مع الحبيب المصطفى: «إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
119ـ «إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ بَعضُ الصَّالِحينَ: كَيفَ يَفرَحُ في هذهِ الدُّنيا من يَومُهُ يَهدِمُ شَهْرَهُ، وشَهْرُهُ يَهدِمُ سَنَتَهُ، وسَنَتُهُ تَهدِمُ عُمُرَهُ؟ كَيفَ يَفرَحُ مَن عُمُرُهُ يَقودُهُ إلى أجَلِهِ، وحَياتُهُ تَقودُهُ إلى مَماتِهِ؟
أيُّها الإخوة الكرام: في مِثلِ غَمْضَةِ عَينٍ، أو لمَحَةِ بَصَرٍ، أو وَمْضَةِ بَرْقٍ، يُطوَى سِجِلُّ أعمالِنا، من الوِلادَةِ، إلى الطُّفُولَةِ، إلى الشَّبابِ، إلى الشَّيخوخَةِ والهَرَمِ، إلى المَوتِ، إلى القَبْرِ، فوا عَجَباً لهذهِ الدُّنيا كَيفَ خُدِعَ بها الإنسانُ، وغَرَّهُ طُولُ الأمَلِ فيها، فمن أجلِها خَاصَمَ، ومن أجلِها سَفَكَ الدِّماءَ، ومن أجلِها سَلَبَ الأموالَ، ومن أجلِها أحَلَّ ما حَرَّمَ اللهُ، وحَرَّمَ ما أحَلَّ اللهُ، من أجلِها قَطَعَ الرَّحِمَ، من أجلِها أنكَرَ البَعْثَ والنُّشورَ، ونَسِيَ قَولَ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ لِقَومِهِ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: جَديرٌ بِكُلِّ مُؤمِنٍ صَادِقٍ في إيمانِهِ يَبحَثُ عن سَبيلِ الفَلاحِ والنَّجاحِ والنَّجاةِ أن يُراجِعَ الحِسابَاتِ فيما بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ، ويَقِفَ مَعَها وِقفَةَ تَأمُّلٍ ومُحَاسَبَةٍ، أن يَنظُرَ إلى ما قَدَّمَ فيما مَضَى من عُمُرِهِ، ويُلقيَ عن نَفسِهِ رِدَاءَ الغَفلَةِ عن الله عزَّ وجلَّ، فَكُلُّ يَومٍ يَمضي يُقَرِّبُنا من أجَلِنا.
الدُّنيا أيَّامٌ مَعدودَةٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: الدُّنيا هيَ أيَّامٌ مَعدودَةٌ، وما هيَ إلا أنفاسٌ مَحدودَةٌ، وآجالُنا فيها مَكتوبَةٌ، وأعمالُنا فيها مَحصِيَّةٌ ومَحسوبَةٌ، العَاقِلُ فينا وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ أيَّامِ الأزمَةِ حَيثُ كَثُرَ فيها القَتلُ والمَوتُ، من استَيقَظَ من سُباتِهِ ورُقادِهِ، وتَدَارَكَ ما بَقِيَ من عُمُرِهِ قَبلَ انتِهاءِ أجَلِهِ، فإذا كانَ المَوتُ تَخَطَّانا إلى غَيرِنا، فَغَداً سَوفَ يَتَخَطَّى غَيرَنا إلَينا.
ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَنِّي حَيْثُ أَمْهَلَنـي *** وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيَّـامـي بِـلا نَـدَمٍ *** ولا بُكاءٍ وَلاخَوْفٍ ولا حَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْـلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً *** عَلى المعاصِي وَعَيْنُ الله تَنْظُرُني
دَعْنـي أَنُـوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدُبُها *** وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ
دَعني أسِحُّ دُموعاً لا انقِطاعَ لها *** فهل عَسى عَبْرَةٌ منها تُخَلِّصُني
أيُّها الإخوة الكرام: لقد طالَ عَهْدُ غَفْلَتِنا عن الله تعالى، ونَسِينا الامتِحانَ العَظيمَ في تِلكَ الحُفرَةِ المُظلِمَةِ التي نَسيرُ إلَيها.
تَذَكَّروا إذا وُضِعَ أحَدُنا في قَبرِهِ، وأهالَ عَلَيهِ المُشَيِّعونَ التُّرابَ، وتَوَلَّى عنهُ أصحَابُهُ حتَّى إنَّهُ لَيَسمَعُ قَرْعَ نِعالِهِم، وجاءَهُ المَلَكانِ المُمْتَحِنانِ لِيَسأَلاهُ عن سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي بَلَّغَ عن رَبِّهِ عزَّ وجلَّ رِسالَتَهُ، ماذا يَقولُ فيه؟ وهل اتَّبَعَهُ وأطاعَ أمرَهُ، أم اتَّبَعَ سَبيلَ الشَّيطانِ، وعَصى أمرَهُ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ـ أيُّ عَبدٍ؟ الكُلُّ عَبدٌ ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ـ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ـ اِنصَرَفَ عنهُ الأُصولُ والفُروعُ والزَّوجُ، اِنصَرَفَ عنهُ المَادِحونَ والقَادِحونَ، اِنصَرَفَ عنهُ المُحِبُّونَ والمُبغِضونَ، اِنصَرَفَ عنهُ من كانَ يَغتَرُّ بِهِم ويَفخَرُ بِهِم، اِنصَرَفَ الجَميعُ، وبَقيَ لِوَحْدِهِ في القَبْرِ ـ.
يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ» ـ هل كُنتَ تُؤمِنُ بِهِما قَبلَ هذا؟ هل كُنتَ تَستَعِدُّ لِلِقَائِهِما؟ وهل كُنتَ تَستَعِدُّ للجَوابِ عن سُؤالِهِما لكَ؟ ـ
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ الله؟
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ».
فَقَالَ عُمَرُ بِفِيهِ الْحَجَرُ.
أيُّها الإخوة الكرام: نَرجِعُ إلى حَديثِ الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى، يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ.
فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِن النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِن الْجَنَّةِ».
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً.
وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.
فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ».
مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: وفي رِوَايَةِ أبي داود عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّهُ ـ أي المَيْتُ ـ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا، مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟».
أيُّها الإخوة الكرام: ثَلاثَةُ أسئِلَةٍ يَجِبُ أن تُجيبَ عنها، هُنا في الحَياةِ الدُّنيا الإجَابَةُ عنها أمرٌ يَسيرٌ، الكُلُّ يُجيبُ عن السُّؤالِ الأوَّلِ: رَبُّنا اللهُ، وعن السُّؤالِ الثَّاني: الإسلامُ دِينُنا، وعن السُّؤالِ الثَّالِثِ: سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّنا.
ولكن هُناكَ في القَبرِ حَيثُ لا أَنيسَ ولا جَليسَ إلا أعمالُنا، فهل نُجيبُ هُناكَ كما نُجيبُ هُنا، ونَحنُ نَتَذَكَّرُ قَولَ الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾؟
عِندَما أقولُ: رَبِّيَ اللهُ، أسألُ نَفسي: هل عَرَفَتْ جَوارِحِي اللهَ تعالى فلم تَعصِهِ؟
وعِندَما أقولُ: الإسلامُ دِيني، أسألُ نَفسي: هل أنا التَزَمتُ دِينَ الإسلامِ؟
وعِندَما أقولُ: سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّي، أسألُ نَفسي: هل اتَّخَذتُ مَعَهُ سَبيلاً؟
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَالَمُ البَرزَخِ وعَالَمُ القَبْرِ عَالَمٌ حَقيقِيٌّ، وهوَ غَيبٌ عنَّا اليَومَ، ولكن والله إنَّهُ لَحَقٌّ، فَلْنَستَعِدَّ لِعَالَمِ البَرزَخِ، ولْنَسْتَعِيذَ بالله من عَذابِ القَبْرِ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَقَالَ: «نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ». وفي روايَةِ الإمام أحمد قال: «نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ».
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
وروى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
وفي الخِتامِ: روى البزار عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قُلتُ: يا رَسولَ الله، تُبتَلَى هذهِ الأُمَّةُ في قُبورِهَا، فَكَيفَ بي وأنا امرَأَةٌ ضَعيفَةٌ؟
قال: «﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾».
أسألُ اللهَ تعالى أن يُثَبِّتَنا بالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
119ـ «إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ بَعضُ الصَّالِحينَ: كَيفَ يَفرَحُ في هذهِ الدُّنيا من يَومُهُ يَهدِمُ شَهْرَهُ، وشَهْرُهُ يَهدِمُ سَنَتَهُ، وسَنَتُهُ تَهدِمُ عُمُرَهُ؟ كَيفَ يَفرَحُ مَن عُمُرُهُ يَقودُهُ إلى أجَلِهِ، وحَياتُهُ تَقودُهُ إلى مَماتِهِ؟
أيُّها الإخوة الكرام: في مِثلِ غَمْضَةِ عَينٍ، أو لمَحَةِ بَصَرٍ، أو وَمْضَةِ بَرْقٍ، يُطوَى سِجِلُّ أعمالِنا، من الوِلادَةِ، إلى الطُّفُولَةِ، إلى الشَّبابِ، إلى الشَّيخوخَةِ والهَرَمِ، إلى المَوتِ، إلى القَبْرِ، فوا عَجَباً لهذهِ الدُّنيا كَيفَ خُدِعَ بها الإنسانُ، وغَرَّهُ طُولُ الأمَلِ فيها، فمن أجلِها خَاصَمَ، ومن أجلِها سَفَكَ الدِّماءَ، ومن أجلِها سَلَبَ الأموالَ، ومن أجلِها أحَلَّ ما حَرَّمَ اللهُ، وحَرَّمَ ما أحَلَّ اللهُ، من أجلِها قَطَعَ الرَّحِمَ، من أجلِها أنكَرَ البَعْثَ والنُّشورَ، ونَسِيَ قَولَ مُؤمِنِ آلِ فِرعَونَ لِقَومِهِ: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: جَديرٌ بِكُلِّ مُؤمِنٍ صَادِقٍ في إيمانِهِ يَبحَثُ عن سَبيلِ الفَلاحِ والنَّجاحِ والنَّجاةِ أن يُراجِعَ الحِسابَاتِ فيما بَينَهُ وبَينَ نَفسِهِ، ويَقِفَ مَعَها وِقفَةَ تَأمُّلٍ ومُحَاسَبَةٍ، أن يَنظُرَ إلى ما قَدَّمَ فيما مَضَى من عُمُرِهِ، ويُلقيَ عن نَفسِهِ رِدَاءَ الغَفلَةِ عن الله عزَّ وجلَّ، فَكُلُّ يَومٍ يَمضي يُقَرِّبُنا من أجَلِنا.
الدُّنيا أيَّامٌ مَعدودَةٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: الدُّنيا هيَ أيَّامٌ مَعدودَةٌ، وما هيَ إلا أنفاسٌ مَحدودَةٌ، وآجالُنا فيها مَكتوبَةٌ، وأعمالُنا فيها مَحصِيَّةٌ ومَحسوبَةٌ، العَاقِلُ فينا وخاصَّةً في هذهِ الآوِنَةِ أيَّامِ الأزمَةِ حَيثُ كَثُرَ فيها القَتلُ والمَوتُ، من استَيقَظَ من سُباتِهِ ورُقادِهِ، وتَدَارَكَ ما بَقِيَ من عُمُرِهِ قَبلَ انتِهاءِ أجَلِهِ، فإذا كانَ المَوتُ تَخَطَّانا إلى غَيرِنا، فَغَداً سَوفَ يَتَخَطَّى غَيرَنا إلَينا.
ورَحِمَ اللهُ تعالى القَائِلَ:
مَا أَحْلَمَ اللهَ عَنِّي حَيْثُ أَمْهَلَنـي *** وقَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي
تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيَّـامـي بِـلا نَـدَمٍ *** ولا بُكاءٍ وَلاخَوْفٍ ولا حَزَنِ
أَنَا الَّذِي أُغْـلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً *** عَلى المعاصِي وَعَيْنُ الله تَنْظُرُني
دَعْنـي أَنُـوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدُبُها *** وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ
دَعني أسِحُّ دُموعاً لا انقِطاعَ لها *** فهل عَسى عَبْرَةٌ منها تُخَلِّصُني
أيُّها الإخوة الكرام: لقد طالَ عَهْدُ غَفْلَتِنا عن الله تعالى، ونَسِينا الامتِحانَ العَظيمَ في تِلكَ الحُفرَةِ المُظلِمَةِ التي نَسيرُ إلَيها.
تَذَكَّروا إذا وُضِعَ أحَدُنا في قَبرِهِ، وأهالَ عَلَيهِ المُشَيِّعونَ التُّرابَ، وتَوَلَّى عنهُ أصحَابُهُ حتَّى إنَّهُ لَيَسمَعُ قَرْعَ نِعالِهِم، وجاءَهُ المَلَكانِ المُمْتَحِنانِ لِيَسأَلاهُ عن سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي بَلَّغَ عن رَبِّهِ عزَّ وجلَّ رِسالَتَهُ، ماذا يَقولُ فيه؟ وهل اتَّبَعَهُ وأطاعَ أمرَهُ، أم اتَّبَعَ سَبيلَ الشَّيطانِ، وعَصى أمرَهُ؟
روى الإمام البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ ـ أيُّ عَبدٍ؟ الكُلُّ عَبدٌ ﴿إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ـ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ، وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ـ اِنصَرَفَ عنهُ الأُصولُ والفُروعُ والزَّوجُ، اِنصَرَفَ عنهُ المَادِحونَ والقَادِحونَ، اِنصَرَفَ عنهُ المُحِبُّونَ والمُبغِضونَ، اِنصَرَفَ عنهُ من كانَ يَغتَرُّ بِهِم ويَفخَرُ بِهِم، اِنصَرَفَ الجَميعُ، وبَقيَ لِوَحْدِهِ في القَبْرِ ـ.
يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ» ـ هل كُنتَ تُؤمِنُ بِهِما قَبلَ هذا؟ هل كُنتَ تَستَعِدُّ لِلِقَائِهِما؟ وهل كُنتَ تَستَعِدُّ للجَوابِ عن سُؤالِهِما لكَ؟ ـ
أيُّها الإخوة الكرام: روى الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانَ الْقُبُورِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ الله؟
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ».
فَقَالَ عُمَرُ بِفِيهِ الْحَجَرُ.
أيُّها الإخوة الكرام: نَرجِعُ إلى حَديثِ الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى، يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ.
فَيُقَالُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِن النَّارِ، أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِن الْجَنَّةِ».
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً.
وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوْ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ.
فَيُقَالُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ».
مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟
أيُّها الإخوة الكرام: وفي رِوَايَةِ أبي داود عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّهُ ـ أي المَيْتُ ـ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، حِينَ يُقَالُ لَهُ: يَا هَذَا، مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟».
أيُّها الإخوة الكرام: ثَلاثَةُ أسئِلَةٍ يَجِبُ أن تُجيبَ عنها، هُنا في الحَياةِ الدُّنيا الإجَابَةُ عنها أمرٌ يَسيرٌ، الكُلُّ يُجيبُ عن السُّؤالِ الأوَّلِ: رَبُّنا اللهُ، وعن السُّؤالِ الثَّاني: الإسلامُ دِينُنا، وعن السُّؤالِ الثَّالِثِ: سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيُّنا.
ولكن هُناكَ في القَبرِ حَيثُ لا أَنيسَ ولا جَليسَ إلا أعمالُنا، فهل نُجيبُ هُناكَ كما نُجيبُ هُنا، ونَحنُ نَتَذَكَّرُ قَولَ الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون﴾؟
عِندَما أقولُ: رَبِّيَ اللهُ، أسألُ نَفسي: هل عَرَفَتْ جَوارِحِي اللهَ تعالى فلم تَعصِهِ؟
وعِندَما أقولُ: الإسلامُ دِيني، أسألُ نَفسي: هل أنا التَزَمتُ دِينَ الإسلامِ؟
وعِندَما أقولُ: سَيِّدُنا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّي، أسألُ نَفسي: هل اتَّخَذتُ مَعَهُ سَبيلاً؟
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَالَمُ البَرزَخِ وعَالَمُ القَبْرِ عَالَمٌ حَقيقِيٌّ، وهوَ غَيبٌ عنَّا اليَومَ، ولكن والله إنَّهُ لَحَقٌّ، فَلْنَستَعِدَّ لِعَالَمِ البَرزَخِ، ولْنَسْتَعِيذَ بالله من عَذابِ القَبْرِ.
روى الإمام البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ، فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
فَقَالَ: «نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ». وفي روايَةِ الإمام أحمد قال: «نَعَمْ، عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ».
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
وروى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
وفي الخِتامِ: روى البزار عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قُلتُ: يا رَسولَ الله، تُبتَلَى هذهِ الأُمَّةُ في قُبورِهَا، فَكَيفَ بي وأنا امرَأَةٌ ضَعيفَةٌ؟
قال: «﴿يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾».
أسألُ اللهَ تعالى أن يُثَبِّتَنا بالقَولِ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَةِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin