..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5) Empty كتاب منطق الطير للعارف بالله فريد الدين أبو حامد محمد النيسابوري مقدمة (5)

    مُساهمة من طرف Admin 15/10/2020, 16:43

    وهذا هو وصف العطار للطريق بمراحله السبع بإيجاز .

    أولا : وادي الطلب :

    واد مليء بالتعب ، ولا بد فيه من الجد والجهد عدة سنوات ، كما يجب التخلي فيه عن المال والملك وعن الكل ، كما يجب التطهر من كل العلائق ، وعلى السالك ألا يأبه في هذا الوادي بمخاوف الطريق ، على أن يتساوى لديه الكفر والإيمان ، كما يجب ألا يكف لحظة عن الطلب ، فإن تواني لحظة عن الطلب فهو مرتد ، وعليه أن يقدم روحه نثارا في هذا الوادي ، كما يجب أن يتحلى بالصبر حتى لا ييأس في أول مراحل الطريق . . .

    ثانيا : وادي العشق :

    كل من سار فيه فهو في نار وحرقة ، لا يعرف الكفر من الإيمان ، كما يتساوى أمامه الخير والشر ، والعقل غير جدير بهذا الوادي فهو عاجز عن إدراك أسرار العشق .

    والعشق يوجب على السالك أن يقوم بأي عمل مهما صعب من أجل المعشوق ، والسالك في ذلك الوادي يجب أن يتخلى عن كل ما يملك ، فالعشق والإفلاس قرينان ، والعاشق يقدم روحه طواعية تلبية لأمر المعشوق ، ولكن يكره أن - تكون هناك واسطة بينه وبين معشوقه ، كما حدث في قصة سيدنا إبراهيم مع عزرائيل حينما حان موعد وفاته ( 3443 : 3455 ) .

    ثالثا : وادي المعرفة :

    في هذا الوادي يختلف سالك الروح عن سالك الجسد ، وتتفاوت المعرفة بين السالكين كل حسب مقدرته ، فبعضهم يدرك المحراب والبعض يدرك الصنم ، وكلما واصل السالك المسير كلما زادت معرفته بالأسرار ، ولا بد للسالك من أن يتصف بالكمال حتى يستطيع مواصلة السير ، كما يجب على السالك ألا يقنع بما يحصله من معرفة بل عليه أن يقول دائما « هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ؟ » حتى يصل إلى ذي العرش المجيد ، وهذا الوادي طريق طويل لا تبدو له بداية ولا نهاية ، وعلى السالك أن يبعد النوم عن عينيه وأن يكون في سهاد وأرق دائمين . . .

    رابعا : وادي الاستغناء :

    وفيه يجب على السالك أن يتخلىّ عن كل شيء في الدنيا ، فكل ما فيها تافه لا قيمة له ، فما هذه البحار الشاسعة إلا بركة صغيرة ، وما الأفلاك والأنجم إلا كورقة شجرة ، كما يجب على السالك ألا يطمع في شيء مطلقا ؟ فما العالمان إلا كذرة رمل تافهة .

    وإذا ما أضاء برق الاستغناء فإن لهيبه يحرق مائة عالم في لحظة واحدة ، وعلى السالك أن يتخلى عن روحه في هذا الوادي ، وأن يقطع كل صلة له بقلبه لأن من يسلك هذا الوادي بالروح والقلب يكون أكثر شركا من المشركين أنفسهم .

    خامسا : وادي التوحيد :

    وهو منزل التجريد والتفريد ، وفيه يرى السالك الكثرة قلة حتى يصل الكل إلى أن يكون واحدا ، ولا أهمية للأزل ولا للأبد في هذا الوادي ، ومن لم يفن من السالكين في الوحدة والاتحاد فهو غير جدير بالإنسانية ، وعندما يصل السالك إلى مجال التوحيد ، فإنه لا يشعر بالمكان ولا بنفسه ، ويصبح الجزء كلا ، بل ويتلاشى الكل والجزء وتتلاشى فيه الأعضاء والروح ويصبح العقل عديم القيمة في هذا الوادي ، وفي هذا الوادي تختلط الصورة بالصفة .

    وما أن يصل السالك إلى حد التوحيد والتفريد ، فإنه يصل إلى حد الاضطراب وعدم القدرة على أن يفرق بين نفسه وبين ربه لأن هذا الوادي فيه تتلاشى الثنائية ولا بقاء إلا للوحدانية .

    سادسا : وادي الحيرة

    وفيه يصاب السالك بالألم والحسرة وينخرط في عمل متواصل ويكون عرضة للأحزان دواما ، وتنهال عليه المصائب في كل لحظة فتكثر آهاته ، وكل ما حصلت روحه من التوحيد يضيع منه في هذا الوادي دفعة واحدة ،

    ولا يعرف السالك أهو موجود أم غير موجود !

    أهو ظاهر أم خفي !

    فالسالك في هذا الوادي لا يعرف كنهه ، ويكون قلبه مفعما بالعشق ولكن لا يعرف من المعشوق ، ويكون حائرا بين الكفر والإسلام ، وقد ساق العطار قصة الشيخ « نصر آباد » دليلا على ذلك ، إذ حج أربعين مرة ثم ترك ذلك كله وطاف حول معبد النار من شدة اضطرابه وحيرته دون أن يشعر بما يفعل ( 3899 : 3912 ).

    سابعا : وادي الفقر والفناء :

    أهم ما يميز هذا الوادي هو النسيان ، ولا سبيل أمام القلب في هذا البحر الخضم إلا الفناء ، ونهاية المطاف في هذا الوادي تختلف من سالك إلى آخر كل حسب طهره وعزيمته ، فمرتكبو الخطايا يسيرون إلى القاع أذلاء ولكن من تتطهر نفوسهم يفنون فناء حقيقيا وتصبح حركة كل واحد منهم هي حركة البحر .

    وهكذا يتم الاتحاد وما الاتحاد إلا فناء السالك عن ذاته وفنائه في اللّه ، وإذا ما مضى السالك عن الجميع فهذا هو الفناء ،

    وإذا ما فنى عن الفناء فهذا هو البقاء بعد الفناء وهذا بدوره يؤدي بنا إلى الحديث عن الفناء في منطق الطير.

    خامسا - الفناء وصوره في منطق الطير

    الفناء الصوفي هو الحال التي تتوارى فيها آثار الإرادة والشخصية والشعور بالذات وكل ما سوى الحق .

    فيصبح الصوفي وهو لا يرى في الوجود غير الحق ولا يشعر بشيء في الوجود سوى الحق وفعله وإرادته .

    ولا تشير كلمة « الفناء » إلى ناحية واحدة من التجربة الصوفية هي الناحية السلبية ، ولكن لها ناحية إيجابية هي التي عبر عنها الصوفية بكلمة « البقاء » لأن الفناء عن شيء يقتضي البقاء بشيء آخر .

    فالفناء عن المعاصي يقتضي البقاء بالطاعات ، والفناء عن الصفات البشرية يقتضي البقاء بصفات الألوهية ، والفناء عما سوى اللّه يقتضي البقاء باللّه وهكذا .

    وليس المقصود بالفناء ذلك المعنى الشائع ، وهو الفناء بالموت بل المقصود أن يفنى الصوفي عن الأخلاق الذميمة ويبقى بالأخلاق الحميدة ، ويفنى عن صفاته من علم وقدرة وإرادة ويبقى بصفات اللّه الذي له وحده العلم والقدرة والإرادة ، وأخيرا يفنى عن نفسه وعن العالم حوله ويبقى باللّه ، بمعنى أنه لا يشهد في الوجود إلا اللّه .

    وبهذا ينبغي أن يفسر ما يقول الصوفية في الفناء :

    إنه ليس بموت لأن الذي يعدونه فانيا يعيش على هذه الأرض ، وليس هو حلول اللّه في.

    الإنسان كما في بعض النحل وإلى هذا يشير صاحب الرسالة القشيرية :

    " . . وإذا قيل فنى عن نفسه وعن الخلق فنفسه موجودة والخلق موجودون ، ولكن لا علم له بهم ولا به ولا إحساس ولا خبر ، فتكون نفسه موجودة والخلق موجودين ، ولكنه غافل عن نفسه وعن الخلق أجمعين غير محس بنفسه ولا بالخلق » .

    وكلمة الفناء تدور حول ( الأنا ) ، لذا فمن واجب الصوفي ألا يشعر بذاتيته ، لأن شعوره بالأنا أو بالذاتية فيه شعور بالإثنينية والشعور بالإثنينية شرك ، ولذا فالنتيجة المطلوبة من الفناء هي رفع الإثنينية .

    ويسوق العطار قصة عن معشوق الطوسي وفيها لا يشعر بأنيته :

    زار شاب معشوق الطوسي وهو مريض وبدأ في قراءة الفاتحة حتى شعر المريض بأنفاسه

    فقال الطوسي : إذا كنت تقرأ الفاتحة فلتصب اللّه بأنفاسك.

    إن هذه الأنفاس لا تليق بهذا المسكين ، فينبغي أن ينال هو كل شيء لا أنا .

    وهذا الفناء في اللّه أو الاتحاد مع اللّه يتخذ مظهرا ينقسم إلى عدة صور ولا يبدو عند كل صوفي كما يبدو عند الآخر ولا يكون له نفس الصورة في كل الحالات ، وإن تعبيرات الصوفية تصف هذا في ألوان متباينة .

    وإذا ما تعرضنا لأقوال العطار عن الفناء وصوره في منطق الطير لوجدنا أنه يعبر عن الفناء بأكثر من صورة :

    1 - فناء السالك في اللّه كفناء القطرة في البحر ، وقد وضح العطار هذه الصورة في نهاية الحديث عن وادي الفقر والفناء فهو يقول :

    إذا هاج وماج البحر الكلي ، فهل تبقى نقوش على صفحة البحر ؟

    إن كلا العالمين نقش ذلك البحر . . وكل من أصابه الفناء في بحر الكل فهو دائما فان بال ؛ والقلب في هذا البحر الغاص بالفناء لا يجد شيئا إلا الفناء . . . وإذا فنى نجس في بحر الكل ، صار إلى القاع ذليلا بصفاته ، ولكن إذا مضى فيه رجل طاهر فسيفنى فناء حقيقيا ولن يبقى له أثر ، فتصبح حركته هي حركة البحر . . . » .

    2 - يشبه العطار فناء السالك في اللّه بفناء الظل في الشمس :

    فالعطار يقول في نهاية القصة وذلك بعد أن وصلت الطير إلى السيمرغ ، وتم اللقاء بينها وبين السيمرغ ثم تم لها الفناء .

    - لقد انمحوا فيه في النهاية على الدوام ، كما يفنى الظل في الشمس والسلام .

    كما يشرح العطار هذه الفكرة في كتاب آخر له ، هو « مختار نامه »

    فيقول : " إن النبي يقول للسالك : إذا أردت أن تخرج عن نفسك ، وأن تفنى ؛ فلا بد وأن تصبح لا شيء في ذات اللّه ، كن ظلا يضيع في الشمس ، كن لا شيء واللّه عالم بكل شيء " .

    ويتحدث كذلك عن هذه العلاقة في إجابة اللّه سبحانه وتعالى على سؤال لذي النون يسأله فيه عمن يقتلهم اللّه ، فكان جواب اللّه إني أقتلهم ، وإذا ما فنى السالك تماما فأنا أسيّر له شمس وجهي ، وألبسه ثوبا من جمالي ، وأجعله ظلا في طريقي ، وأجعل شمس نفسي تشرق ، وإذا ما أشرقت شمس وجهي ، فكيف يستطيع الظل أن يبقى في طريقي ؟

    وإذا تلاشى الظل في الشمس فإنه يصبح لا شيء واللّه يعلم كل شيء . (2553 -2569).

    3 - الصورة الثالثة من صور الفناء هي صورة التحول إلى نور ، وهذه الصورة واضحة في حكاية الفراشات الثلاث ومحاولة إدراكها لنور الشمعة فطارت فراشة وما أن رأت الشمعة وسط ردهات القصر حتى أسرعت بالعودة وأخذت تصف الشمعة ، ولكن ناقدهم سفه رأيها ، فطارت أخرى وطافت حول الشمعة ثم عادت وقصت على الجمع ما رأت ، ولكن ناقدهم لم يقنع بكلامها وسفّه رأيها كذلك ، فطارت فراشة ثالثة وألقت بنفسها في نار الشمعة فاحترقت كلها في النار وأفنت نفسها كلية وهي غاية في السرور ، وما أن شملتها النار عن آخرها حتى احمرت أعضاؤها كلون النار ، لذا ما أن رآها ناقدهم حتى قال لقد أصابت هذه .

    أي أن الفراشة الثالثة هي التي أدركت الفناء الحقيقي وذلك لخروجها عن طبيعة تكوينها وتحولها إلى نور ، وهكذا كان التحول إلى نور صورة من صور الفناء.

    4 - الملاحظ أن الصور الثلاث السابقة يتخذ فيها الفناء صورة التلاشي التام ، ولكن في الصورة الرابعة يبدو الفناء على أنه ظهور وجود خاص في مادة عامة للكون ،

    وهذا الفناء يبدو في صورة تحول المحب إلى شعرة لامكان لها إلا في ذؤابة الحبيب ،

    وتبدو هذه الصورة في حديث الشيخ محمود الطوسي لأحد مريديه إذ يقول له :

    "امض إلى الفناء دائما ، حتى تفنى نفسك في العشق تماما ، وعندما تصبح كالشعرة في الضعف . . . فأليق مكان بك طرة المعشوق ، وكل من يصبح كالشعرة في محرابه فإنه يكون شعرة من شعره بلا شك . . " ( 3937 - 3940 ) .

    والملاحظ أن العطار يشرح فكرة فناء المحب في محبوبه ، وارتقائه إليه حتى يصبح هو ذاته ؛ بقصص دنيوية ،

    والمثال الكلاسيكي المألوف دائما هو المجنون وليلاه ، ولكن العطار أضاف إلى هذين العاشقين القديمين عاشقين أحدث عهدا هما « محمود » و « إياز » وإن كان يذكر المجنون في بعض حكاياته .

    يقول العطار : " وإذا ما تلاشى أحد من بين الجمع فهذا هو الفناء ، وإذا ما فنى عن الفناء فهذا هو البقاء " ( 3942 ) .

    ويقول أيضا : " اغمض عينك ثم افتحها وتلاش ثم تلاش ثم تلاش في تلك الحال الثانية ، ثم امض قدما ، فقد تأتّى لك أن تصل إلى عالم التلاشي " .

    والملاحظ أن العطار يصف الوصول إلى الفناء ، غير أنه لا يوضح طريق البقاء . فنحن نلاحظ في نهاية القصة أن الطيور بعد أن أصابها الفناء أدركت البقاء دون أن يوضح لنا العطار كيف أدركته ، لأن توضيح ذلك خارج عن نطاق الشرح والتفسير ،

    فقد قال :

    عندما انقضت أكثر من مائة ألف من القرون ، وكانت قرونا بلا زمان إذ لا بداية ولا نهاية ، أسلمت الطير أنفسها إلى الفناء الكلي بكل سرور ، وما أن غاب الجميع عن رشدهم حتى ثابوا إلى رشدهم ، وتقدموا إلى البقاء بعد الفناء ، ولكن ليس لأحد قط سواء من المحدثين أو القدماء أن يتحدث عن ذلك الفناء وذلك البقاء . . .

    إذ أن شرح ذلك بعيد عن الوصف والخبر ، ولكن في طريق مثل طريق أصحابنا ، أيمكن شرح البقاء بعد الفناء ؟ وأنىّ يمكن إتمام ذلك . . . (4241 - 4247) .

    ويربط العطار بين الفناء والذلة وبين البقاء والسمو والشرف ، فهو يقول « وان لم يصبك النقصان في الفناء ، فلن ترى السلامة مطلقا في البقاء ، وفي الطريق تلقى إليك الذلة في البداية ثم ترتقي فجأة بالعزة ، فصر إلى العدم حتى تدرك الحياة في أثر ذلك ، فما دمت موجودا فكيف تصل الحياة إليك ، وإن لم تمح في الذلة والفناء فكيف يصلك من العز إثبات البقاء " ( 4259 - 4262 ) .

    وقد قص العطار قصة طويلة تؤيد هذه الفكرة وهي تدور حول ذلك الملك الذي يأمر وزيره بقتل ولده الحبيب ، غير أن حصافة الوزير تقنع الملك بوخامة عاقبة تلك النوبة من الغضب التي تسيطر عليه .

    ويقول ريتر ( Ritter ) إننا لا نعرف من هذه القصة شيئا عن حالة البقاء الصوفي وما يميزه ، والقصة تصف في براعة حالة الشقاء الظاهري للنفس ، والفناء الخلقي لدى إنسان كان يحب شيئا يكمن فيه جمال الحياة والشباب ، وقد حطمه غير أن الحظ أعاده اليه .

    ويكمل ريتر تعليقه على هذه القصة ( من البيت رقم 4263 إلى رقم 4423 - طبعة باريس ) –

    فيقول : « إذا شئنا استنادا إلى هذه القصة أن نشرح فكرة الفناء والبقاء فإن ذلك لا يكون بالمعنى العادي.

    الاصطلاحي لهاتين الكلمتين ، فإن الفناء هنا بواسطة الشعور بالذنب مما يعقد الموازنة بينها وبين حال الطير التي تملكها الخجل حينما وجدت أن سجل ذنوبها موجود في بلاط السيمرغ ، وإن هذه الحال عرفت عند الشاعر بالفناء . . .

    أما البقاء فهو حال سعيدة لم يستطع الشاعر أن يصفها ولم يشأ أيضا أن يقوم بوصفها ، وإنما أراد العطار أن يثير في قارئه حب الاستطلاع بقصة معبرة رائعة . . .

    ونحن لا نخطىء إذا ما سلمنا بأن الشاعر لم يقصد بالسفر إلى اللّه والبقاء بعد الفناء أن يقول شيئا ملموسا متميزا ، كما أن الصوفية لا يعرفون إلا القليل الذي يذكرونه عن هذا البقاء ، وإن الروعة الحقيقية لتتركز في الفناء » .

    أي أن ريتر يرى أن الغاية التي يسعى إليها الصوفي والهدف الأسمى الذي يتطلع إليه هو الفناء في اللّه ، وما هذا السفر إلا وسيلة لإدراك هذا الهدف ، وما هذا البقاء بعد الفناء إلا بقاء بصفات اللّه بعد الفناء عن صفاته ، وهو بقاء بالأخلاق الحميدة بعد الفناء عن الصفات الذميمة ، وما أن يدرك السالك هذا الهدف الأسمى وهو الفناء ، فسرعان ما ينعم اللّه عليه بالبقاء .

    بعد أن تعرضنا لشرح معنى الفناء عند العطار وبعد أن عرجنا كذلك على فكرة البقاء بعد الفناء ، نجد سؤالا يدور في الذهن يبحث عن إجابة ،

    هذا السؤال هو : هل يجيز الفناء في اللّه عند العطار أن يكون الصوفي إلها ؟

    إن الطيور في نهاية المطاف قد أدركت أنها هي السيمرغ وأن السيمرغ هو هي : هل يريد العطار بذلك أن الطير أصبحت اللّه ؟

    وإذا كان الجواب بالإيجاب ، فهل معنى ذلك أن العطار يتفق في ذلك مع الحلاج في قوله « أنا اللّه » أو مع بايزيد وهو يقول « سبحاني ما أعظم شأني » ؟

    قبل الإجابة عن هذه الأسئلة جميعا يجدر بنا أن نعرّف وحدة الوجود ووحدة الشهود تعريفا موجزا للغاية دون التعرض للتفريعات العديدة :

    يرى ابن العربي أن الوجود حقيقة واحدة ذات وجهين الوجه الأول الباطن وهو الحق ، والثاني الظاهر وهو الخلق ، وهو يرى أن التعدد والكثرة أمر قضى به العقل القاصر والحواس الظاهرة القاصرة ، ولا فرق عند ابن عربي بين الواحد والكثير أو الحق والخلق إلا بالاعتبار والنظر العقلي القاصر ، فالعين واحدة كما يقول :

    جمع وفرق فإن العين واحدة .... وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر

    ويعلق المستشرق الإنجليزي نيكلسون على هذا القول بقوله :

    ويعرف أهل هذه الفرقة بأصحاب وحدة الوجود " ويقول ريتر Ritter : " . . . وعند صوفي وحدة الوجود يكون اللّه هو الصوفي نفسه . . . » .

    وواضح أن الاعتراف بوحدة الوجود في صورتها المجردة قضاء تام على كل معالم الدين المنزل ومحو لهذه المعالم محوا كاملا ، ولهذا نجد أوائل المؤلفين في التصوف يرددون الإنذار والتحذير من الوقوع في وحدة الوجود ، ويكررون بأن اللّه تعالى مخالف للحوادث مخالفة تامة ، وأن أي اتصال به يوصف بأنه اتحاد بذاته ، كفر وضلال .

    أما وحدة الشهود فمعناها الفناء عن شهود التكثر والتعدد لا نفي هذا التكثر والتعدد في ذاته ذلك الذي يؤكده مذهب وحدة الوجود ، فالمؤمن بوحدة الشهود لا يشهد في الوجود إلا الله ، أما المؤمن بوحدة الوجود فهو يسقط التكثر والتعدد في الوجود العيني ، ولا شك أن هناك فارقا بين الغيبة عن شيء ( التكثر ) وبين نفي هذا الشيء .

    وهذا هو الفارق بين مذهب وحدة الوجود ووحدة الشهود .

    ووحدة الشهود حال أو تجربة يعانيها الصوفي لا عقيدة ولا علم ولا دعوى فلسفية يحاول برهنتها أو يطالب الغير بتصديقها .

    بعد هذه المقدمة الموجزة لبيان الفرق بين وحدة الوجود ووحدة الشهود يمكننا أن نجيب عن الأسئلة التي أثيرت من قبل :

    نحن نعرف أن الطيور بعد أن حظيت بحضرة السيمرغ وبعد أن أضاءت بجوارهم شمس القرب .

    وجدت الطيور أنهم في مقابل ثلاثين طائرا ، أي أنهم في مقابل أنفسهم وقد أجاد العطار في ذلك الموقف استعمال الجناس بين كلمتي

    « سي مرغ » بمعنى « ثلاثين طائرا » و « سيمرغ » إله الطير ،

    فقد رأت الطير أنفسها السيمرغ بالتمام ، كما رأت أن السيمرغ هو أنفسها بالتمام فلم تعد ترى فارقا بينها وبين السيمرغ . . . فما كان منها إلا أن طلبت من السيمرغ شرح هذا الحال ،.

    فأجاب السيمرغ بأن الحضرة مرآة ساطعة كالشمس فكل من يقبل صوبها يرى نفسه فيها . . . " ( 4193 - 4232 ) .

    أي أن العطار بناء على هذه الأقوال - من الداعين إلى وحدة الشهود ، فصورة الفناء كما عرضها في آخر القصة هو فناء عن شهود التكثر والتعدد .



    ولكننا نجد العطار يقول بعد ذلك : ( 4230 ) .

    "وقد فنت الطير في النهاية على الدوام كما يفنى الظل في الشمس والسلام » أي أنه بناء على هذا القول - وأقوال أخرى يشبه فيها الاتحاد باتحاد القطرة مع البحر - من المؤمنين بوحدة الوجود ، فما سبب هذا التضارب ؟

    يقول المستشرق الألماني ريتر Ritter : من الأفكار المنسوبة خطأ إلى العطار القول بوحدة الوجود ، ولكن الحقيقة أن العطار يبتعد عن تأليه الصوفي ويبتعد كذلك عن الحلول والاتحاد ، وهو يضيف إلى هاتين الكلمتين كلمة أخرى وهي في رأيه « وحدة الاستغراق في اللّه » .

    وريتر يستند في رأيه هذا على قول العطار على لسان الهدهد وهو يرد على الطير وهي تسأله عن الصلة التي تربطها بالسيمرغ في المقالة الثالثة عشرة :

    " . . . وصور طير العالم جميعها ما هي إلا ظلها ؛ فاعلم هذا أيها الجاهل ، فإذا عرفت أولا فستصل اتصالا وثيقا بتلك الحضرة ، فإذا عرفت فتبين الحقيقة وكن حذرا ، وإذا عرفت فلا تكن مفشيا سرا ، وكل من صار هكذا فإنه يكون مستغرقا ، فحاش اللّه أن تقول أنا الحق ،

    وإذا لم تصر مثلما قلت فأنت لست اللّه ، ولكنك مستغرق في الحق دائما ، وكيف يكون المستغرق حلوليا ، وكيف يكون هذا الكلام من شأن الفضولي ؟ . . . "

    ( 1056 - 1061 ) .

    أي أن ريتر يعتبر العطار مؤمنا بمبدأ « وحدة الاستغراق في اللّه » وليس حلوليا ولا من القائلين بعبارة « أنا اللّه » كما قالها الحلاج .



    يقول الدكتور أبو العلا عفيفي :

    « لم تظهر فكرة وحدة الوجود في صورة نظرية كاملة منسقة قبل محيي الدين بن عربي المتوفي عام 638 هـ . . .

    ولم يكن ابن العربي أول من أرسى دعائم مذهب كامل في وحدة الوجود وحسب ، بل ظل حتى اليوم الممثل الأكبر لهذا المذهب ، ولم يأت بعده ممن تكلموا في وحدة الوجود نثرا أو شعرا إلا كان متأثرا به أو ناقلا عنه أو مرددا لمعانيه بعبارات جديدة . . . » .

    ونحن نعرف أن العطار كان معاصرا لمحيى الدين بن العربي ، ولكن لم أجد فيما قرأت من كتب إشارة إلى أن العطار اتصل بابن العربي أو تأثر به في مذهبه " وحدة الوجود " .



    وعلى هذا فإنني أستطيع أن أقول بلا تردد أن العطار من أنصار وحدة الشهود ، ولكنه كشاعر لا يعرف لنفسه ضابطا فسرعان ما نجده يورد عبارات كثيرة لا تتفق مع مبدئه ،

    فهو مشتت الفكر متشعبه ، وليس مفكرا دقيقا في تفكيره ، وليس منظما واضحا ، فهو في بعض الحالات التي يسيطر فيها الوجد عليه وتغلب عليه ملكة الشعر يسترسل في الإنشاد دون قصد ، فيطلق عبارات يفهم منها الاعتقاد بوحدة الوجود ، أما قول ريتر من أن العطار ينادي « بوحدة الاستغراق في اللّه »

    فهذا - في رأيي - مبدأ وسط بين وحدة الوجود ووحدة الشهود أراد به ريتر أن يخرج من ذلك التضارب البادي في كلام العطار ولكن كل ما يهمني من كلام العطار هو ما جاء بطبيعة الحال في منطق الطير ،

    ونهاية القصة دليل واضح على أن العطار من أنصار وحدة الشهود وأن الأقوال التي قالها ويشتم منها الاعتقاد بوحدة الوجود قد جاءت عن غير قصد نتيجة لحالة الوجد الشديدة التي كانت تسيطر عليه ، ونتيجة لأنه شاعر ثرثار أحيانا لا يعرف كيف يجعل لكلامه حدودا يقف عندها .

    وإذا كان العطار مؤمنا بوحدة الشهود وليس من أنصار وحدة الوجود فهو ليس حلوليا ولا من أنصار دعوتي « أنا اللّه » للحلاج أو «سبحاني ما أعظم شأني» لبا يزيد ، ويكفي لإثبات صحة هذا القول ذكر هذين البيتين (1159،1061) .

    - وكل من أصبح مستغرقا هكذا ، حاش للّه أن يقول " أنا الحق " .

    - فمتى كان الرجل المستغرق حلوليا ؟

    ومتى كان هذا القول من شأن الفضولي ؟

    وهكذا نرى أن العطار لا يجعل التصوف وسيلة يترقى بها السالك ليكون إلها ، بل يجعله طريقا للاتصال باللّه والفناء عن الصفات الذميمة للبقاء معه بالصفات الحسنة .



    سادسا - العطار والملامتية

    يقول المستشرق الإيطالي انتونيو بيزاني في كتابه القيم "قصة الأدب الفارسي" .

    " إن عنصرا ملامتيا يبدو متخللا كل الشعر الغنائي التقليدي الفارسي وكأنه مدح للكفر وللبدعة وللخمر فهو يذكر دائما مع مدح هذه الأشياء ، وان الأمثلة القديمة لهذا العنصر تجدها في الشعر الغنائي خاصة التي ترمز إلى المسيحية . . .

    وإن هذا العنصر يتحول ويتغير بنفسه إلى صورة صوفية وأروع مثال لها هو قصة الشيخ صنعان ، وقد قص قصته فريد الدين العطار في منطق الطير . . ".



    حقا إن العطار قد تحدث عن الكفر والإيمان وعن الخمر في هذه القصة ، بل جعل الشيخ صنعان يفضل جانب الكفر على الإيمان في بداية الأمر من أجل محبوبته وهذا كفر واضح في نظر العامة ، ولكن في نظر الخاصة لا يعتبرونه هكذا ، فهم يرفعون من مكانة العشق حتى يجعلوه يفوق الكفر والإيمان ، وهذا ما قاله العطار في قصته ، ولكن كل ما يهمني الآن من هذه النبذة هو : هل كان العطار ملاميتا أم لا ،

    مع علمنا بأن الملامتية أول ما نشأت نشأت في نيسابور بلد العطار ؟

    للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرّف الملامتية أولا :

    يقول الدكتور أبو العلا عفيفي :

    " ما المراد بالملامة التي ينتسب إليها الملامتية ؟

    أهي لوم الملامتي نفسه ؟

    أم لوم الناس إياه ؟

    أم لوم الملامتي الدنيا وأهلها ؟

    أما لوم الدنيا فليس من نظام اللامتي في شيء لأن في تعاليمهم الصريحة النهي عن ذم الدنيا ، أما المعنيان الآخران فيدخلان في جوهر الفكرة الملامتية ،

    وإليهما تشير كثير من تعريفاتهم . . . » .



    وبعد هذا التعريف الموجز نسأل :

    هل تتفق آراء العطار وهذه المبادئ الخاصة بالملامتية ؟

    إن العطار يتفق معها في بعض الأفكار ويختلف معها في البعض ، فهو يتفق معها شأنه في ذلك شأن الصوفية جميعا - في ذم النفس البشرية وإثبات عجزها دائما ، ولكنه لا يتفق معهم في شأن ذم الناس للصوفي فهو يرفع من مكانته ، كما أنه يختلف معهم في موقفهم من الدنيا ، فهو كثيرا ما يذمها ويكيل لها السباب ويشبهها أحيانا بموقد حمام أو بيت العنكبوت ، ويصفها بأنها دار فناء وبلاء وطمع ، كما أنها دار شدة ومحنة .



    وبجانب ذلك نجد أن مبادئ العطار تخالف في كثير منها مبادئ الملامتية فمن أصول الملامتية ترك الكلام في دقائق العلوم والإشارات، وقلة الخوض فيها...



    ولكننا نجد العطار يتحدث بالرمز كثيرا ويشير إلى إشارات الصوفية ، كما أنه يتحدث في دقائق العلوم الإلهية ، فهو يتحدث عن الفناء والبقاء بعد الفناء وهما من الإشارات التي يصعب على أغلب العامة فهمها .

    كما أن غاية الطريق لدى الملامتية - كما يذكر السهروردي - الإخلاص في الأعمال وتحريرها من كل معنى من معاني الرياء ، وهذا يقتضي مراقبة دقيقة للنفس وعدم الفناء فيها .

    ونحن نعرف من سرد قصة منطق الطير أن الغاية التي يريد العطار الوصول إليها هي الفناء التام ورؤية الخلق بعين الزوال .

    هذه بعض الأفكار التي تحدد بوضوح أن العطار ليس ملامتيا ، وليست هذه كل الحجج والأسانيد بطبيعة الحال .

    بعد ذلك يجدر بنا أن نوضح موقف العطار من النفس البشرية ومن الدنيا .



    ( أ ) العطار والنفس البشرية :

    العطار يذم النفس دائما ويشبهها في بعض الأحايين بالكلب الذي لا يطيع أمرا مطلقا ، فالنفس بمثابة العدو الأول له ، وبمثابة اللص الذي يسرق منه أسرار الطريق ؛ فهو يقول : « إن نفسي لي عدو ، فكيف أقطع الطريق إذا كان رفيقي لصا ، فالنفس كالكلب لم تطع لي أمرا مطلقا ، ولا أعلم كيف أحرر الروح من ربقتها. ( 1940 - 1941 )



    وإذا كانت نفس العطار عدوه الأول فلا سبيل إلى الكمال إلا بإفناء النفس :

    وإن تفن نفسك ذات يوم فستصبح في إشراقة حتى ولو كانت الليالي كلها حالكة .

    كما يشبه العطار النفس البشرية في جبروتها بفرعون ، ويربط بينها وبين الشيطان في ارتكاب الآثام والمعاصي :

    "وما دامت لك نفس وشيطان ، ففي داخلك فرعون وهامان » ( 2951 ) .

    كما أنه يشبهها كذلك بالثعبان والعقرب فيقول : « فطهر نفسك من الصفات الدنية ، ولتصر بعد ذلك إلى العدم وأنّى لك أن تعلم ما بجسدك من أدران وأوساخ فالثعبان والعقرب خفيان تحت حجبك ، وقد ناما وأخفيا نفسيهما " ( 3702 - 3704 ) .



    وإذا كانت النفس البشرية يصورها العطار هذا التصوير البشع ويصفها بأنها كالكلب أحيانا وكالثعبان والعقرب أحيانا أخرى ، كما يقرنها بالشيطان ويصفها بأنها كفرعون في ظلمه وجبروته ، إذا كان العطار يصورها هكذا ، فلابد وأنه سيحاول التخلص من ربقتها والتخلي عن سلطانها وهو يدعو اللّه أن يخلصه منها ، لأن السالك إن لم يتخلص منها فلا خلاص له من الهموم والبلايا .



    وهكذا نجد العطار يذم النفس البشرية ويصفها بصفات الخسة والدناءة ، شأنه في ذلك شأن الزهاد والصوفية ، فهو لا يعد في هذا المضمار مبرزا بل إنه تأثر في ذلك بالقرآن الكريم وأقوال الفقهاء والشيوخ الذين سبقوه .



    ب - العطار وذم الدنيا : -

    الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء ، ولذا يسعى الصوفية دواما إلى الفناء حتى يحظوا بالبقاء بعد الفناء ، أي أنهم يسعون إلى التخلص من الدنيا وآثامها وشرورها حتى ينعم اللّه عليهم بالمكانة العظيمة في الآخرة فيحظون بالبقاء الأبدي بعد أن أفنوا أنفسهم وقطعوا كل صلة لهم بالدنيا الغرور .



    والعطار كعامة الصوفية - دون الملامتية - يذم الدنيا وينفر منها ، ويدعو إلى التخلص منها في كثير من أبياته في منطق الطير ، وهو يشبهها في مواضع كثيرة بموقد مشتعل إذ لا يستقر فيها إنسان في هدوء وسكينة ،



    فالعطار يقول على لسان الهدهد :

    يا من أقل همة من المخنث ، إنك كلب فوق موقد نار فماذا تصنع ؟ وما الدنيا الدون إلا هذا الموقد ، وما قصرك إلا حفنة من تراب هذا الموقد . . . " ( 2126 - 2127 ).



    كما أن العطار يصفها كذلك بأنها شبيهة ببيت العنكبوت وما الساكن فيها إلا كذبابة تتردى في هذا البيت حتى يصيبها الفناء والبلاء بعد أن يمتص العنكبوت دمها :

    - إن الدنيا ومن يرتزق فيها أشبه بذبابة داخل بيت العنكبوت ( 2158 ) .



    كما يحذر العطار السالكين من الدنيا ويعتبرها نارا محرقة يجب التحرز منها :

    - وما نارك إلا الدنيا فابتعد عنها ، وافعل كما فعل الأبطال ، وكن حذرا من هذه النار . ( 2179 )



    وإذا كانت الدنيا على هذه الصورة في نظر العطار فلا يمكن أن تكون محببة إلى قلبه بلى على العكس من ذلك نجده يدعو إلى التخلي عنها ، ويعتبر أن الخطوة الأولى في الطريق يجب أن تقترن بالتخلي عن الدنيا : « فإن تتخل عن الدنيا في كل لحظة ، فستكون لك الخطوة الأولى عندما تمعن النظر " ( 3601 ) .



    وهكذا نجد العطار في منطق الطير قد ذم النفس البشرية ووصفها بأنها كالكلب شأنه في ذلك شأن جميع الصوفية وشأن الملامتية أيضا ،.



    ثم نجده يذم الدنيا وينفر منها وهو يتفق في ذلك مع الصوفية ، ولكنه يخالف الملامتية في هذا الصدد ، فهم يأمرون مريديهم بألا يتعرضوا للدنيا بالذم ، فقد روي عن أبي حفص أنه رأى أحد أصحابه وهو يذم الدنيا وأهلها ،

    فقال : أظهرت ما كان سبيلك أن تخفيه ، لا تجالسنا بعد هذه ولا تصاحبنا .

    بعد هذا نستطيع أن نحكم بلا تردد بأن العطار كان صوفيا مؤمنا بالفناء ، ولم يكن على الإطلاق ملامتيا ، كما لم يؤثر عنه أنه كان من أنصار فرقة صوفية من الفرق التي سادت عصره ،

    فلم نجد بين المراجع الموثوق في صحة أخبارها أية إشارة إلى فرقة العطار ولذا سنكتفي بأن نقول أنه كان صوفيا بعيدا عن التعصب والتحزب ،

    فما أكثر ما ذم التعصب والمتعصبين في مقدمة منطق الطير ، وفي كتبه ومنظوماته الأخرى .



    سابعا : رأي العطار في الشيطان

    لا شك أن العطار يتفق مع الروح الإسلامية في موقفها من الشيطان في النفور منه ، وأنه يلقى بمن يتبعون أوامره ووسوسته إلى التهلكة وأطلق عليه كما ذكر في القرآن لقب « الملعون » فقد قص قصة إبائه السجود كما أمره اللّه في مقدمة منطق الطير إذ قال ( 121 : 124 ) .

    ومن أبى السجود - لآدم - فقد مسخ ولم يدرك هذا السر ، وما أن اسود وجهه حتى قال : يا غني لا تتركني ضائعا وأصلح من أمري ! فقال.

    الحق تعالى : أيها الملعون في الطريق إن آدم ما هو إلا خليفة وسلطان ، فكن اليوم عينا لوجهه ، وفي الغد أحرق له البخور " .

    كما أشار العطار إلى أن إبليس قد أصيب بالعديد - من البلايا لأنه حاول التفاخر على آدم وقال : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »



    والعطار يشير إلى ذلك بقوله :

    ولا تقل: « أنا »، فكلمة أنا تجلب العديد من البلايا حتى لا تبتلي بشرور إبليس. ( 1912 ).

    ولكن كل ما يهمني من حديث العطار عن الشيطان هو تلك الأفكار التي حاول فيها شاعرنا إعلاء شأن الشيطان ومحاولة تبريره لعدم سجوده كما أمره اللّه سبحانه وتعالى.



    فنحن نجد العطار قد رفع من مكانة إبليس وجعله في مرتبة المعلم فقد قص العطار قصة سيدنا موسى وهو يطلب سرا من اللّه فما كان من اللّه إلا أن أحاله إلى إبليس ليتعلم منه هذا السر ، فبحث سيدنا موسى عن إبليس كثيرا وسأله عن هذا السر فما كان من إبليس إلا أن قال له : " تذكر دائما هذه العبارة : ( لا تقل أنا ) حتى لا تصبح على شاكلتي " ( 2915 ) .



    والأمر الثاني الذي يلفت النظر أن بعض الصوفية كالشبلي مثلا يحترقون غيرة من إبليس لأن اللّه سبحانه وتعالى قد خصه بالكثير من اللعنات وأنه جادله كثيرا ، وكم يتمنى الواحد منهم أن يكلمه اللّه سبحانه وتعالى ولو باللعنات :

    "وروحي التي أغلقت عينها عن كلام العالمين قد احترقت غيرة من إبليس في هذا الزمان ، فما أكثر ما وقع عليه خطاب اللعنات ، وإن هذه الزيادة لتصيبني بالحسرات . ( 2259 - 3260 ) .



    والموقف الثالث الذي يستحق النظر بدهشة هو تبرير العطار لرفض الشيطان السجود لآدم كما أمره اللّه سبحانه وتعالى ، ويعلل العطار ذلك بأن اللّه قد أمر الملائكة بالسجود حتى لا يروا ذلك السر الذي يخفيه عنهم ويريد أن يعطيه لآدم عليه السلام فرفض إبليس السجود حتى يدرك هذا السر وهو سر الروح الحية –



    كما يقول ريتر - وفعلا استطاع إبليس برفضه السجود أن يدرك هذا السر ، فاستحق غضب اللّه ، وأراد اللّه أن يرديه قتيلا ، ولكن إبليس طلب منه أن يمهله إلى يوم القيامة ، فيمهل اللّه الشيطان بناء على طلبه ، إلا أنه يلعنه .



    وفي هذا يقول العطار : ( 3237 ، 3239 ، 3244 ، 3247 ) .

    ولما لم يضع إبليس رأسه على الأرض رأى السر الذي كان خفيا ، وقال له الحق تعالى : يا جاسوس الطريق لقد سلبت هذه المكانة بالسر ،

    وبما أنك رأيت ذلك الكنز الذي أخفيته فسأقتلك حتى لا تفشي سره في الدنيا . . .

    فقال يا ربي : لتمهل هذا العبد والتمس الحيلة لمن سقط في الأمر ،

    فقال الحق تعالى : لقد أعطيتك مهلة ولكنني طوقت رقبتك بطوق اللعنة ، وسأطلق عليك اسم الكذاب حتى تظل مجرما آثما إلى يوم القيامة ، وبعد ذلك قال إبليس : إذا ظهر أمامي الكنز الطاهر فأي خوف لي من اللعنة . . . .



    ويلاحظ أن العطار خوفا من اعتراض البعض عليه لهذا السبب الغريب ، قد نسب هذا القول إلى عمر بن عثمان المكي أستاذ الحلاج والمتوفي عام 296 هـ ، وقد ورد في تذكرة الأولياء ( ص 246 ) أن له كتابا اسمه كنج نامه ، كما أشار إليه العطار في هذه الحكاية .

    ولكن هذا الكتاب لا وجود له الآن وذكر العطار لهذا التبرير دليل على إيمانه به ، ولذا فقد ذكرته على أنه من معتقدات العطار الخاصة .

    وبعد فليست هذه الآراء كل آراء العطار بل إنها بعض معتقداته وآرائه في منطق الطير وحده دون باقي منظوماته العديدة



    ثامنا مكانة العطار :-

    بعد أن انتهينا من دراسة شخصية العطار ودراسة كتابه منطق الطير ، يجب أن نعرف مكانة ذلك الشاعر بين شعراء قومه .

    يجمع المؤرخون على أن عمد التصوف الفارسي ثلاثة : سنائي والعطار وجلال الدين الروحي .

    فعلام استحق العطار هذا التكريم ، وهذه المنزلة الرفيعة ؟

    للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف آراء أصحاب التراجم قديما وحديثا في شعر العطار وشخصه .

    يقول جامي : إن ذلك القدر من أسرار التوحيد وحقائق الأذواق والمواجيد التي بالمثنويات والغزليات الخاصة بالعطار لم ترد في كلام أي واحد من الطائفة فجزاه اللّه سبحانه وتعالى عن الطالبين المشتاقين خير جزاء .



    أما دولتشاه في تذكرة الشعراء فيقول :

    إنه - أي العطار - يعد من كبار المتصوفة ويعد شمعة عصره ولا شبيه له في علمه ، وكان يستلهم شعره من الغيب . . . "

    وذكر جامي ودولتشاه أن مولانا جلال الدين الرومي التقي في صغره بالعطار ، ولذا لا نجد غرابة في تكريم الرومي له دواما ،

    فقد قال الرومي ما ترجمته :

    - لقد طاف العطار بمدن العشق السبع ، وما زلنا نحن في منعطف جادة واحدة

    العطار روح وسنائي عيناه ، ونحن خلفنا سنائي والعطار

    ولم يكتف جلال الدين بذلك بل إنه اعتبر كل ما وصل إليه من تفوق في مضمار التصوف مدين به للعطار ، حتى إن أخطاءه ، استمدها أيضا من العطار . .

    حتى الأخطاء التي تفوهت بها يا عزيزي ، نتيجة ما سمعته عن العطار أيضا .

    وإذا عرفنا أن جلال الدين الرومي هو مؤسس الطريقة المولوية ؛ فلابد وأنه غرس حب العطار في قلوب أصحابه ، ولذا نرى شعراء المولوية - كما يقول جولبنارلي مترجم منطق الطير للتركية - يحيطون اسم العطار بهالات من الحرمة والقدسية ، فالشاعر « محمد أفندي » - وهو من شعراء القرن الثالث عشر الميلادي - يقول في إحدى غزلياته :

    - إن مصباح طبعي يشتعل عن قاسم الأنوار ، ويتنسم أنفه عطر الفناء من العطار .

    وحاول بعض المؤلفين منذ زمن بعيد عقد مقارنة بين العطار والرومي ، فقد ذكر مؤلف « هفت إقليم » أن صوفيا كبيرا سئل عنهما ، فقال : إن الرومي بلغ قمة الكمال كالنسر في طرفة عين ، والثاني بلغ القمة نفسها ولكن كالنملة بعد سير طويل ودأب لا يفتر .

    ويقول بيزي المؤلف الإيطالي معلقا على هذه المقارنة :

    إن هذا الحكم صحيح وفي موضعه ، فلا وجود لشاعر صوفي في السابقين ولا اللاحقين وصل إلى ما وصل إليه الرومي فتجاوز غيره بمراحل كالعطار ، ومع أن العطار كان شيخا للرومي ، فإن العطار يصف سفر النفس خلال الحياة كضرورة لازمة ولا سيما في منطق الطير ، ويجعل هذا السفر سفرا مرهقا متعبا ، غير أن الرومي لثقافته الرفيعة يبدو أكثر رقة وإنسانية » .

    وعلى الرغم من اتفاق المؤرخين على تفوق الرومي على العطار ، فإن الرومي قد اقتبس من العطار كثيرا من أفكاره ، ففي المثنوي خمس وثلاثون حكاية هناك احتمال قوي بأنها مأخوذة من منظومات العطار .

    كما أن الرومي أورد في كتابه « فيه ما فيه » حديثا مفصلا في سر الحديث

    « يا ليت رب محمد لم يخلق محمدا »

    وهذا بعينه وحرفه مقتبس من مصيبت نامه للعطار . . .

    ولم يقف تعظيم العطار على الرومي ومن تبعوه بل شاركهم في ذلك الشعراء والصوفية والباحثون حتى عصرنا الحاضر .

    يقول كاتبي النيسابوري :

    - إنني كالعطار من روضة نيسابور ، ولكنني شوك في صحراء نيسابور وهو وردها .

    أما الحاج ميرزا عبد المجيد ملك الكلام مجدي كردستاني المتوفي عام 1305 هـ فقد كتب بخط يده بيتين من الشعر على نسخة من ديوان العطار هذه ترجمتها :

    - إن العطار كاشف أسرار الوجود ، وإنه كسنائي من فيض الإله

    - فأقرا كلامه دائما كما تقرأ القرآن ، فإنه يحيل أهل الشكوك أهل شهود .

    هذه آراء مواطنيه ، ولكن هل اقتصر تكريمه وتعظيمه على مواطنيه وحدهم ؟ بالطبع لا فقد شاركهم في ذلك كل من أرخوا للعطار في العالم كله .

    وهذه آراء نخبة من غير الإيرانيين .

    قال بيزي في كتابه : قصة الشعر الفارسي الجزء الأول .

    "والعطار وإن عدم العبقرية الشعرية اللامعة التي يتميز بها النبغاء من الشعراء ، فإنه لا يعدم بحال من الأحوال الشعور النبيل والشعور الإنساني ، وهو يقود الإنسان بعنف إلى الكمال في أبعد مدى ويريد أن يصل به إلا ما لا سبيل إلى الوصول إليه . غير أنه مع ذلك لا ينسى من يتألمون في الأرض ، كما أنه يجدّ في البحث ، ويجد عزاء وسلوى في عبارة لينة معسولة يوجهها إلى كل البائسين من العظماء والأذلاء " .

    ربما بنى بيزي رأيه في محاولة العطار قيادة الإنسان بعنف إلى الكمال على ما وجده في منطق الطير من وصف للطريق وما به من صعوبات كثيرة ومقدار ما تحمله الطير خلال الرحلة الشاقة .

    وبجانب هذه الآراء توجد كثرة أخرى من المؤلفين في كل بلاد العالم تعلي من شأن العطار وتعظمه وتكبر منزلته الأدبية والصوفية ، والعطار لم يحظ بهذه المرتبة العالية إلا بتفوقه الحقيقي على غيره ولم يشاركه هذا التفوق إلا جلال الدين الرومي فقط .

    ولكن إذا كانت هذه آراء الغير في العطار ، فما رأيه هو في نفسه ؟

    رأي العطار في نفسه :

    على الرغم من أن الصوفية لا يتكلمون عن أنفسهم ، إلا أن طبيعة الشاعر لدى العطار غلبت على طبيعة الصوفي في هذا الأمر ، ولذا كثيرا ما نجد العطار يتكلم عن نفسه ، ويوضح مكانته ، وعلو شأنه ويكفي لإثبات صحة ذلك ذكر ما جاء في خاتمة « منطق الطير » ومنها هذه الأبيات :

    - وأهل الصورة غرقى بحار كلامي ، وأهل المعنى رجال أسراري .

    - ونظمي يتسم بخاصية عجيبة ، فهو يولد معنى جديدا في كل آونة .

    - وإذا تيسر لك أن تقرأه كثيرا ، فسيزداد بلا شك حسنا في كل مرة لديك .

    - وحتى يوم القيامة لن يكتب شخص قط كلاما مثلي أنا الولهان .

    - ومن بحر الحقيقة نثرت الدر ، كما ختم الكلام عليّ ، وهذا هو البرهان .

    وأخيرا لا يسعنا إلا أن نقف إجلالا لذلك الشاعر العظيم والصوفي الكبير الذي ما زال الناس ينغنون بجمال شعره ، وبعظم أفكاره ، وبرغم.

    مرور سبعة قرون ونصف قرن على وفاته فلم تنجب إيران ما يفوقه في هذا المضمار إلا شاعرا واحدا فقط هو جلال الدين الرومي ، الذي كان يعترف للعطار بالسبق والفضل .

    تمهيد قبل البدء في سرد منظومة منطق الطير :

    تعد منظومة منطق الطير أشهر منظومات العطار ، وشهرتها هذه جعلت الكثيرين يخطونها بأيديهم قبل عصر الطباعة ، وأدى هذا الاهتمام إلى كثرة مخطوطاتها كثرة لا تكاد تحظى بها إلا قلة من كتب الأدب الفارسي . .

    وفي العصر الحديث طبعت هذه المنظومة طبعات كثيرة سواء في إيران أو خارجها وقد أتيحت لي أثناء ترجمة المنظومة ، الفرصة للاطلاع على ثلاث طبعات ، هي :

    1 - طبعة باريس بإشراف جارسان دي تأسي عام 1857 م .

    2 - طبعة إصفهان بإشراف ميرزا محمد حسينخان عام 1319 ه .

    3 - طبعة إصفهان بإشراف ميرزا محمد حسينخان كذلك عام 1334 هجرية قمرية .

    والملاحظ أن الطبعة الأولى في إصفهان كانت على الحجر أما الطبعتان الأخريان فبالطباعة الحديثة .

    وقد فضلت نسخة باريس لتكون الأساس في ترجمتي لعدة أسباب :

    1 - ذكر جارسان دي تأسي في مقدمة ترجمته الفرنسية لمنطق الطير المخطوطات التي أعانته في طبع المنظومة ،

    أما حسين خان فلم يشر إلى المخطوطات التي يحتمل أنه رجع إليها ، مما يجعلنا نظن أنه اعتمد على مخطوطة واحدة قام بطبعها دون تحقيق ، مما يجعل طبعة باريس أكثر دقة .

    2 - قام جارسان بتصحيح أخطاء طبعته في مقدمة الترجمة الفرنسية المنشورة عام 1862 م ، أما حسين خان فلم يشر إلى أي أخطاء مطبعية لا في طبعته الأولى ولا في الثانية .

    3 - رقّم جارسان أبيات نسخته ، مما يجعلها سهلة التناول ، وكذلك سهولة الرجوع إلى أبياتها في حالة البحث والدراسة .

    4 - أجمع الباحثون على أن طبعة جارسان أفضل الطبعات ، وكان هذا باعتراف الإيرانيين أنفسهم كذلك .

    وليس معنى هذا أنني لم أفد من نسختي إصفهان ، بل صححت بعض أبيات نسخة باريس طبقا لما جاء بنسختي إصفهان حتى يستقيم المعنى . .

    وفي أثناء مراجعتي الأخيرة للترجمة وردت من إيران طبعة جديدة لمنطق الطير ، أشرف عليها الدكتور محمد جواد مشكور ، وتم طبعها بطهران عام 1347 هـ ، فأفدت منها في تصحيح بعض المعاني التي وردت مختلطة في الطبعات الثلاث السابقة ، كما أفادتني أيضا في التعليقات التي كتبت في آخرها ، سواء أكانت تعليقات الناشر ، أو تعليقات الأستاذ حسن قاضي طباطبائي والتي أوردها الناشر في نهاية طبعته .

    وكما حظيت منظومة منطق الطير بالعديد من المخطوطات والكثير من الطبعات ، فقد حظيت بترجمات عديدة إلى كثرة من اللغات منها :

    الهندية والتركية والفرنسية والإنجليزية ، وربما إلى لغات أخرى لا علم لي بها .

    وقد أفدت في ترجمتي العربية من الترجمة الفرنسية لجارسان 1862 م ، والترجمة التركية لجولبنارلي عام 1962 م .

    واللّه أسأل أن أكون بجهدي المتواضع قد وفقت في تقديم العطار لقراء اللغة العربية من خلال منظومته منطق الطير ، كما أرجو اللّه أن يوفقني ويوفق غيري من المهتمين بالأدب الفارسي لترجمة جميع منظومات العطار للمكتبة العربية .

    واللّه ولي التوفيق . . .

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 03:26