فتن ومحن في العصر الأول 1
حسن حسن فرحات
توطئة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى خاتمهم، وأفضلهم، سيد الكائنات المصطفى؛ محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
هذه النسخة لا تختلف عن النسخة السابقة إلا بأمر واحد، وهو أنني أضفت مقدمة لمواقف العلماء في القرن الهجري الأول من خلفاء بني أمية، وذلك لكي يكون البحث متكاملاً إن شاء الله – كما أتوقع –؛ ولذلك هي لا تختلف من حيث المضمون الأصلي للكتاب، إلا بهذه المقدمة التعريفية من قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه السلاطين، ومن من هؤلاء العلماء يعتبر السكوت عن الحاكم الجائر إذا كانت الدولة في الاتجاه العام مستقيمة هو الأصل، ومنهم من يرى النصح برفق لهم دون إثارة، ومنهم من يرى الصدع بالحق، وعدم السكوت، ولذلك قدمت لهذا الموضوع بمقدمة ليست بالطويلة، ولا بالمختصرة المخلة – كما أرى- والله وليّ التوفيق.
حسن حسن فرحات
تمهيد
الحمد للَّه وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد.
فهذه كلمات أهمس بها في أذن كل مسلم في هذا العصر، فقد ظهرت بوادر كثيرة تشير إلى أن كثيراً من الشباب، تأثروا بشيء من أفكار العلمانيين باسم تجديد الدين، وتجديد قراءة التاريخ الإسلامي، كما تأثروا بأفكار الخوارج، يدفعهم إلى ذلك حبهم الشديد لهذا الدين، وتفانيهم في سبيله، ولكن – كما أرى – أخطؤوا الطريق، فهم – كما أرى أيضاً – أن القسم الأول على خطى الزنادقة الذين جاؤوا بقولهم إن دين الإسلام دين عام، ولا علاقة له بالعرب والعروبة، فخرج من ثيابهم الشعوبية، مع أن اعتقادهم، أو أكثرهم لا يُشك في نواياهم، ولكنهم كمن أراد أن يحسن فأساء، والقسم الثاني يشبهون بوجه من الوجوه، ذلك الرجل الخارجي الذي انطلق بكل ما يملك من حماس وقوة؛ ليقتل الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو يصرخ بقولته الشهيرة: «وعجلت إليك ربي لترضى»، مقلداً في كلامه نبي اللَّه موسى صلى الله عليه وسلم، وشتان ما بين الغاية التي يحملها في قلبه، وبين الوسيلة التي يسعى بها لتحقيق هذه الغاية، كما يفعل كثير من شباب الصحوة هذه الأيام، فينطلقون بالتكفير والتضليل كل من خلفهم، بحجة إقامة حكم اللَّه في الأرض، ويحتجون بأحداث كثيرة حدثت في القرن الهجري الأول من فجر الإسلام.
وينطلق هذا البحث عن حقيقة وقرت في عقلي، وفي نفسي، وفي قلبي أن الصحابة جيل تربّى في مدرسة النبوة، فكان الجيل المثالي الفريد الذي لن يتكرر؛ وذلك لأن من تربى، وتهذّب على يدي خير خلق اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدانيه من تربى على الأقوال، أو تتَبُّع الأفعال النبوية، دون اليد النبوية المباشرة؛ فعسى أن أكون قدمت ما أراه حقاً، أو أقرب إلى الحق، بعيداً عن الانحياز إلى رأي مسبق، أو شخصية معينة، وانطلقت في هذا البحث من خلال هذه النظرة، فلم أقبل أن أحمل بذهني ما يردده كثير من المفكرين المسلمين، أو العلماء الذين اطّلعوا على تاريخ الصحابة، وبدؤوا يطلقون الأحكام بما توصلوا إليه من خلال الروايات التاريخية المبثوثة في بطون الكتب، وقد سبق أن قمتُ مع بعض أساتذتي من المحدّثين أن خرّجنا روايات الطبري حول الفتنة بين الصحابة في وقعتي الجمل وصفين، وتبين لنا أن معظمها رويت بأسانيد أقرب للوضع منها إلى الضعف، ولذلك بدأت أفكر في أن ما رواه الطبري حكمه بما حكم عليه في مقدمته حيث قال: «فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدي إلينا»([1])، فقناعتي أن الصحابة لهم ميزانٌ عدلٌ، لا مطعن فيه، وقد يخطئون ويصيبون، ولكن قناعتي أن تحديد من يصلح في الكلام حول الخطأ والصواب أهله الذين يعتمد عليهم في مثل هذه الأبواب.
فلو أن رجلاً من هؤلاء الذين يدّعون العلم في هذه الأيام جاء ليخبرنا أن في القرآن الكريم أخطاء في اللغة العربية – وقد سمعت هذا في عدد من القنوات الفضائية – فيقال له على الأقل: أنت لست ممن يرجع إليهم في مثل هذا القول، ورحم اللَّه الإمام الذهبي عندما صنف كتاباً فيمن يقبل قوله في الجرح والتعديل، ولذلك كان النظام الذي وضعته لنفسي أن الصحابة لا يقبل القول في أخطائهم إلا من الصحابة أنفسهم، فهم أقران، وفهمهم للغة متقارب، إن لم يكن متطابقاً، ونهْلِهِم من سيد الخلق قد يختلف، فيتفاوتون فيما بينهم، ولذلك لا يمكن أن يأتي ممن تربى على يد فلان وفلان؛ ليضع القول الفصل في صحابي نهل من المورد الزلال الأول، الذي لا يدانيه مورد، ومن اعتبر نفسه أنه مثل الصحابة، فكأنما ألغى وجود النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم، ولا قيمة للتربية النبوية عنده، فهم يؤمنون بمحمد الرجل النبي إيمان عقل، ويقين، ولقاء، وإصغاء وسماع، ونحن نؤمن إيمان عقل، وروايات يحاولون التشكيك بها عن طريق هؤلاء الصحابة أنفسهم، فلو أن صحابياً صحت عنه الرواية في الكلام عن غيره من أقرانه، فممكن أن نأخذ بهذا القول، أما مَن بعدهم، فكما أرى، لا يُقبل قوله فيهم، وهذه الفكرة بدأت تشغل بالي، وتدور في ذهني منذ قرأت عند الكثيرين أن الخليفة الراشد الخامس هو عمر بن عبد العزيز ♫، فكيف يتخطى هؤلاء القائلون بهذا القول الحسنَ بن علي، ومعاويةَ، وعبدَ اللَّه بن الزبير y، وهم صحابة، ويصلون إلى عمر بن عبد العزيز، وبدأت أبحث عن هذا الموضوع، فرأيت أن الإمام ابن كثير ذكر في اختصار علوم الحديث:
«وقال بعضهم في معاوية، وعمر بن عبد العزيز: لَيوم شهده معاوية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته»([2]).
وذكر ذلك أيضاً في تاريخه البداية والنهاية:
«وقد اختلف العلماء أيهم أَفْضَلُ هُوَ [أي عمر بن عبد العزيز] أَوْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ عُمَرَ لِسِيرَتِهِ وَمَعْدَلَتِهِ، وَزُهْدِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَفَضَّلَ آخَرُونَ مُعَاوِيَةَ لِسَابِقَتِهِ، وَصُحْبَتِهِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيَوْمٌ شَهِدَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَيَّامِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ»([3]).
وقال ابن العماد:
«سئل الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أيما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: لغبارٌ لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وأماتنا على محبته»([4]).
وما أجود ما قال الأستاذ محمد طاهر البرزنجي، بتحقيق وتعليق محمد صبحي حلاق في الرد على الأستاذ محمد قطب:
«... أشاد [يقصد الأستاذ محمد قطب] بعامين ونصف من عهد عمر بن عبد العزيز، وأثنى عليه .. فإنه لم يول ذلك الاهتمام بعقدين من الزمان من عهد أمير المؤمنين معاوية نَعِمَ الناس فيهما بالأمن، والأمان، والجهاد قائم، والمسلمون في عز، وكرامة، وفي مقدمتهم أئمة أهل البيت.
وإذا صار عمر بن عبد العزيز خليفةً راشدًا - بالقياس لا بالنص !!- وهو تابعي؛ فإن أمير المؤمنين معاوية أولى بذلك اللقب، وهو صحابي جليل، وكاتب وحي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو خير من عمر بن عبد العزيز بنص حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «خير القرون قرني»([5]).
وهل يُروى في التاريخ أن عهد معاوية في خلافته التي امتدت عقدين من الزمان لم ينعم الناس فيها بالأمن والأمان، والرخاء والاطمئنان، والفتح في كل اتجاه، فما الذي زاده عمر ♫ على معاوية رضي الله عنه، فمعاوية عفا عن كل من حاربوه، وعفا عن كل من شتموه في قصره، وأمام رعيته، واتهموه ومدحوا علياً _ لأنهم ظنوا أنه يكره علياً – فكان كلما ذُكر أمامه عليٌّ بمدح، مع مرافقة المدح بشتمه هو، يبكي ويقول: صدقتم كان علي أفضل مما قلتم، ويتركهم دون عقوبة، أو حتى دون تثريب، وأظن الحِلْم الذي بلغه معاوية رضي الله عنه لم يبلغه حِلمُ أحدٍ جاء بعده، لا من الخلفاء، ولا الأمراء، ولا العلماء، ولا الكرماء، ولا أهل المروءة والقضاء، ولا عمر بن عبد العزيز :، وكان عصره عصر رخاء اقتصادي، فقد حكم الشام أربعين سنة، عشرين منها والياً، ولم يعرف أنه أصاب الناس في عصره جهد وبلاء، وفقر وازدراء، فكل أيامه: إمارة، وخلافة أمن ورخاء.
فكفى بالناس استهزاء بالعقول، أن يجعلوا عمر بن عبد العزيز الذي وجد دولة أرساها بنظامها معاوية، حتى بلغت ذروة غناها وعدلها، ووصلت إلى عهده ♫، ولولا ما ترك حكام بني أمية من غنىً في الدولة، واقتصاداً شامخاً، فلا يمكن لسنتين من عمر بن عبد العزيز أن يفعل ما فعل من عدلٍ ورخاء في زمنه، فكيف بعامين تقوم دولة من لا شيء، وبعد عامين لعمر بن عبد العزيز تعود إلى لا شيء، فهل هذا هو منطق التاريخ، ومنطق الاقتصاد والحضارة، أن يأتي عامان نزلا في مظلة من السماء، وبذهاب صاحب العامين ترتفع المظلة، وتعود الدولة إلى ما كانت عليه من ظلم، وإفلاس، وانهيار؟؟
وأعود إلى قضية الصحابة، وما يقال في هذه الأيام من تنقصٍ لكثير منهم، بحجة عدم العصمة، وأنهم بشر من البشر.
ويروي ابن كثير: «ولقد سئل المعافى بن عمران، أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: أتجعل رجلًا من الصحابة مثل رجل من التابعين؟! معاوية صاحبه، وصهره، وكاتبه، وأمينه على وحي اللَّه»([6]).
ولو زعم أحدٌ من الناس أن الحكم الشرعي الفلاني خطأ، فيُسأل ما مكانتك في هذا الموضوع، وقناعتي أن الصحابة يثبت خطأ الواحد فيهم إذا صحّ ذِكر هذا الخطأ من صحابي مثله؛ لأنه عاش معه عهد النبوة، وما بعدها، ويفهم النصوص كما يفهمها أمثاله، مع تفاوتهم في الفهم، وإلا فليس من المعقول أن أجعل رجلاً لم ينل شيئاً من علوم العربية، ودرس التاريخ من خلال روايات لم يتحقق من صحتها، أن يقدم لي إعراباً، أو شرحاً لنص هو لم يفهمه، ويتكلم بتاريخ هو لم يعلمه إلا من خلال مرويات تحتاج إلى فهم، وتحقيق، وتدقيق.
والفرق بين الصحابة وغيرهم، أن الصحابة كلهم يفهمون لغة واحدة دون العودة للمعاجم، أو الشروح، فهم المعاجم والشروح، وهم من الذين اعتمد عليهم مؤلفو المعاجم والشروح، ولذلك لم أعتمد على رأي في صحابي من متعلم متأخر، لم يدر الفرق بين اللفظة واللفظة، ويحاول فهم النصوص على حسب فهمه كلام العامة العامّيّ، أو بعض ما التقطه من المدارس الرسمية في البلاد العربية، التي لم تستطع أن تخرّج إلا أشباه الأميين، أو ما رسخ في ذهنه من بعض علماء السوء، أو ممن تأثروا بنظرات ونظريات الروافض، وأعداء هذه الأمة، ولست ممن حمل فكرة سابقة عن صحابي، وجاء ليجد لها تطبيقاً بين الروايات، فليس عندي فرق بين صحابي وآخر من ناحية الفضل العام، ولم أحمل أي فكرة مسبقة يذكرها المتعالمون في التاريخ حول فلان فعل كذا، وفلان قال كذا، على فلان أثم كذا، فأنا أعتبر نفسي بعيداً عن كل ما تعلّمته أيام الدرس من مدرّسين قرؤوا بعض الروايات، فحملوا على بعض الصحابة، وفضلوا بعض الصحابة بناء على روايات تاريخية لا يعلمون صحتها من ضعفها، فليس عندي صحابي آخذ عليه، بل كلهم آخذ منه.
وكما نرى الآن في حياتنا التي انتشرت فيها وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، وسرعة وصول الخبر من أدنى الأرض إلى أقصاها، ومع ذلك نرى اختلافاً كبيراً بين مَن يُسمَّون بالعلماء حول عالم، أو سلطان، أو قوم، فأناس يكّفرون، وأناس يُهدون الإيمان لمن يحبون، ويبرّرون الأعمال والأقوال، أو يؤوِلونها حسب فهمهم، فما بالنا في عصر تباعدت فيه المسافات، والمساحات، فنرى في حديث كريب أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ب ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ([7])، إذن كيف نستطيع الاعتماد على روايات يذكرها أناس متباعدون، ولا يصل إليهم خبر غيرهم إلا بعد عدة أيام، هذا في العبادات التي لا تحتاج إلى رأي، أو فهمٍ شخصيَّين، كما في أحداث التاريخ، والوقائع، والتي تتضمن آراء وعقائد الرواة، وكما نعلم أن المحدثين يخافون من الرواة الذين لهم عقائد مخالفة، فلا يقبلون منهم رواياتهم التي لها علاقة بعقائدهم.
كما يرى القارئ الكريم نماذج من إحنٍ بالحركات التي قامت خلال ذلك القرن، وارتباط بعضها بشخصيات، واتجاهات باطنية لم يدرك رؤساؤها غالباً خطرها الكامن، وسيرى من خلال العرض التفصيلي لهذه الحركات نتائجها الوخيمة، وآلامها الجسيمة، وماذا قدمت للأمة من خسائر، كل ذلك بسبب اجتهادات أولئك النفر الطامحين لإعادة الشورى التي يرون أنها قد اختفت من الحياة السياسية، ولإصلاح الحكم الإسلامي – بزعمهم – وذلك بسبب خفاء تلك العصابات التي رأت أن حرب الإسلام يجب أن يكون من داخله، لأن هذا الدين ألقى بجرانه على الأرض، وأصبح قوة لا تقهر، ولذلك بدأ هؤلاء ينخرون في جسده كالسوس في البدن، ومع أن الحكام لم يخرجوا عن منهج الإسلام العام، ولا عن الجهاد في سبيل اللَّه، وإن بعض ما وقع فيه بعضهم من معاصٍ – إن وجدت – لم يكن إلا أموراً خاصة بالعاصي نفسه، ولا أثر لها على الأمة، لا من قريب ولا من بعيد، فالحكم الذي كان قائماً هو حكم الإسلام، ولم يُطرح في يوم ما أي فكر غير الإسلام، بل كان كل همهم هو نشر الإسلام إلى كل الدنيا.
قال ابن خلدون ؒ: «... وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة، لما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم به كان صالحاً، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يُظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشا اللَّه لمعاوية من ذلك، وكذلك كان مروان بن الحكم وابنه، وإن كانوا ملوكاً،÷ لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة والبغي، إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا في ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد، يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم، فقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبد الملك، وأما مروان، فكان من الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة، ثم تدرج الأمر في ولد عبد الملك، وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه، وتوسطهم عمر بن عبد العزيز، فنزع إلى طريقة الخلفاء الأربعة، والصحابة جهده، ولم يهمل»([8]).
ومع ذلك أصبح الذي يسيطر في هذه الأيام على عقول كثير من الشباب فكرة انحراف الحكم الأموي التي بدأها أولئك أصحاب الإحن القاتلة في جسد هذه الأمة، فقامت ضده بعض الحركات للتصحيح [؟] وإعادة الحكم الصحيح، كما يرون، فذهبوا يسعون للنيل منه بكل طريق، وبات عندهم أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يكون إلا بحرب الخليفة الأموي، أو كل سلطان، ويستشهدون بالذين قاموا على بني أمية، فهم إذن يرون أن الحكم الأموي غير إسلامي، ولذلك قامت ضده هذه الحركات التي تريد أن تعيد الإسلام للحكم، وبالتالي يطالبون الأمة بإقصائه، وإبعاده، ظناً منهم أن هذا هوا الصواب، وإن كانت هذه الفكرة فيها كثير من الخلل، فلم يتضح لنا بروايات صحيحة مدى اتساع الظلم في عهد بني أمية، بل قد يجدون شاهداً هنا، وشاهداً هناك، وكلها تحتاج إلى تحقيق وتدقيق.
ومع أن فترة بني أمية لم تفقد العلماء الذين لم يخافوا الخلفاء، ولا الأمراء من بني أمية، كالحسن البصري، وعامر الشعبي، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وغيرهم كثير، ومع ذلك يرى هذا النفر من المعاصرين لنا أن فترة بني أمية أماتت عند كثير من العلماء أفكار الإصلاح والتوجيه، وإبقاء الأمور على ما هي عليه، وهذا – بزعمهم - يناسب الطغاة كثيراً، ويناسب الملاحدة، حتى وصل كثير من مجتمعاتنا إلى الضياع، والخروج عن الصفة الإسلامية للمجتمع بمعناها العام، فلا تجد أي صفة من صفات المسلمين على أوضاع هذه المجتمعات.
وأظن أن هذه النظرية التي اتبعها هؤلاء إنما هي من صنع أعداء الإسلام، وهم الذين أرهقوا الحكم الأموي من أوله إلى آخره، وهم يحاربونه، ومع ذلك لم يستطيعوا إشغاله عن مهمته في نشر العدل، ونشر الإسلام في كل اتجاه، ويجب أن نعلم أنه ما من خليفة أموي، إلا وقام الكثيرون - بوعي أو من غير وعي - يريدون تقويضه، حتى لا تقوم للإسلام قائمة، وقد تبين صدق هذه النظرة عندما انهارت دولة بني أمية، فتوقفت الفتوح، وجاء بنو العباس الذين قاموا بمساعدة أعداء الإسلام (الشعوبيين) بالقضاء على بني أمية، ومع أنهم اكتشفوا، هؤلاء الأعداء، فيما بعد عدة مرات، وحاولوا القضاء عليهم خلال تاريخهم، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا المجد الأموي، والفتوحات الأموية.
وهؤلاء العلماء المعاصرون[!] حاربوا بني أمية من خلال تزوير تاريخهم – بوعي أو بدون وعي – وبدلاً من أن ينصرفوا لحرب من جاء إلى تسيير الأمور في العالم الإسلامي الحديث، والذين لم يُعرف فيهم من الإسلام إلا الأسماء، فكانوا حرباً على هذا الدين، واعتمدوا على ظلم الناس، وإرهابهم، بدلاً من أن يوقظوا شعوبهم لإدراك مأساة ما هم فيه، راحوا لينالوا من بني أمية، وأن الإسلام انحرف منذ عهدهم، وأنهم هم عماد الظلم التاريخي لهذه الأمة، وأن الظلم الذي يعيشه الناس الآن هو من آثار بني أمية، لا من غبائهم هم، وحمقهم هم، وحقد سلاطينهم على الإسلام، مما أدى فيما بعد إلى انفجار غير طبيعي لهذه المجتمعات، فقامت تضرب يميناً وشمالاً، بلا عقل واعٍ، ولا فكر مستنير، بل سيطرت عليها الأفكار الخارجية بلا فهم لها، ولا حتى المآلات التي تُوصل المجتمعات إليها، فإذا بنا أمام نابتة من فتيان المسلمين، يريدون إقامة الأحكام – كما يدّعون – مع أنهم ما زالوا على انحرافهم الأخلاقي والعقلي، فينتقلون بين المواصفات الإيمانية إلى المواصفات الانحلالية الأخلاقية، فلم يدركوا ديناً، ولا حصّلوا دنيا، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
وقد كان اختيار الروايات من خلال كتب التاريخ، والروايات الحديثية، وكتب الرجال، وقد يكون في بعض الروايات ضعف، إلا أنني آثرت اختيارها، ولكن دون الاعتماد عليها في إثبات حكم، أو بحث مسألة فقهية، فهذا ليس موضعه هنا، ولكن هذه الروايات أصبحت تعبيراً عن شخصيات هذه صفاتها، فمثلاً: عبد اللَّه بن عمر، الصحابي الجليل رضي الله عنه، سواء صحت الروايات التي تذكر ميله إلى ترك منابذة حكام المسلمين الذين عاصرهم، ومحاربتهم، أو لم تصح، فهو لم يصحّ عنه أي رواية في المعنى المخالف، بل على العكس من ذلك، صحت الروايات عنه بسلامته من الاشتراك، أو الانغماس، أو الدعوة إلى أي حرب، أو فتنة وقعت في عصره، ولم يصحّ عنه كلمة واحدة في شتم أمير، أو مسبة والٍ، بل على العكس من ذلك صحّ عنه أن لسانه لم يعرف اللعن في تاريخه كله، وهكذا، ولكننا مع تكرار الفكرة الصحيحة في عهد ابن عمر – كما كان يرى هو- أن الحكام لم يكونوا أعداء للإسلام، أو ضد الإسلام، بل كانوا مسلمين، ويحكمون بالإسلام...
وفي هذا البحث قد أشيرُ إلى الكتب التي أوردت هذه الروايات بأسماء مؤلفيها، وأسمائها، وأجزائها، وصفحاتها، وأراعي في روايات الفتن، والخارجين على الحكام التفصيل، والتعليق، بينما الروايات الباقية أكتفي فيها بالسرد، والتعليق الموجز في آخر كل طائفة منها، وروعي في ترتيب الروايات أسماء أصحابها، وترتيبهم ألفبائياً، لتداخل كثير منهم في أكثر من فترة واحدة.
وأخيراً، فما كان من صواب، فهو من تيسير اللَّه، وتوفيقه، وأحمد اللَّه عليه، وما كان من خطأ، فإنما هو من زلات الفكر، وعثرات اللسان، ومحاولات الشيطان في الإضلال والخذلان، أسأل اللَّه أن يغفرها لي، ويتجاوز عنها، إنه عفو غفور، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلّم على سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وجميع أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والحمد للَّه أولاً وآخراً.
حسن حسن حسن فرحات
1441هـ.
حسن حسن فرحات
توطئة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وعلى خاتمهم، وأفضلهم، سيد الكائنات المصطفى؛ محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد:
هذه النسخة لا تختلف عن النسخة السابقة إلا بأمر واحد، وهو أنني أضفت مقدمة لمواقف العلماء في القرن الهجري الأول من خلفاء بني أمية، وذلك لكي يكون البحث متكاملاً إن شاء الله – كما أتوقع –؛ ولذلك هي لا تختلف من حيث المضمون الأصلي للكتاب، إلا بهذه المقدمة التعريفية من قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه السلاطين، ومن من هؤلاء العلماء يعتبر السكوت عن الحاكم الجائر إذا كانت الدولة في الاتجاه العام مستقيمة هو الأصل، ومنهم من يرى النصح برفق لهم دون إثارة، ومنهم من يرى الصدع بالحق، وعدم السكوت، ولذلك قدمت لهذا الموضوع بمقدمة ليست بالطويلة، ولا بالمختصرة المخلة – كما أرى- والله وليّ التوفيق.
حسن حسن فرحات
تمهيد
الحمد للَّه وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد.
فهذه كلمات أهمس بها في أذن كل مسلم في هذا العصر، فقد ظهرت بوادر كثيرة تشير إلى أن كثيراً من الشباب، تأثروا بشيء من أفكار العلمانيين باسم تجديد الدين، وتجديد قراءة التاريخ الإسلامي، كما تأثروا بأفكار الخوارج، يدفعهم إلى ذلك حبهم الشديد لهذا الدين، وتفانيهم في سبيله، ولكن – كما أرى – أخطؤوا الطريق، فهم – كما أرى أيضاً – أن القسم الأول على خطى الزنادقة الذين جاؤوا بقولهم إن دين الإسلام دين عام، ولا علاقة له بالعرب والعروبة، فخرج من ثيابهم الشعوبية، مع أن اعتقادهم، أو أكثرهم لا يُشك في نواياهم، ولكنهم كمن أراد أن يحسن فأساء، والقسم الثاني يشبهون بوجه من الوجوه، ذلك الرجل الخارجي الذي انطلق بكل ما يملك من حماس وقوة؛ ليقتل الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو يصرخ بقولته الشهيرة: «وعجلت إليك ربي لترضى»، مقلداً في كلامه نبي اللَّه موسى صلى الله عليه وسلم، وشتان ما بين الغاية التي يحملها في قلبه، وبين الوسيلة التي يسعى بها لتحقيق هذه الغاية، كما يفعل كثير من شباب الصحوة هذه الأيام، فينطلقون بالتكفير والتضليل كل من خلفهم، بحجة إقامة حكم اللَّه في الأرض، ويحتجون بأحداث كثيرة حدثت في القرن الهجري الأول من فجر الإسلام.
وينطلق هذا البحث عن حقيقة وقرت في عقلي، وفي نفسي، وفي قلبي أن الصحابة جيل تربّى في مدرسة النبوة، فكان الجيل المثالي الفريد الذي لن يتكرر؛ وذلك لأن من تربى، وتهذّب على يدي خير خلق اللَّه محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يدانيه من تربى على الأقوال، أو تتَبُّع الأفعال النبوية، دون اليد النبوية المباشرة؛ فعسى أن أكون قدمت ما أراه حقاً، أو أقرب إلى الحق، بعيداً عن الانحياز إلى رأي مسبق، أو شخصية معينة، وانطلقت في هذا البحث من خلال هذه النظرة، فلم أقبل أن أحمل بذهني ما يردده كثير من المفكرين المسلمين، أو العلماء الذين اطّلعوا على تاريخ الصحابة، وبدؤوا يطلقون الأحكام بما توصلوا إليه من خلال الروايات التاريخية المبثوثة في بطون الكتب، وقد سبق أن قمتُ مع بعض أساتذتي من المحدّثين أن خرّجنا روايات الطبري حول الفتنة بين الصحابة في وقعتي الجمل وصفين، وتبين لنا أن معظمها رويت بأسانيد أقرب للوضع منها إلى الضعف، ولذلك بدأت أفكر في أن ما رواه الطبري حكمه بما حكم عليه في مقدمته حيث قال: «فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجهاً في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدي إلينا»([1])، فقناعتي أن الصحابة لهم ميزانٌ عدلٌ، لا مطعن فيه، وقد يخطئون ويصيبون، ولكن قناعتي أن تحديد من يصلح في الكلام حول الخطأ والصواب أهله الذين يعتمد عليهم في مثل هذه الأبواب.
فلو أن رجلاً من هؤلاء الذين يدّعون العلم في هذه الأيام جاء ليخبرنا أن في القرآن الكريم أخطاء في اللغة العربية – وقد سمعت هذا في عدد من القنوات الفضائية – فيقال له على الأقل: أنت لست ممن يرجع إليهم في مثل هذا القول، ورحم اللَّه الإمام الذهبي عندما صنف كتاباً فيمن يقبل قوله في الجرح والتعديل، ولذلك كان النظام الذي وضعته لنفسي أن الصحابة لا يقبل القول في أخطائهم إلا من الصحابة أنفسهم، فهم أقران، وفهمهم للغة متقارب، إن لم يكن متطابقاً، ونهْلِهِم من سيد الخلق قد يختلف، فيتفاوتون فيما بينهم، ولذلك لا يمكن أن يأتي ممن تربى على يد فلان وفلان؛ ليضع القول الفصل في صحابي نهل من المورد الزلال الأول، الذي لا يدانيه مورد، ومن اعتبر نفسه أنه مثل الصحابة، فكأنما ألغى وجود النبي صلى الله عليه وسلم في حياتهم، ولا قيمة للتربية النبوية عنده، فهم يؤمنون بمحمد الرجل النبي إيمان عقل، ويقين، ولقاء، وإصغاء وسماع، ونحن نؤمن إيمان عقل، وروايات يحاولون التشكيك بها عن طريق هؤلاء الصحابة أنفسهم، فلو أن صحابياً صحت عنه الرواية في الكلام عن غيره من أقرانه، فممكن أن نأخذ بهذا القول، أما مَن بعدهم، فكما أرى، لا يُقبل قوله فيهم، وهذه الفكرة بدأت تشغل بالي، وتدور في ذهني منذ قرأت عند الكثيرين أن الخليفة الراشد الخامس هو عمر بن عبد العزيز ♫، فكيف يتخطى هؤلاء القائلون بهذا القول الحسنَ بن علي، ومعاويةَ، وعبدَ اللَّه بن الزبير y، وهم صحابة، ويصلون إلى عمر بن عبد العزيز، وبدأت أبحث عن هذا الموضوع، فرأيت أن الإمام ابن كثير ذكر في اختصار علوم الحديث:
«وقال بعضهم في معاوية، وعمر بن عبد العزيز: لَيوم شهده معاوية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته»([2]).
وذكر ذلك أيضاً في تاريخه البداية والنهاية:
«وقد اختلف العلماء أيهم أَفْضَلُ هُوَ [أي عمر بن عبد العزيز] أَوْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ؟ فَفَضَّلَ بَعْضُهُمْ عُمَرَ لِسِيرَتِهِ وَمَعْدَلَتِهِ، وَزُهْدِهِ، وَعِبَادَتِهِ، وَفَضَّلَ آخَرُونَ مُعَاوِيَةَ لِسَابِقَتِهِ، وَصُحْبَتِهِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيَوْمٌ شَهِدَهُ مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَيَّامِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ»([3]).
وقال ابن العماد:
«سئل الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أيما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: لغبارٌ لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وأماتنا على محبته»([4]).
وما أجود ما قال الأستاذ محمد طاهر البرزنجي، بتحقيق وتعليق محمد صبحي حلاق في الرد على الأستاذ محمد قطب:
«... أشاد [يقصد الأستاذ محمد قطب] بعامين ونصف من عهد عمر بن عبد العزيز، وأثنى عليه .. فإنه لم يول ذلك الاهتمام بعقدين من الزمان من عهد أمير المؤمنين معاوية نَعِمَ الناس فيهما بالأمن، والأمان، والجهاد قائم، والمسلمون في عز، وكرامة، وفي مقدمتهم أئمة أهل البيت.
وإذا صار عمر بن عبد العزيز خليفةً راشدًا - بالقياس لا بالنص !!- وهو تابعي؛ فإن أمير المؤمنين معاوية أولى بذلك اللقب، وهو صحابي جليل، وكاتب وحي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو خير من عمر بن عبد العزيز بنص حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم «خير القرون قرني»([5]).
وهل يُروى في التاريخ أن عهد معاوية في خلافته التي امتدت عقدين من الزمان لم ينعم الناس فيها بالأمن والأمان، والرخاء والاطمئنان، والفتح في كل اتجاه، فما الذي زاده عمر ♫ على معاوية رضي الله عنه، فمعاوية عفا عن كل من حاربوه، وعفا عن كل من شتموه في قصره، وأمام رعيته، واتهموه ومدحوا علياً _ لأنهم ظنوا أنه يكره علياً – فكان كلما ذُكر أمامه عليٌّ بمدح، مع مرافقة المدح بشتمه هو، يبكي ويقول: صدقتم كان علي أفضل مما قلتم، ويتركهم دون عقوبة، أو حتى دون تثريب، وأظن الحِلْم الذي بلغه معاوية رضي الله عنه لم يبلغه حِلمُ أحدٍ جاء بعده، لا من الخلفاء، ولا الأمراء، ولا العلماء، ولا الكرماء، ولا أهل المروءة والقضاء، ولا عمر بن عبد العزيز :، وكان عصره عصر رخاء اقتصادي، فقد حكم الشام أربعين سنة، عشرين منها والياً، ولم يعرف أنه أصاب الناس في عصره جهد وبلاء، وفقر وازدراء، فكل أيامه: إمارة، وخلافة أمن ورخاء.
فكفى بالناس استهزاء بالعقول، أن يجعلوا عمر بن عبد العزيز الذي وجد دولة أرساها بنظامها معاوية، حتى بلغت ذروة غناها وعدلها، ووصلت إلى عهده ♫، ولولا ما ترك حكام بني أمية من غنىً في الدولة، واقتصاداً شامخاً، فلا يمكن لسنتين من عمر بن عبد العزيز أن يفعل ما فعل من عدلٍ ورخاء في زمنه، فكيف بعامين تقوم دولة من لا شيء، وبعد عامين لعمر بن عبد العزيز تعود إلى لا شيء، فهل هذا هو منطق التاريخ، ومنطق الاقتصاد والحضارة، أن يأتي عامان نزلا في مظلة من السماء، وبذهاب صاحب العامين ترتفع المظلة، وتعود الدولة إلى ما كانت عليه من ظلم، وإفلاس، وانهيار؟؟
وأعود إلى قضية الصحابة، وما يقال في هذه الأيام من تنقصٍ لكثير منهم، بحجة عدم العصمة، وأنهم بشر من البشر.
ويروي ابن كثير: «ولقد سئل المعافى بن عمران، أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟
فقال: أتجعل رجلًا من الصحابة مثل رجل من التابعين؟! معاوية صاحبه، وصهره، وكاتبه، وأمينه على وحي اللَّه»([6]).
ولو زعم أحدٌ من الناس أن الحكم الشرعي الفلاني خطأ، فيُسأل ما مكانتك في هذا الموضوع، وقناعتي أن الصحابة يثبت خطأ الواحد فيهم إذا صحّ ذِكر هذا الخطأ من صحابي مثله؛ لأنه عاش معه عهد النبوة، وما بعدها، ويفهم النصوص كما يفهمها أمثاله، مع تفاوتهم في الفهم، وإلا فليس من المعقول أن أجعل رجلاً لم ينل شيئاً من علوم العربية، ودرس التاريخ من خلال روايات لم يتحقق من صحتها، أن يقدم لي إعراباً، أو شرحاً لنص هو لم يفهمه، ويتكلم بتاريخ هو لم يعلمه إلا من خلال مرويات تحتاج إلى فهم، وتحقيق، وتدقيق.
والفرق بين الصحابة وغيرهم، أن الصحابة كلهم يفهمون لغة واحدة دون العودة للمعاجم، أو الشروح، فهم المعاجم والشروح، وهم من الذين اعتمد عليهم مؤلفو المعاجم والشروح، ولذلك لم أعتمد على رأي في صحابي من متعلم متأخر، لم يدر الفرق بين اللفظة واللفظة، ويحاول فهم النصوص على حسب فهمه كلام العامة العامّيّ، أو بعض ما التقطه من المدارس الرسمية في البلاد العربية، التي لم تستطع أن تخرّج إلا أشباه الأميين، أو ما رسخ في ذهنه من بعض علماء السوء، أو ممن تأثروا بنظرات ونظريات الروافض، وأعداء هذه الأمة، ولست ممن حمل فكرة سابقة عن صحابي، وجاء ليجد لها تطبيقاً بين الروايات، فليس عندي فرق بين صحابي وآخر من ناحية الفضل العام، ولم أحمل أي فكرة مسبقة يذكرها المتعالمون في التاريخ حول فلان فعل كذا، وفلان قال كذا، على فلان أثم كذا، فأنا أعتبر نفسي بعيداً عن كل ما تعلّمته أيام الدرس من مدرّسين قرؤوا بعض الروايات، فحملوا على بعض الصحابة، وفضلوا بعض الصحابة بناء على روايات تاريخية لا يعلمون صحتها من ضعفها، فليس عندي صحابي آخذ عليه، بل كلهم آخذ منه.
وكما نرى الآن في حياتنا التي انتشرت فيها وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعي، وسرعة وصول الخبر من أدنى الأرض إلى أقصاها، ومع ذلك نرى اختلافاً كبيراً بين مَن يُسمَّون بالعلماء حول عالم، أو سلطان، أو قوم، فأناس يكّفرون، وأناس يُهدون الإيمان لمن يحبون، ويبرّرون الأعمال والأقوال، أو يؤوِلونها حسب فهمهم، فما بالنا في عصر تباعدت فيه المسافات، والمساحات، فنرى في حديث كريب أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ: فَقَدِمْتُ الشَّامَ، فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْتُ الْهِلاَلَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَسَأَلَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ب ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلاَلَ، فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا، وَصَامَ مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلاَ نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاَثِينَ، أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَوَلاَ تَكْتَفِى بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لاَ، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ([7])، إذن كيف نستطيع الاعتماد على روايات يذكرها أناس متباعدون، ولا يصل إليهم خبر غيرهم إلا بعد عدة أيام، هذا في العبادات التي لا تحتاج إلى رأي، أو فهمٍ شخصيَّين، كما في أحداث التاريخ، والوقائع، والتي تتضمن آراء وعقائد الرواة، وكما نعلم أن المحدثين يخافون من الرواة الذين لهم عقائد مخالفة، فلا يقبلون منهم رواياتهم التي لها علاقة بعقائدهم.
كما يرى القارئ الكريم نماذج من إحنٍ بالحركات التي قامت خلال ذلك القرن، وارتباط بعضها بشخصيات، واتجاهات باطنية لم يدرك رؤساؤها غالباً خطرها الكامن، وسيرى من خلال العرض التفصيلي لهذه الحركات نتائجها الوخيمة، وآلامها الجسيمة، وماذا قدمت للأمة من خسائر، كل ذلك بسبب اجتهادات أولئك النفر الطامحين لإعادة الشورى التي يرون أنها قد اختفت من الحياة السياسية، ولإصلاح الحكم الإسلامي – بزعمهم – وذلك بسبب خفاء تلك العصابات التي رأت أن حرب الإسلام يجب أن يكون من داخله، لأن هذا الدين ألقى بجرانه على الأرض، وأصبح قوة لا تقهر، ولذلك بدأ هؤلاء ينخرون في جسده كالسوس في البدن، ومع أن الحكام لم يخرجوا عن منهج الإسلام العام، ولا عن الجهاد في سبيل اللَّه، وإن بعض ما وقع فيه بعضهم من معاصٍ – إن وجدت – لم يكن إلا أموراً خاصة بالعاصي نفسه، ولا أثر لها على الأمة، لا من قريب ولا من بعيد، فالحكم الذي كان قائماً هو حكم الإسلام، ولم يُطرح في يوم ما أي فكر غير الإسلام، بل كان كل همهم هو نشر الإسلام إلى كل الدنيا.
قال ابن خلدون ؒ: «... وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفاً من افتراق الكلمة، لما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم به كان صالحاً، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يُظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشا اللَّه لمعاوية من ذلك، وكذلك كان مروان بن الحكم وابنه، وإن كانوا ملوكاً،÷ لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة والبغي، إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا في ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد، يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم، فقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبد الملك، وأما مروان، فكان من الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة، ثم تدرج الأمر في ولد عبد الملك، وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه، وتوسطهم عمر بن عبد العزيز، فنزع إلى طريقة الخلفاء الأربعة، والصحابة جهده، ولم يهمل»([8]).
ومع ذلك أصبح الذي يسيطر في هذه الأيام على عقول كثير من الشباب فكرة انحراف الحكم الأموي التي بدأها أولئك أصحاب الإحن القاتلة في جسد هذه الأمة، فقامت ضده بعض الحركات للتصحيح [؟] وإعادة الحكم الصحيح، كما يرون، فذهبوا يسعون للنيل منه بكل طريق، وبات عندهم أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يكون إلا بحرب الخليفة الأموي، أو كل سلطان، ويستشهدون بالذين قاموا على بني أمية، فهم إذن يرون أن الحكم الأموي غير إسلامي، ولذلك قامت ضده هذه الحركات التي تريد أن تعيد الإسلام للحكم، وبالتالي يطالبون الأمة بإقصائه، وإبعاده، ظناً منهم أن هذا هوا الصواب، وإن كانت هذه الفكرة فيها كثير من الخلل، فلم يتضح لنا بروايات صحيحة مدى اتساع الظلم في عهد بني أمية، بل قد يجدون شاهداً هنا، وشاهداً هناك، وكلها تحتاج إلى تحقيق وتدقيق.
ومع أن فترة بني أمية لم تفقد العلماء الذين لم يخافوا الخلفاء، ولا الأمراء من بني أمية، كالحسن البصري، وعامر الشعبي، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وغيرهم كثير، ومع ذلك يرى هذا النفر من المعاصرين لنا أن فترة بني أمية أماتت عند كثير من العلماء أفكار الإصلاح والتوجيه، وإبقاء الأمور على ما هي عليه، وهذا – بزعمهم - يناسب الطغاة كثيراً، ويناسب الملاحدة، حتى وصل كثير من مجتمعاتنا إلى الضياع، والخروج عن الصفة الإسلامية للمجتمع بمعناها العام، فلا تجد أي صفة من صفات المسلمين على أوضاع هذه المجتمعات.
وأظن أن هذه النظرية التي اتبعها هؤلاء إنما هي من صنع أعداء الإسلام، وهم الذين أرهقوا الحكم الأموي من أوله إلى آخره، وهم يحاربونه، ومع ذلك لم يستطيعوا إشغاله عن مهمته في نشر العدل، ونشر الإسلام في كل اتجاه، ويجب أن نعلم أنه ما من خليفة أموي، إلا وقام الكثيرون - بوعي أو من غير وعي - يريدون تقويضه، حتى لا تقوم للإسلام قائمة، وقد تبين صدق هذه النظرة عندما انهارت دولة بني أمية، فتوقفت الفتوح، وجاء بنو العباس الذين قاموا بمساعدة أعداء الإسلام (الشعوبيين) بالقضاء على بني أمية، ومع أنهم اكتشفوا، هؤلاء الأعداء، فيما بعد عدة مرات، وحاولوا القضاء عليهم خلال تاريخهم، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا المجد الأموي، والفتوحات الأموية.
وهؤلاء العلماء المعاصرون[!] حاربوا بني أمية من خلال تزوير تاريخهم – بوعي أو بدون وعي – وبدلاً من أن ينصرفوا لحرب من جاء إلى تسيير الأمور في العالم الإسلامي الحديث، والذين لم يُعرف فيهم من الإسلام إلا الأسماء، فكانوا حرباً على هذا الدين، واعتمدوا على ظلم الناس، وإرهابهم، بدلاً من أن يوقظوا شعوبهم لإدراك مأساة ما هم فيه، راحوا لينالوا من بني أمية، وأن الإسلام انحرف منذ عهدهم، وأنهم هم عماد الظلم التاريخي لهذه الأمة، وأن الظلم الذي يعيشه الناس الآن هو من آثار بني أمية، لا من غبائهم هم، وحمقهم هم، وحقد سلاطينهم على الإسلام، مما أدى فيما بعد إلى انفجار غير طبيعي لهذه المجتمعات، فقامت تضرب يميناً وشمالاً، بلا عقل واعٍ، ولا فكر مستنير، بل سيطرت عليها الأفكار الخارجية بلا فهم لها، ولا حتى المآلات التي تُوصل المجتمعات إليها، فإذا بنا أمام نابتة من فتيان المسلمين، يريدون إقامة الأحكام – كما يدّعون – مع أنهم ما زالوا على انحرافهم الأخلاقي والعقلي، فينتقلون بين المواصفات الإيمانية إلى المواصفات الانحلالية الأخلاقية، فلم يدركوا ديناً، ولا حصّلوا دنيا، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه.
وقد كان اختيار الروايات من خلال كتب التاريخ، والروايات الحديثية، وكتب الرجال، وقد يكون في بعض الروايات ضعف، إلا أنني آثرت اختيارها، ولكن دون الاعتماد عليها في إثبات حكم، أو بحث مسألة فقهية، فهذا ليس موضعه هنا، ولكن هذه الروايات أصبحت تعبيراً عن شخصيات هذه صفاتها، فمثلاً: عبد اللَّه بن عمر، الصحابي الجليل رضي الله عنه، سواء صحت الروايات التي تذكر ميله إلى ترك منابذة حكام المسلمين الذين عاصرهم، ومحاربتهم، أو لم تصح، فهو لم يصحّ عنه أي رواية في المعنى المخالف، بل على العكس من ذلك، صحت الروايات عنه بسلامته من الاشتراك، أو الانغماس، أو الدعوة إلى أي حرب، أو فتنة وقعت في عصره، ولم يصحّ عنه كلمة واحدة في شتم أمير، أو مسبة والٍ، بل على العكس من ذلك صحّ عنه أن لسانه لم يعرف اللعن في تاريخه كله، وهكذا، ولكننا مع تكرار الفكرة الصحيحة في عهد ابن عمر – كما كان يرى هو- أن الحكام لم يكونوا أعداء للإسلام، أو ضد الإسلام، بل كانوا مسلمين، ويحكمون بالإسلام...
وفي هذا البحث قد أشيرُ إلى الكتب التي أوردت هذه الروايات بأسماء مؤلفيها، وأسمائها، وأجزائها، وصفحاتها، وأراعي في روايات الفتن، والخارجين على الحكام التفصيل، والتعليق، بينما الروايات الباقية أكتفي فيها بالسرد، والتعليق الموجز في آخر كل طائفة منها، وروعي في ترتيب الروايات أسماء أصحابها، وترتيبهم ألفبائياً، لتداخل كثير منهم في أكثر من فترة واحدة.
وأخيراً، فما كان من صواب، فهو من تيسير اللَّه، وتوفيقه، وأحمد اللَّه عليه، وما كان من خطأ، فإنما هو من زلات الفكر، وعثرات اللسان، ومحاولات الشيطان في الإضلال والخذلان، أسأل اللَّه أن يغفرها لي، ويتجاوز عنها، إنه عفو غفور، والحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه وسلّم على سيدنا، ونبينا محمد، وعلى آله، وجميع أصحابه، والتابعين لهم بإحسان، والحمد للَّه أولاً وآخراً.
حسن حسن حسن فرحات
1441هـ.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin