مع الحبيب المصطفى: «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
142ـ «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِدِينٍ هوَ عِزٌّ ومَفخَرَةٌ لمن انتَمَى إلَيهِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، فَلنَشكُرِ اللهَ عزَّ وجلَّ الذي شَرَحَ صُدُورَنا للإسلامِ، وحَبَّبَ إلى قُلُوبِنا الإيمانَ.
لقد أكرَمَنا اللهُ تعالى بإسلامٍ كَانَ نُوراً مَحَى ظُلُماتِ الجَاهِلِيَّةِ، وأشرَقَ نُورُهُ في آفَاقِ الدُّنيا، ومَلَأَ القُلُوبَ الفَارِغَةَ الخَاوِيَةَ بالإيمانِ، وعَمَّرَها باليَقِينِ الخَالِصِ.
لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِشَرعٍ من التَزَمَهُ بِصِدْقٍ مَنَحَهُ اللهُ تعالى كُنُوزَهُ، وتَشَرَّفَ بِشَرَفِهِ، وتَحَقَّقَ لَهُ وَعْدُ الله تعالى الذي جَاءَ في القُرآنِ العَظِيمِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِشَرعٍ جَمَعَ لنا فِيهِ بَينَ مَصَالِحِ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَينَ مَصَالِحِ الدِّينِ والقِيَمِ، على وَجْهٍ كَامِلٍ، تَحَدَّى بِهِ البَشَرَ أن يَأتُوا بِمِثلِهِ، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
الرِّبا من أفعالِ الجَاهِلِيَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جاءَ الإسلامُ لِيَمحُوَ الجَاهِلِيَّةَ وآثَارَها، حَيثُ كَانَ القَومُ يَتَعَامَلُونَ مَعَ المَالِ بالرِّبا، ومَعَ الدَّمِ قَتلاً وسَفْكاً وثَأراً، ومَعَ الأعراضِ هَتْكاً وتَسَاهُلاً.
جَاءَ الإسلامُ لِيُؤَكِّدَ على تَحرِيمِ الرِّبا الذي حَرَّمَتْهُ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، فَحَذَّرَ مِنهُ الدَّائِنَ من أن يَأخُذَهُ، وحَذَّرَ المَدِينَ من أن يَدفَعَهُ، كما حَذَّرَ من تَوثِيقِ عُقُودِ الرِّبا، فَأَثَّمَ شَاهِدَيهِ، كما أَثَّمَ عَاقِدَيهِ، بِنَصِّ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
بل بَيَّنَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ الرِّبا أفحَشُ إثماً من الزِّنى، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَنْظَلَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. بل قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرِّبَا ثَلاثَةٌ وسَبعُونَ بَابَاً أَيْسَرُهَا مِثلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ» رواه الحاكم عَنْ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِخُطُورَةِ الرِّبا في دِينِ الله عزَّ وجلَّ حَذَّرَ سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ مِنهُ بِقَولِهِ: لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا.
كما حَذَّرَ مِنهُ سَيِّدُنا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِقَولِهِ: مَن اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا، ثُمَّ ارْتَطَمَ، ثُمَّ ارْتَطَمَ. ـ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ ـ
فما تَعَامَلَ في الرِّبا أخذاً وعَطاءً، كِتَابَةً وشُهُوداً وتَوثِيقاً وكَفَالَةً إلا من كَانَ إيمانُهُ ضَعِيفاً، وكَانَت فِيهِ خَصلَةٌ من خِصَالِ الجَاهِلِيَّةِ.
القَرضُ الحَسَنُ:
أيُّها الإخوة الكرام: من حُسنِ شَرعِنا ولله الحَمدُ، أنَّهُ حَرَّمَ على أتبَاعِهِ القَرضَ الذي يَمْحَقُ المَالَ، ورَغَّبَ بالقَرضِ الذي يُنَمِّي المَالَ، فقالَ تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم﴾.
لقد حَرَّمَ الرِّبا الذي فِيهِ ظُلمٌ للنَّاسِ، واستِغلالٌ لِظُرُوفِهِم، وسَبَبٌ في إفشَاءِ الفَقرِ الفَاحِشِ، وسَبَبٌ لِزَرعِ الأحقادِ والضَّغَائِنِ بَينَ أفرادِ المُجتَمَعِ، وحَرَّضَ على القَرضِ الحَسَنِ، بل جَعَلَ أجْرَ المُقرِضِ ضِعفَ أجْرِ المُتَصَدِّقِ، فقال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾. لقد صَدَّرَ اللهُ تعالى هذهِ الآيَةَ بألطَفِ أنواعِ الخِطَابِ، وهوَ الاستِفهَامُ المُتَضَمِّنُ مَعنَى الطَّلَبِ، وهوَ أبلَغُ في الطَّلَبِ من صِيغَةِ الأمرِ.
توثِيقُ القَرضِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ومِمَّا يَلفِتُ النَّظَرَ في كِتَابِ الله عزَّ وجلَّ، أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى بَعدَ أن حَذَّرَ من الرِّبا من بِدَايَةِ قَولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. إلى قَولِهِ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون﴾.
أعقَبَ ذلكَ بآيَةِ المُدَايَنَةِ، وعَلَّمَ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ كَيفَ تُوَثِّقُ القَرضَ والدَّينَ، فَلَئِنْ كَانَ المُرَابُونَ يُوَثِّقُونَ عُقُودَهُمُ الرِّبَوِيَّةَ بالكِتَابَةِ والشُّهُودِ، فالمُقرِضُونَ والدَّائِنُونَ أَرشَدَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل أن يُوَثِّقُوا قُرُوضَهُم ودُيُونَهُم حتَّى لا يَندَمُوا.
أيُّها الإخوة الكرام: وَثِّقُوا القَرَضَ الحَسَنَ بالطُّرُقِ التَّالِيَةِ:
أولاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالكِتَابَةِ:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّىً فَاكْتُبُوهُ﴾. وَثِّقِ القَرضَ والدَّينَ بالكِتَابَةِ الوَاضِحَةِ التي لا لَبَسَ فِيها ولا غُمُوضَ، حتَّى لا يَقَعَ إشكَالٌ بَينَكَ وبَينَ المُستَقرِضِ.
ثانياً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالشَّهَادَةِ:
قال تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾. فباستِشهَادِ الشُّهُودِ نَفْيٌ للرِّيَبِ، وأبقَى للحَقِّ، وأدعَى إلى رَفْعِ التَّنَازُعِ والاختِلافِ، وفي ذلكَ صَلاحُ الدِّينِ والدُّنيا مَعَاً.
ثالثاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالرَّهْنِ:
قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾. والمُرَادُ بالرَّهْنِ هوَ المَالُ الذي يُجعَلُ وَثِيقَةً بالدَّينِ لِيُستَوفَى من ثَمَنِهِ إنْ تَعَذَّرَ استِيفَاؤُهُ مِمَّن هوَ عَلَيهِ، وفي هذهِ الحَالَةِ يَصِيرُ المُرتَهِنُ أحَقَّ بالرَّهْنِ من سَائِرِ الغُرَماءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: وَثِّقُوا القَرضَ الحَسَنَ والدَّينَ بالكِتَابَةِ والشُّهُودِ، أو بالرَّهْنِ، وخَاصَّةً في هذا الزَّمَنِ، حتَّى لا تَقَعُوا في إشكَالٍ،وحَدِّدُوا مِقدَارَ الدَّينِ، ونَوعَهُ، وصِفَتَهُ، والمُدَّةَ المُتَّفَقَ عَلَيها.
رابعاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالكَفَالَةِ:
قال تعالى مُخبِراً في قِصَّةِ سَيِّدِنا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾. أي: كَفِيلٌ ضَامِنٌ.
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنَ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ـ الزَّعِيمُ: الكَفِيلُ ـ
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كِتَابَةُ عُقُودِ القَرضِ الحَسَنِ والدُّيُونِ بَينَ النَّاسِ لها آثارٌ إيجَابِيَّةٌ للمُقرِضِ وللمُستَقرِضِ، وبِها تُضمَنُ الحُقُوقُ، وتُدفَعُ الرِّيَبُ والشُّكُوكُ، وقد أشارَ اللهُ تعالى إلى أَهَمِّيَّةِ الكِتَابَةِ في اليَسِيرِ والكَثِيرِ من الدُّيُونِ، فقال تعالى: ﴿وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إذا لم يُوَثِّقِ المُقرِضُ قَرضاً حَسَناً عَقْدَ القَرضِ والدَّينِ، ثمَّ أنكَرَهُ المُستَقرِضُ المَدِينُ، أو مَاطَلَ بِسَدَادِهِ، فلا يَلُومَنَّ إلا نَفسَهُ، لأنَّهُ هوَ من عَرَّضَ حَقَّهُ للضَّيَاعِ.
روى الحاكم عن أبي مُوسَى الأشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «ثَلاثَةٌ يَدعُونَ اللهَ فلا يُستَجَابُ لَهُم: رَجُلٌ كَانَت تَحتَهُ امرَأَةٌ سَيِّئَةُ الخُلُقِ فَلَم يُطَلِّقْها، ورَجُلٌ كَانَ لَهُ على رَجُلٍ مَالاً فَلَم يُشهِدْ عَلَيهِ، ورَجُلٌ آتَى سَفِيهاً مَالَهُ وقد قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم﴾.
أسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنا لما فِيهِ الخَيرُ ورِضَاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
142ـ «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِدِينٍ هوَ عِزٌّ ومَفخَرَةٌ لمن انتَمَى إلَيهِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، فَلنَشكُرِ اللهَ عزَّ وجلَّ الذي شَرَحَ صُدُورَنا للإسلامِ، وحَبَّبَ إلى قُلُوبِنا الإيمانَ.
لقد أكرَمَنا اللهُ تعالى بإسلامٍ كَانَ نُوراً مَحَى ظُلُماتِ الجَاهِلِيَّةِ، وأشرَقَ نُورُهُ في آفَاقِ الدُّنيا، ومَلَأَ القُلُوبَ الفَارِغَةَ الخَاوِيَةَ بالإيمانِ، وعَمَّرَها باليَقِينِ الخَالِصِ.
لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِشَرعٍ من التَزَمَهُ بِصِدْقٍ مَنَحَهُ اللهُ تعالى كُنُوزَهُ، وتَشَرَّفَ بِشَرَفِهِ، وتَحَقَّقَ لَهُ وَعْدُ الله تعالى الذي جَاءَ في القُرآنِ العَظِيمِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أكرَمَنا اللهُ عزَّ وجلَّ بِشَرعٍ جَمَعَ لنا فِيهِ بَينَ مَصَالِحِ الدُّنيا والآخِرَةِ، بَينَ مَصَالِحِ الدِّينِ والقِيَمِ، على وَجْهٍ كَامِلٍ، تَحَدَّى بِهِ البَشَرَ أن يَأتُوا بِمِثلِهِ، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
الرِّبا من أفعالِ الجَاهِلِيَّةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد جاءَ الإسلامُ لِيَمحُوَ الجَاهِلِيَّةَ وآثَارَها، حَيثُ كَانَ القَومُ يَتَعَامَلُونَ مَعَ المَالِ بالرِّبا، ومَعَ الدَّمِ قَتلاً وسَفْكاً وثَأراً، ومَعَ الأعراضِ هَتْكاً وتَسَاهُلاً.
جَاءَ الإسلامُ لِيُؤَكِّدَ على تَحرِيمِ الرِّبا الذي حَرَّمَتْهُ جَمِيعُ الشَّرَائِعِ السَّمَاوِيَّةِ، فَحَذَّرَ مِنهُ الدَّائِنَ من أن يَأخُذَهُ، وحَذَّرَ المَدِينَ من أن يَدفَعَهُ، كما حَذَّرَ من تَوثِيقِ عُقُودِ الرِّبا، فَأَثَّمَ شَاهِدَيهِ، كما أَثَّمَ عَاقِدَيهِ، بِنَصِّ الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ».
بل بَيَّنَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّ الرِّبا أفحَشُ إثماً من الزِّنى، فقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «دِرْهَمُ رِباً يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَنْظَلَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. بل قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرِّبَا ثَلاثَةٌ وسَبعُونَ بَابَاً أَيْسَرُهَا مِثلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ» رواه الحاكم عَنْ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ولِخُطُورَةِ الرِّبا في دِينِ الله عزَّ وجلَّ حَذَّرَ سَيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ مِنهُ بِقَولِهِ: لَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا إلَّا مَنْ فَقِهَ أَكْلَ الرِّبَا.
كما حَذَّرَ مِنهُ سَيِّدُنا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنهُ بِقَولِهِ: مَن اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا، ثُمَّ ارْتَطَمَ، ثُمَّ ارْتَطَمَ. ـ أَيْ وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشَبَ ـ
فما تَعَامَلَ في الرِّبا أخذاً وعَطاءً، كِتَابَةً وشُهُوداً وتَوثِيقاً وكَفَالَةً إلا من كَانَ إيمانُهُ ضَعِيفاً، وكَانَت فِيهِ خَصلَةٌ من خِصَالِ الجَاهِلِيَّةِ.
القَرضُ الحَسَنُ:
أيُّها الإخوة الكرام: من حُسنِ شَرعِنا ولله الحَمدُ، أنَّهُ حَرَّمَ على أتبَاعِهِ القَرضَ الذي يَمْحَقُ المَالَ، ورَغَّبَ بالقَرضِ الذي يُنَمِّي المَالَ، فقالَ تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ واللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم﴾.
لقد حَرَّمَ الرِّبا الذي فِيهِ ظُلمٌ للنَّاسِ، واستِغلالٌ لِظُرُوفِهِم، وسَبَبٌ في إفشَاءِ الفَقرِ الفَاحِشِ، وسَبَبٌ لِزَرعِ الأحقادِ والضَّغَائِنِ بَينَ أفرادِ المُجتَمَعِ، وحَرَّضَ على القَرضِ الحَسَنِ، بل جَعَلَ أجْرَ المُقرِضِ ضِعفَ أجْرِ المُتَصَدِّقِ، فقال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾. لقد صَدَّرَ اللهُ تعالى هذهِ الآيَةَ بألطَفِ أنواعِ الخِطَابِ، وهوَ الاستِفهَامُ المُتَضَمِّنُ مَعنَى الطَّلَبِ، وهوَ أبلَغُ في الطَّلَبِ من صِيغَةِ الأمرِ.
توثِيقُ القَرضِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ومِمَّا يَلفِتُ النَّظَرَ في كِتَابِ الله عزَّ وجلَّ، أنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى بَعدَ أن حَذَّرَ من الرِّبا من بِدَايَةِ قَولِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى الله وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. إلى قَولِهِ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُون﴾.
أعقَبَ ذلكَ بآيَةِ المُدَايَنَةِ، وعَلَّمَ الأُمَّةَ المُحَمَّدِيَّةَ كَيفَ تُوَثِّقُ القَرضَ والدَّينَ، فَلَئِنْ كَانَ المُرَابُونَ يُوَثِّقُونَ عُقُودَهُمُ الرِّبَوِيَّةَ بالكِتَابَةِ والشُّهُودِ، فالمُقرِضُونَ والدَّائِنُونَ أَرشَدَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل أن يُوَثِّقُوا قُرُوضَهُم ودُيُونَهُم حتَّى لا يَندَمُوا.
أيُّها الإخوة الكرام: وَثِّقُوا القَرَضَ الحَسَنَ بالطُّرُقِ التَّالِيَةِ:
أولاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالكِتَابَةِ:
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمَّىً فَاكْتُبُوهُ﴾. وَثِّقِ القَرضَ والدَّينَ بالكِتَابَةِ الوَاضِحَةِ التي لا لَبَسَ فِيها ولا غُمُوضَ، حتَّى لا يَقَعَ إشكَالٌ بَينَكَ وبَينَ المُستَقرِضِ.
ثانياً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالشَّهَادَةِ:
قال تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾. فباستِشهَادِ الشُّهُودِ نَفْيٌ للرِّيَبِ، وأبقَى للحَقِّ، وأدعَى إلى رَفْعِ التَّنَازُعِ والاختِلافِ، وفي ذلكَ صَلاحُ الدِّينِ والدُّنيا مَعَاً.
ثالثاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالرَّهْنِ:
قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾. والمُرَادُ بالرَّهْنِ هوَ المَالُ الذي يُجعَلُ وَثِيقَةً بالدَّينِ لِيُستَوفَى من ثَمَنِهِ إنْ تَعَذَّرَ استِيفَاؤُهُ مِمَّن هوَ عَلَيهِ، وفي هذهِ الحَالَةِ يَصِيرُ المُرتَهِنُ أحَقَّ بالرَّهْنِ من سَائِرِ الغُرَماءِ.
أيُّها الإخوة الكرام: وَثِّقُوا القَرضَ الحَسَنَ والدَّينَ بالكِتَابَةِ والشُّهُودِ، أو بالرَّهْنِ، وخَاصَّةً في هذا الزَّمَنِ، حتَّى لا تَقَعُوا في إشكَالٍ،وحَدِّدُوا مِقدَارَ الدَّينِ، ونَوعَهُ، وصِفَتَهُ، والمُدَّةَ المُتَّفَقَ عَلَيها.
رابعاً: تَوثِيقُ القَرضِ والدَّينِ بالكَفَالَةِ:
قال تعالى مُخبِراً في قِصَّةِ سَيِّدِنا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ﴾. أي: كَفِيلٌ ضَامِنٌ.
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ، وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ، وَالدَّيْنَ مَقْضِيٌّ، وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ. ـ الزَّعِيمُ: الكَفِيلُ ـ
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كِتَابَةُ عُقُودِ القَرضِ الحَسَنِ والدُّيُونِ بَينَ النَّاسِ لها آثارٌ إيجَابِيَّةٌ للمُقرِضِ وللمُستَقرِضِ، وبِها تُضمَنُ الحُقُوقُ، وتُدفَعُ الرِّيَبُ والشُّكُوكُ، وقد أشارَ اللهُ تعالى إلى أَهَمِّيَّةِ الكِتَابَةِ في اليَسِيرِ والكَثِيرِ من الدُّيُونِ، فقال تعالى: ﴿وَلا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ الله وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: إذا لم يُوَثِّقِ المُقرِضُ قَرضاً حَسَناً عَقْدَ القَرضِ والدَّينِ، ثمَّ أنكَرَهُ المُستَقرِضُ المَدِينُ، أو مَاطَلَ بِسَدَادِهِ، فلا يَلُومَنَّ إلا نَفسَهُ، لأنَّهُ هوَ من عَرَّضَ حَقَّهُ للضَّيَاعِ.
روى الحاكم عن أبي مُوسَى الأشعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «ثَلاثَةٌ يَدعُونَ اللهَ فلا يُستَجَابُ لَهُم: رَجُلٌ كَانَت تَحتَهُ امرَأَةٌ سَيِّئَةُ الخُلُقِ فَلَم يُطَلِّقْها، ورَجُلٌ كَانَ لَهُ على رَجُلٍ مَالاً فَلَم يُشهِدْ عَلَيهِ، ورَجُلٌ آتَى سَفِيهاً مَالَهُ وقد قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم﴾.
أسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنا لما فِيهِ الخَيرُ ورِضَاهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin