..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2 Empty 05 - حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى .المثنوي المعنوي جلال الدين الرومي الجزء الأول ترجمة وشرح د. محمد الكفافي ـ ج2

    مُساهمة من طرف Admin 14/10/2020, 12:06


    بيان حسد الوزير


    لقد كانت طبيعة هذا الوزير الصغير من الحسد ، ولذلك ضحىّ في سبيل الباطل بأذنيه وأنفه .

    وكان أمله أن يسيري سمه من إبرة الحسد إلى نفوس هؤلاء المساكين .

    وإنّ من يجدع أنفه من جرّاء الحسد يجعل نفسه بدون أذن ولا أنف “ 2 “ .





    440 فالأنف هي التي تتنسم الأريج ، فيقودها ذلك الأريج إلى جانب الديار .

    ومن لم يدركه الأريج فهو بلا أنف ، والأريج المقصود هنا دينيّ لا دينويّ .

    ..............................................................

    ( 1 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهِّرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود “ . ( البقرة ، 2 : 125 )

    ( 2 ) يفقد الإدراك النفسيّ إلى جانب فقدانه للادراك الحسي .


    “ 131 “


    فإذا اشتمّ المرء الأرجَ ، ولم يقم بالشكر عليه ، كان ذلك منه كفراً بالنعمة ، وصار كمن أكل أنفه .

    فكُنْ شاكراً ، وكُنْ للشاكرين عبداً ، وكن في حضرتهم كالميت ولا تُبد حراكاً .

    ولا تجعل ذخيرتك من قطع الطريق كما فعل الوزير ، ولا تصرف الخلق عن الصلاة .


    445 - إنّ ذلك الوزير الكافر صار ناصحاً في الدين ، فكان من مكره أن وضع الثوم في اللوزينج .


    كيف فهم حذاق النصارى مكر الوزير


    لقد كان كلّ صاحب ذوق يجد في قول هذا الوزير لذة مقترنة بالمرارة .

    كان يقول كلاماً لطيفاً ممتزجاً بكلام خبيث ، فقد صبّ السم في شراب الورد .

    كان في الظاهر يدعو الأرواح إلى الجدّ في السير على الطريق ، ولكنه كان يعود فيحثها على التراخي .

    وهكذا ظاهر الفضّة ، فهو إن كان أبيض جديداً إلا أنه يلوّث بالسواد اليد والثياب .


    450 - والنار ترى وجهها أحمر من الشرر ، ومع ذلك ، فانظر كيف ينشأ السواد من فعلها .

    والبرق يبدو نوراً لمن نظر ، مع أنّ من طبيعته أن يخطف البصر .


    “ 132 “


    فكل من لم يكن عارفاً صاحب ذوق (من النصارى)، أصبح أسيراً لكلمات ذلك الوزير “ 1 “.

    ولقد ابتعد ذلك الوزير عن الملك ست سنين ، كان في أثنائها ملجاً لأتباع عيسى .

    فأسلم له الخلق دينهم وقلوبهم ، وكانوا يبذلون الروح وفق أمره ، وطوع حكمه .


    المراسلة في الخفاء بين الملك والوزير


    455 - لقد جرت بين الملك وبين الوزير الرسائل ، وطمأنه الوزير في الخفاء .

    فكتب الملك يقول : “ لقد حان الوقت - أيّها العزيز - فسارع ، وطمئن خاطري “

    فأجاب الوزير قائلًا : “ ها أنذا في هذا العمل ، أيها الملك ! وإني لموقع الفتن في دين عيسى “ .



    بيان الأسباط الاثني عشر الذين تبعهم النصارى


    لقد كان لقوم عيسى اثنا عشر أميراً يحكمونهم ويتولوّن أمورهم .

    وكان كل فريق تابعاً لأميره ، وقد جعل منه الطمع عبداً لذلك الأمير .


    460 وهؤلاء الأمراء الإثنا عشر ، وأتباعهم صاروا عبيداً لذلك الوزير القبيح السمات .

    ...............................................................

    ( 1 ) الترجمة الحرفية : “ صارت كلمات ذلك الوزير طوقاً في عنقه “ .

    “ 133 “


    فكانوا جميعاً يثقون بقوله ، وكلهم كانوا يهتدون بسيره .

    وكان كلّ أمير يرضى بأن يضحّي بالروح في التوّ واللحظة إذا طلب منه الوزير ذلك .


    تخليط الوزير في أحكام الإنجيل


    فأعدّ طومار باسم كل منهم وكتب في كلّ طومار خلاف ما كتب في الآخر .

    فكان كل طومار ينطوي على أحكام تخالف ما جاء في غيره خلافاً يمتدّ من البداية إلى النهاية.


    465 - ففي أحدهما جعل طريق الرياضة والجوع ركناً للتوبة وشرطاً للرجوع .

    وفي طومار آخر قال: “ إنّه لا جدوى من الرياضة، وإنّه لا نجاة في ذلك الطريق إلا بالجود“.

    وفي طومار ثالث قال : “ إنّ جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك .

    وكل ما جاوز التوكل والتسليم التام في حالي الغم والسرور فليس إلا مكراً وخداعاً “ .

    وفي طومار قال : “ إنّ العبادة هي الواجب ( المفروض على العبد ) أما التفكر في التوكلّ فهو تهمة “ .


    470 - وفي طومار قال : “ إنه ليس المقصود بأوامر اللَّه ونواهيه أن يتبعها الناس ، وإنما هي بيان لعجزنا وبرهان عليه !

    فإذا ظهر لنا عجزنا عن اتباعها ، أدركنا - إذ ذاك - قدرة الحقّ “ .


    “ 134 “


    وفي طومار قال : “ لا تنظر إلى عجزك ! إنّ هذا العجز كفران بالنعمة ، فاحذره !

    وانظر إلى قدرتك ، فإنّ هذه القدرة من اللَّه ، وهي نعمة منه جلّ شأنه “ .

    وفي طومار قال : “ دعك من هاتين الصفتين ( القدرة والعجز ) فكلّ ما أتسمع له البصر فإنّه وثن “ .


    475 وفي طومار قال : “ لا تطفئ شموع الإبصار ، فإنّ البصر هو الشمع الذي ( ينير الطريق ) للتأمل الباطنيّ .

    وإذا أنت تركت النظر ، وتركت الخيال ، كنت كمن أطفأ في منتصف الليل شمع الوصال “ .

    وفي طومار قال : “ لا تخفْ وأَطفىء هذا البصر ، تَلق عوضاً عنه مائة ألف من المشاهد !

    فأنت بإطفائك شَموع البصر تقوّي شموع روحك وتصبح ليلاك - لا صطبارك عنها - مجنونة بك .

    فكل من ترك الدنيا زُهداً فيها ، أقبلت عليه الدنيا رويداً رويداً “ .


    480 - وفي طومار قال : “ إنّ ما وهبك إياه الحق جعلك تجد مذاقه حلواً عندما أوجده لك .

    لقد يَسّر لك ما أعطاك فخذه ، وأنعم به ولا تُلق بنفسك إلى الآلام ! “ وفي طومار

    قال : “ دع عنك كلّ ما يتصل بنفسك ، فإنّ قبولك طبع نفسك أمر لا يجوز وشر .

    فهناك طرق مختلفة أصبح من اليسير طرقُها ، وكلُ غدا يعتزّ بملته




    “ 135 “


    اعتزازه بروحه .

    ولو كان السير في طريق الحق يسيراً ، لكان كلُ يهودي ومحبوسى عارفاً باللَّه “ .


    485 - وفي طومار قال : “ إنّ ( الطريق ) الميسّر هو الذي تكون فيه حياة للقلب وغذاء للروح .

    فكل ما يوافق طباعنا الحسيّة - عندما يمضي - لا يترك محصولًا ولا ثمرة ، شأن الأرض المالحة .

    وليس لذلك من حاصل سوى الندم ، ولا يجيء بيعه بشيء سوى الخسارة .

    وكل ما لم يكن مُيسّر العاقبة فاسمه إذن يكون معسّر العاقبة “ .

    فتعلمّ ( كيف تميز بين ) المُيَسّر والمُعَسَّر ، وتأمل في عاقبة الأمر جمال كل منهما ! “ .




    490 - وفي طومار قال : “ اطلب مرشداً ، فلن يتحقق لك إدارك العاقبة بما لك من حسب .

    فجميع أنواع الملل رأت العاقبة ( على هواها ) ، فلا جرم أن أصبح أتباعها أسارى الزلل .

    وليس إدراك العاقبة ( يسيراً ) كإدارة نول يدويّ ، وإلا فكيف وقع الخلاف بين الأديان ؟ “ .

    وفي طومار قال : “ إنّك أنت المرشد لأنك تعرف المرشد !

    فكن رجلًا ولا تكن مُسُخّراً لغيرك من الرجال ، وامض ، وكن رابط الجأش ، وتخلصَّ من حيرتك “ .


    “ 136 “


    495 وفي طومار قال : “ إنّ تلك الكثرة التي نراها شيء واحد ، وكلّ من رآها شيئين فهو رجل صغير أحول “ .

    وفي طومار قال : “ كيف تكون المائة واحدا ؟ إنّ من يتصور ذلك ليس إلا مجنوناً “ .

    فكل قول قاله ، كان مناقضاً لأقواله الأخرى ! وكيف تتفق ( هذه الأقول ) ؟ أيكون السم والسكرّ شيئاً واحداً ؟

    فإنْ أنت لم تكن قد انتهيت من التمييز بين السمّ والسكرّ ، فكيف تستطيع أنْ تتنسم عبير التفرد والوحدانية ؟

    وهكذا كتب ذلك العدوّ لدين عيسى اثني عشر دفتراً من هذا النوع ، على تلك الوتيرة .


    بيان أن هذا الخلاف إنما هو صورة السير وليس في حقيقة الطريق


    500 - إنّه لم يكن مدركاً لوحدة اللون عند عيسى ، ولم يكن يميل إلى ذلك المزاج ( اللونيّ ) الذي احتواه وعاؤه .

    فمن ذلك الوعاء الصافي صُبغ ثوب ذو مائة لون ، فصار ذا لون واحد متجانس ، كأنه الضياء “ 1 “ ! .

    وليست هذه الوحدة اللونية من النوع الذي يجلب الملال ، بل هي على مثال السمك وهو في الماء الزلال .

    ومع أن الأرض اليابسة تشتمل على آلاف من الألوان ، فإن ألاسماك

    ...............................................................

    ( 1 ) الضوء يمكن تحليله إلى ألوان عديدة ومع ذلك يبدو لوناً واحداً .


    “ 137 “


    في حرب دائمة مع الجفاف .

    وما السمك وما البحر في ذلك المثل الذي ضربناه حتى نشبه بهما المليك عز وجل


    505 ففي هذا الوجود مائة ألف بحر وسمكة ، تسجد أمام ذلك الإكرام والجود !

    فكم من غيث عطاء همى ، فأصبح البحر بذلك الغيث ينثر الدرّ .

    وكم شمس كرم أشرقت ، فتعلّم منها الحساب والبحر معنى الجود .

    وشمس الحكمة قد ضربت أشعتُها التراب والطين، فأصبحت الأرض تتقبل البذرة ( وتنبتها ).

    والأرض أمينة ، فكل مازرعته فيها تجني ثمرة من جنسه دون غش أو خديعة .


    510 وقد أخذت الأرض أمانتها عن تلك الأمانة ( العلوية ) ، فقد أشرقت عليها شمس العدل ( الإلهي ) .

    وما لم يجئ الربيع بعلامة من الحق فإن الأرض لا تذيع أسرارها .

    فهذا الجواد الذي وهب الجماد تلك المعرفة ، وهذه الأمانة ، وذاك السداد .

    يجعل جُوُده الجماد خبيراً ، ويجعل قهره العاقل ضريراً .

    إن روحي وقلبي لا طاقة لهما بذلك الجيَشان، فمع من أتحدث وليس في هذا العالم أذن تسمع؟


    515 - فالأذن - أينما كانت - تصبح ( بفضله ) عيناً ، والحصى - حيثما كان - يصير ( بفضله ) دُرّاً !


    “ 138 “

    إنه الكيماويُّ الحقّ ! فما الكيمياء ( بجانب كيميائه ) ؟

    وهو مانح المعجزاته ، فما السحر ( بجانب معجزاته ) ؟

    وهذا الثناء منّي هو تركُ للثناء ! فهو دليل على وجودي ( المنفصل )، ومثل هذا الوجود خطأ.

    فأمام وجوده لا بد أن يكون ( كل شيء عدما ) فما الوجود أمامه ؟ إن أعمى تعس كئيب اللون ! “ 1 “ .

    فلو لم يكن أعمى لانصر أمامه ، ولأدرك حرارة تلك الشمس ( الإلهية ) .


    520 - ولو لم يكن أزرق اللون في ثياب الحداد، لما كان ذلك الجانب منه يبقى جامداً كالثلج.


    بيان خسارة الوزير في هذا المكر



    إنّ هذا الوزير كان جاهلًا غافلًا مثل الملك ، فكان يوجّه ضرباته نحو القديم الذي لا خلاص منه .

    نحو هذا الإله ، الذي له من القدرة ، ما يجعله يخلق بنفخة منه مائة عالم كعالمنا !

    فهو يُظهر لعينك مائة عالم كعالمنا ، حينما يجعل تلك العين مبصرة بنوره .

    فإذا كان هذا العالم يبدو أمامك عظيماً لا أول له ولا آخر “ 2 “ ،

    ...............................................................

    ( 1 ) حرفياً : أزرق اللون .

    ( 2 ) ترجمنا كلمة “ بيبن “ بعبارة لا أول له ولا آخر ومعناها الأصلي لا قاع له ولا قرار .


    “ 139 “


    فاعلم أنّه لا يساوي ذرة أمام قدرة اللَّه .


    525 - إنّ هذا العالم سجن لأرواحكم ، فتنبهوا ، وسيروا نحو تلك الناحية ، فهناك أرضكم الرحبة ! “ 1 “ .

    فهذا العالم محدود ، وتلك بلا حدود ، ولكنّ الظواهر المادية ، والصور ، تقف حائلًا أمام تصوركم ذلك المعنى .

    لقد كانت لفرعون آلاف من الرماح ، ولكنّ موسى حطمها جميعاً بعصا واحدة !

    وجالينوس كانت له في الطب آلاف من طرق العلاج ، وكلها - أمام عيسى ونَفَسه - لم تكن إلا خرافة !

    وكانت هناك آلاف من دفاتر الشعر ، ولكنّها جميعاً باءت بالعار ، أمام حرف من ( النبيّ ) الأميّ .


    530 - فإذا لم يكن المرءُ خسيساً ، فكيف لا يموت أمام مثل هذا الإله الغالب ؟

    فكم من قلب راسخ كالجبل بدّده ، ولم من طائر ذكيّ علقه من قدميه “ 2 “ .

    إنّ الطريق ( إلى اللَّه ) لا يكون بشحذ الفهم والخاطر ، فلن ينال

    ..............................................................

    ( 1 ) الأرض الرحبة هنا ترجمة لكلمة “ صحراء “ في النَّص. فنحن لا نظن أنه يقصد هنا الصحراء بمعناها الضيق وانما هر يعني فيما نعتقد الأرض الواسعة المنبسطة.

    ويتضح هذا المعنى أيضاً في الشطر الأول من البيت التالي وفيه يقول : “ فهذا العالم محدود وتلك بلا حدود “ .

    ( 2 ) يريد بهذا البيت أن الذكاء وسعة الحيلة لا يفيدان صاحبهما أمام اللَّه ما لم يصحبهما الإيمان .


    “ 140 “


    فضل اللَّه سوى الكسير “ 1 “ .

    فكم من كانزين للذهب والفضة - يحفرون الأرض سعياً وراء الكنوز - أصبحوا ( أسارى ) ذلك الخيال ، كأنهم لحية ثور !

    فما الثور حتى تصبح لحية له ؟ وما الأرض حتى تصبح عشباً لها ؟


    535 - لقد مسخ اللَّه امرأة ، وجعل منها كوكب الزهرة عندما أصفرّ وجهها لفعلة سوء ( اقترفتها ) “ 2 “ .

    فإذا كان مسخاً ما أصاب تلك المرأة - إذ أصبحت كوكب الزهرة - فماذا يكون تحول الإنسان إلى تراب وطين ، أيها العنيد ؟

    إن الروح كانت تسمو بك إلى الأفق الأعلى ، ولكنّك اتجهت إلى الماء والطين في أسفل سافلين !

    فمسخت نفسك بذلك التسفل، و ( خرجت ) عن ذلك الوجود ( الروحي ) الذي تحسده العقول.

    فانظر إلى المسخ الذي عانيته ، كيف يبدو بالغ الحطة ، إذا قورن بالمسخ الذي أصاب تلك المرأة .


    540 - لقد اندفعت بجواد الهمة نحو النجوم ، ولم تدرك أنّ آدم سجدت

    ...............................................................

    ( 1 ) ليس المقصود بالكسير هنا الذليل أمام الناس وإنما المقصود به العبد الخاضع أمام خالقه.

    ( 2 ) إشارة إلى قصة وردت في تفسير قوله تعالى : “ وما كفر سليمان ولكنّ الشياطين كفروا ، يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين “ .

    يقال إن هذين الملكين صارا مثل البشر وركبت فيهما الشهودة ، فتعرضا لامرأة يقال لها زهرة فحملتهما على الشر والمعاصي ، ثم صعدت إلى السماء بما تعلمت منهما وقد حُكي هذا عن اليهود .


    “ 141 “



    له الملائكة ! “ 1 “ .

    إنك ان آدم آخر الأمر فإلى متى تظن الحطة شرفاً أيها الخلف السيء ؟

    وإلام تقول : “ لسوف أملك العالم ، وأجعل نفسي ملء الدنيا على الدوام “ .

    فلو امتلأ العالم بالثلج من أقصاه إلى أقصاه ، فإنّ حرارة الشمس تصهر ذلك الثلج كله بلفحة واحدة منها !

    وإنّ شرارة واحدة من ( رحمة ) اللَّه تمحو وزر هذا الوزير ، ومائة مثله ، بل ومائة ألف من أمثاله .


    545 - إنه هو الذي يجعل من الوهم حكمة ، ويجعل من الماء المُسمّم شراباً ( طهورا ) .

    وهو الذي يجعل الظنون يقيناً ، وينبت المحبة من أسباب العداوة والبغضاء !

    وهو الذي رعى إبراهيم في النار ، وهو الذي يُحملّ الأمن في الروح محلّ الخوف !

    وإني الحائر من إعدامه للأسباب والوسائل ، ( وإخفائها عني ) فأنا كالسوفسطائية في خيالاتي عنه ( لست متحققّاً من شيء ) .

    كيف دبر الوزير مكراً آخر لاضلال هؤلاء القوم


    لقد دبَّر هذا الوزير في ذهنه مكراً آخر ، فترك الوعظ وجلس في الخلوة .

    ...............................................................

    ( 1 ) يعنى أن الانسان أهم من كل ما يحيط به من مظاهر الوجود المادي حتى ولو كانت أفلاك السماء . فهو يعظم أموراً هو ذاته أهم منها .


    “ 142 “


    550 - فألقى بنار الشوق في قلوب مريديه ، وكان مقامه في الخلوة أربعين أو خمسين يوماً .

    فجُنّ الخلقُ لشوقهم إليه ، ولا فتراقهم عن أحواله وأقواله وذوقه .

    فكانوا يتضرعون إليه ويبكون ، وأما هو فقد انثنى ظهره من الرياضة في الخلوة .

    فقالوا له : “ ليس لنا نور بدونك . وكيف تكون أحوال الأعمى إذا حرم من عصاه ؟

    فمن أجل إكرامك لنا ، وبحقّ اللَّه ، لا تُبقنا مفترقين عنك أكثر من ذلك .


    555 - فنحن كالأطفال ، وأنت لنا المربِّي ، وظلُّك وارف منبسط فوق رؤوسنا “ .

    فقال لهم : “ إنّ روحي ليست بعيدة عن مريديّ ، ولكنيّ لا أملك إذناً بالخروج !

    “ فأقبل هؤلاء الأمراء للشفاعة ، وجاء أولئك المريدون في حالة سيئة .

    وقالوا : “ أيّ طالع سوء حاق بنا أيها الكريم ! لقد أصبحنا بدونك أيتاماً ، ( محرومين ) من قلوبنا وديننا .

    إنك تقدم الأعذار ، ونحن من الألم تتصاعد زفراتنا الباردة ، من قلوبنا المحترقة .


    560 - فقد اعتدنا على قولك الجميل ، واغتذينا من لبان حكمتك .

    فبحق الإله لا تلتزم معنا هذه الجفوة ، واصنع الخير بنا اليوم ، ولا تؤجّله إلى الغد .


    “ 143 “



    أفيرضى قلبك ، لمن منحوك قلوبهم ، أن يعودوا في النهاية أصفار اليدين بدونك ؟

    إنهم جميعا يتلوون ( من الألم ) ، كالسمك على اليابسة ، فارفع ذلك السدّ وأطلق الماء من النهر !

    يا من ليس له في الدنيا نظير ! بحقّ الإله كن للخلق عوناً “ .


    كيف رفض الوزير طلب مريديه .


    565 - قال : “ حذار يا أسارى القول والبيان ! يا من تنشدون الوعظ ( المبنيّ على ) حديث اللسان واستماع الأذن .

    وضعوا القطن في أُذن حِّكم الأسفل ، وحُلُّوا رباط الحس من أمام أعينكم .

    إن أُذن الرأس حجاب لأذن الباطن ، فما لم تُصمّ أُذن الحسّ بقيتْ أُذن الباطن صماء .

    فلتخلِّصوا أنفسكم من الحسّ والأذن والهوا جس ، حتى تسمعوا نداء” ارْجعي ““ 1 “ .

    فما دمت مشغولًا في اليقظة بالقيل والقال ، فكيف يتأتى لك أن تدرك نفحة من حديث المنام ؟


    570 - إن قولنا وفعلنا هما السلوك الظاهر ، وأما السلوك الباطن فمكانه أعالي السماء .

    فالحس لم ير إلا اليابس، لأنه ولد من اليابس ، وأما عيسى الروح ، فقد مر بقدميه على الماء!

    ..............................................................

    ( 1 ) نداء العودة إلى عالم الروح . وفي البيت إشارة إلى قوله تعالى : “ يا أيتها النفس المطمئنة ، ارجعي إلى ربك راضية مرضية “ . ( 89 : 27 ، 28 ) .


    “ 144 “


    فالجسم اليابس ، من شأنه أنْ يسير على اليابسة ، وأما الروح فمجراها في صميم البحر .

    وما دمت قد قضيت عمرك في طرق اليابسة ، تارة في الجبل ، وتارة في البحر ،

    وأُخرى في الصحراء ، فمن أين لك أن تجد ماء الحياة ، وأنَّى لك أن تشق عباب بحر ( الروح ) ؟





    575 - إنّ الموج الأرضي هو وهمنا وفهمنا وفكرنا ، وأما الموج المائيّ فهو المحو والسكر والفناء .

    فإذا بقيت في سكر ( ماديّ ) ، فأنت بعيد عن السكر الروحي .

    وإنْ ظللت ثملًا بالمادة ، فأنت أعمى عن كأس الروح ! إنّ قول الظاهر وحديثه مثل الغبار “ 1 “ ،

    فالجعل الصمت من طباعك برهة من الزمن ، وكن يقظاً “ .


    كيف كرَّر المريدون دعوة الوزير إلى قطع الخلوة فقالوا جميعاً .


    “ أيُّها الحكيم الذي يتلمس الأعذار ! لا تلق إلينا بذلك الحديث الخادع القاسي .

    ولا تُحمِّل الدابة ، ما لا طاقة لها به ، واعهد إلى الضعفاء بالعمل الذي يلاثم قوتهم .


    580 - فالحَّبة التي يغتذي بها كل طائر ، تكون على قدر طاقته ، وإلا فمتى كان التين يصلح غذاء لكل الطيور ؟

    ...............................................................

    ( 1 ) يذهب هباء .



    “ 145 “


    وإذا أنت أعطيت الطفل الخبز بدلًا من اللبن فاعلم أن الطفل المسكين سيقتله الخبز .

    ولكنّ الطفل يطلب الخبز بنفسه ، عندما تنبت أسنانه .

    والطائر الذي لم يكتمل بعد نمو جناحيه ، يصبح - حين يطير - لقمة لكل قطة ضارية .

    فإذا ما اكتمل جناحاه ، طار وحده بلا تكلف ، وبدون صفير ( قد يريد به ) الخير أو الشرّ .


    585 إنّ نطقك يلزم الشيطان الصمت ، وحديثك يجعل من آذاننا عقولا !

    فآذاننا عقول حين تحدثنا ، ويبسنا يظفر بالماء حينما تكون أنت البحر !

    والأرض ونحن معك خيرلنا من الفلك، يا من أضاء بك الكون من السماك إلى السمك “1 “!

    وبدونك تغشانا الظلمة ونحن في الفلك ! وما الفلك إلى جانبك أيها القمر ؟

    إنّ صورة الرفعة تنتمي إلى الأفلاك ، وأما معنى الرفعة فينتمي إلى الروح الطاهر .


    590 وصورة الرفعة تتعلق بالأجسام ، والأجسام أمام الجوهر ليست إلا مجرد أسماء “ .


    كيف أجابهم الوزير بأنه لن يقطع خلوت


    فقال ( الوزير ) : “ أقصروا من جدالكم ودعوا النصح يجد سبيله إلى أرواحكم وقلوبكم .

    ...............................................................

    ( 1 ) في عقائد القدماء أن الأرض السابعة تحتها ثور يحمل الأرضين السبع وتحت الثور سمكة تحمل الثور وفوقه الأرضين .


    “ 146 “


    فإذا كنتُ أميناً فالأمين لا يُتهم ، حتى ولو قلت لكم إن السماء هي الأرض .

    وإذا كنت كاملًا فما إنكاركم هذا لكمالي ؟ وإن لم أكن كذلك فما الداعي لمضايقتي وإيلامي “ 1 “ .

    إنني لن أخرج من هذه الخلوة ، ذلك لأنني مشغول بأحوال باطنية ! “ .اعتراض المريدين على الخلوة


    595 - فقالوا جميعاً : “ أيها الوزير ! إننا لسنا ( لكمالك ) منكرين ! وليس قولنا هذا مثل قول الغرباء .

    إنّ دموع العين جارية لفراقك ، والآهات تتصاعد من صميم نفوسنا .

    فالطفل لا ينارغ مربيه ، ولكنه يبكي ، وإن لم يدرك شرّاً ولا خيراً .

    فنحن كالعود وأنت العارف ، فالأنغام الحزينة ليست منا وإنما أنت صانعها .

    ونحن كالناي ، ولكنّ أنغامنا منك . ونحن كالجبل ، ولكن الصدى ( المتردّد ) فينا رجعُ لصوتك .



    600 - بل نحن كقطع الشطرنج ، نمضي بين النصر والهزيمة ، ونصرنا وهزيمتنا منك أيها الطيّب الصفات !

    فمن نحن حتى يكون لناً وجود بجانبك ؟ يا من أنت روحُ لروحنا !

    ...............................................................

    ( 1 ) المراد “ لماذا تضايقونني وتؤلمونني بإصراركم على إخراجي من خلوتي ؟ “ .


    “ 147 “


    نحن ووجودنا عدم ، وأنت الوجود المطلق ، وقد اتخذ مظهر الفاني ! ونحن جميعاً أسود ،

    ولكنْ من النوع المصورّ على الأعلام ، وتلك يحركها الهواء في كل لحظة .

    فحركاتها ظاهرة ، ولكن الهواء غير ظاهر ، فلا حُرمنا من ( هذه القوة ) التي لا تُرى .



    605 - فهواؤنا “ 1 “ ، وكياننا من عطائك ، بل إنّ كلّ وجودنا من إيجادك ! لقد أبديت للعدم لذة الوجود ،

    وذلك ( بعد أن ) جعلت العدم عاشقاً لك ! فلا تحبس ( عنا ) لذة إنعامك ، ولا تمسك عنا نقلك وخمرك وكأسك .

    وإذا أنت حبستها ، فمن الذي يجرؤ على البحث عنها ؟ وهل للنقش من قوة أمام النقاش ؟

    فلا تنظر إلينا ، ولا تسدّد بصرك نحونا ، ولكنْ انظر إلى كرمك وسخائك !


    610 - إننا لم يكن لنا وجود ، ولم تكن لنا مطالب ، ولكنّ لطفك أصغى إلى ما لم ننطق به ( فأوجدنا ) .

    فالنقش يكون عاجزاً أمام النقاش والقلم ، كأنه الطفل في الرحم .

    وجملة الخلق في بلاط الانتظار “ 2 “ عاجزون أمام القدرة كالوشى أمام الإبرة .

    فتارة ترسم بالوشى صورة الشيطان ، وتارة صورة آدم ، وحيناً تصور السرور ، وحيناً تصور الحزن .

    وليس لأحد قوة ، تجعله يحرّك يداً للدفاع ، ولا نطق ينبس بكلمة عن الضر والنفع .

    ...............................................................

    ( 1 ) هواؤنا معناه القوة المحركة لنا .

    ( 2 ) بلاط الانتظار هو الدنيا .


    148 “


    615 - فاقرأ في القرآن تفسير البيت ( السابق ) ، فاللَّه تعالى يقول :” وَما رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلكنَّ اللَّهَ رَمى ““ 1 “ .

    فإذا رمينا بسهم فليس اندفاع السهم منا ، فنحن القوس ، وأما الذي يلقي بالسهم فهو اللَّه .

    وليس ذلك قولًا بالجبر ، وإنما هو معنى الجبروت . وذكر الجبروت ( جاء ) لكي نستشعر الذلة .

    وذُلّنا دليل اضطرارنا ، وأما خجلنا ( من الآثام ) فهو دليل اختيارنا .

    ولو لم يكن هناك اختيار ، فما هذا الخجل ( من الإثم ) ؟ وما ذلك الأسف والتحرج والحياء ؟



    620 - ولما ذا يكون زجر الأساتذة للتلاميذ ؟ ولماذا ينصرف الخاطر عما استقر عليه من تدبير ؟

    فإن قلت : “ إنّ الغافل عن جبر اللَّه يصير قمرُ الحق مختفياً وراء سحابه “ “ 2 “ .

    فإنّ لذلك جواباً مقنعاً ، لو استمعت إليه ، تركت الكفر ، وأمنت بالدين إنّ السحرة والذلّة تكونان في وقت المرض ، فذلك الوقتُ يكون كلّه يقظة ( للضمير ) .

    فأنت حين يصيبك المرض ، تستغفر اللَّه لجرمك .


    625 ويتجلى أمام عينيك قبح الإثم ، فتعتزم العودة إلى الطريق ( السويّ ) .

    فتقسم وتعاهد ( اللَّه ) أنّك - بعد هذا - لن يكون لك من

    ...............................................................

    ( 1 ) سورة الأنفال ، 8 : 17 ، وفيها يخاطب اللَّه الرسول بعد غزوة بدر .

    ( 2 ) يصير حجاباً للحقيقة الواضحة البينة .


    “ 149 “


    عمل تختاره سوى الطاعة .

    وبهذا يصحّ عندك ، أنّ المرض يمنحك الانتباه واليقظة ، فاعرف إذن هذا الأصل ، أيّها الباحث عن الأصول ! إنّ من كان ذا ألم تنسّم نفحة ( من الغيب ) .

    فكل من زاد ألمه زادت يقظته ، وكلّ من ازداد معرفة زادت طلعته شحوباً .


    630 - فإن كنت مدركاً لجبره ، فأين ذلّتك ؟ وأين مشاهدتك لأغلال جبروته ؟

    وكيف للمقيد بالأغلال ، أن ينعم بالسرور ؟ ومتى كان أسير الحبس يمارس حريِّته ؟

    وإذا كنت ترى أنّ قدميك ، مكبَّلان بالأغلال ، وأنّ جند السلطان قد جلسوا لحراستك ، فلا تتجبِّر بالتسلط على العاجزين ، فليس هذا طبع العاجز ، ولا شيمته .

    فإنْ كنت لا ترى جبره ، فلا تتحدَّث عنه ، وإنْ كنت تراه فأين دليل ذلك ؟


    635 - إنّك لترى قدرة نفسك عياناً في كلّ عمل يكون لك ميل إليه .

    ولكنّك - عندما لا يكون العمل وفق ميلك وعلى مرادك - تصبح مُجبراً ( وتقول ) : “ إنّ هذا من اللَّه ! “ .

    إنّ الأنبياء مجبرون فيما يتعلق بأمور الدنيا ! وأما الكفار فمجبرون فيما يتصل بأمور الآخرة .

    فالأنبياء مختارون لأمور العقبى ، وأما الكفار فالاختيار عندهم لأمور الدنيا .

    ذلك لأنّ كلّ طائر يقتفي أثر جنسه ، تتقدمه روحه .



    “ 150 “


    640 - ولما كان الكفار قد جاؤوا من جنس سجِّين “ 1 “ فإنّ سجن الدنيا وافق هواهم “ 2 “ .

    وأما الأنبياء فإنهم إذا كانوا من جنس علّيين “ 3 “ فقد تساموا إلى علياء الروح والقلب .

    إنّ هذا الكلام لا نهاية له ، فلنزجع إلى قصّتنا لنُتمّها .



    كيف جعل الوزير أتباعه يانسين من تركه للخلوة


    لقد صاح هذا الوزير من أعماقه ( قائلًا ) : “ أيّها المريدون ! اعلموا ذلك عنيّ .

    إنّ عيسى قد بعث إلى برسالة ( قال فيها ) : افترق عن أصحابك وأقربائك .


    645 - واتجه بوجهك إلى الحائط ، واجلس منفرداً ، واختر لنفسك الخلوة عن وجودك ! .

    فبعد هذا الأمر ، لا قول عندي ، ولا شأن لي بالقيل والقال .

    فالوداع أيّها الأحباب ، فإننّي ميّت ، وقد حملت متاعي إلى السماء الرابعة ،

    ...............................................................

    ( 1 ) الكتاب الذي تُسجّل فيه أعمال الفجرة ، وقيل هو المكان الذي يحفظ به هذا الكتاب في جهنم . ويمكن أن تطلق الكملة على الجحيم نفسه . وقد وردت في القرآن : “ كلا إن كتاب الفجار لفي سجِّين ، وما أدراك ما سجِّين “ . ( 83 : 6 ، 7 )

    ( 2 ) في هذا البيت اقتباس من حديث للرسول قال فيه : “ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر“.

    ( 3 ) عليّون ، عكس سجّين. وقد وردت في قوله تعالى : “ كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين، وما أدراك ما عليّون ، كتاب مرقوم“ ( 83 : 17 - 19 ).


    “ 151 “


    حتى لا أحترق كالحطب ، من العناء العطب ، تحت الفلك الناريّ “ 1 “ .

    ولسوف أجلس بعد ذلك إلى جوار عيسى في أعالي السماء الرابعة .


      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 13:14