مع الحبيب المصطفى: إذا غضب أعرض وأشاح
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
60ـ إذا غضب أعرض وأشاح
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: خُلُقُ الحَياءِ من أفضَلِ الأخلاقِ وأجَلِّها، وأعظَمِها قَدْراً ونَفْعاً، بل هوَ خاصَّةُ الإنسانِيَّةِ، فمن لا حَياءَ فيهِ ليسَ معَهُ من الإنسانِيَّةِ إلا اللَّحمُ والدَّمُ، كما أنَّهُ ليسَ معَهُ من الخَيرِ شيءٌ.
لولا خُلُقُ الحَياءِ لم يُقْرَ الضَّيفُ، ولم يُوفَ بالوَعدِ، ولم تُؤَدَّ أمانَةٌ، ولم تُقضَ لأحَدٍ حاجَةٌ، ولم يُرعَ لِـمَخلوقٍ حَقَّاً، ولم يُصَلْ له رِحِمٌ، ولا بُرَّ له والدٌ، فالحَياءُ أصلٌ لِكُلِّ خَيرٍ.
ربُّكُم حَيِيٌّ كريمٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ».
فمن صِفَاتِ المَولى: الكَريمُ الحَيِيُِ، وهذهِ الصِّفَةُ لا تُدرِكُها العُقولُ ولا تُكَيِّفُها، فهوَ حَياءُ كَرَمٍ وبِرٍّ وجُودٍ، فإنَّهُ كريمٌ يَستَحيي من عَبدِهِ إذا رَفَعَ إليهِ يَدَيهِ أن يَرُدَّهُما صِفراً، ويَستَحِيي أن يُعَذِّبَ ذَا شَيبَةٍ شَابَت في الإِسلامِ.
أشَدُّ حَياءً من العَذراءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ربُّنا حَيِيٌّ، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيٌّ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِن الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. يعني: أكثَرُ حَياءً من الفتاةِ التي تُستَرُ في خِدرِها.
خُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ ربُّنا عزَّ وجلَّ حَيِيَّاً، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيَّاً، فمن الطَّبيعِيِّ أن يَكونَ خُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ، روى ابن ماجه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقاً، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ».
اِستَحيوا من الله تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: رَبٌّ حَيِيٌّ، ورَسولٌ حَيِيٌّ، ودِينٌ كُلُّهُ حَياءٌ، ويأتي بعدَ ذلكَ التَّوجيهُ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الأمَّةِ أن تَتَحَلَّى بِخُلُقِ الحَياءِ.
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنْ الله عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ»
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لله.
قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِن الله حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد اسْتَحْيَا مِن الله عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ».
أيُّها الإخوة الكرام: هل يَسألُ أحَدُنا نَفسَهُ: أينَ أنا من خُلُقِ الحَياءِ الذي أشارَ إليهِ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ الشَّريفِ؟
وإنَّهُ لمن العَجيبِ أن تَرى بَعضَ المؤمنينَ ما تَخَلَّقوا بِخُلُقِ الحَياءِ، معَ عِلمِهِم بهذهِ الحَقائِقِ، أنَّ ربَّنا حَيِيٌّ، ورسولَنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيٌّ، وإسلامَنا خُلُقُهُ الحَياءُ، وأمَرَنا بالحَياءِ.
حَياءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إضافَةً لما سَبَقَ: فقد أعظَمَ اللهُ تعالى علينا المِنَّةَ بإرسالِ الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والذي هوَ أسوَةٌ وقُدوَةٌ لمن كانَ يَرجو اللهَ واليومَ الآخِرَ.
فاسمَع أيُّها المؤمنُ شيئاً من حَياءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام أحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ صُفْرَةً فَكَرِهَهَا، قَالَ: «لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ».
قَالَ: وَكَانَ لَا يَكَادُ يُوَاجِهُ أَحَداً فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَن الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ؟
وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطُّ.
وما ذاكَ إلا لِشِدَّةِ حَيائِهِ، وكَمالِ وَقارِهِ، وتَسَتُّرِهِ كُلَّ التَّسَتُّرِ.
روى أبو داود عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلاً فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وروى البيهقي عن الحسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَألتُ خالي هِندَ بن أبي هَالَةَ التَّميمِيَّ، وكانَ وَصَّافاً، عن حِليَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأنا أشتَهي أن يَصِفَ لي منها شَيئاً أتَعَلَّقُ به، فقال ـ مِمَّا قال ـ: كانَ إذا غَضِبَ أعرَضَ وأشاحَ، وإذا فَرِحَ غَضَّ طَرفَهُ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ منَّا من يَستَحيي من الله تعالى حَقَّ الحَياءِ، وكيفَ لا يَستَحيي العَبدُ من ربِّهِ عزَّ وجلَّ الذي يَستَحيِي من عَبدِهِ الدَّاعي؟
روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والذي نَفسي بِيَدِهِ، إنَّ العَبدَ لَيدعُو الله وهوَ عَلَيهِ غَضبان فَيُعرِضُ عنهُ، ثمَّ يَدعُوهُ فَيُعرِضُ عنهُ.
فيقولُ اللهُ لملائِكَتِهِ: أبَى عَبدِي أن يَدعوَ غَيري، فَقَد استَحيَيتُ منهُ، يَدعُوني وأعرِضُ عنهُ، أُشهِدُكُم أنِّي قَد استَجَبتُ له».
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُكثِرْ من الدُّعاءِ لله تعالى رَغمَ تَقصيرِنا، ولنُكثِرْ من هذا الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ ارزُقنا حَقَّ الحَياءِ منكَ يا أرحَمَ الرَّاحمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
60ـ إذا غضب أعرض وأشاح
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: خُلُقُ الحَياءِ من أفضَلِ الأخلاقِ وأجَلِّها، وأعظَمِها قَدْراً ونَفْعاً، بل هوَ خاصَّةُ الإنسانِيَّةِ، فمن لا حَياءَ فيهِ ليسَ معَهُ من الإنسانِيَّةِ إلا اللَّحمُ والدَّمُ، كما أنَّهُ ليسَ معَهُ من الخَيرِ شيءٌ.
لولا خُلُقُ الحَياءِ لم يُقْرَ الضَّيفُ، ولم يُوفَ بالوَعدِ، ولم تُؤَدَّ أمانَةٌ، ولم تُقضَ لأحَدٍ حاجَةٌ، ولم يُرعَ لِـمَخلوقٍ حَقَّاً، ولم يُصَلْ له رِحِمٌ، ولا بُرَّ له والدٌ، فالحَياءُ أصلٌ لِكُلِّ خَيرٍ.
ربُّكُم حَيِيٌّ كريمٌ:
أيُّها الإخوة الكرام: روى الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْراً خَائِبَتَيْنِ».
فمن صِفَاتِ المَولى: الكَريمُ الحَيِيُِ، وهذهِ الصِّفَةُ لا تُدرِكُها العُقولُ ولا تُكَيِّفُها، فهوَ حَياءُ كَرَمٍ وبِرٍّ وجُودٍ، فإنَّهُ كريمٌ يَستَحيي من عَبدِهِ إذا رَفَعَ إليهِ يَدَيهِ أن يَرُدَّهُما صِفراً، ويَستَحِيي أن يُعَذِّبَ ذَا شَيبَةٍ شَابَت في الإِسلامِ.
أشَدُّ حَياءً من العَذراءِ:
أيُّها الإخوة الكرام: ربُّنا حَيِيٌّ، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيٌّ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِن الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. يعني: أكثَرُ حَياءً من الفتاةِ التي تُستَرُ في خِدرِها.
خُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا كانَ ربُّنا عزَّ وجلَّ حَيِيَّاً، وسيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيَّاً، فمن الطَّبيعِيِّ أن يَكونَ خُلُقُ الإسلامِ الحَياءُ، روى ابن ماجه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقاً، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ».
اِستَحيوا من الله تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: رَبٌّ حَيِيٌّ، ورَسولٌ حَيِيٌّ، ودِينٌ كُلُّهُ حَياءٌ، ويأتي بعدَ ذلكَ التَّوجيهُ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الأمَّةِ أن تَتَحَلَّى بِخُلُقِ الحَياءِ.
روى الإمام أحمد والترمذي عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنْ الله عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ»
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَسْتَحِي وَالْحَمْدُ لله.
قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِن الله حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُر الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد اسْتَحْيَا مِن الله عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ الْحَيَاءِ».
أيُّها الإخوة الكرام: هل يَسألُ أحَدُنا نَفسَهُ: أينَ أنا من خُلُقِ الحَياءِ الذي أشارَ إليهِ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديثِ الشَّريفِ؟
وإنَّهُ لمن العَجيبِ أن تَرى بَعضَ المؤمنينَ ما تَخَلَّقوا بِخُلُقِ الحَياءِ، معَ عِلمِهِم بهذهِ الحَقائِقِ، أنَّ ربَّنا حَيِيٌّ، ورسولَنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيِيٌّ، وإسلامَنا خُلُقُهُ الحَياءُ، وأمَرَنا بالحَياءِ.
حَياءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:
أيُّها الإخوة الكرام: إضافَةً لما سَبَقَ: فقد أعظَمَ اللهُ تعالى علينا المِنَّةَ بإرسالِ الحَبيبِ الأعظَمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والذي هوَ أسوَةٌ وقُدوَةٌ لمن كانَ يَرجو اللهَ واليومَ الآخِرَ.
فاسمَع أيُّها المؤمنُ شيئاً من حَياءِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، روى الإمام أحمد عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ صُفْرَةً فَكَرِهَهَا، قَالَ: «لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَغْسِلَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ».
قَالَ: وَكَانَ لَا يَكَادُ يُوَاجِهُ أَحَداً فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَن الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلَانٍ؟
وَلَكِنْ يَقُولُ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا».
وروى الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: مَا نَظَرْتُ إِلَى فَرْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطُّ، أَوْ مَا رَأَيْتُ فَرْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَطُّ.
وما ذاكَ إلا لِشِدَّةِ حَيائِهِ، وكَمالِ وَقارِهِ، وتَسَتُّرِهِ كُلَّ التَّسَتُّرِ.
روى أبو داود عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُوَاجِهُ رَجُلاً فِي وَجْهِهِ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ.
وروى البيهقي عن الحسَنِ بنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: سَألتُ خالي هِندَ بن أبي هَالَةَ التَّميمِيَّ، وكانَ وَصَّافاً، عن حِليَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وأنا أشتَهي أن يَصِفَ لي منها شَيئاً أتَعَلَّقُ به، فقال ـ مِمَّا قال ـ: كانَ إذا غَضِبَ أعرَضَ وأشاحَ، وإذا فَرِحَ غَضَّ طَرفَهُ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: السَّعيدُ منَّا من يَستَحيي من الله تعالى حَقَّ الحَياءِ، وكيفَ لا يَستَحيي العَبدُ من ربِّهِ عزَّ وجلَّ الذي يَستَحيِي من عَبدِهِ الدَّاعي؟
روى أبو نعيم في حلية الأولياء عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والذي نَفسي بِيَدِهِ، إنَّ العَبدَ لَيدعُو الله وهوَ عَلَيهِ غَضبان فَيُعرِضُ عنهُ، ثمَّ يَدعُوهُ فَيُعرِضُ عنهُ.
فيقولُ اللهُ لملائِكَتِهِ: أبَى عَبدِي أن يَدعوَ غَيري، فَقَد استَحيَيتُ منهُ، يَدعُوني وأعرِضُ عنهُ، أُشهِدُكُم أنِّي قَد استَجَبتُ له».
أيُّها الإخوة الكرام: لِنُكثِرْ من الدُّعاءِ لله تعالى رَغمَ تَقصيرِنا، ولنُكثِرْ من هذا الدُّعاءِ: اللَّهُمَّ ارزُقنا حَقَّ الحَياءِ منكَ يا أرحَمَ الرَّاحمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin