مع الحبيب المصطفى: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
97ـ «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: مَهما كانَت أحوالُ العَبدِ في الحَياةِ الدُّنيا إذا كانَ مِمَّن رَضِيَ بالله تعالى رَبَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فهيَ أحوالٌ طَيِّبَةٌ وجَميلَةٌ، لأنَّ قَلبَهُ امتَلَأَ رِضاً عن الله تعالى في قَضائِهِ وقَدَرِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ بأمَسِّ الحَاجَةِ للتَّواصي بالحَقِّ، والتَّواصي بالصَّبرِ، فإذا رَأيتَ مَهموماً فَقُلْ لهُ:
كُلُّ ما أصابَكَ فأجْرُهُ على الله تعالى، واعلَمْ بأنَّ المَصائِبَ والابتِلاءاتِ والأمراضَ والأسقامَ تَفتَحُ الأسماعَ والأبصارَ وتُحيي القُلوبَ، وتَردَعُ النَّفسَ الأمَّارَةَ بالسُّوءِ، وتَذهَبُ بالسَّيِّئاتِ، وتَرفَعُ الدَّرَجاتِ.
واعلَمْ بأنَّ الحَياةَ قَصيرَةٌ، فلا تُقَصِّرْها أكثَرَ بالنَّكَدِ والهَمِّ والحُزنِ، واجعَلْ هَمَّكَ واحِداً، وقُلْ: إنْ لم يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فلا أُبالي، ولكنَّ عافِيَتَكَ أوسَعُ لي.
واعلَمْ بأنَّكَ لَستَ الوَحيدَ في البَلاءِ والسَّقَمِ والمَرَضِ، فما سَلِمَ أحَدٌ من الهَمِّ، وما نَجا من الشِّدَّةِ بَشَرٌ، وتَيَقَّنْ بأنَّ الدُّنيا دارُ مِحَنٍ وبَلايا، وتَفَكَّرْ فيمَن سَبَقوكَ إلى الآخِرَةِ، لأنَّهُ قد يَكونُ بَلاؤُهُم وسَقَمُهُم ومَرَضُهُم أشَدَّ من بَلائِكَ، فَعِندَ ذلكَ يَهونُ بَلاؤُكَ عَلَيكَ وتَستَمتِعُ بالحَياةِ كالآخَرينَ.
لا تَحزَن أيُّها المَريضُ:
أيُّها المَحزونُ بِسَبَبِ المَرَضِ والسَّقَمِ والابتِلاءِ تَأمَّلْ قَولَ الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك﴾. وشَرْحُ الصَّدْرِ بالإسلامِ كما قال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون﴾.
كَيفَ تَحزَنُ وقد هَداكَ اللهُ تعالى إلى الإيمانِ وحَبَّبَهُ إلى قَلبِكَ، وكَرَّهَ إلَيكَ الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ؟
كَيفَ تَحزَنُ وقد أكرَمَكَ اللهُ تعالى بالاتِّباعِ لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ والإسلامُ والإيمانُ والاتِّباعُ سَبَبٌ لِدُخولِ الجَنَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى؟
أيُّها المَريضُ المَحزونُ:
أيُّها الإخوة الكرام: قُولوا للمَريضِ المَحزونِ: أيُّها المَريضُ المَحزونُ، كَفَّارَةٌ وطَهورٌ إن شاءَ اللهُ تعالى، فقد هُذِّبْتَ من الخَطايا، ونُقِّيتَ من الذُّنوبِ، وصُقِلَ قَلبُكَ، وأصبَحتَ في مَعِيَّةِ رَبِّكَ إن شاءَ اللهُ تعالى.
اِسمَعْ أيُّها المَريضُ المَحزونُ الحَديثَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي.
قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ».
أمَا يُرضيكَ هذا يا أيُّها المَريضُ المَحزونُ؟
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، إيَّاكَ وسُوءَ الظَّنِّ:
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، إيَّاكَ وسُوءَ الظَّنِّ بالله تعالى إنْ طالَ بكَ المَرَضُ، فَتَعتَقِدَ بأنَّ اللهَ تعالى أرادَ بكَ سُوءاً، أو أنَّهُ لا يُريدُ شِفاءَكَ، أو أنَّهُ ظالِمٌ لكَ، فإنَّكَ إنْ ظَنَنتَ ذلكَ فأنتَ على خَطَرٍ عَظيمٍ.
روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
يعني: ما كانَ في ظَنِّهِ فإنِّي فاعِلٌ بهِ، فأحسِنِ الظَّنَّ بالله تعالى تَجِدُ خَيراً إن شاءَ اللهُ تعالى، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قال:
لا تَجزَعَـنَّ إذا نَـالَـتْكَ مُـوجِعَـةٌ *** واضْرَعْ إلى الله يُسرِعُ نَحوَكَ الفَرَجُ
ثمَّ اسـتَعِنْ بِجَميلِ الصَّبرِ مُحتَسِباً *** فَـصُبـحُ يُـسرِكَ بَـعدَ العُسرِ يَنبَلِجُ
فَـسوفَ يُـدلَجُ عنكَ الهَمُّ مُرتَحِلاً *** وإن أقــامَ قَـلـيـلاً سـوفَ يُـدَّلَـجُ
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، مَرَضُكَ لا يُبقي عَلَيكَ خَطيئَةً:
أيُّها المَريضُ المَحزونُ: مَرَضُكَ لا يُبقي عَلَيكَ خَطيئَةً إن شاءَ اللهُ تعالى، لأنَّ من فَوائِدِ المَرَضِ تَكفيرَ الخَطايا التِي يَقتَرِفُها العَبدُ بِقَلبِهِ ولِسانِهِ وسَمْعِهِ وبَصَرِهِ وجَوارِحِهِ كُلِّها، فقد يَكونُ المَرَضُ تَطهيراً من ذَنبٍ وَقَعَ فيهِ العَبدُ، ومَن منَّا ما وَقَعَ في ذَنبٍ؟ قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾.
اِسمَعْ أيُّها المَريضُ المَحزونُ حَديثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَولا مِحَنُ الدُّنيا ومَصائِبُها لأصابَ العَبدَ من أدواءِ الكِبْرِ والعُجْبِ والفَرْعَنَةِ وقَسْوَةِ القَلبِ ما هوَ سَبَبُ هَلاكِهِ عَاجِلاً أو آجِلاً، فَلولا اللهُ يُداوي عِبادَهُ بأدوِيَةِ المِحَنِ والابتِلاءِ لَطَغَوا وبَغَوا وعَتَوا، فاللهُ تعالى يُريدُ بِعَبدِهِ خَيراً، سَقاهُ داءً من الابتِلاءاتِ والمِحَنِ على قَدْرِ حالِهِ، وقد كانَ الصَّالِحونَ يَفرَحونَ بالمَرَضِ والبَلاءِ، ويَعُدُّونَهُ نِعمَةً من نِعَمِ الله تعالى عَلَيهِم، كما يَفرَحُ أحَدُنا بالرَّخاءِ، قالَ بَعضُهُم: وإن كانَ أحَدُهُم لَيَفرَحُ بالبَلاءِ كما يَفرَحُ أحَدُكُم بالرَّخاءِ.
وقالَ بَعضُ الحُكَماءِ: رُبَّ مَحسودٍ على رَخاءٍ وهوَ شَقاؤُهُ، ومَرحومٍ من سَقَمٍ وهوَ شِفاؤُهُ، ومَغبوطٍ على نِعمَةٍ وهيَ بَلاؤُهُ.
وفي الخِتامِ: الشَّافي هوَ اللهُ تعالى، وهوَ مُسَبِّبُ الأسبابِ، وهوَ سُبحانَهُ وتعالى بِيَدِهِ الدَّاءُ والدَّواءُ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزَّ وَجَلَّ».
نَسألُكَ اللَّهُمَّ يا رَبَّنا العَفوَ والعافِيَةَ إلى نِهايَةِ الأجَلِ معَ تَمامِ الإيمانِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
97ـ «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: مَهما كانَت أحوالُ العَبدِ في الحَياةِ الدُّنيا إذا كانَ مِمَّن رَضِيَ بالله تعالى رَبَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فهيَ أحوالٌ طَيِّبَةٌ وجَميلَةٌ، لأنَّ قَلبَهُ امتَلَأَ رِضاً عن الله تعالى في قَضائِهِ وقَدَرِهِ.
أيُّها الإخوة الكرام: نَحنُ بأمَسِّ الحَاجَةِ للتَّواصي بالحَقِّ، والتَّواصي بالصَّبرِ، فإذا رَأيتَ مَهموماً فَقُلْ لهُ:
كُلُّ ما أصابَكَ فأجْرُهُ على الله تعالى، واعلَمْ بأنَّ المَصائِبَ والابتِلاءاتِ والأمراضَ والأسقامَ تَفتَحُ الأسماعَ والأبصارَ وتُحيي القُلوبَ، وتَردَعُ النَّفسَ الأمَّارَةَ بالسُّوءِ، وتَذهَبُ بالسَّيِّئاتِ، وتَرفَعُ الدَّرَجاتِ.
واعلَمْ بأنَّ الحَياةَ قَصيرَةٌ، فلا تُقَصِّرْها أكثَرَ بالنَّكَدِ والهَمِّ والحُزنِ، واجعَلْ هَمَّكَ واحِداً، وقُلْ: إنْ لم يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فلا أُبالي، ولكنَّ عافِيَتَكَ أوسَعُ لي.
واعلَمْ بأنَّكَ لَستَ الوَحيدَ في البَلاءِ والسَّقَمِ والمَرَضِ، فما سَلِمَ أحَدٌ من الهَمِّ، وما نَجا من الشِّدَّةِ بَشَرٌ، وتَيَقَّنْ بأنَّ الدُّنيا دارُ مِحَنٍ وبَلايا، وتَفَكَّرْ فيمَن سَبَقوكَ إلى الآخِرَةِ، لأنَّهُ قد يَكونُ بَلاؤُهُم وسَقَمُهُم ومَرَضُهُم أشَدَّ من بَلائِكَ، فَعِندَ ذلكَ يَهونُ بَلاؤُكَ عَلَيكَ وتَستَمتِعُ بالحَياةِ كالآخَرينَ.
لا تَحزَن أيُّها المَريضُ:
أيُّها المَحزونُ بِسَبَبِ المَرَضِ والسَّقَمِ والابتِلاءِ تَأمَّلْ قَولَ الله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَك﴾. وشَرْحُ الصَّدْرِ بالإسلامِ كما قال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون﴾.
كَيفَ تَحزَنُ وقد هَداكَ اللهُ تعالى إلى الإيمانِ وحَبَّبَهُ إلى قَلبِكَ، وكَرَّهَ إلَيكَ الكُفرَ والفُسوقَ والعِصيانَ؟
كَيفَ تَحزَنُ وقد أكرَمَكَ اللهُ تعالى بالاتِّباعِ لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ والإسلامُ والإيمانُ والاتِّباعُ سَبَبٌ لِدُخولِ الجَنَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى؟
أيُّها المَريضُ المَحزونُ:
أيُّها الإخوة الكرام: قُولوا للمَريضِ المَحزونِ: أيُّها المَريضُ المَحزونُ، كَفَّارَةٌ وطَهورٌ إن شاءَ اللهُ تعالى، فقد هُذِّبْتَ من الخَطايا، ونُقِّيتَ من الذُّنوبِ، وصُقِلَ قَلبُكَ، وأصبَحتَ في مَعِيَّةِ رَبِّكَ إن شاءَ اللهُ تعالى.
اِسمَعْ أيُّها المَريضُ المَحزونُ الحَديثَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي.
قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟
قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَاناً مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ».
أمَا يُرضيكَ هذا يا أيُّها المَريضُ المَحزونُ؟
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، إيَّاكَ وسُوءَ الظَّنِّ:
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، إيَّاكَ وسُوءَ الظَّنِّ بالله تعالى إنْ طالَ بكَ المَرَضُ، فَتَعتَقِدَ بأنَّ اللهَ تعالى أرادَ بكَ سُوءاً، أو أنَّهُ لا يُريدُ شِفاءَكَ، أو أنَّهُ ظالِمٌ لكَ، فإنَّكَ إنْ ظَنَنتَ ذلكَ فأنتَ على خَطَرٍ عَظيمٍ.
روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
يعني: ما كانَ في ظَنِّهِ فإنِّي فاعِلٌ بهِ، فأحسِنِ الظَّنَّ بالله تعالى تَجِدُ خَيراً إن شاءَ اللهُ تعالى، ورَحِمَ اللهُ تعالى من قال:
لا تَجزَعَـنَّ إذا نَـالَـتْكَ مُـوجِعَـةٌ *** واضْرَعْ إلى الله يُسرِعُ نَحوَكَ الفَرَجُ
ثمَّ اسـتَعِنْ بِجَميلِ الصَّبرِ مُحتَسِباً *** فَـصُبـحُ يُـسرِكَ بَـعدَ العُسرِ يَنبَلِجُ
فَـسوفَ يُـدلَجُ عنكَ الهَمُّ مُرتَحِلاً *** وإن أقــامَ قَـلـيـلاً سـوفَ يُـدَّلَـجُ
أيُّها المَريضُ المَحزونُ، مَرَضُكَ لا يُبقي عَلَيكَ خَطيئَةً:
أيُّها المَريضُ المَحزونُ: مَرَضُكَ لا يُبقي عَلَيكَ خَطيئَةً إن شاءَ اللهُ تعالى، لأنَّ من فَوائِدِ المَرَضِ تَكفيرَ الخَطايا التِي يَقتَرِفُها العَبدُ بِقَلبِهِ ولِسانِهِ وسَمْعِهِ وبَصَرِهِ وجَوارِحِهِ كُلِّها، فقد يَكونُ المَرَضُ تَطهيراً من ذَنبٍ وَقَعَ فيهِ العَبدُ، ومَن منَّا ما وَقَعَ في ذَنبٍ؟ قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير﴾.
اِسمَعْ أيُّها المَريضُ المَحزونُ حَديثَ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي رواه الترمذي عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: لَولا مِحَنُ الدُّنيا ومَصائِبُها لأصابَ العَبدَ من أدواءِ الكِبْرِ والعُجْبِ والفَرْعَنَةِ وقَسْوَةِ القَلبِ ما هوَ سَبَبُ هَلاكِهِ عَاجِلاً أو آجِلاً، فَلولا اللهُ يُداوي عِبادَهُ بأدوِيَةِ المِحَنِ والابتِلاءِ لَطَغَوا وبَغَوا وعَتَوا، فاللهُ تعالى يُريدُ بِعَبدِهِ خَيراً، سَقاهُ داءً من الابتِلاءاتِ والمِحَنِ على قَدْرِ حالِهِ، وقد كانَ الصَّالِحونَ يَفرَحونَ بالمَرَضِ والبَلاءِ، ويَعُدُّونَهُ نِعمَةً من نِعَمِ الله تعالى عَلَيهِم، كما يَفرَحُ أحَدُنا بالرَّخاءِ، قالَ بَعضُهُم: وإن كانَ أحَدُهُم لَيَفرَحُ بالبَلاءِ كما يَفرَحُ أحَدُكُم بالرَّخاءِ.
وقالَ بَعضُ الحُكَماءِ: رُبَّ مَحسودٍ على رَخاءٍ وهوَ شَقاؤُهُ، ومَرحومٍ من سَقَمٍ وهوَ شِفاؤُهُ، ومَغبوطٍ على نِعمَةٍ وهيَ بَلاؤُهُ.
وفي الخِتامِ: الشَّافي هوَ اللهُ تعالى، وهوَ مُسَبِّبُ الأسبابِ، وهوَ سُبحانَهُ وتعالى بِيَدِهِ الدَّاءُ والدَّواءُ، روى الإمام مسلم عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ، فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ الله عَزَّ وَجَلَّ».
نَسألُكَ اللَّهُمَّ يا رَبَّنا العَفوَ والعافِيَةَ إلى نِهايَةِ الأجَلِ معَ تَمامِ الإيمانِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin