَبِيلاً؟
وهذا ما حَثَّنَا عَلَيهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَداً».
وذلكَ لأنَّ الشَّيطَانَ إذا شَارَكَ الآبَاءَ والأُمَّهَاتِ في الأَولادِ فقد خَسِرُوا خُسرَانَاً مُبِينَاً، كما قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً﴾.
ثانياً: هل غَرَستُم في نُفُوسِهِمُ الإيمَانَ والعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ حِرْصُ الصَّفْوَةِ من الخَلْقِ على إيمَانِ وعَقِيدَةِ أَبنَائِهِم وبَنَاتِهِم مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم، قال تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنَا إبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾.
وقال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
وهذا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَغرِسُ العَقِيدَةَ في نَفسِ ابنِ عَمِّهِ مُنذُ نُعُومَةَ أَظفَارِهِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ».
ثالثاً: هل حَرِصتُم على تَعلِيمِهِم أُمورَ دِينِهِم؟
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ حِرْصُ الخِيرَةِ من الخَلْقِ على عِبَادَةِ أَبنَائِهِم وبَنَاتِهِم للهِ عزَّ وجلَّ، وذلكَ انطِلاقَاً من قَولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.
هذا سَيِّدُنَا إبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلامُ يَقُولُ: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾.
ويُخبِرُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن سَيِّدِنَا إسمَاعِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ بِقَولِهِ: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيَّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيَّاً﴾.
ويُخبِرُ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ عن سَيِّدِنَا لُقمَانَ إذ يُوصِي وَلَدَهُ بِقَولِهِ: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾.
ويَقُولُ اللهُ تعالى آمِرَاً سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يَأمُرَ أَهلَهُ بالصَّلاةِ: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: وقد امتَثَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرَ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطرُقُ البَابَ على فَاطِمَةَ وعَلِيٍّ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام البخاري عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَةً فَقَالَ: «أَلَا تُصَلِّيَانِ؟».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا.
فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئاً، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً﴾.
وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَّجِهُ إلى حُجُرَاتِ نِسَائِهِ آمِرَاً: «سُبْحَانَ اللهِ! مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِن الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِن الْخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا، عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ» رواه الإمام البخاري عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: الأُسرَةُ هيَ نَوَاةُ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ، وبِصَلاحِ الأُسرَةِ صَلاحُ البَشَرِيَّةِ جَمعَاءَ، كما أنَّهُ بِفَسَادِهَا فَسَادُ الأَرضِ ومَن عَلَيهَا.
أيُّها الإخوة الكرام: رَبُّوا أَبنَاءَكُم مُنذُ نُعُومَةِ أَظفَارِهِم على الإيمَانِ باللهِ تعالى، واجعَلُوهُم يَستَشعِرُونَ حَقِيقَةَ كَلِمَةِ التَّوحِيدِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَتَّقِ اللهَ تعالى في أَبنَائِنَا وبَنَاتِنَا، ولنَكُنْ لَهُم قُدوَةً صَالِحَةً، ولنَقُمْ بالوَاجِبِ الذي عَلَينَا نَحْوَهُم، لأنَّنَا سَوفَ نُسأَلُ عَنهُم يَومَ القِيَامَةِ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». وعَدَّ مِنهُم: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ».
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَستَعِدَّ لِلِقَاءِ اللهِ تعالى، ولِسُؤَالِهِ لَنَا عن أَبنَائِنَا.
اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيكَ رَدَّاً جَمِيلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin