لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إِلا أعطيتهم إياها
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
10ـ لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إِلا أعطيتهم إياها
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ تعالى ربُّ العالمينَ، فهوَ ربُّ جميعِ المخلوقاتِ، فما من مَخلوقٍ في السَّماواتِ أو في الأرضِ أو ما بينَهُما إلا اللهُ تعالى ربُّهُ، ويَدُلُّ على ذلكَ قولُ الله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ ثمَّ قالَ تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِين﴾.
فاللهُ تعالى ربُّ العالمينَ جَعَلَ نَبِيَّهُ وحَبيبَهُ ومُصطفاهُ وصَفِيَّهُ رحمةً للعالمينَ، أي رحمةً لكُلِّ المخلوقاتِ، فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةٌ للسَّماواتِ وما فيها، وللأرضِ وما فيها، وما بينَهُما ممَّا نَراهُ وممَّا لا نَراهُ، وممَّا نعلمُ وممَّا لا نعلمُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أخبَرَنا اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّهُ جَعَلَ نَبِيَّهُ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةً عامَّةً للعالمينَ، يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: اللهُ تعالى أرسَلَ نَبِيَّهُ محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمَةً لِجَميعِ العَالَمِ، مُؤمِنِهِم وكافِرِهِم. فأمَّا مُؤمِنُهُم فإنَّ اللهَ تعالى هَداهُ بِهِ، وأدخَلَهُ بالإيمانِ بِهِ، وبالعَمَلِ بما جَاءَ من عندِ الله الجنَّةَ. وأمَّا كافِرُهُم فإنَّهُ دَفَعَ بِهِ عنهُ عاجِلَ البلاءِ الذي كانَ يَنزِلُ بالأمَمِ المكَذِّبَةِ رُسُلَها من قَبلِهِ. اهـ.
وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رافِعُ الإصرِ والأغلالِ التي كانت في الأمَمِ السَّابِقَةِ، كما قال تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾. فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يرفَعُ المَشَقَّةَ والتَّشديدَ في الأحكامِ، والأغلالَ التي كانت موجودةً في الأمَمِ السَّابِقَةِ.
بِعثَتُهُ أمانٌ للبَشَرِيَّةِ جميعاً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانت بِعثَةُ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أماناً للبَشَرِيَّةِ كُلِّها من العذابِ والهلاكِ الذي يستأصِلُهُم، فلن تُصابَ البَشَرِيَّةُ بعدَ بِعثَتِهِ بعذابٍ يُفنيهِم، ويُزيلُ وُجودَهُم، كما كانَ ذلكَ في الأمَمِ السَّابِقَةِ، حيثُ كانَ اللهُ تعالى يُهلِكُ الأمَّةَ كُلَّها، وذلكَ بإنزالِ العذابِ على المخالِفينَ ويستأصِلُهُم جميعاً، قال تعالى: ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾.
أمَّا بعدَ بِعثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد رُفِعَ هذا النَّوعُ من العذابِ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾. وكانَ سببَ نُزولِ هذهِ الآيةِ أنَّ قُرَيشاً طَلَبَت من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُنزِلَ اللهُ تعالى عليهِم عذاباً يقضي عليهِم جميعاً، كما روى الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
مُوافَقَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على شُروطِ قُرَيشٍ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من مَظاهِرِ رحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما حَصَلَ يومَ الحُدَيبِيَةِ، وذلكَ عندما كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَوَجِّهاً إلى مكَّةَ المكرَّمةَ بِقَصدِ أداءِ العُمرةِ، فإذا براحِلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَت، فقالَ بعضُ أصحابِهِ: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ. كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالا: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ» فوالله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيراً لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا». معنى حَلْ حَلْ: هي كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاثٍ وتُقالُ للنَّاقَةِ إذا تَرَكَتِ السَّيرَ. ومعنى خَلَأَتِ القَصواءُ: أي امتَنَعَت عن المشيِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنَسمعْ إلى شُروطِ صُلحِ الحُدَيبِيَةِ، ولنتعَرَّف بعدَ ذلكَ على مَدى رحمةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالأمَّةِ كُلِّها، وعلى حِرصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على حَقنِ الدِّماءِ.
روى الإمام البخاري عن عِكرِمةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ».
فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَاباً.
فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اُكتُب، بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فوالله مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ.
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: والله لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ».
ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله».
فَقَالَ سُهَيْلٌ: والله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَن الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والله إِنِّي لَرَسُولُ الله وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله».
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ».
فَقَالَ سُهَيْلٌ: والله لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا.
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ الله! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِماً؟
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ».
قَالَ: فوالله إِذاً لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَجِزْهُ لِي». ـ يعني: اِمضِ لي فِعلي فيهِ فلا أرُدَّهُ إليك، أو استَثنِيهِ من القَضِيَّةِ ـ.
قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ.
قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ».
قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ.
قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ. ـ وهوَ مِكْرَزُ ابْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ ـ.
قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِماً، أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَاباً شَدِيداً فِي الله.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ الله حَقَّاً؟
قَالَ: «بَلَى».
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: «بَلَى».
قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ الله، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي».
قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟
قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟».
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ».
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حَقَّاً؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فوالله إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. معنى فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ: أي صَاحِبْهُ ولا تُخَالِفْهُ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ.
قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ.
قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً. اهـ.
وفي رواية الإمام مسلم عَنْ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟
قَالَ: «بَلَى»
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: «بَلَى»
قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟
فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَداً».
قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظاً، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟
فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَداً.
قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْ فَتْحٌ هُوَ؟
قَالَ: «نَعَمْ». فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. اهـ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد أعطاهُم سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الشُّروطَ التي طَلَبوها، وهيَ شُروطٌ مُجحِفةٌ، لم يرضَ بها الصَّحابَةُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وقد صَرَّحَ الفاروقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن ذلك بقولِهِ: (فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟) ولكنَّ المؤيَّدَ بالوحيِ لا يُخالِفُ أمرَ الله تعالى، وينظُرُ ويرى ما لا يراهُ النَّاظِرونَ، ولو كانوا مُلهَمينَ مُحدَّثينَ كالفاروقِ رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعاً.
عفوُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عمَّن حاوَلَ الغَدرَ بالمسلمينَ يومَ الحُدَيبِيَةِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من مَظاهِرِ رحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي تَجَلَّت يومَ الحُدَيبِيَةِ، ما رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَأَخَذَهُمْ سِلْماً، فَاسْتَحْيَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾. معنى غِرَّةَ: أي غَفلَةَ. ومعنى فَأَخَذَهُمْ سِلْماً: أي أسَرَهُم وأخَذَهُم بدون قِتالٍ مُستسلِمينَ. ومعنى فَاسْتَحْيَاهُمْ: أي استبقاهُم وتَرَكَهُم أحياءَ.
وفي رواية الحاكم والإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَدِمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ؟ أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَاناً؟» فَقَالُوا: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذا هوَ حَبيبُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كُلُّهُ رحمةٌ، فهل خُلُقُ الرَّحمةِ يتجلَّى فيما بين بعضِنا البعضِ؟ أسألُ اللهَ تعالى أن نكونَ من المتراحِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
10ـ لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إِلا أعطيتهم إياها
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
أيُّها الإخوة الكرام: اللهُ تعالى ربُّ العالمينَ، فهوَ ربُّ جميعِ المخلوقاتِ، فما من مَخلوقٍ في السَّماواتِ أو في الأرضِ أو ما بينَهُما إلا اللهُ تعالى ربُّهُ، ويَدُلُّ على ذلكَ قولُ الله تعالى: ﴿فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِين﴾ ثمَّ قالَ تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِين * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِين﴾.
فاللهُ تعالى ربُّ العالمينَ جَعَلَ نَبِيَّهُ وحَبيبَهُ ومُصطفاهُ وصَفِيَّهُ رحمةً للعالمينَ، أي رحمةً لكُلِّ المخلوقاتِ، فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةٌ للسَّماواتِ وما فيها، وللأرضِ وما فيها، وما بينَهُما ممَّا نَراهُ وممَّا لا نَراهُ، وممَّا نعلمُ وممَّا لا نعلمُ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد أخبَرَنا اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّهُ جَعَلَ نَبِيَّهُ سيِّدَنا محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمةً عامَّةً للعالمينَ، يقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما: اللهُ تعالى أرسَلَ نَبِيَّهُ محمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رحمَةً لِجَميعِ العَالَمِ، مُؤمِنِهِم وكافِرِهِم. فأمَّا مُؤمِنُهُم فإنَّ اللهَ تعالى هَداهُ بِهِ، وأدخَلَهُ بالإيمانِ بِهِ، وبالعَمَلِ بما جَاءَ من عندِ الله الجنَّةَ. وأمَّا كافِرُهُم فإنَّهُ دَفَعَ بِهِ عنهُ عاجِلَ البلاءِ الذي كانَ يَنزِلُ بالأمَمِ المكَذِّبَةِ رُسُلَها من قَبلِهِ. اهـ.
وهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رافِعُ الإصرِ والأغلالِ التي كانت في الأمَمِ السَّابِقَةِ، كما قال تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾. فهوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يرفَعُ المَشَقَّةَ والتَّشديدَ في الأحكامِ، والأغلالَ التي كانت موجودةً في الأمَمِ السَّابِقَةِ.
بِعثَتُهُ أمانٌ للبَشَرِيَّةِ جميعاً:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد كانت بِعثَةُ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أماناً للبَشَرِيَّةِ كُلِّها من العذابِ والهلاكِ الذي يستأصِلُهُم، فلن تُصابَ البَشَرِيَّةُ بعدَ بِعثَتِهِ بعذابٍ يُفنيهِم، ويُزيلُ وُجودَهُم، كما كانَ ذلكَ في الأمَمِ السَّابِقَةِ، حيثُ كانَ اللهُ تعالى يُهلِكُ الأمَّةَ كُلَّها، وذلكَ بإنزالِ العذابِ على المخالِفينَ ويستأصِلُهُم جميعاً، قال تعالى: ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون﴾.
أمَّا بعدَ بِعثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقد رُفِعَ هذا النَّوعُ من العذابِ، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾. وكانَ سببَ نُزولِ هذهِ الآيةِ أنَّ قُرَيشاً طَلَبَت من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أن يُنزِلَ اللهُ تعالى عليهِم عذاباً يقضي عليهِم جميعاً، كما روى الشيخان عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾.
مُوافَقَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على شُروطِ قُرَيشٍ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من مَظاهِرِ رحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ما حَصَلَ يومَ الحُدَيبِيَةِ، وذلكَ عندما كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُتَوَجِّهاً إلى مكَّةَ المكرَّمةَ بِقَصدِ أداءِ العُمرةِ، فإذا براحِلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَرَكَت، فقالَ بعضُ أصحابِهِ: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ. كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري عَن الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالا: خَرَجَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ» فوالله مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيراً لِقُرَيْشٍ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَلَأَتِ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ» ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ الله إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا». معنى حَلْ حَلْ: هي كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاثٍ وتُقالُ للنَّاقَةِ إذا تَرَكَتِ السَّيرَ. ومعنى خَلَأَتِ القَصواءُ: أي امتَنَعَت عن المشيِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِنَسمعْ إلى شُروطِ صُلحِ الحُدَيبِيَةِ، ولنتعَرَّف بعدَ ذلكَ على مَدى رحمةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالأمَّةِ كُلِّها، وعلى حِرصِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على حَقنِ الدِّماءِ.
روى الإمام البخاري عن عِكرِمةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ».
فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَاباً.
فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اُكتُب، بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ».
قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فوالله مَا أَدْرِي مَا هُوَ، وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ.
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: والله لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ».
ثُمَّ قَالَ: «هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله».
فَقَالَ سُهَيْلٌ: والله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَن الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِن اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «والله إِنِّي لَرَسُولُ الله وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله».
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ».
فَقَالَ سُهَيْلٌ: والله لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا.
قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ الله! كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِماً؟
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ.
فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَا أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ».
قَالَ: فوالله إِذاً لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا.
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَأَجِزْهُ لِي». ـ يعني: اِمضِ لي فِعلي فيهِ فلا أرُدَّهُ إليك، أو استَثنِيهِ من القَضِيَّةِ ـ.
قَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ.
قَالَ: «بَلَى فَافْعَلْ».
قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ.
قَالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ. ـ وهوَ مِكْرَزُ ابْنُ حَفْصٍ وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ ـ.
قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِماً، أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ؟ وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَاباً شَدِيداً فِي الله.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ الله حَقَّاً؟
قَالَ: «بَلَى».
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: «بَلَى».
قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: «إِنِّي رَسُولُ الله، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي».
قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟
قَالَ: «بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟».
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: «فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ».
قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حَقَّاً؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟
قَالَ: بَلَى.
قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟
قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّهُ لَرَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ فوالله إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ. معنى فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ: أي صَاحِبْهُ ولا تُخَالِفْهُ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ.
قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ.
قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً. اهـ.
وفي رواية الإمام مسلم عَنْ أَبِي وَائِلٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟
قَالَ: «بَلَى»
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: «بَلَى»
قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟
فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَنِي اللهُ أَبَداً».
قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظاً، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَقَتْلَاهُمْ فِي النَّارِ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ اللهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ؟
فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ الله، وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللهُ أَبَداً.
قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالْفَتْحِ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ، فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَوْ فَتْحٌ هُوَ؟
قَالَ: «نَعَمْ». فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ. اهـ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد أعطاهُم سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الشُّروطَ التي طَلَبوها، وهيَ شُروطٌ مُجحِفةٌ، لم يرضَ بها الصَّحابَةُ الكِرامُ رَضِيَ اللهُ عنهُم، وقد صَرَّحَ الفاروقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عن ذلك بقولِهِ: (فَفِيمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟) ولكنَّ المؤيَّدَ بالوحيِ لا يُخالِفُ أمرَ الله تعالى، وينظُرُ ويرى ما لا يراهُ النَّاظِرونَ، ولو كانوا مُلهَمينَ مُحدَّثينَ كالفاروقِ رَضِيَ اللهُ عنهُم جميعاً.
عفوُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عمَّن حاوَلَ الغَدرَ بالمسلمينَ يومَ الحُدَيبِيَةِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من مَظاهِرِ رحمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي تَجَلَّت يومَ الحُدَيبِيَةِ، ما رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ ثَمَانِينَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَبَلِ التَّنْعِيمِ مُتَسَلِّحِينَ يُرِيدُونَ غِرَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَأَخَذَهُمْ سِلْماً، فَاسْتَحْيَاهُمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾. معنى غِرَّةَ: أي غَفلَةَ. ومعنى فَأَخَذَهُمْ سِلْماً: أي أسَرَهُم وأخَذَهُم بدون قِتالٍ مُستسلِمينَ. ومعنى فَاسْتَحْيَاهُمْ: أي استبقاهُم وتَرَكَهُم أحياءَ.
وفي رواية الحاكم والإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقَدِمْنَا إِلَيْهِمْ فَأَخَذْنَاهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ جِئْتُمْ فِي عَهْدِ أَحَدٍ؟ أَوْ هَلْ جَعَلَ لَكُمْ أَحَدٌ أَمَاناً؟» فَقَالُوا: لَا. فَخَلَّى سَبِيلَهُمْ.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذا هوَ حَبيبُنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كُلُّهُ رحمةٌ، فهل خُلُقُ الرَّحمةِ يتجلَّى فيما بين بعضِنا البعضِ؟ أسألُ اللهَ تعالى أن نكونَ من المتراحِمينَ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
اليوم في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
اليوم في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
اليوم في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
اليوم في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
اليوم في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin