..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3) Empty كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (3)

    مُساهمة من طرف Admin 18/10/2020, 20:47


    وأما رسالة مسلم بن عقيل $ المشار إليها، فقد أرسل محمد بن الأشعث رجلاً يخبر الحسين، ويقول له: «إن ابن عقيل بعثني إليك، وهو في أيدي القوم أسير، لا يدرى أيصبح أم يمسي حتى يقتل، وهو يقول لك: ارجع بأهلك، ولا يغرنك أهل الكوفة؛ فإنهم أصحاب أبيك الّذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني، وليس لكاذب رأي»([146]).

    وقبل أن تصل هذه الرسالة إلى الحسين بن علي رضي الله عنه، كان قد جهز نفسه وأهله، وعقد العزم على المسير إلى العراق؛ لأنه يرى أن وجود شيعة كافية لجهاد الظالمين أوجب عليه الخروج عليهم، وأكد له هذا الرأي عبد اللَّه بن الزبير عندما دخل عليه وقال له: «مَا أَدْرِي مَا تَرْكُنَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَنَحْنُ أَبْنَاءَ الْمُهَاجِرِينَ، وَوُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَهُمْ، أَخْبِرْنِي مَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ؟

    فَقَالَ الْحُسَيْنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِي بِإِتْيَانِ الْكُوفَةِ، وَلَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ شِيعَتِي بها، وأشرافها بالقدوم عليهم، وَأَسْتَخِيرُ اللَّهَ.

    فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَا لَوْ كَانَ لِي بِهَا مِثْلُ شِيعَتِكَ مَا عَدَلْتُ عَنْهَا»([147]).

    ولعبد اللَّه بن عباس رضي الله عنه رأي قريب من هذا الرأي، إلا أنه أشد حذراً وذكاء وعلماً «ولما مات معاوية، ورام الحسين الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ، نَهَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَشَدَّ النَّهْيِ، وَأَرَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِثِيَابِ الْحُسَيْنِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ قَدْ أَضَرَّ في آخر عمره، فلم يقبل مِنْهُ»([148]).

    «... فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَشِيِّ، أَوْ مِنَ الْغَدِ، جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى الْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَمِّ! إِنِّي أَتَصَبَّرُ وَلَا أَصْبِرُ، إِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْهَلَاكَ، إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَوْمٌ غُدُرٌ، فَلَا تَغْتَرَّنَّ بِهِمْ، أَقِمْ فِي هَذَا الْبَلَدِ حَتَّى يَنْفِيَ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَدُوَّهُمْ، ثُمَّ اقْدمْ عَلَيْهِمْ، وَإِلَّا فَسِرْ إِلَى الْيَمَنِ، فَإِنَّ بِهِ حُصُونًا وَشِعَابًا، وَلِأَبِيكَ بِهِ شِيعَةٌ، وَكُنْ عَنِ النَّاسِ فِي مَعْزِلٍ، وَاكْتُبْ إِلَيْهِمْ، وَبُثَّ دُعَاتَكَ فِيهِمْ، فَإِنِّي أَرْجُو إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا تُحِبُّ»([149]).

    ورواية الطبري: «... فإن كنت سائراً، فلا تسر بنسائك، وصِبيتك، فو اللَّه إني لخائف أن تقتل كما قتل عُثْمَان، ونساؤه وولده ينظرون إِلَيْهِ»([150]).

    وكتب إليه عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب مع ابنيه: عون ومحمد: «أما بعد، فاني أسائلك باللَّه لما انصرفت حتى تَنْظُرَ فِي كِتَابِي هَذَا، فَإِنِّي مُشْفِقٌ عَلَيْكَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي تَوَجَّهْتَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَلَاكُكَ، وَاسْتِئْصَالُ أَهْلِ بَيْتِكَ، إِنْ هَلَكْتَ اليوم طفئ نور الإسلام، فَإِنَّكَ عَلَمُ الْمُهْتَدِينَ، وَرَجَاءُ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا تَعْجَلْ بِالسَّيْرِ، فَإِنِّي فِي إِثْرِ كِتَابِي، وَالسَّلَامُ»([151]).

    ولما أصر الحسين رضي الله عنه على الخروج، توالت عليه الركاب، وتتالت عليه النصائح تثبطه، وتحذره، وتنصحه خائفة عليه، وهي بين أمرين: إما أنها توافقه في الفكرة، ولا توافقه في الزمان، والمكان، كعبد اللَّه بن عباس، أو لا توافقه على شيء من ذلك، إلا أنها تشفق عليه، وعلى الأمة أن ينالهم سوء وهلاك.

    وكان عبد اللَّه بن عمر في مكة: «فَبَلَغَهُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثِ لَيَالٍ.

    فقال: أين تريد؟

    قال: الْعِرَاقَ.

    وَإِذَا مَعَهُ طَوَامِيرُ، وَكُتُبٌ.

    فَقَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُمْ، وَبَيْعَتُهُمْ.

    فَقَالَ: لَا تَأْتِهِمْ.

    فَأَبَى.

    فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ حَدِيثًا، إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ r، فَخَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الْآخِرَةَ، وَلَمْ يُرِدِ الدنيا، وإنك بضعة من رسول اللَّه، واللَّه ما يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ أَبَدًا، وَمَا صَرَفَهَا اللَّهُ عَنْكُمْ إِلَّا لِلَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ.

    فَأَبَى أن يرجع.

    قال: فاعتنقه ابن عمر، وبكى.

    وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ مِنْ قَتِيلٍ»([152]).

    يقول جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه: «كَلَّمْتُ حُسَيْنًا.

    فَقُلْتُ: اتَّقِ اللَّه، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فو اللَّه مَا حُمِدْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فَعَصَانِي»([153]).

    ويقول أَبُو سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه: «غَلَبَنِي الْحُسَيْنُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَقَدْ قَلْتُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ وَالْزَمْ بَيْتَكَ، وَلَا تَخْرُجْ عَلَى إِمَامِكَ»([154]).

    «وَقَدْ كَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تُعَظِّمُ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتَأْمُرُهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَتُخْبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ ... وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ كِتَابًا يُحَذِّرُهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ، وَيُنَاشِدُهُ اللَّهَ أَنْ يَشْخَصَ إِلَيْهِمْ»([155]).

    وقال له عمرو بن سعيد بن العاص: «إِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْهِمَكَ رُشْدَكَ، وَأَنْ يَصْرِفَكَ عَمَّا يُرْدِيكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قَدْ عَزَمْتَ عَلَى الشُّخُوصِ إِلَى الْعِرَاقِ، وإني أعيذك اللَّه من الشقاق، فإنك إن كُنْتَ خَائِفًا فَأَقْبِلْ إِلَيَّ، فَلَكَ عِنْدِي الْأَمَانُ وَالْبِرُّ وَالصِّلَةُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِكِتَابِكَ بِرِّي وَصِلَتِي، فَجُزِيتَ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يُشَاقِقْ مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالَحًا، وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَخَيْرُ الْأَمَانِ أَمَانُ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ باللَّه مَنْ لَمْ يَخَفْهُ فِي الدُّنْيَا، فَنَسْأَلُ اللَّه مخافة في الدنيا توجب لنا أماناً يوم القيامة عنده»([156]).

    وقد أورد الطبري حواراً رائعاً بين الحسين رضي الله عنه والشاعر الفرزدق فيقول: «وخرج الحسين في أهل بيته، ونسائه، وصبيته، فلقي الفرزدق الشاعر بالصفاح، فتواقفا، فقال له الحسين:

    - بيّن لنا نبأ الناس خلفك.

    فقال له الفرزدق:

    - الخبير سألت، قلوب الناس معك، وسيوفهم مع بني أميّة، واللَّه يفعل ما يشاء.

    فقال له الحسين:

    - صدقت، الأمر للَّه، يفعل ما يشاء.

    ثمّ حرّك راحلته، وقال:

    - السلام عليك.

    وافترقا»([157]) .

    وانطلق رضي الله عنه من مكة نحو العراق، وكان ابن زياد أَمَرَ بِأَخْذِ مَا بَيْنَ وَاقِصَةَ إِلَى طَرِيقِ الشَّامِ إِلَى طَرِيقِ الْبَصْرَةِ، فَلَا يَدَعُونَ أَحَدًا يَلِجُ وَلَا أَحَدًا يَخْرُجُ، وَأَقْبَلَ الْحُسَيْنُ وَلَا يَشْعُرُ بِشَيْءٍ، حَتَّى أَتَى الْأَعْرَابَ فَسَأَلَهُمْ، عَنِ النَّاسِ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا نَدْرِي، غَيْرَ أَنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَلِجَ وَلَا تَخْرُجَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ يَسِيرُ نَحْوَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَتَلَقَّتْهُ الْخُيُولُ بِكَرْبَلَاءَ، فَنَزَلَ يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ.

    قَالَ: وَكَانَ بَعَثَ إِلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ، وَشَمِرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ، وَحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ، فَنَاشَدَهُمُ الْحُسَيْنُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ أَنْ يُسَيِّرُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدَ، فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ» ([158]).

    ونرى هنا محاولة الحسين الإقلاع عن توجهه إلى العراق، ومحاولة التوجه نحو أمير المؤمنين يزيد، كما في الخبر.

    وكتب عمر بن سعد إلى عبيد اللَّه بن زياد: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فإني حَيْثُ نزلت بالحسين بعثت إِلَيْهِ رسولي، فسألته عما أقدمه، وماذا يطلب ويسأل، فَقَالَ: كتب إلي أهل هذه البلاد، وأتتني به رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذا كرهوني، فبدا لَهُمْ غير مَا أتتني بِهِ رسلهم، فأنا منصرف عَنْهُمْ»([159]).

    ولم يوافق الجند على رأي الحسين رضي الله عنه، وساقوه إلى عمر بن سعد، واختار الحافظ الذهبي هذه الرواية: «وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ، عَنْ بَعْضِ مَشْيَخَتِهِ، إِنَّ الْحُسَيْنَ رضي الله عنه قَالَ حِينَ نَزَلُوا كَرْبَلَاءَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: كَرْبَلَاءُ، قَالَ: كَرْبٌ وَبَلَاءٌ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللَّهِ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ فَقَابَلَهُمْ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ، اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا تَتْرُكُنِي أَنْ أَرْجِعَ، أَوْ تُسَيِّرُنِي إِلَى يَزِيدَ فَأَضَعُ يَدِي في يَدِهِ، فَيَحْكُمُ فِيّ مَا أَرَى، فَإِنْ أَبَيْتَ فَسَيِّرْنِي إِلَى التُّرْكِ، فَأُقَاتِلُهُمْ حَتَّى أَمُوتَ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ بِذَلِكَ، فَهَمَّ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بْنُ جَوْشَنٍ- كَذَا قَالَ: وَالْأَصَحُّ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ-: لَا أَيُّهَا الْأَمِيرُ، إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكْمِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، وَأَبْطَأَ عُمَرُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ شِمْرَ الْمَذْكُورَ فَقَالَ: إِنْ تَقَدَّمَ عُمَرُ وَقَاتَلَ، وَإِلَّا فَاقْتُلْهُ وَكُنْ مَكَانَهُ، وَكَانَ مَعَ عُمَرَ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالُوا: يَعْرِضُ عَلَيْكُمُ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ، فَلَا تَقْبَلُونَ مِنْهَا شَيْئًا! وَتَحَوَّلُوا مَعَ الْحُسَيْنِ فَقَاتَلُوا»([160]).

    وأما رواية الحافظ ابن حجر فهي: «ولم يبلغ الحسين ذلك حتى كان بينه وبين القادسيّة ثلاثة أميال، فلقيه الحرّ بن يزيد التميمي، فقال له: ارجع، فإنّي لم أدع لك خلفي خيراً، وأخبره الخبر، فهمّ أن يرجع، وكان معه إخوة مسلم، فقالوا: واللَّه لا نرجع حتى نصيب بثأرنا، أو نقتل، فساروا، وكان عبيد اللَّه قد جهّز الجيش لملاقاته، فوافوه بكربلاء، فنزلها ومعه خمسة وأربعون نفساً من الفرسان، ونحو مائة راجل، فلقيه الحسين، وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وكان عبيد اللَّه ولّاه الري، وكتب له بعهده عليها إذا رجع من حرب الحسين، فلما التقيا قال له الحسين: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن ألحق بثغر من الثّغور، وإما أن أرجع إلى المدينة، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية.

    فقبل ذلك عمر منه، وكتب به إلى عبيد اللَّه، فكتب إليه: لا أقبل منه حتى يضع يده في يدي، فامتنع الحسين، فقاتلوه فقتل معه أصحابه»([161]).

    ونلاحظ أن الرواية التي رواها الحافظ ابن حجر أحكم من رواية الحافظ الذهبي رحمهما اللَّه، وهي أقرب لشيء من الحقيقة الغائبة خلف هذه الروايات الطائشة، ولولا أن النتائج التاريخية التي استقرت في تطور التاريخ الإسلامي، لما احتاج الباحث أن يروي مثل هذه الروايات.

    ومن مأساة الحسين نستلهم ما يلي:

    - كان الحسين رضي الله عنه أكبر، وأعظم، وأفضل من خرج بهدف الإصلاح، وإعادة الشورى كما يرى خلال التاريخ الإسلامي كله، ومع ذلك لم ينجح، وسقط شهيداً مضرجاً بدمائه بين أهله، وأولاده الذين نجوا من القتل أثناء المعركة، لأن حركته كادت أن تقضي على بناء الدولة كله، وهذا يدل على أن مثيري الفتنة، وأعداء هذا الدين استطاعوا الوصول إلى كثير من الصالحين باسم إعادة الشورى، أو باسم إعادة حكم الدين الذي – كما ادعو – بدأ يخبو من خلال حكام بني أمية، فهبّ عدة منهم على مدى التاريخ الأموي لإصلاح الأمور.

    - كان سبب خروجه – كما في الحوار الذي دار بين مسلم بن عقيل وعبيد اللَّه بن زياد -: قال عبيد اللَّه: «أَتَيْتَ النَّاسَ وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ لتشتتهم، وتفرق كلمتهم، وتحمل بعضهم على قتل بَعْضٍ؟ قَالَ [مسلم بن عقيل]: كَلَّا، لَسْتُ لَذَلِكَ أَتَيْتُ، وَلَكِنْ أَهْلُ الْمِصْرِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ قَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ، وَعَمِلَ فِيهِمْ أَعْمَالَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَأَتَيْنَاهُمْ لَنَأْمُرَ بِالْعَدْلِ، وَنَدْعُوَ إِلَى حُكْمِ الْكِتَابِ»([162])، وهذا يدل على مدى أثر هؤلاء السبئيين وأتباعهم في نفوس الكثير من الصالحين.

    - وفي اجتهاده أن العمل بالإصلاح يكون إذا وجد من الأنصار العدد الكافي من القوة، فيستطيع أن يقاوم الظلَمةَ والمارقين، وقد وجد أن من واجبه مقاومة الظلم بعدما تأكد من وجود العدد الكافي، فقد أرسل إليه سليمان بن صرد كتاباً يستعجله بالخروج إلى الكوفة، ثم سرّح إليه نحواً من ثلاث وخمسين صحيفة، الصحيفة من الرجل، والاثنين، والأربعة، وسرح له بعد ذلك كتاباً يقول فيه: «بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لحسين بن علي من شيعته من الْمُؤْمِنِينَ والمسلمين، أما بعد، فحيهلا، فإن الناس ينتظرونك، وَلا رأي لَهُمْ فِي غيرك، فالعجل العجل، والسلام عَلَيْك»([163]).

    وعندما ذهب مسلم بن عقيل إلى الكوفة بايعه أهلها، فأرسل إلى الحسين كتاب يقول فيه: «أَمَّا بَعْدُ، فإن الرائد لا يكذب أهله، وَقَدْ بايعني من أهل الْكُوفَة ثمانية عشر ألفاً، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإن الناس كلهم معك، ليس لَهُمْ فِي آل مُعَاوِيَة رأي، وَلا هوى، والسلام»([164]).

    وفي رواية الحصين بن عبد الرحمن أن «الحسين كتب إليه أهل الكوفة: إنه معك مائة ألف، فبعث إليهم مسلم بن عقيل...»([165]).

    - عندما أحس الحسين رضي الله عنه بتخاذل الشيعة عنه، وأدرك أنه لا قوة تسانده، أدرك بأن عمله ليس مجدياً، ولا صحيحاً، ولذلك حاول التراجع، والعودة إلى الخليفة ليضع يده بيده، ويبايعه من جديد، ويعترف بأنه أخطأ الطريق الذي بدأه، وأن الذين دعوه لإقامة الحق هم الذين كانوا سبب خذلانه وقتله.

    - إذن لم يكن عند الحسين اعتقادٌ أن يزيد فاسق، أو منحرف، أو ضال، أو لا يحكم بغير حكم الله، وإلا لما ذكر – كما تقول الروايات – أنه مستعد للعودة من حيث أتى، أو للذهاب إلى يزيد، وإعطائه صفقة يده، ومبايعته، أو للذهاب إلى الجهاد تحت راية جيوشه، فلا يمكن أن يكون الحسين متناقضاً إلى حد أن يقبل مبايعة وطاعة فاسق، أو فاجر إن لم يكن ضالاً، على حسب روايات المغرضين والأغبياء الذين يتبعونهم في عصرنا، وينسجون الخيالات والأوهام عن خلافة يزيد باسم الدفاع عن الحسين، والحسين نفسه لم يُذكر عنه مثل هذه الأوصاف، بل كما رأينا جاءت روايات كثيرة تذكر طلب الحسين مبايعة يزيد، والذهاب إليه، أو الجهاد تحت راية جيشه.

    - يلاحظ أن المؤيدين لهذا الخروج من الأعلام الكبار من صحابة وتابعين عددهم قليل، إن لم نقل ليس فيهم إلا عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنه، وأما باقي المؤيدين فهم شيعة الكوفة الذين خذلوه، وتركوه يصلى نيران السيوف في كربلاء، ثم ندموا على الخذلان، وما زالوا يبكون هذا الخذلان إلى اليوم، وإلى أن يشاء اللّه تعالى، ويصرخون في ندبهم: يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً، وهم أصلاً أتباع السبئية والمحاربين للَّه ولرسوله ولدينه.

    - وأما الذين لم يؤيدوه، ولم يكونوا شديدي المعارضة له، كأخيه محمد بن الحنفية، وعبد اللَّه بن عباس، وعبد اللَّه بن مطيع، وآخرين، فإنهم نصحوه بعدم الخروج، ولما أصر، نصحوه بألا تكون الكوفة مهاجره.

    - وأما الذين عارضوه في هذا الخروج، وناشدوه اللَّه والإسلام، وتعلقوا بأثوابه، وتضرعوا له، شفقة عليه، وخوفاً على مصيره، فهم كثيرون، وفيهم من أعلام الصحابة عدد كبير، منهم: جابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عمر، وأبو سعيد الخدري، حتى أن عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ([166]) رحمها اللَّه أرسلت كتاباً إلى الحسين ترجوه أن يعدِل عن عزمه في الخروج، وغير هؤلاء كثيرون.

    - نرى أن هذا العمل لم يوافق عليه هؤلاء الأعلام الكبار، وغيرهم ممن لم نذكر من الذين كانوا على قيد الحياة آنذاك، وخالفوا اجتهاد الحسين رضي الله عنه في خروجه هذا، واعتبروه خروجاً غير صحيح، وأنه سيؤدي إلى فتنة عمياء لن يكون فيها خير للمسلمين.

    ج- وقعة الحرة:

    وقعة الحرة من الحروب التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، وكان لها أثر سلبي على الدولة الأموية؛ لأنها حدثت في المدينة النبوية في النصف الثاني من القرن الهجري الأول، وقتل فيها عدد من أهل المدينة، وقد تجاذبها المؤرخون الذين دونوها، كلٌّ حسب مذهبه، وأهدافه من تدوين التاريخ، ولما كان الروافض من أوائل من دوّن تاريخنا، فزادوا فيها، وأغفلوا منها، وذلك ليوافق أهواءهم، وسار من بعدهم على آثارهم من قريب أو بعيد، ولذلك كان على المؤرخ أن يتوخى الحذر في روايات هذه الوقعة التي كانت سلاح الروافض الدائم لمحاربة بني أمية.

    وإذا كان الروافض يعتبرون بني أمية أعداء الإسلام منذ بداية الدعوة باسم أبي سفيان رضي الله عنه الذي كان سيد قريش بعد أبي جهل، ويتناسون أبا لهب، وهو عمّ النبي r، ويخترعون عداوة بين بني أمية وبني هاشم في الجاهلية، ويعتبرونها ممتدة في الإسلام، حتى وقع فيها كثير من المؤرخين القدامى، حتى أن المؤرخ العظيم المقريزي، كتب كتاباً مفرداً في هذا الموضوع، وأظن هذا كان من تأثر المقريزي برؤيته للدولة العبيدية التي لم يكن يشعر بخطرها على الإسلام، وتبعه على هذا معظم من كتب في التاريخ الإسلامي من المثقفين الإسلاميين، ويتناسون أن النبي r زوَّج بناته الأربع: ثلاثة منهن لبني أمية، وواحدة لبني هاشم، فالثلاث هن: زينب تزوجها أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُمَوِيُّ([167])، واثنتان: رقية، وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان الأموي، بينما زوج ابنته الصغرى فاطمة لعلي بن أبي طالب الهاشمي رضي اللَّه عنهم جميعاً، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية، ونحن نعلم أنه زوّج أبا العاص بن الربيع قبل الإسلام، فكيف تكون العداوة قائمة بين أمية وهاشم، والتزاوج بينهما في الجاهلية قبل الإسلام قائم حتى بين سيدي العشيرتين: محمد صلى الله عليه وسلم، وأبي سفيان بن حرب، وعند شدة أوار المعارك بين المسلمين والمشركين بقيادة أبي سفيان رضي الله عنه تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ل، وذكر الحافظ ابن حجر([168]): «وحكى ابن عبد البرّ أن الّذي عقد لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها [أم حبيبة] عثمان بن عفان [وهو أموي]، ومن طريق عبد الواحد بن أبي عون، قال: لما بلغ أبا سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ابنته قال: هو الفحل لا يقدع أنفه»، فبرأي أبي سفيان أن هذا الزواج هو المناسب لابنته، فلا يعدل محمداً أحد من خلق اللَّه، مع أنه عدوه، ومحاربه منذ سنوات.

    وحتى لا نكون بعيدين عن الأثر الرافضي عند المؤرخين نجد أن عالماً مؤرخاً كبيراً كتب كتاباً في هذه الحرب المزعومة بين الأمويين والهاشمين، وهو المقريزي، بكتابه الذي أسماه: «النزاع والتخاصم بين أمية وهاشم»، ولاحق هذا التخاصم منذ عهد هاشم وعبد شمس، وتغافل عن حقيقة العلاقة الهاشمية الأموية التي كانت متفقة مقابل بني مخزوم الذين كان زعيمهم أبا جهل، يقول ابن إسحق: «أتى [الأخنس بن شريق] أبا جهل، فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف [لم يقل نحن وبنو هاشم، فهو الفرع النبوي، وإنما ذكر عبد مناف، وهو جد الأمويين والهاشميين معاً!!]، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى تُدرَك هذه؟! واللَّه لا نؤمن به أبداً، ولا نصدقه»([169]).

    إذن، فالعداوة، والتسابق للزعامة كانت بين بني مخزوم وبني عبد مناف والد [عبد شمس وهاشم]، ولذلك عندما عتب أبو طالب على قريش حربها للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن أخيه محمد، وذكر عشائر قريش عشيرة تلو أخرى، فلما وصل إلى أبي سفيان (وهو زعيم بني أمية) قال عنه إنه منذ جاء النبي بالرسالة كان دأب أبي سفيان السفر الدائم خارج مكة حتى يهرب من تبعات القرابة، والنصرة، وأنه لم يجاهر بالعداوة لبني هاشم، ولكنه لا يريد أن ينصر محمداً، وهو سيّد بني هاشم، فيقول:

    ومَرَّ أَبُو سُفْيَانَ عَنِّي مُعْرِضًا

    كَمَا مَرَّ قَيْلٌ مِنْ عِظامِ المَقاوِلِ

    يَفِر إلَى نَجْدٍ وبَرْدِ مياهِه

    ويزعُم أنني لستُ عَنْكُمْ بغافلِ

    ويخبرُنا فِعْلَ المُناصِح أَنَّهُ

    شفِيقٌ ويُخفى عارماتِ الدَّوَاخِلِ

    * * *

    فعبدُ مَنَافٍ أَنْتُمْ خيرُ قومِكم

    فَلَا تُشركوا فِي أمرِكم كلَّ واغِلِ

    لعَمْري لَقَدْ وهنتمُ وعَجَزْتم

    وَجِئْتُمْ بِأَمْرٍ مُخْطئ للمفاصلِ

    * * *

    وكنتم حديثًا حَطْبَ قدرٍ وأنتم الـ

    ـآن حِطابُ أقدُرٍ ومَراجل

    ليَهْنِئْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عقوقُنا

    وخذلانُنا وتركُنا فِي المعَاقلِ([170])

    وهكا نجد أن الروافض استطاعوا إدخال فكرة التنافس، والتخاصم، والتحارب، بل والفجور في التحارب بين هاشم وأمية إلى تاريخنا، فكتب هذا التاريخ بين مقارب ومباعد من هذا الرأي الفسْل، ولذلك كانت وقعة الحرة أكبر مثال، أو لنقل هي قمة هذا التنازع الهاشمي الأموي، وقمة الفجور في الخصومة.

    ومن الأدلة على ضحالة الرأي في العداوة بين أمية وهاشم أن وقعة الحرة هذه لم يشترك فيها الهاشميون ضد يزيد، مع وجود الكثيرين منهم، بل حذَّر عليٌ زين العابدين الهاشميين من الاشتراك فيها.

    يقول الإمام الحافظ ابن كثير ؒ: «ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وستين [للهجرة] يقال: فيها قدم وفد المدينة النبويّة عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَكْرَمَهُمْ وَأَجَازَهُمْ بِجَوَائِزَ سَنِيَّةٍ، ثُمَّ عَادُوا مِنْ عِنْدِهِ بِالْجَوَائِزِ فَخَلَعُوهُ، وَوَلَّوْا عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلَ([171])، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ يَزِيدُ جُنْدًا فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحَرَّةِ»([172]).

    ضم وفد المدينة غير عبد اللَّه بن حنظلة: «...عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الحضرميّ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَرِجَالٌ كَثِيرٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقَدِمُوا عَلَى يَزِيدَ فَأَكْرَمَهُمْ، وَأَحْسَنَ إليهم، وعظم جَوَائِزَهُمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، إِلَّا الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ؛ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى صَاحِبِهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ يَزِيدُ قَدْ أَجَازَهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ نَظِيرَ أَصْحَابِهِ مِنْ أُولَئِكَ الْوَفْدِ، وَلَمَّا رَجَعَ وَفْدُ الْمَدِينَةِ إِلَيْهَا، أَظْهَرُوا شَتْمَ يَزِيدَ وَعَيْبَهُ، وَقَالُوا: قَدِمْنَا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ لَيْسَ لَهُ دِينٌ: يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَتَعْزِفُ عِنْدَهُ الْقَيْنَاتُ بِالْمَعَازِفِ، وَإِنَّا نُشْهِدُكُمْ أَنَّا قَدْ خَلَعْنَاهُ، فَتَابَعَهُمُ النَّاسُ عَلَى خَلْعِهِ، وَبَايَعُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ الْغَسِيلَ عَلَى الْمَوْتِ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَرَجَعَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَافَقَ أُولَئِكَ عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ، وَأَخْبَرَهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَسْكَرُ حَتَّى ترك الصَّلَاةَ، وَعَابَهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَابَهُ أُولَئِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ يَزِيدَ قَالَ: اللَّهمّ إِنِّي آثَرْتُهُ، وَأَكْرَمْتُهُ، فَفَعَلَ مَا قَدْ رَأَيْتَ، فَأَدْرِكْهُ وَانْتَقِمَ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ بَعَثَ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ: يَنْهَاهُمْ عَمَّا صَنَعُوا، وَيُحَذِّرُهُمْ غِبَّ ذَلِكَ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ يَزِيدُ، وَخَوَّفَهُمُ الْفِتْنَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ الْفِتْنَةَ وَخِيمَة»([173]).

    نلاحظ أن أولاد الصحابة – إن صحت الرواية – خُدعوا بما قيل عن يزيد، بينما الصحابة من كبير كعبد اللَّه بن عمر، وصحابي صغير كالنعمان بن بشير [صحابي ابن صحابي] لم يقبلوا ما قيل في يزيد، ولم يقعوا في ما وقع فيه أولاد الصحابة من الفتنة.

    وقد أورد الإمام خليفة بن خياط [وكتابه من أوثق كتب التاريخ] رواية عن عودة هذا الوفد بعد ذهابه إلى دمشق، ومقابلة يزيد بن معاوية، أورد هذه الرواية التي ينقصها صحة الإسناد ففيها مجاهيل أطلقت عليهم الرواية: أشياخاً من أهل المدينة، تقول الرواية: «فَلَمَّا قدم عَبْد اللَّهِ بْن حنظله الْمَدِينَة، أَتَاهُ النَّاس فَقَالُوا: مَا وَرَاءَك؟ قَالَ أتيتكم من عِنْد رجل، اللَّه لَو لم أجد إِلَّا بَنِي هَؤُلَاءِ لجاهدته بهم، قَالُوا: فَإِنَّهُ بلغنَا أَنه أجازك، وأكرمك، وأعطاك! قَالَ: قد فعل، وَمَا قبلت ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا أَن أتقوّى بِهِ عَلَيْهِ، وحضّض النَّاس، فَبَايعُوهُ.

    قَالَ أَبُو الْيَقظَان [أحد رواة خليفة]: دعَوا إِلَى الرِّضَا والشورى، وَأمّرُوا عَلَى قُرَيْش عَبْد اللَّهِ بْن مُطِيع الْعَدوي([174])، وعَلى الْأَنْصَار عَبْد اللَّهِ بْن حَنْظَلَة الغسيل، وعَلى قبائل الْمُهَاجِرين معقل بْن سِنَان الْأَشْجَعِيّ، وأخرجوا عُثْمَان بْن مُحَمَّد بْن أَبِي سُفْيَان من الْمَدِينَة، وَمن كَانَ بهَا من بَنِي أُميَّة، فَحَدثني وهب قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَن أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَأَلَ عَنهم وَهُوَ بِالطَّائِف، فَقيل لَهُ: استعملوا عَبْد اللَّهِ بْن مُطِيع عَلَى قُرَيْش، وَعبد اللَّه بْن حَنْظَلَة عَلَى الْأَنْصَار فَقَالَ أميران أَن هلك الْقَوْم»([175]).


      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 13:23