..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1)

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1) Empty كتاب: فتن ومحن العصر الأول ـ حسن حسن فرحات ـ ج3 (1)

    مُساهمة من طرف Admin 18/10/2020, 20:26

    5- حذيفة بن اليمان:

    وهو صحابي جليل له رواية في الحديث النبوي، أسلم وأبوه، وهاجرا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وشهدا أُحُدًا، وقُتل أبوه يومئذ، وأسلمت أمه وهاجرت([36]).

    وحذيفة رضي الله عنه هو الذي روى حديث الفتنة، «قَالَ أَبُو إدْريسَ الْخَوْلَانيُّ سَمعتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَان يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَيْر، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْركَني، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، إنَّا كُنَّا في جَاهليَّةٍ، وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بهَذَا الْخَيْر، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْر منْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ)، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلكَ الشَّرّ منْ خَيْرٍ؟ قَالَ: (نَعَمْ، وَفيه دَخَنٌ)، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: (قَوْمٌ يَهْدُونَ بغَيْر هَدْيي، تَعْرفُ منْهُمْ، وَتُنْكرُ) قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلكَ الْخَيْر منْ شَرٍّ؟ قَالَ: (نَعَمْ، دُعَاةٌ إلَى أَبْوَاب جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فيهَا)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، صفْهُمْ لَنَا، فَقَالَ: (هُمْ منْ جلْدَتنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسنَتنَا)، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُني إنْ أَدْرَكَني ذَلكَ؟ قَالَ: (تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلمينَ وَإمَامَهُمْ)، قُلْتُ: فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ، وَلَا إمَامٌ؟ قَالَ: (فَاعْتَزلْ تلْكَ الْفرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بأَصْل شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْركَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلكَ»([37]).

    ووردت ألفاظ أخرى لهذا الحديث في غير هذه الرواية:

    « يَكُونُ بَعْدى أَئمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بسُنَّتي، وَسَيَقُومُ فيهمْ رجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطين في جُثْمَان إنْسٍ »، قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّه إنْ أَدْرَكْتُ ذَلكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطيعُ للأَمير، وَإنْ ضُربَ ظَهْرُكَ، وَأُخذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطعْ » ([38]).

    وفي رواية: «فتْنَةٌ عَمْيَاءُ، صَمَّاءُ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَاب النَّار، وَأَنْتَ أَنْ تَمُوتَ يَا حُذَيْفَةُ، وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جذْلٍ، خَيْرٌ لَكَ منْ أَنْ تَتَّبعَ أَحَدًا منْهُمْ»([39]).

    وفي رواية: «قُلْتُ: فَمَا يَكُونُ بَعْدَ الْهُدْنَة؟ قَالَ: «دُعَاةُ الضَّلَالَة، فَإنْ رَأَيْتَ يَوْمَئذٍ للَّه U في الْأَرْض خَليفَةً فَالْزَمْهُ، وَإنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ، وَأَخَذَ مَالَكَ، وَإنْ لَمْ تَرَ خَليفَةً، فَاهْرُبْ حَتَّى يُدْركَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جذْل شَجَرَةٍ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه فَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلكَ؟ قَالَ: «الدَّجَّالُ»([40]).

    ورواية عَنْ زَيْد بْن وَهْبٍ، قَالَ: سَمعْتُ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: «إنَّ الْفتْنَةَ وُكّلَتَ بثَلَاثٍ: بالْحَادّ النّحْرير الَّذي لَا يَرْتَفعُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا قَمَعَهُ بالسَّيْف، وَبالْخَطيب الَّذي يَدْعُو إلَيْهَا، وَبالسَيّد، فَأَمَّا هَذَان فَتَبْطَحُهُمَا لوُجُوههمَا، وَأَمَّا السَّيّدُ فَتَبْحَثُهُ حَتَّى تَبْلُوَ مَا عنْدَهُ»([41]).

    ورواية عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «إيَّاكُمْ وَمَوَاقفَ الْفتَن» قيلَ: وَمَا مَوَاقفُ الْفتَن يَا أَبَا عَبْد الله؟ قَالَ: «أَبْوَابُ الْأُمَرَاء، يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمير فَيُصَدّقُهُ بالْكَذب، وَيَقُولُ مَا لَيْسَ فيه»([42]).

    وعَنْ شمْرٍ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: «أَيَسُرُّكَ أَنْ تَقْتُلَ أَفْجَرَ النَّاس»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «إذَنْ تَكُونُ أَفْجَرَ منْهُ»([43]).

    وعلى هذا يكون حذيفة بن اليمان رضي الله عنه من الذين لا يقبلون الدخول على الحكام، ولا يقبلون مقارعتهم أيضاً، بل يعتزلهم، كما فُهم من حديثه الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    6- خريم بن الأخرم:

    صحابي جليل، مختلف في شهوده بدراً، روى الحاكم ؒ: «قال مسلم، والبخاريّ، والدّارقطنيّ وغيرهم: له صحبة، وزاد البخاريّ في التّاريخ: شهد بدراً، وكأنه أشار إلى الحديث الآتي: قال ابن سعد: كان الشّعبي يروي عن أيمن بن خريم، قال: إن أبي وعمي شهدا بدراً، وعهدا ألا أقاتل مسلماً»([44]).

    وعنْ قَيْس بْن أَبي حَازمٍ، وَعَامرٍ الشَّعْبيّ، قَالَا: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَم لأَيْمَنَ بْن خُرَيْمٍ: أَلَا تَخْرُجْ فَتُقَاتلْ مَعَنَا؟ فَقَالَ: إنَّ أَبي وَعَمّي شَهدَا بَدْرًا، وَإنَّهُمَا عَهدَا إلَيَّ أَنْ لَا أُقَاتلَ أَحَدًا يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإنْ أَنْتَ جئْتَني ببَرَاءَةٍ منَ النَّار، قَاتَلْتُ مَعَكَ، قَالَ: فَاخْرُجْ عَنَّا، قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ:

    وَلَسْتُ بقَاتلٍ رَجُلًا يُصَلّي عَلَى سُلْطَانٍ آخَرَ منْ قُرَيْش لَهُ سُلْطَانُهُ وَعَلَيَّ إثْمي مُعَاذَ اللَّه منْ جَهْلٍ وَطَيْش أَأَقْتُلُ مُسْلمًا في غَيْر جُرْمٍ فَلَيْسَ بنَافعي مَا عشْتُ عَيْشي

    هَذَا حَديثٌ صَحيحُ الْإسْنَاد عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْن»([45]).

    7- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

    أَحَدُ الْعَشَرَة الْمَشْهُود لَهُمْ بالْجَنَّة، وَأَحَدُ السّتَّة أَصْحَاب الشُّورَى الَّذينَ تُوُفّيَ رَسُولُ الله وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ، أَسْلَمَ قَديمًا، وَكَانَ فَارسًا شُجَاعًا منْ أُمَرَاء رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَقَد اسْتَنَابَهُ عمر عَلَى الْكُوفَة، وكان سيداً مطاعاً، وَثَبَتَ في صَحيح مُسْلمٍ أَنَّ ابْنَهُ عُمَرَ جَاءَ إلَيْه وَهُوَ مُعْتَزلٌ في إبله، فَقَالَ: النَّاسُ يَتَنَازَعُونَ الْإمَارَةَ وَأَنْتَ هَاهُنَا؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ يُحبُّ الْعَبْدَ الْغَنيَّ الْخَفيَّ الْتَقيَّ»([46]).

    وقد أورد ابْنُ عَسَاكرَ رواية دون إسناد، وعزاها لبعض أهل العلم، وعلى ما يظهر أخذها عن الزبير بن بكار، كما ذكر ذلك الصفدي، ونقلها عن ابن عساكر ابن كثير فقال: «ذَكَرَ بَعْضُ أَهْل الْعلْم أَنَّ ابْنَ أَخيه هَاشمَ بْنَ عُتْبَةَ بْن أَبي وَقَّاصٍ جاءه فقال له: يا عم، ها هنا مائَةُ أَلْف سَيْفٍ يَرَوْنَكَ أَحَقَّ النَّاس بهَذَا الْأَمْر.

    فَقَالَ: أُريدُ منْ مائَة أَلْف سَيْفًا وَاحدًا، إذَا ضَرَبْتُ به الْمُؤْمنَ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَإذَا ضَرَبْتُ به الْكَافرَ قَطَعَ.

    وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاق عَن ابْن جُرَيْجٍ: حَدَّثَني زَكَريَّا بن عمرو أن سَعْدَ بْنَ أَبي وَقَّاصٍ وَفَدَ عَلَى مُعَاويَةَ، فَأَقَامَ عنْدَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيُفْطرُ.

    وَقَالَ غَيْرُهُ: فَبَايَعَهُ، وَمَا سَأَلَهُ سَعْدٌ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ»([47]).

    بينما ذكر الحاكم عَن ابْن سيرينَ، قَالَ: قيلَ لسَعْد بْن أَبي وَقَّاصٍ: أَلَا تُقَاتلُ فَإنَّكَ منْ أَهْل الشُّورَى، وَأَنْتَ أَحَقُّ بهَذَا الْأَمْر منْ غَيْركَ، قَالَ: «لَا أُقَاتلُ حَتَّى يَأْتُوني بسَيْفٍ لَهُ عَيْنَان وَلسَانٌ وَشَفَتَان يَعْرفُ الْكَافرَ منَ الْمُؤْمن، قَدْ جَاهَدْتُ وَأَنَا أَعْرفُ الْجهَادَ، وَلَا أَنْجَعُ بنَفْسي إنْ كَانَ رَجُلًا خَيْرًا منّي» هَذَا حَديثٌ صَحيحٌ عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْن، وَلَمْ يُخْرجَاهُ»([48]).

    وأما رواية ابن سعد عَنْ مُحَمَّدٍ بن عمر الواقدي قَالَ: «نُبّئْتُ أَنَّ سَعْدًا كَانَ يَقُولُ: مَا أَزْعُمُ أَنّي بقَميصي هَذَا أَحَقُّ منّي بالْخلَافَة، قَدْ جَاهَدْتُ إذْ أَنَا أَعْرفُ الْجهَادَ، وَلَا أَبْخَعُ نَفْسي إنْ كَانَ رَجُلٌ خَيْرًا منّي، لَا أُقَاتلُ حَتَّى تَأْتُوني بسَيْفٍ لَهُ عَيْنَان، وَلسَانٌ وَشَفَتَان، فَيَقُولَ: هَذَا مُؤْمنٌ، وَهَذَا كَافرٌ»([49]).

    8- شريح بن الحارث:

    القَاضي الْكُوفي، مخضرم أدْرك الْجَاهليَّة، ولم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم، وفد من الْيمن بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولاه عمر القَضَاء، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وعزله علي، ثم ولاه معاوية، وَأقَام على الْقَضَاء ستّينَ سنة، وَجَاء أَنه استعفى من الْقَضَاء قبل مَوته بسنة، وَتُوفّي سنة سبع وَسبعين، وَقيل غيرها، وَله مائَة وثمان سنين، أَو وَعشر سنين، أَو وَعشْرُونَ سنة.

    وكانت فتنة ابن الزُّبَيْر تسع سنين.

    عن شريح قال: لما كانت الفتنة لم أسأل عنها.

    فقال رجل: لو كنت مثلك ما باليت متى مت، فقال شريح: فكيف بما في قلبي.

    وقد رواه شقيق بن سلمة عن شريح قال: في الفتنة ما استخبرت، ولا أخبرت، ولا ظلمت مسلماً، ولا معاهداً ديناراً، ولا درهماً.

    قَالَ شُرَيْحٌ في الْفتْنَة الَّتي كَانَتْ عَلَى عَهْد ابْن الزُّبَيْر: مَا سَأَلْتُ فيهَا، وَلَا أَخْبَرْتُ.

    قَالَ جَعْفَرٌ: وَبَلَغَني أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: وَأَنَا أَخَافُ أَنْ لَا أَكُونَ نَجَوْتُ.

    لَبثَ شُرَيْحٌ في الْفتْنَة تسْعَ سنينَ لَا يُخْبرُ، وَلَا يَسْتَخْبرُ، فَقيلَ لَهُ: قَدْ سَلمْتَ.

    قَالَ: فَكَيْفَ بالْهَوَى؟([50]).

    9- عبد الرحمن بن أبي بكر:

    أما عبد الرحمن بن أبى بكر، فشهد يوم بدر، وأحد مع المشركين، ودعا إلى البراز، فقام إليه أبوه ليبارزه، فذكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ له: متعنا بنفسك، ثمّ أسلم، وحسن إسلامه، ومات فجأة سنة ثلاث وخمسين بجبل بقرب مكة، فأدخلته عائشة بنت أبى بكر الحرم، ودفنته، وأعتقت عنه، شهد الجمل، وقدم على ابن عامر البصرة، لهُ صُحْبَة مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، وَيُقَال أسلم في هدنة الْحُدَيْبيَة، سكن المدينة، وتوفي بمكة، ولا يعرف في الصحابة أربعة ولاء: أب، وبنوه بعده، كل منهم ابْنُ الَّذي قبله، أسلموا وصحبوا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أَبُو قحافة، وكان عبد الرحمن شجاعًا، حَسن الرمي، سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، شقيق عائشة، ثم أسلم، وحسن إسلامه، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية، وشهد اليمامة مع خالد، فَقَتل سبعة من كبار الكفار، وهو قاتل محكم اليمامة ابن الطفيل، رماه بسهم في نحره فقتله، مَاتَ سنة ثَمَان وَخمسين قبل عَائشَة، وَقيل سنة ثَلَاث وَخمسين، وَحمل إلَى مَكَّة وَدفن بهَا.

    أخرج البخاريّ، من طريق يوسف بن ماهك: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية، فخطب، فذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة، فقال مروان: هذا الّذي أنزل اللَّه فيه: ﴿وَالَّذي قالَ لوالدَيْه أُفٍّ لَكُما﴾ [الأحقاف: 17]، فأنكرت عائشة ذلك من وراء الحجاب.

    وخطب معاوية، فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي، وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال له عبد الرحمن: أهرقلية، كلما مات قيصر كان قيصر مكانه؟ لا نفعل واللَّه أبداً.

    بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر بعد ذلك بمائة ألف، فردّها، وقال: لا أبيع ديني بدنياي.

    وخرج إلى مكة، فمات بها قبل أن تتمّ البيعة ليزيد([51]) .

    ومع أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه لم يبايع معاوية ليزيد، واعتبر الأمر هرقلية، وكسروية، ورفض أن يكون مع معاوية، أو يقبل منه عطاء، مع ذلك لم يُبد له عداوة، أو خروجاً، بل تركه، واعتزل في مكة حتى توفي رضي الله عنه.

    10- عبد اللَّه بن عكيم:

    أَبُو معبد أدْرك النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف لَهُ سماع صحيح، فَلم يسمع منْهُ شَيْئاً، كتب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلَى جُهَيْنَة قبل مَوته بشهرين، وأنفذ إلَيْه الْحجَّاج في علّة، فَقَامَ عَبْد اللَّه بْن عكيم فَتَوَضَّأ، وَصلى رَكْعَتَيْن، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّك تعلم أَنّي لم أزن، وَلم أسرق قطّ، وَلم آكل مَال يَتيم قطّ، وَلم أقذف مُحصنَة قطّ، فَإن كنت صَادقاً فادرأ عني شَره، فَأَتَاهُ نائله، وَلم يتَعَرَّض بشَيْء يكرههُ ([52]).

    وكان عبد الله بن عكيم يرى أن ذكر السلطان بسوء فتنة مرفوضة، ومحاولة لقتله، ولذلك قَالَ: «لَا أُعينُ عَلَى دَم خَليفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ، أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمه؟ فَقَالَ: إنّي لَأَعُدُّ ذكْرَ مَسَاويه عَوْنًا عَلَى دَمه»، وقد مات في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي ([53]).

    11- عبد الله بن عمر ب:

    يكنى: أبا عبد الرّحمن، وأسلم مع إسلام أبيه بمكة، وهاجر مع أبيه وأمه إلى المدينة، وهو ابن عشر سنين، من رجالات «قريش»، وكان وصيّ أبيه، وله عقب بالمدينة، شهد المشاهد كلها بعد يوم: بدر، واستصغر يوم أحد، وشهد الخندق مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي حتى مات في سنة ثلاث وسبعين، وبقي إلى زمن عبد الملك([54]).

    وقد سأله أحدهم: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَن، حَدّثْنَا عَن الْقتَال في الْفتْنَة، وهو يعلم أن ابن عمر يعتبر القتال بين المسلمين من الفتنة، يُريدُ أَنْ يَحْتَجَّ بالْآيَة عَلَى مَشْرُوعيَّة الْقتَال في الْفتْنَة، وَأَنَّ فيهَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ تَرَكَ ذَلكَ، ولذلك ردّ عليه ابْن عُمَرَ: ثَكلَتْكَ أُمُّكُ، الضَّميرَ في قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَاتلُوهُمْ﴾ للْكُفَّار، فَأَمَرَ الْمُؤْمنينَ بقتَال الْكَافرينَ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ يُفْتَنُ عَنْ دين الْإسْلَام، وَيَرْتَدُّ إلَى الْكُفْر، وَوَقَعَ نَحْوُ هَذَا مع نَافع بْن الْأَزْرَق الخارجي، فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ عَنْ دينه، فمحمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وَكَانَ الدُّخُولُ في دينهمْ فتْنَةٌ، وَلَيْسَ كَقتَالكُمْ عَلَى الْمُلْك، أَيْ في طَلَب الْمُلْك يُشيرُ إلَى مَا وَقَعَ بَيْنَ مَرْوَانَ ثُمَّ عَبْد الْمَلك ابْنه، وَبَين بن الزبير، وَمَا أشبه ذَلك، وَكَانَ رَأْي ابن عُمَرَ تَرْكَ الْقتَال في الْفتْنَة([55]).

    وقد روى مسلم عَنْ أَبي نَوْفَلٍ، رَأَيْتُ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْر عَلَى عَقَبَة الْمَدينَة، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْه، وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْه عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْه فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَالله لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَالله لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَالله لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَالله إنْ كُنْتَ، مَا عَلمْتُ، صَوَّامًا، قَوَّامًا، وَصُولًا للرَّحم، أَمَا وَالله لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ»([56]).

    ولهذا المعطيات عن ابن عمر ب كان في أيام الفتنة يقبل بكل الأمراء الذين يأتونه، ويطيعهم، ويمنع التحول عنهم، وقد ذكر ابن سعد بسند صحيح عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ في زَمَان الْفتْنَة لَا يَأْتي أَميرٌ إلَّا صَلَّى خَلْفَهُ، وَأَدَّى إلَيْه زَكَاةَ مَاله([57]).

    12- عبد اللَّه بن عون:

    عبد اللَّه بن عون بن أرطبان مولى مزينة، وأتى أنس بن مالك، الحافظ أحد الأئمة الأعلام، كَانَ للْقُرْآن تَاليًا، وَللْجَمَاعَة مُوَاليًا، وَعَنْ أَعْرَاض الْمُسْلمينَ عَافيًا، مات سنة إحدى وخمسين ومائة ([58]).

    روى ابن سعد عن «بَكَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَعَت الْمُعْتَزلَةُ بابْن عَوْنٍ إلَى إبْرَاهيمَ بْن عَبْد اللَّه بْن حَسَنٍ، فَقَالُوا: إنَّ هَهُنَا رَجُلًا يَرْبُثُ النَّاسَ عَنْكَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَوْنٍ، فَأَرْسَلَ إلَيْه أَنْ مَا لي وَلَكَ، فَخَرَجَ عَن الْبَصْرَة حَتَّى نَزَلَ الْقُرَيْظيَّةَ، فَلَمْ يَزَلْ بهَا حَتَّى كَانَ منْ أَمْر إبْرَاهيمَ مَا كَانَ.

    قَالَ بَكَّارٌ: «وَرَأَيْتُ ابْنَ عَوْنٍ لَمَّا خَرَجَ إبْرَاهيمُ بْنُ عَبْد اللَّه بْن حَسَنٍ أَمَرَ بأَبْوَابه - وَكَانَتْ شَارعَةً عَلَى سكَّة الْمرْبَد - فَغُلّقَتْ، فَلَمْ يَكُنْ يَدَعُ أَحَدًا يَطْلُعُ، وَلَا يَنْظُرُ، وَلَا يَفْتَحُ بَابًا»([59]).

    13- عبد الله بن مسعود:

    الصحابي الجليل الكبير عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُود بْن غَافل بْن حَبيب، وَيُكْنَى أَبَا عَبْد الرَّحْمَن، أَسْلَمَ قَبْلَ دُخُول رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم دَارَ الْأَرْقَم، وروى عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْتُ مُؤَمّرًا أَحَدًا دُونَ شُورَى الْمُسْلمينَ لَأَمَّرْتُ ابْنَ أُمّ عَبْدٍ»، مَاتَ عَبْدُ اللَّه بْنُ مَسْعُودٍ بالْمَدينَة وَدُفنَ بالْبَقيع سَنَةَ اثْنَتَيْن وَثَلَاثينَ، وصَلَّى عَلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُودٍ عَمَّارُ بْنُ يَاسرٍ، وَقَالَ قَائلٌ: صَلَّى عَلَيْه عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَاسْتَغْفَرَ كُلُّ وَاحدٍ منْهُمَا لصَاحبه قَبْلَ مَوْت عَبْد اللَّه، قَالَ: وَهُوَ أَثْبَتُ عنْدَنَا: إنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى عَلَيْه، قَالَ: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّه عَنْ أَبي بَكْرٍ وَعُمَرَ([60]).

    ولَمَّا بَعَثَ عُثْمَانُ إلَى عَبْد اللَّه بْن مَسْعُودٍ يَأْمُرُهُ بالْخُرُوج إلَى الْمَدينَة اجْتَمَعَ إلَيْه النَّاسُ، وَقَالُوا: أَقمْ وَلا تَخْرُجْ، وَنَحْنُ نَمْنَعُكَ أَنْ يَصلَ إلَيْكَ شَيْءٌ تَكْرَهُهُ منْهُ، فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّه: إنَّ لَهُ عَلَيَّ طَاعَةً، وَأَنَّهَا سَتَكُونُ أُمُورٌ وَفتَنٌ، لا أُحبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلُ مَنْ فَتَحَهَا، فر الناس، وخرج إلَيْه، وروي عَن ابْن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ حين نافر الناس عُثْمَان رضي الله عنه: مَا أحب أني رميت عُثْمَان بسهم، وقال بعض أصحابه: مَا سمعت ابْن مَسْعُود يَقُول في عُثْمَان شيئاً قط، وسمعته يَقُول: لئن قتلوه لا يستخلفون بعده مثله، ولما مات ابْن مَسْعُود نعي إلَى أَبي الدرداء، فَقَالَ: مَا ترك بعده مثله، ومات ابْن مَسْعُود رحمه الله بالمدينة سنة([61]).

    14- محمد بن مسلمة:

    ابْن سَلمَة بن خَالد بن عدي، حَليف لبني الْأَشْهَل الْأنْصَاريّ الْحَارثيّ، يكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن، وقيل غير ذلك، شهد بَدْرًا، والمشاهد كلهَا، وَكَانَت وَفَاته في صفر سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين، وَقيل سنة ستّ وَأَرْبَعين، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة، وكَانَ أسمر شَديد السمرَة، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة، وَهُوَ أحد الَّذين قتلوا كَعْب بن الْأَشْرَف الْيَهُوديّ بأَمْر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم، اسْتَخْلَفَهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم على الْمَدينَة في بعض غَزَوَاته، قَالَ حُذَيْفَةُ: «مَا أَحَدٌ تُدْركُهُ الْفتْنَةُ، إلَّا وَأَنَا أَخَافُهَا عَلَيْه، إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهُ: «لَا تَضُرُّكَ الْفتْنَةُ»، ورواية أبي داود بسند صحيح([62]) قَالَ حُذَيْفَةُ: مَا أَحَدٌ منَ النَّاس تُدْركُهُ الْفتْنَةُ، إلَّا أَنَا أَخَافُهَا عَلَيْه إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لَا تَضُرُّكَ الْفتْنَةُ»، وَلم يشْهد محمد بن سلمة الْجمل، وَلَا صفّين، وَاعْتَزل الْفتْنَة، وَاتخذ سَيْفاً من خشب، وَجعله في جفن، وَذكر أَن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، قَالَه ابْن عبد الْبر، وَذكره في كتَابه صلى الله عليه وسلم في تَرْجَمَة أبي بن كَعْب([63])، وهو من المواظبين على العبادة، والخلوة بالتعبد، اعتزل الفتن، وضرب فسطاطه بالربذة.

    وعَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَةَ، عَنْ عَليّ بْن زَيْدٍ عَنْ أَبي بُرْدَةَ، قَالَ: مَرَرْنَا بالرَّبَذَة، فَإذَا فُسْطَاطُ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ، فَقُلْتُ: لَوْ خَرَجْتَ إلَى النَّاس، فَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ؟ فَقَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «يا محمد بن مَسْلَمَةَ، سَتَكُونُ فُرْقَةٌ وَفتْنَةٌ وَاخْتلافٌ، فَاكْسَرْ سَيْفَكَ، واقطع وَتَرَكَ، وَاجْلسْ في بَيْتكَ»، فَفَعَلْتُ الَّذي أَمَرَني به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وقَالَ لي إسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ، عَن الأَشْعَث، عَنْ أَبي بُرْدَةَ، عَنْ ضُبَيْعَةَ - قَالَ شُعْبَةُ: أَو ابْنُ ضُبَيْعَةَ - قَالَ حُذَيْفَةُ: إنّي لأَعْرفُ رَجُلاً لا تَضُرُّهُ الْفتْنَةُ، فَأَتَيْنَا الْمَدينَةَ، فَإذَا فُسْطَاطٌ مَضْرُوبٌ، وَإذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: لا يشتمل على شيء منْ أَمْصَارهم حَتَّى يَنْجَليَ الأَمْرُ عَمَّا انْجَلَى([64]).

    ورواية أحمد بسند حسن: «بَعَثَنَا يَزيدُ بْنُ مُعَاويَةَ إلَى ابْن الزُّبَيْر، فَلَمَّا قَدمْتُ الْمَدينَةَ، دَخَلْتُ عَلَى فُلَانٍ - نَسيَ زيَادٌ اسْمَهُ- فَقَالَ: إنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ: أَوْصَاني خَليلي أَبُو الْقَاسم صلى الله عليه وسلم: «إنْ أَدْرَكْتَ شَيْئًا منْ هَذه الْفتَن، فَاعْمَدْ إلَى أُحُدٍ، فَاكْسرْ به حَدَّ سَيْفكَ، ثُمَّ اقْعُدْ في بَيْتكَ»، قَالَ: «فَإنْ دَخَلَ عَلَيْكَ أَحَدٌ إلَى الْبَيْت، فَقُمْ إلَى الْمَخْدَع، فَإنْ دَخَلَ عَلَيْكَ الْمَخْدَعَ، فَاجْثُ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَقُلْ بُؤْ بإثْمي وَإثْمكَ، فَتَكُونَ منْ أَصْحَاب النَّار، وَذَلكَ جَزَاءُ الظَّالمينَ»، فَقَدْ كَسَرْتُ حَدَّ سَيْفي، وَقَعَدْتُ في بَيْتي»([65]).

    ويورد الإمام ابن حجر العسقلاني عن هشام عن الحسن أن محمد بن مسلمة قال: أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سيفاً، فقال: «قاتل به المشركين ما قاتلوا، فإذا رأيت أمتي يضرب بعضهم بعضاً، فائت به أحُداً، فاضرب به حتّى ينكسر، ثمّ اجلس في بيتك، حتّى تأتيك يد خاطئة، أو منيّة قاضية» ففعل.

    قلت [القائل ابن حجر]: ورجال هذا السند ثقات، إلا أن الحسن لم يسمع من محمد بن مسلمة.

    وقال ابن سعد: أسلم قديماً على يدي مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ، وآخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة، وشهد المشاهد: بدراً، وما بعدها إلا غزوة تبوك، فإنه تخلف بإذن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يقيم بالمدينة.

    وقال ابن عبد البرّ: كان من فضلاء الصحابة، واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة في بعض غزواته، وكان ممن اعتزل الفتنة، فلم يشهد الجمل، ولا صفّين.

    وقال حذيفة في حقه: إني لأعرف رجلاً لا تضره الفتنة، فذكره، وصرّح بسماع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم([66]).

    وأورد ابن سعد عَنْ مُحَمَّد بْن مَسْلَمَةَ قَالَ: «أَعْطَاني رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم سَيْفًا فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، جَاهدْ بهَذَا السَّيْف في سَبيل اللَّه، حَتَّى إذَا رَأَيْتَ منَ الْمُسْلمينَ فئَتَيْن تَقْتَتلَان، فَاضْربْ به الْحَجَرَ حَتَّى تَكْسرَهُ، ثُمَّ كُفَّ لسَانَكَ وَيَدَكَ حَتَّى تَأْتيَكَ مَنيَّةٌ قَاضيَةٌ، أَوْ يَدٌ خَاطئَةٌ»، فَلَمَّا قُتلَ عُثْمَانُ، وَكَانَ منْ أَمْر النَّاس مَا كَانَ، خَرَجَ إلَى صَخْرَةٍ في فنَائه، فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ بسَيْفه حَتَّى كَسَرَهُ، أَخْبَرَنَا كَثيرُ بْنُ هشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا إسْحَاقُ بْنُ عَبْد اللَّه بْن أَبي فَرْوَةَ، بنَحْو هَذَا الْحَديث، قَالَ: «وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَالُ لَهُ: فَارسُ نَبيّ اللَّه، قَالَ: فَاتَّخَذَ سَيْفًا منْ عُودٍ قَدْ نَحَتَهُ، وَصَيَّرَهُ في الْجَفْن مُعَلَّقًا في الْبَيْت، وَقَالَ: إنَّمَا عَلَّقْتُهُ أُهَيّبُ به ذَاعرًا»([67]).

    15- مطرف بن عبد اللَّه الشخير:

    مُطرّف بن عبد الله بن الشخير، يكنى أبا عبد اللَّه، وأخوه أبو العلاء يزيد بن عبد اللَّه، وكان أبو العلاء أسنَّ من الحسن البصري بعشر سنين، ومُطرّفٌ أسنُّ من أبي العلاء بعشر سنين، أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكره له ابن سعد مناقب كثيرة، وقال: كان ثقة، له فضل وورع، وعقل وأدب، مات في إمارة الحجاج بعد الطّاعون الّذي كان سنة سبع وثمانين([68]).

    «وَكَانَ مُطَرّفٌ إذَا كَانَت الْفتْنَةُ نَهَى عَنْهَا وَهَرَبَ...حدثنا سُفْيَانُ، قَالَ: قَالَ مُطَرّفٌ: إنَّ الْفتْنَةَ لَيْسَتْ تَأْتي تَهْدي النَّاسَ، وَلَكنْ إنَّمَا تَأْتي تُقَارعُ الْمُؤْمنَ عَنْ دينه، وَلَأَنْ يَقُولَ اللَّهُ: لمَ لَا قَتَلْتَ فُلَانًا؟ أَحَبُّ إلَيَّ منْ أَنْ يَقُولَ: لمَ قَتَلْتَ فُلَانًا؟»، وقال مطرف أيضاً: «إنَّ الْفتْنَةَ لَا تَجيءُ تَهْدي النَّاسَ، وَلَكنْ تَجيءُ تُقَارعُ الْمُؤْمنَ عَنْ دينه»([69]).

    و«قَالَ مُطَرّفٌ: قُلْتُ لعمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ: أَنَا أَفْقَرُ إلَى الْجَمَاعَة منْ عَجُوزٍ أَرْمَلَةٍ؛ لأَنَّهَا إذَا كَانَتْ جَمَاعَةٌ عَرَفْتُ قبْلَتي وَوَجْهي، وَإذَا كَانَت الْفُرْقَةُ الْتَبَسَ عَلَيَّ أَمْري، قَالَ لَهُ: «إنَّ اللَّهَ U سَيَكْفيكَ منْ ذَلكَ مَا تُحَاذرُ»([70]).

    16- أبو موسى الأشعري:

    هو عبد اللَّه بن قيس بن سليم بن حضار الأشعري، من كهلان بن سبأ، وأم أبي موسى ظبية بنت وهب أسلمت، وماتت بالمدينة، وقيل أسلم بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مع أهل السفينتين ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيبر([71])، وهو الإمَامُ الكَبيْرُ، صَاحبُ رَسُوْل اللَّه صلى الله عليه وسلم الفَقيْهُ، المُقْرئُ، وَهُوَ مَعْدُوْدٌ فيْمَنْ قَرَأَ عَلَى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأَ أَهْلَ البَصْرَة، وَفَقَّهَهُمْ في الدّيْن، فَفي الصَّحيْحَيْن: عَنْ أَبي بُرْدَةَ بن أَبي مُوْسَى، عَنْ أَبيْه: أَنَّ رَسُوْلَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفرْ لعَبْد اللَّه بن قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخلْهُ يَوْمَ القيَامَة مُدْخَلاً كَريْماً)([72]).

    اسْتَعْمَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذاً عَلَى زَبيْدٍ، وَعَدَنَ، ... وَوَليَ إمْرَةَ الكُوْفَة... وَليَ البَصْرَةَ لعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَوَليَ الكُوْفَةَ، وَبهَا مَاتَ، وَقَالَ مَسْرُوْقٌ: كَانَ القَضَاءُ في الصَّحَابَة إلَى ستَّةٍ: عُمَرَ، وَعَليٍّ، وَابْن مَسْعُوْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَزيْدٍ، وَأَبي مُوْسَى، وَلاَ رَيْبَ أَنَّ غُلاَةَ الشّيْعَة يُبْغضُوْنَ أَبَا مُوْسَى رضي الله عنه لكَوْنه مَا قَاتَلَ مَعَ عَليٍّ، ثُمَّ لَمَّا حَكَّمَهُ عَليٌّ عَلَى نَفْسه عَزَلَهُ، وَعَزَلَ مُعَاويَةَ، وَأَشَارَ بابْن عُمَرَ؛ فَمَا انْتَظَمَ منْ ذَلكَ حَالٌ([73]).

    استعمله عثمان على الكوفة، ثم كان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين([74]).

    17- أبو بكرة نفيع بن الحارث:

    نفيع بن الحارث بن كلدة أبو بكرة الثقفي، صَحَابيٌّ جَليلٌ كَبيرُ الْقَدْر، هو أخو زياد بن سمية لأمه، وقيل له أبا بكرة لأنه تدلى من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعتقه يومئذ، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من خيار الصحابة، أسلم وهو بن ثماني عشرة سنة، وانتقل إلى البصرة ومات سنة تسع وخمسين، مات بالبصرة في ولاية زياد، وقال المدائني مات سنة خمسين، وقال البخاري قال مسدد مات أبو بكرة مات سنة ثنتين وخمسين، وصلى عليه أبو برزة الأسلمي، وكان أوصى بذلك وقال أبو نعيم: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، وَكَانَ ممَّن اعْتَزَلَ الْفتَنَ، فَلَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا منْهَا([75])، وكان ممن اعتزل يوم الجمل، ولم يقاتل مع واحد من الفريقين([76]).

    روى الإمام البخاري عَنْ الْأَحْنَف بْن قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقيَني أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُريدُ؟ قُلْتُ أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ ارْجعْ فَإنّي سَمعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (إذَا الْتَقَى الْمُسْلمَان بسَيْفَيْهمَا فَالْقَاتلُ وَالْمَقْتُولُ في النَّار)، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه، هَذَا الْقَاتلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُول؟ قَالَ: (إنَّهُ كَانَ حَريصًا عَلَى قَتْل صَاحبه)([77]).

    18- يونس بن عبيد:

    الإمام، أَبو عبد اللَّه العبديُّ مولاهم البصريُّ، مولى لعبد القيس، يكنى أبا عبد اللَّه، أخو صفيّة بنت عبيد مولاة سمية أم زياد، الحافظ، أحدُ الأئمَّة الأعلام، وَكَانَ ثقَةً، كَثيرَ الْحَديث، روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قضى أن الولد للفراش، لما حضر استلحاق زياد، فأنكر ذلك، وقال له معاوية: لتنتهين أو لأطيرنّ بك طيرة بطيئاً وقوعها، فقال له يونس: هل إلا إلى اللَّه، ثم أقع؟ قال: نعم، واستغفر اللَّه، وسكت مات سنة تسع وثلاثين ومائة ([78]).

    وقيل لـيونس بن عبيد: أتعرف أحداً يعمل بعمل «الحسن» ؟ فقال: والله لا أعرف أحداً يقول بقوله، فكيف يعمل بعمله، ثم وصفه فقال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أمر بضرب عنقه، وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلّا له، وقَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ: ثَلَاثَةٌ احْفَظُوهُنَّ عَنّي: لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى سُلْطَانٍ يَقْرَأُ عَلَيْه الْقُرْآنَ، وَلَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ مَعَ امْرَأَةٍ شَابَّةٍ يَقْرَأُ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ، وَلَا يُمَكّنْ أَحَدُكُمْ سَمْعَهُ منْ أَصْحَاب الْأَهْوَاء([79]).

    إذن توقفت هذه الفئة، فلم تقاتل حاكماً، ولم تمدح أحداً، وإنما انشغلت بدعوتها إلى اللَّه، وبعبادتها للَّه، وبتعليم عباد اللَّه دين اللَّه، ورأت أن من الفتنة أن تسلّ سيفاً في وجه حاكم مسلم، ومن الفتنة أن تسل لساناً في مديحه، أو إعانته، وعاشت بعيدة عن الأضواء المثيرة، وعاشت زاهدة في الدنيا، قانعة بما كتب اللَّه لها، وكانت قدوة لفئات كثيرة تأتي بعدها، فلا يعرف لأصحابها عَلَم ولا راية، ولا يسمع لهم صخب، ولا ضجيج في أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، ينشغلون بذواتهم، وبإصلاح نفوسهم، وقلوبهم، وإصلاح نفوس الناس وقلوبهم، ويحذرون الناس من الاقتراب من أبواب السلاطين، أو الانغماس في حيواتهم، وأحوالهم.

    مع العلم أن السلاطين في هذا العصر لم يتبنوا ديناً، أو اعتقاداً، أو سلوكاً، أو أحكاماً غير أحكام دين الإسلام، وإنما قد يكون هناك تقصير، أو انحراف سلوكي، أو خلقي لبعض هؤلاء الحكام، فلم تعرف دول الإسلام في التاريخ انحرافاً ظاهراً عن معتقدات دين الإسلام، أو أحكامه إلا عند ظهور الفاطميين، والقرامطة، والبويهيين، وأمثالهم، وما حدث من ظهور الحكام الجدد منذ بداية القرن العشرين.

    ب- فئة مع السلطان:

    وهذه الفئة التي توظفت عند السلطان، أو كانت تتردد على بلاطه، لم تنسَ أن عليها واجباً هو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كما سلف الكلام من قبل، إلا أنها رأت أن السير بخط موازٍ للسلطان، وعدم السير بخط معاكس له أولى، وأجدى نفعاً للأمة، والسلطان معاً، فهي توجه الأمة إلى التمسك بمبادئ دينها، وتنشر العلم بين صفوف أبنائها، وفي الوقت نفسه تبقى قريبة من السلطان توجهه، وتسدي له النصح بشيء من اللين، والهدوء حتى لا تحدث فتنة شعواء، تودي بالأمة إلى مهاوي الردى، وشعارهم في ذلك: «ظالم غشوم خير من فوضى تدوم».

    ونلاحظ هذه الصورة واضحة عند بيعة الناس ليزيد بن معاوية، ويذكر ذلك المؤرخ العظيم الإمام ابن كثير ؒ: «وَوَفَدَت الْوُفُودُ منْ سَائر الْأَقَاليم إلَى يَزيدَ، فَكَانَ فيمَنْ قَدمَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، فَأَمَرَهُ مُعَاويَةُ أَنْ يُحَادثَ يَزيدَ، فَجَلَسَا، ثُمَّ خَرَجَ الْأَحْنَفُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاويَةُ: مَاذَا رَأَيْتَ من ابْن أَخيكَ؟ فَقَالَ: إنَّا نَخَافُ اللَّهَ إنْ كَذَبْنَا، وَنَخَافُكُمْ إنْ صَدَقْنَا، وَأَنْتَ أَعْلَمُ به في لَيْله وَنَهَاره، وَسرّه وَعَلَانيَته، وَمَدْخَله وَمَخْرَجه، وَأَنْتَ أَعْلَمُ به بمَا أَرَدْتَ، وَإنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَسْمَعَ وَنُطيعَ، وَعَلَيْكَ أَنْ تَنْصَحَ للْأُمَّة... وكان [معاوية] ظن أن لَا يَقُوم أَحَدٌ منْ أَبْنَاء الصَّحَابَة في هذا المعنى، ولهذا قال لعبد اللَّه بن عُمَرَ فيمَا خَاطَبَهُ به: إنّي خفْتُ أَنْ أَذَرَ الرَّعيَّةَ منْ بَعْدي كَالْغَنَم الْمَطيرَة، لَيْسَ لَهَا رَاعٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: إذَا بَايَعَهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَايَعْتُهُ، وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَاف... وَرُوّينَا عَنْ مُعَاويَةَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا في خُطْبَته: اللَّهمّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنّي وَلَّيْتُهُ لأَنَّهُ فيمَا أَرَاهُ أَهْلٌ لذَلكَ، فأتمم له ما وليته، وإن كنت وَلَّيْتُهُ لأَنّي أُحبُّهُ فَلَا تُتْممْ لَهُ مَا وَلَّيْتُهُ»([80]).

    بعد هذه المقدمة أستعرض أسماء عدد من أصحاب هذا الاتجاه، وأرتبها حسب الترتيب الألفبائي:

    1- الأحنف بن قيس:

    الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ مُخَضْرَمٌ، وَاسْمُهُ: صَخْرُ بْنُ قَيْس بْن مُعَاويَةَ بْن حُصَيْن بْن مَنَاةَ بْن تَميم بْن مُرَّةَ السعدي المنقري التميمي، أبو بحر: سيد تميم، ورهطه: بنو مرة بن عبيد، الذين بعثوا بصدقات أموالهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم مع «عكراش بن ذؤيب، أحد العظماء الدهاة الفصحاء الشجعان الفاتحين يضرب به المثل في الحلم ولد في البصرة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأتى رسولُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قومه يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا، فقال «الأحنف» : إنه ليدعوكم إلى الإسلام، وإلى مكارم الأخلاق، وينهاكم عن ملائمها، فأسلموا، وأسلم «الأحنف»، ولم يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان زمن «عمر» وفد إليه، وشهد مع «على» رضي الله عنه «صفين»، ولم يشهد «الجمل» مع أحد من الفريقين، وهو الذي إذا غضب غضب له مائه ألف لا يدرون فيم غضب، كان ثقة مأمونا قليل الحديث، وذكر الحاكم أنه الذي افتتح مرو الروذ، وقال مصعب بن الزبير يوم موته: «ذهب اليوم الحزم والرأي» قيل: مات سنة 67، وقيل سنة 72، توفي سنة 72 هـ([81]).

    وعن ابن إسماعيل بن أبي خالد أنه رأى الأحنف بن قيس عليه مطرف خز، ومقطعة من يمنة، وعمامة من خز، وهو على بغلة، وكان الأحنف صديقاً لمصعب بن الزبير، فوفد عليه بالكوفة، ومصعب بن الزبير يومئذ وال عليها، فتوفي الأحنف عنده بالكوفة، فرؤي مصعب في جنازته يمشي بغير رداء([82]).

    وَلما اسْتَقر الْأَمر لمعاوية، دخل عَلَيْه الْأَحْنَف، فَقَالَ لَهُ مُعَاويَة: وَالله يَا أحنف، مَا أذكر يَوْم صفّين إلَّا كَانَت في قلبي حزازة إلَى يَوْم الْقيَامَة، فَقَالَ لَهُ الْأَحْنَف: وَالله يَا أَمير الْمُؤمنينَ، إن الْقُلُوب الَّتي أبغضناك بهَا لفي صدورنا، وَإن السيوف الَّتي قَاتَلْنَاك بهَا لفي أغمادها، وَإن تدن من الْحَرْب فتراً ندن منْهَا شبْرًا، وَإن تمش إلَيْهَا نهرول، ثمَّ قَامَ وَخرج، وَكَانَت أُخْت مُعَاويَة وَرَاء حجاب، فَسمعت الْكَلَام، فَقَالَت: يَا أَمير الْمُؤمنينَ من هَذَا الَّذي يتهدد ويتوعد؟ فَقَالَ: هَذَا الَّذي إذا غضب غضب لغضبه مائَة ألف من بني تَميم، لَا يَدْرُونَ فيمَ غضب، وَلما نصب مُعَاويَة وَلَده يزيد لولاية الْعَهْد أقعده في قبَّة حَمْرَاء، فَجعل النَّاس يسلمُونَ على مُعَاويَة، ثمَّ يميلون إلَى يزيد حَتَّى جَاءَ رجل فَفعل ذَلك، ثمَّ رَجَعَ إلَى مُعَاويَة، فَقَالَ: يَا أَمير الْمُؤمنينَ، اعْلَم لَو أَنَّك لَو لم تول هَذَا أُمُور الْمُسلمين لأضعتها، والأحنف جَالس، فَقَالَ لَهُ مُعَاويَة: مَا لك لَا تَقول يَا أَبَا بَحر؟ فَقَالَ: أَخَاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فَقَالَ مُعَاويَة: جَزَاك الله عَن الطَّاعَة خيراً، كان من سادات الناس، وعقلاء التابعين، وفصحاء أهل البصرة وحكمائهم، ممن فتح على يده الفتوح الكثيرة للمسلمين، وكان ممن اعتزل وقعة الجمل، ثم شهد صفّين، ومات بالكوفة سنة سبع وستين في إمارة بن الزبير، وصلى عليه مصعب بن الزبير، ومشى في جنازته بغير رداء.

    وله قصص يطول ذكرها مع عمر، ثم عثمان، ثم مع علي، ثم مع معاوية، ثم مع من بعده إلى أن مات بالبصرة زمن ولاية مصعب بن الزبير سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته، وقال مصعب يوم موته: ذهب اليوم الحزم والرّأي([83]).

    وقيل للأحنف: كيف سوّدك قومك وأنت أرذلهم خلقة؟ قال: لو عاب قومي الماء ما شربته، وكان من أمراء علي يوم صفين([84]).

    ووصف الإمام ابن كثير دخوله على معاوية، فقال: فَلَمَّا رَأَى مُعَاويَةُ الْأَحْنَفَ رَحَّبَ به، وَعَظَّمَهُ، وَأَجَلَّهُ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى السَّرير، ثُمَّ تَكَلَّمَ الْقَوْمُ فَأَثْنَوْا عَلَى عُبَيْد اللَّه، وَالْأَحْنَفُ سَاكتٌ، فَقَالَ مُعَاويَةُ: انْهَضُوا فَقَدْ عَزَلْتُهُ عَنْكُمْ، فَاطْلُبُوا وَاليًا تَرْضَوْنَهُ، فَمَكَثُوا أَيَّامًا يَتَرَدَّدُونَ إلَى أَشْرَاف بَني أُمَيَّةَ، يَسْأَلُونَ كُلَّ وَاحدٍ منْهُمْ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ أَحَدٌ منْهُمْ ذَلكَ، ثُمَّ جَمَعَهُمْ مُعَاويَةُ فَقَالَ: مَن اخْتَرْتُمْ ؟ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْه، وَالْأَحْنَفُ سَاكتٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاويَةُ: مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ ؟ فَقَالَ: يَا أَميرَ الْمُؤْمنينَ، إنْ كُنْتَ تُريدُ غَيْرَ أَهْل بَيْتكَ فَرَاءٍ رَأْيَكَ، فَقَالَ مُعَاويَةُ: قَدْ أَعَدْتُهُ إلَيْكُمْ، ثُمَّ إنَّ مُعَاويَةَ أَوْصَى عُبَيْدَ اللَّه بالْأَحْنَف خَيْرًا، وَقَبَّحَ رَأْيَهُ في مُبَاعَدَته، فَكَانَ الْأَحْنَفُ بَعْدَ ذَلكَ أَخَصَّ أَصْحَاب عُبَيْد اللَّه، وَلَمَّا وَقَعَت الْفتْنَةُ لَمْ يَف لعُبَيْد اللَّه غَيْرُ الْأَحْنَف بْن قَيْسٍ([85]).

    وَقَدْ كَانَ زيَادُ بْنُ أَبيه يُقَرّبُهُ وَيُعَظّمُه، ولما رَدَّ مُعَاويَةُ ابن زياد إلَى الْولَايَة... ثُمَّ قَالَ لَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ: كَيْفَ جَهلْتَ مثْلَ الْأَحْنَف ؟ إنَّه عَزَلَكَ، وَوَلَّاكَ، وَهُوَ سَاكتٌ، فَعَظُمَتْ مَنْزلَةُ الْأَحْنَف بَعْدَ ذَلكَ عنْدَ ابْن زيَادٍ([86]).

    2- أسيد بن أحيحة

    تابعي من أولاد الصحابة الذين تأخر إسلامهم، فأبوه من مسلمة الفتح، وأسيد كان من أصحاب معاوية، وكان مبايناً لعبد اللَّه بن الزبير، فتقاول هو وابن عمه عبد اللَّه بن صفوان بن أمية في أمره، فسار إلى الشّام، ورجع مع جيوش يزيد بن معاوية، فحاصر ابن الزبير.

    وحكى الفاكهيّ... أنه لحق بعبد الملك، فاستمده للحجاج فأمدّه بطارق في أربعة آلاف» ([87]).

    وقال الحافظ ابن عساكر: «كان شديد الخلاف على عبد اللَّه بن الزبير فتوعده عبد اللَّه بن صفوان يعني ابن أمية، فلحق بعبد الملك بن مروان، فاستمده للحجاج بن يوسف، فقال: لولا أن ابن الزبير تأول قول الله ﴿ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه﴾ [البقرة: 191] ما كنا إلا أكلة رأس»([88]).

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 13:09