مع الحبيب المصطفى: أرشدنا رحمك الله
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
93ـ أرشدنا رحمك الله
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: اِعلَموا أنَّ أهَمَّ الوَسائِلِ المُوصِلَةِ إلى الرَّاحَةِ الأمنِيَّةِ من كافَّةِ جَوانِبِها دُونَ كُلفَةٍ أو تَجنيدٍ أو إعدادٍ هيَ مُتابَعَةُ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
القُلوبُ لا تَصلُحُ ولا تُفلِحُ ولا تُسَرُّ ولا تَتَلَذَّذُ ولا تَطيبُ ولا تَسكُنُ ولا تَطمَئِنُّ إلا بِمُتابَعَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ،
إنَّ أعظَمَ دَواءٍ لِدَائِنا في هذهِ الأزمَةِ هوَ مُتابَعَةُ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ المُتابَعَةَ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَليلٌ على أنَّ المُتَّبِعَ رَضِيَ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، ومن رَضِيَهُ نَبِيَّاً ورَسولاً بَعدَ أن رَضِيَ اللهَ تعالى رَبَّاً، والإسلامَ دِيناً، فقد ذاقَ طَعمَ الإيمانِ، ومن ذاقَ طَعمَ الإيمانِ فلهُ الأمنُ والأمانُ والاستِقرارُ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾.
رَضِيتُ بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيَّاً ورَسولاً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفنا من قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» رواه الإمام مسلم عَن الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. بأنَّ العَبدَ لن يَذوقَ طَعمَ الإيمانِ إلا أن يَرضى بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، ومن رَضِيَ بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً اتَّبَعَهُ، لأنَّ اتِّباعَهُ شَرطٌ لِقَبولِ العِباداتِ والأعمالِ، فَكُلُّ العِباداتِ والأعمالِ بلا اتِّباعٍ ولا تَأَسٍّ لا تَزيدُ فاعِلَها إلا بُعداً عن الله تعالى.
يَقولُ سَيِّدي الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لا يَصِحُّ القَولُ إلا بِعَمَلٍ، ولا يَصِحُّ قَولٌ وعَمَلٌ إلا بِنِيَّةٍ، ولا يَصِحُّ قَولٌ وعَمَلٌ ونِيَّةٌ إلا بالسُّنَّةِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما نَقولُ: رَضِينا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً يَجِبُ أن نُتَرجِمَ هذا القَولَ سُلوكاً وعَمَلاً من خِلالِ الانقِيادِ لهُ والسَّمعِ والطَّاعَةِ لهُ في المَنشَطِ والمَكرَهِ، في العُسرِ واليُسرِ، في الرَّخاءِ والشِّدَّةِ، وفي سائِرِ الأحوالِ.
وإلا فما مَعنى قَولِنا: رَضِينا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً؟
من رَضِيَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فَليَذكُرْ قَولَ الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿منْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً﴾. وليَذكُرْ أخيراً قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»
قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ثَمَراتُ الرِّضا بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الرِّضا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً سُلوكاً وعَمَلاً بَعدَ القَولِ لهُ ثِمارٌ على المُتَّبِعِ، من هذهِ الثِّمارِ:
أولاً: أن يُرضِيهِ اللهُ تعالى:
روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَى الله أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ومن أرضاهُ اللهُ تعالى كَشَفَ عنهُ الغُمَّةَ، والكَربَ العَظيمَ، ورَفَعَ عنهُ العَذابَ في الدُّنيا، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾.
ثانياً: أن يَغفِرَ اللهُ تعالى لهُ ذَنبَهُ:
روى الإمام مسلم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ».
وكَيفَ لا تُغفَرُ ذُنوبُهُ واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾. ومن غُفِرَت ذُنوبُهُ كَشَفَ اللهُ تعالى عنهُ الغُمَّةَ، والكَربَ العَظيمَ.
ثالثاً: أن يُلَقَّنَ حُجَّتَهُ في قَبرِهِ:
روى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنْ سَعِيدِ بن عَبْدِ الله الأَوْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا.
أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِداً، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللهُ، وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ، فَلْيَقُلْ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بالله رَبَّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، وَبِالْقُرْآنِ إِمَاماً.
فَإِنَّ مُنْكَراً وَنَكِيراً يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بنا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا».
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟
قَالَ: «فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ، يَا فُلانَ بن حَوَّاءَ».
أيُّها الإخوة الكرام: اِتِّباعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أمانٌ للعَبدِ وأمنٌ واستِقرارٌ في الحَياةِ الدُّنيا، وأمنٌ وأمانٌ واستِقرارٌ في عالَمِ البَرزَخِ.
رابعاً: أن يأخُذَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى يُدخِلَهُ الجَنَّةَ:
روى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنِ الْمُنَيْذِرِ صَاحِبِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، فَأَنَا الزَّعِيمُ لآخُذَ بِيَدِهِ حَتَّى أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله.
فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: من اجتَمَعَت فيهِ هذهِ الأُمورُ الثَّلاثَةُ، الرِّضا بالله تعالى ربَّاً، وبالإسلامِ دِيناَ، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فهوَ الصِّدِّيقُ حَقَّاً، وهوَ الذي ذاقَ طَعمَ الإيمانِ، وهوَ الذي لهُ الأمنُ والأمانُ والاستِقرارُ.
ومن ذاقَ طَعمَ الإيمانِ صانَ قَلبَهُ أن يَلتَفِتَ إلى غَيرِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، أو أن يَتَعَلَّقَ بِغَيرِ ما أرادَ اللهُ تعالى.
من ذاقَ طَعمَ الإيمانِ صانَ يَدَهُ ولِسانَهُ عن إيذاءِ المُسلِمينَ، وقَيَّدَ يَدَهُ ولِسانَهُ وجَميعَ جَوارِحِهِ بالإسلامِ الذي يُوصِلُهُ إلى دارِ السَّلامِ بِسَلامٍ.
من ذاقَ طَعمَ الإيمانِ جَعَلَ هواهُ تَبَعاً لما جاءَ بهِ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وألزَمَ نَفسَهُ بالاتِّباعِ والانقِيادِ ظاهِراً وباطِناً لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: هل نَرى نَسَباً أرفَعَ من نَسَبِنا إلى رَبِّنا عزَّ وجلَّ لِنَصيرَ عَبيداً لهُ؟ وهل نَرى مِنهاجاً أفضَلَ من الإسلامِ الذي رَضِيَهُ لنا رَبُّنا عزَّ وجلَّ حتَّى نَتَّخِذَهُ مِنهاجاً؟ وهل نَرى شَخصِيَّةً أكمَلَ من شَخصِيَّةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حتَّى نَتَّخِذَها أُسوَةً وقُدوَةً لنا؟
أيُّها الإخوة الكرام: واللهِ الذي لا إلهَ غَيرُهُ ليسَ لنا نَسَبٌ أشرَفُ من العُبودِيَّةِ لله تعالى، وليسَ لنا مِنهاجٌ أعظَمُ وأقدَسُ من الإسلامِ، وليسَ لنا أُسوَةٌ أكمَلُ من سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فهَيَّا بِنا لِنَقولَ: رَضِينا بالله تعالى رَبَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً؛ ونُصَدِّقَ أقوالَنا بأفعالِنا.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ، واكشُفْ عنَّا الغُمَّةَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
93ـ أرشدنا رحمك الله
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: اِعلَموا أنَّ أهَمَّ الوَسائِلِ المُوصِلَةِ إلى الرَّاحَةِ الأمنِيَّةِ من كافَّةِ جَوانِبِها دُونَ كُلفَةٍ أو تَجنيدٍ أو إعدادٍ هيَ مُتابَعَةُ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
القُلوبُ لا تَصلُحُ ولا تُفلِحُ ولا تُسَرُّ ولا تَتَلَذَّذُ ولا تَطيبُ ولا تَسكُنُ ولا تَطمَئِنُّ إلا بِمُتابَعَةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ،
إنَّ أعظَمَ دَواءٍ لِدَائِنا في هذهِ الأزمَةِ هوَ مُتابَعَةُ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ المُتابَعَةَ لهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَليلٌ على أنَّ المُتَّبِعَ رَضِيَ بِسَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، ومن رَضِيَهُ نَبِيَّاً ورَسولاً بَعدَ أن رَضِيَ اللهَ تعالى رَبَّاً، والإسلامَ دِيناً، فقد ذاقَ طَعمَ الإيمانِ، ومن ذاقَ طَعمَ الإيمانِ فلهُ الأمنُ والأمانُ والاستِقرارُ، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون﴾. وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾.
رَضِيتُ بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيَّاً ورَسولاً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد عَرَفنا من قَولِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً» رواه الإمام مسلم عَن الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللهُ عنهُ. بأنَّ العَبدَ لن يَذوقَ طَعمَ الإيمانِ إلا أن يَرضى بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، ومن رَضِيَ بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً اتَّبَعَهُ، لأنَّ اتِّباعَهُ شَرطٌ لِقَبولِ العِباداتِ والأعمالِ، فَكُلُّ العِباداتِ والأعمالِ بلا اتِّباعٍ ولا تَأَسٍّ لا تَزيدُ فاعِلَها إلا بُعداً عن الله تعالى.
يَقولُ سَيِّدي الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: لا يَصِحُّ القَولُ إلا بِعَمَلٍ، ولا يَصِحُّ قَولٌ وعَمَلٌ إلا بِنِيَّةٍ، ولا يَصِحُّ قَولٌ وعَمَلٌ ونِيَّةٌ إلا بالسُّنَّةِ. اهـ.
أيُّها الإخوة الكرام: عِندَما نَقولُ: رَضِينا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً يَجِبُ أن نُتَرجِمَ هذا القَولَ سُلوكاً وعَمَلاً من خِلالِ الانقِيادِ لهُ والسَّمعِ والطَّاعَةِ لهُ في المَنشَطِ والمَكرَهِ، في العُسرِ واليُسرِ، في الرَّخاءِ والشِّدَّةِ، وفي سائِرِ الأحوالِ.
وإلا فما مَعنى قَولِنا: رَضِينا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً؟
من رَضِيَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فَليَذكُرْ قَولَ الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿منْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً﴾. وقَولَهُ تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً﴾. وليَذكُرْ أخيراً قَولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»
قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ يَأْبَى؟
قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ثَمَراتُ الرِّضا بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً:
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ الرِّضا بِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً سُلوكاً وعَمَلاً بَعدَ القَولِ لهُ ثِمارٌ على المُتَّبِعِ، من هذهِ الثِّمارِ:
أولاً: أن يُرضِيهِ اللهُ تعالى:
روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ خَادِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَقُولُ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً إِلَّا كَانَ حَقَّاً عَلَى الله أَنْ يُرْضِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ومن أرضاهُ اللهُ تعالى كَشَفَ عنهُ الغُمَّةَ، والكَربَ العَظيمَ، ورَفَعَ عنهُ العَذابَ في الدُّنيا، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون﴾.
ثانياً: أن يَغفِرَ اللهُ تعالى لهُ ذَنبَهُ:
روى الإمام مسلم عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ».
وكَيفَ لا تُغفَرُ ذُنوبُهُ واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾. ومن غُفِرَت ذُنوبُهُ كَشَفَ اللهُ تعالى عنهُ الغُمَّةَ، والكَربَ العَظيمَ.
ثالثاً: أن يُلَقَّنَ حُجَّتَهُ في قَبرِهِ:
روى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنْ سَعِيدِ بن عَبْدِ الله الأَوْدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ وَهُوَ فِي النَّزْعِ، فَقَالَ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نصْنَعَ بِمَوْتَانَا.
أَمَرَنَا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمُ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلا يُجِيبُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِداً، ثُمَّ يَقُولُ: يَا فُلانُ بنَ فُلانَةَ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ اللهُ، وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ، فَلْيَقُلْ: اُذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا، شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بالله رَبَّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، وَبِالْقُرْآنِ إِمَاماً.
فَإِنَّ مُنْكَراً وَنَكِيراً يَأْخُذُ وَاحِدٌ مِنْهُمْا بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَقُولُ: انْطَلِقْ بنا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ قَدْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فَيَكُونُ اللهُ حَجِيجَهُ دُونَهُمَا».
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ الله، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّهُ؟
قَالَ: «فَيَنْسُبُهُ إِلَى حَوَّاءَ، يَا فُلانَ بن حَوَّاءَ».
أيُّها الإخوة الكرام: اِتِّباعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أمانٌ للعَبدِ وأمنٌ واستِقرارٌ في الحَياةِ الدُّنيا، وأمنٌ وأمانٌ واستِقرارٌ في عالَمِ البَرزَخِ.
رابعاً: أن يأخُذَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى يُدخِلَهُ الجَنَّةَ:
روى الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنِ الْمُنَيْذِرِ صَاحِبِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ إِذَا أَصْبَحَ: رَضِيتُ بالله رَبَّاً، وَبِالإِسْلامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، فَأَنَا الزَّعِيمُ لآخُذَ بِيَدِهِ حَتَّى أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِيَ بالله رَبَّاً، وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّاً، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ الله.
فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: «وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ».
قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله، الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: من اجتَمَعَت فيهِ هذهِ الأُمورُ الثَّلاثَةُ، الرِّضا بالله تعالى ربَّاً، وبالإسلامِ دِيناَ، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً، فهوَ الصِّدِّيقُ حَقَّاً، وهوَ الذي ذاقَ طَعمَ الإيمانِ، وهوَ الذي لهُ الأمنُ والأمانُ والاستِقرارُ.
ومن ذاقَ طَعمَ الإيمانِ صانَ قَلبَهُ أن يَلتَفِتَ إلى غَيرِ رَبِّهِ عزَّ وجلَّ، أو أن يَتَعَلَّقَ بِغَيرِ ما أرادَ اللهُ تعالى.
من ذاقَ طَعمَ الإيمانِ صانَ يَدَهُ ولِسانَهُ عن إيذاءِ المُسلِمينَ، وقَيَّدَ يَدَهُ ولِسانَهُ وجَميعَ جَوارِحِهِ بالإسلامِ الذي يُوصِلُهُ إلى دارِ السَّلامِ بِسَلامٍ.
من ذاقَ طَعمَ الإيمانِ جَعَلَ هواهُ تَبَعاً لما جاءَ بهِ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وألزَمَ نَفسَهُ بالاتِّباعِ والانقِيادِ ظاهِراً وباطِناً لِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخوة الكرام: هل نَرى نَسَباً أرفَعَ من نَسَبِنا إلى رَبِّنا عزَّ وجلَّ لِنَصيرَ عَبيداً لهُ؟ وهل نَرى مِنهاجاً أفضَلَ من الإسلامِ الذي رَضِيَهُ لنا رَبُّنا عزَّ وجلَّ حتَّى نَتَّخِذَهُ مِنهاجاً؟ وهل نَرى شَخصِيَّةً أكمَلَ من شَخصِيَّةِ سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حتَّى نَتَّخِذَها أُسوَةً وقُدوَةً لنا؟
أيُّها الإخوة الكرام: واللهِ الذي لا إلهَ غَيرُهُ ليسَ لنا نَسَبٌ أشرَفُ من العُبودِيَّةِ لله تعالى، وليسَ لنا مِنهاجٌ أعظَمُ وأقدَسُ من الإسلامِ، وليسَ لنا أُسوَةٌ أكمَلُ من سَيِّدِنا رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فهَيَّا بِنا لِنَقولَ: رَضِينا بالله تعالى رَبَّاً، وبالإسلامِ دِيناً، وبِسَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيَّاً ورَسولاً؛ ونُصَدِّقَ أقوالَنا بأفعالِنا.
اللَّهُمَّ وَفِّقنا لذلكَ، واكشُفْ عنَّا الغُمَّةَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin