مع الحبيب المصطفى: «عَرَفتَ فالزَمْ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
135ـ «عَرَفتَ فالزَمْ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ قُوَّةَ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وعِمادَ نَهْضَتِها، ومَبعَثَ عِزَّتِها وكَرَامَتِها، هُمُ الشَّبابُ الذينَ انتَقَلوا من مَرحَلَةِ الضَّعفِ الأولى إلى مَرحَلَةِ القُوَّةِ، هُمُ الشَّبابُ الذينَ اندَرَجوا تَحتَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ـ وعَدَّ مِنهُم ـ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ الله» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هُمُ الشَّبابُ الذينَ اندَرَجوا تَحتَ قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾.
ولقد عَلِمَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ أهَمِّيَّةَ دَورِ الشَّبابِ في تَبليغِ رِسَالَةِ الله عزَّ وجلَّ، ونَشْرِ الدَّعوَةِ إلى الله تعالى، وعَلِموا أنَّهُم ثَروَةُ هذهِ الأُمَّةِ، وأنَّهُم عِزُّها وفَخرُها، وبِهِم يُحفَظُ الإسلامُ والقُرآنُ والسُّنَّةُ، فَخَطَّطُوا وَدَبَّروا لِتَضييعِ هؤلاءِ الشَّبابِ، من خِلالِ بَثِّ المُيُوعَةِ والخَلاعَةِ في نُفُوسِهِم، ومَحْوِ شَخصِيَّتِهِم.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد استَطاعَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ من ِخِلالِ أجهِزَةِ الإعلامِ،والشَّبَكَةِ العَنكَبُوتِيَّةِ أن يُضِلُّوا بَعضَ شَبابِ هذهِ الأُمَّةِ، حتَّى تَدَنَّى حَالُ بَعضِهِم فَتَشَبَّهوا بالنِّساءِ، ورَكَضُوا خَلفَ شَهَواتِهِم فَخَسِروا الدُّنيا والآخِرَةَ العِياذُ بالله تعالى، وصُبَّت عَلَيهِمُ اللَّعنَةُ من خِلالِ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِن الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ»:
أيُّها الإخوة الكرام: ولكن بِحَمْدِ الله تعالى مَهما حَاوَلَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ إطفاءَ نُورِ الإيمانِ من قُلوبِ شَبابِنا وشَابَّاتِنا فلن يَستَطِيعوا بإذنِ الله تعالى، ولا تَزالُ هُناكَ طَائِفَةٌ من شَبابِ هذهِ الأُمَّةِ وشَابَّاتِها مُستَقيِمينَ على شَرعِ الله تعالى، مُستَقيِمينَ على نَهْجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، ومُندَرِجينَ تَحتَ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لا تَزالَ هُناكَ طَائِفَةٌ من شَبابِنا وشَابَّاتِنا يَجعَلونَ لأنفُسِهِم نِبراساً من أصحَابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخاصَّةً الشَّبابَ مِنهُم، الذينَ ضَرَبوا أروَعَ الأمثِلَةِ في الاستِقَامَةِ والدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى، بَعدَ شَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
«فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَجْعَلْ لأنفُسِنا ولأبنائِنا ولِبَنَاتِنا وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ قُدوَةً صَالِحَةً من شَبابِ أصحَابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ ضَرَبوا أروَعَ الأمثِلَةِ في دِينِهِم واستِقَامَتِهِم دَعوَتِهِم إلى اللهِ تعالى.
من هؤلاءِ الشَّبابِ صَحَابِيٌّ جَليلٌ اسمُهُ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، كَانَ من أوائِلِ الأنصارِ إسلاماً على يَدِ سَيِّدِنا مُصَعبِ بنِ عُمَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ولمَّا يَبلُغْ من العُمُرِ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وتَشَرَّفَ بَعدَ ذلكَ بِلِقَائِهِ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في لَيلَةِ العَقَبَةِ حَيثُ مَدَّ يَدَهُ لِيُصَافِحَ بها أشرَفَ وأطهَرَ يَدٍ خَلَقَها اللهُ عزَّ وجلَّ، يَدَ الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولِيُبَايِعَهُ على الإيمانِ والسَّمعِ والطَّاعَةِ، والدَّعوَةِ إلى الله تعالى بأُسلوبِ الحَكيمِ الذي يُحَبِّبُ الإسلامَ إلى القُلوبِ، ويُنَفِّرُها من الكُفرِ الفُسوقِ والعِصيانِ.
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن تَشَرَّفَ هذا الشَّابُّ باللِّقَاءِ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ في رَيعانِ الشَّبابِ، في مِنى عِندَ العَقَبَةِ الكُبرَى، في مَنتَصَفِ لَيلَةٍ من لَيالي التَّشريقِ، عادَ من مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ وكَأنَّهُ يَحمِلُ في طَيَّاتِهِ حَدِيثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الشيخان عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
إسلامُ عَمرِو بنِ الجَموحِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومَعَهُ بَعضُ الشَّبابِ سَبَباً في إسلامِ عَمرِو بنِ الجَموحِ الذي كَانَ سَيِّداً من سَاداتِ بَني سَلِمَةَ، وشَريفاً من شُرَفائِهِم، وذلكَ بأُسلوبٍ حَكيمٍ مُقنِعٍ بِدونِ تَنفيرٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ عَمرُو بنُ الجَموحِ يَعبُدُ صَنَماً من خَشَبٍ، وكَانَ صَنَمُهُ من نَفيسِ الخَشَبِ، وكَانَ يُعنَى بِصَنَمِهِ أشَدَّ العِنَايَةِ، فَكَانَ يُجَلِّلِهُ بالحَريرِ، ويُضَمِّخُهُ كُلَّ صَباحٍ بالطِّيبِ.
جاءَ في الرَّوضِ الأنفِ وسِيرَةِ ابنِ هِشامٍ: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلِمَةَ، وَشَرِيفاً مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ قَدْ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَماً مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ: مَنَاةُ، كَمَا كَانَت الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، تَتَّخِذُهُ إلَهاً تُعَظِّمُهُ وَتُطَهِّرُهُ.
فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ مِنهُم، مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللَّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ، فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلِمَةَ وَفِيهَا عِذَرُ النَّاسِ مُنَكَّساً عَلَى رَأْسِهِ.
فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو قَالَ: وَيْلَكُمْ، مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟
قَالَ: ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَا واللهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنَّهُ، فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِن الْأَذَى، فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهِّرُهُ وَيُطَيِّبُهُ، ثُمَّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، فَطَيَّبَهُ ثُمَّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي واللهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ فَهَذَا السَّيْفُ مَعَك.
فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ ثُمَّ أَخَذُوا كَلْباً مَيتاً فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْل، ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلِمَةَ فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النَّاسِ، ثُمَّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانِهِ الذِي كَانَ بِهِ.
فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتَّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكَّساً مَقْرُوناً بِكَلْبِ مَيتٍ فَلَمَّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ الله وَحَسُنَ إسْلَامُهُ.
فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِن اللهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى الذِي أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِن الْعَمَى وَالضّلَالَةِ.
واللهِ لَـوْ كُـنْـتَ إلَهـاً لَمْ تَكُنْ *** أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفٍّ لِمَـلْقَاك إلَهـاً مُـسْـتَـدَنْ *** الآنَ فَتَّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَـمْـدُ لله الْـعَـلِيِّ ذِي المِنَنْ *** الْوَاهِبِ الـرَّزَّاقِ دَيَّـانِ الدِّيَنْ
هُوَ الذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُـرْتَـهَـنْ
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنا مُعاذٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ شَابَّاً قَوِيَّاً في إيمانِهِ، حَيثُ خَالَطَ الإيمانُ قَلبَهُ وعَقلَهُ، وسَكَنَ نَفسَهُ وفُؤادَهُ، حتَّى بَلَغَ دَرَجَةَ اليَقينِ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
جاءَ في حَياةِ الصَّحَابَةِ: أخرَجَ أبو نُعَيم في الحِليَةِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ دَخَلَ على رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقال لَهُ: «كَيفَ أَصبَحتَ يا مُعَاذُ؟»
قال: أَصبَحتُ مُؤمِناً بالله تعالى.
قال: «إنَّ لِكُلِّ قَولٍ مِصدَاقاً، ولِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ، فَمَا مِصداقُ ما تَقُولُ؟»
قال: يا نَبِيَّ الله، ما أَصبَحتُ صَباحاً قَطُّ إلا ظَنَنتُ أنِّي لا أُمسِي، وما أَمسَيتُ مَساءً قَطُّ إلا ظَنَنتُ أنِّي لا أُصبِحُ، ولا خَطَوتُ خُطوَةً إلا ظَنَنتُ أَنِّي لا أُتبِعُهَا أُخرى، وكَأَنِّي أَنظُرُ إلى كُلِّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ تُدعَى إلى كِتَابِهَا مَعَهَا نَبِيِّها وأَوثَانُهَا التي كَانَت تُعبَدُ من دُونِ الله، وكَأَنِّي أَنظُرُ إلى عُقُوبَةِ أَهلِ النَّارِ وثَوابِ أَهلِ الجَنَّةِ.
قال: «عَرَفتَ فَالزَمْ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كم نَحنُ اليَومَ بَحَاجَةٍ إلى أن نَسيرَ سَيْرَ هؤلاءِ العِظامِ الذينَ سَجَّلوا لأنفُسِهِم أروَعَ تَارِيخٍ يُذكَرونَ به بَعدَ مَوتِهِم؟ كم نَحنُ بِحَاجَةٍ إلى شَبابٍ كَسَيِّدِنا مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذي كَانَ يَستَحضِرُ الآخِرَةَ في كُلِّ نَفَسٍ من أنفَاسِهِ، ويَستَحضِرُ خُروجَهُ من الدُّنيا في كُلِّ دَقَّةٍ من دَقَّاتِ قَلبِهِ، ويَتَصَوَّرُ مَوقِفَهُ يَومَ الحِسابِ؟
كم نَحنُ وشَبابُنا بِحَاجَةٍ إلى شَهَادَةٍ كَشَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنا مُعاذِ بنِ جَبَلٍ «عَرَفتَ فالزَمْ»؟
ماذا لَزِمتَ أيُّها الشَّابُّ؟ سَلْ نَفسَكَ هذا السُّؤالَ، هل لَزِمتَ ما يَبَيِّضُ الوَجهَ، أم ما يُسَوِّدُ الوَجهَ، لا قَدَّرَ اللهُ تعالى؟
اللَّهُمَّ رُدَّنا إلَيكَ رَدَّاً جَميلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
135ـ «عَرَفتَ فالزَمْ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ قُوَّةَ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وعِمادَ نَهْضَتِها، ومَبعَثَ عِزَّتِها وكَرَامَتِها، هُمُ الشَّبابُ الذينَ انتَقَلوا من مَرحَلَةِ الضَّعفِ الأولى إلى مَرحَلَةِ القُوَّةِ، هُمُ الشَّبابُ الذينَ اندَرَجوا تَحتَ قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ ـ وعَدَّ مِنهُم ـ وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ الله» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ. هُمُ الشَّبابُ الذينَ اندَرَجوا تَحتَ قَولِ الله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾.
ولقد عَلِمَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ أهَمِّيَّةَ دَورِ الشَّبابِ في تَبليغِ رِسَالَةِ الله عزَّ وجلَّ، ونَشْرِ الدَّعوَةِ إلى الله تعالى، وعَلِموا أنَّهُم ثَروَةُ هذهِ الأُمَّةِ، وأنَّهُم عِزُّها وفَخرُها، وبِهِم يُحفَظُ الإسلامُ والقُرآنُ والسُّنَّةُ، فَخَطَّطُوا وَدَبَّروا لِتَضييعِ هؤلاءِ الشَّبابِ، من خِلالِ بَثِّ المُيُوعَةِ والخَلاعَةِ في نُفُوسِهِم، ومَحْوِ شَخصِيَّتِهِم.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد استَطاعَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ من ِخِلالِ أجهِزَةِ الإعلامِ،والشَّبَكَةِ العَنكَبُوتِيَّةِ أن يُضِلُّوا بَعضَ شَبابِ هذهِ الأُمَّةِ، حتَّى تَدَنَّى حَالُ بَعضِهِم فَتَشَبَّهوا بالنِّساءِ، ورَكَضُوا خَلفَ شَهَواتِهِم فَخَسِروا الدُّنيا والآخِرَةَ العِياذُ بالله تعالى، وصُبَّت عَلَيهِمُ اللَّعنَةُ من خِلالِ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِن الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِن النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» رواه الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
«لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ»:
أيُّها الإخوة الكرام: ولكن بِحَمْدِ الله تعالى مَهما حَاوَلَ أعداءُ هذهِ الأُمَّةِ إطفاءَ نُورِ الإيمانِ من قُلوبِ شَبابِنا وشَابَّاتِنا فلن يَستَطِيعوا بإذنِ الله تعالى، ولا تَزالُ هُناكَ طَائِفَةٌ من شَبابِ هذهِ الأُمَّةِ وشَابَّاتِها مُستَقيِمينَ على شَرعِ الله تعالى، مُستَقيِمينَ على نَهْجِ السَّلَفِ الصَّالِحِ، ومُندَرِجينَ تَحتَ قَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وَهُمْ كَذَلِكَ» رواه الإمام مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لا تَزالَ هُناكَ طَائِفَةٌ من شَبابِنا وشَابَّاتِنا يَجعَلونَ لأنفُسِهِم نِبراساً من أصحَابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وخاصَّةً الشَّبابَ مِنهُم، الذينَ ضَرَبوا أروَعَ الأمثِلَةِ في الاستِقَامَةِ والدَّعوَةِ إلى اللهِ تعالى، بَعدَ شَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
«فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ»:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَجْعَلْ لأنفُسِنا ولأبنائِنا ولِبَنَاتِنا وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ قُدوَةً صَالِحَةً من شَبابِ أصحَابِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذينَ ضَرَبوا أروَعَ الأمثِلَةِ في دِينِهِم واستِقَامَتِهِم دَعوَتِهِم إلى اللهِ تعالى.
من هؤلاءِ الشَّبابِ صَحَابِيٌّ جَليلٌ اسمُهُ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، كَانَ من أوائِلِ الأنصارِ إسلاماً على يَدِ سَيِّدِنا مُصَعبِ بنِ عُمَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، ولمَّا يَبلُغْ من العُمُرِ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وتَشَرَّفَ بَعدَ ذلكَ بِلِقَائِهِ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في لَيلَةِ العَقَبَةِ حَيثُ مَدَّ يَدَهُ لِيُصَافِحَ بها أشرَفَ وأطهَرَ يَدٍ خَلَقَها اللهُ عزَّ وجلَّ، يَدَ الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ولِيُبَايِعَهُ على الإيمانِ والسَّمعِ والطَّاعَةِ، والدَّعوَةِ إلى الله تعالى بأُسلوبِ الحَكيمِ الذي يُحَبِّبُ الإسلامَ إلى القُلوبِ، ويُنَفِّرُها من الكُفرِ الفُسوقِ والعِصيانِ.
أيُّها الإخوة الكرام: بَعدَ أن تَشَرَّفَ هذا الشَّابُّ باللِّقَاءِ مَعَ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ في رَيعانِ الشَّبابِ، في مِنى عِندَ العَقَبَةِ الكُبرَى، في مَنتَصَفِ لَيلَةٍ من لَيالي التَّشريقِ، عادَ من مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ وكَأنَّهُ يَحمِلُ في طَيَّاتِهِ حَدِيثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فواللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» رواه الشيخان عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
إسلامُ عَمرِو بنِ الجَموحِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ ومَعَهُ بَعضُ الشَّبابِ سَبَباً في إسلامِ عَمرِو بنِ الجَموحِ الذي كَانَ سَيِّداً من سَاداتِ بَني سَلِمَةَ، وشَريفاً من شُرَفائِهِم، وذلكَ بأُسلوبٍ حَكيمٍ مُقنِعٍ بِدونِ تَنفيرٍ.
أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ عَمرُو بنُ الجَموحِ يَعبُدُ صَنَماً من خَشَبٍ، وكَانَ صَنَمُهُ من نَفيسِ الخَشَبِ، وكَانَ يُعنَى بِصَنَمِهِ أشَدَّ العِنَايَةِ، فَكَانَ يُجَلِّلِهُ بالحَريرِ، ويُضَمِّخُهُ كُلَّ صَباحٍ بالطِّيبِ.
جاءَ في الرَّوضِ الأنفِ وسِيرَةِ ابنِ هِشامٍ: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيِّداً مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلِمَةَ، وَشَرِيفاً مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَكَانَ قَدْ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَماً مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ: مَنَاةُ، كَمَا كَانَت الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ، تَتَّخِذُهُ إلَهاً تُعَظِّمُهُ وَتُطَهِّرُهُ.
فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلِمَةَ مِنهُم، مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ، كَانُوا يُدْلِجُونَ بِاللَّيْلِ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ، فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلِمَةَ وَفِيهَا عِذَرُ النَّاسِ مُنَكَّساً عَلَى رَأْسِهِ.
فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو قَالَ: وَيْلَكُمْ، مَنْ عَدَا عَلَى آلِهَتِنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟
قَالَ: ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَمَا واللهِ لَوْ أَعْلَمُ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ لَأُخْزِيَنَّهُ، فَإِذَا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَيَغْدُو فَيَجِدُهُ فِي مِثْلِ مَا كَانَ فِيهِ مِن الْأَذَى، فَيَغْسِلُهُ وَيُطَهِّرُهُ وَيُطَيِّبُهُ، ثُمَّ يَعْدُونَ عَلَيْهِ إذَا أَمْسَى، فَيَفْعَلُونَ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، فَطَيَّبَهُ ثُمَّ جَاءَ بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إنِّي واللهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَصْنَعُ بِك مَا تَرَى، فَإِنْ كَانَ فِيك خَيْرٌ فَامْتَنِعْ فَهَذَا السَّيْفُ مَعَك.
فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ عَمْرٌو، عَدَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذُوا السَّيْفَ مِنْ عُنُقِهِ ثُمَّ أَخَذُوا كَلْباً مَيتاً فَقَرَنُوهُ بِهِ بِحَبْل، ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلِمَةَ فِيهَا عِذَرٌ مِنْ عِذَرِ النَّاسِ، ثُمَّ غَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانِهِ الذِي كَانَ بِهِ.
فَخَرَجَ يَتْبَعُهُ حَتَّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مُنَكَّساً مَقْرُوناً بِكَلْبِ مَيتٍ فَلَمَّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ بِرَحْمَةِ الله وَحَسُنَ إسْلَامُهُ.
فَقَالَ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِن اللهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ ذَلِكَ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ اللهَ تَعَالَى الذِي أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِن الْعَمَى وَالضّلَالَةِ.
واللهِ لَـوْ كُـنْـتَ إلَهـاً لَمْ تَكُنْ *** أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفٍّ لِمَـلْقَاك إلَهـاً مُـسْـتَـدَنْ *** الآنَ فَتَّشْنَاك عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
الْحَـمْـدُ لله الْـعَـلِيِّ ذِي المِنَنْ *** الْوَاهِبِ الـرَّزَّاقِ دَيَّـانِ الدِّيَنْ
هُوَ الذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ *** أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُـرْتَـهَـنْ
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كَانَ سَيِّدُنا مُعاذٌ رَضِيَ اللهُ عنهُ شَابَّاً قَوِيَّاً في إيمانِهِ، حَيثُ خَالَطَ الإيمانُ قَلبَهُ وعَقلَهُ، وسَكَنَ نَفسَهُ وفُؤادَهُ، حتَّى بَلَغَ دَرَجَةَ اليَقينِ بِشَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
جاءَ في حَياةِ الصَّحَابَةِ: أخرَجَ أبو نُعَيم في الحِليَةِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ دَخَلَ على رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقال لَهُ: «كَيفَ أَصبَحتَ يا مُعَاذُ؟»
قال: أَصبَحتُ مُؤمِناً بالله تعالى.
قال: «إنَّ لِكُلِّ قَولٍ مِصدَاقاً، ولِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ، فَمَا مِصداقُ ما تَقُولُ؟»
قال: يا نَبِيَّ الله، ما أَصبَحتُ صَباحاً قَطُّ إلا ظَنَنتُ أنِّي لا أُمسِي، وما أَمسَيتُ مَساءً قَطُّ إلا ظَنَنتُ أنِّي لا أُصبِحُ، ولا خَطَوتُ خُطوَةً إلا ظَنَنتُ أَنِّي لا أُتبِعُهَا أُخرى، وكَأَنِّي أَنظُرُ إلى كُلِّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٍ تُدعَى إلى كِتَابِهَا مَعَهَا نَبِيِّها وأَوثَانُهَا التي كَانَت تُعبَدُ من دُونِ الله، وكَأَنِّي أَنظُرُ إلى عُقُوبَةِ أَهلِ النَّارِ وثَوابِ أَهلِ الجَنَّةِ.
قال: «عَرَفتَ فَالزَمْ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: كم نَحنُ اليَومَ بَحَاجَةٍ إلى أن نَسيرَ سَيْرَ هؤلاءِ العِظامِ الذينَ سَجَّلوا لأنفُسِهِم أروَعَ تَارِيخٍ يُذكَرونَ به بَعدَ مَوتِهِم؟ كم نَحنُ بِحَاجَةٍ إلى شَبابٍ كَسَيِّدِنا مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، الذي كَانَ يَستَحضِرُ الآخِرَةَ في كُلِّ نَفَسٍ من أنفَاسِهِ، ويَستَحضِرُ خُروجَهُ من الدُّنيا في كُلِّ دَقَّةٍ من دَقَّاتِ قَلبِهِ، ويَتَصَوَّرُ مَوقِفَهُ يَومَ الحِسابِ؟
كم نَحنُ وشَبابُنا بِحَاجَةٍ إلى شَهَادَةٍ كَشَهَادَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِسَيِّدِنا مُعاذِ بنِ جَبَلٍ «عَرَفتَ فالزَمْ»؟
ماذا لَزِمتَ أيُّها الشَّابُّ؟ سَلْ نَفسَكَ هذا السُّؤالَ، هل لَزِمتَ ما يَبَيِّضُ الوَجهَ، أم ما يُسَوِّدُ الوَجهَ، لا قَدَّرَ اللهُ تعالى؟
اللَّهُمَّ رُدَّنا إلَيكَ رَدَّاً جَميلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin