..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Emptyاليوم في 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2) Empty كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج2 (2)

    مُساهمة من طرف Admin 18/10/2020, 20:48

    وقد ذكر الإمام أحمد بن حنبل : في فضائل الصحابة: «أَنَّ عُمَرَ جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فِي الشُّورَى، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ، وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ : قَدْ قُلْتُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُمْحَيَنَّ مِنْهَا، حَسْبُنَا آلَ عُمَرَ الْكَفَافُ، لاَ لَنَا وَلاَ عَلَيْنَا»([113]).

    وهي واضحة بتعليلها، وليس فيها أي استنكار للأمر، وهي بصورة أوضح، كما أورد ابن حجر في فتح الباري بروايات أخرى فقال: «وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَدَائِنِي بِأَسَانِيدِهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَرَبَ لِي فِي أُمُورِكُمْ، فَأَرْغَبَ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِي، قَوْلُهُ: وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْمَدَائِنِي بِأَسَانِيدِهِ قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: اسْتَخْلِفْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ اللَّه بِهَذَا، وَأخرج ابن سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَذَا، أَسْتَخْلِفُ مَنْ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ؟ قَوْلُهُ: كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ، أَيْ لِابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى فِي الْخِلَافَةِ أَرَادَ جَبْرَ خَاطِرِهِ بِأَنْ جَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْمُشَاوَرَةِ فِي ذَلِكَ»([114]).

    إذن تعليل رفض عمر خوفاً من الهرقلية أو الكسروية لم يرد في أي رواية، وذكر التوريث أو رفضه، كذلك لم يرد في أي رواية، وإنما التعليل الذي ورد على لسان عمر فيه أمران: الأول حسب آل عمر أن يُكوى واحد منهم بهذا الأمر (الخلافة)، والثاني أن عبد اللَّه بن عمر ب لا يصلح لمثل هذا الأمر؛ لأنه لا يحسن أن يطلق امرأته، إشارة للحادثة المشهورة في طلاق ابن عمر لامرأته التي أثارت جدلاً كبيراً بين الفقهاء، وكل فقيه أفتى بفهمٍ لها يخالف فهم غيره من الفقهاء.

    إذن لم يستنكر عمر بن الخطاب ذكر ابن عمه سعيد بن زيد في أمر الخلافة، ولا ذكر ابنه، ويقول لهم: لسنا كالملوك، وإنما اعتبر أعباء الخلافة كافية ليحفظ منها ابن عمه سعيد بن زيد، وابنه عبد اللَّه بن عمر، ويزيد على ابنه عمر عدم صلاحيته لمثل هذا الأمر، وهذا ما كان حجة من أضاروا على معاوية رضي الله عنه باستبعاد الأربعة الذين اقترحهم ليكون أحدهم خليفة بعده، فالقضية ليست قضية توريث، وإنما قضية حمل للأعباء، وصلاح للقيام بهذا الأمر، وهذا ما فعله معاوية رضي الله عنه لما اختار ابن يزيد، وإن ما وقع به بعض الصحابة من استنكار لهذا الصنيع كان فيه تفاوت كبير، بين الاستنكار النفسي اللفظي، كاستنكار ابن عمر، والاستنكار اللفظي الصريح الصارخ بالإنكار كعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه، والاستنكار اللفظي العملي للحسين بن علي ب، وسنرى ما سيجر ذلك من فتنٍ يستغلها المغرضون، ويستفيدون منها بإيقاد نار الفتنة والحروب بين المسلمين، وليس غريباً أن يقع عدد من الصحابة، وكثير من المسلمين في براثن هذه الفتن، فهي كانت سرية خفية، حتى أن مثل عمار بن ياسر ب، ومحمد بن أبي بكر ب وغيرهما وقعا فيها، فأدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم أودت هذه الفتن المصنوعة المرتبة بذكاء بالحسين بن علي ب، وما تزال إلى الآن هذه الفتنة موقدة للنيل من الصحابة، فتبدأ بمعاوية رضي الله عنه، وتنتهي عند الروافض بأبي بكر وعمر وعثمان، وما دونهم من الصحابة y.

    ا- حجر بن عدي:

    حجر بن عدي بن معاوية بن جبلة بن الأدبر([115])، كان – كما يروي ابن سعد كان «حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ جَاهِلِيًّا إِسْلَامِيًّا [مخضرماً]، قَالَ: وَذَكَرَ بَعْضُ رُوَاةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَخِيهِ هَانِئِ بْنِ عَدِيٍّ، وَشَهِدَ حُجْرٌ الْقَادِسِيَّةَ، وَهُوَ الَّذِي افْتَتَحَ مَرْجَ عَذْرَى، وَكَانَ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْعَطَاءِ ... مِنْ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَشَهِدَ مَعَهُ الْجَمَلَ وَصِفِّينَ ... وَكَانَ ثِقَةً مَعْرُوفًا، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ شَيْئًا»([116]).

    ويقول الإمام ابن كثير :: «وَقَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَذَكَرَ لَهُ وِفَادَةً، ثُمَّ ذكره في الأول مِنْ تَابِعِي أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: وَكَانَ ثِقَةً مَعْرُوفًا، وَلَمْ يَرْوِ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ شَيْئًا، قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: بَلْ قَدْ رَوَى عَنْ عَمَّارٍ، وَشُرَاحِيلَ بْنِ مُرَّةَ، وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ: أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ لَا يُصَحِّحُونَ لَهُ صُحْبَةً»([117]).

    وهناك اتهام يوجهه المؤرخون لحجر بن عدي :، بأنه كان ممن ينالون من عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن كثير :: «وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ عُثْمَانَ، ويطلقون فِيهِ مَقَالَةَ الْجَوْرِ، وَيَنْتَقِدُونَ عَلَى الْأُمَرَاءِ، وَيُسَارِعُونَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ، وَيُبَالِغُونَ فِي ذَلِكَ، وَيَتَوَلَّوْنَ شِيعَةَ عَلِيٍّ، وَيَتَشَدَّدُونَ فِي الدِّينِ»([118]).

    ويستدلون على ذلك بما أورد ابن كثير كذلك عمن قبله من المؤرخين: «وَكَانَ إِذْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَةِ، إِذَا ذَكَرَ عَلِيًّا فِي خُطْبَتِهِ يَتَنَقَّصُهُ بَعْدَ مَدْحِ عُثْمَانَ وَشِيعَتِهِ، فَيَغْضَبُ حُجْرٌ هَذَا، وَيُظْهِرُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ كَانَ الْمُغِيرَةُ فِيهِ حِلْمٌ وَأَنَاةٌ، فَكَانَ يَصْفَحُ عَنْهُ، وَيَعِظُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَيُحَذِّرُهُ غبَّ هَذَا الصَّنِيعِ، فَإِنَّ مُعَارَضَةَ السُّلْطَانِ شَدِيدٌ وَبَالُهَا، فَلَمْ يَرْجِعْ حُجْرٌ عَنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ قَامَ حُجْرٌ يَوْمًا، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ، وَصَاحَ بِهِ، وَذَمَّهُ بِتَأْخِيرِهِ الْعَطَاءِ عَنِ النَّاسِ، وَقَامَ مَعَهُ فِئَامٌ النَّاسِ لِقِيَامِهِ، يُصَدِّقُونَهُ وَيُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُغِيرَةِ، وَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَصْرَ الْإِمَارَةِ، وَدَخَلَ مَعَهُ جمهور الأمراء، فأشاروا عليه بردع حجر هذا عما تعاطاه من شق العصا، وَالْقِيَامِ عَلَى الْأَمِيرِ، وَذَمَرَوهُ، وَحَثُّوهُ عَلَى التَّنْكِيلِ، فصفح عنه، وحلم به.

    وَذَكَرَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ يَسْتَمِدُّهُ بِمَالٍ يَبْعَثُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَبَعَثَ عِيرًا تَحْمِلُ مَالًا، فَاعْتَرَضَ لَهَا حُجْرٌ، فَأَمَسَكَ بِزِمَامِ أَوَّلِهَا، وَقَالَ: لَا وَاللَّهِ حَتَّى يُوَفِّيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَقَالَ شَبَابُ ثَقِيفٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَلَّا نَأْتِيكَ بِرَأْسِهِ؟ فَقَالَ: ما كنت لأفعلن ذَلِكَ بِحُجْرٍ، فَتَرَكَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ مُعَاوِيَةَ ذَلِكَ عَزَلَ الْمُغِيرَةَ، وَوَلَّى زِيَادًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَعْزِلِ الْمُغِيرَةَ حَتَّى مَاتَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رضي الله عنه، وَجُمِعَتِ الْكُوفَةُ مَعَ الْبَصْرَةِ لِزِيَادٍ، دَخَلَهَا وَقَدِ الْتَفَّ عَلَى حجر جماعات من شيعة علي، يقولون أمره، ويشدون عَلَى يَدِهِ، وَيَسُبُّونَ مُعَاوِيَةَ، وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْهُ»([119])، ونرى هنا شدة احترام المغيرة رضي الله عنه لحجر بن عدي، ومعاملته بالحسنى، وعدم النيل منه، أو أذيته، ونصحه بشكل دائم، ويؤكد هذا أيضاً ما ذكره ابن كثير :: «فَلَمَّا قَدِمَ زِيَادُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ، دَعَا بِحُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنِّي أَعْرِفُكَ، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا وأباك على أمر قَدْ عَلِمْتَ- يَعْنِي مِنْ حُبِّ عَلِيٍّ-، وَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَنْ تُقْطِرَ لِي مِنْ دَمِكَ قَطْرَةً، فَأَسْتَفْرِغَهُ كُلَّهُ، أمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ مَنْزِلُكَ، وَهَذَا سَرِيرِي فَهُوَ مَجْلِسُكَ، وَحَوَائِجُكَ مَقْضِيَّةٌ لَدَيَّ، فَاكْفِنِي نَفْسَكَ، فَإِنِّي أَعْرِفُ عَجَلَتَكَ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي نفسك، وإياك وهذه السقطة، وَهَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ أَنْ يَسْتَنَزِلُّوكَ عَنْ رَأْيِكَ، فَقَالَ حُجْرٌ: قَدْ فَهِمْتُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَأَتَاهُ الشِّيعَةُ»([120]).

    وأيضاً نرى حتى زياد بن أبي سفيان قدّره، وعلم منزلته ورفعتها، فأتاه بالنصيحة، والكلام الليّن، دون تهديد شديد، وإنما نصحٌ يدل على حبه، والخوف عليه، ولكن لمَّا: «كَانَ أَوَّلُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا زِيَادٌ بِالْكُوفَةِ، ذَكَرَ فِي آخِرِهَا فَضْلَ عُثْمَانَ، وَذَمَّ مَنْ قَتَلَهُ، أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، فَقَامَ حُجْرٌ كَمَا كَانَ يَقُومُ فِي أَيَّامِ الْمُغِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ بِنَحْوٍ مِمَّا قَالَ لِلْمُغِيرَةِ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ زِيَادٌ، ثُمَّ رَكِبَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ حُجْرًا مَعَهُ إِلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا يُحْدِثُ حَدَثًا، فَقَالَ:

    إِنِّي مَرِيضٌ.

    فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمَرِيضُ الدِّينِ وَالْقَلْبِ وَالْعَقْلِ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَحْدَثْتَ شَيْئًا لَأَسْعَيَنَّ فِي قَتْلِكَ.

    ثُمَّ سَارَ زِيَادٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَبَلَغَهُ أَنَّ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ أَنْكَرُوا عَلَى نَائِبِهِ بِالْكُوفَةِ- وَهُوَ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ-، وَحَصَبُوهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»([121]).

    وأظن – إن صحت الرواية – بغض النظر أن الوالي ظالم أو عادل، فليس من الممكن أن يترك الأمر هكذا دون معالجة، أو إصلاح لهذا الأمر الذي ينشر الفوضى، ولذلك نرى أن زياداً لمّا سمع بهذا الأمر: «فَأَعْجَلَ زِيَادٌ السَّيْرَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا وَصَلَ بَعَثَ إِلَيْهِ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ، وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ، وَخَالِدَ بْنَ عُرْفُطَةَ فِي جماعة من أشراف الْكُوفَةِ لِيَنْهَوْهُ عَنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَأَتَوْهُ، فَجَعَلُوا يُحَدِّثُونَهُ، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ يقول:

    يا غلام، أعلفت الْبَكْرَ؟

    لِبَكْرٍ مَرْبُوطٍ فِي الدَّارِ، فَقَالَ لَهُ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ:

    أَمْجَنُونٌ أَنْتَ؟ نُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ تقول: أعلفت الْبَكْرَ.

    ثُمَّ قَالَ عَدِيٌّ لِأَصْحَابِهِ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا الْبَائِسَ بَلَغَ بِهِ الضَّعْفُ كُلَّ مَا أَرَى، ثُمَّ نَهَضُوا فَأَخْبَرُوا زِيَادًا بِبَعْضِ الْخَبَرِ، وَكَتَمُوهُ بَعْضًا، وَحَسَّنُوا أَمْرَهُ، وَسَأَلُوهُ الرِّفْقَ بِهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، بَلْ بَعَثَ إِلَيْهِ الشُّرَطَ والمحاربة، فأتى به وبأصحابه، فقال له:

    مالك ويلك؟

    قال: إِنِّي عَلَى بَيْعَتِي لِمُعَاوِيَةَ.

    فَجَمَعَ زِيَادٌ سَبْعِينَ من أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ:

    اكْتُبُوا شَهَادَتَكُمْ عَلَى حُجْرٍ وَأَصْحَابِهِ.

    فَفَعَلُوا»([122]).

    ولكن أمر حجر : لم ينته هنا، فإنه بقي يناهض الأمير، وبدأت تنمو له جماعة تحذو حذوه، وبذلك يكون بداية لثورة قادمة، وهذا ما كان يستشفه المغيرة رضي الله عنه، ويحاول إبعاد حجر عنه، وبعده حاول ذلك زياد بن أبي سفيان، ولكن يبقى الفارق الكبير بين زياد والمغيرة، وصار أمر حجر أقوى من السابق، فعندما أطال زياد الخطبة حصبه حجر، وحصبه معه الناس، فاضطر زياد إلى الكتابة إلى معاوية ليبلغه ما فعل حجر، فأمر معاوية بإرساله إليه، روى الحاكم «عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ زِيَادًا، أَطَالَ الْخُطْبَةَ، فَقَالَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ: الصَّلَاةُ، فَمَضَى فِي خُطْبَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: الصَّلَاةُ، وَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى الْحَصَى، وَضَرَبَ النَّاسُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى الْحَصَى، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ كَتَبَ فِيهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: أَنْ سَرِّحْ بِهِ إِلَيَّ فَسَرَّحَهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا؟ إِنِّي لَا أُقِيلُكَ، وَلَا أَسْتَقِيلُكَ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَلَمَّا انْطَلِقُوا بِهِ طَلَبَ مِنْهُمْ أَنْ يَأْذَنُوا لَهُ، فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَأْذِنُوا لَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُطْلِقُوا عَنِّي حَدِيدًا، وَلَا تَغْسِلُوا عَنِّي دَمًا، وَادْفِنُونِي فِي ثِيَابِي فَإِنِّي مُخَاصِمٌ»([123]).

    وذكر ابن أبي شيبة: «كان محمد [ابن سيرين] إذا سئل عن الشهيد يغسّل؟ حدث عن حجر بن عدي إذ قتله معاوية قال: قال حجر: لا تطلقوا عني حديداً، وتغسلوا عني دماً، ادفنوني في وثاقي ودمي، ألقى معاوية على الجادة غداً»([124]).

    وأخرج ابن عساكر: «قال ابن سيرين:

    لم يكن لزياد همٌّ لما قدم الكوفة إلا حجراً وأصحابه، فتكلم يوماً زياد وهو على المنبر، فقال: إن من حق أمير المؤمنين، من حق أمير المؤمنين – مراراً –

    فقال: كذبت ليس ذلك.

    فسكت زياد، ونظر إليه، ثم عاد في كلامه فقال: أن من حق أمير المؤمنين، أن من حق أمير المؤمنين.

    مراراً نحواً من كلامه، فأخذ حجر كفاً من حصاً فحصبه، وقال:

    كذبت، كذبت، كذبت عليك لعنة الله.

    قال: فانحدر زياد من المنبر، وصلى، ثم دخل الدار، وانصرف حجر فبعث إليه زياد الخيل والرجال: أجب.

    قال حجر: إني واللَّه ما أنا بالذي يخاف، ولا آتيه أخاف على نفسي.

    قال هشام: قال ابن سيرين: لو مال لمال أهل الكوفة معه، ولكن كان رجلاً ورعاً، وأبى زياد أن يقلع عنه الخيل والرجال، حتى اصطلحا أن يقيده بسلسلة، ويرسله في ثلاثين من أصحابه إلى معاوية، فلما خرج أتبعه زياد برداً بالكتب بالركض إلى معاوية، أن كان لك في سلطانك حاجة، أو في الكوفة حاجة، فاكفني حجراً، وجعل يرفع الكتب إلى معاوية حتى ألهفه عليه، فقدم فدخل عليه فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.

    قال معاوية: أو أمير المؤمنين أنا؟

    قال: نعم، ثلاثاً.

    فأمر بحجر، وبخمسة عشر رجلاً من أصحابه قد كتب زياد فيهم، وسماهم، وأخرج حجراً وأصحابه الخمسة عشر، وقد أمر بضرب أعناقهم.

    فقال حجر للذي أمر بقتله: دعني فلأصلي ركعتين.

    قال: صلِّ.

    فصلى ركعتين خفيفتين، فلما سلّم، أقبل على الناس فقال:

    لولا أن تقولوا جزع من القتل، لأحببت أن تكون ركعتان أنفس مما كانتا، وايم اللَّه لئن لم تكن صلاتي فيما مضى تنفعني، فما هاتان بنافعتي شيئاً.

    ثم أخذ برده فتحرم به، ثم قال لمن يليه من قومه، ومن يتحرن به([125]): لا تحلوا قيودي، ولا تغسلوا عني الدم، فإني اجتمع أنا ومعاوية غداً على المحجة انتهى»([126]).

    ورواية ابن أبي شيبة مختصرة: «لما انطلق بحجر إلى معاوية قال:

    السلام عليكم يا أمير المؤمنين.

    فقال: أو أمير المؤمنين أنا؟

    قال: نعم.

    قال: لأقتلنك.

    قال: ثم أمر به ليقتل.

    فقال: دعوني أصلي ركعتين.

    فصلى ركعتين تجوز فيهما، فقال:

    لا ترون أني خففتهما جزعاً، ولكني كرهت أن أطول عليكم.

    ثم قتل»([127]).

    وروى الحاكم «عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: رَأَيْتُ حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ وَهُوَ يَقُولُ: «أَلَا إِنِّي عَلَى بَيْعَتِي لَا أَقِيلُهَا، وَلَا أَسْتَقِيلُهَا سَمَاعَ اللَّهِ وَالنَّاسِ»([128]).

    إذن قتله معاوية بعد أن دخل عليه وألقى عليه السلام بإمرة المؤمنين، ويكفي معاتبة عائشة ل لمعاوية بقتله حجراً، واعتذار معاوية عن قتله، فيروي ابن كثير: «وَرُوِّينَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ، وذلك بعد مقتله حجراً وَأَصْحَابِهِ.

    قَالَتْ لَهُ: أَيْنَ ذَهَبَ عَنْكَ حِلْمُكَ يَا مُعَاوِيَةَ حِينَ قَتَلْتَ حُجْرًا وَأَصْحَابَهُ؟

    فَقَالَ لَهَا: فَقَدْتُهُ حِينَ غَابَ عَنِّي مِنْ قَوْمِي مِثْلُكِ يَا أُمَّاهُ.

    ثُمَّ قَالَ لَهَا: فَكَيْفَ بِرِّي بِكِ يَا أُمَّهْ؟

    فَقَالَتْ: إِنَّكَ بِي لَبَارٌّ.

    فَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا عِنْدَ اللَّهِ، وَغَدًا لِي وَلِحُجْرٍ مَوْقِفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ U.

    وفي رواية أنه قال: «إِنَّمَا قَتَلَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ، وَرَوَى ابْنُ جرير أن معاوية جعل يغرغر بالموت وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ يَوْمِي بِكَ يَا حُجْرُ بْنَ عَدِيٍّ لَطَوِيلٌ، قَالَهَا ثَلَاثًا، فاللَّه أَعْلَمُ»([129]).

    وروايات أخرى حول عائشة ومعاوية وحجر، فروى ابن سعد: «وَقَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ بِرِسَالَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ قُتِلُوا، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ عَزَبَ عَنْكَ حِلْمُ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: غَيْبَةُ مِثْلِكَ عَنِّي مِنْ قَوْمِي»([130]).

    ويذكر الصفدي الحادثة مع ملاحظات عدة عليها: «وَقد تقدم ذكره [حجر بن عدي]، وَكَانَ سَبَب قَتله أَنه كَانَ من أَصْحَاب عليّ، فَكَانَت تصدر مِنْهُ حركات لَا تعجب وُلَاة الْكُوفَة، فَقَالَ لَهُ زِيَاد بن أَبِيه: إِنِّي أحذِّرك أَن تركب أعجاز أمورٍ قد هلك من ركب صدورها، فَلم ينْتَه، فنفذ زِيَاد إِلَى مُعَاوِيَة: إِن كَانَ لَك بالعراق حاجةٌ، فَاكْفِنِي حجراً وَأَصْحَابه، فَأمر بهم مُعَاوِيَة، فَقتلُوا نصفهم بعذراء([131]) سنة إِحْدَى وَخمسين، وَكَانُوا أَرْبَعَة عشر، وَقيل ثَلَاثَة عشر، وَكَانَ حجر مِمَّن قتل، وَقيل قتل ستةٌ أَو سَبْعَة، وَجَاء رَسُول مُعَاوِيَة بِالْعَفو عَنْهُم، وَقدم عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام برسالة عَائِشَة تسأله أَن يخلي سبيلهم، فَقدم وَقد قتلوا.

    فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَيْن عزب عَنْك حلم أبي سُفْيَان؟

    فَقَالَ: غيبَة مثلك عني من قومِي.

    وحجَّ مُعَاوِيَة فَاسْتَأْذن على عَائِشَة، فَحَجَبَتْهُ، ثمَّ أَذِنت لَهُ.

    فَقَالَت لَهُ: مَا حملك على قتل أهل عذراء حجر وَأَصْحَابه؟

    قَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِنِّي رَأَيْت قَتلهمْ صلاحاً للأمَّة، وَإِن بقاءهم فَسَاد للْأمة.

    فَقَالَت: سَمِعت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول: (سيقتل بعذراء أناسٌ يغْضب اللَّه لَهُم، وَأهلُ السَّمَاء).

    أما خشيت أَن أخبئ لَك رجلاً فيقتلك؟

    فَقَالَ: لَا، إِنِّي فِي بَيت أَمَان.

    وَكَانَ يَقُول عِنْد مَوته: إنّ يومي من ابْن الأدبر لطويل، وانتحب ابْن عمر لما بلغه قَتله، وَنَدم مُعَاوِيَة على قَتله، وَعرف مِنْهُ النَّدَم وَالْخَوْف عِنْد الْمَوْت.

    وَقَالَ: مَا قتلت أحداً إلاّ وَأَنا أعرف فيمَ قتلته، وَمَا أردْت بِهِ مَا خلا حجراً»([132]).

    ورواية ابن كثير تؤيدها: «وروى أحمد عَنْ عَفَّانَ عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ- أَوْ غَيْرِهِ- قَالَ:

    لَمَّا قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ:

    أَقَتَلْتَ حُجْرًا؟

    فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي وَجَدْتُ قَتْلَ رَجُلٍ فِي صلاح الناس، خير مِنِ اسْتِحْيَائِهِ فِي فَسَادِهِمْ»([133]).

    وهكذا قتل حجر بن عدي :، مع أنه لم ينكث بيعته لمعاوية رضي الله عنه، ولكن بناء الدولة، وسلطان الحكم، لا يتحمل معارضة تنادي بالإصلاح عن طريق الفوضى، وضرب الولاة، والمناداة بالتأليب عليهم، لا عن طريق الإصلاح المدني – كما يقال في هذا العصر - فلا يمكن القبول بعبث العابثين في إفشاء الهرج والمرج، مما يؤدي إلى إفساد الحياة الاجتماعية، ونرى هنا أن المغيرة رضي الله عنه حذّر حجراً من هذه الطريقة، وكذلك حذره زياد، إلا أن حجراً : لم يستطع السماع لهذه النصائح، وهذا ما أشارت عليه الرواية المنسوبة إلى عائشة ل: «أَنَّهَا كَانَتْ تَتَوَعَّدُهُ وَتَقُولُ: لَوْلَا يَغْلِبُنَا سُفَهَاؤُنَا لَكَانَ لِي وَلِمُعَاوِيَةَ فِي قَتْلِهِ حجراً شأن، فلما اعتذر إليها عذرته»([134])، إذن فعائشة ل تدرك خطر هذه الطريقة، فأقلعت عنها، وإننا نرى أن حجراً ♫ تحمّل الأمراء أمره كثيراً وطويلاً لفضله، وعلمه، ولكن عندما أدرك معاوية رضي الله عنه أن أمره بدأ يستفحل عند أهل العراق، وبدأ أصحاب الفتنة وأعداء الإسلام من متسربلين لباس الروافض والعلوية والمجوس الذين قتلوا عمر وعثمان وعلياً y، فلم يجد معاوية بداً من إيقاف هذا الأمر، فقتله، فجاءت النتيجة مؤلمة مفجعة، حتى على معاوية رضي الله عنه الذي سبقت الرواية عنه: «وَرَوَى ابْنُ جرير أن معاوية جعل يغرغر بالموت وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ يَوْمِي بِكَ يَا حُجْرُ بْنَ عَدِيٍّ لَطَوِيلٌ، قَالَهَا ثَلَاثًا، فاللَّه أَعْلَمُ»([135]).

    من خلال كل ما أسهبت فيه من ذكر قصص حجر بن عدي، وعدم التعليق على صحة الروايات، إلا أنها بمجموعها تشير إلى مدى الدعايات السبئية في قضية عثمان، وعلي، ومعاوية، فقد أثرت في كثير من الرجال الصالحين من التابعين، وانساقوا خلالها، وهذا يدل على مدى نفوذ هذه الفئات التي تريد لهذا الدين أن يقع أهله بعضهم ببعض، ولم تعد كأيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأوائل حكم عثمان بن عفان رضي الله عنه بفكرة اغتيال الخليفة، بل بدأت تبدو بثوب شعبي شرعي، فالكل ينادي بالشورى، وبرفع الظلم، وباتباع السنن القويم، والهدي الرشيد، والابتعاد عن الشقاق والنفاق، وأصحابه من غيظهم، والإحن التي في صدورهم، وتجربتهم في استشهاد عمر وعثمان ب، وأنها لم تنتج ما يريدون، فبدؤوا يبحثون في قضايا سياسية، وفكرية، واعتقادية، فأظهروا الشقاق بين المسلمين بادّعاءات الإمامة، والانحراف عن الشورى في الحكم، وكيف أصبح توريثاً، لا شورى؟.

    ب- الحسين بن علي بن أبي طالب ب:

    هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ، السِّبْطُ الشَّهِيدُ بِكَرْبَلَاءَ ابْنُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، وَرَيْحَانَتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وُلِدَ بَعْدَ أَخِيهِ الْحَسَنِ، وَكَانَ مَوْلِدُ الْحَسَنِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ»([136]).

    عَاصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحِبَهُ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَهُوَ عَنْهُ رَاضٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ صَغِيرًا.

    ثُمَّ كَانَ الصِّدِّيقُ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ، وَكَذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَصَحِبَ أَبَاهُ وَرَوَى عَنْهُ، وَكَانَ مَعَهُ فِي مَغَازِيهِ كُلِّهَا...، فَلَمَّا آلَتِ الخلافة إلى أخيه، وأراد أن يصالح، شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُسَدِّدْ رَأْيَ أَخِيهِ فِي ذَلِكَ، بَلْ حَثَّهُ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ...، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ لِمُعَاوِيَةَ، كَانَ الْحُسَيْنُ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ مع أخيه الحسن، فيكرمهما معاوية إِكْرَامًا زَائِدًا...، وَلِمَا تُوُفِّيَ الْحَسَنُ، كَانَ الْحُسَيْنُ يَفِدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ فِي كُلِّ عَامٍ، فَيُعْطِيهِ، وَيُكْرِمُهُ، وَقَدْ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِينَ غَزَوُا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ مَعَ ابْنِ مُعَاوِيَةَ يَزِيدَ، فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَلَمَّا أَخُذَتِ الْبَيْعَةُ لِيَزِيدَ فِي حَيَاةِ مُعَاوِيَةَ، كَانَ الْحُسَيْنُ مِمَّنِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَتِهِ، هُوَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ مَاتَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ مُصَمِّمٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ سَنَةَ سِتِّينَ، وَبُويِعَ لِيَزِيدَ، بَايَعَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَصَمَّمَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ: الْحُسَيْنُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَخَرَجَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَارِّينَ إِلَى مَكَّةَ فَأَقَامَا بِهَا»([137]).

    ويروي الطبراني «عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَمَّا بَايَعَ مُعَاوِيَةُ لِيَزِيدَ حَجَّ، فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا يَزِيدَ فَبَايِعُوا، فَقَامَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فَقَالَ: أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، فَإِنَّ أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، وَجَدِّي خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ، وَإِنَّ أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّ جَدَّكَ خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ فَصَدَقْتَ، رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّ أُمَّكَ خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ فَصَدَقْتَ، فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ بِنْتِ مِجْدَلٍ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّ أَبَاكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدْ قَارَعَ أَبُوهُ أَبَاكَ، فَقَضَى اللَهُ لِأَبِيهِ عَلَى أَبِيكَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْهُ، فَلَهُوَ أَرِبُ مِنْك وَأَعْقَلُ، مَا يَسُرُّنِي بِهِ مِثْلُكَ أَلْفٌ»([138]).

    ويروي الطبري : رواية عن الكلبي، وهو غير ثقة، وأبي مخنف لوط بن يحيى، وهو خبيث كذاب، لا يصدق برواية، ولكن هكذا وصلت الرواية مفصلة، وقد تكون محشوة بالأكاذيب، ولا يمكن أن تكون صحيحة بكل التفاصيل، فيقول: «وأما الْحُسَيْن، فإنه خرج ببنيه، وإخوته، وبني أخيه، وجلّ أهل بيته، إلا محمد بن الحنفية؛ فإنه قَالَ لَهُ: يَا أخي، أنت أحب الناس إليّ، وأعزهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بِهَا مِنْكَ، تنحَّ بتبعتك عن يَزِيد بن مُعَاوِيَة، وعن الأمصار مَا استطعت، ثُمَّ ابعث رسلك إِلَى النَّاسِ فادعهم إِلَى نفسك، فإن بايعوا لك حمدت اللَّه عَلَى ذَلِكَ، وإن أجمع الناس عَلَى غيرك لم ينقص اللَّه بِذَلِكَ دينك، وَلا عقلك، وَلا يذهب بِهِ مروءتك وَلا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصراً من هَذِهِ الأمصار، وتأتي جماعة مِنَ النَّاسِ، فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عَلَيْك، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هَذِهِ الأمة كلها نفساً وأباً، وأماً أضيعها دماً، وأذلها أهلاً.

    قَالَ لَهُ الْحُسَيْن: فإني ذاهب يَا أخي.

    قَالَ: فانزل مكة، فإن اطمأنت بك الدار، فسبيل ذَلِكَ، وإن نَبَتْ بك لحقت بالرمال، وشعف الجبال، وخرجت من بلد إِلَى بلد حَتَّى تنظر إِلَى مَا يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنك أصوب ما تكون رأياً، وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، وَلا تكون الأمور عَلَيْك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً»([139]).

    فمثل هذا الرأي، وإن كان فيه ما فيه، فكان قريباً منه رأي عبد اللَّه بن مطيع عندما سأل الحسين: «جعلت فداك! أين تريد؟

    قَالَ: أما الآن، فإني أريد مكة، وأما بعدها، فإني أستخير اللَّه.

    قَالَ: خار اللَّه لك، وجعلنا فداك، فإذا أنت أتيت مكة، فإياك أن تقرب الْكُوفَة، فإنها بلدة مشؤومة، بِهَا قتل أبوك، وخُذل أخوك، واغتيل بطعنة كادت تأتي عَلَى نفسه، الزم الحرم، فإنك سيد العرب، لا يعدل بك وَاللَّهِ أهل الحجاز أحداً، ويتداعى إليك الناس من كل جانب، لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فو الله لَئِنْ هلكت لنسترقن بعدك»([140]).

    وقد كثر ورود الكتب على الحسين رضي الله عنه من بلاد العراق، يدعونه إليهم، وذلك حين بلغهم موت معاوية رضي الله عنه، وولاية يزيد، ومصير الحسين إلى مكة فراراً من بيعة يزيد، يعني أن الفئة التي تريد ترويض الأمة لتقويض الدولة بدأت تتحرك وتنفث سمومها، وأفكارها القاتلة، وتستعمل رؤوساً لها مكانتها في الأمة وبين العامة، وخصوصاً قتلة عثمان وعلي ب الذين استوطنوا العراق، واتخذوه وكراً لدفع الفتنة ورعايتها، وتنميتها وتقويتها.

    ويروي الإمام ابن كثير تفصيلاً لهذه الأمور أكثر فقال: «ثُمَّ بَعَثُوا بَعْدَهُمَا نَفَرًا مِنْهُمْ قيس بن مسهر الصدائي، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْكَوَّاءِ الْأَرْحَبِيُّ، وَعُمَارَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلُولِيُّ، وَمَعَهُمْ نَحْوٌ مَنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ كِتَابًا إِلَى الْحُسَيْنِ، ثُمَّ بَعَثُوا هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ السَّبِيعِيَّ وَسَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ، وَمَعَهُمَا كِتَابٌ فِيهِ الاستعجال في السير إليهم، وكتب إليه شبث بْنُ رِبْعِيٍّ، وَحَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ، وَيَزِيدُ بْنُ الحارث بن رويم، وعمرو بن حجاج الزبيدي، ومحمد بن عمر بن يحيى التميمي: أما بعد، فقد اخضرّت الجنان، وأينعت الثمار، ولطمت الْجِمَامُ، فَإِذَا شِئْتَ فَاقْدَمْ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مجندة، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ، فَاجْتَمَعَتِ الرُّسُلُ كُلُّهَا بِكُتُبِهَا عِنْدَ الْحُسَيْنِ، وَجَعَلُوا يَسْتَحِثُّونَهُ وَيَسْتَقْدِمُونَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِيُبَايِعُوهُ عِوَضًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَيَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهُمْ فَرِحُوا بِمَوْتِ مُعَاوِيَةَ، وَيَنَالُونَ مِنْهُ، وَيَتَكَلَّمُونَ في دولته، وأنهم لمَّا يُبَايِعُوا أَحَدًا إِلَى الْآنَ، وَأَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَكَ إِلَيْهِمْ لِيُقَدِّمُوكَ عَلَيْهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ بَعَثَ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى الْعِرَاقِ، لِيَكْشِفَ لَهُ حَقِيقَةَ هَذَا الْأَمْرِ وَالاتِّفَاقِ، فَإِنْ كَانَ مُتَحَتِّمًا وَأَمْرًا حَازِمًا مُحْكَمًا بَعَثَ إِلَيْهِ لِيَرْكَبَ فِي أَهْلِهِ وَذَوِيهِ»([141]).

    وسبق أن قدم على الحسين يطالبه بخلع معاوية، والثورة عليه: الحسين بن عتبة الفزاري في عدة معه بعد وفاة الحسن، فدعوه إلى خلع معاوية، وقالوا: قد علمنا رأيك، ورأي أخيك، فقال: إني لأرجو أن يعطي اللَّه أخي على نيته في حبه الكف، وأن يعطيني على نيتي في حبي جهاد الظالمين([142]).

    وهنا نرى - إن صحت الرواية - أن الحسين يرى أن حكم معاوية وتوليته ابنه يزيد من عمل الظالمين، وهو عدم الالتزام بالشورى، وهذا ما يدعوه إلى التفكير بإزالة هذا الظلم.

    وسرى الخبر إلى مروان بن الحكم «وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَكُونَ حُسَيْنٌ مَرْصَدًا لِلْفِتْنَةِ، وَأَظُنُّ يَوْمَكُمْ مِنْ حُسَيْنٍ طَوِيلًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ أَعْطَى اللَّهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدِهِ لَجَدِيرٌ بِالْوَفَاءِ، وَقَدْ أُنْبِئْتُ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَدْ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ مَنْ قَدْ جَرَّبْتَ قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيكَ وَأَخِيكَ، فَاتَّقِ اللَّهَ وَاذْكُرِ الْمِيثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى تَكِدْنِي أَكِدْكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ، وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ عَنِّي جَدِيرٌ، وَالْحَسَنَاتُ لَا يَهْدِي لَهَا إِلَّا اللَّهُ، وَمَا أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً، وَلَا عَلَيْكَ خِلَافًا، وَمَا أَظُنُّ لِي عِنْدَ اللَّهِ عُذْرًا فِي تَرْكِ جِهَادِكَ، وَمَا أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وِلَايَتِكَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِن أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إلا شراً، وَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَيْضًا فِي بَعْضِ مَا بَلَغَهُ عَنْهُ... فلما احتضر مُعَاوِيَةُ دَعَا يَزِيدَ، فَأَوْصَاهُ بِمَا أَوْصَاهُ بِهِ، وقال له: انظِرْ حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول اللَّه، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، يَصْلُحْ لَكَ أَمْرُهُ، فَإِنْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكْفِيَكَهُ اللَّهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ، وَخَذَلَ أَخَاهُ»([143]).

    ومع أن هذه الروايات لا يمكن الاطمئنان إليها، ولا الاعتماد عليها، ولكن ما حدث بعد ذلك من قيام للحسين بن علي في مواجهة يزيد يؤيد عموم هذه الروايات، وإن كانت تفصيلاتها فيها شوائب كثيرة مختلفة، وإن الظن بسيدنا الحسين رضي الله عنه وقوة عقله، وصحة تفكيره هي التي ترجح تأنيه، وعدم ثورته على معاوية رضي الله عنه، ولكن ما حدث بعد ذلك يكون مما راجت به كتب مثيري الفتنة من ابتعادهم عن ثلب معاوية بما ثلبوا به يزيد من فسق وفجور وضلال، حتى أن الروايات ما زال إلى الآن يتحمل إثم كبرها كثير من المؤرخين القدماء والمفكرين المحدثين ممن يدّعون أنهم مفكرون إسلاميون، ومثقفون في خدمة هذا الدين.

    وبعد وفاة معاوية رضي الله عنه، ثارت ثائرة العراقيين، وظن أصحاب الإحن والحقد على هذا الدين أن الفرصة قد حانت بموته، لأنهم توقعوا أن من بعده لن يستطيع الحفاظ على حكمه، وبذلك تسقط دولة الإسلام، فيحققوا ما يريدون من انهيارها، واقتلاعها من جذوره، فتظاهروا بحبهم للحسين، وطاعته، والقتال معه لنصرة الحق الذي يدعونه، فطلبوا من سيدنا الحسين رضي الله عنه القدوم عليهم؛ ليقوموا معه على يزيد بن معاوية؛ ليعيدوا الحق إلى نصابه، وينصروه على أعدائه، فأرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقة الأمر – كما سبق ذكره – ودخل عقيل العراق خفية.

    ووصل خبر مسلم بن عقيل إلى عبيد اللَّه بن زياد، فبدأ بالبحث عنه، ولما قبض عليه أقبل «ابْنُ زِيَادٍ عَلَيْهِ فَقَالَ:

    إِيهِ يَا ابْنَ عَقِيلٍ، أَتَيْتَ النَّاسَ وَأَمْرُهُمْ جَمِيعٌ، وَكَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ؛ لِتُشَتِّتَهُمْ، وَتُفَرِّقَ كَلِمَتَهُمْ، وَتَحْمِلَ بعضهم على قتل بَعْضٍ؟

    قَالَ: كَلَّا، لَسْتُ لَذَلِكَ أَتَيْتُ، وَلَكِنْ أَهْلُ الْمِصْرِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَاكَ قَتَلَ خِيَارَهُمْ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ، وَعَمِلَ فِيهِمْ أَعْمَالَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، فَأَتَيْنَاهُمْ لَنَأْمُرَ بِالْعَدْلِ، وَنَدْعُوَ إِلَى حُكْمِ الْكِتَابِ.

    قال: وما أنت وذاك يا فاسق؟ ...

    فقال مسلم: وَاللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ لَيَعْلَمُ أَنَّكَ غَيْرُ صَادِقٍ، وَأَنَّكَ قُلْتَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَأَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنِّي، فَإِنِّي لَسْتُ كَمَا ذَكَرْتَ، وَإِنَّ أَوْلَى بِهَا مِنِّي مَنْ يَلَغُ فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلَغًا، وَيَقْتُلُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَيَقْتُلُ عَلَى الْغَضَبِ وَالظَّنِّ، وَهُوَ يَلْهُو وَيَلْعَبُ كَأَنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا» ([144]).

    وهنا قبض عبيد اللَّه بن زياد على مسلم بن عقيل، وأودعه السجن، فخرج رسول هو محمد بن الأشعث الطائي - وكان شاعراً- «حتى لقي الحسين بـ(زبالة)، لأربع ليال من الكوفة، فأخبره الخبر، وأبلغه الرسالة [رسالة ابن عقيل]، فقال الحسين: كل ما حمَّ نازل، عند اللَّه نحتسب أنفسنا، وفساد أئمتنا»([145]).


      الوقت/التاريخ الآن هو 25/11/2024, 18:19