مع الحبيب المصطفى: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدُكَ, وابنُ عَبدِكَ, وابنُ أَمَتِكَ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
138ـ «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدُكَ، وابنُ عَبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الحَياةُ الدُّنيا من صِفَاتِها أنَّها حَياةُ هُمومٍ وغُمومٍ وأحزانٍ وأكدارٍ، ولإزَالَةِ هذهِ الهُمومِ والغُمومِ والأحزانِ والأكدارِ، حَدِيثٌ عَلَّمَنا إيَّاهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً».
قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟
قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ».
أيُّها الإخوة الكرام: الهَمُّ والحَزَنُ يَفتِكانِ بِصِحَّةِ الإنسانِ وعَافِيَتِهِ، قال تعالى عن سَيِّدِنا يَعقوبَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
فَذَهابُ الهَمِّ والحَزَنِ من أعظَمِ نِعَمِ الله تعالى على عَبْدِهِ، وهذا يَستَوجِبُ الحَمدَ من العَبدِ، قال تعالى حِكَايَةً عن أهلِ الجَنَّةِ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما يَدعُو أحَدُنا، وخاصَّةً بهذا الدُّعاءِ من أجلِ تَفرِيجِ الهَمِّ والغَمِّ، عَلَيهِ أن يُفَكِّرَ فيما يَقولُ، وأن يَتَحَقَّقَ فيما يَدعُو بِهِ، لِذا عَلَينا التَّنَبُّهُ إلى صَدْرِ هذا الدُّعاءِ.
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ» هذا إقرارٌ واعتِرافٌ بأنَّ الدَّاعِيَ هوَ ومن فَوقَهُ من آباءَ وأُمَّهاتٍ إلى أبينا آدَمَ وأُمِّنا حَوَّاءَ كُلُّهُم عَبِيدٌ فُقَراءُ أَذِلَّاءُ في حَضْرَةِ المَولَى عزَّ وجلَّ، وفي ذلكَ تَمَلُّقٌ وانكِسارٌ بَينَ يَدَيِ الله عزَّ وجلَّ، واعتِرافٌ من العَبدِ بأنَّهُ مَملوكٌ هوَ وأُصُولُهُ لِمَولاهُ، وأنَّهُ لَيسَ لَهُ غَيرُ سَيِّدِهِ وفَضْلِهِ وإحسَانِهِ، وأنَّ سَيِّدَهُ إنْ أهمَلَهُ وتَخَلَّى عَنهُ، وَوَكَلَهُ إلى نَفسِهِ أو إلى أحَدٍ من خَلْقِهِ هَلَكَ، ولن يَجِدَ من يُؤويهِ ويَعطِفُ عَلَيهِ، بل يُضَيِّعُهُ أعظَمَ ضَياعٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: العُبُودِيَّةُ لله عزَّ وجلَّ عِزٌّ وشَرَفٌ، ومن أرادَ العِزَّ الحَقِيقِيَّ والشَّرَفَ فَعَلَيهِ أن يَتَحَقَّقَ بالعُبودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ.
ومِمَّــا زَادَني شَـرَفـاً وتِـيـهـاً *** وكِدتُ بأخمَصِي أطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولي تَحتَ قَولِكَ يا عِبَادِي *** وأن صَـيَّرتَ أحمَدَ لِي نَـبِيَّا
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: المُتَحَقِّقُ بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ لا يَسَعُهُ إلا امتِثَالُ أمرِ سَيِّدِهِ، وإلا فهوَ مُدَّعٍ.
اُنظُروا في خَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحلِ، وخاصَّةً ونَحنُ نَعِيشُ ذِكرَى الإسرَاءِ والمِعرَاجِ، التي هيَ مِنحَةٌ من الله تعالى لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لقد كَانَت خَوَاتِيمُ سُورَةِ النَّحلِ مُقَدِّمَةً لِمُعجِزَةِ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ، حَيثُ جَاءَ الأمرُ من الله تعالى بِرَدِّ العُقُوبَةِ بِمِثلِها، ثمَّ حَرَّضَت على الصَّبْرِ، ثمَّ نَهَت عن الضِّيقِ من مَكْرِ المَاكِرِينَ، قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: يَستَشِفُّ الإنسانُ من خَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحلِ بأنَّ العَبدَ سَيُبتَلَى، وأنَّهُ يَحتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُصَابَرَةٍ بَعدَ ضَبْطِ النَّفسِ، وأنَّ الشَّدَائِدَ قد تُحِيطُ بِهِ من كُلِّ جَانِبٍ، حتَّى إذا ما ابتُلِيَ وجَاءَتْهُ الشَّدَائِدُ فلا تَأخُذَهُ على غِرَّةٍ، لأنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّعُ؛ ومن يتَوَقَّعُ لا يَتَوَجَّعُ.
أيُّها الإخوة الكرام: فِعلاً نَزَلَتِ الشَّدَائِدُ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَانَت قِمَّتُها عِندَ فَقْدِ عَمِّهِ أبي طَالِبٍ، وزَوجَتِهِ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبرَى رَضِيَ اللهُ عنها، ولِقَسْوَةِ هذهِ الشَّدَائِدِ سَمَّى رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذاكَ العَامَ بِعَامِ الحُزنِ.
ولكن كَانَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَحَقِّقاً بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ، فما عَرَفَ اليَأسَ والقُنوطَ، ولكن كَانَ يَتَطَلَّعُ إلى فَرَجٍ من عِندِ الله آتٍ، وكُلُّ آتٍ من الله تعالى قَرِيبٌ، وصَدَقَ فِيهِ قَولُ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبرَى رَضِيَ اللهُ عنها: كَلَّا أَبْشِرْ، فوالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الشيخان.
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن بَلَغَتِ الشَّدَائِدُ ذُروَتَها وقِمَّتَها، ولم تُخرِجِ الأزَماتُ والشَّدَائِدُ سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن حُدُودِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، ولم تَتَزَعزَعْ ثِقَتُهُ بالله تعالى ـ وحَاشَاهُ من ذلكَ ـ جَاءَتِ المِنحَةُ العَظِيمَةُ، مِنحَةُ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ التي تَعرِفُونَها.
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.
حَادِثَةُ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ دَرسٌ لِكُلِّ ظَالِمٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ حَادِثَةَ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ التي كَانَت ثَمَرَةً لِصَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وثَمَرَةً لِتَحَقُّقِهِ بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ، هيَ دَرسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِكُلِّ ظَالِمٍ: لقد تَعَلَّمنا من حَادِثَةِ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ دُروساً كَثيرَةً لَعَلَّكَ أن تَسمَعَها فَتَتَّعِظَ، من هذهِ الدُّروسِ:
أولاً: إنَّ الظَّالِمِينَ لا يُفلِحونَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ لا يُفلِحُ وإن تَمَتَّعَ في الحَياةِ الدُّنيا بما تَمَتَّعَ، فَنِهَايَتُهُ إلى اضمِحلالٍ وتَلَفٍ وخِزيٍ وعَارٍ، طَالَ الزَّمَنُ أم قَصُرَ، كَيفَ يُفلِحُ الظَّالِمُ ودَعَواتُ المَظلُومِينَ تَتَرَاشَقُهُ في جَوفِ اللَّيلِ وهوَ نَائِمٌ؟
ورَبُّنا عزَّ وجلَّ يُقسِمُ بِقَولِهِ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يُرَدُّ دُعَاؤُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
هل أفلَحَ سَادَاتُ قُرَيشٍ الظَّالِمونُ؟ هل أفلَحَ أبو جَهلِ وأبو لَهَبٍ وعُقبَةُ وابنُ أُبَيٍّ وأمثَالُهُم؟ وهل تَحَقَّقَ فِيهِم قَولُ الله تعالى: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ أم لا؟ هل صُبَّت عَلَيهِمُ اللَّعنَةُ أم لا؟ ﴿أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
ثانياً: إنَّ بَغْيَ الظَّالِمِ على نَفسِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ البَاغِي بَغْيُهُ على نَفسِهِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾. فالدَّوَائِرُ لا تَدورُ إلا على البَاغِي، وهذهِ هيَ حَقِيقَةُ الخَسَارَةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وخَسَارَةُ الدُّنيا بِجَانِبِ خَسَارَةِ الآخِرَةِ هَيِّنَةٌ.
لقد صَبَّ اللهُ تعالى على الظَّالِمِينَ من طُغَاةِ قُرَيشٍ سَوطَ عَذَابٍ، بِسَبَبِ بَغْيِهِم وطُغيَانِهِم، فأينَ قُوَّتُهُمُ التي اغتَرُّوا بها؟ أينَ عَدَدُهُم وعُدَّتُهُم؟
ثالثاً: إنَّ مَكْرَ الظَّالِمِ لا يَحِيقُ لا بِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ المَاكِرُ لا يَحِيقُ مَكْرُهُ السَّيِّئُ إلا بِهِ، قال تعالى: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾. هذهِ سُنَّةٌ إلهِيَّةٌ نَافِذَةٌ، وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ العَبدَ المَظلومَ إذا كَانَ مُتَحَقِّقاً بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ جلَّ وكَانَ صَادِقاً في قَولِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ» وظُلمُ الظَّالِمِينَ ما أخرَجَهُ عن دَائِرَةِ الشَّرْعِ، فالعَاقِبَةُ لَهُ.
وما تَعِيشُهُ الأُمَّةُ اليَومَ هوَ اختِبارٌ وابتِلاءٌ لَعَلَّها أن تَرجِعَ إلى دِينِ الله تعالى، فإنْ رَجَعَت واصطَلَحَت مَعَ رَبِّها عزَّ وجلَّ، وعَادَت إلى رُشدِها، وتَمَسَّكَت بِهَدْيِ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وتَحَقَّقَت بالعُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ لله تعالى، فإنَّ من وَرَاءِ هذا الاختِبارَ والابتِلاءِ مِنحَةً عَظِيمَةً إن شاءَ اللهُ تعالى، وإلا فلا تَلُومَنَّ إلا نَفسَها.
اللَّهُمَّ فَارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضطَّرِّينَ، فَرِّجْ عنَّا يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
138ـ «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبدُكَ، وابنُ عَبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الحَياةُ الدُّنيا من صِفَاتِها أنَّها حَياةُ هُمومٍ وغُمومٍ وأحزانٍ وأكدارٍ، ولإزَالَةِ هذهِ الهُمومِ والغُمومِ والأحزانِ والأكدارِ، حَدِيثٌ عَلَّمَنا إيَّاهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَو اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً».
قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ؟
قَالَ: «أَجَلْ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ».
أيُّها الإخوة الكرام: الهَمُّ والحَزَنُ يَفتِكانِ بِصِحَّةِ الإنسانِ وعَافِيَتِهِ، قال تعالى عن سَيِّدِنا يَعقوبَ عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
فَذَهابُ الهَمِّ والحَزَنِ من أعظَمِ نِعَمِ الله تعالى على عَبْدِهِ، وهذا يَستَوجِبُ الحَمدَ من العَبدِ، قال تعالى حِكَايَةً عن أهلِ الجَنَّةِ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾.
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ»:
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما يَدعُو أحَدُنا، وخاصَّةً بهذا الدُّعاءِ من أجلِ تَفرِيجِ الهَمِّ والغَمِّ، عَلَيهِ أن يُفَكِّرَ فيما يَقولُ، وأن يَتَحَقَّقَ فيما يَدعُو بِهِ، لِذا عَلَينا التَّنَبُّهُ إلى صَدْرِ هذا الدُّعاءِ.
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ» هذا إقرارٌ واعتِرافٌ بأنَّ الدَّاعِيَ هوَ ومن فَوقَهُ من آباءَ وأُمَّهاتٍ إلى أبينا آدَمَ وأُمِّنا حَوَّاءَ كُلُّهُم عَبِيدٌ فُقَراءُ أَذِلَّاءُ في حَضْرَةِ المَولَى عزَّ وجلَّ، وفي ذلكَ تَمَلُّقٌ وانكِسارٌ بَينَ يَدَيِ الله عزَّ وجلَّ، واعتِرافٌ من العَبدِ بأنَّهُ مَملوكٌ هوَ وأُصُولُهُ لِمَولاهُ، وأنَّهُ لَيسَ لَهُ غَيرُ سَيِّدِهِ وفَضْلِهِ وإحسَانِهِ، وأنَّ سَيِّدَهُ إنْ أهمَلَهُ وتَخَلَّى عَنهُ، وَوَكَلَهُ إلى نَفسِهِ أو إلى أحَدٍ من خَلْقِهِ هَلَكَ، ولن يَجِدَ من يُؤويهِ ويَعطِفُ عَلَيهِ، بل يُضَيِّعُهُ أعظَمَ ضَياعٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: العُبُودِيَّةُ لله عزَّ وجلَّ عِزٌّ وشَرَفٌ، ومن أرادَ العِزَّ الحَقِيقِيَّ والشَّرَفَ فَعَلَيهِ أن يَتَحَقَّقَ بالعُبودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ.
ومِمَّــا زَادَني شَـرَفـاً وتِـيـهـاً *** وكِدتُ بأخمَصِي أطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولي تَحتَ قَولِكَ يا عِبَادِي *** وأن صَـيَّرتَ أحمَدَ لِي نَـبِيَّا
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: المُتَحَقِّقُ بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ لا يَسَعُهُ إلا امتِثَالُ أمرِ سَيِّدِهِ، وإلا فهوَ مُدَّعٍ.
اُنظُروا في خَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحلِ، وخاصَّةً ونَحنُ نَعِيشُ ذِكرَى الإسرَاءِ والمِعرَاجِ، التي هيَ مِنحَةٌ من الله تعالى لِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لقد كَانَت خَوَاتِيمُ سُورَةِ النَّحلِ مُقَدِّمَةً لِمُعجِزَةِ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ، حَيثُ جَاءَ الأمرُ من الله تعالى بِرَدِّ العُقُوبَةِ بِمِثلِها، ثمَّ حَرَّضَت على الصَّبْرِ، ثمَّ نَهَت عن الضِّيقِ من مَكْرِ المَاكِرِينَ، قال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بالله وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: يَستَشِفُّ الإنسانُ من خَوَاتِيمِ سُورَةِ النَّحلِ بأنَّ العَبدَ سَيُبتَلَى، وأنَّهُ يَحتَاجُ إلى صَبْرٍ ومُصَابَرَةٍ بَعدَ ضَبْطِ النَّفسِ، وأنَّ الشَّدَائِدَ قد تُحِيطُ بِهِ من كُلِّ جَانِبٍ، حتَّى إذا ما ابتُلِيَ وجَاءَتْهُ الشَّدَائِدُ فلا تَأخُذَهُ على غِرَّةٍ، لأنَّهُ كَانَ يَتَوَقَّعُ؛ ومن يتَوَقَّعُ لا يَتَوَجَّعُ.
أيُّها الإخوة الكرام: فِعلاً نَزَلَتِ الشَّدَائِدُ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكَانَت قِمَّتُها عِندَ فَقْدِ عَمِّهِ أبي طَالِبٍ، وزَوجَتِهِ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبرَى رَضِيَ اللهُ عنها، ولِقَسْوَةِ هذهِ الشَّدَائِدِ سَمَّى رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذاكَ العَامَ بِعَامِ الحُزنِ.
ولكن كَانَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَحَقِّقاً بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ، فما عَرَفَ اليَأسَ والقُنوطَ، ولكن كَانَ يَتَطَلَّعُ إلى فَرَجٍ من عِندِ الله آتٍ، وكُلُّ آتٍ من الله تعالى قَرِيبٌ، وصَدَقَ فِيهِ قَولُ السَّيِّدَةِ خَدِيجَةَ الكُبرَى رَضِيَ اللهُ عنها: كَلَّا أَبْشِرْ، فوالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. رواه الشيخان.
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن بَلَغَتِ الشَّدَائِدُ ذُروَتَها وقِمَّتَها، ولم تُخرِجِ الأزَماتُ والشَّدَائِدُ سَيِّدَنا رَسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عن حُدُودِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، ولم تَتَزَعزَعْ ثِقَتُهُ بالله تعالى ـ وحَاشَاهُ من ذلكَ ـ جَاءَتِ المِنحَةُ العَظِيمَةُ، مِنحَةُ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ التي تَعرِفُونَها.
﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾.
حَادِثَةُ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ دَرسٌ لِكُلِّ ظَالِمٍ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ حَادِثَةَ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ التي كَانَت ثَمَرَةً لِصَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وثَمَرَةً لِتَحَقُّقِهِ بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ وجلَّ، هيَ دَرسٌ عَمَلِيٌّ لِكُلِّ ظَالِمٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لِكُلِّ ظَالِمٍ: لقد تَعَلَّمنا من حَادِثَةِ الإسرَاءِ والمِعرَاجِ دُروساً كَثيرَةً لَعَلَّكَ أن تَسمَعَها فَتَتَّعِظَ، من هذهِ الدُّروسِ:
أولاً: إنَّ الظَّالِمِينَ لا يُفلِحونَ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ لا يُفلِحُ وإن تَمَتَّعَ في الحَياةِ الدُّنيا بما تَمَتَّعَ، فَنِهَايَتُهُ إلى اضمِحلالٍ وتَلَفٍ وخِزيٍ وعَارٍ، طَالَ الزَّمَنُ أم قَصُرَ، كَيفَ يُفلِحُ الظَّالِمُ ودَعَواتُ المَظلُومِينَ تَتَرَاشَقُهُ في جَوفِ اللَّيلِ وهوَ نَائِمٌ؟
ورَبُّنا عزَّ وجلَّ يُقسِمُ بِقَولِهِ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يُرَدُّ دُعَاؤُهُمْ، الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، يَرْفَعُهَا اللهُ فَوْقَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».
هل أفلَحَ سَادَاتُ قُرَيشٍ الظَّالِمونُ؟ هل أفلَحَ أبو جَهلِ وأبو لَهَبٍ وعُقبَةُ وابنُ أُبَيٍّ وأمثَالُهُم؟ وهل تَحَقَّقَ فِيهِم قَولُ الله تعالى: ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ أم لا؟ هل صُبَّت عَلَيهِمُ اللَّعنَةُ أم لا؟ ﴿أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ﴾.
ثانياً: إنَّ بَغْيَ الظَّالِمِ على نَفسِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ البَاغِي بَغْيُهُ على نَفسِهِ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾. فالدَّوَائِرُ لا تَدورُ إلا على البَاغِي، وهذهِ هيَ حَقِيقَةُ الخَسَارَةِ في الدُّنيا والآخِرَةِ، وخَسَارَةُ الدُّنيا بِجَانِبِ خَسَارَةِ الآخِرَةِ هَيِّنَةٌ.
لقد صَبَّ اللهُ تعالى على الظَّالِمِينَ من طُغَاةِ قُرَيشٍ سَوطَ عَذَابٍ، بِسَبَبِ بَغْيِهِم وطُغيَانِهِم، فأينَ قُوَّتُهُمُ التي اغتَرُّوا بها؟ أينَ عَدَدُهُم وعُدَّتُهُم؟
ثالثاً: إنَّ مَكْرَ الظَّالِمِ لا يَحِيقُ لا بِهِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الظَّالِمُ المَاكِرُ لا يَحِيقُ مَكْرُهُ السَّيِّئُ إلا بِهِ، قال تعالى: ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾. هذهِ سُنَّةٌ إلهِيَّةٌ نَافِذَةٌ، وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ العَبدَ المَظلومَ إذا كَانَ مُتَحَقِّقاً بالعُبُودِيَّةِ لله عزَّ جلَّ وكَانَ صَادِقاً في قَولِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ» وظُلمُ الظَّالِمِينَ ما أخرَجَهُ عن دَائِرَةِ الشَّرْعِ، فالعَاقِبَةُ لَهُ.
وما تَعِيشُهُ الأُمَّةُ اليَومَ هوَ اختِبارٌ وابتِلاءٌ لَعَلَّها أن تَرجِعَ إلى دِينِ الله تعالى، فإنْ رَجَعَت واصطَلَحَت مَعَ رَبِّها عزَّ وجلَّ، وعَادَت إلى رُشدِها، وتَمَسَّكَت بِهَدْيِ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وتَحَقَّقَت بالعُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ لله تعالى، فإنَّ من وَرَاءِ هذا الاختِبارَ والابتِلاءِ مِنحَةً عَظِيمَةً إن شاءَ اللهُ تعالى، وإلا فلا تَلُومَنَّ إلا نَفسَها.
اللَّهُمَّ فَارِجَ الهَمِّ، كَاشِفَ الغَمِّ، مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضطَّرِّينَ، فَرِّجْ عنَّا يا أرحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin