“ 480 “
جعله يتساءل عما جعل المجنون يفقد عقله من أجل مثل هذه المرأة التي لم تكن تتميز بجمال ظاهري خاص .
( 410 ) عندما لا تكون الأرواح مستقيقظة للحق ، فإن اليقظة تكون مثل قضبان السجون ، لأنها - حينذاك - تكون يقظة حسية تجلس الإنسان في نطاقها ، وتجعل السبيل مستغلقاً أمام الروح ومدركاتها .
( 417 ) طائر السماء يمثل الوجود الحقيقي ، بينما الظل يمثل الخيال والوهم . فالأبله يسعى جاهداً وراء هذا الخيال حتى تنفد قواه ، ولا يحقق من وراء ذلك شيئاً .
( 422 ) لو أن مرشداً كاملًا رعى هذا الغافل الخالصه من الخيال ، وما يلقيه في نفسه من أوهام .
( 425 ) أشار الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى :” أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً “. ( 25 : 45 - 46 ) .
والشاعر يفسر الظل هنا بأنه صورة أولياء اللَّه . والظل يتبع الشمس ، وكذلك هؤلاء الأولياء ، يتبعون شمس الحقيقة ، وهم الدليل المنبىء عن وجودها كما أن الظل دليل على وجود الشمس .
( 426 ) على الطالب أن يسترشد في سيره بدليل يكون من رجال الحق المخلصين . وهذا الدليل يجب ألا يكون من الآفلين ، بل يكون مستمداً نوره من النور الخالد الذي لا يخبو . وفي البيت إشارة إلى قصة الخليل المروية في القرآن الكريم .” وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ “. ( 6 : 75 - 76 ).
( 428 ) حسام الدين هو حسن حسام الدين تلميذ الشاعر وصديقه .
“ 481 “
وكان جلال الدين يملي عليه المثنوي . وقد أشاد به في المقدمة المنثورة المثنوي ، وكذلك في الأبيات الأولى من كل جزء من المنظومة ما عدا الجزء الأول . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة جلال الدين عام 672 هـ ، وبقي كذلك حتى توفى في عام 683 هـ .
( 429 ) يحذّر الشاعر تلاميذه من الحسد . وقد كان هؤلاء التلاميذ يغارون من أصدقاء جلال الدين وتلاميذه المقربين إليه ، من أمثال شمس الدين التبريزي وحسام الدين . وقيل إنّ شمس الدين قد ذهب ضحية لهذا الحسد .
( 433 ) يقصد هنا جسد الأنبياء والأولياء .
( 434 ) يشير هنا إلى ما أمر به اللَّه إبراهيم وإسماعيل من تطهير الكعبة من الأصنام . والظاهر أنّ الشاعر قد اتخذ من ذلك رمزاً لتطهير القلب من أوثان الهوى والشهوات . وإذا طهر القلب طهر الجسد أيضاً .
فالسجم مستقرّ القلب والروح ، والمنطوي على النور وإن كان سره في التراب .
( 440 ) الإدراك الروحي يقود الإنسان إلى عالم الروح المفعم بأريج المعرفة ، فمن أفقد نفسه مثل هذا الإدراك فلا سبيل له إلى تلك الديار .
( 442 ) من وهب المعرفة الروحية ثم لم يقم بالشكر عليها ، فهو فاقد للحواس ، غير أهل لتلقي مثل هذه المعرفة .
( 443 ) الشاكرون ، هم رجال اللَّه المقدّرون لنعمة المعرفة الروحية الشاكرون ربهم على تلقيها .
( 463 - 499 ) الأقوال المذكورة في هذه الأبيات تتناول مبادئ عامة عن الإنسان وموقفه من الخالق .
وكلها مبادئ متناقصة تمثل إتجاهات ومواقف مختلفة . وقد نسبها الشاعر إلى الوزير المخادع الذي علمّ كل فريقّ من النصارى مبدأ يناقض ما علمّه للفريق الآخر ، ليوقع الفتنة بين أتباع المسيح . وقد ذكر نيكولسون في التعليق على هذه الأبيات أنها تنضمن آراء إسلامية ، وإن كان لا يستبعد أنّ هذه الآراء تأثرت في أوائل عهدها بالمسيحية فكراً وعملًا . ولست أرى أنّ هذه
“ 482 “
الآراء قابلة لأن تنسب إلى الإسلام دون المسيحية ، فكلها مبادئ عامة في السلوك الإنساني وموقف الإنسان من اللَّه ، وليست ذات طابع مذهبي محدد .
[ شرح من بيت 450 إلى 600]
( 465 ) الرياضة هي مقاومة الإنسان لغرائزه ورغباته . والجوع إحدى الرياضات . وقد جعله الوزير - في أحد منشوراته - شرطاً للتوبة والرجوع إلى اللَّه .
( 467 ) قوله : “ إن جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك “ ، يراد به أن كل عمل من أعمال العبادة يشعر الإنسان بوجوده الذاتي في مواجهة خالقه ، لا يعدو أن يكون من قبيل الشرك .
( 470 - 471 ) يعبرّ الشاعر في هذين البيتين عن فكرة الجبر وأن كل أعمال العباد مفروضة عليهم . وليست أوامر اللَّه ونواهيه ممكنة الاتباع وإنما هي لبيان عجز الناس أمام اللَّه .
( 472 - 473 ) في هذه البيتين إثبات لقدرة الإنسان على خلق أعماله ودعوة له إلى اعتبار هذه القدرة نعمة وهبها الخالق للإنسان .
( 474 ) لا تنظر إلى ذاتك ، ولا إلى قدرتك وعجزك ، وعليك ألا ترى شيئاً سوى الخالق . وكل ما اتسع له بصرك بعد ذلك فهو وثن .
( 475 ) انظر إلى ما حولك ، ولا تغفل عما يحيط بك . فالبصر هو الذي ينير لك السبيل للتأمل الباطني .
( 477 - 479 ) في هذه الأبيات دعوة إلى الانصراف عن الدنيا .
فكل من تخلى عما حوله من المرئيات ونام عنها ، وهبه اللَّه نور الباطن الذي يجعله ينعم بآلاف المشاهد الروحية . ومع هذا ، تقبل عليه الدنيا ، لأنها كالمرأة المحبوبة تقلع عن دلالها ، وتسعى إلى حبيبها ، حينما تلمس فيه الصبر على هجرانها .
( 480 - 481 ) في هذين البيتين دعوة إلى أن ينطلق الإنسان على طبيعة ، يلذّ بما يجد مذاقه سائغاً ، ولا يقاوم رغبات نفسه .
“ 483 “
( 482 ) يتضمن هذا البيت دعوة إلى مقاومة النفس وميلها ، فهو على نقيض البيتين السابقين .
( 485 - 487 ) في هذا الأبيات دعوة إلى حياة القلب والروح وإلى نبذ حياة المادة والحس . فحياة القلب هي الحياة الحقيقة وأما حياة الحس فلا حاصل لها ولا ثمرة .
( 490 - 492 ) دعوة إلى اتخاذ مرشد يكون وسيلة إلى الهداية وعاصماً من الزلل . وتعزو هذه الأبيات ضلال الأمم إلى أنها اتبعت هواها ، ولم تستعن في سلوكها بالمرشدين من أهل السداد والكمال .
( 493 - 494 ) على النقيض من الأبيات السابقة دعا الوزير في هذين البيتين إلى نبذ المرشد والاعتماد على النفس اعتماداً كلياً .
( 495 ) في هذا البيت تعبير عن مذهب وحدة الوجود . فكل ما في الوجود يرمز إلى كل واحد وإلى حقيقة واحدة .
( 496 ) يسخر الوزير في هذا البيت من فكرة وحدة الوجود ، على عكس ما فعل في البيت السابق ، إذ جعلها أساساً لإحدى دعاويه .
( 500 - 501 ) يربط الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء “ 1 “ بين عيسى في صباه وبين صناعة الصباغة . يقول : “ قال عطاء : سلمت مريم عيسى - بعد أن أخرجته من الكتّاب - إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلي الصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه ، فاجتمع عنده ثياب مختلفات ، فعرض للرجل سفر ، فقال لعيسى . إنك قد تعلمت هذه الحرفة ، وأنا خارج في سفر ، لا أرجع إلى عشرة أيام .
وهذه ثياب مختلفات الألوان . وقد علمت كل واحد منها على اللون الذي يصبغ به فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي . ثم خرج فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً على لون واحد . وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال
...............................................................
( 1 ) طبعة القاهرة ( مكتبة الجمهورية المصرية ) ، ص 439 ، 440 .
“ 484 “
لها : “ كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك “ فقدم الصباغ والثياب كلها في جب واحد . فقال : “ يا عيسى ! ما فعلت ؟ “ قال : فرغت منها .
قال : أين هي ؟ قال : في الجب . فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : كيف تكون كلها في جب واحد ؟ لقد أفسدت الثياب . قال : قم فانظر ، فقام فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها . فجعل الصباغ يتعجب ، وعلم أن ذلك من اللَّه عز وجل “ .
وليس مفهوم هذه المعجزة المنسوبة إلى عيسى بمنطبق على بيتي جلال الدين .
ولكنّ جبّ الصباغة الذي استخدمه المسيح - كما تذكر هذه المعجزة - وعاء عجيب ، والشاعر متفق مع القصة في ذلك .
وهذان البيتان يعبران بطريقة رمزية عن رسالة عيسى المبنية على المحبة ، والتي عبرت عن جوهر قد تختلف صوره بين عيسى وغيره الرسل ، ولكنه يظل واحداً عند من يتجاوزون الصور الظاهرية إلى الجوهر الحقيقي . ورسالة عيسى إنما هي محاولة لتوحيد البشيرية في ظل عقيدة واحدة تطبعهم بطابع جوهري واحد ، مهما اختلفت أصولهم وأجناسهم .
( 503 - 504 ) السمك لا يمل اللون الواحد أو اللالون الذي يعيش به وكذلك الصوفية ، لا تلفت أنظارهم تلك الألوان العديدة التي تحفل بها الحياة المادية ، بل يفرون إلى عالم الروح ، عالم الوحدة اللونية ، فهو الذي يجمع الحقائق التي تجردت من الظاهر المادي ، والصورة اللونية .
وفرارهم من المادة إلى عالمهم كفرار السمك من اليابسة إلى اليّم .
( 505 ) ذكر القرآن الكريم في مواضع عدة أنّ كل شيء يسبح بمحمد اللَّه ، ومن ذلك قوله تعالى :” تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً “. ( 17 : 44 ) ، وغير ذلك كثير .
( 517 ) يقول الشاعر إنّ ثناه على الخالق - على تلك الصورة -
“ 485 “
خطأ ، لأنّه يدل على إحساسه بوجود ذاتيّ له ، إلى جانب وجود الخالق ، مع أنّ الأولى هو أن تكون ذاته فانية في ذات الخالق ، فلا يبقى هناك عابد ومعبود ، بل محبّ فني في ذات المحبوب .
( 519 ) يعزو الشاعر جمود العالم الماديّ إلى غفلته عن الخالق . ولو أنّه أبصر الخالق وعرفه لما بقي له وجود منفصل عنه .
( 525 ) العالم الماديّ سجن الروح . أما العالم الروحيّ فهو عالم رحب لا يقاس به هذا العالم الماديّ مهما بدا لنا كبيراً فسيح الجنبات .
( 527 - 529 ) يذكر الشاعر هنا معجزات الأنبياء كدليل على قدرة اللَّه ، تلك التي لا تقارن بها قدرة إنسان مهما عظم . فقدرة اللَّه جعلت عصا واحدة بيد موسى تتغلّب على كل رماح فرعون . وجعلت نَفَسَ المسيح يبرئ ما يعجز عنه طبّ جالينوس . وجعلت محمداً يعجز العرب بالقرآن الذي أنزل عليه مع أنهم كانوا أهل الفصاحة وأساطين البيان .
( 537 ) يتحدّث الشاعر هنا عن الصراع بين الروح والجسم . الروح تميل إلى الصعود والتسامي على حين أنّ الجسم يميل إلى الهبوط إلى عالم المادة ، عالم الماء والطين ، وما يرتبط به من متع حسيّة .
( 538 ) إنّ من انطوى كيانه على تلك الروح - ومع ذلك غفل عنها ، ومال إلى ما هو دونها من المادة - قد هبط بنفسه من مقامه العالي ، مقامه الروحي الذي هو فوق وهم العقول إلي مقام ماديّ متواضع ، فإنّه بذلك قد مسخ نفسه .
( 541 ) آدم الذي خلقه اللَّه على صورته ، وعلمّه الأسماء كلها ، وأمر الملائكة بالسجود له لا ينبغي أنْ يكون أبناؤه على هذا المستوى من الحطّة فيما يتلعق بمقام الروح.
( 542 - 543 ) يسخر الشاعر من غرور الإنسان وتجبّره وطغيانه .
فهذا طاغية يتولاه الكبر والغرور ، فتسول له نفسه أنّه قادر على
“ 486 “
امتلاك الدنيا وبسط سلطانه عليها . وإنّ لفتة واحدة من الخالق تقضي على كل هذا السلطان ، وما ارتبط به من طغيان .
ومهما ساد هذا الطغيان ، وملأ الدنيا ، فليس يعدو أن يكون كالثلج الذي يغطيّها في فصل الشتاء ، فتجيء الشمس ، وبلفحة واحدة منها تبدّده وتقضي عليه ، وعلى كل ما اقترن به من برد واكتئاب .
( 547 ) عندما حطمّ إبراهيم الأصنام ، ألقي في النار بأمر النمرود ، ولكنّ اللَّه حفظه وجعل النار عليه برداً وسلاماً . قال تعالى :” قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ . قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ “( 21 : 68 ، 69 ) .
( 548 ) الصوفيّ لا يرى في الوجود فاعلًا سوى اللَّه . أما الأسباب والوسائل التي تقترن بحدوث الأشياء فهي ما تطلبه عقول الناس في هذه الدنيا . فإذا ما انعدمت الأسباب ، وحدثت الأمور من غير أنْ تكون مقترنة بها ، فإنّ العقل تتولاه الحيرة ، وإذ ذاك يمعن في الخيال ، باحثاً عن الأسباب ، ملتمساً الدواعي والمبررات فترد عليه ألوان مختلفة من التفسيرات ، كلها متضاربة غير مقنعة ، ويصل الإنسان - من جراء ذلك - إلى موقف يشبه موقف السوفسطائية ، الذين عُرفوا بأنّهم لم يكونوا يتحققون من شيء .
( 566 ) لا تستسلموا إلى حواسكم الدنيوية وملذاتها . تخلّصوا من هذه الأحاسيس ، التي تصرفكم عن التأمل الباطني ، وتشكلّ حجاباً كثيفاً أمام أرواحكم .
( 569 ) ما دمتَ غارقاً في أمور هذه الدنيا ، مشغولًا بخطوبها ، فكيف يتسنّى لك أنْ تلمّ بلمحة من عالم الروح ، ذلك الذي لا ينكشف إلا لمن نام عن هذه الدنيا ، وصرف حواسه وقلبه عن التعلق بها .
( 571 ) من المعجزات المنسوبة إلى المسيح أنّه مشى على الماء .
“ 487 “
( 572 - 573 ) يذكر جلال الدين البحر في مواضع كثيرة من شعره ويتخذ منه رمزاً لعالم الروح . فالبحر عنده مظهر للوحدة الصورية واللونية ، يظهر للعين متشابهاً ، لا أول له ولا آخر . وغموضه شبيه بالغموض الذي يكتنف عالم الروح ، على حين أن اليابسة تمتاز بتعدد الألوان والأشكال ، فيها السهل والجبلّ ، والصحراء ، والخضرة والجفاف . فهي عالم الصور المتعدّدة ، والمظاهر الماديّة المتنوعة . وهي على عكس عالم الروح الذي تسوده البساطة ، النابعة من الوحدة .
( 574 ) ماء الحياة ، هو الماء الأسطوري الذي قيل إنّ الإنسان لو شرب منه لتحقّق له الخلود . وقد اقترن ذكره بالخضر ، الذي يقال إنّه شرب من ماء الحياة فتحقّق له الخلود . وهذا الماء قد اقترن بالقصص الأسطورية التي نُسجت حول شخصية الإسكندر المقدوني . فقد ذكر في هذه القصص أن الإسكندر هلك وهو يبحث عن ماء الحياة .
وقد ذكر ماء الحياة كثيراً في الشعر الفارسي الصوفيّ . يقول سعدي :زكار بسته مينديش ودل شكسته مدار * كه آب چشمهء حيوان دورن تاريكست .( لا تفكر في الأمر العصيّ ولا تكن كسير القلب ، فإنّ ماء نبع الحياة في داخل الظلمات ) . ( الگلستان ، القصة 17 من الباب الأول . ص 32 ، طبعة نفيسي ، طهران ، 1341 ) .
فالوزير هنا يقول لأتباعه : إنّ من قضى عمره متعلّقاً بهذه الأرض ، مفتتناً بها ، لا يتسنى له أنْ يجد السبيل إلى ماء الحياة . فلا بدّ لذلك من السعي والبذل والعناء .
[ شرح من بيت 600 إلى 750 ]
( 603 ) بيّن نيكولسون في تعليقه على هذا البيت كيف أنّ جلال الدين كان يرى هذا النوع من الأعلام في الإمارة السلجوقية التي كان يعيش فيها . فالأمير غياث الدين بن علاء الدين السلجوقى ( 634 - 634645 - 634645 - 645 هـ )
حينما تزوج بابنة ملك جورجيا ، ضرب نقوداً فضية
“ 488 “
تحمل صورة أسد تعلوه الشمس . وقد نقل نيكولسون أيضاً نصوصاً تاريخية تثبت أنّ أعلام هذا الأمير كانت تحمل صورة الأسد . ( انظر الجزء الأول من تعليقاته على المثنوي ، ص 56 ) .
( 606 ) اللَّه هو الموجود الحقيقي الأوحد . ولقد خلق كل شيء من العدم . العدم غدا ملتذاً بالوجود بعد أن أصبح عاشقاً للخالق الموجد . ويرتبط بهذا فكرة الصوفية عن المحبة الإلهية . فالإنسان الذي تحقق له الوجود البشري ، يُفني هذا الوجود في ذات الخالق ليتحقّق له الخلود . إن العدم ينقلب إلى وجود بقوة الخالق . والفناء في الخالق هو سبيل الخلود . وكل شيء منه وإليه .
( 610 - 611 ) إنّ لطف اللَّه هو الذي جاء بالخلق من عالم الإمكان إلى عالم الوجود . فليس للإنسان اختيار في وجوده ، وإنما لطف اللَّه هو الذي يهب هذا الوجود . والإنسان يتلقى وجوده على الوجه الذي يريده الخالق ، ولا حيلة للإنسان في ذلك ، فهو كالصورة بين يدي المصور ، أو كالطفل في الرحم .
( 616 - 625 ) يعود الشاعر هنا إلى حديث الجبر والاختيار . وهو يؤمن بالموقف الوسط بين الجبر والاختيار . ويُعتبر أبو الحسن الأشعري أول من نادى بهذا الرأي . كان هذا في أوائل القرن الرابع الهجري بعد أنْ طال الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة . يقول المعتزلة بأنّ الإنسان خالق أفعاله وموجدها .
أما أهل السنة فيقولون إنّ اللَّه وحده هو خالق كل شيء ولا يد لإنسان في إيجاد عمل من الأعمال .
ويقف الأشعريّ موقفه الوسط بأن يقول إن اللَّه يخلق الأعمال ويوجدها حين يريدها الإنسان.
فالإرادة الإنسانية الحرة يقترن بها خلق اللَّه للأفعال وإيجادها ويسوق جلال الدين الأدلة على ذلك .
ففي غروة بدر كان اللَّه هو الذي رمى الكفار وليس الرسول والمؤمنون .
وذلّ الإنسان وخضوعه لرّبه هو دليل الجبر ، ولكنّ الخجل من الآثام هو دليل الاختيار . ومن أدلة الاختيار زجر الأساتذة
“ 489 “
للتلاميذ ، وذلك ليحسن اختيارهم لأعمالهم ، وكذلك انصراف خاطر الإنسان عن رأي يكون قد عقد العزم عليه . وإذا مرض الإنسان استيقظ ضميره ، فيتجلىّ له قبح الإثم ويزمع العودة إلى الطريق السويّ .
( 635 - 636 ) هنا يسخر الشاعر من نفاق البشر . فالمرء إذا عمل عملًا يعجبه ويعتزّ به باهى بمقدرته ، وفاخر بما اقتدر على إنجازه .
لكنّه إذا أتى أمراً نكرا نسب ذلك إلى ربه، واعتذر عن إتيانه بأنّ هذا هو ما أراده له اللَّه.
( 637 ) الأنبياء بزهدهم في هذه الدنيا وانصرافهم عنها ، كأنهّم مجبرون على الإقامة فيها ، هكذا أراد لهم ربهم ، لأداء رسالتهم .
أما الكفار فمجبرون فيما يتعلق بأمور الآخرة . فاختيارهم إنما هو للدنيا ومتاعها ، أما الآخرة وحسابها فمفروضة عليهم ، ولو تركوا واختيارهم لا ختاروا الخلود في الدنيا .
( 674 - 675 ) “ من نظر إلى جوهر الرسالات السماوية وجد أنّها واحدة ، فليس من موجب للتفريق بين رسل اللَّه ، فهم حملة رسالة جوهرها واحد ، وإرادتهم هي إرادة اللَّه . وعلى هذا الأساس يرى الصوفية ألا موجب للتفريق بين اللَّه وبين الرسل . فالرسل بإرادتهم قد فنوا في الخالق وتلاشى وجودهم في وجوده . فمن فرق بين اللَّه ورسله يكون قد جرى على مقتضى الصورة الظاهرة ، لا على مقتضى الحقيقة ، فهو من أتباع الشكل لا الجوهر .
فلا جلاال في أن الرسول يختلف عن الخالق من حيث الصورة ، فالفاني ليس كالأزلي ، لكن رسالة الرسول هي بذاتها رسالة إلهية ، وهي باقية باللَّه “ .
ويستند الصوفية في ذلك إلى آيات ، منها :” إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ “.
( 48 : 10 ) ،” وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى “. ( 8 : 17 ) ،” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ “. ( 4 : 80 ) .
( 676 - 681 ) قدم الشاعر صوراً توضيحية لوحدة الرسل . فالإنسان
“ 490 “
يبصر بنور العينين . ولكن نور كل عين لا يتميز عن نور الأخرى ساعة الإبصار . والمكان قد يضاء بعشرة مصابيح تختلف في صورها الظاهرية .
لكنه لا يمكن تمييز النور المنبعث من كل من هذه المصابيح . وثمار السفرجل إذا عصرت تحولت كلها إلى طبيعة واحدة متشابهة ، بعد أن كانت ثماراً تختلف في صورها . وفي هذا التوحد والانسجام لا يمكن أن يتميز ماء ثمرة عن ماء الأخرى .
( 682 - 683 ) يشير الشاعر في هذين البيتين إلى تشبث أكثر الناس بما يقع تحت حسهم ، وعجز أكثرهم عن التجريد ، والنظر إلى ما وراء الصور الظاهرة .
( 686 - 687 ) لعل في هذين البيتين إشارة إلى نظرية الفيض المعروفة عند الصوفية . فقبل أن تفيض الكثرة عن الواحد ، كان الناس في عالم الروح متحدين ، ولم تكن الأرواح قد حلّت في الأجساد ، واتخذت تلك الصور البشرية . كان الناس جوهراً واحداً كالشمس ، وكانوا متجانسين في صفاء كالماء . وقد ذكر جلال الدين في موضع آخر من المثنوي أنّ روح المؤمنين واحد ، وأنه في إشراقه على الأبدان كالشمس إذ تشرق على المنازل . ففي كل منزل قدر من ضوء الشمس ولكن إذا هُدمت الجدران التي تقصلها فإنّ أضواء هذه المنازل تتحد معاً . وهكذا الأجساد البشرية ، فهي حينما تتحطم ، تصبح أرواح المؤمنين روحاً واحداً “ 1 “ .
أما تشبيه عالم الروح بالماء أو بالبحر فكثير الورود في المثنوي وذلك لما في الماء من تجانس واتحاد في المظهر ، ولما في البحر من اتساع وعمق وغموض .
( 690 ) لا يريد الشاعر أن يفيض في شرح آرائه الصوفية ويطيل الحديث عن عالم الروح خشية أن يستمع إلى ذلك من لا يكون ذا مقدرة على فهمه ، فتكون النتيجة على غير ما يُراد . وهذا اتجاه يكاد يكون عاماً عند مفكري الصوفية .
...............................................................
( 1 ) المثنوي ، ج 4 ، 415 - 418 .
“ 491 “
( 691 ) إنّ الفكر الصوفي العميق يفهم على غير وجهه حينما لا يكون عند متلقيه الاستعداد املائم . وقد تؤدي إساءة الفهم إلى القضاء على العقيدة .
( 706 - 710 ) تحطيم الجوز رمز للقضاء على الجسد ، فالأجساد التي تضم أرواح الطاهرين هي كالجوز الذي يكون ذا لبّ . والموت يزيح القشر عن هذا اللب . أما الأجساد التي تضم أرواحاً خبيثة ، فلا جدوى لخلاص تلك الأرواح منها . بل إن ذلك يكشف حقيقها ، ويقودها إلى مصيرها .
( 712 - 713 ) تشبيهُ للروح الخالية من المعنى بسيف خشبي في الغمد .
فما دام هذا السيف في غمده فحقيقته مستورة ، فإذا خرج من غمده تكشفت هذه الحقيقة . وهكذا الروح الخبيث ، تتجلى حقيقته بعد مفارقة الجسد .
( 714 ) الاستعداد لما بعد الموت كالاستعداد للذهاب إلى الميدان .
فالمرء لا يستطيع أن يسعى إلى الميدان حاملًا سيفاً خشبياً . وكذلك الحال بالنسبة ليوم الحساب . على المرء أن يستعد له فيلقى ربه بروح طاهر تحلى بمقومات الكمال . أما من يلاقي ربه بروح خاوٍ من المعنى فهو كمن يحمل سيفاً خشبياً إلى ميدان القتال .
( 716 - 726 ) يتحدث الشاعر هنا عن الأولياء المرشدين . ويبيّن أهمية الاتصال بهم واتخادهم قدوة لسلوك أقوم السبل .
( 718 ) إن اخترت مرشداً ، فليكن واضح الإيمان سليم العقيدة ، يتجلى في أقواله نقاء قلبه وصدق سريرته .
( 720 ) زهرة اللاله ( شقائق النعمان ) المتفتحة سوداء الباطن .
فتفتحها يكشف عن باطنها . وهكذا المنافق يكون انطلاقه على سجيته هو السبيل إلى إدراك كنهه واكتشاف سريرته .
( 721 ) إن اجتماع المؤمنين الذين ازدهرت قلوبهم بالحقيقة يضفي البهجة على المكان والزمان .
“ 492 “
( 725 ) القلب هو الذي يقود صاحبه إلى هؤلاء المرشدين . فعليه أن يتبع قلبه ، ويغذيه بصحبتهم كما أن عليه أن يقاوم جسده الذي يسعى للهبوط به حتى يجعله أسيراً لسجن المادة ، وما يرتبط بها من نزعات وشهوات .
( 727 ) من المعروف - عند المسلمين - أن الكتب السماوية السابقة على الإسلام بشرت بمحمد ، وأخبرت عن رسالته . ويذكر ذلك القرآن الكريم . قال تعالى :” وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ “. ( 61 : 6 ) .
.
جعله يتساءل عما جعل المجنون يفقد عقله من أجل مثل هذه المرأة التي لم تكن تتميز بجمال ظاهري خاص .
( 410 ) عندما لا تكون الأرواح مستقيقظة للحق ، فإن اليقظة تكون مثل قضبان السجون ، لأنها - حينذاك - تكون يقظة حسية تجلس الإنسان في نطاقها ، وتجعل السبيل مستغلقاً أمام الروح ومدركاتها .
( 417 ) طائر السماء يمثل الوجود الحقيقي ، بينما الظل يمثل الخيال والوهم . فالأبله يسعى جاهداً وراء هذا الخيال حتى تنفد قواه ، ولا يحقق من وراء ذلك شيئاً .
( 422 ) لو أن مرشداً كاملًا رعى هذا الغافل الخالصه من الخيال ، وما يلقيه في نفسه من أوهام .
( 425 ) أشار الشاعر في هذا البيت إلى قوله تعالى :” أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا . ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً “. ( 25 : 45 - 46 ) .
والشاعر يفسر الظل هنا بأنه صورة أولياء اللَّه . والظل يتبع الشمس ، وكذلك هؤلاء الأولياء ، يتبعون شمس الحقيقة ، وهم الدليل المنبىء عن وجودها كما أن الظل دليل على وجود الشمس .
( 426 ) على الطالب أن يسترشد في سيره بدليل يكون من رجال الحق المخلصين . وهذا الدليل يجب ألا يكون من الآفلين ، بل يكون مستمداً نوره من النور الخالد الذي لا يخبو . وفي البيت إشارة إلى قصة الخليل المروية في القرآن الكريم .” وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ “. ( 6 : 75 - 76 ).
( 428 ) حسام الدين هو حسن حسام الدين تلميذ الشاعر وصديقه .
“ 481 “
وكان جلال الدين يملي عليه المثنوي . وقد أشاد به في المقدمة المنثورة المثنوي ، وكذلك في الأبيات الأولى من كل جزء من المنظومة ما عدا الجزء الأول . وقد أصبح حسام الدين شيخاً للطريقة المولوية بعد وفاة جلال الدين عام 672 هـ ، وبقي كذلك حتى توفى في عام 683 هـ .
( 429 ) يحذّر الشاعر تلاميذه من الحسد . وقد كان هؤلاء التلاميذ يغارون من أصدقاء جلال الدين وتلاميذه المقربين إليه ، من أمثال شمس الدين التبريزي وحسام الدين . وقيل إنّ شمس الدين قد ذهب ضحية لهذا الحسد .
( 433 ) يقصد هنا جسد الأنبياء والأولياء .
( 434 ) يشير هنا إلى ما أمر به اللَّه إبراهيم وإسماعيل من تطهير الكعبة من الأصنام . والظاهر أنّ الشاعر قد اتخذ من ذلك رمزاً لتطهير القلب من أوثان الهوى والشهوات . وإذا طهر القلب طهر الجسد أيضاً .
فالسجم مستقرّ القلب والروح ، والمنطوي على النور وإن كان سره في التراب .
( 440 ) الإدراك الروحي يقود الإنسان إلى عالم الروح المفعم بأريج المعرفة ، فمن أفقد نفسه مثل هذا الإدراك فلا سبيل له إلى تلك الديار .
( 442 ) من وهب المعرفة الروحية ثم لم يقم بالشكر عليها ، فهو فاقد للحواس ، غير أهل لتلقي مثل هذه المعرفة .
( 443 ) الشاكرون ، هم رجال اللَّه المقدّرون لنعمة المعرفة الروحية الشاكرون ربهم على تلقيها .
( 463 - 499 ) الأقوال المذكورة في هذه الأبيات تتناول مبادئ عامة عن الإنسان وموقفه من الخالق .
وكلها مبادئ متناقصة تمثل إتجاهات ومواقف مختلفة . وقد نسبها الشاعر إلى الوزير المخادع الذي علمّ كل فريقّ من النصارى مبدأ يناقض ما علمّه للفريق الآخر ، ليوقع الفتنة بين أتباع المسيح . وقد ذكر نيكولسون في التعليق على هذه الأبيات أنها تنضمن آراء إسلامية ، وإن كان لا يستبعد أنّ هذه الآراء تأثرت في أوائل عهدها بالمسيحية فكراً وعملًا . ولست أرى أنّ هذه
“ 482 “
الآراء قابلة لأن تنسب إلى الإسلام دون المسيحية ، فكلها مبادئ عامة في السلوك الإنساني وموقف الإنسان من اللَّه ، وليست ذات طابع مذهبي محدد .
[ شرح من بيت 450 إلى 600]
( 465 ) الرياضة هي مقاومة الإنسان لغرائزه ورغباته . والجوع إحدى الرياضات . وقد جعله الوزير - في أحد منشوراته - شرطاً للتوبة والرجوع إلى اللَّه .
( 467 ) قوله : “ إن جوعك وجودك إشراك منك بمعبودك “ ، يراد به أن كل عمل من أعمال العبادة يشعر الإنسان بوجوده الذاتي في مواجهة خالقه ، لا يعدو أن يكون من قبيل الشرك .
( 470 - 471 ) يعبرّ الشاعر في هذين البيتين عن فكرة الجبر وأن كل أعمال العباد مفروضة عليهم . وليست أوامر اللَّه ونواهيه ممكنة الاتباع وإنما هي لبيان عجز الناس أمام اللَّه .
( 472 - 473 ) في هذه البيتين إثبات لقدرة الإنسان على خلق أعماله ودعوة له إلى اعتبار هذه القدرة نعمة وهبها الخالق للإنسان .
( 474 ) لا تنظر إلى ذاتك ، ولا إلى قدرتك وعجزك ، وعليك ألا ترى شيئاً سوى الخالق . وكل ما اتسع له بصرك بعد ذلك فهو وثن .
( 475 ) انظر إلى ما حولك ، ولا تغفل عما يحيط بك . فالبصر هو الذي ينير لك السبيل للتأمل الباطني .
( 477 - 479 ) في هذه الأبيات دعوة إلى الانصراف عن الدنيا .
فكل من تخلى عما حوله من المرئيات ونام عنها ، وهبه اللَّه نور الباطن الذي يجعله ينعم بآلاف المشاهد الروحية . ومع هذا ، تقبل عليه الدنيا ، لأنها كالمرأة المحبوبة تقلع عن دلالها ، وتسعى إلى حبيبها ، حينما تلمس فيه الصبر على هجرانها .
( 480 - 481 ) في هذين البيتين دعوة إلى أن ينطلق الإنسان على طبيعة ، يلذّ بما يجد مذاقه سائغاً ، ولا يقاوم رغبات نفسه .
“ 483 “
( 482 ) يتضمن هذا البيت دعوة إلى مقاومة النفس وميلها ، فهو على نقيض البيتين السابقين .
( 485 - 487 ) في هذا الأبيات دعوة إلى حياة القلب والروح وإلى نبذ حياة المادة والحس . فحياة القلب هي الحياة الحقيقة وأما حياة الحس فلا حاصل لها ولا ثمرة .
( 490 - 492 ) دعوة إلى اتخاذ مرشد يكون وسيلة إلى الهداية وعاصماً من الزلل . وتعزو هذه الأبيات ضلال الأمم إلى أنها اتبعت هواها ، ولم تستعن في سلوكها بالمرشدين من أهل السداد والكمال .
( 493 - 494 ) على النقيض من الأبيات السابقة دعا الوزير في هذين البيتين إلى نبذ المرشد والاعتماد على النفس اعتماداً كلياً .
( 495 ) في هذا البيت تعبير عن مذهب وحدة الوجود . فكل ما في الوجود يرمز إلى كل واحد وإلى حقيقة واحدة .
( 496 ) يسخر الوزير في هذا البيت من فكرة وحدة الوجود ، على عكس ما فعل في البيت السابق ، إذ جعلها أساساً لإحدى دعاويه .
( 500 - 501 ) يربط الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء “ 1 “ بين عيسى في صباه وبين صناعة الصباغة . يقول : “ قال عطاء : سلمت مريم عيسى - بعد أن أخرجته من الكتّاب - إلى أعمال شتى ، فكان آخر ما دفعته إلي الصباغين ، فدفعته إلى رئيسهم ليتعلم منه ، فاجتمع عنده ثياب مختلفات ، فعرض للرجل سفر ، فقال لعيسى . إنك قد تعلمت هذه الحرفة ، وأنا خارج في سفر ، لا أرجع إلى عشرة أيام .
وهذه ثياب مختلفات الألوان . وقد علمت كل واحد منها على اللون الذي يصبغ به فأحب أن تكون فارغاً منها وقت قدومي . ثم خرج فطبخ عيسى عليه السلام جباً واحداً على لون واحد . وأدخل فيه جميع الثياب ، وقال
...............................................................
( 1 ) طبعة القاهرة ( مكتبة الجمهورية المصرية ) ، ص 439 ، 440 .
“ 484 “
لها : “ كوني بإذن اللَّه على ما أريد منك “ فقدم الصباغ والثياب كلها في جب واحد . فقال : “ يا عيسى ! ما فعلت ؟ “ قال : فرغت منها .
قال : أين هي ؟ قال : في الجب . فقال : كلها ؟ قال : نعم . قال : كيف تكون كلها في جب واحد ؟ لقد أفسدت الثياب . قال : قم فانظر ، فقام فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها . فجعل الصباغ يتعجب ، وعلم أن ذلك من اللَّه عز وجل “ .
وليس مفهوم هذه المعجزة المنسوبة إلى عيسى بمنطبق على بيتي جلال الدين .
ولكنّ جبّ الصباغة الذي استخدمه المسيح - كما تذكر هذه المعجزة - وعاء عجيب ، والشاعر متفق مع القصة في ذلك .
وهذان البيتان يعبران بطريقة رمزية عن رسالة عيسى المبنية على المحبة ، والتي عبرت عن جوهر قد تختلف صوره بين عيسى وغيره الرسل ، ولكنه يظل واحداً عند من يتجاوزون الصور الظاهرية إلى الجوهر الحقيقي . ورسالة عيسى إنما هي محاولة لتوحيد البشيرية في ظل عقيدة واحدة تطبعهم بطابع جوهري واحد ، مهما اختلفت أصولهم وأجناسهم .
( 503 - 504 ) السمك لا يمل اللون الواحد أو اللالون الذي يعيش به وكذلك الصوفية ، لا تلفت أنظارهم تلك الألوان العديدة التي تحفل بها الحياة المادية ، بل يفرون إلى عالم الروح ، عالم الوحدة اللونية ، فهو الذي يجمع الحقائق التي تجردت من الظاهر المادي ، والصورة اللونية .
وفرارهم من المادة إلى عالمهم كفرار السمك من اليابسة إلى اليّم .
( 505 ) ذكر القرآن الكريم في مواضع عدة أنّ كل شيء يسبح بمحمد اللَّه ، ومن ذلك قوله تعالى :” تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً “. ( 17 : 44 ) ، وغير ذلك كثير .
( 517 ) يقول الشاعر إنّ ثناه على الخالق - على تلك الصورة -
“ 485 “
خطأ ، لأنّه يدل على إحساسه بوجود ذاتيّ له ، إلى جانب وجود الخالق ، مع أنّ الأولى هو أن تكون ذاته فانية في ذات الخالق ، فلا يبقى هناك عابد ومعبود ، بل محبّ فني في ذات المحبوب .
( 519 ) يعزو الشاعر جمود العالم الماديّ إلى غفلته عن الخالق . ولو أنّه أبصر الخالق وعرفه لما بقي له وجود منفصل عنه .
( 525 ) العالم الماديّ سجن الروح . أما العالم الروحيّ فهو عالم رحب لا يقاس به هذا العالم الماديّ مهما بدا لنا كبيراً فسيح الجنبات .
( 527 - 529 ) يذكر الشاعر هنا معجزات الأنبياء كدليل على قدرة اللَّه ، تلك التي لا تقارن بها قدرة إنسان مهما عظم . فقدرة اللَّه جعلت عصا واحدة بيد موسى تتغلّب على كل رماح فرعون . وجعلت نَفَسَ المسيح يبرئ ما يعجز عنه طبّ جالينوس . وجعلت محمداً يعجز العرب بالقرآن الذي أنزل عليه مع أنهم كانوا أهل الفصاحة وأساطين البيان .
( 537 ) يتحدّث الشاعر هنا عن الصراع بين الروح والجسم . الروح تميل إلى الصعود والتسامي على حين أنّ الجسم يميل إلى الهبوط إلى عالم المادة ، عالم الماء والطين ، وما يرتبط به من متع حسيّة .
( 538 ) إنّ من انطوى كيانه على تلك الروح - ومع ذلك غفل عنها ، ومال إلى ما هو دونها من المادة - قد هبط بنفسه من مقامه العالي ، مقامه الروحي الذي هو فوق وهم العقول إلي مقام ماديّ متواضع ، فإنّه بذلك قد مسخ نفسه .
( 541 ) آدم الذي خلقه اللَّه على صورته ، وعلمّه الأسماء كلها ، وأمر الملائكة بالسجود له لا ينبغي أنْ يكون أبناؤه على هذا المستوى من الحطّة فيما يتلعق بمقام الروح.
( 542 - 543 ) يسخر الشاعر من غرور الإنسان وتجبّره وطغيانه .
فهذا طاغية يتولاه الكبر والغرور ، فتسول له نفسه أنّه قادر على
“ 486 “
امتلاك الدنيا وبسط سلطانه عليها . وإنّ لفتة واحدة من الخالق تقضي على كل هذا السلطان ، وما ارتبط به من طغيان .
ومهما ساد هذا الطغيان ، وملأ الدنيا ، فليس يعدو أن يكون كالثلج الذي يغطيّها في فصل الشتاء ، فتجيء الشمس ، وبلفحة واحدة منها تبدّده وتقضي عليه ، وعلى كل ما اقترن به من برد واكتئاب .
( 547 ) عندما حطمّ إبراهيم الأصنام ، ألقي في النار بأمر النمرود ، ولكنّ اللَّه حفظه وجعل النار عليه برداً وسلاماً . قال تعالى :” قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ . قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ “( 21 : 68 ، 69 ) .
( 548 ) الصوفيّ لا يرى في الوجود فاعلًا سوى اللَّه . أما الأسباب والوسائل التي تقترن بحدوث الأشياء فهي ما تطلبه عقول الناس في هذه الدنيا . فإذا ما انعدمت الأسباب ، وحدثت الأمور من غير أنْ تكون مقترنة بها ، فإنّ العقل تتولاه الحيرة ، وإذ ذاك يمعن في الخيال ، باحثاً عن الأسباب ، ملتمساً الدواعي والمبررات فترد عليه ألوان مختلفة من التفسيرات ، كلها متضاربة غير مقنعة ، ويصل الإنسان - من جراء ذلك - إلى موقف يشبه موقف السوفسطائية ، الذين عُرفوا بأنّهم لم يكونوا يتحققون من شيء .
( 566 ) لا تستسلموا إلى حواسكم الدنيوية وملذاتها . تخلّصوا من هذه الأحاسيس ، التي تصرفكم عن التأمل الباطني ، وتشكلّ حجاباً كثيفاً أمام أرواحكم .
( 569 ) ما دمتَ غارقاً في أمور هذه الدنيا ، مشغولًا بخطوبها ، فكيف يتسنّى لك أنْ تلمّ بلمحة من عالم الروح ، ذلك الذي لا ينكشف إلا لمن نام عن هذه الدنيا ، وصرف حواسه وقلبه عن التعلق بها .
( 571 ) من المعجزات المنسوبة إلى المسيح أنّه مشى على الماء .
“ 487 “
( 572 - 573 ) يذكر جلال الدين البحر في مواضع كثيرة من شعره ويتخذ منه رمزاً لعالم الروح . فالبحر عنده مظهر للوحدة الصورية واللونية ، يظهر للعين متشابهاً ، لا أول له ولا آخر . وغموضه شبيه بالغموض الذي يكتنف عالم الروح ، على حين أن اليابسة تمتاز بتعدد الألوان والأشكال ، فيها السهل والجبلّ ، والصحراء ، والخضرة والجفاف . فهي عالم الصور المتعدّدة ، والمظاهر الماديّة المتنوعة . وهي على عكس عالم الروح الذي تسوده البساطة ، النابعة من الوحدة .
( 574 ) ماء الحياة ، هو الماء الأسطوري الذي قيل إنّ الإنسان لو شرب منه لتحقّق له الخلود . وقد اقترن ذكره بالخضر ، الذي يقال إنّه شرب من ماء الحياة فتحقّق له الخلود . وهذا الماء قد اقترن بالقصص الأسطورية التي نُسجت حول شخصية الإسكندر المقدوني . فقد ذكر في هذه القصص أن الإسكندر هلك وهو يبحث عن ماء الحياة .
وقد ذكر ماء الحياة كثيراً في الشعر الفارسي الصوفيّ . يقول سعدي :زكار بسته مينديش ودل شكسته مدار * كه آب چشمهء حيوان دورن تاريكست .( لا تفكر في الأمر العصيّ ولا تكن كسير القلب ، فإنّ ماء نبع الحياة في داخل الظلمات ) . ( الگلستان ، القصة 17 من الباب الأول . ص 32 ، طبعة نفيسي ، طهران ، 1341 ) .
فالوزير هنا يقول لأتباعه : إنّ من قضى عمره متعلّقاً بهذه الأرض ، مفتتناً بها ، لا يتسنى له أنْ يجد السبيل إلى ماء الحياة . فلا بدّ لذلك من السعي والبذل والعناء .
[ شرح من بيت 600 إلى 750 ]
( 603 ) بيّن نيكولسون في تعليقه على هذا البيت كيف أنّ جلال الدين كان يرى هذا النوع من الأعلام في الإمارة السلجوقية التي كان يعيش فيها . فالأمير غياث الدين بن علاء الدين السلجوقى ( 634 - 634645 - 634645 - 645 هـ )
حينما تزوج بابنة ملك جورجيا ، ضرب نقوداً فضية
“ 488 “
تحمل صورة أسد تعلوه الشمس . وقد نقل نيكولسون أيضاً نصوصاً تاريخية تثبت أنّ أعلام هذا الأمير كانت تحمل صورة الأسد . ( انظر الجزء الأول من تعليقاته على المثنوي ، ص 56 ) .
( 606 ) اللَّه هو الموجود الحقيقي الأوحد . ولقد خلق كل شيء من العدم . العدم غدا ملتذاً بالوجود بعد أن أصبح عاشقاً للخالق الموجد . ويرتبط بهذا فكرة الصوفية عن المحبة الإلهية . فالإنسان الذي تحقق له الوجود البشري ، يُفني هذا الوجود في ذات الخالق ليتحقّق له الخلود . إن العدم ينقلب إلى وجود بقوة الخالق . والفناء في الخالق هو سبيل الخلود . وكل شيء منه وإليه .
( 610 - 611 ) إنّ لطف اللَّه هو الذي جاء بالخلق من عالم الإمكان إلى عالم الوجود . فليس للإنسان اختيار في وجوده ، وإنما لطف اللَّه هو الذي يهب هذا الوجود . والإنسان يتلقى وجوده على الوجه الذي يريده الخالق ، ولا حيلة للإنسان في ذلك ، فهو كالصورة بين يدي المصور ، أو كالطفل في الرحم .
( 616 - 625 ) يعود الشاعر هنا إلى حديث الجبر والاختيار . وهو يؤمن بالموقف الوسط بين الجبر والاختيار . ويُعتبر أبو الحسن الأشعري أول من نادى بهذا الرأي . كان هذا في أوائل القرن الرابع الهجري بعد أنْ طال الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة . يقول المعتزلة بأنّ الإنسان خالق أفعاله وموجدها .
أما أهل السنة فيقولون إنّ اللَّه وحده هو خالق كل شيء ولا يد لإنسان في إيجاد عمل من الأعمال .
ويقف الأشعريّ موقفه الوسط بأن يقول إن اللَّه يخلق الأعمال ويوجدها حين يريدها الإنسان.
فالإرادة الإنسانية الحرة يقترن بها خلق اللَّه للأفعال وإيجادها ويسوق جلال الدين الأدلة على ذلك .
ففي غروة بدر كان اللَّه هو الذي رمى الكفار وليس الرسول والمؤمنون .
وذلّ الإنسان وخضوعه لرّبه هو دليل الجبر ، ولكنّ الخجل من الآثام هو دليل الاختيار . ومن أدلة الاختيار زجر الأساتذة
“ 489 “
للتلاميذ ، وذلك ليحسن اختيارهم لأعمالهم ، وكذلك انصراف خاطر الإنسان عن رأي يكون قد عقد العزم عليه . وإذا مرض الإنسان استيقظ ضميره ، فيتجلىّ له قبح الإثم ويزمع العودة إلى الطريق السويّ .
( 635 - 636 ) هنا يسخر الشاعر من نفاق البشر . فالمرء إذا عمل عملًا يعجبه ويعتزّ به باهى بمقدرته ، وفاخر بما اقتدر على إنجازه .
لكنّه إذا أتى أمراً نكرا نسب ذلك إلى ربه، واعتذر عن إتيانه بأنّ هذا هو ما أراده له اللَّه.
( 637 ) الأنبياء بزهدهم في هذه الدنيا وانصرافهم عنها ، كأنهّم مجبرون على الإقامة فيها ، هكذا أراد لهم ربهم ، لأداء رسالتهم .
أما الكفار فمجبرون فيما يتعلق بأمور الآخرة . فاختيارهم إنما هو للدنيا ومتاعها ، أما الآخرة وحسابها فمفروضة عليهم ، ولو تركوا واختيارهم لا ختاروا الخلود في الدنيا .
( 674 - 675 ) “ من نظر إلى جوهر الرسالات السماوية وجد أنّها واحدة ، فليس من موجب للتفريق بين رسل اللَّه ، فهم حملة رسالة جوهرها واحد ، وإرادتهم هي إرادة اللَّه . وعلى هذا الأساس يرى الصوفية ألا موجب للتفريق بين اللَّه وبين الرسل . فالرسل بإرادتهم قد فنوا في الخالق وتلاشى وجودهم في وجوده . فمن فرق بين اللَّه ورسله يكون قد جرى على مقتضى الصورة الظاهرة ، لا على مقتضى الحقيقة ، فهو من أتباع الشكل لا الجوهر .
فلا جلاال في أن الرسول يختلف عن الخالق من حيث الصورة ، فالفاني ليس كالأزلي ، لكن رسالة الرسول هي بذاتها رسالة إلهية ، وهي باقية باللَّه “ .
ويستند الصوفية في ذلك إلى آيات ، منها :” إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ “.
( 48 : 10 ) ،” وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى “. ( 8 : 17 ) ،” مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ “. ( 4 : 80 ) .
( 676 - 681 ) قدم الشاعر صوراً توضيحية لوحدة الرسل . فالإنسان
“ 490 “
يبصر بنور العينين . ولكن نور كل عين لا يتميز عن نور الأخرى ساعة الإبصار . والمكان قد يضاء بعشرة مصابيح تختلف في صورها الظاهرية .
لكنه لا يمكن تمييز النور المنبعث من كل من هذه المصابيح . وثمار السفرجل إذا عصرت تحولت كلها إلى طبيعة واحدة متشابهة ، بعد أن كانت ثماراً تختلف في صورها . وفي هذا التوحد والانسجام لا يمكن أن يتميز ماء ثمرة عن ماء الأخرى .
( 682 - 683 ) يشير الشاعر في هذين البيتين إلى تشبث أكثر الناس بما يقع تحت حسهم ، وعجز أكثرهم عن التجريد ، والنظر إلى ما وراء الصور الظاهرة .
( 686 - 687 ) لعل في هذين البيتين إشارة إلى نظرية الفيض المعروفة عند الصوفية . فقبل أن تفيض الكثرة عن الواحد ، كان الناس في عالم الروح متحدين ، ولم تكن الأرواح قد حلّت في الأجساد ، واتخذت تلك الصور البشرية . كان الناس جوهراً واحداً كالشمس ، وكانوا متجانسين في صفاء كالماء . وقد ذكر جلال الدين في موضع آخر من المثنوي أنّ روح المؤمنين واحد ، وأنه في إشراقه على الأبدان كالشمس إذ تشرق على المنازل . ففي كل منزل قدر من ضوء الشمس ولكن إذا هُدمت الجدران التي تقصلها فإنّ أضواء هذه المنازل تتحد معاً . وهكذا الأجساد البشرية ، فهي حينما تتحطم ، تصبح أرواح المؤمنين روحاً واحداً “ 1 “ .
أما تشبيه عالم الروح بالماء أو بالبحر فكثير الورود في المثنوي وذلك لما في الماء من تجانس واتحاد في المظهر ، ولما في البحر من اتساع وعمق وغموض .
( 690 ) لا يريد الشاعر أن يفيض في شرح آرائه الصوفية ويطيل الحديث عن عالم الروح خشية أن يستمع إلى ذلك من لا يكون ذا مقدرة على فهمه ، فتكون النتيجة على غير ما يُراد . وهذا اتجاه يكاد يكون عاماً عند مفكري الصوفية .
...............................................................
( 1 ) المثنوي ، ج 4 ، 415 - 418 .
“ 491 “
( 691 ) إنّ الفكر الصوفي العميق يفهم على غير وجهه حينما لا يكون عند متلقيه الاستعداد املائم . وقد تؤدي إساءة الفهم إلى القضاء على العقيدة .
( 706 - 710 ) تحطيم الجوز رمز للقضاء على الجسد ، فالأجساد التي تضم أرواح الطاهرين هي كالجوز الذي يكون ذا لبّ . والموت يزيح القشر عن هذا اللب . أما الأجساد التي تضم أرواحاً خبيثة ، فلا جدوى لخلاص تلك الأرواح منها . بل إن ذلك يكشف حقيقها ، ويقودها إلى مصيرها .
( 712 - 713 ) تشبيهُ للروح الخالية من المعنى بسيف خشبي في الغمد .
فما دام هذا السيف في غمده فحقيقته مستورة ، فإذا خرج من غمده تكشفت هذه الحقيقة . وهكذا الروح الخبيث ، تتجلى حقيقته بعد مفارقة الجسد .
( 714 ) الاستعداد لما بعد الموت كالاستعداد للذهاب إلى الميدان .
فالمرء لا يستطيع أن يسعى إلى الميدان حاملًا سيفاً خشبياً . وكذلك الحال بالنسبة ليوم الحساب . على المرء أن يستعد له فيلقى ربه بروح طاهر تحلى بمقومات الكمال . أما من يلاقي ربه بروح خاوٍ من المعنى فهو كمن يحمل سيفاً خشبياً إلى ميدان القتال .
( 716 - 726 ) يتحدث الشاعر هنا عن الأولياء المرشدين . ويبيّن أهمية الاتصال بهم واتخادهم قدوة لسلوك أقوم السبل .
( 718 ) إن اخترت مرشداً ، فليكن واضح الإيمان سليم العقيدة ، يتجلى في أقواله نقاء قلبه وصدق سريرته .
( 720 ) زهرة اللاله ( شقائق النعمان ) المتفتحة سوداء الباطن .
فتفتحها يكشف عن باطنها . وهكذا المنافق يكون انطلاقه على سجيته هو السبيل إلى إدراك كنهه واكتشاف سريرته .
( 721 ) إن اجتماع المؤمنين الذين ازدهرت قلوبهم بالحقيقة يضفي البهجة على المكان والزمان .
“ 492 “
( 725 ) القلب هو الذي يقود صاحبه إلى هؤلاء المرشدين . فعليه أن يتبع قلبه ، ويغذيه بصحبتهم كما أن عليه أن يقاوم جسده الذي يسعى للهبوط به حتى يجعله أسيراً لسجن المادة ، وما يرتبط بها من نزعات وشهوات .
( 727 ) من المعروف - عند المسلمين - أن الكتب السماوية السابقة على الإسلام بشرت بمحمد ، وأخبرت عن رسالته . ويذكر ذلك القرآن الكريم . قال تعالى :” وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ “. ( 61 : 6 ) .
.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin