حكاية النحوي والملاح
2835 - كان أحد النحاة راكباً في سفينة . فاتجه ذلك المغرور نحو الملاح .
وقال : “ هل درست شيئاً من النحو ؟ “ ، فقال الملاح : “ لا “ فقال النحويّ : “ لقد ضاع نصف عمرك سدى “ .
فانكسر قلب الملاح حزناً ، ولكنه سكت في تلك اللحظة عن الجواب .
وألقت الريح بالسفينة في دو أمة ، فعلا صوتُ الملاح مخاطباً النحوي :
“ 357 “
“ قل لي : هل تعرف السباحة ؟ “ ، فقال النحويّ : “ لست أعرفها أيها المليح البارع الجواب ! “
2840 - فقال الملاح : “ فقد ضاع كل عمرك أيها النحوي ! ذلك لأن السفينة ستغرق في هذه الدوامة “ .
فاعلم أن المحو هو المطلوب - في هذا المقام - وليس النحو ، فإن كنتَ محواً فاقفز إلى اليمّ بدون خوف .
إن ماء البحر يجعل الميت فوق سطحه . أما من كان حياً فكيف يخلص من البحر ؟
فإن ماتت فيك أوصاف البشر ، فإنّ بحر الأسرار يضعك فوق رأسه “ 1 “ .
فيا من دعوت الخلق حميراً ، ها أنت ذا قد بقيت الآن فوق هذا الثلج ( تتجول ) كالحمار !
2845 - فإنْ كنت في هذه الدنيا عالم زمانك ، فانظر إلى فناء هذه الدنيا وهذا الزمان !
لقد ربطنا قصة الرجل النحوّي بهذا الباب ، حتى نعلّمك “ نحو “ المحو “ 2 “ .
وإنّك أيّها الصديق العظيم لواجدُ جوهر الفقه ، وجوهر النحو ، وجوهر الصرف ، سبلا مؤديّة إلى النقص .
إنّ إبريق الماء رمز لعلومنا ، وأما الخليفة فهو دجلة علم اللَّه .
وها نحن أولاء نحمل إلى دجلة جراراً ممتلئة بالماء . فلو أنّنا لم نعرف الحمير لحسبنا أنفسنا حميراً .
2850 - ولعلّ هذا الأعرابيّ كان معذوراً ، لأنّه لم يكن ذا معرفة بدجلة ولا بالنهر .
...............................................................
( 1 ) يرفعك إلى مكان عليّ .
( 2 ) القواعد والوسائل التي تؤدي إلى إفناء الذات .
“ 358 “
فلو كان مثلنا عارفاً بدجلة ، لما حمل هذا الإبريق من مكان إلى مكان !
إنّه لو كان عارفاً بدجلة ، لألقى بهذا الإبريق فوق إحدى الصخور .
كيف تقبّل الخليفة الهدّية وأمر بالعطاء مع تنزّهه الكامل عن الحاجة إلى تلك الهدية وهذا الإبريق
حينما رأى الخليفة الأعرابي ، واستمع إلى قصة ، ملأ ذلك الإبريق بالذهب حتى فاض منه .
فوهب هذا الأعرابي خلاصاً من الفاقة ، وأعطاه منَحاً وخلعاً فريدة .
2855 - وقال : “ أسلموا هذا الإبريق إلى الإعرابي . وعندما يتجه إلى العودة ، خذوه إلى دجلة .
فلقد جاء بطريق البرّ ، مع أن السفر بطريق الماء ( يجعل غايته ) أدنى سبيلًا .
فلما جلس الأعرابي في السفينة ، وأبصر دجلة ، خرّ ساجداً ، وخفض الرأس حياء .
وقال : “ ما أعجب لطف هذا الملك الوهّاب ! وأعجب منه أنه تقّبل هذا الماء !
فكيف تقّبل بحرُ الجود منّى - بكل هذا الإسراع - مثل هذا النقد الزائف ؟ “
2860 - اعلم - يا بني - أن العالم كله وعاء مليء بالعلم والجمال !
وقطرة واحدة ، من دجلة حُسْنه ، لا يكاد هذا العالم يسعها بين جوانبه “ 1 “ .
...............................................................
( 1 ) الترجمة الحرفية للشطر الثاني من البيت هي : “ وهذا ( العالم ) لا متلائه بها لا يسعها تحت جلده “ .
“ 359 “
لقد كان كنزاً مخفياً لكنه - لغزارته - مزّق ( حجب الخفاء ) ، وجعل الأرض أكثر إشراقاً من الأفلاك “ 1 “ .
لقد كان كنزاً مخفيا فجاش فيضه الغزيز ، فجعل الثرى سلطانا يرتدي الأطلس .
فلو أنّ هذا الأعرابيّ أبصر فرعاً من دجلة الخالق ، لحطمّ هذا هذا الإبريق وأباده .
2865 - فكلّ من أبصروا ذلك ، وتولاهم ذهول دائم عن أنفسهم ، فأخذوا - بلا وعي - يضربون الإبريق بالحجارة !
فيا من دفعتك الحميّة إلى أن تضرب الإبريق بالحجر ، فازداد الإبريق بهذا الانكسار كمالًا .
لقد تحطّم الإبريق لكنّ الماء لم ينصبّ منه ! وتحقّقت له من الانكسار مائة سلامة !
وكلّ جزء من هذا الإبريق في رقص ونشوة . لكنّ هذا قد بدا للعقل الجزئيّ محالًا .
وليس الإبريق ولا الماء بظاهر لك في هذه الحال . فتأمل جيّداً ، واللَّه أعلم بالصواب .
2870 - إنّك - حين تطرّق بال المعنى يفتح لك . فاضرب بحناح الفكر لعلّك ، تصبح مَلكاً للصقور !
لقد أصبح جناح فكرك ملوثاً بالطين تقيلًا . ذلك لأنّك تأكل الطين . وقد أصبح لك بمثابة الخبز !
إنّ الخبز واللحكم طين ( في أصلهما ) ، فأقلل من أكلهما حتى لا تبقى عالقاً بالأرض مثل الطين .
...............................................................
( 1 ) يشير الشاعر إلى حديث قدسي رواه الرسول ، نصه : “ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف “ . وقوله : “ جعل الأرض أكثر إشراقاً من الأفلاك “ ، إشارة لخلق آدم - أعظم مخلوقات اللَّه - من ترابها ، وجعلها مقراً لبني الإنسان .
“ 360 “
وأنت - حين تجوع تصبح كالكلب ، وتغدو ضارباً سيّء الطبع ، خسيس العرق !
وحين تمتلئ بالطعام تصير كالميّت ، فلا تعي ولا تتحرك كأنّك حائط !
2875 فإذا كنت في لحظة ميَّتاً ، وفي أخرى كلباً ، فأنَّى لك أنْ تُحسن العدو في طريق الأسود ؟
ولتعلم أن الكلب إنما هو وسيلتك للصيد ، فلا تُلق إليه بكثير من العظام .
ذلك لإنّ الكلب - حين يشبع - يصير عنيداً ، فيكف يجري مندفعاً نحو الصيد الثمين ؟
وها هي ذي الفاقة قد اجتذبت هذا الأعرابيّ إلى هذه الحضرة ، فشهد تلك السعادة !
وقد ذكرنا في حكايتنا إحسان الملك إلى هذا المسكين الذي كان بلا ظهير .
2880 وما نطق العاشق بشيء إلا انطلقت رائحة العشق من فمه إلى مقام العشق .
فلو تحدّث في الفقه جاء كل حديثه زهداً ، وفاحت رائحة الزهد من حديثه العذب !
ولو نطق بالكفر ، فإنّ لكفره رائحة الدين ! ولو تكلم بالشكّ صار شكُّه يقيناً !
فالزبد القبيح الذي يظهر فوق بحر الصدق ، ليس إلا ظلمة قد زانها أصلها الصافي !
فلتعلم أنّ هذا الزبد صاف ، ووجوده متوقَّع . وما هو إلا كالشتم من شفة الحبيب .
“ 361 “
2885 - وهو الذي يغدو شتمه غير المطلوب، حلواً من أجل عارضه المحبوب!
فإنْ يقل ( الصوفيُّ ) قولا يَبْدُ مستقيماً. فما أعجب هذا العوج الذي يزين الاستقامة!
فلو أنّك طبخت السكرّ على صورة الخبز ، يأتيك طعم القند - حين تتذوّقه - لا طعم الخبز .
ولو أن مؤمناً وجد صنماً من الذهب ، فكيف يتركه لعابد ( من عبّاده ) ؟
إنه ليأخذه ويُلقى به في النار ، ويطحم صورته المزيّفة !
2890 - حتى لا يبقى في الذهب شكل الوئن ، ذلك لأنّ الصورة مانعة قاطعة للطريق !
إن ذاته الذهبية ذات ربانية . ومن الزيف تصوير الصنم على النقد الذهبي .
ولا تحرق بساطاً من جراء برغوث ، ولا تضع اليوم لا نزعاجك من كل بعوضة .
إنك عابد للصنم لو بقيت أسير الصورة ! فدع صورة الصنم وانظر إلى الحقيقة !
فإذا كنت حاجّاً فاطلب لك رفيقاً من الحجّاج ، سواء أكان هندياً أو تركياً أو عربياً .
2895 - ولا تنظر إلى صورته ولونه ، بل انظر إلى عزمه وقصده !
فلو كان أسود اللون فإن له ذات قصدك ، فسمّه أبيض فإنه شريكك في اللون !
إن هذه الحكاية قد ذُكرت بصورة مضطربة ، بلا بداية ولا نهاية كأنها شؤون العاشقين .
“ 362 “
فلا بداية لها لأنها أسبق من الأزل ! ولا نهاية لها لأنها وثيقة القربى بالأبد !
إنها كالماء ، كل قطرة منه رأس وقدم ، وهي في الوقت ذاته لا تملك أيّاً منهما .
2900 - حاش اللَّه ! ما هذه بحكاية ، فتنبّه ! إنها نقد حالي وحالك ، فأحسن تأملها !
إن الصوفيّ لا يذكر ما كان ماضياً ، لأنه ( دائماً ) يكون في كرّ وفرّ !
ونحن الأعرابيّ ، ونحن الإبريق ، ونحن الملك أيضاً . وكلنا ( يصدق عليه قوله تعالى ) :” يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفكَ ““ 1 “ .
واعلم أن الزوج هو العقل ، وأنّ الزوجة هي الحرص والطمع .
وهذان مظلمان منكران ، وأما العقل فهو الشمع ( المنير ) .
فاستمع الان إلى أصل الإنكار، وكيف ظهر. (لقد ظهر) لأنّ الكل أجزاء متنوعة .
2905 - والنسبة إلى الكل إنما هي ( بقولك ) “ جزء الكل “ ، لا أجزاء الكل . فليس الجزاء ( هنا ) مثل عبير الوردة ، الذي لا جزء من الوردة .
فلطف الخضرة هو جزء من لطف الوردة . وشدو القمريّ جزء من دلك الطائر العزيّد .
فإن أغد - ( على هذا النحو ) - مشغولًا بإثارة المشكلات وتوضيحها ، فمتى أستطيع أن أُقدِّم الماء للظماء “ 2 “ ؟
...............................................................
( 1 ) إشارة لقوله تعالى : “ إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك ، إنكم لفي قول مختلف ، يؤفك عنه من أفك “ . ( الذاريات ، 51 : 4 - 9 ) .
( 2 ) لو ظلمت على هذا النحو أثير المشكلات العقلية وأرد عليها وأوضحها . فأي وقت يبقي لي لأقدّم المعاني الروحية لمن هو ظماء إلى الحقيقة .
“ 363 “
فإن غمض عليك كل شيء ، وأحسست بالحرج ، فاصبر فإن الصبر مفتاح الفرج .
ولتمارس الحميْة من الأفكار “ 1 “ ، والامتناع عنها . إن الفكر هو الأسد وحمار الوحش ، والقلوب هي الآجام .
2910 - إن الحمية رأس كل دواء . ذلك لأنّ الحك يزيد الجرب .
فمن اليقين أن الحمية أصل الدواء . فهارسها ثم انظر إلى قوة روحك .
فليكن “ قلبك “ مثل الأذن ، متقبلًا هذه الأفكار ، حتى أصنع لك قرطاً من الذهب “ 2 “ .
بل إنك تصبح قرطاً في أذن القمر الصائغ . ويرتفع ( قدرك ) إلى القمر وإلى الثريّا !
فاعلم أولًا : أن البشر المختلفين قد اختلفت أرواحهم من الألف إلى الياء .
2915 - وفي اختلاف الحروف قلق وشك مع أنها - من أحد الوجوه - واحدة ، من البداية حتى النهاية “ 3 “ .
إنها متضادّة من وجه ، متحدة من وجه آخر . وهي هزل من جهة ، وجدّ من جهة أخرى “ 4 “ .
وفي يوم القيامة - يوم العرض الأكبر - يطلب العرض ذو العظمة والجلال .
...............................................................
( 1 ) المراد بالأفكار هنا الهواجس والوساوس ، وهي تصطرع في القلوب ، ويأكل بعضها بعضاً ، كما يفعل الأسد بحمار الوحش .
( 2 ) في البيت جناس بين كلمة “ گوش وار “ بمعنى ( مثل الأذن ) “ گوش وار “ بمعنى ( قرط ) .
( 3 ) ان الحروف تمثل أصواتاً مختلفة ولكنها معاً متحدة الغاية ، فهي تشترك معاً في التعبير عن المعاني . . وكذلك البشر مختلفون من بعض الوجوه في طبيعة نفوسهم ، ولكن البشرية تجمع بينهم .
( 4 ) وكما أن بعض الحروف متنافر مع البعض الآخر ، والبعض متوافق مع البعض الآخر ، كذلك البشر .
“ 364 “
فمن كان ( أسود الوجه ) كالهندي لسوء كسبه ، فإن يوم العرض هو أوان افتضاحه .
فما دام لا يملك وجهاً ( مشرقاً ) كالشمس ، فإنه لا يبتغي سوى ليل يكون له كالنقاب .
2920 - وما دامت أشواكه لا تملك ورقة واحدة من الورد ، فقد صار الربيع عدوّاً لأسراره .
فأما من كان - مَنْ رأسه إلى قدميه - ورداً وسوسن ، فالربيع ( حبيب إليه ) كعينين مبصرتين !
إن الشوك الخاوي من المعنى يريد الخريف ويطلبه ، حتى يطاول بكتفيه بستان الورد !
فإن الخريف يحجب حسن هذا ( الورد ) ، وعار ذلك ( الشوك ) ، فلا ترى لون هذا ولا لون ذاك .
فالخريف للشوك ربيع وحياة ! إنه يظهر الحصى والياقوت النقيّ بصورة واحدة .
2925 - والبستاني ( وحدة ) يدرك ذلك حتى في الخريف . لكن إبصار الواحد خير من إبصار الدنيا !
ولو كان العالم هو ذلك الشخص وحده لكان عالماً أبله ! إن كل نجم من النجوم جزء من القمر !
ولهذا فإن كلّ نقش وكل صورة ( بديعة ) تهتف : “ بشرانا ، بشرانا ! إن الربيع قادم !
“ وطالما بقيت البراعم ملتمعة ( كحلقات ) الدرع ، فكيف تظهر الثمار عقودها ؟
إن الثمار تبرز عندما تسقط البراعم . وكذلك ترفع الروح رأسها عندما يتحطم الجسد .
“ 365 “
2930 - إن الثمار هي المعنى ، والبراعم هي الصورة ! البراعم هي البشرى والثمار هي النعمة .
فحينما سقطت البراعم ظهرت الثمار . وجاءت زيادةُ هذه الثمار نتيجة لنقصان تلك البراعم .
وكيف يمنحُ القوة خبز لم يكسر ؟ أم كيف تعطي النبيذ عناقيد كرم لم تُعتصر .
وكيف يصبح الدواء مقوياً للصحة ، ما لم تُسحق معه الهليلة ؟
في صفة الشيخ المرشد ووجوب طاعته
يا ضياء الحق ، يا حسام الدين ! خذ ورقة أو ورقتين وزدهما على وصف الشيخ ( المرشد ) .
2935- فمع أن جسمك الرقيق ليس بذي قوة، فإننا لا نور لنا بدون شمس (روحك) !
ومع أنك قد أصبحت المصباح والزجاجة، فإنك أنت قائد القلب، وأنت طرف الخيط !
فما دام طرف الخيط في كفك ، وعلى هواك ، فإن حبات عقد القلب من إنعامك .
فاكتب أحوال الشيخ العارف بالطريق ! واختر الشيخ ، واعلم أنه عين الطريق .
إن الشيخ مثل الصيف ، والناس مثل الخريف ! الشيخ مثل القمر والناس مثل الليل !
2940 - لقد سميت بختي الشاب “ 1 “ شيخاً . وإنه لشيخ ( بمعرفة ) الحق لا بمر الزمان .
...............................................................
( 1 ) البحث الشاب هو الخط السعيد . وقد كنى بهذه العبارة عن تلميذه حسام الدين .
“ 366 “
إنه شيخ إلى حد أنه لا ابتداء له . وهل هناك قرين للدر اليتيم ؟
والخمر المعتقة تكون أقوى أثراً ، كما أن الذهب القديم يكون أثمن قدراً .
فاختر لك شيخاً مرشداً ، فإن السفر بدون المرشد ، كثيراً ما يكون مليئاً بالآفات والخارف والأخطار .
وبدون الدليل ، تكون حائراً ( حتى ) في الطريق التي طرقتها مراراً .
2945 - فحاذر ، ولا تمش وحيداً في الطريق التي لم ترها قط ! ولا تحوّل وجهك عن الدليل !
فإنك - أيها الأحمق - إن لم تستظل بظلمه ، يجعلك صوت الغول ( جزعاً ) دائر الرأس .
إن الغول يزجّ بك من الطريق إلى الهلاك ! فكثيرون يفوقونك في الدهاء كانوا من قبل بهذا الطريق “ 1 “ .
فاستمع إلى ما جاء في القرآن عن ضلال السالكين ، وماذا فعل بهم إبليس الخبيث الروح .
لقد دفعهم في طريق بعيدة عن الجادة ، مداها آلاف السنين ، وجعلهم عوراً مدبرين .
2950 - فانظر إلى عظامهم وشعرهم. والشمس العبرة ، ولا تسق حمارك نحوهم.
بل أمسك برقبة حمارك ، واجتذبه نحو الطريق . نحو الأخيار من حُرّاس الطريق والعارفين به .
حذار ! لا تَدَعْ الحمار ، ولا ترفع يديك عنه ، ذلك لأنه يعشق الأرض التي يكثر فيها العشب .
فلو أنك غفلت عنه ، وتركته لحظة واحدة ، فإنه يمشي فراسخ نحو الأعشاب !
...............................................................
( 1 ) كثيرون مروا بهذا الطريق من قبل - بدون دليل - فهلكوا .
“ 367 “
إن الحمار عدوّ للطريق ، لأنه ثمل بالعلف ! فلكم أورد من راكب موارد التلف !
2955 - فإذا لم تعرف ، فافعل عكس ما يريده الحمار ، يكن ذلك بحق قصد السبيل !
فشاوروهنّ ، ولكن خالفوهنّ “ 1 “ فإن من لم يعصهن مآله إلى التلف .
ولا تكن صديقاً ( لداعي ) الهوى والشهوة ، فإن ذلك يضلّك عن سبيل اللَّه .
وليس كظل الرفاق شيء يغلب هذا الهوى في الدنيا .
كيف وصى رسول اللَّه علياً كرم اللَّه وجهه ( قائلا ) :
إن كل إنسان يتقرب إلى الحق بنوع من الطاعات فتقرب أنت إلى الحق بصحبة عاقل يكون عبداً من خواص العباد حتى تفوق الجميع
قال رسول اللَّه لعليّ : “ يا عليّ ! إنك أسد اللَّه ، وإنك لبطل شجاع !
2960 - ولكن لا تجعل كل اعتمادك على الشجاعة . بل التجىء إلى ظل نخيل الأمل .
التجىء إلى ظل ذلك العاقل ، الذي لا تستطيع قوة أن تحوله عن الطريق .
إن ظله على الأرض مثل جبل قاف ، وروحه كالعنقاء المحلقة العالية الطواف .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى حديث الرسول : “ شاوروهن وخالفوهن “ .
“ 368 “
فلو أنني حدثتك عن نعته حتى القيامة ، فلا تتوقع لهذا الحديث نهاية ولا غاية .
إنه شمس قد اتخذت مظهر البشر ، فافهم ذلك . واللَّه أعلم بالصواب .
2965 - يا عليّ ! تخير من جملة طاعات الطريق ظل واحد من عباد اللَّه !
فكل إنسان قد التجأ إلى إحدى الطاعات ، واتخذ له سبيلًا للنجاة .
فاذهب والتجىء إلى ظل عاقل ، حتى تخلص من ذلك العدو الذي يعاندك في الخفاء .
فهاك طاعة هي خير من جميع الطاعات ، وبها تفوز بالسبق على كل سابق !
وحين يقبلك الشيخ المرشد فتنبه ، واستسلم لأمره ، واسلك سلوك موسى وهو رهن حكم الخضر .
2970 واصبر - بدون نفاق - على كل ما يعمله الخضر ، حتى لا يأمرك بالذهاب قائلًا :” هذا فراقُ بَيْني وَبَيْنكَ ““ 1 “ .
فلو أنه خرق السفينة فلا تنبس بكلمة . وإذا قتل الطفل فلا تقتلع شعر رأسك .
لقد وصف اللَّه يد ( العبد المخلص ) بأنها مثل يده حين قال :” يَدُ اللَّه فَوْقَ أَيْديهمْ ““ 2 “ .
إنّ يد الحق تميت ( الطفل ) ثم تحييه “ 3 “ . وأي حياة تضفيها عليه ؟ إنها تجعله روحاً خالداً !
والقلة النادرة التي عبرت هذا الطريق وحيدة ، أدركت ( الغاية ) بعون قلوب الشيوخ المرشدين .
2975 فيد الشيخ ليست بقاصرة عمن غابوا عنه . فما يده إلا يد اللَّه عزّ وجلّ .
...............................................................
( 1 ) ( سورة الكهف ، 18 : 78 ) .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون يد اللَّه فوق أيديهم “ . ( سورة الفتح ، 48 : 10 ) .
( 3 ) عاد الشاعر هنا للإشارة إلى قصة الخضر وقتله للطفل ، فقال إن الخضر قتله بيد الحق .
“ 369 “
فإذا كان ( الشيوخ ) يهبون الغائبين مثل هذه الخلع ، فلا شك أن الحاضرين أحسن حالًا عندهم .
وإذا كانوا يمنحون الغائبين هذا النوال ، فأية نعم يهبونها للحاضرين ؟
وأين من يكون خارج الباب ممن يمثل في خدمتهم .
فإذا اخترت الشيخ فلا تكن واهي القلب ، ولا تكن رخواً كالماء ولا منحلًا كالتراب !
2980 - وإذا كانت كل ضربة تملؤك بالحقد ، فكيف تصبح - بدون صقل - مرآة ( لا معة ) ؟
كيف ( طلب ) رجل من قزوين ضرب صورة الأسد باللون الأزرق على كتفه ،
وكيف ندم من جرَّاء وخز الإبرة
استمع من صاحب بيان إلى هذا الحكاية ، عن طريقة أهل قزوين وعاداتهم .
إنهم يضربون الوشم الأزرق بالإبرة على البدن واليدين والكتفين ، بدون ( أن يصيبهم ) ضرّ .
وذات مرة ذهب رجل من قزوين إلى أحد الدلاكين ، وقال له :
“ اضرب لي وشماً أزرق ، وأحسْسنْ تصويره “ .
فقال الدلاك : “ أية صورة أضرب أيها البطل ؟ “ فقال الرجل : “ اضرب صورة أسد هصور !
2985 إن طالعي ( برج ) الأسد ، فاضرب صورة الأسد ، وابذل قصارى جهدك ، وضع الكثير من اللون الأزرق ! “ فقال الدلاك : “ وعلى أي موضع أضرب الصورة ؟ “ فقال الرجل :
“ اضرب هذه الصورة الجميلة على كتفي “ .
“ 370 “
فلما أخذ الدلاك يغرس الإبرة ، حلّ ألمُ الوخز بكتف الرجل ، فأخذ البطل يئن قائلًا : “ أيها العظيم !
لقد قتلتني فأية صورة تضرب ؟ “ فقال الدلاك : “ لقد طلبت مني أسداً “ . فقال الرجل : “ فبأي جزء من جسمه بدأت ؟ “ .
2990 - فأجاب الدلاك : “ لقد بدأت بالذيل “ ، فقال الرجل : “ دعك من الذيل يا حبيبي “ 1 “ !
لقد احتبست أنفاسي من ذيل الأسد وعجزه . إن عجزه قد أطبق بإحكام على مجرى أنفاسي !
فليكن الأسد بدون ذيل ، يا صانع الأسد ! لقد وهن قلبي من ضربات إبرة الوشم “ .
فأخذ الدلاك يضرب بإبرته جانباً آخر ، بدون مجاملة ولا مواساة ولا رحمة .
فصاح الرجل : “ أيّ عضو من الأسد ذلك ؟ “ ، فأجاب الدلاك : “ إن هذه أُذنه ، أيها الرجل الطيب “ .
2995 - فقال الرجل : “ لا كانت له أُذن أيها الحكيم ! ألا فلتقطع الأذن ولتقصِّر هذا البساط “ “ 2 “ .
فبدأ الدلاك يخزه في جانب آخر ، وبدأ القزويني يصرخ من جديد .
وقال : “ أي عضو ترسمه على هذا الجانب الثالث ؟ “ فقال الدلاك : “ إن هذا بطنه ، أيها العزيز ! “ .
فقال الرجل : “ لا كانت للأسد بطن ! ما ضرورة البطن لصورة متشبّعة باللون ؟
“ فذهل الدلاك ، وتولته حيرة عظيمة ، وظل برهة طويلة يعض بنانه .
3000 - ثم ألقى هذا الأستاذ بإبرته على الأرض ، وقال : “ هل جرى هذا الأحد في العالم ؟
...............................................................
( 1 ) حرفياً : يا عيني .
( 2 ) لتختصر هذه الصورة ولا تَبْسُطها .
“ 371 “
فمن ذا الذي رأى أسداً بدون ذيل ولا رأس ولا بطن ؟ إن اللَّه ذاته لم يخلق أسداً كهذا !
“ فيا أخي ! اصبر على وخز الإبرة ، حتى تنجو من وخز نفسك الكافرة .
فإن هذه الجماعة التي تخلصت من وجودها ( الذاتي ) يسجد لها الفلك والشمس والقمر !
وكل من ماتت في جسده النفس الكافرة ، تذعن لأمره الشمس والسحاب .
3005 - فقلبه إذ تعلم إيقاد الشموع ، لا تبقى للشمس قدرة على إحراقه .
ولقد قال الحق عن الشمس المشرقة إنها كانت” تَزاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ““ 1 “ .
إن الأشواك تصير كلها لطيفة كالورد أمام الجزئي الذي يتجه نحو الكل “ “ 2 “ .
فأي شيء يعنيه تعظيم اللَّه وتمجيده ؟ أن تجعل النفس ذليلة ( رخيصة ) كالتراب .
وما معنى علم توحيد اللَّه ؟ أن تحرق نفسك أمام الواحد !
3010 - فإذا كنت تريد أن تُشرق مثل النهار ، فأحرق كيانك ( المظلم ) كالليل .
واصهر وجودك في وجود راعي الوجود ، كما ينصهر النحاس في الإكسير .
إنك قد أحكمت قبضتك على “ أنا “ و “ نحن “ ، وما كل هذا الخراب إلا من التثنية “ 3 “ .
...............................................................
( 1 ) ( سورة الكهف ، 18 : 17 ) . وفي قصةأهل الكهف أن الشمس إذا طلعت كانت تميل عن كهفهم ، ولا يقع شعاعها عليه ، وبذلك لم يكونوا يتأذون من حرارة الشمس .
( 2 ) أي أن مصاعب الطريق التي يسير فيها السالك نحو خالقه تهون أمام الإخلاص فتصبح الأشواك وكأنها ورود .
( 3 ) التثنية هنا ، تأكيد الوجود الإنساني إلى جانب الوجود الإلهي .
* * *
2835 - كان أحد النحاة راكباً في سفينة . فاتجه ذلك المغرور نحو الملاح .
وقال : “ هل درست شيئاً من النحو ؟ “ ، فقال الملاح : “ لا “ فقال النحويّ : “ لقد ضاع نصف عمرك سدى “ .
فانكسر قلب الملاح حزناً ، ولكنه سكت في تلك اللحظة عن الجواب .
وألقت الريح بالسفينة في دو أمة ، فعلا صوتُ الملاح مخاطباً النحوي :
“ 357 “
“ قل لي : هل تعرف السباحة ؟ “ ، فقال النحويّ : “ لست أعرفها أيها المليح البارع الجواب ! “
2840 - فقال الملاح : “ فقد ضاع كل عمرك أيها النحوي ! ذلك لأن السفينة ستغرق في هذه الدوامة “ .
فاعلم أن المحو هو المطلوب - في هذا المقام - وليس النحو ، فإن كنتَ محواً فاقفز إلى اليمّ بدون خوف .
إن ماء البحر يجعل الميت فوق سطحه . أما من كان حياً فكيف يخلص من البحر ؟
فإن ماتت فيك أوصاف البشر ، فإنّ بحر الأسرار يضعك فوق رأسه “ 1 “ .
فيا من دعوت الخلق حميراً ، ها أنت ذا قد بقيت الآن فوق هذا الثلج ( تتجول ) كالحمار !
2845 - فإنْ كنت في هذه الدنيا عالم زمانك ، فانظر إلى فناء هذه الدنيا وهذا الزمان !
لقد ربطنا قصة الرجل النحوّي بهذا الباب ، حتى نعلّمك “ نحو “ المحو “ 2 “ .
وإنّك أيّها الصديق العظيم لواجدُ جوهر الفقه ، وجوهر النحو ، وجوهر الصرف ، سبلا مؤديّة إلى النقص .
إنّ إبريق الماء رمز لعلومنا ، وأما الخليفة فهو دجلة علم اللَّه .
وها نحن أولاء نحمل إلى دجلة جراراً ممتلئة بالماء . فلو أنّنا لم نعرف الحمير لحسبنا أنفسنا حميراً .
2850 - ولعلّ هذا الأعرابيّ كان معذوراً ، لأنّه لم يكن ذا معرفة بدجلة ولا بالنهر .
...............................................................
( 1 ) يرفعك إلى مكان عليّ .
( 2 ) القواعد والوسائل التي تؤدي إلى إفناء الذات .
“ 358 “
فلو كان مثلنا عارفاً بدجلة ، لما حمل هذا الإبريق من مكان إلى مكان !
إنّه لو كان عارفاً بدجلة ، لألقى بهذا الإبريق فوق إحدى الصخور .
كيف تقبّل الخليفة الهدّية وأمر بالعطاء مع تنزّهه الكامل عن الحاجة إلى تلك الهدية وهذا الإبريق
حينما رأى الخليفة الأعرابي ، واستمع إلى قصة ، ملأ ذلك الإبريق بالذهب حتى فاض منه .
فوهب هذا الأعرابي خلاصاً من الفاقة ، وأعطاه منَحاً وخلعاً فريدة .
2855 - وقال : “ أسلموا هذا الإبريق إلى الإعرابي . وعندما يتجه إلى العودة ، خذوه إلى دجلة .
فلقد جاء بطريق البرّ ، مع أن السفر بطريق الماء ( يجعل غايته ) أدنى سبيلًا .
فلما جلس الأعرابي في السفينة ، وأبصر دجلة ، خرّ ساجداً ، وخفض الرأس حياء .
وقال : “ ما أعجب لطف هذا الملك الوهّاب ! وأعجب منه أنه تقّبل هذا الماء !
فكيف تقّبل بحرُ الجود منّى - بكل هذا الإسراع - مثل هذا النقد الزائف ؟ “
2860 - اعلم - يا بني - أن العالم كله وعاء مليء بالعلم والجمال !
وقطرة واحدة ، من دجلة حُسْنه ، لا يكاد هذا العالم يسعها بين جوانبه “ 1 “ .
...............................................................
( 1 ) الترجمة الحرفية للشطر الثاني من البيت هي : “ وهذا ( العالم ) لا متلائه بها لا يسعها تحت جلده “ .
“ 359 “
لقد كان كنزاً مخفياً لكنه - لغزارته - مزّق ( حجب الخفاء ) ، وجعل الأرض أكثر إشراقاً من الأفلاك “ 1 “ .
لقد كان كنزاً مخفيا فجاش فيضه الغزيز ، فجعل الثرى سلطانا يرتدي الأطلس .
فلو أنّ هذا الأعرابيّ أبصر فرعاً من دجلة الخالق ، لحطمّ هذا هذا الإبريق وأباده .
2865 - فكلّ من أبصروا ذلك ، وتولاهم ذهول دائم عن أنفسهم ، فأخذوا - بلا وعي - يضربون الإبريق بالحجارة !
فيا من دفعتك الحميّة إلى أن تضرب الإبريق بالحجر ، فازداد الإبريق بهذا الانكسار كمالًا .
لقد تحطّم الإبريق لكنّ الماء لم ينصبّ منه ! وتحقّقت له من الانكسار مائة سلامة !
وكلّ جزء من هذا الإبريق في رقص ونشوة . لكنّ هذا قد بدا للعقل الجزئيّ محالًا .
وليس الإبريق ولا الماء بظاهر لك في هذه الحال . فتأمل جيّداً ، واللَّه أعلم بالصواب .
2870 - إنّك - حين تطرّق بال المعنى يفتح لك . فاضرب بحناح الفكر لعلّك ، تصبح مَلكاً للصقور !
لقد أصبح جناح فكرك ملوثاً بالطين تقيلًا . ذلك لأنّك تأكل الطين . وقد أصبح لك بمثابة الخبز !
إنّ الخبز واللحكم طين ( في أصلهما ) ، فأقلل من أكلهما حتى لا تبقى عالقاً بالأرض مثل الطين .
...............................................................
( 1 ) يشير الشاعر إلى حديث قدسي رواه الرسول ، نصه : “ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف “ . وقوله : “ جعل الأرض أكثر إشراقاً من الأفلاك “ ، إشارة لخلق آدم - أعظم مخلوقات اللَّه - من ترابها ، وجعلها مقراً لبني الإنسان .
“ 360 “
وأنت - حين تجوع تصبح كالكلب ، وتغدو ضارباً سيّء الطبع ، خسيس العرق !
وحين تمتلئ بالطعام تصير كالميّت ، فلا تعي ولا تتحرك كأنّك حائط !
2875 فإذا كنت في لحظة ميَّتاً ، وفي أخرى كلباً ، فأنَّى لك أنْ تُحسن العدو في طريق الأسود ؟
ولتعلم أن الكلب إنما هو وسيلتك للصيد ، فلا تُلق إليه بكثير من العظام .
ذلك لإنّ الكلب - حين يشبع - يصير عنيداً ، فيكف يجري مندفعاً نحو الصيد الثمين ؟
وها هي ذي الفاقة قد اجتذبت هذا الأعرابيّ إلى هذه الحضرة ، فشهد تلك السعادة !
وقد ذكرنا في حكايتنا إحسان الملك إلى هذا المسكين الذي كان بلا ظهير .
2880 وما نطق العاشق بشيء إلا انطلقت رائحة العشق من فمه إلى مقام العشق .
فلو تحدّث في الفقه جاء كل حديثه زهداً ، وفاحت رائحة الزهد من حديثه العذب !
ولو نطق بالكفر ، فإنّ لكفره رائحة الدين ! ولو تكلم بالشكّ صار شكُّه يقيناً !
فالزبد القبيح الذي يظهر فوق بحر الصدق ، ليس إلا ظلمة قد زانها أصلها الصافي !
فلتعلم أنّ هذا الزبد صاف ، ووجوده متوقَّع . وما هو إلا كالشتم من شفة الحبيب .
“ 361 “
2885 - وهو الذي يغدو شتمه غير المطلوب، حلواً من أجل عارضه المحبوب!
فإنْ يقل ( الصوفيُّ ) قولا يَبْدُ مستقيماً. فما أعجب هذا العوج الذي يزين الاستقامة!
فلو أنّك طبخت السكرّ على صورة الخبز ، يأتيك طعم القند - حين تتذوّقه - لا طعم الخبز .
ولو أن مؤمناً وجد صنماً من الذهب ، فكيف يتركه لعابد ( من عبّاده ) ؟
إنه ليأخذه ويُلقى به في النار ، ويطحم صورته المزيّفة !
2890 - حتى لا يبقى في الذهب شكل الوئن ، ذلك لأنّ الصورة مانعة قاطعة للطريق !
إن ذاته الذهبية ذات ربانية . ومن الزيف تصوير الصنم على النقد الذهبي .
ولا تحرق بساطاً من جراء برغوث ، ولا تضع اليوم لا نزعاجك من كل بعوضة .
إنك عابد للصنم لو بقيت أسير الصورة ! فدع صورة الصنم وانظر إلى الحقيقة !
فإذا كنت حاجّاً فاطلب لك رفيقاً من الحجّاج ، سواء أكان هندياً أو تركياً أو عربياً .
2895 - ولا تنظر إلى صورته ولونه ، بل انظر إلى عزمه وقصده !
فلو كان أسود اللون فإن له ذات قصدك ، فسمّه أبيض فإنه شريكك في اللون !
إن هذه الحكاية قد ذُكرت بصورة مضطربة ، بلا بداية ولا نهاية كأنها شؤون العاشقين .
“ 362 “
فلا بداية لها لأنها أسبق من الأزل ! ولا نهاية لها لأنها وثيقة القربى بالأبد !
إنها كالماء ، كل قطرة منه رأس وقدم ، وهي في الوقت ذاته لا تملك أيّاً منهما .
2900 - حاش اللَّه ! ما هذه بحكاية ، فتنبّه ! إنها نقد حالي وحالك ، فأحسن تأملها !
إن الصوفيّ لا يذكر ما كان ماضياً ، لأنه ( دائماً ) يكون في كرّ وفرّ !
ونحن الأعرابيّ ، ونحن الإبريق ، ونحن الملك أيضاً . وكلنا ( يصدق عليه قوله تعالى ) :” يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفكَ ““ 1 “ .
واعلم أن الزوج هو العقل ، وأنّ الزوجة هي الحرص والطمع .
وهذان مظلمان منكران ، وأما العقل فهو الشمع ( المنير ) .
فاستمع الان إلى أصل الإنكار، وكيف ظهر. (لقد ظهر) لأنّ الكل أجزاء متنوعة .
2905 - والنسبة إلى الكل إنما هي ( بقولك ) “ جزء الكل “ ، لا أجزاء الكل . فليس الجزاء ( هنا ) مثل عبير الوردة ، الذي لا جزء من الوردة .
فلطف الخضرة هو جزء من لطف الوردة . وشدو القمريّ جزء من دلك الطائر العزيّد .
فإن أغد - ( على هذا النحو ) - مشغولًا بإثارة المشكلات وتوضيحها ، فمتى أستطيع أن أُقدِّم الماء للظماء “ 2 “ ؟
...............................................................
( 1 ) إشارة لقوله تعالى : “ إن ما توعدون لصادق ، وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك ، إنكم لفي قول مختلف ، يؤفك عنه من أفك “ . ( الذاريات ، 51 : 4 - 9 ) .
( 2 ) لو ظلمت على هذا النحو أثير المشكلات العقلية وأرد عليها وأوضحها . فأي وقت يبقي لي لأقدّم المعاني الروحية لمن هو ظماء إلى الحقيقة .
“ 363 “
فإن غمض عليك كل شيء ، وأحسست بالحرج ، فاصبر فإن الصبر مفتاح الفرج .
ولتمارس الحميْة من الأفكار “ 1 “ ، والامتناع عنها . إن الفكر هو الأسد وحمار الوحش ، والقلوب هي الآجام .
2910 - إن الحمية رأس كل دواء . ذلك لأنّ الحك يزيد الجرب .
فمن اليقين أن الحمية أصل الدواء . فهارسها ثم انظر إلى قوة روحك .
فليكن “ قلبك “ مثل الأذن ، متقبلًا هذه الأفكار ، حتى أصنع لك قرطاً من الذهب “ 2 “ .
بل إنك تصبح قرطاً في أذن القمر الصائغ . ويرتفع ( قدرك ) إلى القمر وإلى الثريّا !
فاعلم أولًا : أن البشر المختلفين قد اختلفت أرواحهم من الألف إلى الياء .
2915 - وفي اختلاف الحروف قلق وشك مع أنها - من أحد الوجوه - واحدة ، من البداية حتى النهاية “ 3 “ .
إنها متضادّة من وجه ، متحدة من وجه آخر . وهي هزل من جهة ، وجدّ من جهة أخرى “ 4 “ .
وفي يوم القيامة - يوم العرض الأكبر - يطلب العرض ذو العظمة والجلال .
...............................................................
( 1 ) المراد بالأفكار هنا الهواجس والوساوس ، وهي تصطرع في القلوب ، ويأكل بعضها بعضاً ، كما يفعل الأسد بحمار الوحش .
( 2 ) في البيت جناس بين كلمة “ گوش وار “ بمعنى ( مثل الأذن ) “ گوش وار “ بمعنى ( قرط ) .
( 3 ) ان الحروف تمثل أصواتاً مختلفة ولكنها معاً متحدة الغاية ، فهي تشترك معاً في التعبير عن المعاني . . وكذلك البشر مختلفون من بعض الوجوه في طبيعة نفوسهم ، ولكن البشرية تجمع بينهم .
( 4 ) وكما أن بعض الحروف متنافر مع البعض الآخر ، والبعض متوافق مع البعض الآخر ، كذلك البشر .
“ 364 “
فمن كان ( أسود الوجه ) كالهندي لسوء كسبه ، فإن يوم العرض هو أوان افتضاحه .
فما دام لا يملك وجهاً ( مشرقاً ) كالشمس ، فإنه لا يبتغي سوى ليل يكون له كالنقاب .
2920 - وما دامت أشواكه لا تملك ورقة واحدة من الورد ، فقد صار الربيع عدوّاً لأسراره .
فأما من كان - مَنْ رأسه إلى قدميه - ورداً وسوسن ، فالربيع ( حبيب إليه ) كعينين مبصرتين !
إن الشوك الخاوي من المعنى يريد الخريف ويطلبه ، حتى يطاول بكتفيه بستان الورد !
فإن الخريف يحجب حسن هذا ( الورد ) ، وعار ذلك ( الشوك ) ، فلا ترى لون هذا ولا لون ذاك .
فالخريف للشوك ربيع وحياة ! إنه يظهر الحصى والياقوت النقيّ بصورة واحدة .
2925 - والبستاني ( وحدة ) يدرك ذلك حتى في الخريف . لكن إبصار الواحد خير من إبصار الدنيا !
ولو كان العالم هو ذلك الشخص وحده لكان عالماً أبله ! إن كل نجم من النجوم جزء من القمر !
ولهذا فإن كلّ نقش وكل صورة ( بديعة ) تهتف : “ بشرانا ، بشرانا ! إن الربيع قادم !
“ وطالما بقيت البراعم ملتمعة ( كحلقات ) الدرع ، فكيف تظهر الثمار عقودها ؟
إن الثمار تبرز عندما تسقط البراعم . وكذلك ترفع الروح رأسها عندما يتحطم الجسد .
“ 365 “
2930 - إن الثمار هي المعنى ، والبراعم هي الصورة ! البراعم هي البشرى والثمار هي النعمة .
فحينما سقطت البراعم ظهرت الثمار . وجاءت زيادةُ هذه الثمار نتيجة لنقصان تلك البراعم .
وكيف يمنحُ القوة خبز لم يكسر ؟ أم كيف تعطي النبيذ عناقيد كرم لم تُعتصر .
وكيف يصبح الدواء مقوياً للصحة ، ما لم تُسحق معه الهليلة ؟
في صفة الشيخ المرشد ووجوب طاعته
يا ضياء الحق ، يا حسام الدين ! خذ ورقة أو ورقتين وزدهما على وصف الشيخ ( المرشد ) .
2935- فمع أن جسمك الرقيق ليس بذي قوة، فإننا لا نور لنا بدون شمس (روحك) !
ومع أنك قد أصبحت المصباح والزجاجة، فإنك أنت قائد القلب، وأنت طرف الخيط !
فما دام طرف الخيط في كفك ، وعلى هواك ، فإن حبات عقد القلب من إنعامك .
فاكتب أحوال الشيخ العارف بالطريق ! واختر الشيخ ، واعلم أنه عين الطريق .
إن الشيخ مثل الصيف ، والناس مثل الخريف ! الشيخ مثل القمر والناس مثل الليل !
2940 - لقد سميت بختي الشاب “ 1 “ شيخاً . وإنه لشيخ ( بمعرفة ) الحق لا بمر الزمان .
...............................................................
( 1 ) البحث الشاب هو الخط السعيد . وقد كنى بهذه العبارة عن تلميذه حسام الدين .
“ 366 “
إنه شيخ إلى حد أنه لا ابتداء له . وهل هناك قرين للدر اليتيم ؟
والخمر المعتقة تكون أقوى أثراً ، كما أن الذهب القديم يكون أثمن قدراً .
فاختر لك شيخاً مرشداً ، فإن السفر بدون المرشد ، كثيراً ما يكون مليئاً بالآفات والخارف والأخطار .
وبدون الدليل ، تكون حائراً ( حتى ) في الطريق التي طرقتها مراراً .
2945 - فحاذر ، ولا تمش وحيداً في الطريق التي لم ترها قط ! ولا تحوّل وجهك عن الدليل !
فإنك - أيها الأحمق - إن لم تستظل بظلمه ، يجعلك صوت الغول ( جزعاً ) دائر الرأس .
إن الغول يزجّ بك من الطريق إلى الهلاك ! فكثيرون يفوقونك في الدهاء كانوا من قبل بهذا الطريق “ 1 “ .
فاستمع إلى ما جاء في القرآن عن ضلال السالكين ، وماذا فعل بهم إبليس الخبيث الروح .
لقد دفعهم في طريق بعيدة عن الجادة ، مداها آلاف السنين ، وجعلهم عوراً مدبرين .
2950 - فانظر إلى عظامهم وشعرهم. والشمس العبرة ، ولا تسق حمارك نحوهم.
بل أمسك برقبة حمارك ، واجتذبه نحو الطريق . نحو الأخيار من حُرّاس الطريق والعارفين به .
حذار ! لا تَدَعْ الحمار ، ولا ترفع يديك عنه ، ذلك لأنه يعشق الأرض التي يكثر فيها العشب .
فلو أنك غفلت عنه ، وتركته لحظة واحدة ، فإنه يمشي فراسخ نحو الأعشاب !
...............................................................
( 1 ) كثيرون مروا بهذا الطريق من قبل - بدون دليل - فهلكوا .
“ 367 “
إن الحمار عدوّ للطريق ، لأنه ثمل بالعلف ! فلكم أورد من راكب موارد التلف !
2955 - فإذا لم تعرف ، فافعل عكس ما يريده الحمار ، يكن ذلك بحق قصد السبيل !
فشاوروهنّ ، ولكن خالفوهنّ “ 1 “ فإن من لم يعصهن مآله إلى التلف .
ولا تكن صديقاً ( لداعي ) الهوى والشهوة ، فإن ذلك يضلّك عن سبيل اللَّه .
وليس كظل الرفاق شيء يغلب هذا الهوى في الدنيا .
كيف وصى رسول اللَّه علياً كرم اللَّه وجهه ( قائلا ) :
إن كل إنسان يتقرب إلى الحق بنوع من الطاعات فتقرب أنت إلى الحق بصحبة عاقل يكون عبداً من خواص العباد حتى تفوق الجميع
قال رسول اللَّه لعليّ : “ يا عليّ ! إنك أسد اللَّه ، وإنك لبطل شجاع !
2960 - ولكن لا تجعل كل اعتمادك على الشجاعة . بل التجىء إلى ظل نخيل الأمل .
التجىء إلى ظل ذلك العاقل ، الذي لا تستطيع قوة أن تحوله عن الطريق .
إن ظله على الأرض مثل جبل قاف ، وروحه كالعنقاء المحلقة العالية الطواف .
...............................................................
( 1 ) إشارة إلى حديث الرسول : “ شاوروهن وخالفوهن “ .
“ 368 “
فلو أنني حدثتك عن نعته حتى القيامة ، فلا تتوقع لهذا الحديث نهاية ولا غاية .
إنه شمس قد اتخذت مظهر البشر ، فافهم ذلك . واللَّه أعلم بالصواب .
2965 - يا عليّ ! تخير من جملة طاعات الطريق ظل واحد من عباد اللَّه !
فكل إنسان قد التجأ إلى إحدى الطاعات ، واتخذ له سبيلًا للنجاة .
فاذهب والتجىء إلى ظل عاقل ، حتى تخلص من ذلك العدو الذي يعاندك في الخفاء .
فهاك طاعة هي خير من جميع الطاعات ، وبها تفوز بالسبق على كل سابق !
وحين يقبلك الشيخ المرشد فتنبه ، واستسلم لأمره ، واسلك سلوك موسى وهو رهن حكم الخضر .
2970 واصبر - بدون نفاق - على كل ما يعمله الخضر ، حتى لا يأمرك بالذهاب قائلًا :” هذا فراقُ بَيْني وَبَيْنكَ ““ 1 “ .
فلو أنه خرق السفينة فلا تنبس بكلمة . وإذا قتل الطفل فلا تقتلع شعر رأسك .
لقد وصف اللَّه يد ( العبد المخلص ) بأنها مثل يده حين قال :” يَدُ اللَّه فَوْقَ أَيْديهمْ ““ 2 “ .
إنّ يد الحق تميت ( الطفل ) ثم تحييه “ 3 “ . وأي حياة تضفيها عليه ؟ إنها تجعله روحاً خالداً !
والقلة النادرة التي عبرت هذا الطريق وحيدة ، أدركت ( الغاية ) بعون قلوب الشيوخ المرشدين .
2975 فيد الشيخ ليست بقاصرة عمن غابوا عنه . فما يده إلا يد اللَّه عزّ وجلّ .
...............................................................
( 1 ) ( سورة الكهف ، 18 : 78 ) .
( 2 ) إشارة إلى قوله تعالى : “ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون يد اللَّه فوق أيديهم “ . ( سورة الفتح ، 48 : 10 ) .
( 3 ) عاد الشاعر هنا للإشارة إلى قصة الخضر وقتله للطفل ، فقال إن الخضر قتله بيد الحق .
“ 369 “
فإذا كان ( الشيوخ ) يهبون الغائبين مثل هذه الخلع ، فلا شك أن الحاضرين أحسن حالًا عندهم .
وإذا كانوا يمنحون الغائبين هذا النوال ، فأية نعم يهبونها للحاضرين ؟
وأين من يكون خارج الباب ممن يمثل في خدمتهم .
فإذا اخترت الشيخ فلا تكن واهي القلب ، ولا تكن رخواً كالماء ولا منحلًا كالتراب !
2980 - وإذا كانت كل ضربة تملؤك بالحقد ، فكيف تصبح - بدون صقل - مرآة ( لا معة ) ؟
كيف ( طلب ) رجل من قزوين ضرب صورة الأسد باللون الأزرق على كتفه ،
وكيف ندم من جرَّاء وخز الإبرة
استمع من صاحب بيان إلى هذا الحكاية ، عن طريقة أهل قزوين وعاداتهم .
إنهم يضربون الوشم الأزرق بالإبرة على البدن واليدين والكتفين ، بدون ( أن يصيبهم ) ضرّ .
وذات مرة ذهب رجل من قزوين إلى أحد الدلاكين ، وقال له :
“ اضرب لي وشماً أزرق ، وأحسْسنْ تصويره “ .
فقال الدلاك : “ أية صورة أضرب أيها البطل ؟ “ فقال الرجل : “ اضرب صورة أسد هصور !
2985 إن طالعي ( برج ) الأسد ، فاضرب صورة الأسد ، وابذل قصارى جهدك ، وضع الكثير من اللون الأزرق ! “ فقال الدلاك : “ وعلى أي موضع أضرب الصورة ؟ “ فقال الرجل :
“ اضرب هذه الصورة الجميلة على كتفي “ .
“ 370 “
فلما أخذ الدلاك يغرس الإبرة ، حلّ ألمُ الوخز بكتف الرجل ، فأخذ البطل يئن قائلًا : “ أيها العظيم !
لقد قتلتني فأية صورة تضرب ؟ “ فقال الدلاك : “ لقد طلبت مني أسداً “ . فقال الرجل : “ فبأي جزء من جسمه بدأت ؟ “ .
2990 - فأجاب الدلاك : “ لقد بدأت بالذيل “ ، فقال الرجل : “ دعك من الذيل يا حبيبي “ 1 “ !
لقد احتبست أنفاسي من ذيل الأسد وعجزه . إن عجزه قد أطبق بإحكام على مجرى أنفاسي !
فليكن الأسد بدون ذيل ، يا صانع الأسد ! لقد وهن قلبي من ضربات إبرة الوشم “ .
فأخذ الدلاك يضرب بإبرته جانباً آخر ، بدون مجاملة ولا مواساة ولا رحمة .
فصاح الرجل : “ أيّ عضو من الأسد ذلك ؟ “ ، فأجاب الدلاك : “ إن هذه أُذنه ، أيها الرجل الطيب “ .
2995 - فقال الرجل : “ لا كانت له أُذن أيها الحكيم ! ألا فلتقطع الأذن ولتقصِّر هذا البساط “ “ 2 “ .
فبدأ الدلاك يخزه في جانب آخر ، وبدأ القزويني يصرخ من جديد .
وقال : “ أي عضو ترسمه على هذا الجانب الثالث ؟ “ فقال الدلاك : “ إن هذا بطنه ، أيها العزيز ! “ .
فقال الرجل : “ لا كانت للأسد بطن ! ما ضرورة البطن لصورة متشبّعة باللون ؟
“ فذهل الدلاك ، وتولته حيرة عظيمة ، وظل برهة طويلة يعض بنانه .
3000 - ثم ألقى هذا الأستاذ بإبرته على الأرض ، وقال : “ هل جرى هذا الأحد في العالم ؟
...............................................................
( 1 ) حرفياً : يا عيني .
( 2 ) لتختصر هذه الصورة ولا تَبْسُطها .
“ 371 “
فمن ذا الذي رأى أسداً بدون ذيل ولا رأس ولا بطن ؟ إن اللَّه ذاته لم يخلق أسداً كهذا !
“ فيا أخي ! اصبر على وخز الإبرة ، حتى تنجو من وخز نفسك الكافرة .
فإن هذه الجماعة التي تخلصت من وجودها ( الذاتي ) يسجد لها الفلك والشمس والقمر !
وكل من ماتت في جسده النفس الكافرة ، تذعن لأمره الشمس والسحاب .
3005 - فقلبه إذ تعلم إيقاد الشموع ، لا تبقى للشمس قدرة على إحراقه .
ولقد قال الحق عن الشمس المشرقة إنها كانت” تَزاوَرُ عَنْ كَهْفهمْ ““ 1 “ .
إن الأشواك تصير كلها لطيفة كالورد أمام الجزئي الذي يتجه نحو الكل “ “ 2 “ .
فأي شيء يعنيه تعظيم اللَّه وتمجيده ؟ أن تجعل النفس ذليلة ( رخيصة ) كالتراب .
وما معنى علم توحيد اللَّه ؟ أن تحرق نفسك أمام الواحد !
3010 - فإذا كنت تريد أن تُشرق مثل النهار ، فأحرق كيانك ( المظلم ) كالليل .
واصهر وجودك في وجود راعي الوجود ، كما ينصهر النحاس في الإكسير .
إنك قد أحكمت قبضتك على “ أنا “ و “ نحن “ ، وما كل هذا الخراب إلا من التثنية “ 3 “ .
...............................................................
( 1 ) ( سورة الكهف ، 18 : 17 ) . وفي قصةأهل الكهف أن الشمس إذا طلعت كانت تميل عن كهفهم ، ولا يقع شعاعها عليه ، وبذلك لم يكونوا يتأذون من حرارة الشمس .
( 2 ) أي أن مصاعب الطريق التي يسير فيها السالك نحو خالقه تهون أمام الإخلاص فتصبح الأشواك وكأنها ورود .
( 3 ) التثنية هنا ، تأكيد الوجود الإنساني إلى جانب الوجود الإلهي .
* * *
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin