مع الحبيب المصطفى: «كَذَلِكَ الْبِرُّ, كَذَلِكَ الْبِرُّ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
150ـ «كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هَنِيئَاً لمن كَانَ بَارَّاً بِوَالِدَيهِ، هَنِيئَاً لمن جَاهَدَ نَفسَهُ وأَفنَى عُمُرَهُ في بِرِّهِ لِوَالِدَيهِ، هَنِيئَاً لمن مَاتَ أَبَوَاهُ وهُمَا رَاضِيَانِ عَنهُ، وخَاصَّةً إن كَانَا من أَهلِ الصَّلاحِ.
روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ».
وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ، أي: مِثلُ تِلكَ المَنزِلَةِ والدَّرَجَةِ تُنَالُ بِسَبَبِ البِرِّ.
وجَاءَ في مُسنَدِ الإمامِ أحمد عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجَزْتُ ـ جَازَ: سَارَ في المَكَانِ وسَلَكَهُ ومَرَّ بِهِ ـ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ».
بِرُّ الوَالِدَينِ من أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ يُعتَبَرُ من أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى، ومن أَفضَلِ القُرُبَاتِ بَعدَ الصَّلاةِ، روى الشيخان عن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا».
قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟
قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ».
قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟
قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
أيُّها الإخوة الكرام: بِرُّ الوَالِدَينِ مُقَدَّمٌ على الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، عَرَفَ هذا من عَرَفَ، وجَهِلَ هذا من جَهِلَ، وإذا أَرَادَ المُسلِمُ أن يَعرِفَ قَدْرَ وفَضْلَ وَالِدَيهِ، فَليَسمَعْ إلى ما رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ.
فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟».
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعِيدُ من أَطَاعَ وَالِدَيهِ في غَيرِ مَعصِيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، السَّعِيدُ من خَاطَبَ وَالِدَيهِ بِلُطْفٍ وأَدَبٍ، السَّعِيدُ من شَاوَرَ وَالِدَيهِ في أُمُورِهِ، السَّعِيدُ من خَفَضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحمَةِ، السَّعِيدُ من قَالَ لِوَالِدَيهِ قَولاً كَرِيمَاً حَسَنَاً طَيِّبَاً مَصحُوبَاً بالتَّقدِيرِ والاحتِرَامِ.
رُوِيَ عن هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ قَالَ: قُلتُ للحَسَنِ: إِنِّي أَتَعَلَّمُ القُرآنَ، وإنَّ أُمِّي تَنتَظِرُنِي بالعَشَاءِ.
فَقَالَ الحَسَنُ: تَعَشَّ العَشَاءَ مَعَ أُمِّكَ تُقِرُّ بِهِ عَينَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ من حَجَّةٍ تَحُجُّهَا تَطَوُّعَاً.
البِرُّ والعُقُوقُ دَينٌ وَوَفَاءٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعلَمْ جَمِيعَاً بأَنَّ البِرَّ والعُقُوقَ دَينٌ وَوَفَاءٌ، فمن أَطَاعَ وَالِدَيهِ أَطَاعَهُ أَولادُهُ، ومن أَكرَمَ وَالِدَيهِ أَكرَمَهُ أَولادُهُ، ومن أَعرَضَ عن وَالِدَيهِ وآذَاهُمَا سَلَّطَ اللهُ تعالى عَلَيهِ من ذُرِّيَّتِهِ من لا يَرعَى فِيهِ عَهْدَاً، ولا يَحفَظُ لَهُ وُدَّاً، ولا يُقِيمُ لَهُ وَزنَاً، ولا يَعرِفُ لَهُ حَقَّاً، روى الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ ـ واللَّفظُ لَهُ ـ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِرُّوا آباءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ».
وقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لا يَنبَغِي للوَلَدِ أن يَدفَعَ يَدَ وَالِدِهِ إذا ضَرَبَهُ، ومن شَدَّ النَّظَرَ إلى وَالِدَيهِ لم يَبَرَّهُمَا، ومن أَدخَلَ عَلَيهِمَا ما يُحزِنُهُمَا فَقَد عَقَّهُمَا.
رِسَالَةٌ من أُمٍّ مَجرُوحَةٍ لِوَلَدِهَا:
أيُّها الإخوة الكرام: بِبِرِّ الوَالِدَينِ تُغفَرُ الذُّنُوبُ إن شَاءَ اللهُ تعالى، وبِبِرِّهِمَا تَخرُجُ من كُلِّ ضِيقٍ بإذنِ اللهِ تعالى، وبِبِرِّهِمَا تُفتَحُ أَبوَابُ السَّمَاءِ لِدُعَاءِ الوَلَدِ، فَلنَتَّقِ اللهَ تعالى في آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، ولنَحذَرِ العُقُوقَ.
أيُّها الإخوة الكرام: أُمٌّ بَعدَ تَعَبٍ شَدِيدٍ نَحْوَ وَلَدِهَا، وبَعدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ من الشَّقَاءِ نَحْوَهُ، رَأَتْ مِنهُ الصُّدُودَ والعِصيَانَ، فَكَتَبَتْ إِلَيهِ هذهِ الرِّسَالَةَ:
يا بُنَيَّ، مُنذُ خَمسَةٍ وعِشرِينَ عَامَاً، كَانَ يَومَاً مُشرِقَاً من حَيَاتِي عِندَمَا أَخبَرَتْنِي الطَّبِيبَةُ أَنِّي حَامِلٌ، يا بُنَيَّ، تِسعَةُ أَشهُرٍ في بَطنِي فَرِحَةٌ جَذْلَةٌ، أَقُومُ مُتَثَاقِلَةً، وأَنَامُ بِصُعُوبَةٍ، وآكُلُ مُرغَمَةً، وأَتَنَفَّسُ بِأَلَمٍ، ولكنْ كُلُّ ذلكَ لم يَنقُصْ من مَحَبَّتِي لَكَ وفَرَحِي بِكَ، بل نَمَتْ مَحَبَّتُكَ مَعَ الأَيَّامِ، وتَرَعرَعَ الشَّوقُ إِلَيكَ.
حَمَلتُكَ يا بُنَيَّ وَهْنَاً على وَهْنٍ، وأَلَمَاً على أَلَمٍ، بَيدَ أَنِّي كُنتُ أَفرَحُ، وأَفرَحُ كُلَّمَا شَعَرتُ بِحَرَكَتِكَ دَاخِلَ جَوفِي، وأُسَرُّ بِزِيَادَةِ وَزْنِكَ، مَعَ أَنَّهُ حِمْلٌ ثَقِيلٌ عَلَيَّ، إنَّها مُعَانَاةٌ طَوِيلَةٌ، أَتَى بَعدَهَا فَجْرُ تِلكَ اللَّيلَةِ التي لم أَنَمْ فِيهَا، ولم يَغمَضْ لي فِيهَا جَفْنٌ، ونَالَنِي من الأَلَمِ والشِّدَّةِ والرَّهبَةِ والخَوفِ ما لا يَصِفُهُ القَلَمُ، ولا يَتَحَدَّثُ عَنهُ اللِّسَانُ.
ورَأَيتُ بِأُمِّ عَينِي ـ واللهِ يا بُنَيَّ ـ المَوتَ مَرَّاتٍ عِدَّةً، حتَّى خَرجتَ إلى الدُّنيَا، فامتَزَجَتْ دُمُوعُ صُرَاخِكَ بِدُمُوعِ فَرَحِي، وأَزَالَتْ كُلَّ آلامِي وجِرَاحِي.
يا بُنَيَّ، مَرَّتْ سَنَوَاتٌ من عُمُرِي وأَنَا أَحمِلُكَ في قَلبِي، وأَغسِلُكَ بِيَدَيَّ، جَعَلتُ حِجْرِي لَكَ فِرَاشَاً، أَسهَرتُ لَيلِي لِتَنَامَ، وأَتعَبتُ نَهَارِي لِتَسعَدَ، أُمنِيَتِي أن أَرَى ابتِسَامَتَكَ، وسُرُورِي كُلَّ لَحظَةٍ أن تَطلُبَ مِنِّي شَيئَاً أَصنَعُهُ لَكَ، فَتِلكَ مُنتَهَى سَعَادَتِي.
ومَرَّتِ الأَيَّامُ واللَّيَالِي، وأَنَا على تِلكَ الحَالِ، خَادِمَةً لم تُقَصِّرْ، ومُرضِعَةً لم تَتَوَقَّفْ، وعَامِلَةً لم تَفتُرْ، حتَّى اشتَدَّ عُودُكَ، واستَقَامَ شَبَابُكَ، وبَدَأَتْ تَظهَرُ عَلَيكَ مَعَالِمُ الرُّجُولَةِ، فإذا بِي أَجرِي يَمِينَاً ويَسَارَاً لأبحَثَ لَكَ عن المَرأَةِ التي طَلَبتَ، وأَتَى مَوعِدُ زِفَافِكَ، فَتَقَطَّعَ قَلبِي، وجَرَت مَدَامِعِي فَرَحَاً بِحَيَاتِكَ السَّعِيدَةِ الجَدِيدَةِ، وحُزْنَاً على فِرَاقِكَ.
ومَرَّتِ السَّاعَاتُ ثَقِيلَةً، فإذا بِكَ لَستَ ابنِي الذي عَرَفتُ، لقد أَنكَرتَنِي، وتَنَاسَيتَ حَقِّي، تَمُرُّ الأَيَّامُ لا أَرَاكَ، ولا أَسمَعُ صَوتَكَ، وتَجَاهَلتَ من قَامَت لَكَ خَيرَ قِيَامٍ.
يا بُنَيَّ، لا أَطلُبُ إلا القَلِيلَ، اِجعَلنِي من أَطرَافِ أَصدِقَائِكَ عِندَكَ، وأَبعَدِهِم خُطْوَةً لَدَيكَ، يا بُنَيَّ، اِجعَلنِي إحدَى مَحَطَّاتِ حَيَاتِكَ الشَّهرِيَّةِ لِأَرَاكَ فِيهَا ولو لِدَقَائِقَ، يا بُنَيَّ، احدَودَبَ ظَهرِي، وارتَعَشَت أَطرَافِي، وأنهَكَتنِي الأمرَاضُ، وزَارَتنِي الأَسقَامُ، لا أَقُومُ إلا بِصُعُوبَةٍ، ولا أَجلِسُ إلا بِمَشَقَّةٍ، ولا يَزَالُ قَلبِي يَنبِضُ بِمَحَبَّتِكَ، لو أَكرَمَكَ شَخصٌ يَومَاً لأَثنَيتَ عَلَى حُسْنِ صُنْعِهِ وجَمِيلِهِ، وأُمُّكَ يا رَعَاكَ رَبِّي، أحسَنَتْ إِلَيكَ إحسَانَاً لا تَرَاهُ، ومَعرُوفَاً لا تُجَازِيهِ، لقد خَدَمَتْكَ وقَامَتْ بِأَمرِكَ سَنَوَاتٍ وسَنَوَاتٍ، فَأَينَ الجَزَاءُ والوَفَاءُ، إلى هذا الحَدِّ بَلَغَت بِكَ القَسْوَةُ، وأَخَذَتْكَ الأَيَّامُ.
يا بُنَيَّ، كُلَّمَا عَلِمتُ أَنَّكَ سَعِيدٌ في حَيَاتِكَ زَادَ فَرَحِي وسُرُورِي، ولكنِّي أَتَعَجَّبُ وأنتَ صَنِيعُ يَدَيَّ، وأَتَسَاءَلُ، أَيُّ ذَنبٍ جَنَيتُهُ حتَّى أَصبَحتُ عَدُوَّةً لَكَ؟ لا تُطِيقُ رُؤيَتِي، وتَتَثَاقَلُ عَنِّي، لن أَرفَعَ شَكوَايَ، ولن أَبُثَّ الحُزنَ، لأنَّهَا إنِ ارتَفَعَت فَوقَ الغَمَامِ، واعتَلَتْ إلى بَابِ السَّمَاءِ، أَصَابَكَ شُؤمُ العُقُوقِ، ونَزَلَت بِكَ العُقُوبَةُ، وحَلَّتْ بِدَارِكَ المُصِيبَةُ، لا لن أَفعَلَ، لا تَزَالُ يا بُنَيَّ فِلذَةَ كَبِدِي، ورَيحَانَةَ حَيَاتِي، وبَهجَةَ دُنيَايَ.
أَفِقْ يا بُنَيَّ، بَدَأَ الشَّيبُ يَعلُو مِفرَقَكَ، وتَمُرُّ السَّنَوَاتُ حتَّى تُصبِحَ أَبَاً شَيخَاً، والجَزَاءُ من جِنسِ العَمَلِ، وسَتَكتُبَ رِسَالَتِي لابنِكَ بِدُمُوعٍ مِثلَ ما كَتَبتُ لَكَ، وعِندَ اللهِ مُجتَمَعُ الخُصُومِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُعَاهِدِ اللهَ تعالى أن نَفعَلَ ما يُسعِدُ آبَاءَنَا وأُمَّهَاتِنَا، وأن نُدخِلَ الفَرحَةَ إلى قُلُوبِهِم، وإذا كَانَ أَحَبُّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى سُرُورَاً تُدخِلُهُ على قَلبِ امرِئٍ مُسلِمٍ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً». فَكَيفَ إذا كَانَ إدخَالُ السُّرُورِ إلى قُلُوبِ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا؟
أيُّها الإخوة الكرام: عَلَينَا بِبِرِّ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذالكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
150ـ «كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هَنِيئَاً لمن كَانَ بَارَّاً بِوَالِدَيهِ، هَنِيئَاً لمن جَاهَدَ نَفسَهُ وأَفنَى عُمُرَهُ في بِرِّهِ لِوَالِدَيهِ، هَنِيئَاً لمن مَاتَ أَبَوَاهُ وهُمَا رَاضِيَانِ عَنهُ، وخَاصَّةً إن كَانَا من أَهلِ الصَّلاحِ.
روى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نِمْتُ فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
فَقَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ».
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ».
وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ، أي: مِثلُ تِلكَ المَنزِلَةِ والدَّرَجَةِ تُنَالُ بِسَبَبِ البِرِّ.
وجَاءَ في مُسنَدِ الإمامِ أحمد عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام جَالِسٌ فِي الْمَقَاعِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَجَزْتُ ـ جَازَ: سَارَ في المَكَانِ وسَلَكَهُ ومَرَّ بِهِ ـ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي كَانَ مَعِي؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ».
بِرُّ الوَالِدَينِ من أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ بِرَّ الوَالِدَينِ يُعتَبَرُ من أَحَبِّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى، ومن أَفضَلِ القُرُبَاتِ بَعدَ الصَّلاةِ، روى الشيخان عن عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا».
قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟
قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ».
قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟
قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ».
أيُّها الإخوة الكرام: بِرُّ الوَالِدَينِ مُقَدَّمٌ على الجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ تعالى، عَرَفَ هذا من عَرَفَ، وجَهِلَ هذا من جَهِلَ، وإذا أَرَادَ المُسلِمُ أن يَعرِفَ قَدْرَ وفَضْلَ وَالِدَيهِ، فَليَسمَعْ إلى ما رواه الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ.
فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟».
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعِيدُ من أَطَاعَ وَالِدَيهِ في غَيرِ مَعصِيَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، السَّعِيدُ من خَاطَبَ وَالِدَيهِ بِلُطْفٍ وأَدَبٍ، السَّعِيدُ من شَاوَرَ وَالِدَيهِ في أُمُورِهِ، السَّعِيدُ من خَفَضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحمَةِ، السَّعِيدُ من قَالَ لِوَالِدَيهِ قَولاً كَرِيمَاً حَسَنَاً طَيِّبَاً مَصحُوبَاً بالتَّقدِيرِ والاحتِرَامِ.
رُوِيَ عن هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ قَالَ: قُلتُ للحَسَنِ: إِنِّي أَتَعَلَّمُ القُرآنَ، وإنَّ أُمِّي تَنتَظِرُنِي بالعَشَاءِ.
فَقَالَ الحَسَنُ: تَعَشَّ العَشَاءَ مَعَ أُمِّكَ تُقِرُّ بِهِ عَينَهَا، أَحَبُّ إِلَيَّ من حَجَّةٍ تَحُجُّهَا تَطَوُّعَاً.
البِرُّ والعُقُوقُ دَينٌ وَوَفَاءٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَعلَمْ جَمِيعَاً بأَنَّ البِرَّ والعُقُوقَ دَينٌ وَوَفَاءٌ، فمن أَطَاعَ وَالِدَيهِ أَطَاعَهُ أَولادُهُ، ومن أَكرَمَ وَالِدَيهِ أَكرَمَهُ أَولادُهُ، ومن أَعرَضَ عن وَالِدَيهِ وآذَاهُمَا سَلَّطَ اللهُ تعالى عَلَيهِ من ذُرِّيَّتِهِ من لا يَرعَى فِيهِ عَهْدَاً، ولا يَحفَظُ لَهُ وُدَّاً، ولا يُقِيمُ لَهُ وَزنَاً، ولا يَعرِفُ لَهُ حَقَّاً، روى الحاكم والطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ ـ واللَّفظُ لَهُ ـ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بِرُّوا آباءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ، وَعِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ».
وقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لا يَنبَغِي للوَلَدِ أن يَدفَعَ يَدَ وَالِدِهِ إذا ضَرَبَهُ، ومن شَدَّ النَّظَرَ إلى وَالِدَيهِ لم يَبَرَّهُمَا، ومن أَدخَلَ عَلَيهِمَا ما يُحزِنُهُمَا فَقَد عَقَّهُمَا.
رِسَالَةٌ من أُمٍّ مَجرُوحَةٍ لِوَلَدِهَا:
أيُّها الإخوة الكرام: بِبِرِّ الوَالِدَينِ تُغفَرُ الذُّنُوبُ إن شَاءَ اللهُ تعالى، وبِبِرِّهِمَا تَخرُجُ من كُلِّ ضِيقٍ بإذنِ اللهِ تعالى، وبِبِرِّهِمَا تُفتَحُ أَبوَابُ السَّمَاءِ لِدُعَاءِ الوَلَدِ، فَلنَتَّقِ اللهَ تعالى في آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، ولنَحذَرِ العُقُوقَ.
أيُّها الإخوة الكرام: أُمٌّ بَعدَ تَعَبٍ شَدِيدٍ نَحْوَ وَلَدِهَا، وبَعدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ من الشَّقَاءِ نَحْوَهُ، رَأَتْ مِنهُ الصُّدُودَ والعِصيَانَ، فَكَتَبَتْ إِلَيهِ هذهِ الرِّسَالَةَ:
يا بُنَيَّ، مُنذُ خَمسَةٍ وعِشرِينَ عَامَاً، كَانَ يَومَاً مُشرِقَاً من حَيَاتِي عِندَمَا أَخبَرَتْنِي الطَّبِيبَةُ أَنِّي حَامِلٌ، يا بُنَيَّ، تِسعَةُ أَشهُرٍ في بَطنِي فَرِحَةٌ جَذْلَةٌ، أَقُومُ مُتَثَاقِلَةً، وأَنَامُ بِصُعُوبَةٍ، وآكُلُ مُرغَمَةً، وأَتَنَفَّسُ بِأَلَمٍ، ولكنْ كُلُّ ذلكَ لم يَنقُصْ من مَحَبَّتِي لَكَ وفَرَحِي بِكَ، بل نَمَتْ مَحَبَّتُكَ مَعَ الأَيَّامِ، وتَرَعرَعَ الشَّوقُ إِلَيكَ.
حَمَلتُكَ يا بُنَيَّ وَهْنَاً على وَهْنٍ، وأَلَمَاً على أَلَمٍ، بَيدَ أَنِّي كُنتُ أَفرَحُ، وأَفرَحُ كُلَّمَا شَعَرتُ بِحَرَكَتِكَ دَاخِلَ جَوفِي، وأُسَرُّ بِزِيَادَةِ وَزْنِكَ، مَعَ أَنَّهُ حِمْلٌ ثَقِيلٌ عَلَيَّ، إنَّها مُعَانَاةٌ طَوِيلَةٌ، أَتَى بَعدَهَا فَجْرُ تِلكَ اللَّيلَةِ التي لم أَنَمْ فِيهَا، ولم يَغمَضْ لي فِيهَا جَفْنٌ، ونَالَنِي من الأَلَمِ والشِّدَّةِ والرَّهبَةِ والخَوفِ ما لا يَصِفُهُ القَلَمُ، ولا يَتَحَدَّثُ عَنهُ اللِّسَانُ.
ورَأَيتُ بِأُمِّ عَينِي ـ واللهِ يا بُنَيَّ ـ المَوتَ مَرَّاتٍ عِدَّةً، حتَّى خَرجتَ إلى الدُّنيَا، فامتَزَجَتْ دُمُوعُ صُرَاخِكَ بِدُمُوعِ فَرَحِي، وأَزَالَتْ كُلَّ آلامِي وجِرَاحِي.
يا بُنَيَّ، مَرَّتْ سَنَوَاتٌ من عُمُرِي وأَنَا أَحمِلُكَ في قَلبِي، وأَغسِلُكَ بِيَدَيَّ، جَعَلتُ حِجْرِي لَكَ فِرَاشَاً، أَسهَرتُ لَيلِي لِتَنَامَ، وأَتعَبتُ نَهَارِي لِتَسعَدَ، أُمنِيَتِي أن أَرَى ابتِسَامَتَكَ، وسُرُورِي كُلَّ لَحظَةٍ أن تَطلُبَ مِنِّي شَيئَاً أَصنَعُهُ لَكَ، فَتِلكَ مُنتَهَى سَعَادَتِي.
ومَرَّتِ الأَيَّامُ واللَّيَالِي، وأَنَا على تِلكَ الحَالِ، خَادِمَةً لم تُقَصِّرْ، ومُرضِعَةً لم تَتَوَقَّفْ، وعَامِلَةً لم تَفتُرْ، حتَّى اشتَدَّ عُودُكَ، واستَقَامَ شَبَابُكَ، وبَدَأَتْ تَظهَرُ عَلَيكَ مَعَالِمُ الرُّجُولَةِ، فإذا بِي أَجرِي يَمِينَاً ويَسَارَاً لأبحَثَ لَكَ عن المَرأَةِ التي طَلَبتَ، وأَتَى مَوعِدُ زِفَافِكَ، فَتَقَطَّعَ قَلبِي، وجَرَت مَدَامِعِي فَرَحَاً بِحَيَاتِكَ السَّعِيدَةِ الجَدِيدَةِ، وحُزْنَاً على فِرَاقِكَ.
ومَرَّتِ السَّاعَاتُ ثَقِيلَةً، فإذا بِكَ لَستَ ابنِي الذي عَرَفتُ، لقد أَنكَرتَنِي، وتَنَاسَيتَ حَقِّي، تَمُرُّ الأَيَّامُ لا أَرَاكَ، ولا أَسمَعُ صَوتَكَ، وتَجَاهَلتَ من قَامَت لَكَ خَيرَ قِيَامٍ.
يا بُنَيَّ، لا أَطلُبُ إلا القَلِيلَ، اِجعَلنِي من أَطرَافِ أَصدِقَائِكَ عِندَكَ، وأَبعَدِهِم خُطْوَةً لَدَيكَ، يا بُنَيَّ، اِجعَلنِي إحدَى مَحَطَّاتِ حَيَاتِكَ الشَّهرِيَّةِ لِأَرَاكَ فِيهَا ولو لِدَقَائِقَ، يا بُنَيَّ، احدَودَبَ ظَهرِي، وارتَعَشَت أَطرَافِي، وأنهَكَتنِي الأمرَاضُ، وزَارَتنِي الأَسقَامُ، لا أَقُومُ إلا بِصُعُوبَةٍ، ولا أَجلِسُ إلا بِمَشَقَّةٍ، ولا يَزَالُ قَلبِي يَنبِضُ بِمَحَبَّتِكَ، لو أَكرَمَكَ شَخصٌ يَومَاً لأَثنَيتَ عَلَى حُسْنِ صُنْعِهِ وجَمِيلِهِ، وأُمُّكَ يا رَعَاكَ رَبِّي، أحسَنَتْ إِلَيكَ إحسَانَاً لا تَرَاهُ، ومَعرُوفَاً لا تُجَازِيهِ، لقد خَدَمَتْكَ وقَامَتْ بِأَمرِكَ سَنَوَاتٍ وسَنَوَاتٍ، فَأَينَ الجَزَاءُ والوَفَاءُ، إلى هذا الحَدِّ بَلَغَت بِكَ القَسْوَةُ، وأَخَذَتْكَ الأَيَّامُ.
يا بُنَيَّ، كُلَّمَا عَلِمتُ أَنَّكَ سَعِيدٌ في حَيَاتِكَ زَادَ فَرَحِي وسُرُورِي، ولكنِّي أَتَعَجَّبُ وأنتَ صَنِيعُ يَدَيَّ، وأَتَسَاءَلُ، أَيُّ ذَنبٍ جَنَيتُهُ حتَّى أَصبَحتُ عَدُوَّةً لَكَ؟ لا تُطِيقُ رُؤيَتِي، وتَتَثَاقَلُ عَنِّي، لن أَرفَعَ شَكوَايَ، ولن أَبُثَّ الحُزنَ، لأنَّهَا إنِ ارتَفَعَت فَوقَ الغَمَامِ، واعتَلَتْ إلى بَابِ السَّمَاءِ، أَصَابَكَ شُؤمُ العُقُوقِ، ونَزَلَت بِكَ العُقُوبَةُ، وحَلَّتْ بِدَارِكَ المُصِيبَةُ، لا لن أَفعَلَ، لا تَزَالُ يا بُنَيَّ فِلذَةَ كَبِدِي، ورَيحَانَةَ حَيَاتِي، وبَهجَةَ دُنيَايَ.
أَفِقْ يا بُنَيَّ، بَدَأَ الشَّيبُ يَعلُو مِفرَقَكَ، وتَمُرُّ السَّنَوَاتُ حتَّى تُصبِحَ أَبَاً شَيخَاً، والجَزَاءُ من جِنسِ العَمَلِ، وسَتَكتُبَ رِسَالَتِي لابنِكَ بِدُمُوعٍ مِثلَ ما كَتَبتُ لَكَ، وعِندَ اللهِ مُجتَمَعُ الخُصُومِ.
خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُعَاهِدِ اللهَ تعالى أن نَفعَلَ ما يُسعِدُ آبَاءَنَا وأُمَّهَاتِنَا، وأن نُدخِلَ الفَرحَةَ إلى قُلُوبِهِم، وإذا كَانَ أَحَبُّ الأَعمَالِ إلى اللهِ تعالى سُرُورَاً تُدخِلُهُ على قَلبِ امرِئٍ مُسلِمٍ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعاً». فَكَيفَ إذا كَانَ إدخَالُ السُّرُورِ إلى قُلُوبِ آبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا؟
أيُّها الإخوة الكرام: عَلَينَا بِبِرِّ الآبَاءِ والأُمَّهَاتِ، لِنَفُوزَ بِسَعَادَةِ الدُّنيَا والآخِرَةِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».
اللَّهُمَّ وَفِّقنَا لذالكَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin