..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4) Empty كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (4)

    مُساهمة من طرف Admin 15/10/2020, 16:41

    الفصل الثالث آراء العطار في منطق الطير

    أولا - المرشد والمريد :

    بدأ العطار منظومته « منطق الطير » بعقد اجتماع للطيور حيث رحب بها واحدا واحدا .

    ثم اجتمعت جميع طيور العالم لتبحث عن ملك لها لأنه لا يمكن أن تعيش بلا ملك.

    أي أنها جاءت مريدة ، ثم اعتلى الهدهد المنبر وأخذ يشرح لهم ضرورة السير والبحث عن هذا الملك وبين لهم أين يوجد ، وبعد أن شرح لهم الطريق ، أجروا القرعة ليختاروا مرشدا لهم فأصابت القرعة الهدهد ، وأصبح الهدهد مرشدهم يأتمرون بأمره وهم مريدون للحضرة العلية وقد وصف العطار حالهم قبل إجراء القرعة وبعدها فقال ( 1565 - 1590 ) :

    * وعزموا عزما أكيدا على قطع الطريق بل تعجلوا السير في الطريق .

    * وقال الجميع : يجب أن يكون لنا رائد في طريق البحث ، يكون له علينا العقد والحل .

    * ويكون مرشدنا في الطريق، لأنه لا يمكن قطع الطريق اعتمادا على الغرور.

    * ولابد لهذا الطريق من حاكم قوي ، لعلنا نستطيع أن نجتاز ذلك البحر العميق.

    * وسننفذ أوامر حاكمنا بأرواحنا ، ولن نقطع الطريق إلا بحكمه وأمره .

    * واقترعوا وكان اقتراعا موفقا واستقر اقتراعهم على الهدهد العاشق .

    * فجعله الجميع مرشدهم ، فإن أمرهم بذلوا أرواحهم .

    * وتعهد الجميع على أن يكون هو رئيسهم ، وأن يكون مرشدهم في الطريق وهاديهم .

    * والحكم حكمه والأمر أمره ولن يبخل أحدهم عليه بالروح أو بالجسد .

    وفي هذه الأبيات يوضح العطار بعض معتقدات الصوفية التي تتعلق بالشيخ والمريد وهي :

    1 - لابد وأن يكون السالك لديه الرغبة في المسير ، وهذا واضح من عزم الطير الأكيد على قطع الطريق .

    2 - لا يمكن قطع الطريق بلا مرشد أو دليل حتى يستطيع أن يهديهم في المسير ويوضح لهم ما يعترضهم من عقبات ، وذلك لأن المريد لا يستطيع قطع الطريق معتمدا على نفسه دون هداية مرشد أو شيخ ، وذلك لأن المريد جاهل بمراحل الطريق فإذا ما سار بمفرده أخطأ المسير فالطريق جد طويل ومشكل ، وما الشيخ إلا ملاذ وملجأ للمريد في المسير ، يلجأ إليه المريد ليوضح له كل ما يصعب عليه فهمه من مراحل الطريق ، كما كانت تفعل الطير مع الهدهد .

    والعطار يشير إلى هذه المعاني فيقول ( 1674 : 1673 )

    * ولا بد للطريق من شيخ ولا تسر بمفردك ولا تسلك هذا البحر عن طريق التخبط والعمى .

    * ولا بد لك من شيخنا في قطع الطريق حتى يكون ملاذا لك في كل أمر .

    * وإذا كنت لا تعرف الطريق من البئر مطلقا ؛ فكيف يمكنك قطع الطريق بلا دليل .

    * وليست لك عين بصيرة كما أن الطريق ليست قصيرة ، والشيخ في طريقك هو هادي الطريق .

    3 - على المريدين طاعة جميع أوامر الشيخ طاعة عمياء حتى ولو أمرهم ببذل الروح وإفناء النفس ، وأن يكون هو الحاكم بأمره وما على المريدين إلا إطاعة حكمه وأوامره ولا حق لهم في مناقشة أحكامه ، فله الأمر وعليهم الطاعة .

    والولاية في رأي العطار منحة إلهية لا تتم بالمجاهدة والرياضة بل يهبها اللّه سبحانه وتعالى لمن أراد ،

    فالعطار يشير إلى أن الشيخ يصل إلى الولاية بنظرة تصيبه من صاحب الحضرة فترفعه هذه النظرة إلى مكانة المرشد أو الشيخ ،

    وقد أشار إلى ذلك في المقالة السابعة عشرة حينما رد الهدهد على ذلك الطائر الذي سأله لماذا حظى بالمكانة العالية دون سائر الطير ، فرد عليه قائلا (1632 - 1633).

    فقال : أيها الطائر لقد كان سليمان يديم النظر صوبي في كل آونة .

    ولم أحصل على ذلك بالفضة أو الذهب ، وإنما تتأتى هذه المكانة من نظرة واحدة .

    والدليل على أن الولاية منحة إلهية لا تستند على المجاهدة والعبادة قصة ذلك المجرم الذي قتل ، ثم رآه صوفي في نومه ينعم بالجنة فسأله سر ذلك ، فأخبره أنه حظى بهذه المكانة رغم إجرامه بنظرة وقعت عليه وهو مقتول من حبيب العجمي . ( مقالة 17 ، حكاية 2 )

    ومن صفات الشيخ - في رأي العطار أيضا - أن يكون قد وصل إلى إدراك الحقيقة كما يكون قد خبر الطريق وطاف بكل وديانه ، فقد قال على لسان الهدهد ( 668 ، 680 ، 681 )

    - وجئت وقد أمدتني الحضرة بالمعرفة ، وصرت صاحب أسرار بالفطرة .

    - ولقد قضيت السنين في البحر والبر ، وكم أصابني الاضطراب من قطع الطريق .

    - ولقد جبت الوادي والجبل والبيداء ، كما طفت العالم في عهد الطوفان .

    هذه بعض آراء العطار عن الشيخ والمريد في « منطق الطير » وسيجد القارئ بعض الآراء الجزئية الأخرى أثناء قراءته للترجمة .

    ثانيا - اللّه والعالم

    التصوف هو الصلة التي تحدد العلاقة بين اللّه والإنسان حتى تصل به إلى حد الفناء في اللّه والبقاء بعد الفناء ، ولذا يحسن بنا أن نوضح الصلة التي تربط اللّه بالإنسان كما يراها شاعرنا العطار في منطق الطير .

    ولكن قبل أن نتعرض لهذه الصلة يجب أن نعرف كيف خلق.

    الإنسان كما ذكر العطار في مقدمة منطق الطير فهو يقول :

    إن اللّه سبحانه وتعالى أحال التراب طينا مدة أربعين يوما ، وبعد ذلك أودع في الطين الروح ، وما أن سرت الروح في الجسد وأصبح الجسد بها حيا ، منحه اللّه العقل ليكون الإنسان به مبصرا .

    ثم يقول :

    وعندما هبطت الروح إلى الجسد صار الجزء كلا ، والروح تتصف بالطهارة أما الجسد فصفته الذلة والمهانة ، وسرعان ما اجتمعت الروح الطاهرة بالجسد المهين ، وما أن اتحد السمو بالخسة حتى كان آدم أعجوبة الأسرار .

    أي أن الإنسان كما يرى العطار - وغيره كثيرون من المتصوفة - مكون من جسد ينزع إلى الشهوات والعودة إلى أصله الخسيس ، وروح نزاعة إلى الطهر والعودة إلى أصلها الرفيع والرقي إلى واهبها ، وكذا فادم خليط من عنصري الخير والشر ، ولذا اهتم الصوفية دائما بالروح وأهملوا الجسد .

    ويقول العطار على لسان اللّه سبحانه وتعالى موجها الكلام إلى داود عليه السلام ( 3094 ) .

    - ولما لم يكن هناك عوض لي فلا تكن بدوني ، وأنا يكفيني الروح فكن روحا ، ولا تكن جسدا .

    أما عن مظاهر الصلة بين اللّه والإنسان والعالم فتتمثل في رأي العطار في أكثر من مظهر وهذه أهمها :

    1 - الصلة بين اللّه والعالم هي الصلة بين البحر والقطرة وما البحر إلا اللّه وما القطرة إلا العالم .

    - وحضرة الحق بحر خضم عظيم ، وقطرة صغيرة منه تساوي جنات النعيم .

    ومن يملك البحر يملك القطرة ، وكل ما عدا البحر هوس وجنون .

    2 - والصلة الثانية هي صلة الظل بالشمس ، فالعالم ما هو إلا ظل اللّه سبحانه وتعالى ، وقد أكثر العطار من الحديث عن هذه الصلة في مواضع كثيرة من منطق الطير .

    ففي المقالة الثالثة عشرة حينما سأل طائر الهدهد أن يوضح لهم الصلة التي تربط السيمرغ بالطير ،

    قال الهدهد : عندما رفع السيمرغ النقاب فإن وجهه بدا كالشمس المشرقة ، وسقطت منه مئات الألوف من الظلال على التراب ، وقد نثر ظله على العالم فأصبحت تلك الطيور ، وصورة طير العالم جميعها ما هي إلا ظل للسيمرغ .

    ويقول العطار مخاطبا السيمرغ :

    إن كل ثوب يكسو المروج ما هو إلا ظل للسيمرغ ونحن نعرف السيمرغ في هذا الظل ، لأن السيمرغ لا ينفصل عن الظل ، ولا ينبغي للإنسان أن يبقى أسير الظل ويتخبط فيه ، وإنما يجب عليه أن ينظر في ظل السيمرغ وسيرى الشمس وسط الظل ، وإذا ما فتح باب للمعرفة فسترى كيف تتلاشى الظلال في الشمس ، وتشاهد كذلك أن كل شيء هو الشمس ( 1030 - 1069 )

    والعطار يريد بذلك أن يقول إن للّه وجودا في خلقه كما أن للسيمرغ وجودا في ظله ،

    وهو يدلل على صدق ذلك بوجود الإسكندر في رسوله الذي كان متخفيا دائما وليس لأحد عين يستطيع أن يعرفه بها ( 1103 - 1109 ) .

    والعطار أورد بيتا في منظومته « أسرار نامه » يجمع بين فكرة أن الكل ظل للّه ، وفكرة الأشياء آثار قوته الخالقة .

    - إن وجود كل شيء هو ظل جلالتك ، وإن كل شيء آثار قوتك الخالقة .

    وفي صورة أخرى أوردها العطار في منطق الطير ، حيث قال :

    " لقد سبق للسيمرغ أن ألقت ريشة في الصين فأثارت الاضطراب هناك واتخذ كل واحد صورة من هذه الريشة ،

    وكل من رأى هذه الصورة بدأ يصنع مثلها ولو لم تظهر صورة هذه الريشة لما وجد في الدنيا هذا العراك وتلك الضوضاء ،

    وكل آثار الخلق هذه تنبثق من عظمة السيمرغ وجميع الكائنات صورة من ريشتها .

    والعطار يشير إلى فكرة الظل والشمس بوضوح تام في مقدمة منطق الطير وهو يناجي ربه فيقول ( 192 ) .

    - ولما كنا متلازمين دائما ، فأنت كالشمس ونحن كالظل .

    3 - وصلة أخرى تربط بين اللّه والعالم ، وهي الصلة التي تربط بين الكنز والطلسم :

    فالعطار يقول في المقدمة : ( بيت رقم 53 ) .

    - العرش والعالم لا يزيدان عن مجرد طلسم ، واللّه الموجود وحده ، وليس لهذه الأشياء جميعها غير الاسم .

    ثم يقول : وما أكثر من خبروا سطح ذلك البحر ولكن لم يدرك أحد قط ما بقاعه فالكنز في القاع وما الدنيا إلا طلسم ، وفي نهاية الطلسم سيتحطم قيد الجسد ، وستجد الكنز عندما يفنى الطلسم أولا ، وستظهر الروح عندما يفنى الجسد أولا ، وبعد ذلك فما روحك إلا طلسم آخر ، فروحك للغيب جسد آخر ، وما الغيب إلا اللّه ( 131 - 134 )

    ويعلق الدكتور عزام على ذلك بقوله :

    " ومن العبارات الشائعة في كلامه - أي كلام العطار - : إن العالم طلسم والكنز الذي وراءه هو اللّه فقد شاع بين الناس أن كل كنز عليه طلسم إذا حل هذا الطلسم فتح الكنز . فهذا العالم في رأي العطار.

    نقوش إذا قرئت وفهمت اهتدى الإنسان إلى الكنز المخفى وراءها أي عرف الحقيقة التي تدل عليها هذه النقوش وليس هذا الكنز سوى اللّه .

    ويقرب من هذا ما رواه الصوفية في حديث قدسي : " كنت كنزا مخفيا فأردت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني " .

    وقد اجتمعت هاتان العبارتان في بيت واحد هو :

    - أنت معنى وما عداك مجرد اسم - أنت كنز والعالمون طلسم

    4 - كما يشير العطار إلى أن الصلة بين الانسان وربه شبيهة بصلة العبد بسيده ، فالعطار يناجي اللّه فيقول ( 225 - 227 ) .

    أنا بالنسبة لك عبد بذول للروح ولي وسم كالحبشان منك ، وإن لم أكن عبدك فكيف أكون سعيدا ؟

    وقد احترق قلبي حتى أصبحت عبدا لك ، فلا تبع عبدك الموسوم ، ولتضع حلقة العبودية في أذني عبدك .

    ويقول الدكتور عزام معلقا على الصلة بين اللّه والعالم - كما يراها العطار - فيقول :

    " ليست آراء العطار في اللّه والعالم مبتكرة في جملتها وإن كان فيها ابتكار في التفصيل والتصوير ، فقد سبقه إليها جماعة من المسلمين وفلاسفة الأفلاطونية الحديثة من قبل فالقول بأن المحسوسات ليست ذات وجود حق ، وأن العالم ظل من اللّه أو انعكاس عنه معروف في الأفلاطونية الحديثة وبين الفلاسفة والمتكلمين من المسلمين . . . »

    كما أن رأيه في أن الصلة بين الإنسان وربه هي صلة العبد بسيده تعد محور الدعوة الإسلامية فلا فضل للعطار فيها .

    إذا كانت الصلة بين العالم واللّه هي الصلة بين الظل والشمس أو الصلة بين القطرة وبحر الوجود فسرعان ما يتلاشى الظل في الشمس وتذوب القطرة في البحر ، وإذا كانت هذه الصلة هي الصلة بين الطلسم والكنز ، فما أسرع أن يتحطم الطلسم ليظهر الكنز ، أي أن العالم على هذه الصور الثلاث عدم لا وجود له ، ولا وجود إلا للّه الأعظم وهو صاحب الوجود وحده ،

    وإلى هذا المعنى يشير العطار بقوله في المقدمة :

    والعرش مستقر على الماء والعالم سابح في الفضاء ، واعبر الماء والفضاء فالجميع هو اللّه ، والعرش والعالم لا يزيدان عن مجرد طلسم ، واللّه وحده وليس لهذه الأشياء كلها إلا الاسم ، فامعن النظر فما هذا العالم أو ذاك إلا اللّه وحده ، إذ لا وجود إلا له ، وهو الموجود وحده ( 52- 54 ) .

    وما دام الوجود للّه وحده وما عداه عدم فلا يمكن أن يصدر عن العدم فعل فالفاعل هو اللّه وحده .

    وهذا المبدأ الصوفي يتضح لنا في قصة منطق الطير ، فبعد أن قطعت الطير الأودية ووصلت إلى السيرغ أخبرت بأن ما رأته وعرفته وقالته لم يكن هو : ويقول أحد الدارسين لمنطق الطير « يحتمل أن يكون الغرض هنا لم يكن كما ظنت من قبل ، فإن عملها لم يكن عملها في الواقع وإن كل الأودية التي عبرتها وكل الشدائد التي صادفتها ليست إلا من عمل اللّه . . .

    أي أن اللّه هو الفاعل وحده وما الإنسان إلا واسطة أو وسيلة لقدرة اللّه ، وأن عمله في هذه الحالة كان عملا سلبيا ويشعر الإنسان أن اللّه هو الذي قدره على أن يفعل ما فعل ، وبذلك نجد أن جميع النشاط وأن جميع الذاتية تمضي في اللّه .

    وما دام اللّه هو الفاعل وحده فلا سلطان إلا له ، وما سلطان الدنيا إلا شيء زائل لا قيمة له ، وإلى هذا المعنى يشير العطار كثيرا في كتابه " منطق الطير " :

    ففي نهاية القصة عندما وصلت الطير إلى الحضرة وحظيت بحاجب الحضرة وسألها عن مقصودها ، أخبرته الطيور أنها جاءت ليكون السيمرغ لهم سلطانا فيرد عليها قائلا : ( 4147 - 4148 ) .

    - فقال صاحب الحضرة : أيها العجزة : يا من تلوثتم بدماء القلب كالوردة .

    - فإن تكونوا أو لا تكونوا في الدنيا فهو السلطان المطلق الأبدي .

    كما أن محمودا الغزنوي يرد على ذلك الذي حادثه في دار القرار وسأله عن حاله فيها وقد أسماه سلطانا ، فقال له : ( 907 - 909 ) .

    "إن سلطاني خيال وغرور ، إذ كيف تكون السلطنة لحفنة من السقط ، اللّه وحده هو السلطان مالك الدنيا وهو الحقيق بهذه السلطنة ، وما أن رأيت عجزي وحيرتي حتى شعرت بالمعرة من سلطنتي . . . "

    وما دام اللّه هو السلطان وحده والخلق ظل له فهو في غنى عن الخلق ، وطاعتهم لن تنفعه بشيء كما أن معصيتهم لن تضره بشيء فكل شيء لديه متوفر وخاصة العلم والأسرار وطاعة الملائكة " .

    فالهدهد يرد على ذلك الطائر الذي سأله عن الهدية التي يجب أن يحملها كل طائر إلى السلطان الأعظم بقوله : ( 3143 - 3144 ) .

    - كل ما تحمله من هنا موجود هناك ؛ فكيف يكون حمله جميلا منك ؟

    - العلم والأسرار وطاعة الملائكة متوفرة هناك .

    وإذا كان اللّه في غنى عن الخلق وطاعتهم أو معصيتهم ، فالخلق لا غنى لهم عن اللّه سبحانه وتعالى إذ لا عوض له بين الجميع : ( 3093 - 3094 ) .

    - كل شيء تجد له عوضا إلا أنا ، فلن تجد لي عوضا ولا شبيها .

    - ولما لم يكن لي عوض ، فلا تكن بدوني ، ويكفيني منك الروح فكن روحا ولا تكن جسدا .

    وإذا كان الإنسان في حاجة إلى اللّه دائما ولا يمكن أن يكون في غنى عنه مطلقا ؛ فيجب عليه أن يكون وفيا للّه جزاء كل هذه النعم التي أنعم اللّه بها عليه ( 2660 - 2663 ) .

    « فاسمع لكل حرف يقال عن الإنصاف والوفاء . . . وإذا كنت وفيا فاعزم على سلوك الطريق . . . وكل من يخرج عن حيز الوفاء لا يليق بباب المروءة .

    كما يجب على الإنسان ألا يكون جسورا جريئا مع اللّه سبحانه وتعالى : ( 2722 ) .

    - ولكن كيف يتجرأ العالم بالسر الحافظ له متشبها بالجسور الوقح ، فلتخجل .

    ولكن أحيانا يتجرأ العبد من شدة الحب .

    وكل من يعرف الرب في كل شيء ولا يعرف ربّ من ربّ ، فإذا ما تجرأ فمن فرط الحب ( 2728 ) .

    ولكن كل من يتجرأ في حضرة السلطان الأعظم عليه بطلب المعذرة :

    " وكل من يتجرأ في هذه الأعتاب سيطلب المعذرة وسيعود إلى رشده ، فإذا أخطأ القول ولم يقل حقا ، فإنه يعرف كيف يعتذر بلطف"( 2770 - 2771 ) .

    هذه أهم سمات الصلة بين اللّه والعالم كما عبر عنها العطار في منطق الطير ولعله أوضح بعض جوانب هذه الصلة في منظوماته الأخرى ولكننا ألزمنا أنفسنا بما جاء في منطق الطير دون غيره » .

    ثالثا - العشق الإلهي

    لقد أطال العطار الحديث في منطق الطير عن العشق . إذ أن العشق هو القوة الخفية التي تدفع السالك على المضي قدما في الطريق رغبة في لقاء المحبوب الأزلي ؛ وهو اللّه سبحانه وتعالى .

    وقد اعتبر العطار وغيره من الصوفية العشق أعلى مكانة من الإيمان والكفر فهو يفوقهما معا ( 1152 ) .

    - كل من كانت له قدم في طريق العشق راسخة ، فقد تخطى الكفر والإسلام معا.

    وقد ساق العطار قصة : « شيخ صنعان » ليؤكد هذا المعنى .

    كما اعتبر العطار العشق أسمى مكانة من العقل ، أما العقل فقاصر أمام العشق وقد أشار العطار إلى ذلك كثيرا فمن أقواله : ( 3326 ، 3327 ،30331) .

    "العشق نار أما العقل فدخان ، وما أن أقبل العشق حتى ولي العقل الفرار مسرعا ، والعقل ليس متخصصا في ميدان العشق ، كما أن العشق ليس وليد العقل وإذا نظرت إلى الأمور بعين العقل فسترى العشق بلا بداية ولا نهاية " .

    والعشق يسمو بالعاشق حتى يجعله يفنى في ذات المعشوق :

    فالشيخ محمود الطوسي ينصح أحد المريدين بقوله : ( 3937 - 3957 ) .

    "عليك بإفناء نفسك في العشق تماما حتى تصبح في الضعف كالشعرة دواما ، وما أن تصبح كشعرة ضعيفة ، فأليق مكان بك حيث طرة المعشوق ، وكل من يصبح شعرة في محرابه ، فإنه يكون شعرة من شعره بلا ريب " .

    ولا شك أن الحب الإلهي كحب شيء لا سبيل إلى الوصول إليه ، وهذا الحب الذي يتخذ وسيلة للبحث عن اللّه أو عن سبب الوجود الذي لن يكون شخصا هو الموضوع الأصلي لقصتي « منطق الطير » و « مصيبت نامه » .

    والعشق نوعان

    عشق دائم ، وهو عشق المعرفة ،

    وعشق زائل وهو عشق الصورة الذي يزول بزوال الصورة ،

    وعشق المعرفة هو عشق اللّه ذلك الحبيب الأبدي الدائم ،

    أما عشق الصورة فهو عشق الماديات الفانية البالية ،

    وقد تكلم العطار كثيرا عن عشق الصورة وعدم جدواه وضرورة البحث عن حبيب لا يفنى ولا يزول ،

    فهو يقول في المقالة الخامسة والعشرين :

    - إن عشق الصورة ليس هو عشق المعرفة ، إنما هو اللعب بالشهوة يا حيواني الصفة .

    - وإن الجمال الذي ماله النقصان ، يكون في عشقه للرجل كل خسران .

    - ومن يعشق عالم الغيب ، فهذا هو العشق الحق ، إذ أنه خلى من كل عيب .

    كما أن الهدهد يرد في المقالة الثالثة على البلبل وهو يتباهى بعشق الوردة ، فيقول له : يا من تعلقت بالصورة ، لا تتباه أكثر من ذلك بعشق الجميل . . . فعشق شيء مآله الزوال يصيب العاقلين بالضجر والملل . . . " .

    كما أن العاشق الحق هو الذي يعشق شيئا ثابتا لا يتلون ولا يتغير فالهدهد في المقالة السابعة يرد على الحجلة وهي تتيه غرورا بتعلقها بالجواهر ويخبرها بأن تعلقها بالجواهر لا أساس له من الصحة لأن الجوهر ما هو إلا حجر اصطبغ بالعديد من الألوان . وإذا زالت عنه الألوان عاد حجرا عديم القيمة ، ثم يدلل على صدق قوله بقصة سيدنا سليمان وفص خاتمه ، وكيف أنه فضل الحياة الآخرة على الدنيا ونعيمها إذ كان في إمكانه إخضاع العالم لسلطانه بفص خاتمه هذا . .

    وما دمنا نتحدث عن الجواهر والذهب فالعطار يرى أن عشق الذهب يصيب الإنسان بالهموم والبلايا ، وهو دليل الكفر ، وفي الآخرة تمسخ صورة عابد الذهب ، وهذا ما حدث بالنسبة لرجل كان يكنز الذهب ، وما أن مات حتى رآه ابنه في نومه وقد عاد إلى البيت على هيئة فأر يبحث عن الذهب لينثره ، ولينصح ابنه لكي لا يكون عبدا للذهب : ( 994 - 1000 ) .

    كما خصص العطار المقالة ( الثالثة والعشرين ) والحكايات التي تليها بذم عشق الذهب ، وأثره السئ على الصلة بين الإنسان واللّه سبحانه وتعالى .

    والعاشق يفضل المعشوق على كل ما عداه من نعيم وملك وأموال .

    والدليل على ذلك قصة ذلك الوقاد الذي كان محمود الغزنوي ينزل عليه ضيفا . وفي آخر زيارة قال السلطان محمود للوقاد « اطلب ما تبغي ، وأنا أحققه لك في التو والحال ، ولو طلبت أن تكون ملكا ، لما توانيت في تحقيق ما تريد . ولكن الوقاد يقول : إنني أطلبك أنت ولا حاجة بي إلى هذا أو ذاك ( 2856 ) .

    - أنا لا أطلب ملكا ولا سلطنة ، ولكن كل ما أطلبه منك هو أنت .

    كما أن إياز ( غلام محمود ) قد رفض ذلك الملك العريض الذي عرضه عليه محمود الغزنوي لأن هذا الملك سيشغله عن رؤية محمود والتمتع بمنادمته ومجالسته . ( 3057 - 3081 ) .

    وهذه رابعة تناجي اللّه وتطلبه هو راغبة عن النار والجنة ( 3182 - 3189 ) .

    والعاشق الحق هو الذي يتخلى عن روحه طواعية من أجل محبوبه ويتضح ذلك من قصة الفقير الذي وقع في حب حاكم مصر ، ثم خيرّه حاكم مصر بين القتل وترك البلاد جزاء جرأته على حبه فاختار المسكين الرحيل ، فما كان من الحاكم إلا أن أمر بقتله لأنه غير جاد في عشقه ، لأنه لو كان جادا لما خاف الموت ولقدم روحه بلا تردد . . . ( 1924 - 1939 ) .

    والعشق الإلهي يشغل العاشق عن الاهتمام بأمور الغير ، والدليل على ذلك أن رابعة سئلت عن الصحابة فكان جوابها أنها مشغولة بحب اللّه عما سواه . . . ( 561 - 570 ) .

    وفي حديث قدسي معناه أن عادة اللّه قتل من يحبونه ويدفع ديتهم ، والدية هي اللّه نفسه .

    رأى ذو النون في سفر له أربعين صوفيا موتى على الأرض فقال مخاطبا اللّه :

    يا إلهي كم من الرجال سوف تقتل ؟

    فأجاب الصوت الإلهي ، هذا ما نعرفه وحدنا ، نحن نقتل ونقدم الدية ، فيقول ذو النون : إلام تقتل ؟

    فأجاب اللّه : ما دامت الدية في خزانتي ، فإنني أقتل من يحبني ،

    ولكن إذا ما فنى فناء تاما وتلاشى فأنا أظهر له وجهي . وأهدى إليه خلعة جمالي وسيصبح بعد ذلك ظلا ، يمحى تحت شمس اللّه ( 2553 - 2569 ) .



    والعاشق غيور في عشقه ، ومنطق الطير به أكثر من دليل على ذلك :

    كان الشبلي غيورا في حبه وسبب غيرته أن محبوبه الأزلي « وهو اللّه » قد خص إبليس بتوجيه الحديث إليه رغم أن هذا الحديث كان سبابا ولعنات .

    فكم كان الشبلي يتمنى أن توجه له هذه اللعنات ، المهم أن يحظى بمخاطبة اللّه ، سبحانه وتعالى ( 3254 - 3268 ) .

    ودليل آخر هو غيرة الملك من العظمة التي ركن إليها كلبه رغم ما يعيش فيه من عز ونعيم ( 2240 - 2260 ) .

    والغيرة في الحب تبدو كذلك في عشق السلطان لابن وزيره ، حتى.

    أنه لم يكن يسمح لأبويه برؤيته ولا يسمح للفتى بمغادرة مجلسه ، وإذا قدر وابتعد الغلام عن مجلس السلطان ، فإنه يقطع رأسه من الغيرة ( 4263 - 4423 ) .

    ومن الخير للعاشق أن يتحمل أذى المعشوق من أن يحوز الرضا من غيره ( 3265 ) .

    - إذا رماك المعشوق الثمل بحجر . . فهذا أفضل من أن تنال جوهرة من الغير .

    وحتى لو كان المعشوق يؤذي العاشق فيجب على العاشق ألا يغمض له جفن . فآلام العشق يجب أن تؤرقه دائما .

    فلقد مر معشوق بعاشقه فوجده نائما فكتب له وريقة فيها بعض الكلمات منها : « لتخجل إن كنت عاشقا ، فأي شأن للنوم بعين العاشق ، وإذا نام العاشق فلا يكون ذلك إلا في الكفن . . . وإذا كنت بالعشق جاهلا ، فلتهنأ بالنوم لأنك لست للعشق أهلا . . . ( 3505 - 3508 - 3509 ) .

    والنوم ما هو إلا تخلي العاشق عن العشق ، والعاشق الذي يتخلى عن معشوقه طواعية يستحق البلاء والمتاعب ، والدليل على ذلك قصة التاجر الذي باع جاريته الجميلة ثم حاول أن يستردها بدفع ألف دينار زيادة على ثمنها ، ولكن دون جدوى ، فكان فريسة للهم والحزن على سوء تصرفه وتخليه عن معشوقته . ( 2228 - 2239 ) .

    والعاشق سرعان ما يشعر بالندم والحسرة إذا أصاب المعشوق أي ضرر ، وهذا هو حال الملك الذي وقع في حب فتى وزيره ثم أمر بقتله من الغيرة ، ولكن ما أن ثاب إلى رشده حتى تملكه الهم والحزن وظل أربعين ليلة في حيرة واضطراب لا يقر له قرار . . . ( 4263 - 4423 ) .

    وجزاء من لا يحسن العشق الإلهي أن يطرده اللّه سبحانه وتعالى من عشقه فاللّه سبحانه وتعالى يطرد من عشقه من يشغل بأي أمر من الأمور عن عبادته ، والدليل على ذلك قصة العابد الذي عبد اللّه أربعمائة سنة ثم شغل فترة بتغريد طائر فوق شجرة في بستان يتوسط داره ، فكان جزاؤه أن تخلى اللّه عن عشقه . ( 2016 - 2119 ) .

    هذه أهم السمات التي تحدد معالم العشق والتي تحدد الصلة بين العاشق والمعشوق ، ولكثرة ما أحاط الصوفية العشق بهالة من السمو والرفعة نجد العطار يعلى من مكانة العاشق حتى يجعل من مقدوره الإتيان ببعض الخوارق : ( 2729 ) .

    - إنه شبيه بالمجنون من شدة العشق ، كما أنه يسير على سطح الماء من قوة العشق .

    ومن آثار العشق في رأي العباسة ، أن العشق إذا وقعت ذرة منه على رجل سالك فإنها تولد منه امرأة ، وإذا سقطت ذرة عشق على امرأة سالكة فإنها تولد منها رجلا ، والدليل على ذلك أن آدم بذرة عشق أنجبت حواء ، كما أن مريم بذرة عشق أنجبت عيسى ( 3539 - 3550 ) .

    ولكن ما السر في أن العطار والصوفية جميعهم قد أطالوا الحديث في العشق ؟ إن السر كامن في أن العشق يمد السالك بذخيرة تساعده على سلوك الطريق حتى ولو كان غاية في الضعف الجسماني ، فهو يمد الروح بطاقة دافعة لها على المضي في طريق المعرفة حتى تصل إلى إدراك الفناء ( 1741 ) .

    - ومن كان في الضعف أكثر عجزا من النملة ، فإن العشق سيمده في كل لحظة بقوة هائلة .

    كما أن اهتمامهم بالعشق راجع - كما يقول الدكتور عزام - إلى أنه.

    القوة الخفية التي تحت الإنسان على الطلب والعمل والإقدام ، والتي تهيب بالإنسان إلى العظائم ، وترفعه عن الدنايا وتساعده على أن يعرف نفسه ومبدأه ومنتهاه ، وخالقه ، وهلم جرا . . فهي الوجدان أو ملكة قريبة منه متصلة به .

    كما أن العشق هو مفتاح التصوف . . . .

    ولذا كان نصيب العشق في كلام الصوفية وافرا ، وحظه من أقوال العطار عظيما .

    رابعا - الطريق الصوفي غايته الإدراك و"الاتحاد" الفناء في الله

    الطريق الصوفي ليس طريقا بالمعنى المفهوم ، لدى عامة الناس ، بل هو طريقة للمجاهدة ووسيلة لضبط النفس ، ولكنه يشبه الطريق الأرضي في كونه يتكون من مراحل تختلف بين السهولة والوعورة ، وهو شبيه بطريق بين جبلين تكثر به النتوءات والصعوبات لا يسلكه المسافر إلا بشق الأنفس ، وليس في مقدور كل مسافر أن يسلكه فالبعض يخشى مخاوف الطريق فيكفّ عن السفر ، والبعض يقطع بعض أوديته ولكن سرعان ما يهلك في الطريق .

    والقلة هم الذين يستطيعون الخوض في هذا الطريق والوصول إلى غايته .

    وغاية الطريق الصوفي هي إدراك اللّه سبحانه وتعالى ، ولكن ما وسيلتهم إلى هذا الإدراك ، هل يدركونه بالعقل ؟

    هيهات هيهات للعقل أن يقوى على إدراك اللّه سبحانه وتعالى ، فالعقل عاجز عن إدراك سر المخلوقات فكيف به يجرؤ على معرفة سر الخالق ؟

    ولقد أفاض العطار في بيان عجز العقل عن إدراك الحقائق الكونية ، وعن إدراك اللّه سبحانه وتعالى ، بل جعله قاصرا أمام العشق الإلهي ، ومن أقوال العطار في قصور العقل هذه الأقوال :

    يناجي العطار اللّه سبحانه وتعالى في مقدمة « منطق الطير » فيقول :

    - وليس للعقل والروح طريق للطواف حولك ، ولا يمكن لشخص قط إدراك كنه صفتك . . ( 62 ) .

    - وإذا قدر للعقل أن يدرك أثرا من آثار وجودك . فلن يستطيع أن يسلك الطريق إلى إدراك كنهك . ( 65 ) .

    كما يوضح العطار أن الطريق إلى اللّه نابع منه لا من العقل :

    - اعرف نفسك باللّه ولكن لن تعرفه بنفسك ، فالطريق إليه نابع منه لا من العقل ( 91 ) .

    بل إن العطار يدعو السالك لكي يحرق العقل لأنه يقف عقبة في طريق السالك :

    - أي عمل هذا الذي تفعله ؟

    كالرجال تقدم ، واحرق العقل وكالمجنون تقدم ( 4085 ) .

    ويجعل العطار العقل عاجزا أمام إدراك سر الفناء ، فهو يقول في وصف وادي الفقر والفناء ( مقالة 44 ) ( 3934 - 3936 ) .

    - ولكن إذا ما مضى رجل طاهر في البحر ، فإنه يفنى فناء حقيقيا ولن يبقى له أثر .

    - وتصبح حركته هي حركة البحر ، وما أن يفنى حتى يصل إلى مجال الحسن .

    - ويصبح غير موجود وهو موجود، وعندما يتم هذا ، فإن هذا خارج عن نطاق تصور العقل.

    وليت العطار اعتبر العقل قاصرا . أمام ادراك اللّه وحده ، بل إنه تعدى ذلك وجعله قاصرا أمام العشق الإلهي :

    - العشق نار هناك أما العقل فدخان ، وما أن يقبل العشق حتى يولي العقل الفرار مسرعا .

    - والعقل ليس متخصصا في ميدان العشق ، وليس العشق وليد العقل .

    ولكن لماذا لا يثق العطار بالعقل هكذا ؟

    إن هذا ناتج من اعتقاده بأن العقل قرين الشيطان :

    - لقد تسلطت نفسك على روحك ، كما سيطر الشيطان على عقلك ( 2878 ) .

    فإذا كان العطار يلغي أثر العقل هكذا في إدراك كنه اللّه ، فما وسيلة السالك إذا لهذا الإدراك ؟

    إنه العشق ، فالعشق هو الذي يمد العاشق بذخيرة تساعده على سلوك الطريق .

    ومن كان في الضعف أكثر عجزا من النملة فإن العشق يمده كل لحظة بقوة هائلة. (1741).

    والفرق بين العقل والعشق أن الأول مخالط للطبيعة ، والثاني من الذات الإلهية فهو مدرك لها دائما . وعلى هذا فلا بد للعاشق من ذخيرة للسالك حتى يستطيع مواصلة السير في الطريق الصوفي .

    ولقد قلت من قبل إن الطريق ما هو إلا مجاهدة النفس البشرية حتى تتخلص من كل العلائق وتتطهر وتسلك الطريق لا تفكر في شيء سوى الغاية التي تسعى إليها .

    وهذا الطريق يختلف بين حال ومقام . وقد أكثر الصوفية من التكلم عن المقامات والأحوال وتكفي هذه الإشارة الموجزة لتوضيح الفرق بين الحال والمقام .

    يقول أبو نصر السراج :

    . . المقام معناه مقام العبد بين يدي اللّه عز وجل ، فيما يقام فيه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع إلى اللّه عز وجل .

    ويقول أيضا في تعريف الحال :

    ..أما معنى الأحوال فهو ما يحل بالقلوب أو تحل به القلوب من صفاء الأذكار.

    وقد حكي عن الجنيد رحمه اللّه أنه قال : الحال نازلة تنزل بالقلوب فلا تدوم .

    وليست الحال من طريق المجاهدات والعبادات والرياضات كالمقامات . . . .

    ويختلف الصوفية فيما بينهم في عدد المقامات والأحوال كما يختلفون في أسمائها ويمتد اختلافهم إلى ترتيبها ، وسأذكر المقامات والأحوال كما ذكرها اثنان من كبار الصوفية لنرى مدى الاختلاف ، وبعد ذلك أتكلم عن تقسيم العطار لطريقه ، وهو يختلف تماما عن تقسيم هذين العالمين وأعني بهما السراج الطوسي ، والكلابادي صاحب التعرف .

    المقامات عند السراج الطوسي :

    التوبة - الورع - الزهد - الفقر - الصبر - الرضا - التوكل .

    أما الأحوال عنده فهي :

    المراقبة - القرب - المحبة - الخوف - الرجاء - الشوق - الأنس - الطمأنينة - المشاهدة - اليقين .

    أما المقامات والأحوال عند صاحب التعرف فقد ذكرها دون أن يفرق بين ما هو مقام منها وما هو حال ، واكتفى بقوله « نريد أن نخبر الآن ببعض المقامات . . . »

    وهذه هي المقامات في رأيه :

    التوبة - الزهد - الصبر - الفقر - التواضع - الخوف - التقوى - الإخلاص - الشكر - التوكل - الرضا - اليقين - الذكر - الأنس - القرب - الاتصال - المحبة .

    وهكذا نجد اختلافا في العدد وفي الترتيب بل وفي الأسماء .

    ولا غرابة في هذا الاختلاف فالطريق إلى اللّه بعدد أنفس الخلائق ، ورغم ذلك فالاختلاف ليس كبيرا .

    أما إذا نظرنا إلى تقسيم العطار للطريق في منطق الطير فسنجد أن الاختلاف بينه وبينهما عظيم فهو يقسم الطريق إلى سبعة أودية فقط وهي :

    وادي الطلب - وادي العشق - وادي المعرفة - وادي الاستغناء - وادي التوحيد - وادي الحيرة - وادي الفقر والفناء .


      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:20