..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2) Empty كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (2)

    مُساهمة من طرف Admin 18/10/2020, 20:19

    15- مسروق بن الأجدع:

    من همدان، ويكنى: أبا عائشة، ومات سنة ثلاث وستين([139]).

    قال ابن سعد ؒ: «مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَع، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْن مَالك بْن أُمَيَّةَ بْن عَبْد اللَّه بْن مُرّ بْن سُلَيْمَانَ بْن مَعْمَر بْن الْحَارث بْن سَعْد بْن عَبْد اللَّه بْن وَادعَةَ بْن عَمْرو بْن عَامر بْن نَاشحٍ منْ هَمْدَانَ، قَالَ: قَالَ هشَامُ بْنُ الْكَلْبيّ عَنْ أَبيه: وَقَدْ وَفَدَ الْأَجْدَعُ إلَى عُمَرَ بْن الْخَطَّاب، وَكَانَ شَاعرًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: الْأَجْدَعُ فَقَالَ: إنَّمَا الْأَجْدَعُ شَيْطَانٌ، أَنْتَ عَبْدُ الرَّحْمَن...

    عَن الشَّعْبيّ، قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ إذَا قيلَ لَهُ أَبْطَأْتَ عَنْ عَليٍّ، وَعَنْ مَشَاهده، وَلَمْ يَكُنْ شَهدَ مَعَهُ شَيْئًا منْ مَشَاهده، فَأَرَادَ أَنْ يُنَاصحَهُمُ الْحَديثَ، قَالَ: أُذَكّرُكُمْ باللَّه، أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّهُ حينَ صُفَّ بَعْضُكُمْ لبَعْضٍ، وَأَخَذَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ السّلَاحَ، يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فُتحَ بَابٌ منَ السَّمَاء وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، ثُمَّ نَزَلَ منْهُ مَلَاكٌ، حَتَّى إذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْن قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالْبَاطل إلَّا أَنْ تَكُونَ تجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ منْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللَّهَ كَانَ بكُمْ رَحيمًا﴾ [النساء: 29] أَكَانَ ذَلكَ حَاجزًا بَعْضَكُمْ عَنْ بَعْضٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَوَاللَّه لَقَدْ فَتْحَ اللَّهُ لَهَا بَابًا منَ السَّمَاء وَلَقَدْ نَزَلَ بها مَلَكٌ كَريمٌ عَلَى لسَانُ نَبيّكُمْ صلى الله عليه وسلم، وَإنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ في الْمَصَاحف مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ»([140]).

    وقال الحافظ ابن عساكر ؒ: «مسروق بن الأجدع الهمداني ولي لمعاوية في إمرة ابن زياد»([141]).

    16- مطرف بن عبد الله الشخير:

    مطرف بن عبد اللَّه بن الشّخير من بني الحريش بن كعب بن ربيعة، يكنى: أبا عبد اللَّه»، وكانت لأبيه صحبة، ومات عمر رضي الله عنه ومطرف ابن عشرين سنة، فكأنه ولد في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وله عقب بـالبصرة»، ومات في خلافة عبد الملك بن مروان بعد سنة سبع وثمانين([142]).

    وقال ابن سعد ؒ: «أَتَى مُطَرّفَ بْنَ عَبْد اللَّه زَمَانَ ابْن الْأَشْعَث نَاسٌ يَدَعُونَهُ إلَى قتَال الْحَجَّاج، فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْه قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ هَذَا الَّذي تَدْعُوني إلَيْه، هَلْ يَزيدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جهَادًا في سَبيل اللَّه؟» قَالُوا: لَا، قَالَ: «فَإنّي لَا أُخَاطرُ بَيْنَ هَلَكَةٍ أَقَعُ فيهَا، وَبَيْنَ فَضْلٍ أُصيبُهُ» ([143]).

    وقال ابن عساكر: « مطرف بن عبد اللَّه بن الشخير بصري تابعي ثقة، وكان أبوه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينج بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا رجلان: مطرف بن عبد اللَّه، ومحمد بن سيرين»([144]).

    17- معاوية بن حديج:

    قال الحافظ ابن حجر ؒ: «كان عامل معاوية على مصر... أمّره معاوية على الجيش الّذي جهزه إلى مصر، وبها محمد بن أبي بكر الصديق، فلما قتلوه بايعوا لمعاوية، ثم ولي إمرة مصر ليزيد، وذكره ابن سعد فيمن ولي مصر من الصحابة.... كان الوافد على عمر بفتح الإسكندرية...ومات سنة اثنتين وخمسين»([145]).

    وقال الحافظ ابن كثير ؒ: «شَهدَ فَتَحَ مصْرَ، وَهُوَ الَّذي وَفَدَ إلَى عُمَرَ بفَتْح الْإسْكَنْدَريَّة، وَشَهدَ مَعَ عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبي سَرْحٍ قتَالَ الْبَرْبَر، وَذَهَبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئذٍ، وَوَليَ حُرُوبًا كَثيرَةً في بلَاد الْمَغْرب، وَكَانَ عُثْمَانيًّا في أَيَّام عَليٍّ ببلَاد مصْرَ، وَلَمْ يُبَايعْ عَليًّا بالْكُلّيَّة، فَلَمَّا أَخَذَ مُعَاويَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ مصر أكرمه، ثم استنابه بها عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص، فَإنَّهُ نَابَ بهَا بَعْدَ أَبيه سَنَتَيْن ثُمَّ عَزَلَهُ معاوية، وولى معاوية بن خديج هَذَا، فَلَمْ يَزَلْ بمصْرَ حَتَّى مَاتَ بهَا»([146]).

    18- معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه:

    ذكر سيدنا معاوية رضي الله عنه هنا باعتباره صحابياً عاصر أربعة من الخلفاء، وكيف كان موقفه منهم، وموقفهم منه، وهل نقض بيعة، أو سل سيفاً في وجه السلطان المسلم.

    قال الإمام ابن قتيبة ؒ: «أسلم عام الفتح، وكتب للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وولي «الشام» لـ«عمر» و «عثمان» عشرين سنة، وولى الخلافة سنة أربعين، وهو ابن اثنتين وستين سنة.

    وبلغه أن أهل «الكوفة» قد بايعوا «الحسن بن علي» فسار يريد «الكوفة» .

    وسار «الحسن» يريده، فالتقوا بـ«مسكن» من أرض «الكوفة» فصالح «الحسن» «معاوية»، وبايع له، ودخل معه «الكوفة»، ثم انصرف «معاوية» إلى «الشام»، واستعمل على «الكوفة» «المغيرة بن شعبة»، وعلى «البصرة» «عبد الله بن عامر»، ثم جمعهما لـ«زياد»، وهو أول من جمعا له.

    وولي «معاوية» الخلافة، عشرين سنة إلا شهراً، وتوفي بـ«دمشق» سنة ستين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.

    وقال ابن إسحاق: مات وله ثمان وسبعون سنة» ([147]).

    وقال ابن حبيب: «وكان بلغ معاوية بن أبي سفيان أن بالبصرة رجلاً يشبه برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فكتب إلى عامله عليها، وهو عبد الله بن عامر بن كريز، أن يوفده إليه، فأوفد كابسا، فلما دخل إلى معاوية نزل عن سريره، ومشى إليه حتى قبل بين عينيه، وأقطعه المرغاب»([148]).

    وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «ولد قبل البعثة بخمس سنين، وقيل بسبع، وقيل بثلاث عشرة، والأول أشهر.

    وحكى الواقديّ أنه أسلم بعد الحديبيّة، وكتم إسلامه حتى أظهره عام الفتح، وأنه كان في عمرة القضاء مسلماً، وهذا يعارضه ما ثبت في الصحيح، عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال في العمرة في أشهر الحج: فعلناها، وهذا يومئذ كافر، ويحتمل إن ثبت الأول أن يكون سعد أطلق ذلك بحسب ما استصحب من حاله، ولم يطلع على أنه كان أسلم لإخفائه لإسلامه...

    وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب له، وولّاه عمر الشام بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان، وأقره عثمان، ثم استمر فلم يبايع عليا، ثم حاربه، واستقلّ بالشام، ثم أضاف إليها مصر، ثم تسمّى بالخلافة بعد الحكمين، ثم استقلّ لما صالح الحسن، واجتمع عليه الناس، فسمّي ذلك العام عام الجماعة. ...

    قال عبد الملك بن مروان، قال: عاش ابن هند- يعني معاوية- عشرين سنة أميراً، وعشرين سنة خليفة، وجزم به محمد بن إسحاق، وفيه تجوّز، لأنه لم يكمل في الخلافة عشرين، إن كان أولها قتل علي، وإن كان أولها تسليم الحسن بن علي فهي تسع عشرة سنة إلا يسيراً.

    وفي صحيح البخاري، عن عكرمة: قلت لابن عباس: إن معاوية أوتر بركعة، فقال: إنه فقيه»([149]).

    وقال الإمام النووي ؒ: «أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أبوه وأمه فى عبد شمس، أسلم هو وأبوه أبو سفيان، وأخوه يزيد بن أبي سفيان، وأمه هند في فتح مكة، وكان معاوية يقول: إنه أسلم يوم الحديبية، وكتم إسلامه من أبيه وأمه، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينًا، فأعطاه من غنائم هوازن مائة بعير وأربعين أوقية، وكان هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ثم حسن إسلامهما.

    وكان أحد الكُتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما بعث أبو بكر رضي الله عنه الجيوش إلى الشام، سار معاوية مع أخيه يزيد، فلما مات يزيد استخلفه على عمله بالشام، وهو دمشق، فأقره عمر رضي الله عنه مكانه...

    قال محمد بن سعيد: بقي معاوية أميرًا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة، وقال الوليد بن مسلم: كانت خلافته تسع عشرة سنة ونصفًا، وقيل: تسع عشرة سنة وثمانية أشهر وعشرين يومًا، وولي دمشق أربع سنين من خلافة عمر، واثنتي عشرة من خلافة عثمان، مع ما أضاف إليه من باقي الشام، وأربع سنين تقريبًا أيام خلافة علي، وستة أشهر خلافة الحسن، وسلم إليه الخلافة سنة إحدى وأربعين...

    واتفقوا على أنه توفي بدمشق... وهو من الموصوفين بالدهاء والحلم، وذكروا أن عمر بن الخطاب لما دخل الشام فرأى معاوية قال: هذا كسرى العرب، ولما حضرته [أي معاوية] الوفاة، أوصى أن يكفن في قميص كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كساه إياه، وأن يجعل مما يلي جسده، وكان عنده قلامة أظفار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوصى أن تسحق، وتجعل فى عينيه وفمه، وقال: افعلوا ذلك بي، وخلوا بيني وبين أرحم الراحمين، ولما نزل به الموت قال: يا ليتني كنت رجلاً من قريش بذي طوى، وإني لم أل من هذا الأمر شيئًا، وكان ابنه يزيد غائبًا بحوران وقت وفاة معاوية، فأرسل إليه البريد، فلم يدركه.

    وكان معاوية أبيض، جميلاً يخضب، وروي عنه قال: مازلت أطمع بالخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن وليت فأحسن)، قال ابن قتيبة في المعارف: لم يولد لمعاوية فى زمن خلافته ولد؛ لأنه ضرب على إليته، فانقطع عنه الولد، ولد له قبلها عبد الرحمن لأم ولد، ويزيد أمه ميسورة بنت مجدل الكلبية، وعبد اللَّه، وهند، ورملة، وصفية»([150]).

    وقال أبو نعيم ؒ: «كَانَ منَ الْكَتَبَة الْحَسَبَة الْفَصَحَة، أَسْلَمَ قُبَيْلَ الْفَتْح، وَقيلَ: عَامَ الْقَضيَّة، وَهُوَ ابْنُ ثَمَانيَ عَشْرَةَ، وَعَدَّهُ ابْنُ عَبَّاسٍ منَ الْفُقَهَاء، قَالَ: كَانَ فَقيهًا، تُوُفّيَ للنّصْف منْ رَجَبٍ سَنَةَ ستّينَ، وَلَهُ نَحْوٌ منْ ثَمَانينَ سَنَةً، وَقيلَ: ثَمَانٍ وَسَبْعينَ... أَصَابَتْهُ لقْوَةٌ في آخر عُمُره، وَكَانَ يَقُولُ: «رَحمَ اللهُ عَبْدًا دَعَا لي بالْعَافيَة، فَقَدْ رُميتُ في أَحْسَن مَا يَبْدُو منّي، وَلَوْلَا هَوًى مَنَّي في يَزيدَ لَأَبْصَرْتُ برُشْدي»، وَلَمَّا اعْتَلَّ قَالَ: «وَددْتُ أَنْ لَا أُعَمّرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ»، فَقيلَ: إلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَمَغْفرَته، فَقَالَ: «إلَى مَا شَاءَ وَقَضَى، قَدْ عَلمَ أَنّي لَمْ آلُ، وَمَا كَرهَ اللهُ غَيَّرَ»، كَانَ حَليمًا وَقُورًا فَصيحًا، وَلي الْعمَالَةَ منْ قبَل الْخُلَفَاء عشْرينَ سَنَةً، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْإمَارَة بَعْدَ قَتْل عَليٍّ y عشْرينَ سَنَةً، فَكَانَت الْجَمَاعَةُ عَلَيْه عشْرينَ سَنَةً: منْ سَنَة أَرْبَعينَ، إلَى سَنَة ستّينَ، فَلَمَّا نَزَلَ به الْمَوْتُ قَالَ: «لَيْتَني كُنْتُ رَجُلًا منْ قُرَيْشٍ بذي طُوًى، وَأَنّي لَمْ أَل منْ هَذَا الْأَمْر شَيْئًا»، وَكَانَ يَقُولُ: «لَا حلْمَ إلَّا بالتَّجْربَة»، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخْلَقَ للْمُلْك منْ مُعَاويَةَ، لَمْ يَكُنْ بالضَّيّق الْحَصر»، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَسْوَدَ منْ مُعَاويَةَ»([151]).

    وقال الإمام ابن كثير ؒ: «وَقَدْ وَرَدَ منْ غَيْر وَجْهٍ أنَّ أَبَا مُسْلمٍ الْخَوْلَانيَّ وَجَمَاعَةً مَعَهُ دَخَلُوا عَلَى مُعَاويَةَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ تُنَازعُ عَليًّا أَمْ أَنْتَ مثْلُهُ؟ فَقَالَ: وَاللَّه إنّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ خَيْرٌ منّي، وَأَفْضَلُ، وَأَحَقُّ بالْأَمْر منّي، وَلَكنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتلَ مَظْلُومًا، وَأَنَا ابْنُ عَمّه، وَأَنَا أَطْلُبُ بدَمه، وَأَمْرُهُ إليَّ؟ فَقُولُوا لَهُ: فَلْيُسَلّمْ إليَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَأَنَا أُسَلّمُ لَهُ أَمْرَهُ.

    فَأَتَوْا عَليًّا فَكَلَّمُوهُ في ذَلكَ، فَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهمْ أَحَدًا، فَعنْدَ ذَلكَ صَمَّمَ أَهْلُ الشَّام عَلَى الْقتَال مَعَ مُعَاويَةَ...

    لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْل عَليٍّ إلَى مُعَاويَةَ جَعَلَ يَبْكي، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَتَبْكيه وَقَدْ قَاتَلْتَهُ؟ فَقَالَ: وَيْحَك إنَّك لَا تَدْرينَ مَا فَقَدَ النَّاسُ منَ الْفَضْل، وَالْفقْه، وَالْعلْم، وفي رواية أنها قالت له: بالأمس تقاتلنّه، واليوم تبكينّه؟...

    وَقَالَ الزُّهْريُّ: حَدَّثَني الْقَاسمُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ مُعَاويَةَ حينَ قَدمَ الْمَدينَةَ يُريدُ الْحَجَّ، دَخَلَ عَلَى عَائشَةَ، فَكَلَّمَهَا خَاليَيْن لَمْ يَشْهَدْ كَلَامَهُمَا أحد إلا ذكوان أبو عمر، ومولى عائشة، فقالت: أمنت أن أخبأ لَكَ رَجُلًا يَقْتُلُكَ بقَتْلكَ أَخي مُحَمَّدًا؟ فَقَالَ: صدقت، فلما قضى معاوية كَلَامَهُ مَعَهَا، تَشَهَّدَتْ عَائشَةُ ثُمَّ ذَكَرَتْ مَا بَعَثَ اللَّهُ به نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم منَ الْهُدَى وَدين الْحَقّ، وَالَّذي سَنَّ الخلفاء بعده، وحضّت معاوية على العدل، واتباع أثرهم، فقالت في ذلك، فَلَمْ يترك له عذراً، فَلَمَّا قَضَتْ مَقَالَتَهَا قَالَ لَهَا مُعَاويَةُ: أَنْت والله العالمة العاملة بأَمْر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، النَّاصحَةُ الْمُشْفقَةُ الْبَليغَةُ الْمَوْعظَة، حَضَضْت عَلَى الْخَيْر، وَأَمَرْت به، وَلَمْ تَأْمُرينَا إلَّا بالَّذي هُوَ لنا مصلحة، وَأَنْت أَهْلٌ أَنْ تُطَاعي.

    وَتَكَلَّمَتْ هيَ وَمُعَاويَةُ كَلَامًا كَثيرًا...

    قَدمَ مُعَاويَةُ بْنُ أَبي سُفْيَانَ المدينة، فأرسل إلى عائشة: أن أرسلي بأَنْبجَانيَّة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَشَعْره، فَأَرْسَلَتْ به مَعي أَحْملُهُ، حَتَّى دَخَلْتُ به عَلَيْه، فَأَخَذَ الْأَنْبجَانيَّةَ فَلَبسَهَا، وَأَخَذَ شَعْرَهُ فَدَعَا بمَاءٍ فَغَسَلَهُ وَشَربَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى جلْده.

    وَقَالَ الْأَصْمَعيُّ عَن الْهُذَليّ، عَن الشَّعْبيّ قَالَ: لَمَّا قَدمَ مُعَاويَةُ الْمَدينَةَ عَامَ الْجَمَاعَة، تَلَقَّتْهُ رجَالٌ منْ وُجُوه قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: الْحَمْدُ لله الذي أعز نصرك، وأعلا أَمْرَكَ.

    فَمَا رَدَّ عَلَيْهمْ جَوَابًا حَتَّى دَخَلَ الْمَدينَةَ، فَقَصَدَ الْمَسْجدَ، وَعَلَا الْمنْبَرَ، فَحَمدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْه، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ! فَإنّي وَاللَّه مَا وَليتُ أَمْرَكُمْ حينَ وَليتُهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لَا تُسَرُّونَ بولَايَتي، وَلَا تُحبُّونَهَا، وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك، وَلَكنّي خَالَسْتُكُمْ بسَيْفي هَذَا مُخَالَسَةً، وَلَقَدْ رُمْتُ نَفْسي عَلَى عَمَل ابْن أَبي قُحَافَةَ، فَلَمْ أجدها تقوم بذلك، ولا تقدر عليه، وَأَرَدْتُهَا عَلَى عَمَل ابْن الْخَطَّاب، فَكَانَتْ أَشَدَّ نفوراً، وأعظم هرباً من ذلك، وَحَاوَلْتُهَا عَلَى مثْل سُنَيَّات عُثْمَانَ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ هَيْهَاتَ أَنْ يُدْركَ فَضْلَهُمْ أَحَدٌ ممَّنْ بَعْدَهُمْ؟ رَحْمَةُ اللَّه وَرضْوَانُهُ عَلَيْهمْ، غَيْرَ أَنّي سَلَكْتُ بهَا طَريقًا لي فيه مَنْفَعَةٌ، وَلَكُمْ فيه مثل ذلك.

    ولكل فيه مواكلة حَسَنَةٌ، وَمُشَارَبَةٌ جَميلَةٌ، مَا اسْتَقَامَت السّيرَةُ وَحَسُنَت الطَّاعَةُ، فَإنْ لَمْ تَجدُوني خَيْرَكُمْ، فَأَنَا خَيْرٌ لَكُمْ، وَاللَّه لَا أَحْملُ السَّيْفَ عَلَى مَنْ لَا سَيْفَ مَعَهُ، وَمَهْمَا تَقَدَّمَ ممَّا قَدْ عَلمْتُمُوهُ فَقَدْ جَعَلْتُهُ دَبْرَ أُذُني، وَإنْ لَمْ تَجدُوني أَقُومُ بحَقّكُمْ كُلّه، فَارْضَوْا منّي ببَعْضه، فإنها بقاببة قوبها، وإن السيل إذا جاء يبرى، وَإنْ قَلَّ أَغْنَى، وَإيَّاكُمْ وَالْفتْنَةَ، فَلَا تَهُمُّوا بهَا، فَإنَّهَا تُفْسدُ الْمَعيشَةَ، وَتُكَدّرُ النّعْمَةَ، وَتُورثُ الاستيصال، أستغفر الله لي ولكم، أستغفر الله...

    وعن علوان بن صَالح بْن كَيْسَانَ أَنَّ مُعَاويَةَ قَدمَ الْمَدينَةَ أَوَّلَ حَجَّةٍ حَجَّهَا بَعْدَ اجْتمَاع النَّاس عَلَيْه، فَلَقيَهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَرجَالٌ منْ قُرَيْشٍ، فَتَوَجَّهَ إلَى دَار عُثْمَانَ بْن عَفَّانَ، فَلَمَّا دَنَا إلَى بَاب الدَّار، صَاحَتْ عَائشَةُ بنْتُ عُثْمَانَ، وَنَدَبَتْ أَبَاهَا، فَقَالَ مُعَاويَةُ لمَنْ مَعَهُ: انْصَرفُوا إلَى مَنَازلكُمْ فَإنَّ لي حَاجَةً في هَذه الدار، فانصرفوا، ودخل فسكن عائشة بنت عثمان، وَأَمَرَهَا بالْكَفّ، وَقَالَ لَهَا: يَا بنْتَ أَخي، إن الناس أعطونا سلطاننا، فَأَظْهَرْنَا لَهُمْ حلْمًا تَحْتَهُ غَضَبٌ، وَأَظْهَرُوا لَنَا طاعة تحتها حقد، فبعناهم هذا بهذا، وباعونا هذا بهذا، فإن أعطيناهم غير ما اشتروا منا، شحوا علينا بحقنا، وغمطناهم بحقهم، ومع كل إنسان منهم شيعته، وهو يرى مكان شيعته، فَإنْ نَكَثْنَاهُمْ نَكَثُوا بنَا، ثُمَّ لَا نَدْري أَتَكُونُ لَنَا الدَّائرَةُ أَمْ عَلَيْنَا؟ وَأَنْ تَكُوني ابنة عثمان أمير المؤمنين أحب إليّ أَنْ تَكُوني أَمَةً منْ إمَاء الْمُسْلمينَ، وَنعْمَ الْخَلَفُ أَنَا لَك بَعْدَ أَبيك.

    عَن الْأَوْزَاعيّ قَالَ: أَدْرَكَتْ خلَافَةَ مُعَاويَةَ عدَّةٌ منَ الصَّحَابَة، منْهُمْ أُسَامَةُ، وَسَعْدٌ، وَجَابرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ بن ثابت، وسلمة بْنُ مُخَلَّدٍ، وَأَبُو سَعيدٍ، وَرَافعُ بْنُ خَديجٍ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالكٍ، وَرجَالٌ أَكْثَرُ، وأطيب ممَّنْ سَمَّيْنَا بأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، كَانُوا مَصَابيحَ الْهُدَى، وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله، ومن الدين جديده، وعرفوا من الإسلام ما لم يعرفه غيرهم، وَأَخَذُوا عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تأويل القرآن.

    ومن التابعين لهم بإحسان ما شَاءَ اللَّهُ، منْهُمُ الْمسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَن بْنَ الْأَسْوَد بْن عَبْد يَغُوثَ، وَسَعيدُ بن المسيب، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ مُحَيْريزٍ، وَفي أَشْبَاهٍ لَهُمْ لم ينزعوا يداً من جماعة في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم...

    لَمَّا قُتلَ عُثْمَانُ لَمْ يَكُنْ للنَّاس غَازيَةٌ تَغْزُو، حَتَّى كَانَ عَامُ الْجَمَاعَة فَأَغْزَا مُعَاويَةُ أَرْضَ الرُّوم ستَّ عَشْرَةَ غَزْوَةً، تَذْهَبُ سَريَّةٌ في الصيف، ويُشَتُّوا بأَرْض الرُّوم، ثُمَّ تَقْفلُ وَتَعْقُبُهَا أُخْرَى، وَكَانَ في جملة من أغزى ابْنُهُ يَزيدُ، وَمَعَهُ خَلْقٌ منَ الصَّحَابَة، فَجَازَ بهمُ الْخَليجَ، وَقَاتَلُوا أَهْلَ الْقُسْطَنْطينيَّة عَلَى بَابهَا، ثم قفل بهم راجعاً إلى الشام، وَكَانَ آخرَ مَا أَوْصَى به مُعَاويَةُ أَنْ قال: شد خنَاقَ الرُّوم.

    عَنْ يُونُسَ بْن مَيْسَرَةَ بْن حَلْبَسٍ، قَالَ: رَأَيْتُ مُعَاويَةَ في سُوق دمَشْقَ وهو مردف وراءه وصفياً عَلَيْه قَميصٌ مَرْقُوعُ الْجَيْب، وَهُوَ يَسيرُ في أَسْوَاق دمَشْقَ، وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهدٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ رَأَيْتُمْ مُعَاويَةَ لَقُلْتُمْ هَذَا الْمَهْديُّ.

    وَقَالَ هُشَيْمٌ عَن الْعَوَّام عَنْ جَبَلَةَ بْن سحيم، عن ابن عمرو.

    قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْوَدَ منْ مُعَاويَةَ، قَالَ قُلْتُ: وَلَا عُمَرَ؟ قَالَ: كَانَ عُمَرُ خَيْرًا منْهُ، وَكَانَ مُعَاويَةُ أَسْوَدَ منْهُ...

    كَأَنْ على قضاء معاوية أبو الدرداء بولاية عمر بن الخطاب، فلمَّا حضره الموت أشار على معاوية بتولية فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثُمَّ مَاتَ فَضَالَةُ فَوَلَّى أَبَا إدْريسَ الْخَوْلَانيَّ»([152]).

    19- المغيرة بن شعبة رضي الله عنه:

    قال الحافظ ابن كثير ؒ: «كَانَ الْمُغيرَةُ منْ دُهَاة الْعَرَب، وَذَوي آرَائهَا، أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَق بَعْدَ ما قتل ثلاثة عشر منْ ثَقيفٍ، مَرْجعَهُمْ منْ عنْد الْمُقَوْقس وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، فَغَرمَ ديَاتهمْ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، وَشَهدَ الْحُدَيْبيَةَ، وَكَانَ وَاقفًا يَوْمَ الصُّلْح عَلَى رَأْس رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسَّيْف صَلْتًا، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعْدَ إسْلَام أَهْل الطَّائف هُوَ وَأَبُو سفيان بن حرب فهدما اللات، وقدمنا كيفية هدمهما إياها، وَبَعَثَهُ الصّدّيقُ إلَى الْبَحْرَيْن، وَشَهدَ الْيَمَامَةَ، وَالْيَرْمُوكَ، فَأُصيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَئذٍ، وَقيلَ بَلْ نَظَرَ إلَى الشَّمْس وَهيَ كَاسفَةٌ، فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنه، وَشَهدَ القادسية، وولاه عمر فتوحاً كثيرة، منها همدان وَمَيْسَانُ، وَهُوَ الَّذي كَانَ رَسُولَ سَعْدٍ إلَى رُسْتُمَ، فَكَلَّمَهُ بذَلكَ الْكَلَام الْبَليغ، فَاسْتَنَابَهُ عُمَرُ عَلَى الْبَصْرَة، فَلَمَّا شُهدَ عَلَيْه بالزّنَا، وَلَمْ يثبت عَزَلهُ عَنْهَا، وَوَلَّاهُ الْكُوفَةَ، وَاسْتَمَرَّ به عُثْمَانُ حيناً ثم عزله، فبقي معتزلاً حَتَّى كَانَ أَمْرُ الْحَكَمَيْن، فَلَحقَ بمُعَاويَةَ، فَلَمَّا قتل علي وصالح معاوية الحسن، ودخل الكوفة، ولاه عَلَيْهَا، فَلَمْ يَزَلْ أَميرَهَا حَتَّى مَاتَ في هَذه السَّنَة عَلَى الْمَشْهُور»([153]).

    وقال الإمام ابن قتيبة ؒ: «وولّاه «عمر» رضي الله عنه «البصرة»، فافتتح «ميسان»، وافتتح «دستميسان»، و«أبزقباذ»، و«سوق الأهواز»، و«همذان»، وشهد فتح «نهاوند»، وكان على ميسرة «النعمان بن مقرّن»، وهو أول من وضع ديوان «البصرة» ...

    ومات بالكوفة، وهو أميرها، بالطاعون سنة خمسين، وقال حين حضرته الوفاة: اللَّهمّ هذه يميني: بايعت بها نبيّك، وجاهدت بها في سبيلك... ذهبت عينه «يوم اليرموك»([154]).

    وقال ابن حبيب :: «من فقئت عينه من الأشراف في الحرب: أبو سفيان صخر بن حرب، ذهبت عينه يوم الطائف مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. ... المغيرة بن شعبة، يوم القادسية»([155]).

    وقال الحافظ ابن عساكر ؒ: «وكان يقال له مغيرة الرأي، وكان داهية لا يشتجر في صدره أمران إلا وجد في أحدهما مخرجاً، وشهد المغيرة المشاهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقدم وفد ثقيف، فأنزلهم عليه فأكرمهم، وبعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أبي سفيان بن حرب إلى الطائف، فهدموا الربة...

    وكان المغيرة أول من وضع ديوان البصرة، وجمع الناس ليعطوا عليه، وولي الكوفة لعمر بن الخطاب، فقتل عمر وهو عليها، ثم وليها بعد ذلك لمعاوية بن أبي سفيان، فمات بها وهو والٍ عليها.

    عن الزهري قال: كان من دهاة الناس في الفتنة خمسة نفر: عمرو بن العاص، ومعاوية، ومن الأنصار: قيس بن سعد، ومن ثقيف: المغيرة بن شعبة، ومن المهاجرين: عبد اللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وكان مع علي رجلان: قيس، وعبد اللَّه، واعتزل المغيرة بن شعبة»([156]).

    وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «وقال الشّعبيّ: كان من دهاة العرب، وكذا ذكره الزهري.

    وقال قبيصة بن جابر: صحبت المغيرة، فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلا بالمكر، لخرج المغيرة من أبوابها كلها، وولاه عمر البصرة...

    قال البغويّ: كان أول من وضع ديوان البصرة، وقال ابن حبان: كان أول من سلم عليه بالإمرة، ثم ولاه عمر الكوفة، وأقره عثمان ثم عزله، فلما قتل عثمان اعتزل القتال إلى أن حضر مع الحكمين، ثم بايع معاوية بعد أن اجتمع الناس عليه، ثم ولاه بعد ذلك الكوفة، فاستمرّ على إمرتها حتى مات سنة خمسين عند الأكثر...

    وقال الطّبريّ: كان لا يقع في أمر إلا وجد له مخرجاً، ولا يلتبس عليه أمران إلا ظهر الرأي في أحدهما.

    ... وذكر البغويّ، من طريق زيد بن أسلم- أن المغيرة استأذن على عمر، فقال: أبو عيسى، قال: من أبو عيسى؟ قال: المغيرة بن شعبة، قال: فهل لعيسى من أب؟ فشهد له بعض الصّحابة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكنيه بها... عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: استعمل عمر المغيرة على البحرين، فكرهوه، وشكوا منه، فعزله، فخافوا أن يعيده عليهم، فجمعوا مائة ألف، فأحضرها الدّهقان إلى عمر، فقال: إن المغيرة اختان هذه، فأودعها عندي، فدعاه فسأله، فقال: كذب، إنما كانت مائتي ألف، فقال: وما حملك على ذلك؟ قال: كثرة العيال، فسقط في يد الدهقان، فحلف وأكّد الأيمان أنه لم يودع عنده قليلاً ولا كثيراً، فقال عمر للمغيرة: ما حملك على هذا؟ قال: إنه افترى عليّ، فأردت أن أخزيه...

    والمغيرة هذا كان قاضياً بالمدينة في خلافة عثمان، ثم كان مع عليّ في حروبه، وهو الّذي طرح على ابن ملجم القطيفة لما ضرب عليّا، فأمسكه، وضرب به الأرض، ونزع منه سيفه، وسجنه حتى مات على منزلته»([157]).

    20- أبو هريرة رضي الله عنه:

    اختُلف كثيراً في اسمه، قال ابن حبان: «أبو هريرة الدوسي، ودوس قبيلة من اليمن، اختلفوا في اسمه، فمنهم من قال عبد شمس، ومنهم من قال عبد عمرو، ومنهم من قال: سكين بن عمرو، ومنهم من قال: عمير بن عامر بن عبد ود، وقد قيل: إن اسمه عبد عمرو بن عبد غنم، ومنهم من قال: كان اسمه عبد نهم، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، وهذا أشبه، مات سنة سبع، أو ثمان وخمسين، وكان قد دعا: اللهم لا يدركني سنة ستين، وأكثر ما كان ينزل دار الخليفة»([158]).

    قال الحافظ ابن حجر ؒ: «أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثاً...

    وقال أبو نعيم: كان أحفظ الصحابة لأخبار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ودعا له بأن يحبّبه إلى المؤمنين، وكان إسلامه بين الحديبيّة وخيبر، قدم المدينة مهاجراً، وسكن الصّفة...

    عن رجل من الطفاوة، قال: نزلت على أبي هريرة قال: ولم أدرك من الصحابة رجلاً أشدّ تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه.

    وقال ابن عمر: أبو هريرة خير مني، وأعلم بما يحدث.

    عن ابن عمر- أنه قال لأبي هريرة: أنت كنت ألزمنا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه.

    وأخرج ابن سعد بسند جيد، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث بشيء ما سمعته، قال: يا أمه، طلبتها وشغلك عنها المكحلة والمرآة، وما كان يشغله عنها شيء، والأخبار في ذلك كثيرة...

    عن عاصم بن محمد بن يزيد بن عبد اللَّه بن عمر، عن أبيه، قال: ابن عمر إذا سمع أبا هريرة يتكلم قال: إنا نعرف ما نقول، ولكنا نجبن ويجترئ.

    عن عبد الرحمن بن مهران، عن أبي هريرة- أنه قال حين حضره الموت: لا تضربوا عليّ فسطاطاً، ..فلا تنوحوا عليّ، ولا تتبعوني بمجمرة، وأسرعوا بي.

    والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة، وقد تردد البخاري فيه، فقال: مات سنة سبع وخمسين»([159]).

    قال الحافظ ابن كثير ؒ: «كَانَ مُعَاويَةُ يَبْعَثُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدينَة، فَإذَا غَضبَ عَلَيْه عَزَلَهُ، وَوَلَّى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَم، فَإذَا جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إلَى مَرْوَانَ حَجَبَهُ عَنْهُ، فَعَزَلَ مَرْوَانَ، وَرَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ لمَوْلَاهُ: مَنْ جَاءَكَ فَلَا تَرُدَّهُ, وَاحَجُبْ مَرْوَانَ، فَلَمَّا جَاءَ مَرْوَانُ دَفَعَ الْغُلَامُ في صَدْره، فلما دخل إلا بعد جهد جهيد، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: إنَّ الْغُلَامَ حَجَبَنَا عَنْكَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: إنَّكَ أَحَقُّ النَّاس أَنْ لَا تَغْضَبَ منْ ذَلكَ.

    وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ مَرْوَانَ هُوَ الَّذي كَانَ يَسْتَنيبُ أَبَا هُرَيْرَةَ في إمْرَة الْمَدينَة، وَلَكنْ كَانَ يَكُونُ عَنْ إذْن مُعَاويَةَ في ذَلكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ» ([160]).

    وقال الحافظ ابن حجر ؒ: «عن أبي هريرة رفعه...: يهلك الناس هذا الحي من قريش، وإن المراد بعض قريش وهم الأحداث منهم لا كلهم والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله، فتفسد أحوال الناس، ويكثر الخبط بتوالي الفتن وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم ... فقال مروان لعنة اللَّه عليهم غلمة، في رواية عبد الصمد: لعنة اللَّه عليهم من أغيلمة، ...التقدير غلمة عليهم لعنة اللَّه، أو ملعونون، أو نحو ذلك، ولم يرد التعجب ولا الاستثبات، ... فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت... في رواية : من بني فلان وبني فلان لقلت، وكأن أبا هريرة كان يعرف أسماءهم، وكان ذلك من الجواب الذي لم يحدث به، وتقدمت الإشارة إليه في كتاب العلم، وتقدم هناك قوله: لو حدثت به لقطعتم هذا البلعوم، ... وأما تردده في أيهم المراد بحديث أبي هريرة، فمن جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم، والذي يظهر أن المذكورين من جملتهم ...

    قال ابن بطال: وفي هذا الحديث أيضاً حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك، وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين»([161]).

    نتائج:

    كانت هذه الفئة حجة طائفة من العلماء على مدى الأيام، وإلى يومنا هذا، فلا بد للناس من أئمة يصلّون لهم، ومن قضاة يحكمون في خصوماتهم، ومن أمراء، وحكام، وعلماء يفتونهم في كثير من أمور دينهم ‏ودنياهم، وإلا فسدت الأمة، وخرجت عن الطريق السوي؛ ولذلك نجد في كل عصر ومصر طائفة توظفت عند الحكام، ونفذت لها الأحكام.

    إلا أن هناك أمراً يستحق التأمل والتفكير، ‏لأن العلماء الذين يحتذون حذوهم، ويهتدون بهديهم، منهم من صار بأيدي الحكام ألعوبة يتصرفون بهم كما يشاؤون، يفتون لهم بما يريدون، ويبررون لهم ما يقومون به من أعمال، وينشرون بين ‏الناس صورة للسلطان يرضى عنها عامة المسلمين، فهل هذه الطريقة كانت ظاهره عند هذه الطائفة في القرن الأول؟!

    إن ما ذكرنا من نصوص لا يؤيد هذه المقولة، بل على العكس ينفيها، فهؤلاء العلماء الذين شاركوا الحكام في الأعمال، ‏لم يكونوا لهم أبواقاً، ولم يزينوا لهم أفعالهم، صحيح انه لم ينقلبوا عليهم، ولم يعادوهم، ولم يرفعوا عليهم سيفاً، أو يتقولوا فيهم قالات السوء، لكنهم مشوا معهم ليستطيعوا تنفيذ واتباع ‏ما يستطيعون من أحكام الإسلام، فالسلاطين أصلاً لم يأتوا بأحكام جديدة، أو دين جديد، بل هم مسلمون، قد يصيبهم نوع من التقصير أو الانحراف، فكان هؤلاء العلماء يسددون هؤلاء السلاطين، ويقومون بفصل الخصومات بين المسلمين، فكانت سيرتهم مع السلاطين لصالح عامة المسلمين، يعلمونهم الأحكام، ويهدونهم إلى الطريق الصحيح في اتباعها، وبذلك يبقى الدين قائماً، وأحكامه معلنة، ‏وعلماؤهم هداة الأمة، وبذلك يخففون من جور الأئمة، وزيغ الحكام، فيبقى بين الحكام والعوام نقاط التقاء وانسجام، وتبتعد عنهم الفتن الماحقة، والحروب اللافحة، ويبقى المجتمع إن لم يكن إسلاميا بكماله، فهو إسلامي بعمومه، وهذا ما حققه هؤلاء العلماء على مدى الفترات الماضية، فهل استطاع العلماء الذين يقولون إنهم على خطا ‏أولئك، هل استطاعوا أن يبقوا للأمة كيانها الإسلامي، أم أنهم توصلوا إلى أن يضفوا على كثير من السلاطين الصبغة الإسلامية، دون الاهتمام بشأن الأمة وكيانها، وأصبحت مهمتهم تبرير كثير من أعمال الحكام، وإسكات الأمة إن أحست ‏بحاجة للتغيير، فيأتي هؤلاء العلماء ليثبتوا للعيون ما لا تراه العيون، ويصروا أنهم يرونها، وليسمعوا آذانهم ما لم تسمع من أقوال يختلقونها للسلاطين، ليزيّنوا للناس حياتهم المنحرفة الضالة.

    ومعظم علماء السلاطين اليوم، يأخذون من أسلافهم علماء السلاطين مهمة الدفاع عن السلاطين، ونقطة الاتفاق بين السلف والخلف، هو مفردة (السلاطين)،وفرق هذه المفردة بين الأمس واليوم هو أن السلاطين القدامى هم حكام مسلمون، همهم الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه، ومعظم خلفاء بني أمية، إن لم نقل كلهم، كانوا فاتحين مجاهدين، كما سبق وذكرنا، وهؤلاء يدافعون عن سلاطين، على الأحسن الأحوال، لا يقيمون للإسلام وزناً، ولا يقبلون الدفاع عن الإسلام، إن لم نقل إنهم يحاربونه، ويقتلون دعاته، أو يضيّقون عليهم الدنيا مع سعتها.


      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 07:22