مع الحبيب المصطفى: «أَنتَ ومَالُكَ لِأَبِيكَ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
152ـ «أَنتَ ومَالُكَ لِأَبِيكَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد شَاءَ اللهُ تعالى أن يَخلُقَ الإنسَانَ في أَحسَنِ تَقوِيمٍ، فَسَوَّاهُ وعَدَّلَهُ، وفي أَيِّ صُورَةٍ ما شَاءَ رَكَّبَهُ، وشَاءَ اللهُ تعالى أن يَجعَلَ هذا الإنسَانَ يَمُرُّ بِمَرَاحِلَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا تَتَفَاوَتُ فِيهِ قُدُرَاتُهُ وإمكَانَاتُهُ، وقد سَطَّرَ ذلكَ رَبُّنَا في القُرآنِ العَظِيمِ المَحفُوظِ حتَّى لا يَنسَى الإنسَانُ تَركِيبَهُ.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾.
وقَالَ سُبحَانَهُ وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمَّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
وقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.
سَخَّرَ اللهُ تعالى للإنسَانِ من يَكلَؤُهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: من تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ على خَلْقِهِ أن جَعَلَ لهذا الإنسَانِ عِندَ كُلِّ طَوْرٍ من الأَطوَارِ التي يَمُرُّ بِهَا من يَكلَؤُهُ ويَعتَنِي بِهِ بِدَافِعِ الفِطْرَةِ والرَّحمَةِ صَغِيرَاً، وبِدَافِعِ المَوَدَّةِ والاحتِسَابِ كَبِيرَاً.
فَفِي مَرحَلَةِ طُفُولَةِ هذا الإنسَانِ سَخَّرَ اللهُ تعالى لَهُ الأَبَوَينِ، فَأُمُّهُ تَحُوطُهُ وتَرعَاهُ، وتُغدِقُ عَلَيهِ من حَنَانِهَا، بَذَلَت مُهجَتَهَا، وفَرَّغَت وَقتَهَا، واستَعذَبَت انشِغَالَهَا بِوَلِيدِهَا.
أمَّا أَبُوهُ فَحَدِّثْ بِدُونِ حَرَجٍ، فقد شَمَّرَ عن سَاعِدِ جِدِّهِ لِتَأمِينِ مَعِيشَةِ وَلَدِهِ، وقَامَ بالنَّفَقَةِ عَلَيهِ ورِعَايَتِهِ حَقَّ الرِّعَايَةِ بِدَافِعِ الفِطْرَةِ التي فَطَرَهُ اللهُ تعالى عَلَيهَا.
أيُّها الإخوة الكرام: هكذا يَبقَى الوَالِدَانِ إلى أن يَشِبَّ وَلِيدُهُمَا، وحتَّى يَعتَمِدَ على نَفسِهِ في شُؤونِ حَيَاتِهِ، ويَشُقَّ طَرِيقَ عَيشِهِ، ويُنشَأَ لَهُ بَيتٌ صَغِيرٌ، وكُلُّ ذلكَ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ واحتِسَابِ الأَجْرِ عِندَ اللهِ تعالى.
لا يَرَى العَجُوزُ إلا عَجُوزَاً بِجَانِبِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن يَقُومَ الأَبَوَانِ بالوَاجِبِ الذي عَلَيهِمَا، سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً نَحْوَ هذا الوَلَدِ، فإذا بالشَّيبِ يَعلُو مَفَارِقَهُمَا، ويَدِبُّ الضَّعْفُ إلى بَدَنَيهِمَا، وقد كَبُرَ أَولادُهُمَا، فاستَقَلَّ كُلُّ ابنٍ وبِنتٍ بِحَيَاتِهِ الخَاصَّةِ مَعَ شَرِيكِ حَيَاتِهِ.
يَلتَفِتُ الوَالِدُ فإذا قُوَاهُ قد أُنهِكَت، وإذا بِحَرَكَتِهِ قد ضَعُفَت، وصَارَ عَاجِزَاً عن خِدمَةِ نَفسِهِ في كَثِيرٍ من حَاجَاتِهِ، وأَصبَحَ في حَالٍ يَحتَاجُ فِيهَا إلى مَن حَولَهُ، ولا سِيَّمَا أَبنَاؤُهُ وبَنَاتِهُ لِيَرُدُّوا إِلَيهِ الجَمِيلَ أو بَعضَهُ، فلا يَرَى عِندَهُ إلا زَوجَتَهُ العَجُوزَ التي لا تَكَادُ تَخدِمُ نَفسَهَا فَضْلاً عن القِيَامِ بِشُؤونِ زَوجِهَا.
أَينَ الأَبنَاءُ الذينَ يُرِيدُونَ التَّقَرُّبَ إلى اللهِ تعالى؟ أَينَ الأَبنَاءُ الذينَ يُرِيدُونَ الجَنَّةَ؟ أَينَ أَهلُ الوَفَاءِ الذينَ يُقَابِلُونَ الإحسَانَ بالإحسَانِ؟
أَينَ الذينَ خَدَمُوهُم صِغَارَاً؟ أَينَ الذينَ اهتَمُّوا بِهِم واغتَمُّوا لَهُم حتَّى يَنعَمُوا؟ أَينَ هُمُ الذينَ كَانُوا يَتَطَلَّعُونَ إِلَيهِم على أَنَّهُم قُرَّةُ عَينٍ لَهُم؟ أَينَ هُمُ الذينَ كَانُوا يَعتَزُّونَ بِهِم؟ لقد انفَضُّوا عَنهُم، وتَجَاهَلُوا إحسَانَهُم، بل أَعرَضُوا عن وَصِيَّةِ رَبِّهِمُ القَائِلِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾.
«إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَوصَى نَبِيُّنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الشَّبَابَ بِذِي الشَّيبَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَت هذهِ وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبِ الشَّيبَةِ من المُسلِمِينَ، فَكَيفَ إذا كَانَ ذُو الشَّيبَةِ أَحَدَ الوَالِدَينِ، أو كِلَيهِمَا؟
ضَرَبَ البَعضُ بالوَاجِبِ عَرْضَ الحَائِطِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الكَثِيرُ من الأَبنَاءِ ضَرَبُوا بالوَاجِبِ الذي عَلَيهِم نَحْوَ آبَائِهِم عَرْضَ الحَائِطِ، فلا يَزُورُونَ آبَاءَهُم إلا لِمَامَاً، وإذا جَلَسُوا مَعَهُم شَعَرُوا بِضِيقٍ كَأَنَّهُم في سِجنٍ يَنتَظِرُونَ الفَرَجَ من اللهِ تعالى لِيَسعَدُوا بالخُرُوجِ من عِندِهِم، ولِيَأنَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم بِزَوجَتِهِ أو وَلَدِهِ أو صَدِيقِهِ.
تَرَى هؤلاءِ الأَبنَاءَ إذا طَلَبَ مِنهُم آبَاؤُهُم أو أُمَّهَاتُهُم شَيئَاً تَثَاقَلُوا، وإن يَشكُوا إِلَيهِم أمرَاً تَمَهَّلُوا، يَبحَثُونَ عن الأَعذَارِ التي تَحُولُ دُونَ تَلبِيَةِ رَغَبَاتِهِم، وإذا أَنفَقُوا عَلَيهِم استَكثَرُوا ما بَذَلُوهُ لأَجلِهِم.
لقد استَخَفَّ الكَثِيرُ بِآبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِم، لأنَّهُم يَعتَقِدُونَ أنَّ دَورَهُم في الحَيَاةِ قد انتَهَى، ويَرَونَ أنَّهُ لا فَائِدَةَ من إشرَاكِهِم في اتِّخَاذِ رَأْيٍ أو طَلَبِ مَشُورَةٍ، مِمَّا يُسَبِّبُ الإحبَاطَ النَّفسِيَّ لَهُم.
«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: هل نَفِرُّ من عُقُوقِ الوَالِدَينِ إلى بِرِّهِمَا، وذلكَ من أَجلِ سَعَادَتِنَا دُنيَا وأُخرَى؟ وهل نَرعَى حُقُوقَهُما كما أَوجَبَهَا الشَّرعُ عَلَينَا؟ وهل من عَودَةٍ إلى هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في التَّعَامُلِ مَعَ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا؟
روى الطَّبَرَانِيُّ في المُعجَمِ الصَّغِيرِ عن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للرَّجُلِ: «اِذهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيكَ». فَنَزَلَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ اللهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ، ويَقُولُ: إذا جَاءَكَ الشَّيخُ، فَسَلْهُ عن شَيءٍ قَالَهُ في نَفسِهِ ما سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ.
فَلَمَّا جَاءَ الشَّيخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ ابنِكَ يَشكُوكَ، أَتُرِيدُ أن تَأخُذَ مَالَهُ؟».
فَقَالَ: سَلْهُ يا رَسُولَ اللهِ، هل أَنفَقتُهُ إلا على عَمَّاتِهِ أو خَالَاتِهِ أو على نَفسِي؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إيهٍ، دَعنَا من هذا، أَخبِرنَا عن شَيءٍ قُلتَهُ في نَفسِكَ ما سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ».
فَقَالَ الشَّيخُ: واللهِ يا رَسُولَ اللهِ، ما يَزَالُ اللهُ يَزِيدُنَا بِكَ يَقِينَاً، لقد قُلتُ في نَفسِي شَيئَاً ما سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ، وأنا أَسمَعُ».
قَالَ: قُلتُ:
غَـذَوْتُـكَ مَـوْلُوداً وَمُنْتُكَ يَافِعاً *** تُعَـلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ ضَـافَتْكَ بِالسَّقَمِ لَمْ أَبِتْ *** لِسُـقْـمِكَ إلَّا سَاهِراً أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْـرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي *** طُرِقْتَ بِـهِ دُونِي فَـعَيْنِي تَهْمُلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا *** لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْـتٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بَلَغْتَ الـسِّنَّ وَالْـغَايَةَ الَّتِي *** إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَـظَاظَةً *** كَـأَنَّـكَ أَنْـتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَـفَـضِّلُ
فَـلَيْتَـكَ إذْ لَمْ تَـرْعَ حَـقَّ أُبُـوَّتِي *** فَعَـلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
تَـرَاهُ مُـعَـدَّاً للـخِـلافِ كَـأَنَّـهُ *** بِرَدٍّ عـلى أَهـلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ
قَالَ: فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَلابِيبِ ابنِهِ وقَالَ: «أَنتَ ومَالُكَ لِأَبِيكَ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: في الخِتَامِ أذَكِّرُ نَفسِي وكُلَّ وَاحِدٍ فِينَا بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه البَيهَقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن أَصبَحَ مُطِيعَاً في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من الجَنَّةِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً، ومن أَمسَى عَاصِيَاً للهِ في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من النَّارِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً».
قَالَ رَجُلٌ: وإنْ ظَلَمَاهُ؟
قال: «وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِبِرِّ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا أَحيَاءً ومَيِّتِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
152ـ «أَنتَ ومَالُكَ لِأَبِيكَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد شَاءَ اللهُ تعالى أن يَخلُقَ الإنسَانَ في أَحسَنِ تَقوِيمٍ، فَسَوَّاهُ وعَدَّلَهُ، وفي أَيِّ صُورَةٍ ما شَاءَ رَكَّبَهُ، وشَاءَ اللهُ تعالى أن يَجعَلَ هذا الإنسَانَ يَمُرُّ بِمَرَاحِلَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا تَتَفَاوَتُ فِيهِ قُدُرَاتُهُ وإمكَانَاتُهُ، وقد سَطَّرَ ذلكَ رَبُّنَا في القُرآنِ العَظِيمِ المَحفُوظِ حتَّى لا يَنسَى الإنسَانُ تَركِيبَهُ.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾.
وقَالَ سُبحَانَهُ وتعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمَّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
وقَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾.
سَخَّرَ اللهُ تعالى للإنسَانِ من يَكلَؤُهُ:
أيُّها الإخوة الكرام: من تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عزَّ وجلَّ على خَلْقِهِ أن جَعَلَ لهذا الإنسَانِ عِندَ كُلِّ طَوْرٍ من الأَطوَارِ التي يَمُرُّ بِهَا من يَكلَؤُهُ ويَعتَنِي بِهِ بِدَافِعِ الفِطْرَةِ والرَّحمَةِ صَغِيرَاً، وبِدَافِعِ المَوَدَّةِ والاحتِسَابِ كَبِيرَاً.
فَفِي مَرحَلَةِ طُفُولَةِ هذا الإنسَانِ سَخَّرَ اللهُ تعالى لَهُ الأَبَوَينِ، فَأُمُّهُ تَحُوطُهُ وتَرعَاهُ، وتُغدِقُ عَلَيهِ من حَنَانِهَا، بَذَلَت مُهجَتَهَا، وفَرَّغَت وَقتَهَا، واستَعذَبَت انشِغَالَهَا بِوَلِيدِهَا.
أمَّا أَبُوهُ فَحَدِّثْ بِدُونِ حَرَجٍ، فقد شَمَّرَ عن سَاعِدِ جِدِّهِ لِتَأمِينِ مَعِيشَةِ وَلَدِهِ، وقَامَ بالنَّفَقَةِ عَلَيهِ ورِعَايَتِهِ حَقَّ الرِّعَايَةِ بِدَافِعِ الفِطْرَةِ التي فَطَرَهُ اللهُ تعالى عَلَيهَا.
أيُّها الإخوة الكرام: هكذا يَبقَى الوَالِدَانِ إلى أن يَشِبَّ وَلِيدُهُمَا، وحتَّى يَعتَمِدَ على نَفسِهِ في شُؤونِ حَيَاتِهِ، ويَشُقَّ طَرِيقَ عَيشِهِ، ويُنشَأَ لَهُ بَيتٌ صَغِيرٌ، وكُلُّ ذلكَ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ والمَوَدَّةِ واحتِسَابِ الأَجْرِ عِندَ اللهِ تعالى.
لا يَرَى العَجُوزُ إلا عَجُوزَاً بِجَانِبِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن يَقُومَ الأَبَوَانِ بالوَاجِبِ الذي عَلَيهِمَا، سَنَوَاتٍ طَوِيلَةً نَحْوَ هذا الوَلَدِ، فإذا بالشَّيبِ يَعلُو مَفَارِقَهُمَا، ويَدِبُّ الضَّعْفُ إلى بَدَنَيهِمَا، وقد كَبُرَ أَولادُهُمَا، فاستَقَلَّ كُلُّ ابنٍ وبِنتٍ بِحَيَاتِهِ الخَاصَّةِ مَعَ شَرِيكِ حَيَاتِهِ.
يَلتَفِتُ الوَالِدُ فإذا قُوَاهُ قد أُنهِكَت، وإذا بِحَرَكَتِهِ قد ضَعُفَت، وصَارَ عَاجِزَاً عن خِدمَةِ نَفسِهِ في كَثِيرٍ من حَاجَاتِهِ، وأَصبَحَ في حَالٍ يَحتَاجُ فِيهَا إلى مَن حَولَهُ، ولا سِيَّمَا أَبنَاؤُهُ وبَنَاتِهُ لِيَرُدُّوا إِلَيهِ الجَمِيلَ أو بَعضَهُ، فلا يَرَى عِندَهُ إلا زَوجَتَهُ العَجُوزَ التي لا تَكَادُ تَخدِمُ نَفسَهَا فَضْلاً عن القِيَامِ بِشُؤونِ زَوجِهَا.
أَينَ الأَبنَاءُ الذينَ يُرِيدُونَ التَّقَرُّبَ إلى اللهِ تعالى؟ أَينَ الأَبنَاءُ الذينَ يُرِيدُونَ الجَنَّةَ؟ أَينَ أَهلُ الوَفَاءِ الذينَ يُقَابِلُونَ الإحسَانَ بالإحسَانِ؟
أَينَ الذينَ خَدَمُوهُم صِغَارَاً؟ أَينَ الذينَ اهتَمُّوا بِهِم واغتَمُّوا لَهُم حتَّى يَنعَمُوا؟ أَينَ هُمُ الذينَ كَانُوا يَتَطَلَّعُونَ إِلَيهِم على أَنَّهُم قُرَّةُ عَينٍ لَهُم؟ أَينَ هُمُ الذينَ كَانُوا يَعتَزُّونَ بِهِم؟ لقد انفَضُّوا عَنهُم، وتَجَاهَلُوا إحسَانَهُم، بل أَعرَضُوا عن وَصِيَّةِ رَبِّهِمُ القَائِلِ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً﴾.
«إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أَوصَى نَبِيُّنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الشَّبَابَ بِذِي الشَّيبَةِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه أبو داود عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخاً لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كَانَت هذهِ وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِصَاحِبِ الشَّيبَةِ من المُسلِمِينَ، فَكَيفَ إذا كَانَ ذُو الشَّيبَةِ أَحَدَ الوَالِدَينِ، أو كِلَيهِمَا؟
ضَرَبَ البَعضُ بالوَاجِبِ عَرْضَ الحَائِطِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الكَثِيرُ من الأَبنَاءِ ضَرَبُوا بالوَاجِبِ الذي عَلَيهِم نَحْوَ آبَائِهِم عَرْضَ الحَائِطِ، فلا يَزُورُونَ آبَاءَهُم إلا لِمَامَاً، وإذا جَلَسُوا مَعَهُم شَعَرُوا بِضِيقٍ كَأَنَّهُم في سِجنٍ يَنتَظِرُونَ الفَرَجَ من اللهِ تعالى لِيَسعَدُوا بالخُرُوجِ من عِندِهِم، ولِيَأنَسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُم بِزَوجَتِهِ أو وَلَدِهِ أو صَدِيقِهِ.
تَرَى هؤلاءِ الأَبنَاءَ إذا طَلَبَ مِنهُم آبَاؤُهُم أو أُمَّهَاتُهُم شَيئَاً تَثَاقَلُوا، وإن يَشكُوا إِلَيهِم أمرَاً تَمَهَّلُوا، يَبحَثُونَ عن الأَعذَارِ التي تَحُولُ دُونَ تَلبِيَةِ رَغَبَاتِهِم، وإذا أَنفَقُوا عَلَيهِم استَكثَرُوا ما بَذَلُوهُ لأَجلِهِم.
لقد استَخَفَّ الكَثِيرُ بِآبَائِهِم وأُمَّهَاتِهِم، لأنَّهُم يَعتَقِدُونَ أنَّ دَورَهُم في الحَيَاةِ قد انتَهَى، ويَرَونَ أنَّهُ لا فَائِدَةَ من إشرَاكِهِم في اتِّخَاذِ رَأْيٍ أو طَلَبِ مَشُورَةٍ، مِمَّا يُسَبِّبُ الإحبَاطَ النَّفسِيَّ لَهُم.
«أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: هل نَفِرُّ من عُقُوقِ الوَالِدَينِ إلى بِرِّهِمَا، وذلكَ من أَجلِ سَعَادَتِنَا دُنيَا وأُخرَى؟ وهل نَرعَى حُقُوقَهُما كما أَوجَبَهَا الشَّرعُ عَلَينَا؟ وهل من عَودَةٍ إلى هَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في التَّعَامُلِ مَعَ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا؟
روى الطَّبَرَانِيُّ في المُعجَمِ الصَّغِيرِ عن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للرَّجُلِ: «اِذهَبْ فَأْتِنِي بِأَبِيكَ». فَنَزَلَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلامُ على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنَّ اللهَ يُقرِئُكَ السَّلامَ، ويَقُولُ: إذا جَاءَكَ الشَّيخُ، فَسَلْهُ عن شَيءٍ قَالَهُ في نَفسِهِ ما سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ.
فَلَمَّا جَاءَ الشَّيخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ ابنِكَ يَشكُوكَ، أَتُرِيدُ أن تَأخُذَ مَالَهُ؟».
فَقَالَ: سَلْهُ يا رَسُولَ اللهِ، هل أَنفَقتُهُ إلا على عَمَّاتِهِ أو خَالَاتِهِ أو على نَفسِي؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إيهٍ، دَعنَا من هذا، أَخبِرنَا عن شَيءٍ قُلتَهُ في نَفسِكَ ما سَمِعَتْهُ أُذُنَاكَ».
فَقَالَ الشَّيخُ: واللهِ يا رَسُولَ اللهِ، ما يَزَالُ اللهُ يَزِيدُنَا بِكَ يَقِينَاً، لقد قُلتُ في نَفسِي شَيئَاً ما سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ.
فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ، وأنا أَسمَعُ».
قَالَ: قُلتُ:
غَـذَوْتُـكَ مَـوْلُوداً وَمُنْتُكَ يَافِعاً *** تُعَـلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ ضَـافَتْكَ بِالسَّقَمِ لَمْ أَبِتْ *** لِسُـقْـمِكَ إلَّا سَاهِراً أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْـرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي *** طُرِقْتَ بِـهِ دُونِي فَـعَيْنِي تَهْمُلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا *** لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْـتٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بَلَغْتَ الـسِّنَّ وَالْـغَايَةَ الَّتِي *** إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَـظَاظَةً *** كَـأَنَّـكَ أَنْـتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَـفَـضِّلُ
فَـلَيْتَـكَ إذْ لَمْ تَـرْعَ حَـقَّ أُبُـوَّتِي *** فَعَـلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
تَـرَاهُ مُـعَـدَّاً للـخِـلافِ كَـأَنَّـهُ *** بِرَدٍّ عـلى أَهـلِ الصَّوَابِ مُوَكَّلُ
قَالَ: فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِتَلابِيبِ ابنِهِ وقَالَ: «أَنتَ ومَالُكَ لِأَبِيكَ».
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: في الخِتَامِ أذَكِّرُ نَفسِي وكُلَّ وَاحِدٍ فِينَا بِحَدِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه البَيهَقِيُّ عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَن أَصبَحَ مُطِيعَاً في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من الجَنَّةِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً، ومن أَمسَى عَاصِيَاً للهِ في وَالِدَيهِ أَصبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفتُوحَانِ من النَّارِ، وإنْ كَانَ وَاحِدَاً فَوَاحِدَاً».
قَالَ رَجُلٌ: وإنْ ظَلَمَاهُ؟
قال: «وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ، وإنْ ظَلَمَاهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لِبِرِّ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا أَحيَاءً ومَيِّتِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin