..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة  Empty كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة

    مُساهمة من طرف Admin 15/10/2020, 16:36

    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب إسحاق العطار النيسابوري
    مقدمة كتاب منظومة منطق الطير فريد الدين العطار النيسابوري
    تقديم المحقق:-

    أعلام التصوف الفارسي ثلاثة ، هم على التوالي سنائي الغزنوي وفريد الدين العطار وجلال الدين الرومي .

    وقد حاز فريد الدين العطار هذه المنزلة الكبيرة بفضل ما قدمه للمكتبة الشرقية من مؤلفات ما زالت حتى اليوم تحظى بعظيم التقدير من جميع المهتمين بالتصوف الإسلامي داخل العالم الإسلامي ، ولدى جميع المستشرقين الذين أولوا التصوف الإسلامي جل اهتمامهم وعظيم همتهم .

    وإذا كانت جميع كتب فريد الدين العطار تحظى - حتى اليوم - بعظيم التقدير ، فأعظمها جميعا وأوسعها شهرة منظومته الخالدة ( منطق الطير ) والتي تشهد بإبداع صاحبها في النظم ، وتعد دليلا عظيما على تفوق الفرس في نظم القصة الشعرية منذ قرون عديدة ، كما أن المنظومة فوق كل ذلك واحدة من شوامخ الفكر الصوفي الإسلامي ، ولا غنى لأي مهتم بالتصوف الإسلامي عنها .

    ونتيجة لما حظيت به هذه المنظومة الفريدة في فكرها وحبكة قصتها ، أقدم عدد كبير من المستشرقين على دراستها ونقلها إلى لغاتهم ، فقد ترجمت إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية ، وحظيت كذلك باهتمام مفكري الشرق ، فترجمت إلى اللغتين الهندية والتركية .

    ونتيجة للصلات العميقة الجذور بين الأدبين العربي والفارسي ، وكذلك الصلات الوطيدة بين التصوف العربي والتصوف الفارسي ، أقدمت على ترجمة هذه المنظومة إلى اللغة العربية ، لتكون في متناول.

    القارئ العربي المهتم بالتصوف الإسلامي ، والذي لم تتح له الفرصة لمعرفة اللغة الفارسية ، وليدرك مثقفونا أن الأدب الفارسي مليء بالكنوز التي تستحق منهم اهتماما كبيرا لا يقل عن اهتمامهم بالفكر الأوروبي ، ولعل هذا الاهتمام يحقق ما نصبو إليه من تكامل بين الثقافات الإسلامية المختلفة ، أملا في تدعيم أواصر الأخوة بين شعوب العالم الإسلامي ، وبخاصة الشعبين العربي والإيراني.

    وأخيرا أقدم عظيم شكري لكل من قدموا لي يد العون لإتمام هذه الترجمة ، سواء تمثل هذا العون في مشورة أتحفوني بها ، أو في كتاب أعانني على إنجاز الترجمة والدراسة حول المنظومة ، أو أي عون ساعدني على إتمام هذا العمل الكبير الذي يسعدني أن أقدمه إلى المكتبة العربية واللّه الموفق. ، بديع جمعة

    الفصل الأول التعريف بفريد الدين العطار

    أولا : اسمه ولقبه وكنيته وأسرته :

    إن الغموض يكتنف سيرة العطار ويلقي ظلالا على كل جانب من جوانب حياته ، ويمتد هذا الغموض إلى اسمه ولقبه وكنيته : اسمه باتفاق أغلب المؤرخين وكتّاب التذاكر هو « محمد » فقد ورد في ( مصيبت ‌نامه ) ما ترجمته :

    واسمي محمد ، وقد أتممت هذا - أيها العزيز - على غرار ما فعل محمد

    أما لقبه : فباتفاق أغلب المؤرخين هو : فريد الدين ، ويقول الأستاذ نفيسي إن مؤلف كشف الظنون عند الحديث عن جوهر الذات وجواب نامه ذكر أن لقبه « زين الدين » وهذا خطأ ، فمن المرجع أنها كانت فريد الدين وحصل تحريف من الكاتب أو من الطباعة. ! ؟

    كما يقول الأستاذ نفيسي إنه تخلص بهذا الاسم في اثنين وثمانين غزلية من مجموع الغزليات التي وصلتنا من إنتاجه والبالغ عددها أربع وخمسون وسبعمائة غزلية .

    وكنيته - كما يقول عوفي - أبو حامد ، ولأنه كان معاصرا للعطار فإن قوله يرجح أقوال الآخرين الذين قالوا إن كنيته " أبو طالب "

    ولكننا نجد فريد الدين كثيرا ما كان يذكر اسمه على أنه « العطار » فقد قال في منطق الطير في ختم المنظومة :

    لقد نثرت يا عطار نافجة المسك المليئة بالأسرار، على هذا العالم في كل آونة.

    وهذا الاسم الذي تخلص به العطار كثيرا ، قد لصق به منذ كان يعمل صيدليا ويملك دكانا للعطارة .

    أما والد العطار فاسمه إبراهيم وكنيته « أبو بكر » ، وكان يعمل عطارا هو الآخر ، وكان من مريدي الشيخ الصوفي قطب الدين حيدر في قرية " كدكن" إحدى قرى نيسابور .

    وعلى الأرجح فإن والده عمر كثيرا ، ربما إلى أن ألف العطار منظومته « أسرار نامه » ويحتمل أن يكون توفي عن ثمانين عاما وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 590 هـ و 605 هـ .

    والدته : ويفهم من « أسرار نامه » - على حد تعبير فروزانفر - أن أمه كانت على قيد الحياة يوم وفاة والده ، كما يستفاد من « خسرو نامه » أنها توفيت أثناء تأليف هذا الكتاب ، وأنها كانت من أهل المعنى ، وقد بكاها العطار في خاتمة « خسرو وكل » ؛ فقد قال:

    « لم يكن لي أنس إلا بأمي ، وقد ذهبت ، كم أشدت أزري هذه الضعيفة التي كانت خليفة من مملكة الدين ، لقد كانت ضعيفة كالعنكبوت ، ولكنها كانت لي حصنا ودرعا » .

    وكانت كما يقول : رابعة الثانية بل أتقى من رابعة ، بقيت تسعة وعشرين عاما تلبس حقير الثياب وخشنها ، وكانت تقوم الليل دعاء وبكاء .

    أجداده : أما عن أجداده فيذكر بروان جده وجد والده على أنهما « مصطفى » « وشعبان » وذلك نقلا عن كشف الظنون لحاجي خليفة .

    ولكن الأستاذ نفسي يعترض على هذين الاسمين ، فمصطفى لم يرد ضمن تسلسل اسم العطار في الكتب الموثوق في صحتها ، أو التي ألفت في عصره .

    كما أن اسم « شعبان » لم يسبق أن تسمى به أحد في إيران حتى القرنين السادس والسابع الهجريين ، وقتما كان يعيش العطار وأسرته ، فهذه الأسماء التي على غرار الشهور العربية مثل محرم وربيع ورجب وشعبان ورمضان قد راجت بعد ذلك في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع في غرب آسيا وآسيا الصغرى ومصر . ثم انتشرت هذه الأسماء بعد ذلك في أماكن عدة .

    وأنا أوافق الأستاذ نفسي على اعتراضه هذا ، فلا نجد كتابا آخر من كتب التراجم يذكر اسم جد العطار على أنه « مصطفى » أو اسم جد والد العطار على أنه « شعبان » إلا حاجي خليفة ، وهو لا يؤخذ برأيه ، لأن المعروف في أغلب كتب التراجم أن جد العطار اسمه اسحق ويكنى بأبي يعقوب .

    وبعد ، فإن الاسم الحقيقي للعطار هو :

    "فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب اسحق العطار "

    أولاده :

    أما عن أخبار من خلفهم العطار من أبناء فالشك يكتنف كل ما قيل عنهم فمن قائل إنه لم ينجب مطلقا . ومن قائل إنه أنجب ولدا واحدا .

    وهناك قصة يرويها أحد كتاب التراجم ، وقد أوردها « روحاني » في مقدمة ترجمته الفرنسية لإلهي نامه :

    " إن العطار كان له عشرة أبناء وقد وقعوا في أسر قطاع الطريق . . . - وهؤلاء اللصوص أخذوا يضربون أعناقهم الواحد تلو الآخر ، والعطار في كل مرة يرفع عينيه إلى السماء وهو يبتسم ، وما أن جاء دور ابنه العاشر والأخير حتى قال ذلك الابن : ما أقسى ذلك الأب الذي يبتسم وهو يرى أولاده يموتون تلك الميتة ، فيرد العطار قائلا : بني العزيز لا حول لنا ولا قوة أمام من يأمر بهذا - أي اللّه - ، وما أن سمع اللصوص ذلك الجواب حتى أطلقوا سراح الولد العاشر ، وألقوا بأنفسهم كتب التراجم يذكر اسم جد العطار على أنه « مصطفى » أو اسم جد والد العطار على أنه « شعبان » إلا حاجي خليفة ، وهو لا يؤخذ برأيه ، لأن المعروف في أغلب كتب التراجم أن جد العطار اسمه اسحق ويكنى بأبي يعقوب.

    وبعد ، فإن الاسم الحقيقي للعطار هو :

    "فريد الدين أبو حامد محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي يعقوب اسحق العطار

    أولاده ":

    أما عن أخبار من خلفهم العطار من أبناء فالشك يكتنف كل ما قيل عنهم فمن قائل إنه لم ينجب مطلقا . ومن قائل إنه أنجب ولدا واحدا .

    وهناك قصة يرويها أحد كتاب التراجم ، وقد أوردها « روحاني » في مقدمة ترجمته الفرنسية لإلهينامه :

    « إن العطار كان له عشرة أبناء وقد وقعوا في أسر قطاع الطريق . . . - وهؤلاء اللصوص أخذوا يضربون أعناقهم الواحد تلو الآخر ، والعطار في كل مرة يرفع عينيه إلى السماء وهو يبتسم ، وما أن جاء دور ابنه العاشر والأخير حتى قال ذلك الابن : ما أقسى ذلك الأب الذي يبتسم وهو يرى أولاده يموتون تلك الميتة ،

    فيرد العطار قائلا : بني العزيز لا حول لنا ولا قوة أمام من يأمر بهذا - أي اللّه - ، وما أن سمع اللصوص ذلك الجواب حتى أطلقوا سراح الولد العاشر ، وألقوا بأنفسهم وأول كتاب أرخ له هو « لباب الألباب » المؤلف عام 617 هـ، ولكنه لم يشر على الإطلاق إلى تاريخ ولادته.

    ثانيا : تاريخ ميلاده العطار ومدة حياته

    وكذلك « تاريخ كزيده » المؤلف عام 730 هـ لم يشر هو الآخر إلى تاريخ ولادة العطار ولا مدة حياته .

    ثم يأتي بعد ذلك نفحات الأنس لجامي ، وفيه يقول : « وحضرة الشيخ استشهد في 627 هـ على يد الكفار وسنه المبارك في ذلك الوقت - كما يقولون - 114 سنة .

    أي أن تاريخ ولادته هو عام 513 هـ . ولكن مما يجعلنا نشك في صحة هذه التواريخ أن جامي لم يسق الدليل على صحتها مكتفيا بقوله « كما يقولون » وهذه العبارة تدفع الإنسان إلى الشك أكثر من اليقين ، كما أنه لم يحدد لنا من هؤلاء الذين يقولون .

    هل هم العامة ؟ أو أنه أخذها عن مصدر سابق موثوق به .

    ثم يأتي دور « دولتشاه » فيقول : « ويمتاز العطار بأنه كان معمرا . . ، فقيل إنه بلغ المائة والأربع عشرة سنة، وقد ولد في عصر السلطان سنجر في السادس من شعبان عام 513 هـ.

    ونلاحظ أن دولتشاه نفسه رغم أنه يحدد تاريخ ولادة العطار بالشهر واليوم إلا أن قوله يدعو إلى الشك أيضا في صحته فقوله « قيل إنه . . . . . . . . »

    لا تحسم خلافا بل تثير شكا ، وربما أنه أراد أن يثبت صحة رأيه فحدد لنا شهرا معينا ويوما محددا لهذه الولادة حتى يؤثر على القارئ فيأخذ برأيه ولو كان دولتشاه صادقا فيما يقول لأخبرنا من أين استقى هذا التاريخ .

    وقد نقل صاحب « خزينة الأصفياء » عن صاحب « مخبر الواصلين » عدة أبيات هذه ترجمتها :

    شيخ الدنيا والدين فريد الدين ، شمس فلك الصدق واليقين

    عمره مائة وأربع عشرة سنة ، وذلك من لطف اللّه المتعال

    واعتبر العقل تاريخ وفاة ذلك المسعود ، موافقا لجملة "بلبل الجنة والجنان " .

    وجملة : « بلبل جنة وجنان » بحساب الجمل تعني 627 هـ ، وعلى هذا فيكون مولده عام 513 هـ ومدة حياته 114 سنة .

    ونلاحظ أن هذا المرجع هو الآخر لم يذكر لنا المصدر الذي استقى منه المؤلف هذه التواريخ .

    ويذكر أمير علي في كتابه « روح الإسلام » تاريخ ولادة العطار على أنها عام 545 هـ . ويعلق على هذا الأستاذ عزام بقوله :

    "وهذا غلط لا شك فيه . ومن الأدلة عليه أن الشاعر يتكلم في منظومته "

    إلهي نامه » عن السلطان سنجر كلامه عن الأحياء وسنجر مات سنة 552 هـ فلو ولد الشاعر سنة 545 هـ لكان كلامه هذا عن سنجر وهو دون العاشرة من عمره " .

    ولكن بمراجعتي لمنظومة العطار « إلهي نامه » لم أجد إلا نصوصا

    ثلاثة ذكر العطار فيها سنجر ولا تدل - كما قال عزام - على أنه يتحدث عن سنجر حديث الأحياء ولذا فاعتراض الأستاذ عزام مردود ، خاصة وأنه لم يذكر لنا هذه الأبيات التي يشير إليها حتى يؤكد بها كلامه هذا .

    لنترك هؤلاء الكتاب السابقين ، ونناقش آراء الباحثين في العصر الحديث لعلنا نظفر منهم بما يضع الأمور في نصابها .

    ولكننا نجد أن التضارب يسيطر على كتاباتهم أيضا . وهذه طائفة من أقوال الباحثين في العصر الحديث .

    نلاحظ أن جارسان دي تأسي في مقدمة ترجمته لمنطق الطير قد اكتفى بنقل

    تاريخ ولادة العطار عن دولتشاه وهو عام 513 هـ دون أن يرجحه أو يفنده .

    أما بيزي Pizzi فقد تابع جارسان ودولتشاه كذلك وحدد تاريخ ولادته بعام 513 هـ

    وأضاف قائلا : وقد عاش عمرا طويلا زاد على مائة عام وعشرة "3 " والأستاذ محمد بن عبد الوهاب القزويني يقول في مقدمة تذكرة الأولياء ، نشر إيران عام 1321 هـ ، وذلك بعد ذكره ذلك التضارب الذي وقع فيه المؤرخون قديما حديثا حول تحديد سنة ولادته ومدة عمره.

    "ولذا اختلف الناس في طول عمره ، فالقاضي نور اللّه ، ومحمد.

    دارا شكوه في سفينة الأولياء ، وتقي كاشي ، ورضا قليخان يقولون إن العطار بلغ 114 عاما ، ولكن من المحقق أنه عاش حتى بلغ السبعين وبضع سنوات ، فهو يقول في ديوانه ما ترجمته :

    وإذا كان الموت قد أشرف على الوادي مائة مرة ، فإن عمرك قد جاوز الستين إلى ما بعد السبعين ببضع سنين .

    ثم يقول : ولا يعلم أنه عاش أكثر من هذا القدر .

    والقزويني يحدد عصر العطار استنادا إلى فقرة جاءت في مقدمة تذكرة الأولياء للعطار ، وهذه ترجمتها :

    "مثلت ذات يوم أمام مجد الدين الخوارزمي ، فرأيته باكيا ، فقلت خيرا . قال : ما أكثر العلماء الذين كانوا يشبهون الأنبياء عليهم السلام في هذه الأمة - فقد قال الرسول - علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل . . »

    ثم يقول القزويني : « وفاة الشيخ مجد الدين كانت عام 606 هـ أو 616 هـ ، فعلى وجه التقريب يعلم أن عصر العطار هو نفسه عصر الشيخ مجد الدين » .

    وهكذا نجد أن القزويني ينهي كلامه دون أن يحدد عاما معينا لمولد العطار وإنما اكتفى بالشك في عام 513 هـ الذي ذكره دولتشاه دون أن يذكر الحجج والأسانيد التي تدعوه إلى هذا الشك.

    أما المستشرق الإنجليزي براون فذكر أن مولد العطار كان سابقا على 545 هـ أو 550 هـ ولكن دون أن يذكر حججه وأسانيده التي تؤيد رأيه

    ويعلق الأستاذ نفيسي على أن عمر العطار قد بلغ 114 عاما فيقول : في رأيي إن هذا يكاد يكون محالا أو في حكم النادر الذي يقبله العقل ويسوق على ذلك براهين عدة أهمها .

    كان العطار - كما يقول هو - من تلاميذ الشيخ نجم الدين كبرى ، وقد ولد هذا الشيخ عام 540 هـ ، فإذا كان العطار قد ولد حقيقة عام 513 هـ لكان أكبر من نجم الدين بحوالي سبعة وعشرين عاما ، فهل يعقل أن يلجأ العطار إلى من يصغره سنا بسبعة وعشرين عاما ليكون له مريدا ، والعطار لم يكن ذا منزلة صغيرة . . . .

    فقد اطلع على أربعمائة كتاب وكان الناس يقصدونه طالبين علمه ومعرفته .

    وسند آخر يسوقه نفيسي ، فيقول : إن العطار لم يذكر في شعره أنه بلغ أكثر من التسعين . . . ثم يورد أبياتا يخبرنا فيها بأنه وصل إلى حد المشيب ، وأنه تعدى السبعين بل وصل إلى حد التسعين ، فقد قال ما ترجمته : -

    - وهكذا وضح أمره إذ نهض ذلك الشيخ ذو التسعين عاما ، وقد عقد الزنار وهو على هذه الحال .

    وعلى هذا فالأستاذ نفيسي يحدد مدة عمر العطار بتسعين عاما بالإضافة إلى أنه يرجح أن وفاة العطار كانت عام 627 هـ ، أي أن عام ولادته - كما يرى - هو 537 هـ

    ولكن هذا البيت الذي ساقه نفيسي ليس دليلا قاطعا لأنه لا يتحدث فيه عن نفسه بل يتحدث فيه عن شيخ آخر .

    ويشاركني هذا الرأي الأستاذ فروزانفر والأستاذ روحاني .

    والأستاذ فروزانفر يرى أن العطار ولد عام 540 هـ :

    وأنه عاش أكثر من السبعين ، ولكن أقل من الثمانين ، وهو يؤكد وجهة نظره بعدة قرائن، هذه أهمها.

    1 - إن العطار لم يذكر في شعره أنه بلغ أكثر من السبعين إلا ببضع سنين .

    2 - إن العطار ذكر بعض المشايخ ذكره للأموات وهم :

    ركن الدين آكاف المتوفى عام 549 هـ ، وأبو منصور مظفر بن أردشير عبادي المتوفى عام 547 هـ ، ومحيي الدين محمد بن يحيى الذي قتل في وقعة الغز .

    3 - إشارة العطار إلى حادثة قحط نيسابور في بعض كتبه إشارة شخص لم يكن حاضرا إياها . وقد وقع بنيسابور أكثر من قحط عام 532 ، 543 ، 552 هـ .

    ولكن بعد أن ذكرنا كل هذه الآراء التي قالها جمع كبير من أصحاب التراجم والباحثين ، أي التواريخ نراه صحيحا لمولد العطار ؟

    في رأيي أن أصح التواريخ لولادة العطار ما يقع بين عامي 545 هـ : 550 هـ . وذلك لعدة أدلة :

    أولا : الرأي القائل بأنه ولد عام 513 هـ رأي خاطىء فأول من ردد هذا التاريخ دولتشاه وهو معروف بأغلاطه وأخطائه ثم تناقله المؤرخون من بعده ، كما أن هذا التاريخ مرفوض كذلك استنادا إلى الأدلة التي ذكرتها من قبل نقلا عن الأستاذ نفيسي والأستاذ فروزانفر .

    ثانيا : إن العطار لم يذكر أنه بلغ أكثر من السبعين إلا ببضع سنين ، وأقواله بطبيعة الحال خير مصدر يعتمد عليه في تأريخ حياته ، فهو يقول محدثا نفسه ما ترجمته .

    إن كنت قد قضيت سبعين عاما ، فليس هذا بعجيب ، ولكن العجيب أن نفسك تزداد سوءا في كل لحظة .

    كما قال ما ترجمته :

    - لقد جثم الموت أمام مدخل الوادي مائة مرة ، والآن تخطى عمرك الستين ووصل إلى ما بعد السبعين ببضع سنين .

    وعلى هذا فلا نستطيع أن نقول إنه عاش أكثر من السبعين إلا ببضع سنين ، وإذا كنا نفترض بأن وفاته كانت عام 627 هـ فعلى هذا الفرض يكون مولده ما بين عامي 545 ، 550 هـ.

    ثالثا : إن عوفي - وهو المعاصر للعطار - اعتبر العطار من الشعراء الذين عاشوا بعد عصر سنجر ، ونحن نعرف أن سنجر توفي عام 552 هـ فلو كان العطار قد ولد عام 513 هـ لكان قد عرف كشاعر قبل وفاة سنجر ، وعلى هذا فهو لا بد وأن يكون قد ولد في أواخر حكم سنجر ، بين عامي 545 ، 550 ه كما حددنا .

    ولكن بعد كل هذا ، هل يعد هذا التاريخ الذي حددناه لمولد العطار قاطعا ؟ بطبيعة الحال : لا ، ولكنه أكثر التواريخ قبولا في رأيي ، إلى أن يظهر الدليل القاطع بعد ذلك في أثر من آثاره المفقودة .

    ثالثا : دخوله في الطريق الصوفي

    عرف فريد الدين النيسابوري بالعطار لأنه كان يعمل بالعطارة والطب ، ويقال إن العطار قد ورث العطارة عن أبيه الذي اكتسب منها ثروة طائلة حتى قيل إنه أصبح مالكا لجميع حوانيت العطارة في نيسابور .

    ولكن هل ظل شاعرنا طوال حياته عطارا وطبيبا ؟

    للإجابة على هذا السؤال نجد أن الشائعات تتدخل ، وتحاول أن تنسج حول هذه القضية هالة من الأقاويل والأباطيل :

    يقول عبد الرحمن الجامي في كتابه نفحات الأنس : « ذات يوم كان العطار في دكان عطارته فجاءه هناك فقير ، وقال له عدة مرات : أعطني شيئا اللّه ، فلم يأبه بالفقير . فقال الفقير : أيها السيد كيف تموت ؟

    فقال العطار : كما ستموت أنت .

    فقال الفقير : أيمكنك أن تموت مثلي ؟

    فقال العطار : نعم . فوضع الفقير قدحه تحت رأسه وقال : اللّه ! وأسلم الروح .

    فتغير حال العطار وتخلص من متجره توا ، وجاء إلى هذا الطريق » .

    ورواية دولتشاه قريبة من هذه الرواية ، وإن كانت بها بعض الإضافات البسيطة ويختمها دولتشاه بقوله : « وذهب إلى صومعة الشيخ العارف ركن الدين الاكاف ، وطلب التوبة على يد هذا الشيخ ، وشغل بعد ذلك بمجاهدة نفسه وبالرياضة الروحية ، وظل في حلقة الدراويش عدة سنين . . . .

    ويفهم من روايتي جامي ودولتشاه أن تحول العطار إلى التصوف كان فجائيا ، وهذا الأمر يدعو إلى الشك والريبة ، وهناك أكثر من دليل على كذب هذه القصة.

    أولا : كان العطار نفسه مولعا بالصوفية منذ صغره ، فهو يقول في مقدمة تذكرة الأولياء ما ترجمته .

    وباعث آخر - لتأليف الكتاب - هو أنني بلا سبب كنت أشعر منذ الطفولة بمحبة زائدة تجاه هذه الطائفة تموج في قلبي ، كما كانت أقوالهم تسعدني في كل آونة .

    أي أنه كان بالصوفية شغوفا منذ الصغر ، وعلى هذا فإننا نستبعد أن يكون قد تحول تحولا مفاجئا إلى الطريق الصوفي .

    ثانيا : يخبرنا العطار بأنه ألف « مصيبت ‌نامه » ، « وإلهي نامه » في دكانته حيث قال ما ترجمته :

    مصيبت ‌نامه وهي حسرة العالم ، وإلهي نامه وهي الأسرار المشهودة - بدأتهما في الصيدلية وسرعان ما فرغت من كلتيهما .

    وعلى هذا فالعطار كان صوفيا قبل أن يهجر دكانه ، والحقائق الصوفية في هذين الكتابين لا يمكن أن يتفوه بها مريد جديد ، بل صادرة عن شيخ خبر الطريق وعرفه معرفة تامة .

    ولكن ، إذا كان العطار صوفيا منذ صباه ، فلم هجر دكانه ؟

    لا بد وأن حالة الوجد غلبت عليه وزاد عشقه الصوفي ، فأصبحت العطارة حجابا في طريقه ، وعلى عادة الصوفية ، تخلص من هذا الحجاب ، ومن كل العلائق الدنيوية وتوجه إلى الخانقاه ، ليكون خالصا للعبادة وليحصل أكبر قدر من المعرفة الإلهية والحكمة الذوقية .

    ولكن ، ما مدى صحة ما قاله دولتشاه من أن العطار بعد أن ترك دكانه توجه إلى صومعة الشيخ ركن الدين الآكاف ؟

    للإجابة عن هذا السؤال يحسن بنا أن نتكلم عن شيوخ العطار .

    رابعا : شيوخ العطار

    اختلف الباحثون فيما بينهم حول الشيوخ الذين اتصل بهم العطار أو تأثر بهم . فمن قائل إنه كان أويسيا ، وآخر يقول أنه من أتباع نجم الدين الكبرى ، وثالث يرجح أنه من مريدي الشيخ ركن الدين الآكاف ، ورابع يرى أنه من أنصار الشيخ مجد الدين البغدادي ، وخامس يستنتج من مدائح العطار للشيوخ أنه كان من أنصار الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير . . .

    وقبل أن نصل إلى رأي قاطع في ذلك يحسن بنا أن نذكر بعض هذه الآراء تفصيلا .

    يقول دولتشاه إن العطار بعد أن هجر دكانه توجه إلى صومعة ركن الدين الأكاف ، وعاش فيها فترة يتعبد وذلك ، بالمجاهدة والرياضة الروحية . . ..

    معنى ذلك أن العطار من مريدي هذا الشيخ ، وإذا كنا انتهينا إلى أن العطار ولد بين عامي 545 هـ و 550 هـ فلا يمكن أن يكون من مريدي هذا الشيخ لأن ركن الدين الأكاف توفي عام 549 هـ .

    ويقول دولتشاه أيضا ، إن العطار قد أصاب الطريق بنظرة وقعت عليه من الشيخ قطب الدين حيدر والعطار ما زال في دور الطفولة ، ولذا فإن العطار ألف كتابه « حيدر نامه » إهداء لهذا الشيخ.

    ولكن هذا القول مردود كذلك ، لأن حيدر نامه من الكتب المشكوك في صحة نسبتها إلى الشيخ العطار ، كما أن فروزانفر يضيف إلى ذلك قوله : « إن هذه الرواية لا أساس لها من الصحة وقد انفرد بروايتها دولتشاه دون غيره . . . . وعلى هذا فنحن لا نستطيع أن نصدق هذا القول .

    ويقول جامي : إن البعض يقولون إن العطار أويسي .

    والأستاذ فروزانفر يشرح لنا المقصود بالأويسية ، فيقول :

    وأويسي في تعبيرات الصوفية يقصد به الشخص الذي لا يأخذ بظاهر المشيخة ، وإنما من استفاد بروحانية الرسول المعظم أو أحد المشايخ ، ومن اكتسب الفيض وقد طهر باطنه وأضاء بنور المعرفة قلبه ،وتم سيره وسلوكه بتأييد من روحانية ذلك الشيخ .

    ولكننا لا نعلم أن أويس القرني قد أسس مذهبا أو طريقة صوفية ، كما لم يخبرننا أحد معاصريه بأنه كان صوفيا بل كان زاهدا ، ففي وقته لم يكن للصوفية وجود ، إذ أن الصوفية بدأت في الظهور في العام الأخير من القرن الثاني وأويس كان من رجال القرن الأول الهجري .

    ويقول فروزانفر إن مدح العطار للشيخ أبي سعيد بن أبي الخير كمدح المريد لشيخه ، دليل آخر على أن العطار لم يكن أويسيا .

    ويقول جامي كذلك : وهو - أي العطار - مريد للشيخ مجد الدين البغدادي ثم أورد ما حدث بينهما وأثبته العطار في مقدمة تذكرة الأولياء .

    حقيقة كانت هناك لقاءات بين العطار وغيره من متصوفة زمانه ، ومن هؤلاء الذين التقى بهم الشيخ مجد الدين البغدادي المقتول عام 606 هـ . أو 616 هـ وهذه اللقاءات كان يحدث فيها تأثير وتأثر ، فلا أشك في أن العطار قد تأثر بهذا الشيخ ولكن ليس كل التأثر ، وأعتمد في هذا الرأي على ما جاء في كتابه تذكرة الأولياء ، لأننا لا نشك في صحة نسب هذا الكتاب إلى العطار ، ولأن الروايات التي ذكرت عن اتصال العطار بشيوخ آخرين لا تعتمد على سند قوي من مؤلفات العطار يمكن أن يقف إلى جوار هذا السند .

    ويقول الأستاذ نفيسي اعتمادا على قول الشيخ سليمان بن إبراهيم صاحب كتاب ينابيع المودة - إن العطار كان من أنصار الشيخ نجم الدين كبرى . ويستدل على ذلك بما قاله العطار في كتاب مظهر الصفات ص 295 : « كنت عند شيخي وسندي الشيخ نجم الدين الكبرى قدس سره ، فحدثني هذا الحديث فغلب عليه الوجد والحال القوي فبكيت معه فحقرت الدنيا في أعيننا ، وقلعنا حب الدنيا عن قلوبنا " .

    كما قال في نفس الكتاب ص : 137 " كنت ذات ليلة عند شيخي وسندي الشيخ نجم الدين الكبرى قدس سره ، فحدثني هذا الحديث فغلبت عليه الوجد والحال القوي وبكيت فحقرت الدنيا في أعيننا" .

    معنى هذا أن العطار كان مريدا للشيخ نجم الدين الكبرى ، ولكن إذا عرفنا أن الشيخ سليمان اعتمد في ذلك على كتاب مدسوس على العطار ولم يسنده أحد مطلقا إلى العطار قبل عام 1291 هـ سنة تأليف ينابيع المودة - وهذا الكتاب هو مظهر الصفات ، ويرجح أنه نفس الكتاب المعروف باسم « مظهر العجايب » الذي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لعطار آخر .

    وعلى هذا فاعتبار العطار من مريدي الشيخ نجم الدين كبرى قول مردود لا يوجد ما يؤيده من الأسانيد القوية .

    ويقول الأستاذ فروزانفر إن العطار قد تأثر بالشيخ أبي سعيد ابن أبي الخير المتوفى عام 440 هـ .

    والدليل على ذلك أنه أكثر من مديحه فقد ذكره في تسع حكايات بمصيبت ‌نامه وفي خمس حكايات بإلهي نامه وفي ثلاث حكايات بمنطق الطير ، وفي حكاية واحدة بأسرار نامه . وكل هذه الحكايات تعظم أبا سعيد غاية التعظيم .

    وهذا ليس بغريب لأن طبيعة الشاعر تنزع دائما إلى الشعر والشعراء فما بالك إذا كان أبو سعيد والعطار يتفقان في أكثر من صلة ، أولها صلة الشعر ،

    وثانيها صلة التصوف والعرفان . كما أن العطار يشير في بعض أبياته إلى أن ما وصل إليه من علم ومعرفة مستمد من روحانيات الشيخ أبي سعيد فضل اللّه بن أبي الخير .

    - إنني أدرك أن كل حظ أجده في هذا الزمان من أنفاس أبي سعيد .

    - كما أنني أحظى في كل لحظة ، بنصيب وافر من سبل مدده .

    ولكنني أضيف إلى هؤلاء كلهم شيخا آخر ما زال أثره قويا حتى الآن في تفهمنا لديننا الإسلامي ، هذا الشيخ صاحب التأثير في العطار هو أبو حامد الغزالي ؛ والأدلة على ذلك كثيرة :

    أولا : كان أبو حامد الغزالي شافعيا ، وقد تابعه العطار في ذلك .

    ثانيا : أول من أعلن الحرب على الفلسفة كان الإمام الغزالي وقد تابعه العطار في هذه الحرب ( وسأشير إلى ذلك تفصيلا فيما بعد ) .

    ثالثا : العطار متأثر في بعض قصصه بالغزالي وخير دليل على ذلك قصة منطق الطير نفسها فقد أخذ أصولها عن « رسالة الطير للغزالي » وسأشرح ذلك عند الحديث عن منطق الطير بين الخلق والنقل " .

    وكذلك أخذ العطار أصول قصة الشيخ صنعان عن الفصل العاشر من تحفة الملوك للغزالي ( وسأشير إلى ذلك أيضا عند الحديث عن قصة الشيخ صنعان ).

    رابعا : لقد قام الغزالي بالتدريس فترة بنيسابور ولابد وأنه ترك آثارا عظيمة بها ، فكان لها أثرها في تفكير العطار بعد ذلك .

    وبناء على كل ما تقدم فإنني أميل إلى أن العطار قد تأثر بأكثر من شيخ ، وأنه لم يكن يتبع طريقة معينة من الطرق الصوفية التي كانت سائدة في عصره ، وإنما أخذ من كل طريقة ما كان يروق له منها .

    خامسا : ثقافته

    أول ما يتطرق إلى الذهن من ثقافة العطار هو ما يتصل بتخلصه ، وأقصد بذلك فن الطب والتطبيب ، فعمله في هذا المجال في بداية حياته خير دليل على أنه كان عالما بأصول الطب المعروفة في عصره ، وهو يشير إلى ذلك في منظومته مصيبت ‌نامه فيقول ما ترجمته

    كان بالصيدلية كل يوم خمسمائة شخص يطلبون مني أن أجس نبضهم .

    ويقول بعض المؤرخين : إن أستاذه في هذا الفن هو مجد الدين البغدادي الطبيب الخاص للسلطان محمد خوارزمشاه .

    ولكنني أعتقد أن معلم العطار الأول لفن الطب والده فقد كان عطارا هو الآخر ، فورث العطار عنه مهنته .

    وبالنظر إلى مؤلفاته العديدة نستطيع أن نستنتج أنه كان على علم كبير بأصول الفقه الإسلامي ، كما كان للقرآن حافظا وللحديث مطلعا ،

    ولعلم الكلام دارسا . فكثيرا ما يتحدث عن مسائل فقهية في كتاباته أو يستمد فكرة من معاني القرآن والحديث .

    وكان العلم النافع في عقيدته هو الفقه والتفسير والحديث وما عدا ذلك لا فائدة منه للإنسان ، ولا يصل به إلى حد النجاة .

    وقصص العطار الخاصة بأخبار السلاطين والملوك أمثال محمود الغزنوي وسنجر وخوارزمشاه والإسكندر توضح لنا أن العطار كان على علم كبير بالتاريخ .

    والعطار بجانب ذلك كان شغوفا بقراءة سير السابقين من المشايخ والأئمة ؛ وكتابه « تذكرة الأولياء » خير دليل على ذلك .

    وقد قرأ كتبا كثيرة حتى يجمع مادة هذا الكتاب حتى وصل مجموع ما قرأه من كتب السير والتراجم أربعمائة كتاب والعطار ، رغم إعلانه الحرب الشعواء على الفلاسفة والفلسفة ، كان على علم بالفلسفة وعلم الكلام ، وخير دليل على ذلك تناوله فكرة وحدة الوجود ووحدة الشهود في كتابه منطق الطير ، كما أنه تأثر بالفلسفة في مسألة تفاوت الجسم والروح ، وكذلك بخصوص حركة الجوهر وسير أجزاء العالم صوب الكمال المطلق والثواب والعقاب الأخروي .

    والعطار كأي شاعر - اطلع على الإنتاج الأدبي السابق عليه وكذلك كان على علم بالأوزان والقوافي والموسيقى ، وكل ما يساعده على الجودة وحسن الصنعة في نظمه .

    وقصة الشيخ صنعان تخبرنا أن العطار كان على علم تام بالديانات السماوية السابقة ، وعلى معرفة بأصولها ورسومها .

    أضف إلى فنون ثقافته سعة إدراكه لقوانين علم النجوم ، فبعض أقواله تتضمن حلا لبعض مظاهر الطبيعة وأسرارها ، وخير دليل على ذلك تلك الحكاية التي وردت بمنطق الطير نسخة باريس ص 144 وتحمل أرقام الأبيات من

    ( 3616 ) إلى ( 3626 ) .

    بعد هذه النظرة إلى ثقافة العطار يمكننا أن نقول إنه كان على إلمام كبير بأغلب فنون الثقافة في عصره ، فشاعر عظيم ومفكر كبير كالعطار لم يكن يرضى أن يترك فنا من فنون الثقافة في عصره دون أن يطلع عليه ويأخذ بنصيب منه

    سادسا : نظرته إلى الفلسفة والفلاسفة

    تابع العطار الحملة الشعواء التي بدأها أبو حامد الغزالي ضد الفلسفة فحاول الإقلال من شأنها ومن شأن المشتغلين بها ، وذلك لأن الفلسفة تتصل بالعقل والعطار ينفر من العقل ويجعله قاصرا أمام إدراك الأسرار الإلهية . ولذا فإن العطار يجعل الفلسفة هي الأخرى قاصرة أمام عالم الروحانيات ، بل إنه يفضل الكفر على الفلسفة ، فقد قال في آخر منظومته منطق الطير ، ما ترجمته :

    كيف تعرف عالم الروحانيين من بين حكمة اليونانيين ؟

    ولن تكون رجلا في حكمة الدين إن لم تفارق هذه الحكمة .

    وكل من يحمل هذا الاسم ( أي فيلسوف ) في طريق العشق ، فلن يكون خبيرا في مجال الدين بالعشق .

    وبحق المعرفة ، كم أفضل هنا كاف الكفر على فاء الفلسفة .

    ولكن ، لماذا وقف العطار هذا الموقف من الفلسفة والفلاسفة يقول الأستاذ فروزانفر ، ربما أن السبب الأصلي الكامن وراء ذمه الحكمة والفلسفة يرجع إلى أن أكثر المعلمين والمتعلمين لهذا الفن في تلك الأيام ، كانوا قد أصابهم الجمود على أقوال ومصنفات أبي نصر الفارابي وأبي علي بن سينا ، وجمدوا على الآراء المنقولة عن حكماء اليونان ، وأن النظرة الحرة ، الطليقة كانت تعوزهم . بعكس الأدب والفقه ، فقد كان الأدباء والفقهاء يستندون في أقوالهم إلى القرآن الكريم والحديث وكل ما يتعلق بالدين .

    وبطبيعة الحال تابع العطار مفكري عصره في ذلك ودعا إلى الاعتماد على القرآن والحديث وهجر الفلسفة وحكمة اليونانيين ، فقال أيضا ما ترجمته .

    - ويكفي رجل الدين حكمة السيرة ( المحمدية ) ، فانثر التراب على مفرق اليونانيين من طريق الدين .

    وإذا كان موقف العطار هكذا من الفلسفة ، فلا بد وأن يكون له نفس الموقف من علم الكلام فهو يقول .

    - ولكن إن يقطع علم الجدل الطريق ، فهو هكذا كثيرا ما يقطعه على العارفين .

    على الرغم من أن العطار كان يحارب الفلسفة والفلاسفة ، وكذلك

    علم الكلام ، إلا أنه بلا شك قد تأثر بمنهجهما في الكلام ، وقد أشرت إلى ذلك من قبل .

    كما أن طبيعة التصوف لا تتفق مع طبيعة الفلسفة وعلم الكلام ، فالتصوف يعتمد على القلب أما الفلسفة وعلم الكلام فيعتمدان على العقل ، والعقل مذموم لدى الصوفية . وعلى هذا فليس غريبا أن يهاجم العطار الفلسفة وعلم الكلام رغم تأثره بمنهجهما في العرض والاستدلال .

    سابعا : مذهب العطار

    اختلف الباحثون قديما وحديثا حول تحديد مذهب العطار ، فبعضهم يقول إنه من أنصار المذهب السني ، والبعض الآخر يدعي أنه شيعي متعصب ، والبعض يجمع بين الرأيين ، فيقول إنه شيعي ، ولكنه كان يظهر أنه سني حتى لا يتعرض لعنت أهل السنة وإيذائهم .

    ولكي نعرف الحقيقة يجب أن نعرض لجملة من الآراء ثم نعلق عليها بعد ذلك مستندين إلى أقوال العطار وظروف حياته .

    يقول « جارسان دي تأسي » في مقدمة ترجمته الفرنسية لمنطق الطير :

    كان العطار سنيا لا شيعيا وهو يناصر الخلفاء الثلاثة الأول في مقدمة منظومته - منطق الطير - وإن أفكار العطار السنية تبعد كثيرا من الفرس عن قراءة مؤلفاته.

    ويقول الأستاذ نفيسي : إن العطار سني شافعي .

    ويقول الدكتور عزام : إن العطار سني متشدد .

    ويقول الأستاذ فروزانفر : إن ظاهر آثار العطار توحي بأنه سني المذهب ، فهو يمدح الخلفاء الثلاثة الأول ، كما يمدح الشافعي وأبا حنيفة .

    هذه آواء الباحثين الذين يرون أن العطار كان سني المذهب .

    وعلينا أن نعرض بعدها لجملة من آراء الباحثين الذين يرون أنه كان شيعي المذهب .

    اعتبر القاضي نور اللّه الششتري العطار شيعيا خالصا ، وقد أوّل كل مدائحه لصحابة الرسول عليه السلام ليثبت أنه شيعي .

    ويقول المستشرق الروسي « بارتلس » مما لا شك فيه أنه - أي العطار - قد قاسى كثيرا من أجل عقيدته الشيعية المتغالي فيها ، ولذلك حكم عليه بالقتل إلا أنه تعلق بأذيال الفرار ، وبذلك فقد كل ثروته حتى أصبح في شيخوخته شديد الفقر ، ومات في منفاه ، وأغلب الظن أن موته كان في مكة .

    لا شك أن الأغلاط تكثر بهذه العبارة ، فلم يحدثنا أحد أن موته كان بمكة ، فالكل يعترف بأنه مات في نيسابور ، وقبره بها حتى الآن ، والظاهر أن بارتلس اعتمد في ذلك على « لسان الغيب » و « مظهر العجائب » المدسوسين على العطار ، وعلى هذا فأقوال بارتلس يجانبها التوفيق تماما .



    ويتابع جان ربيكا - المستشرق الألماني - أقوال بارتلس فيقول :

    « بالرغم من أنه - أي العطار - تربى تربية متأثرة بالتشيع ، فإن مؤلفات معاصريه تدل على أنه كان سنيا ، ولعل ذلك منه تقية لأنه في النهاية يقر بالتشيع ، وهذا ما عرضه للاضطهاد من أهل السنة حتى أنهم نهبوا داره وهددوه بالقتل ، وإن كان هذا لا يبدو صحيحا والأرجح أن سبب حقد أهل السنة عليه يرجع إلى حملاته العنيفة على علماء السنة ، وذلك لتهالكهم على حب الدنيا وعلى ريائهم ونفاقهم ولكراهيته للترك ".

    ويوضح لنا بروان - المستشرق الإنجليزي - الأساس الذي بنى عليه بعض المؤرخين كلامهم عن اضطهاد العطار وفراره إلى مكة خوفا من القتل فيقول : إن العطار نسب إليه كتاب « مظهر العجايب » وهو عبارة عن منظومة في مدح علي بن أبي طالب . . . .

    ويبدو أن نشر العطار لهذه المنظومة كان سببا في إذاعة روح السخط والتعصب لدى أحد الفقهاء السنيين من أهل سمرقند ، فأمر بإحراق نسختها واتهم صاحبها بالإلحاد وأنه حقيق بالموت والإعدام ، ثم أمعن في الكيد له فاتهمه بالكفر لدى براق التركماني وحرض العامة على هدم منزله والإغارة على أمتعته ، واضطر العطار بعد ذلك إلى أن يرحل ويلجأ إلى مكة . . .

    ويعلق الأستاذ جولبنارلي المترجم التركي لمنطق الطير - على هذه الحكاية وأمثالها فيقول :

    " ويؤخذ من هذا كله أنه في القرن التاسع الهجري أو بعد هذا القرن وجد عطار آخر أو كتبت كتب باسم العطار ، كتبها شيعي باطني ، وإن كتاب مظهر العجايب ولسان الغيب وشترنامه وما يشبهها قد كتبت باسم العطار لتترنم بالتشيع المغالي فيه وقد تكون هذه الكتب من تصنيف هذا العطار الآخر .

    وفي رأيي أن العطار كان سنيا ولم يكن شيعيا ، فكل كتبه ومنظوماته تثبت ذلك ، فما ألف منظومة إلا وأثبت فيها مدح الخلفاء الراشدين جميعا ، ولم يفضل واحدا منهم على الآخرين ، أما إذا كانت منظومة من منظوماته قد وصلتنا وقد خلت من مدح الخلفاء الثلاثة السابقين فلا شك أن بعض غلاة الشيعة قد مدوا أيديهم لهذه المنظومة ورفعوا منها مدح أبي بكر وعمر وعثمان .

    كما أن العطار يعلن حربا شعواء على التعصب والمتعصبين في مقدمة « منطق الطير » حتى أنه اعتبر المتعصب جاهلا فهو يقول .

    يا من وقعت أسير التعصب وظللت أبدا أسير البغض والحب ، إن كنت تفخر بالعقل واللب فكيف وقعت أسير التعصب ؟ . . . .

    فيا جاهلا لا رغبة في الخلافة إذ كيف تتأتى الرغبة لدى أبي بكر وعمر . . . . ؟

    ولكن إذا سلمنا بأن العطار كان سني المذهب فأي مذهب من مذاهب السنة كان يتبع ؟

    يكاد أغلب المؤرخين في العصر الحديث يجمعون على أنه كان شافعيا .

    خاصة وأن الصوفية في ذلك العصر - في الغالب - كانوا يفضلون المذهب الشافعي على غيره .

    ولكنني أعتقد أن العطار لم يكن متعصبا في شافعيته - إن كان حقيقة شافعيا - والأدلة على ذلك كثيرة .

    أولا : لقد ذكر أبا حنيفة وترجم له ومدحه في كتابه تذكرة الأولياء كما ذكر الشافعي .

    ثانيا : إن الشيخ السبكي صاحب طبقات الشافعية الكبرى لم يذكر اسم العطار بين الشافعية الذين ذكرهم .

    ثالثا : إن العطار خص أحمد بن حنبل بحكاية من حكايات منطق الطير ولم يخص الشافعي بحكاية مثلها .

    رابعا : إن الصوفي بطبيعته يحاول أن يكون فوق المذاهب ، وإن كان في بعض المسائل الفرعية يرجح فتوى أحد هؤلاء المشايخ الأربعة على الآخرين ، ولكنه لا يتقيد بالتبعية لواحد معين .

    خامسا : إن ذم العطار للتعصب ينطبق على التعصب بين السنة والشيعة أو بين الفرق السنية بعضها والبعض الآخر ، خاصة وأن هذا العصر كثرت فيه المشاحنات بين الشافعية والحنفية .


      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 01:22