..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3) Empty كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (3)

    مُساهمة من طرف Admin 15/10/2020, 16:40

    عدد أبيات منطق الطير :

    يختلف هذا العدد باختلاف النسخ فبينما نجد العدد في نسخة باريس 1857 م يصل إلى 4647 بيت ، نجده في ترجمة إسطنبول 1962 م يصل إلى 4931 بيت ، ولكن للأسف لم أطلع على النسخة التي اعتمد عليها « جولبينارلي » في ترجمته التركية .

    ونسخة أصفهان 1319 هـ عدد أبياتها 4703 بيت بينما نسخة أصفهان 1334 ه . ش يصل فيها العدد إلى 4717 بيت .

    هذا الاختلاف في العدد موجود بين النسخ والترجمات التي اطلعت عليها ولا بد أن هذا الاختلاف موجود أيضا بين النسخ الأخرى لمنطق الطير والتي لم يسعدني الحظ بالاطلاع عليها .

    والأستاذ نفيسي يقول إن النسخ المعتبرة هي التي يصل العدد فيها إلى 4650 بيت .

    وقد جاء هذا الاختلاف في العدد نتيجة لأن بعض النسخ تورد حكايات لا توجد في النسخ الأخرى فنجد مثلا أن الحكايات التي تبدأ بالأرقام التالية للأبيات في نسخة باريس لا وجود لها في نسخة أصفهان

    1319 هـ ولا في نسخة أصفهان 1334 هـ وهذه الحكايات تبدأ بالأرقام التالية في نسخة باريس 1857 م .

    3499 ، 3410 ، 3539

    كما أن هناك حكايتين بنسخة أصفهان 1334 هـ لا وجود لهما في نسخة باريس 1857 م ، وهاتان الحكايتان موجودتان بصفحة 124 ، وصفحة 148 من نسخة أصفهان 1334 هـ

    إلى آخر هذه الاختلافات التي أشرت إليها خلال الترجمة العربية لمنظومة « منطق الطير » ، وكلما دعا الأمر إلى الإشارة .سنة تأليف الكتاب :

    تورد بعض نسخ « منطق الطير » سنة تأليف الكتاب وبعضها لا تذكر هذه السنة ، وقد جاءت سنة تأليف الكتاب تحت عنوان هو « ختم كتاب » . وقد اطلعت على هذه الخاتمة في نسخة أصفهان 1334 هـ ، ولكن لا وجود لها في نسختي باريس 1857 م وأصفهان 1319 هـ .

    وهذه الخاتمة تحدد عام 583 هـ تاريخا لانتهاء الشيخ فريد الدين العطار من تأليف الكتاب .

    فقد قال العطار ما ترجمته : -

    وقد فتح اللّه الأبواب تفضلا منه واتفق ذلك مع ختم هذه النسخة .

    وذلك يوم الثلاثاء وقت الظهيرة في اليوم العشرين من شهر اللّه .

    وفي صفاء وذوق وراحة ووقت طيب يتتالى بالرحمة

    وذلك بعد مرور 583 عام من هجرة الرسول ذي الجلال

    وقد قال العطار كلاما عن جميع الرجال ، فإذا كنت ذا شهامة ، فتذكره بالخير

    وبعض النسخ تذكر عام 573 هـ بدلا من عام 583 هـ ، كما أن جارسان دوتاسي ذكر أن تاريخ إتمام منطق الطير عام 1175 م أي 571 هـ .

    ولكن أصح هذه التواريخ هو عام 583 هـ وهو ما يتفق عليه معظم الباحثين الآن .

    ولكن متى بدأ العطار نظمه لمنطق الطير ؟ لا أحد يدري لهذا السؤال جوابا ، كما أن العطار لم يشر إلى ذلك .

    ومما لا شك فيه أن منطق الطير يعتبر أعظم كتب العطار على الإطلاق وأوسعها شهرة وذيوعا في العالم أجمع ، ولا يشاركه في هذه الشهرة من كتبه غير تذكرة الأولياء . وهذه الشهرة جعلت الكثيرين من الباحثين في العصر الحديث يهتمون به كما اهتم به أصحاب التراجم في جميع العصور التي تلت العطار ، هذا الاهتمام جعل أكثر من باحث أجنبي يترجمه إلى لغته ، فقد ترجم إلى الأردية والتركية والفرنسية والسويدية والإنجليزية .

    وهذه القيمة العظيمة لمنطق الطير جعلت العطار يتيه عجبا ويقول ما ترجمته :

    - لقد ختم عليك منطق الطير ومقامات الطيور كما ختم على الشمس بالنور .

    - وهذه المقامات طريق كل حائر ، كما أنها ملاذ لكل مضطرب

    وكل من لم يتنسم قولا من هذا الأسلوب ، فما أدرك قيد شعرة من طريق العشاق

    وإذا تيسر لك أن تقرأه كثيرا ، فبلا شك سيزداد حسنا في كل مرة لديك

    ولقد نثرت الدر من بحر الحقيقة ، كما ختم عليّ الكلام وهذا هو الدليل .

    وإن تلاشت هذه الأفلاك التسعة من الوجود ، فلن تضيع نقطة واحدة من هذه التذكرة .

    لقد صدق العطار فعلى الرغم من مرور أكثر من سبعمائة عام ومنطق الطير له مكانته بين النفوس ، ولم تؤثر فيه أحداث الزمان ، فظل باقيا يشهد بعظمة صاحبه فريد الدين العطار .

    ثانيا - بنية الكتاب : -

    * يبدأ العطار الكتاب على عادة الشعراء في زمانه بالمناجاة ،

    * ثم ينتقل إلى مدح الرسول محمد عليه السلام ،

    * ثم مدح الخلفاء الأربعة « أبي بكر وعمر وعثمان وعلي »

    * ثم كلمة في ذم التعصب بين السنة والشيعة

    * ومكالمة بين عمر بن الخطاب وأويس

    * ثم ماذا حدث بين علي وقاتله ،

    * ثم حديث للرسول ،

    * ثم قول في شفاعة الرسول عليه السلام .

    وإلى هنا تنتهي المقدمة .

    ونلاحظ على هذه المقدمة أن العطار مدح فيها الخلفاء الأربعة ، ولكن بعض غلاة الشيعة يعمدون إلى كتب العطار ويحاولون حذف مدح الخلفاء الثلاثة « أبي بكر وعمر وعثمان » والإبقاء على مدح علي حتى يدعوا أن العطار كان شيعيا ولذا فإن بعض نسخ منطق الطير خالية من مدح الخفاء الثلاثة الأول لهذا السبب.

    كما أن القصة التي ذكر فيها الحوار بين عمر بن الخطاب وأويس جعلت البعض يدعي أنه أويسي كما ذكرت من قبل .

    وإصرار العطار على ذم التعصب دليل على أنه بعيد كل البعد عن أي تعصب لأهل السنة أو للتشيع ، وأنه كان مسلما متصوفا ومترفعا عن كل تعصب مذهبي.

    بعد ذلك يبدأ في سرد القصة - قصة الطير - ويقسمها إلى خمس وأربعين مقالة بيانها كالآتي : -

    المقالة الأولى : في جمع الطيور للبحث عن إله واحد يتوجهون إليه بالعبادة .

    المقالة الثانية : حديث الهدهد مع الطير في طلب السيمرغ الذي اتخذوه رمزا للإله المنشود ، ثم يخبرهم الهدهد بابتداء أمر السيمرغ .

    من المقالة الثالثة إلى المقالة الثانية عشرة : سرد أعذار كل طائر على حدة وهي بمثابة أعذار السالكين في الطريق إلى الحضرة العلية .

    المقالة الثالثة عشرة : عذر جميع الطيور .

    المقالة الرابعة عشرة : سؤال الطير الهدهد عن طريق السير .

    المقالة الخامسة عشرة : اتفاق الطير على التوجه صوب السيمرغ .

    المقالة السادسة عشرة : مشاورة الطير للهدهد حول الطريق وما به من عقبات وصعاب يجب اجتيازها .

    من المقالة السابعة عشر إلى المقالة الثامنة والثلاثين . عودة إلى أعذار الطير وبيان استفساراتهم ورد الهدهد عليهم .

    وفي نهاية المقالة الثامنة والثلاثين يعرض العطار للأودية السبعة .

    وهنا نلاحظ أن جارسان قد دمج الوادي الأول مع المقالة الثامنة والثلاثين ولكن نسختي أصفهان تفردان للوادي الأول عنوانا مستقلا تابعا للمقالة الثامنة والثلاثين ، والوادي الأول هو " وادي الطلب " .

    من المقالة التاسعة والثلاثين إلى المقالة الرابعة والأربعين : بيان الأودية الستة الباقية وهي : أودية العشق ، المعرفة ، الاستغناء ، التوحيد الحيرة ، ثم الفقر والفناء .

    المقالة الخامسة والأربعون وهي الأخيرة : في طريق الطير صوب السيمرغ ، ثم يتبعها العطار بتصوير ذهاب الطير صوب السيمرغ ومثولها في حضرته وأخيرا خاتمة الكتاب .



    وفي بعض النسخ يوجد « ختم الكتاب » يحدد فيه العطار سنة تأليفه .

    أي أن الكتاب ينقسم إلى مقدمة وموضوع وخاتمة ، ولكن أثناء عرضه للمقدمة أو للموضوع أو للخاتمة كان يسرد حكايات وقصصا بلغ عددها مائة وإحدى وثمانين حكاية في نسخة باريس 1857 هـ، ومائة وتسعا وسبعين حكاية في نسخة أصفهان 1319 هـ.

    وهذه الحكايات سيقت لتوضح أفكار القصة الرئيسية وهي حكايات تختلف طولا وقصرا حسب موضوعها، وأقصر حكاية تتكون من بيتين (ص: 132 منطق الطير نسخة باريس 1857م).

    وأطول الحكايات على الإطلاق قصة الشيخ صنعان ، وسأناقش أصول هذه القصة بعد الحديث عن منطق الطير بين الخلق والنقل .

    ثالثا : منطق الطير بين الخلق والنقل :

    يقول "بيزي Pizzi " إن الأسطورة التي هي موضوع الكتاب - منطق الطير - ليست من بنات أفكاره - أي العطار - لأنه لم يبتدعها .

    وإنما كانت قصة من القصص ذات الطابع الشعبي . وكانت معروفة مألوفة فنحن نعلم أن « ابن سينا » قد عرض لها بكيفية فلسفية » .

    ولكن بالنظر إلى « رسالة الطير » لابن سينا وجدت أن الرسالتين مختلفتان في جوهرهما .

    فابن سينا له وجود في الرسالة ويطير مع الطير ، أما العطار فلا وجود له في منطق الطير إلا بارائه ولا وجود لشخصه ، ثم إن رسالة الطير فيها صيادون قد أمسكوا بالطير في شباكهم ولا أثر لذلك في منطق الطير وربما أن الشباك في منطق الطير هي نفوس الطير ورغباتهم الشريرة .

    كما أن وديان منطق الطير سبعة ولكن جبال رسالة الطير ثمانية ، كما أن الغرض من رحلة الطير في منطق الطير هو الفناء في اللّه والاتحاد معه ، أما الغرض من الرحلة في رسالة الطير هو أن يخلصهم الملك من الشباك .

    ثم إن الطير في رسالة الطير قد عادت أدراجها بعد أن حظيت بمقابلة الملك ، ولكن طيور منطق الطير لم تعد من رحلتها لأنها فنت في ذات الإله فلا وجود لها ، وكيف تعود وقد أدركت بغيتها من الرحلة الشاقة .

    ورسالة الطير ترجمها السهروردي إلى الفارسية وقد آثرت أن أطلع عليها بالفارسية وخاصة أن الشيخ الفاضل « عمر بن سهلان الساوجي » قد شرحها بالفارسية أيضا - لأرى مدى التقارب والتباعد بين منطق الطير وبينها .

    وهكذا نرى أن هناك اختلافا جوهريا بين الرسالتين يجعلنا نجزم بأن العطار لم يستفد منها .

    خاصة وأنه يكره الفلاسفة ولا يثق في كلامهم وهو الذي قال في منطق الطير :

    وكاف الكفر هنا - بحق المعرفة - لأفضل كثيرا لدى من فاء الفلسفة .

    وإذا كان هناك تشابه بين الرسالتين في شيء فهو تشابه بين الأسماء وبين رحلة الطير في كل منهما ولكن ما أعظم الفارق بين الرحلة الصوفية في منطق الطير والرحلة الفلسفية في .

    إذا لم يكن العطار قد تأثر بابن سينا في « رسالة الطير » ، فهل تأثر بأبي العلاء في « رسالة الغفران » والتي كتبت عام 424 هـ ؟ .

    رسالة الغفران لأبي العلاء تحكى رحلة « ابن القارح » للعالم الآخر ومروره بالجنة والنار وسؤاله من وجدهم بالجنة « بم غفر لك ؟ » كما كان يسأل كل من يجده في النار بقوله " ألم يغفر لك قولك ؟ " .

    وبعد أن لجأ إلى الرسول وطلب منه الشفاعة تشفع له الرسول ، فغبر الصراط إلى الجنة . ومر هناك بأقوام عديدين واطلع على أحوالهم ، ثم عبر الجنة إلى الجحيم ورأى أهله ، ثم عاد مرة أخرى إلى الفردوس .

    وكان في كل مرة يحادث من يمر بهم ولكن الملاحظ أنه قصر كلامه على الشعراء دون غيرهم .

    وهكذا نجد أن منطق الطير تختلف تماما عن "رسالة الغفران" .

    فالسالكون في منطق الطير هم طيور أما السالك هنا فهو من بني البشر وهو ابن القارح .

    كما أن الغرض الرئيسي من منطق الطير هو الاتحاد مع الذات العليّة ، ولكن الغرض الرئيسي في « رسالة الغفران » هو شرح حال الجنة والنار ومن يسكنون في كل واحدة منهما .

    ومن حادثهم « ابن القارح » في « رسالة الغفران » هم من الشعراء دون غيرهم ونحن لا نجد أثرا لذلك في منطق الطير .

    الشيء الوحيد الذي فيه تشابه بين الرسالتين هو أن الشفاعة « لمحمد » وحده عليه السلام ، وهذا الاعتقاد شركة بين المسلمين فلا فضل للعطار ولا للمعري في ذلك .

    ويقول الأستاذ نفيسي « يقول مؤلف مجالس المؤمنين وهو يتكلم عن مؤلفات العطار . . . إنه يسير على نهج سنائي . . .

    وقال ذلك أيضا مؤلف روضات الجنات ، وهذا صحيح لا يحتاج إلى ترديد ، لأن زعيم جميع الشعراء الصوفية في إيران قبل القرن السادس هو سنائي ، وهو الشخص الذي أوصل الشعر الصوفي إلى أوج عظمته ، خصوصا وأن العطار قد اطلع على آثاره فمنطق الطير ما هو إلا عبارة عن سير الروح في المدارج المختلفة ووصولها إلى حد الكمال والاتحاد والوحدة مع اللّه ، وهذا ما أوضحه سنائي في مثنويته سير العباد إلى المعاد » .

    لا شك أن العطار تأثر بسنائي وكان يكبره وقد مدحه كثيرا في كتبه . وربما أفاد العطار من « سير العباد » في وصف بعض مدارج السالكين ، ونزعاتهم وشرودهم ، والعقبات التي تقف في طريقهم ، ولكن رغم هذا فبنية قصة « منطق الطير » تختلف عن بنية « سير العباد إلى المعاد » في أكثر من اتجاه :

    أولا : سنائي يطل علينا برأسه من خلال كتابه فهو الذي يترقى في الطريق ويمر بأوديته المختلفة أما العطار فلا وجود له في منطق الطير بل الوجود كله للطير والعطار يحركها من وراء ستار .

    ولعل ظهور سنائي في كتابه يشبه ظهور " ابن سيناء " في " رسالة الطير ".

    ثانيا : سنائي يسمى الصفات البشرية بأسمائها ، فيقول مثلا : صفة صورة الحقد صفة صورة البخل ، صورة الطمع ، صورة التكبر . . .

    إلى غير ذلك مما يعرض له سنائي ، أما العطار فيرمز لها بالطيور وأعذارها وأسئلتها .

    ثالثا : العطار يجعل المرشد هو الهدهد ، أما سنائي فيجعل المرشد من بني البشر الذين تطهروا من كل الأدران والعلائق الدنيوية .

    رابعا : سير العباد إلى المعاد يمثل رحلة ثنائية ، أما رحلة منطق الطير فجماعية .

    خامسا : سنائي يذكر في كتابه الطير والحيوان والإنسان أما العطار فيخص قصته بالطير فقط.

    سادسا : العطار ينفر من المدح للتكسب أما سنائي فقد ختم منظومته بمدح أبي المفاخر سيف الدين محمد بن منصور قاضي سرخس ، أملا في عطاياه .

    إذا كان العطار لم يأخذ فكرة منظومة « منطق الطير » من « رسالة الطير » لابن سينا ولا من « رسالة الغفران » لأبي العلاء .

    ولا من « سير العباد إلى المعاد » لسنائي فممن أخذها إذن ؟

    إن العطار أخذ المضمون العام لقصته من « رسالة الطير » للغزالي .

    ويقول ريتر في هذا الصدد :

    إذا ما تصدينا لقصة « منطق الطير » فمما يسعدنا أن نعرف المصدر الذي استقى منه الشاعر فكرته ، إنه « رسالة الطير » من تصنيف "محمد الغزالي" ( المتوفي عام 505 هـ - 1111 م ) بالعربية ، وتصنيف أخيه أحمد ( المتوفي عام 517 هـ : 1123 م ) بالفارسية .

    وإن خصائص الأسلوب في القصة العربية تجعل الترجمة وعرة ، ولعل النص الفارسي هو الأصل .

    أي أن ريتر Ritter يعتبر المصدر الرئيسي لقصة منطق الطير هو « رسالة الطير » للغزالي وخاصة الترجمة الفارسية التي قام بها أحمد الغزالي ، وقد بحثت عن الترجمة الفارسية فلم أجدها ، فاطلعت على الأصل العربي .

    وقبل أن نعطي حكما يجب علينا أن نستعرض « رسالة الطير » للغزالي أولا ، ثم ندرك مواطن الالتقاء أو الاختلاف بعد ذلك ، وهذا ملخص واف لرسالة الغزالي :

    بسم اللّه الرحمن الرحيم

    اجتمعت أصناف الطيور على مختلف أنواعها وتباين طباعها وزعمت أنه لا بد لها من ملك واتفقوا أنه لا يصلح لهذا الشأن إلا العنقاء ، وقد وجدوا الخبر عن استيطانها في مواطن الغرب . . .

    فجمعتهم داعية الشوق ، وهمة الطلب فصمموا العزم على النهوض إليها والاستظلال بظلها والمثول بفنائها والاستعداد لخدمتها .

    وإذا الأشواق الكامنة قد برزت من كمين القلوب ، وإذا هم بمنادي الغيب ينادي من وراء الحجب ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) .

    لازموا أماكنكم ، ولا تفارقوا مساكنكم ، فإنكم إن فارقتم أوطانكم ضاعفتم أشجانكم ، فدونكم والتعرض للبلاء والتحلل بالفناء . . .

    فلما سمعوا بنداء التعذر من جناب الجبروت، ما ازدادوا إلا شوقا وقلقا وأرقا . . .

    ثم نادى لهم الحنين ودب فيهم الجنون ، فلم يتلعثموا في الطلب اهتزازا منهم إلى بلوغ الإرب ، فقيل لهم بين أيديكم . . . الجبال الشاهقة والبحار المغرقة وأماكن القر ومساكن الحر فيوشك أن تعجزوا دون بلوغ الأمنية فتخترمكم المنية ، فالأحرى بكم مساكنة أوكار الأوكار قبل أن يستدرجكم الطمع .

    وإذا هم لا يصغون إلى هذا القول ولا يبالون بل رحلوا . . .

    وامتطى كل منهم مطية الهمة قد ألجمها بلجام الشوق وقومها بقوام فرحلوا من محجة الاختبار ، فاستدرجتهم محن الاضطرار فهلك من كان من بلاد الحر في بلاد البرد ، ومات من كان من بلاد البرد في بلاد الحر وتصرفت فيهم الصواعق ، وتحكمت عليهم العواصف ، حتى خلصت منهم شرذمة قليلة إلى جزيرة الملك. ونزلوا بفنائه والتمسوا من يخبر عنهم الملك . .

    فأخبر بهم فتقدم إلى بعض سكان الحضرة من يسألهم ما الذي حملهم على الحضور ، فقالوا حضرنا ليكون مليكنا ،

    فقيل لهم : أتعبتم أنفسكم فنحن الملك شئتم أو أبيتم ، جئتم أو ذهبتم ، لا حاجة بنا إليكم ، فلما أحسوا بالاستغناء والتعذر أيسوا . . .

    وشملتهم الحيرة وقالوا : لا سبيل إلى الرجوع فقد تخاذلت القوى وأضعفتنا الجوى فليتنا تركنا في هذه الجزيرة لنموت عن آخرنا . . . !

    فلما عمهم اليأس وضاقت بهم الأنفاس تداركتهم أنفاس الإيناس وقيل لهم هيهات فلا سبيل إلى اليأس . . .

    فإن كان كمال الغنى يوجب التعذر والرد ، فجمال الكرم أوجب السماحة والقبول ، فبعد أن عرفتم مقداركم في العجز عن معرفة قدرنا فحقيق بنا إيواؤكم . . .

    فإنه يطلب المساكين الذين رحلوا من مساكنة الحسبان . . .

    ومن استشعر عدم استحقاقه فحقيق بالملك العنقاء أن يتخذه قرينا ، فلما استأنسوا بعد أن استيأسوا وانتعشوا بعد أن تعسوا ووثقوا بفيض الكرم . . .

    سألوا عن رفقائهم فقالوا : ما الخبر عن أقوام قطعت بهم المهامة والأودية . امطلول دماؤهم أم لهم دية ؟ فقيل هيهات . هيهات..

    ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ). . .

    والذين غرقوا في لجج البحار ولم يصلوا إلى الدار بل التقمتهم لهوات التيار .

    قيل هيهات« وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ ».

    فالذي جاء بكم وأماتهم أحياهم ، والذي وكل بكم داعية الشوق حتى استقللتم الفناء والهلاك في أريحية الطلب دعاهم وحملهم وأدناهم وقربهم فهم حجب العزة وأستار القدرة . . .

    قالوا والذين قعد بهم اللؤم والعجز فلم يخرجوا : قيل : هيهات" وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ". . .

    أنتم اشتقتم أم نحن شوقناكم . نحن أقلقناكم فحملناكم وحملناهم في البر والبحر .

    فلما سمعوا ذلك واستأنسوا بكمال العناية وضمان الكفاية كمل أهتزازهم وتم وثوقهم ، فاطمأنوا وسكنوا واستقبلوا حقائق اليقين بدقائق التمكين . وفارقوا بدوام الطمأنينة إمكان التلوين . . .

    (إلى هنا انتهت رسالة الطير للغزالي )

    وبعد أن عرضت « رسالة الطير » كما عرضت من قبل بنية « منطق الطير » وجب علينا أن نبحث عن مواضع الالتقاء بين القصتين وهي :

    اجتماع الطير للبحث عن ملك . .

    الاتفاق على أن العنقاء أو السيمرغ ملكهم –

    التصميم على الوصول إلى هذا الملك برغم أخطار الطريق وأهواله –

    هلاك الكثرة في السفر ووصول القلة إلى الحضرة –

    ما كان من حاجب الحضرة في كلا القصتين –

    الحيرة التي تملكت الطير بعد لقاء حاجب الحضرة لها

    انفراج أسارير الطيور بعد أن حظيت بالمثول أمام الحضرة -

    ولكن العطار بخياله الخصب قد أضاف الكثير من عنده إلى ما أخذه عن الغزالي * فلم يكن مجرد ناقل بل كان مبدعا كذلك .

    فهو قد سمى الطيور بأسمائها - وحدد لنا مرشدا وهاديا ، هو الهدهد ، كما توسع في ذكر المخاطر التي تعرض لها الطير في الطريق ، أضف إلى ذلك أنه أنطق الطير الغاضبة لكي تعبر عن غضبها رامزا بذلك إلى القاعدين عن السلوك ، ولكن الغزالي اكتفى بالسؤال عن القاعدين بعد المثول أمام الحضرة .

    كما غير العطار في الهدف الرئيسي للقصة فبينما نجد هدف « رسالة الطير » هو المثول أمام الحضرة والاضطلاع بالخدمة في البلاط الإلهي .

    نجد أن هدف « منطق الطير » صوفي محض يتلخص في الرغبة في الترقي والوصول إلى حد الفناء في اللّه بالاتحاد معه في وحدة شهودية .

    كما تعرض العطار لذكر أودية أو مقامات الصوفية وسماها بأسمائها وهذا لا نجده في رسالة الطير .

    كما أن العطار حدد لنا عدد الطيور التي حظيت بالقبول على خلاف الغزالي الذي قال إن شرذمة من الطير هي التي وصلت إلى الحضرة .

    وقد وقف العطار على العدد ( ثلاثين ) حتى يستطيع استخدام الجناس المركب بين " سيمرغ " وهو اسم الإله بالفارسية ، وبين « سي مرغ » وهو العدد الذي وصل وهو بمعنى ثلاثين طائرا .

    وقد استخدم هذا الجناس استخداما بارعا أعانه على الوصول إلى فكرته ، وهي فكرة « الفناء في اللّه » عن طريق وحدة الشهود .

    وهكذا نرى أن عالم العطار الفكري في « منطق الطير » أغنى بكثير من عالم الغزالي الفكري في « رسالة الطير » وذلك راجع إلى قصر رسالة الطير وطول « منطق الطير » لا إلى أن العطار يفوق الغزالي .

    فهذا ما لا يستطيع أحد أن يدعيه .

    وهكذا نرى أن العطار كان ناقلا خالقا لمنظومته « منطق الطير » فقد استعان أولا برسالة « الطير » للغزالي ، كما استعان ببعض أفكار سنائي في "سير العباد إلى المعاد " في وصف مدارك السالكين .

    وإن كان تأثره بسنائي يقل كثيرا عن تأثره بالغزالي ، وأخيرا لا شك أنه كعادة المؤلفين المسلمين تأثر بالقرآن والحديث ؛ فكثيرا ما يشير إلى معنى آية أو معنى حديث .

    كما أن العطار لا بد وأنه قرأ الكثير من كتب التراجم الفارسية والعربية ، حتى يستطيع أن يمدنا بهذا السيل الجارف من حكايات منطق الطير ،

    والتي تعرض فيها لسيرة العديد من رجالات الصوفية المشهورين . حتى يعتبر الدارسون للتصوف منطق الطير - بجانب قصته الرمزية - كتابا من كتب تراجم الصوفية .



    وبجانب هذا النقل والتأثر فإن العطار أضفى على القصة الكثير من خياله الخصب وقريحته المتقدة وعلمه الواسع مما ضمن لكتابه المنزلة الكبيرة التي ما زال يتمتع بها حتى الآن في جميع أنحاء العالم .

    رابعا : حكاية الشيخ صنعان

    لم يقتصر العطار في سرد قصة منطق الطير على المقالات الرئيسية التي تحكي قصة سلوك الطير للطريق ، ولكنه كان يذيّل هذه - المقالات بحكايات يشرح فيها فكرة المقالة أو يتحدث فيها عن شيخ من السابقين وكراماته ، وهذه الحكايات لها غرض تعليمي أفضل من الدعوة الصريحة المباشرة .

    وأطول هذه الحكايات على الإطلاق حكاية « الشيخ صنعان » فقد بلغ طولها أربعمائة وستة أبيات ، طبقا لنسخة باريس 1857 م ، وأربعمائة وتسعة أبيات ، طبقا لنسخة أصفهان 1334 هـ .

    وقد أوردها العطار بعد المقالة الرابعة عشرة ليؤكد بها قوله عن العشق وأنه أفضل من الكفر والإيمان معا .

    ولكن هل هذه القصة من إبداع العطار أو أنه تأثر فيها بسابقيه ؟

    للإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نعرض لقصة الشيخ صنعان كما ذكرها العطار ، ثم نقارنها بالقصص القريبة الشبه منها :

    كان الشيخ صنعان يقطن مكة مع أربعمائة من مريديه ، وكان على قدر كبير من الصلاح والتقوى ، ثم رأى فيما يرى النائم أنه رحل إلى بلاد الروم وسجد للصنم ، ورؤية الصالحين صادقة ، فأسرع بالذهاب إلى بلاد الروم مع مريديه ، وما أن وصلوا حتى رأوا فتاة ، تجلس على سقف بناء مرتفع ، وكانت غاية في الجمال فتعلق بها قلب الشيخ في التو والحال ، فساد الاضطراب جميع مريديه ، فبذلوا له النصح دون جدوى ، وأخيرا أصبحت خلوة الشيخ محلة الحبيب ، ولما أدركت الفتاة مقدار شغفه بها عرضت عليه شروطها وهي :

    السجود أمام الصنم ،

    وإحراق القرآن ،

    وشرب الخمر ،

    والبعد عن الإيمان .

    فقبل في بداية الأمر شرب الخمر دون غيرها ، وما أن شرب الخمر ، حتى حمله النصارى إلى الدير ، وبعد أن تمكنت منه الخمر ، وسيطر عليه العشق ، قبل أن يكون مسيحيا وأحرق الخرقة ، ثم عرض على الفتاة الاقتران بها ، فاشترطت أن يكون صداقها خدمة الخنازير عاما كاملا ، فقبل الشيخ .

    وحاول مريدوه إصلاحه دون جدوى فأسرعوا بالعودة إلى الكعبة والغم يسيطر عليهم ، والفضيحة تكتنفهم .



    وكان للشيخ صنعان صديق يقطن الكعبة ولكنه لم يكن بها يوم رحيله ، فعندما عاد إلى الكعبة وجد الخلوة تخلو من شيخها فسأل مريديه ، فأخبروه بما حدث له ، فاغتم وحزن حزنا شديدا ، وعنف مريديه لمفارقتهم شيخهم ،.

    ثم أسرع مع المريدين بالسفر إلى بلاد الروم للحاق بالشيخ ، وواصلوا التضرع والتشفع أربعين ليلة فاستجاب اللّه لتضرعهم ، وذات ليلة رأى أحد المريدين الرسول عليه السلام فطلب منه الشفاعة للشيخ عند اللّه ، فتشفع له الرسول الكريم ، فتخلى الشيخ عن الزنار ولبس الخرقة ثم عاد الجميع إلى مكة ثانية .

    وبعد رحيله رأت الفتاة في نومها أن الشمس قد سقطت بجانبها وطلبت منها الإسراع صوب شيخها ، فأسرعت خلف الشيخ حتى وصلت إليه بالحجاز ، فاضطرب الشيخ حين علم بقدومها ولكنها طلبت منه أن يعرض عليها الإسلام ، وما أن أسلمت حتى أسلمت روحها . . .

    "للتعرف على القصة كاملة يحسن قراءتها في هذا الكتاب ، وهي مدرجة بعد المقالة الرابعة عشرة مباشرة "

    هذه قصة الشيخ صنعان كما رواها العطار ، فما أصولها إن لم يكن العطار مبدعها ؟

    يقول بعض المؤرخين إن قصص الذين ذهبوا إلى الدير من المسلمين كثيرة ، وسأذكر أشهر هذه القصص مع ترجيح أهم مصدر استقى منه العطار قصته :

    يذكر أحمد الأبشيهي في كتابه : المستطرف في كل فن مستظرف الجزء الأول أن الشيخ عبد اللّه الأندلسي كان يسكن بغداد ، وكان من أصحابه الجنيد والشبلي ، وعدد مريديه إثنا عشر ألفا ، ثم ذهب إلى بلاد الروم وتعلق بفتاة الأمير هناك فتخلى عنه أصحابه وعادوا إلى بغداد ، ثم حاول أن يقترن بالفتاة فكان صداقها خدمة الخنازير . فعاد إليه أصحابه مرة أخرى ولكنه لم يأبه بنصحهم .

    ولكن بعد أيام ثلاثة فوجئوا بالشيخ أمامهم وقد تخلى عن كفره وعاد إلى سابق عهده . ثم عادوا جميعا إلى بغداد ، فاحتفى به الجميع وعلى رأسهم الخليفة .

    ولكن الفتاة المسيحية تعلقت به وأسرعت خلفه إلى بغداد وقد ساعدها في ذلك الخضر بعد أن أخبرها بضرورة اعتناقها الإسلام ، فاعتنقته .

    وبعد وصولها بغداد لزمت زاوية شيخها وأكثرت من العبادة حتى هزلت فمرضت وتوفاها اللّه ، فحزن الشيخ عليها حزنا أودى بحياته .

    ونحن نرى بعض التقارب بين الحكايتين في ذهاب الشيخين إلى بلاد الروم ثم كون الصداق في كلا الحالتين رعاية الخنازير ، ثم توبة الشيخين وعودتهما إلى ديارهما ، ثم لحاق الفتاة في كل منهما بشيخها واعتناقهما الإسلام .

    ولكن هناك أوجه للخلاف بين الحكايتين ، فالشيخ صنعان يسكن مكة أما الشيخ عبد اللّه الأندلسي فيسكن بغداد ، كذلك الاختلاف في عدد المريدين وفي عدد من صحبوا كلا من الشيخين في رحلته إلى بلاد الروم .

    كما نجد أن - الخليفة له ذكر في قصة الأندلسي ولا أثره له في حكاية الشيخ صنعان .

    واختلاف الحكايتين كذلك في سبب وفاة المعشوقة ، فالأبشيهي ذكر أن الوفاة نتيجة للعبادة المتصلة ، أما العطار فقد جعل الوفاة نتيجة لمتاعب الطريق .

    كما أن الأبشيهي ذكر الخضر في قصته ، ولا أثر له في قصة العطار .

    وعلى هذا فر بما يرى البعض تأثر العطار بمظاهر الالتقاء بينه وبين ما ذكره الأبشيهي ولكن مظاهر الاختلاف بينهما تحد من الموافقة على تأثر العطار بما ذكره الأبشيهي .

    ومن بين الذين ذهبوا إلى الدير كذلك مدرك بن علي الشيباني

    وقد كان يعيش بالعراق ، وكان يذهب إلى الدير كثيرا ، فتعلق بحب فتى مسيحي اسمه « عمرو » فتخلى عن الإسلام واعتنق المسيحية ونظم شعرا وصف فيه حاله هذه ، كما تحدث فيه عن رسوم وآداب المسيحين .

    ولكننا لا نجد في هذه القصة تقاربا بينها وبين قصة الشيخ صنعان إلا ذهابهما إلى الدير ، مما يجعلنا نرفض تأثر العطار بهذه القصة .

    وشيخ آخر هو « ابن السقا » وكان قارئا للقرآن حسن الصوت وكان يعيش في بغداد ثم ذهب إلى بلاد الروم حاملا رسالة من الخليفة ، فوقع هناك في حب فتاة الملك فطلب الاقتران بها ، فاشترطوا عليه اعتناق النصرانية فقبل .

    ولكن لا يوجد دليل على أن العطار تأثر بهذه القصة ونسج قصته على منوالها ، فلا وجه للشبه بينهما إلا في الذهاب إلى الروم واعتناق المسيحية من أجل المعشوقة .

    ولكن إذا كان العطار لم يأخذ قصته من هذه ولا من تلك ، فمن أين أخذها ؟

    يقول الأستاذ مجتبي مينوي :

    وقد أخذ العطار هذه الحكاية من كتاب الغزالي ، فقد ورد هذا الاسم في تحفة الملوك . . . والمقصود من الشيخ صنعان عند العطار هو ، الشيخ عبد الرازق الصنعاني الذي ذكر في تحفة الملوك ،

    ولقد أورد الشاعر التركي كلشهري الذي ترجم منطق الطير إلى التركية حكاية الشيخ صنعان تحت عنوان « حكاية الشيخ عبد الرزاق » .

    وقد اتفق الأستاذ فروزانفر مع مينوى في ذلك ، فأرجع قصة الشيخ صنعان إلى ما جاء بالباب العاشر من تحفة الملوك لأبي حامد الغزالي .

    ووجب علينا أن نعرض قصة الشيخ عبد الرازق الصنعاني كما ذكرها الأستاذ فروزانفر في كتابه « شرح أحوال ونقد وتحليل آثار شيخ فريد الدين محمد عطار نيشابوري » .

    في حكايات مثل هذه ، كان في الحرم شيخ اسمه عبد الرازق الصنعاني وكان رجلا عظيما وصاحب كرامات ، وكان شيخا لما يقرب من ثلاثمائة مريد .

    وذات ليلة رأى في منامه صنما يجاوره ، فهب من نومه وتمكن الضيق منه وشغل قلبه ، فذهب إلى بلاد الروم وصحبه كل مريديه ووصلوا ذات يوم إلى مكان ما ورأوا كنيسة ، فنظر الشيخ فإذا به يرى على السقف فتاة مسيحية ، فوقع في التو في عشقها . . .

    وسرعان ما خلع المرقع ولبس ثياب الرهبان وعقد حول وسطه الزنار . . .

    فقال المريدون : ما هذه الحالة ؟

    فأجاب : إن ما أصابنا بسبب القلب ، ولا يمكننا مخالفة القلب ، فشرط الأعمال صدق الظاهر والباطن . . .

    وبعد طول نقاش بينهما عاد المريدون من الدير وتركوه إلى القضاء والقدر ، وبدأ يعمل في خدمة الخنازير .

    وكان له مريد بخراسان وكان رجلا عظيما فعرف هذه الحالة فأسرع صوب مكة وقال للمريدين : أين الشيخ ؟

    فأخبره المريدون بما وقع للشيخ .

    فقال لهم : لما لم تقيموا حيث يقيم ؟

    فقالوا كنا نرغب في ذلك ولكن الشيخ رفض وانتهى الحديث بينهما إلى أن أعد الشيخ والمريدون عدتهم للسفر إلى بلاد الروم .

    وفي ذات أمسية رأى ذلك الشيخ الرسول عليه السلام فسأله الرسول ماذا تفعل ببلاد الروم ؟

    فأجابه الشيخ سائلا : وماذا أنت فاعل ببلاد الكفر ؟

    فقال الرسول عليه السلام : جئت لكي أخلص شيخا عوتب من قبل .

    فاستيقظ الشيخ في الحال ، ورأى شيخه يلقي عن نفسه رداء الرهبان وقطع الزنار ، ثم أحضر الماء واغتسل وجدد إسلامه وأعاد ارتداء لباس الإصلاح وحينما عرفت الفتاة هذا الحال أقبلت إليه ، وطلبت منه أن يعرض عليها الإسلام فعرضه عليها وأسلمت وعادوا جميعا إلى الكعبة ".

    إذا قارنا بين قصتي الغزالي والعطار نجد أن أركان القصة فيهما واحدة .

    ولكن نجد بعض الاختلافات اليسيرة ، فعدد المريدين في قصة الغزالي ثلاثمائة وفي منطق الطير أربعمائة .

    كما نجد اختلافا في قصة إسلام الفتاة المسيحية في القصتين كما أن نهاية القصة مختلفة في الكتابين فتحفة الملوك لم تشر إلى وفاة الفتاة المسيحية بعكس منطق الطير .

    كما أن العطار بخيال الشاعر حاول الإفاضة في المناقشة الممتعة التي حدثت بين الشيخ ومريديه بعد أن انحرف ، وكذلك في مناجاة الشيخ لمعشوقته .

    وعلى هذا فيمكن الموافقة على أن العطار أخذ فكرة قصته من تحفة الملوك للغزالي وأضاف إليها الكثير من خياله الشعري ، فجاءت على هذه الصورة التي وجدناها عليها في منطق الطير .

    ولكن من هو الشيخ صنعان :

    ذكرت من قبل أن الأستاذ مينوى يرى أنه الشيخ عبد الرازق بن همام وتابعه في هذا الرأي الأستاذ فروزانفر ، فمن هو الشيخ عبد الرازق بن همام :

    يخبرنا ياقوت الحموي في نهاية الحديث عن مدينة صنعاء باليمن :

    ومن مشايخها الشيخ عبد الرازق بن همام بن نافع أبو بكر الحميري أحد الثقات المشهورين . . وكان مولده عام 129 هـ ، وأنه التقى بأحمد بن حنبل ، ولكن في آخر حياته أصيب الشيخ بالعمى فضعفت الثقة في الأحاديث التي كان يرويها ، كما اتهمه البعض بالتشيع .

    وربما أن إسناد هذه القصة إليه جاء نتيجة لتشيعه ، فحاول خصومه التمادي في اتهامه حتى أوصلوا هذا الاتهام إلى حد الكفر واعتناق المسيحية .

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:22