كيف عهدالوزير بولاية عهده إلى كل أمير على انفراد
650 - وبعد ذلك دعا الأمراء واحداً واحداً ، وتحدث مع كلّ منهم على انفراد .
وقال لكل منهم : “ إنك النائب الحق للدين العيسويّ ! إنّك خليفتي ! وهؤلاء الأمراء الآخرون ، أتباعك !
إن عيسى قد جعلهم جميعاً أشياعاً لك ! فكلّ أمير خرج عن طاعتك فاقتله ، أو اجعله أسيراً !
ولكن لا تعلن هذا ، ما دمت أنا حيّاً ، ولا تطلب تلك الرياسة قبل موتي .
655 - ولا تُذع ذلك السرِّ ما دمتُ على قيد الحياة ، ولا تطالب بالملك والسيطرة .
وإليك هذا الطومار ، وأحكام السميح ، فأفصح بقراءتها واحداً واحداً على أتباعه “ .
وهكذا قال لكلّ أمير على انفراد : “ إنه لا راعي سواك لدين اللَّه “ .
وجعل كلًا منهم عزيراً وقال لكلّ واحد منهم ما قاله للآخر .
...............................................................
( 1 ) السماء الرابعة مقر عيسى ، وهي أيضاً فلك الشمس ، فبصعوده إليها يخلص من العيش تحت فلكها الناريّ .
“ 152 “
وأعطى كلّ أمير طوماراً . وكان مراده أن يوقع الفرقة بينهم .
660 - وكانت هذه الطوامير جميعاً مختلفة كاختلاف الحروف ، من الألف إلى الياء .
فكان حكم كلّ طومار ضدّ حكم الآخر ، وقد بيّنا من قبلُ ذلك التناقض .
كيف قتل الوزير نفسه في الخلوة
وبعد ذلك أغلق الوزير بابه أربعين يوماً أُخرى ، ثم قتل نفسه ، وخلص من وجوده .
وحينما علم الناس بموته ، قامت القيامة أمام قبره .
فتجمع على قبره الكثيرون من الناس ، وكانوا يقتلعون شعرهم ويمزّقون ثيابهم حزناً عليه .
665 - ولم يكن هناك - سوى اللَّه - من يدري عدد هؤلاء الخلق ، من عرب وروم ، وأتراك وأكراد .
لقد وضعوا تراب قبره على رؤوسهم ، ورأوا في حزنهم عليه شفاء لأرواحهم !
وظلّ هؤلاء الناس على قبره شهراً ، جرت فيه من عيونهم الدموع الدامية .
كيف طلبت أمّة عيسى إلى الأمراء أن يبيّنوا مَنْ منهم وليُّ العهد .
وبعد شهر قال الناس : “ أيها الكبراء ، مَنْ من الأمراء عُيِّن مكانه ؟
“ 153 “
حتى نعرفه إماماً من بعده ، ونضع أيدنيا وأزّمتنا في يده “ 1 “ .
670 - فإن كانت الشمسُ قد ولّت ، واكتوْينا ( بفراقها ) ، فما من حيلةٍ سوى أن نجعل مكانها سراجاً .
وإن كان الحبيب قد مضى من أمام أعيننا ، وحُرمنا وصاله ، فلا بدّ لنا من نائب عنه ، يكون تذكاراً لنا منه .
وإن كان الورد قد ذبل ، وصُوَّح بستانُه ، فأين نجد شذى الورد إلا في ماء الورد ؟
وإذا كان اللَّه لا يظهر للعيان ، فإنّ هؤلاء الأنبياء هم نُوّابُ الحقّ .
كلا ! إنني أخطأتُ القول ! فإنك إذا ظننتَ المُنيب والنائب اثنين، كان ذلك ظناً قبيحاً لا حسناً.
675 - فهما لن يظهرا لك اثنين إلا إذا كنت من عُبّاد الصورة . وأما من خلص من الصورة فهما واحد في نظره .
إنك عندما تنظر إلى الصورة ، يكون إبصارك بعنيين . فتأمل النور الذي ينبع من العينين !
وليس بمستطاع أن يميّز المرء - على وجه اليقين - بين نور كلَ عين من العينين ، حينما ينظر مستضيئاً بنورهما .
فإن أنت وضعت عشرة مصابيح في مكان واحد ، فقد يكون كلّ منها مختلفاً في صورته عن الآخر .
ولكنّك لا تستطيع أن تفرِّق - بصورة قاطعة - بين نور كلّ منها إذا نظرتَ إلى نورها .
680 - وأنت إذا عددت مائة من ثمار التفاح أو السفرجل ، فإنّ هذه لا تبقى مائة ، بل تصبح واحدة حين تعصرها .
فالمعاني لا تقبل القسمة والأعداد ، ولا تخضع للتجزئة والإفراد .
...............................................................
( 1 ) نسلم إليه قيادنا .
“ 154 “
إن اتحاد الحبيب بالأحباء جميل ، فتَشبّثْ بقدم المعنى ، فإن الصورة عنيدة قوّية .
واصهر تلك الصورة العنيدة ، وجاهد ( في سبيل ذلك ) حتى ترى الوحدانية تحتها كالكنز !
وإن أنت لم تصهرها ، صهرتها لك عنايةُ من فؤادي له عبدو مولى .
685 - إنه ليُظهر للقلوب ذاته ، ويحيك للدرويش خرقته .
لقد كنا منبسطين ، وكنا جميعاً جوهراً واحداً ولم تكن لنا في تلك الناحية رؤوس ولا أقدام .
لقد كنا جوهراً واحداً كالشمس ، وكنا كالماء لا عُقَد فينا ، ولنا الصفاء !
وعندما حلّ في الصورة ذلك النور الطيّب ، صار متعدداً كظلال إفريز القلعة !
فحطِّمْ ذلك الإفريز بالمنجنيق ، حتى يزول الفرق بين أفراد ذلك الفريق .
690 - ولولا تحرُّجى حتى لا ينزلق خاطرُ ( ضعيف ) لساقني الجدل إلى شرح ذلك “ 1 “ .
فهذه الأفكار العميقة كالسيف الفولاذي ، الحادّ ، فإن لم يكن لديك درع “ 2 “ فسارع إلى الهرب .
ولا تُواجه ذلك الصارم الفصّال بدون درع ، فإنّ السيف لا يَستحي من القطع !
ولهذا السبب ، أودعتُ سيفي غمده ، حتى لا يَقرأ قولي - على غير وجهه - مَن لا يحسن القراءة .
فلنَعُدْ الآن إلى القصة لكنملها ، وإلى وفاء هذا الجمع من الصلحاء .
695 - الذين قاموا من بعد وفاة ذلك الرئيس ، فطلبوا نائباً يقوم مقامه .
.............................................................
( 1 ) ولولا خوفي من أن يسيء خاطرُ ضعيفُ فهم قولي لأطلتُ في شرح تلك المسائل .
( 2 ) إن لم يكن لك من إيمانك درع يقيك فسارع إلى الهرب .
“ 155 “
كيف تنازع الأمراء على ولاية العهد
لقد جاء أمير من هؤلاء الأمراء وتقدم إلى أولئك القوم الأوفياء .
وقال : “ انظروا ! إنني خليفة هذا الرجل ! إنني نائب عيسى في هذا الزمان !
انظروا إلى هذا الطومار ، فهو برهاني على أنّ هذه النيابة هي لي من بعده “ .
وجاء أمير آخر من الكمين ، فكان ادعاؤه الخلافة على ذلك الوجه نفسه .
700 - فهو أيضا قد أخرج من تحت إبطه طومارا ، فثار بينهما غضب اليهود .
وتوالى الأمراء الآخرون فامتشقوا السيوف الملتمعة ، فكان كلّ يحمل في يده سيفاً وطوماراً ! ودبّ الصراع بينهم جميعاً كأنّهم أفيالُ سكرى .
فقتُل الآلاف من رجال النصارى ، وكانت هناك تلالُ من رؤوس القتلى !
وجرت الدماء ذات اليمين وذات الشمال كأنها السيل ، وارتفعت في الهواء جبال من غبار تلك الحرب !
705 - إنّ بذور الفتنة التي كان الوزير قد غرسها أصبحت أفةً ( تحصد ) رؤوسهم .
“ 156 “
لقد انكسر الجوز “ 1 “ ، وكلّ ما كان ذا لُبّ منه فقد أصبح بعد القتل ذا روح طاهرة لطيفة .
إن وقوع القتل والموت على صورة الجسم كقَطْع الرمان والتفاح .
فكل ما كان منه حلواً أصبح شراب رمان ، وكل ما كان عَفناً لم يَعدُ صوت ( كسره ) .
وكل ما كان ذا معنى تجلّى معناه ، وأما العفن فيفتضح أمره .
710 - فاذهب ، واسع وراء المعنى ، يا عابد الصورة ! إن المعنى جناح لجسد الصورة .
والزم أهل المعنى حتى ينالك منهم العطاء ، وتصبح جواداً .
ولا خلاف أنّ الروح التي تخلو من المعنى ، تكون في الجسد كسيف خشبيّ في الغمد .
فما دام هذا السيف في غمده ، فهو ذو قيمة ، فإذا أُخرج منه ، فهو آلةُ ( لا تصلح إلا ) وقوداً للنار .
فلا تحمل إلى الميدان سيفاً خشبياً ، وانظر في أول الأمر ( إلى عُدتّك ) حتى لا يسوء مآلك .
715 - فإن كان السيف خشبياً فامض ، واطلب غيره ، وإن كان قاطعاً ، فتقدم إلى الامام طَرباً .
إنّ السيف الحقّ مكانه خزانةُ أسلحه الأولياء ، ورؤية هؤلاء كيمياء لك .
“ فالعالمُ رحمة للعالمين “ . هذا ما قالت به جملة العلماء .
وإن ابتعت رمانةً فاخترْها ضاحكةً ( مُتقتحة ) حتى ينبئك تقتُّحُها عن حال حَبِّها !
فما أجمل ضحكها ! ذلك لأنّه يُظهر من خلال فهما قلبَها ،
...............................................................
( 1 ) يريد بانكسار الجوز تحطم الأجسام من جرّاء ما وقع عليها من القتل .
“ 157 “
كما يظهر اللؤلؤ في صندوق الروح .
720 - وما أقبح ضحك زهرة “ اللاله “ فإن فها يكشف عن سواد قلبها .
إن ضحك الرمان يجعل البستان ضاحكاً ، وصحبة الرجال تجعلك من الرجال .
فإن كنت قطعة من الصخر أو المرمر ، صرت جوهراً لو اتصلت برجل ذي قلب .
فؤشْربْ روحَك حُبّ هؤلاء الطاهرين ، ولا تُسْلم قلبك إلا لحبّ هؤلاء السعداء القلوب .
ولا تمض في طريق اليأس ، ففي الكون آمال ! ولا تتجه نحو الظلمات ، ففي الكون شموس !
725 - إنّ القلب يقودك إلى جادّة أهل القلوب . وأما الجسم فيقودك إلى سجن الماء والطين .
فاجعل غذاء قلبك من ( اتصالك ) بأهل القلوب ، واذهب ، وانشد الإقبال عند أهل الإقبال .
تعظيم نعت المصطفى عليه السلام كان مذكوراً في الإنجيل
إنّ اسم أحمد كان في الإنجيل ، ( وكان نعته ) أن رأس الأنبياء وبحر الصفاء !
كان في الإنجيل ذكرُ المحاسنه وشكله ، وكان فيه ذكر لغزوه وصومه وأكله .
وكانت هناك طائفة من النصاري ، عندما تصل إلى ذلك الاسم وذلك الخطاب ، فإنّها من أجل ثواب اللَّه .
730 - تُقبِّل ذلك الاسم الشريف ، وتضع وجهها على ذلك الوصف اللطيف .
“ 158 “
كان هذا الفريق من النصارى آمناً من الفتنة والخوف أثناء تلك الفتنة التي ذكرناها “ 1 “ .
لقد كانوا آمنين من شرّ الأمراء والوزير ، مستجيرين بالتجائهم إلى اسم أحمد . .
وقد خلف من بعد هؤلاء ذرية كبيرة ، صار نورُ أحمد لها ناصرا ورفيقا .
وأما ذلك الطريق الآخر من النصارى ، فقد كان يستهين باسم أحمد .
735 - فحاق بهؤلاء الهوانُ والذلّ من فتن هذا الوزير ، الذي كان شؤماً في رأيه وتدبيره .
وأصاب الاضطرابُ دينَهم وأحكامهم بما جائتهم به تلك الصحف المعوجة البيان .
إنّ اسم أحمد أفاض مثل ذلك العون ، فكان لنوره مثل تلك الرعاية .
فإذا كان اسم أحمد قد صار حصناً حصيناً ، فكيف تكون ذاتُ هذا الروح الأمين ؟
***
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل .
( 326 ) هذا الملك كان مصاباً بحول عقلي ، جعله يرى الجوهر الواحد جوهرين فيفرق بين الرسل الذين سلكوا جميعاً أقوم السبيل وأهداها .
( 327 - 332 ) كانت هذه القصة معروفة قبل جلال الدين .
وقد ذكر نيكولسون النص التالي من “ أسرار نامة “ للعطار :
يكي شاگرد أحول داشت أستاد * مگر شاگرد را جايي فرستاد
كه ما را يك قرابه روغن آنجاست * بياور زود آن شاگرد برخاست
چو آنجا شد كه گفت أو ديده بگماشت * قرابه چون دو ديد أحول عجب داشت
براستاد آمد گفت أي پير * دو ميبينم قرابه من چه تدبير
زخشم أستاذ گفتش أي بداختر * يكي بشكن دگر يك را بياور
چو أو در ديدن أو شك نميديد * بشد اين يك شكست اين يك نميديد
وترجمة النص كما يلي :
“ كان لأستاذ تلميذ أحول ، فأرسله إلى أحد الأماكن ( قائلًا ) :
“ إن لي زجاجة هناك ، فسارع بإحضارها “ . فقام التمليذ ، وحينما وصل إلى حيث أمره أستاذه ، أرسل الطرف ، فلما رأى الزجاجة اثنتين ، عجب الأحوال ! فذهب إلى أستاذه وقال : “ أيها السيد ! إني أرى زجاجتين ، فما التدبير ؟ “ فقال الأستاذ غاضباً : “ أيها السيء الطالع ! اكسر واحدة وأحضر الأخرى ! “
“ 476 “
فهذا الأحول - إذ لم يشك في إبصاره - كسر إحدى الزجاجتين فلم ير الأخرى ! “ وليس معنى هذا أن جلال الدين اقتبس القصة من “ أسرار نامه “ .
ذلك لأنها كانت من القصص الشعبية التي استخدمها الشعراء ، واستخلصوا العبرة منها ، كل على طريقته . وجلال الدين يستخدمها لينطلق منها إلى الحديث عن الميل مع الهوى الذي وصفه بأنه حول عقلي يعمي عن الحق .
( 333 ) “ الغضب والشهوة يجعلان الرجل أحول “ . هذا القول ينطبق على حقيقة مشهوة هي أن الغضب لا يتيح للإنسان أن يرى الأشياء على حقيقتها . وكذلك الشهوة . فهذان يفعلان بالعقل ما يفعله الحول بالعين .
( 338 ) عبر الشاعر عن مقدرة الوزير على الغش والخداع بأنه كان يستطيع أن يربط في الماء عقداً .
( 340 ) الدين المستقر في القلب لا يمكن أن يُعرف ، وليس كالأفعال الظاهرة يمكن إدراكه ، ومحاسبة الناس عليه .
( 366 ) الغول هو ذلك الكائن الأسطوري الذي ورد في أساطير العرب . وقد صووه بأنه يظهر للناس في الصحراء ويحاول أن يضلهم السبيل ويقودهم إلى التهلكة . والنفس الغول هي النفس التي بأهوائها تقود صاحبها إلى الهلاك بعد أن تخرج به عن سبيل الصدق والاستقامة ، وتذهب به كل مذهب .
( 370 ) يتجلى ذلك في مبالغة بعض الصحابة في التعبد ، واتهام النفس ، بصورة جعلت الرسول يدعوهم إلى التزام الاعتدال ، حتى في النسك والعبادة .
( 373 ) الدجال هو الذي يكون ظهوره - على ما يُروى - من
“ 477 “
علامات اقتراب الساعة . وسوف يحكم أربعين يوماً ثم يقضي عليه المسيح عيسى بن مريم .
يقول الجيلي في كتاب الإنسان الكامل ( ج 2 ، ص 55 ) : “ ومن أمارات الساعة الكبرى خروج الدجال ، وأن تكون له جنة عن يساره ونار عن يمينه . وأنه مكتوب بين عينيه كافر باللَّه ، وأنه يعطش الناس ويجوعون حتى لا يجدوا مأكلا ولا مشربا ، إلا عند هذا الملعون .
وأن كل من آمن به فإنه يسقيه من مائه ويطعمه من طعامه ، ومن أكل من ذلك أو شرب منه لا يفلح أبداً.
وأنه يدخل المؤمن به جنته ، ومن دخل جنته قلبها اللَّه عليه ناراً .
وأنه يدخل من لا يؤمن به ناره ومن دخل ناره قلبها اللَّه عليه جنة . وأن من الناس من يأكل من حشيش الجزر إلى أن يرفع اللَّه عنه هذا الضر .
وأن اللعين لا يزال يدور في أقطار الأرض إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما .
وأنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فإذا بلغ رملة لدّ وهي قرية قريبة من بيت المقدس ، بينهما مسيرة يوم وليلة ، أنزل اللَّه عيسى عليه السلام على منارة هناك ، وفي يده الحربة ، فإذا رآه اللعين ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فيضربه بالحربة فيقتله “ .
( 374 - 380 ) في هذه الأبيات صورّ الشاعر ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ، وكيف أنها تقوده إلى الوقوع في أحابيل المعاصي .
وهناك قوة الخير تخلصه كل مرة ، ولكنه يعود فيقع من جديد في تلك الشباك .
ويرسم الشاعر بصوره الفنية الوسيلة التي تؤدي إلى سدّ الثغرات التي يتطرق منها الهوى إلى نفس الإنسان .
( 377 ) القمح رمز للأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان . فهو يجتهد في الإتيان بهذه الأعمال ويبذل جهده ، ولكنه رغم ذلك لا يجد حصيلة كبيرة ، لأن السيئات تذهب بالحسنات ، فلا يجد له رصيداً كبيراً ، رغم توهمه أنه قد تملك مثل هذا الرصيد .
“ 478 “
( 378 ) الفأر هنا رمز للسيئات ، والقمح رمز للحسنات . فالسيئات تفعل بالحسنات ما يفعله الفأر بالقمح .
( 379 ) منذ وجد الهوى سبيله إلينا ، قضى على ما قدمناه من حسنات “ .
( 380 ) اعملي أيتها النفس على مقاومة الهوى ونزواته ، ثم اجتهدي بعد ذلك في إتيان الحسنات .
( 387 ) قوة اللَّه الخيرة تجعل الإنسان في مأمن مهما أحاطت به خدع الشيطان وفخاخه.
( 388 ) النوم يحرر الروح من سلطان الجسد . والشاعر في الشطر الأول من البيت يشبه الجسد بفخ يمسك بالروح .
أما اقتلاع الألواح الذي ذكره الشاعر في الشطر الثاني من البيت ففي رأيي أنه صورة ثانية لتحرير الروح من سجن الجسد . ففي النوم تقتلع ألواح هذا السجن ، وتنطلق الروح.
فالجسم الذي تجتلى إرادته في الحواس ، يصبح عديم الإرادة حين النوم ، ولا يبقى له سلطان على الروح . فالعين لا لا تبصر والأذن لا تسمع والأنف لا يشم وهكذا .
وطبيعي أن هذا الفهم مرتبط بفهم الأقدمين للأحلام وطبيعتها .
وقد تغيرت مدلولات الحلم بصورة جوهرية بعد أن أعلن فرويد نظرياته في تفسير الأحلام.
وقد ذهب نيكولسون في ترجمته إلى أن الألواح هي العقول الواعية ولست أوافقه على ذلك.
( 392 ) العارفون نائمون عن هذه الدنيا ، فهم - حتى في يقظتهم - منصرفون عنها كأنهم نيام . وهم في ذلك يشبهون أهل الكهف ، الذين ناموا السنين الطوال ، وكانوا يتقلبون في النوم فيبدون أيقاظاً وهم رقود .
( 393 ) العارفون لا يحتاجون إلى النوم ليصرفهم عن أحوال الدنيا ، فهم نائمون عنها بالليل وكذلك بالنهار ، وقد تخلصوا من إرادتهم ،
“ 479 “
واستسلموا لخالقهم استسلاماً كاملًا ، وكأنهم قلم في قبضته .
( 395 ) عامة الخلق لا يغلب حواسهم ، ولا يخلصهم - بعض الوقت - من سيطرتها عليهم ، سوى النوم .
( 397 - 400 ) عند النوم تنطلق الروح من الجسد لكنها تعود إليه عند اليقظة . وهي تفارقه مفارقة كاملة عند الموت . فاللَّه يقبض الأرواح عند النوم ثم يرسلها فتعود إلى أجسادها .
قال تعالى في سورة الزمر :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. ( 39 : 42 ) .
( 401 ) شبّه الأرواح المنطلقة ساعة النوم يجياد ترتعي في مرج واسع ، وقد رُبطت أقدام كل منها بوثاق طويل ، فهي منطلقة ولكنها في ذات الوقت مقيدة . وقد قال طرفة في معلقته بيتاً ينطوي على مثل هذه الصورة عن الإنسان ومصيره المحتوم .لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد.
( 405 ) وكثيرون هم الذين ناموا عن أحوال الدنيا ، فلم يعد لها تأثير عليهم ، ولجأوا إلى كهف روحي عصمهم من الشهوات .
( 406 ) لا يستطيع أحد أن يدرك أحوال هؤلاء العارفين إلا إذا كان شبيهاً بهم . أما من يكون بالنسبة غارقاً فلا الحسّ ، فلا جدوى له من وجود هؤلاء إلى جانبه ، فمثله - بالنسبة للمدركات الروحية - كمن ختم اللَّه على بصره بالنسبة للمدركات الحسيّة .
( 407 - 408 ) اتخذ الشاعر عن قصة ليلى والمجنون مثالًا للعشق الصوفي . فلالحب هو الذي يجعل المجنون ينظر إلى ليلى بكل هذا الإعجاب ، حتى يخرجه حبها عن عقله ، على حين أن هذا لم يحدث لغيره ، لأنه لم يتملكه هذا الحب . وحب المجنون هنا رمز للتنبه الروحي ، أما سؤال الخليفة فدليل على الوقوف عند الحس ومدركاته ، وهذا ما
“ 480 “
650 - وبعد ذلك دعا الأمراء واحداً واحداً ، وتحدث مع كلّ منهم على انفراد .
وقال لكل منهم : “ إنك النائب الحق للدين العيسويّ ! إنّك خليفتي ! وهؤلاء الأمراء الآخرون ، أتباعك !
إن عيسى قد جعلهم جميعاً أشياعاً لك ! فكلّ أمير خرج عن طاعتك فاقتله ، أو اجعله أسيراً !
ولكن لا تعلن هذا ، ما دمت أنا حيّاً ، ولا تطلب تلك الرياسة قبل موتي .
655 - ولا تُذع ذلك السرِّ ما دمتُ على قيد الحياة ، ولا تطالب بالملك والسيطرة .
وإليك هذا الطومار ، وأحكام السميح ، فأفصح بقراءتها واحداً واحداً على أتباعه “ .
وهكذا قال لكلّ أمير على انفراد : “ إنه لا راعي سواك لدين اللَّه “ .
وجعل كلًا منهم عزيراً وقال لكلّ واحد منهم ما قاله للآخر .
...............................................................
( 1 ) السماء الرابعة مقر عيسى ، وهي أيضاً فلك الشمس ، فبصعوده إليها يخلص من العيش تحت فلكها الناريّ .
“ 152 “
وأعطى كلّ أمير طوماراً . وكان مراده أن يوقع الفرقة بينهم .
660 - وكانت هذه الطوامير جميعاً مختلفة كاختلاف الحروف ، من الألف إلى الياء .
فكان حكم كلّ طومار ضدّ حكم الآخر ، وقد بيّنا من قبلُ ذلك التناقض .
كيف قتل الوزير نفسه في الخلوة
وبعد ذلك أغلق الوزير بابه أربعين يوماً أُخرى ، ثم قتل نفسه ، وخلص من وجوده .
وحينما علم الناس بموته ، قامت القيامة أمام قبره .
فتجمع على قبره الكثيرون من الناس ، وكانوا يقتلعون شعرهم ويمزّقون ثيابهم حزناً عليه .
665 - ولم يكن هناك - سوى اللَّه - من يدري عدد هؤلاء الخلق ، من عرب وروم ، وأتراك وأكراد .
لقد وضعوا تراب قبره على رؤوسهم ، ورأوا في حزنهم عليه شفاء لأرواحهم !
وظلّ هؤلاء الناس على قبره شهراً ، جرت فيه من عيونهم الدموع الدامية .
كيف طلبت أمّة عيسى إلى الأمراء أن يبيّنوا مَنْ منهم وليُّ العهد .
وبعد شهر قال الناس : “ أيها الكبراء ، مَنْ من الأمراء عُيِّن مكانه ؟
“ 153 “
حتى نعرفه إماماً من بعده ، ونضع أيدنيا وأزّمتنا في يده “ 1 “ .
670 - فإن كانت الشمسُ قد ولّت ، واكتوْينا ( بفراقها ) ، فما من حيلةٍ سوى أن نجعل مكانها سراجاً .
وإن كان الحبيب قد مضى من أمام أعيننا ، وحُرمنا وصاله ، فلا بدّ لنا من نائب عنه ، يكون تذكاراً لنا منه .
وإن كان الورد قد ذبل ، وصُوَّح بستانُه ، فأين نجد شذى الورد إلا في ماء الورد ؟
وإذا كان اللَّه لا يظهر للعيان ، فإنّ هؤلاء الأنبياء هم نُوّابُ الحقّ .
كلا ! إنني أخطأتُ القول ! فإنك إذا ظننتَ المُنيب والنائب اثنين، كان ذلك ظناً قبيحاً لا حسناً.
675 - فهما لن يظهرا لك اثنين إلا إذا كنت من عُبّاد الصورة . وأما من خلص من الصورة فهما واحد في نظره .
إنك عندما تنظر إلى الصورة ، يكون إبصارك بعنيين . فتأمل النور الذي ينبع من العينين !
وليس بمستطاع أن يميّز المرء - على وجه اليقين - بين نور كلَ عين من العينين ، حينما ينظر مستضيئاً بنورهما .
فإن أنت وضعت عشرة مصابيح في مكان واحد ، فقد يكون كلّ منها مختلفاً في صورته عن الآخر .
ولكنّك لا تستطيع أن تفرِّق - بصورة قاطعة - بين نور كلّ منها إذا نظرتَ إلى نورها .
680 - وأنت إذا عددت مائة من ثمار التفاح أو السفرجل ، فإنّ هذه لا تبقى مائة ، بل تصبح واحدة حين تعصرها .
فالمعاني لا تقبل القسمة والأعداد ، ولا تخضع للتجزئة والإفراد .
...............................................................
( 1 ) نسلم إليه قيادنا .
“ 154 “
إن اتحاد الحبيب بالأحباء جميل ، فتَشبّثْ بقدم المعنى ، فإن الصورة عنيدة قوّية .
واصهر تلك الصورة العنيدة ، وجاهد ( في سبيل ذلك ) حتى ترى الوحدانية تحتها كالكنز !
وإن أنت لم تصهرها ، صهرتها لك عنايةُ من فؤادي له عبدو مولى .
685 - إنه ليُظهر للقلوب ذاته ، ويحيك للدرويش خرقته .
لقد كنا منبسطين ، وكنا جميعاً جوهراً واحداً ولم تكن لنا في تلك الناحية رؤوس ولا أقدام .
لقد كنا جوهراً واحداً كالشمس ، وكنا كالماء لا عُقَد فينا ، ولنا الصفاء !
وعندما حلّ في الصورة ذلك النور الطيّب ، صار متعدداً كظلال إفريز القلعة !
فحطِّمْ ذلك الإفريز بالمنجنيق ، حتى يزول الفرق بين أفراد ذلك الفريق .
690 - ولولا تحرُّجى حتى لا ينزلق خاطرُ ( ضعيف ) لساقني الجدل إلى شرح ذلك “ 1 “ .
فهذه الأفكار العميقة كالسيف الفولاذي ، الحادّ ، فإن لم يكن لديك درع “ 2 “ فسارع إلى الهرب .
ولا تُواجه ذلك الصارم الفصّال بدون درع ، فإنّ السيف لا يَستحي من القطع !
ولهذا السبب ، أودعتُ سيفي غمده ، حتى لا يَقرأ قولي - على غير وجهه - مَن لا يحسن القراءة .
فلنَعُدْ الآن إلى القصة لكنملها ، وإلى وفاء هذا الجمع من الصلحاء .
695 - الذين قاموا من بعد وفاة ذلك الرئيس ، فطلبوا نائباً يقوم مقامه .
.............................................................
( 1 ) ولولا خوفي من أن يسيء خاطرُ ضعيفُ فهم قولي لأطلتُ في شرح تلك المسائل .
( 2 ) إن لم يكن لك من إيمانك درع يقيك فسارع إلى الهرب .
“ 155 “
كيف تنازع الأمراء على ولاية العهد
لقد جاء أمير من هؤلاء الأمراء وتقدم إلى أولئك القوم الأوفياء .
وقال : “ انظروا ! إنني خليفة هذا الرجل ! إنني نائب عيسى في هذا الزمان !
انظروا إلى هذا الطومار ، فهو برهاني على أنّ هذه النيابة هي لي من بعده “ .
وجاء أمير آخر من الكمين ، فكان ادعاؤه الخلافة على ذلك الوجه نفسه .
700 - فهو أيضا قد أخرج من تحت إبطه طومارا ، فثار بينهما غضب اليهود .
وتوالى الأمراء الآخرون فامتشقوا السيوف الملتمعة ، فكان كلّ يحمل في يده سيفاً وطوماراً ! ودبّ الصراع بينهم جميعاً كأنّهم أفيالُ سكرى .
فقتُل الآلاف من رجال النصارى ، وكانت هناك تلالُ من رؤوس القتلى !
وجرت الدماء ذات اليمين وذات الشمال كأنها السيل ، وارتفعت في الهواء جبال من غبار تلك الحرب !
705 - إنّ بذور الفتنة التي كان الوزير قد غرسها أصبحت أفةً ( تحصد ) رؤوسهم .
“ 156 “
لقد انكسر الجوز “ 1 “ ، وكلّ ما كان ذا لُبّ منه فقد أصبح بعد القتل ذا روح طاهرة لطيفة .
إن وقوع القتل والموت على صورة الجسم كقَطْع الرمان والتفاح .
فكل ما كان منه حلواً أصبح شراب رمان ، وكل ما كان عَفناً لم يَعدُ صوت ( كسره ) .
وكل ما كان ذا معنى تجلّى معناه ، وأما العفن فيفتضح أمره .
710 - فاذهب ، واسع وراء المعنى ، يا عابد الصورة ! إن المعنى جناح لجسد الصورة .
والزم أهل المعنى حتى ينالك منهم العطاء ، وتصبح جواداً .
ولا خلاف أنّ الروح التي تخلو من المعنى ، تكون في الجسد كسيف خشبيّ في الغمد .
فما دام هذا السيف في غمده ، فهو ذو قيمة ، فإذا أُخرج منه ، فهو آلةُ ( لا تصلح إلا ) وقوداً للنار .
فلا تحمل إلى الميدان سيفاً خشبياً ، وانظر في أول الأمر ( إلى عُدتّك ) حتى لا يسوء مآلك .
715 - فإن كان السيف خشبياً فامض ، واطلب غيره ، وإن كان قاطعاً ، فتقدم إلى الامام طَرباً .
إنّ السيف الحقّ مكانه خزانةُ أسلحه الأولياء ، ورؤية هؤلاء كيمياء لك .
“ فالعالمُ رحمة للعالمين “ . هذا ما قالت به جملة العلماء .
وإن ابتعت رمانةً فاخترْها ضاحكةً ( مُتقتحة ) حتى ينبئك تقتُّحُها عن حال حَبِّها !
فما أجمل ضحكها ! ذلك لأنّه يُظهر من خلال فهما قلبَها ،
...............................................................
( 1 ) يريد بانكسار الجوز تحطم الأجسام من جرّاء ما وقع عليها من القتل .
“ 157 “
كما يظهر اللؤلؤ في صندوق الروح .
720 - وما أقبح ضحك زهرة “ اللاله “ فإن فها يكشف عن سواد قلبها .
إن ضحك الرمان يجعل البستان ضاحكاً ، وصحبة الرجال تجعلك من الرجال .
فإن كنت قطعة من الصخر أو المرمر ، صرت جوهراً لو اتصلت برجل ذي قلب .
فؤشْربْ روحَك حُبّ هؤلاء الطاهرين ، ولا تُسْلم قلبك إلا لحبّ هؤلاء السعداء القلوب .
ولا تمض في طريق اليأس ، ففي الكون آمال ! ولا تتجه نحو الظلمات ، ففي الكون شموس !
725 - إنّ القلب يقودك إلى جادّة أهل القلوب . وأما الجسم فيقودك إلى سجن الماء والطين .
فاجعل غذاء قلبك من ( اتصالك ) بأهل القلوب ، واذهب ، وانشد الإقبال عند أهل الإقبال .
تعظيم نعت المصطفى عليه السلام كان مذكوراً في الإنجيل
إنّ اسم أحمد كان في الإنجيل ، ( وكان نعته ) أن رأس الأنبياء وبحر الصفاء !
كان في الإنجيل ذكرُ المحاسنه وشكله ، وكان فيه ذكر لغزوه وصومه وأكله .
وكانت هناك طائفة من النصاري ، عندما تصل إلى ذلك الاسم وذلك الخطاب ، فإنّها من أجل ثواب اللَّه .
730 - تُقبِّل ذلك الاسم الشريف ، وتضع وجهها على ذلك الوصف اللطيف .
“ 158 “
كان هذا الفريق من النصارى آمناً من الفتنة والخوف أثناء تلك الفتنة التي ذكرناها “ 1 “ .
لقد كانوا آمنين من شرّ الأمراء والوزير ، مستجيرين بالتجائهم إلى اسم أحمد . .
وقد خلف من بعد هؤلاء ذرية كبيرة ، صار نورُ أحمد لها ناصرا ورفيقا .
وأما ذلك الطريق الآخر من النصارى ، فقد كان يستهين باسم أحمد .
735 - فحاق بهؤلاء الهوانُ والذلّ من فتن هذا الوزير ، الذي كان شؤماً في رأيه وتدبيره .
وأصاب الاضطرابُ دينَهم وأحكامهم بما جائتهم به تلك الصحف المعوجة البيان .
إنّ اسم أحمد أفاض مثل ذلك العون ، فكان لنوره مثل تلك الرعاية .
فإذا كان اسم أحمد قد صار حصناً حصيناً ، فكيف تكون ذاتُ هذا الروح الأمين ؟
***
شرح حكاية ملك اليهود الذي كان يقتل النصارى
( 325 ) جوهر الرسالات السماوية واحد . ولقد جاء كل رسول في أحد الأدوار الزمنية ، وحمل إلى البشر رسالة السماء . وما دام الجوهر واحداً فلا ينبغي التفريق بين الرسل .
( 326 ) هذا الملك كان مصاباً بحول عقلي ، جعله يرى الجوهر الواحد جوهرين فيفرق بين الرسل الذين سلكوا جميعاً أقوم السبيل وأهداها .
( 327 - 332 ) كانت هذه القصة معروفة قبل جلال الدين .
وقد ذكر نيكولسون النص التالي من “ أسرار نامة “ للعطار :
يكي شاگرد أحول داشت أستاد * مگر شاگرد را جايي فرستاد
كه ما را يك قرابه روغن آنجاست * بياور زود آن شاگرد برخاست
چو آنجا شد كه گفت أو ديده بگماشت * قرابه چون دو ديد أحول عجب داشت
براستاد آمد گفت أي پير * دو ميبينم قرابه من چه تدبير
زخشم أستاذ گفتش أي بداختر * يكي بشكن دگر يك را بياور
چو أو در ديدن أو شك نميديد * بشد اين يك شكست اين يك نميديد
وترجمة النص كما يلي :
“ كان لأستاذ تلميذ أحول ، فأرسله إلى أحد الأماكن ( قائلًا ) :
“ إن لي زجاجة هناك ، فسارع بإحضارها “ . فقام التمليذ ، وحينما وصل إلى حيث أمره أستاذه ، أرسل الطرف ، فلما رأى الزجاجة اثنتين ، عجب الأحوال ! فذهب إلى أستاذه وقال : “ أيها السيد ! إني أرى زجاجتين ، فما التدبير ؟ “ فقال الأستاذ غاضباً : “ أيها السيء الطالع ! اكسر واحدة وأحضر الأخرى ! “
“ 476 “
فهذا الأحول - إذ لم يشك في إبصاره - كسر إحدى الزجاجتين فلم ير الأخرى ! “ وليس معنى هذا أن جلال الدين اقتبس القصة من “ أسرار نامه “ .
ذلك لأنها كانت من القصص الشعبية التي استخدمها الشعراء ، واستخلصوا العبرة منها ، كل على طريقته . وجلال الدين يستخدمها لينطلق منها إلى الحديث عن الميل مع الهوى الذي وصفه بأنه حول عقلي يعمي عن الحق .
( 333 ) “ الغضب والشهوة يجعلان الرجل أحول “ . هذا القول ينطبق على حقيقة مشهوة هي أن الغضب لا يتيح للإنسان أن يرى الأشياء على حقيقتها . وكذلك الشهوة . فهذان يفعلان بالعقل ما يفعله الحول بالعين .
( 338 ) عبر الشاعر عن مقدرة الوزير على الغش والخداع بأنه كان يستطيع أن يربط في الماء عقداً .
( 340 ) الدين المستقر في القلب لا يمكن أن يُعرف ، وليس كالأفعال الظاهرة يمكن إدراكه ، ومحاسبة الناس عليه .
( 366 ) الغول هو ذلك الكائن الأسطوري الذي ورد في أساطير العرب . وقد صووه بأنه يظهر للناس في الصحراء ويحاول أن يضلهم السبيل ويقودهم إلى التهلكة . والنفس الغول هي النفس التي بأهوائها تقود صاحبها إلى الهلاك بعد أن تخرج به عن سبيل الصدق والاستقامة ، وتذهب به كل مذهب .
( 370 ) يتجلى ذلك في مبالغة بعض الصحابة في التعبد ، واتهام النفس ، بصورة جعلت الرسول يدعوهم إلى التزام الاعتدال ، حتى في النسك والعبادة .
( 373 ) الدجال هو الذي يكون ظهوره - على ما يُروى - من
“ 477 “
علامات اقتراب الساعة . وسوف يحكم أربعين يوماً ثم يقضي عليه المسيح عيسى بن مريم .
يقول الجيلي في كتاب الإنسان الكامل ( ج 2 ، ص 55 ) : “ ومن أمارات الساعة الكبرى خروج الدجال ، وأن تكون له جنة عن يساره ونار عن يمينه . وأنه مكتوب بين عينيه كافر باللَّه ، وأنه يعطش الناس ويجوعون حتى لا يجدوا مأكلا ولا مشربا ، إلا عند هذا الملعون .
وأن كل من آمن به فإنه يسقيه من مائه ويطعمه من طعامه ، ومن أكل من ذلك أو شرب منه لا يفلح أبداً.
وأنه يدخل المؤمن به جنته ، ومن دخل جنته قلبها اللَّه عليه ناراً .
وأنه يدخل من لا يؤمن به ناره ومن دخل ناره قلبها اللَّه عليه جنة . وأن من الناس من يأكل من حشيش الجزر إلى أن يرفع اللَّه عنه هذا الضر .
وأن اللعين لا يزال يدور في أقطار الأرض إلا مكة والمدينة فإنه لا يدخلهما .
وأنه يتوجه إلى بيت المقدس ، فإذا بلغ رملة لدّ وهي قرية قريبة من بيت المقدس ، بينهما مسيرة يوم وليلة ، أنزل اللَّه عيسى عليه السلام على منارة هناك ، وفي يده الحربة ، فإذا رآه اللعين ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فيضربه بالحربة فيقتله “ .
( 374 - 380 ) في هذه الأبيات صورّ الشاعر ضعف الإنسان أمام مغريات الحياة ، وكيف أنها تقوده إلى الوقوع في أحابيل المعاصي .
وهناك قوة الخير تخلصه كل مرة ، ولكنه يعود فيقع من جديد في تلك الشباك .
ويرسم الشاعر بصوره الفنية الوسيلة التي تؤدي إلى سدّ الثغرات التي يتطرق منها الهوى إلى نفس الإنسان .
( 377 ) القمح رمز للأعمال الصالحة التي يعملها الإنسان . فهو يجتهد في الإتيان بهذه الأعمال ويبذل جهده ، ولكنه رغم ذلك لا يجد حصيلة كبيرة ، لأن السيئات تذهب بالحسنات ، فلا يجد له رصيداً كبيراً ، رغم توهمه أنه قد تملك مثل هذا الرصيد .
“ 478 “
( 378 ) الفأر هنا رمز للسيئات ، والقمح رمز للحسنات . فالسيئات تفعل بالحسنات ما يفعله الفأر بالقمح .
( 379 ) منذ وجد الهوى سبيله إلينا ، قضى على ما قدمناه من حسنات “ .
( 380 ) اعملي أيتها النفس على مقاومة الهوى ونزواته ، ثم اجتهدي بعد ذلك في إتيان الحسنات .
( 387 ) قوة اللَّه الخيرة تجعل الإنسان في مأمن مهما أحاطت به خدع الشيطان وفخاخه.
( 388 ) النوم يحرر الروح من سلطان الجسد . والشاعر في الشطر الأول من البيت يشبه الجسد بفخ يمسك بالروح .
أما اقتلاع الألواح الذي ذكره الشاعر في الشطر الثاني من البيت ففي رأيي أنه صورة ثانية لتحرير الروح من سجن الجسد . ففي النوم تقتلع ألواح هذا السجن ، وتنطلق الروح.
فالجسم الذي تجتلى إرادته في الحواس ، يصبح عديم الإرادة حين النوم ، ولا يبقى له سلطان على الروح . فالعين لا لا تبصر والأذن لا تسمع والأنف لا يشم وهكذا .
وطبيعي أن هذا الفهم مرتبط بفهم الأقدمين للأحلام وطبيعتها .
وقد تغيرت مدلولات الحلم بصورة جوهرية بعد أن أعلن فرويد نظرياته في تفسير الأحلام.
وقد ذهب نيكولسون في ترجمته إلى أن الألواح هي العقول الواعية ولست أوافقه على ذلك.
( 392 ) العارفون نائمون عن هذه الدنيا ، فهم - حتى في يقظتهم - منصرفون عنها كأنهم نيام . وهم في ذلك يشبهون أهل الكهف ، الذين ناموا السنين الطوال ، وكانوا يتقلبون في النوم فيبدون أيقاظاً وهم رقود .
( 393 ) العارفون لا يحتاجون إلى النوم ليصرفهم عن أحوال الدنيا ، فهم نائمون عنها بالليل وكذلك بالنهار ، وقد تخلصوا من إرادتهم ،
“ 479 “
واستسلموا لخالقهم استسلاماً كاملًا ، وكأنهم قلم في قبضته .
( 395 ) عامة الخلق لا يغلب حواسهم ، ولا يخلصهم - بعض الوقت - من سيطرتها عليهم ، سوى النوم .
( 397 - 400 ) عند النوم تنطلق الروح من الجسد لكنها تعود إليه عند اليقظة . وهي تفارقه مفارقة كاملة عند الموت . فاللَّه يقبض الأرواح عند النوم ثم يرسلها فتعود إلى أجسادها .
قال تعالى في سورة الزمر :” اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “. ( 39 : 42 ) .
( 401 ) شبّه الأرواح المنطلقة ساعة النوم يجياد ترتعي في مرج واسع ، وقد رُبطت أقدام كل منها بوثاق طويل ، فهي منطلقة ولكنها في ذات الوقت مقيدة . وقد قال طرفة في معلقته بيتاً ينطوي على مثل هذه الصورة عن الإنسان ومصيره المحتوم .لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى * لكالطول المرخى وثنياه باليد.
( 405 ) وكثيرون هم الذين ناموا عن أحوال الدنيا ، فلم يعد لها تأثير عليهم ، ولجأوا إلى كهف روحي عصمهم من الشهوات .
( 406 ) لا يستطيع أحد أن يدرك أحوال هؤلاء العارفين إلا إذا كان شبيهاً بهم . أما من يكون بالنسبة غارقاً فلا الحسّ ، فلا جدوى له من وجود هؤلاء إلى جانبه ، فمثله - بالنسبة للمدركات الروحية - كمن ختم اللَّه على بصره بالنسبة للمدركات الحسيّة .
( 407 - 408 ) اتخذ الشاعر عن قصة ليلى والمجنون مثالًا للعشق الصوفي . فلالحب هو الذي يجعل المجنون ينظر إلى ليلى بكل هذا الإعجاب ، حتى يخرجه حبها عن عقله ، على حين أن هذا لم يحدث لغيره ، لأنه لم يتملكه هذا الحب . وحب المجنون هنا رمز للتنبه الروحي ، أما سؤال الخليفة فدليل على الوقوف عند الحس ومدركاته ، وهذا ما
“ 480 “
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin