..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 22:02

    إحسان الإحسان - 10 -

    الفصل الثاني: عقبة واقتحام:
    إسماع الفطرة


    يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:

    [بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه من قبله ومن بعده.
    أستمطر الصلاة والسلام والبركة على خير الخلق وآله وصحبه وإخوانه من قبله ومن بعده. الذين من قبله هم الأنبياء. فما بال الذين من بعده؟]:

    يريد الكاتب التنبيه إلى وجود قوم في مقابل الصحابة المرضيين من جهة الزمان، على المؤمنين معرفة فضلهم كما يعرفون فضل الصحابة. كل هذا، ليربط في الدعوة إلى الله بين سابقها ولاحقها؛ بين النبوة والخلافة التربوية إن توافرت شروطها. وهذا الربط تتضمنه آيات في مستهل سورة الجمعة، هي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 2 - 4]. ومعنى الآيات على شدة وضوحه، هو مما يجهله المسلمون، ومما يتغافل عنه علماء الدين. والمقصود منه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي أوكل الله إليه تعليم الناس وتزكيتهم، يفعل ذلك مع فئتين من الناس: هم الصحابة الذين آمنوا به وعاشوا معه صلى الله عليه وآله وسلم؛ وهم أيضا من آمن به وجاء بعده في الزمان من الناس إلى يوم القيامة. وهذا الاختلاف في الزمان بين الفئتين، لا يؤثر شيئا في مقدرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على إيصال النفع إلى الفريقين؛ وإن اختلف المظهر الذي يُتلقى فيه عنه. فالصحابة لما تلقوا عن مظهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا حاجة إلى الكلام عنهم لوضوح أمرهم، رضي الله عنهم. وأما من جاءوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهم قسمان: قسم عاش في القرون الثلاثة الأولى، فهؤلاء يشبهون الصحابة في التلقي وإن غاب عنهم شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بسبب بقاء نور النبوة شائعا بينهم لقرب عهدهم؛ وهؤلاء هم التابعون حقيقة. والقسم الثاني، هم من جاءوا بعد عصر التابعين؛ وهؤلاء في الغالب يأخذون عن مظهر وراثي (وارث للنبوة)، لا يستغنون عنه؛ لأن النور في زمانهم لم يبق على شيوعه، وإنما تركز في قنوات تدق وتعظم كما هو شأن شبكة العروق في جسم الإنسان. وهؤلاء المستمدون من المتأخرين، هم أتباع الصوفية الأولين المعروفين من التاريخ. ويبقى قسم من المتأخرين، لا هم من الصحابة ولا من التابعين ليأخذوا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفة مباشرة أو شبه مباشرة؛ ولا هم ممن أخذ عن الورثة ليلحقوا بالأولين من المؤمنين؛ سيبقون مقطوعين عن نور النبوة المددي، وإن كانوا مسلمين. ومن هؤلاء علماء للدين، عادوا إلى عقولهم يأخذون عنها، ويعلِّمون الناس ما يصلون إليه بها؛ ومنهم عوام ليس لهم من الدين إلا نور الشهادة، وما وجدوا عليه آباءهم من ثقافة إسلامية يعيشون عليها. والكاتب يريد أن ينبه الناس (من علماء مقطوعين ومن عوام لا يفقهون)، إلى إمكان التلقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من مظاهر وراثته الذين سماهم صلى الله عليه وآله وسلم إخوانا.

    [روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دَارَ قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقُون ودِدْت أن قد رأينا إِخواننا" قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". الحديث.]:

    الأخوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا، لا ينبغي أن يُفهم منها المعنى ذاته الذي يكون بينه وبين إخوانه من الأنبياء؛ لأنه لا نبي بعد نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم. وأما لمَ سماهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إخوانا رغم ذلك، فلمشابهتهم للأنبياء السابقين في الأمم السابقة من جهة الأخذ. وذلك لأن الأنبياء عليهم السلام، لم يكونوا يستمدون نبوتهم إلا من نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، من كونها هي "النبوة" في جمعيتها وشمولها. والورثة من أمتنا، يُشبهون الأنبياء السابقين، من كونهم مبلغين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبليغا مباشرا؛ لا يختلف عما عرفه الصحابة إلا من حيث المظهر؛ لأن مظهر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، لا أكمل منه ولا أدل، كما هو معلوم. ومكانة الوراثة للنبوة، مكانة جليلة، عمل على طمسها في أمتنا قوم من المغرضين، زعموا أنهم أحرص من غيرهم من المسلمين على التوحيد وعلى السنة؛ وهم في الحقيقة أعداء لله ورسوله، يصدق عليهم قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32]. ولقد بدأ هذا التيار عمله في الأمة مباشرة بعد القرن الثالث، ولكنه استكمل قواعده على يد ابن تيمية، الذي حرف الدين حتى لم تبق له معه حقيقة، وإن كان يظهر منه حرص على صورته أكبر من حرص غيره في أعين الجاهلين. وحتى يقطع ابن تيمية الناس عن الاستمداد من نور النبوة، فإنه لم يكتف بالطعن في المظاهر الوراثية وحدها كما فعل سابقوه؛ وإنما تجاوزها إلى صرف الناس عن المظهر النبوي ذاته، بدعوى المحافظة على التوحيد؛ وكأن الناس قد علموا التوحيد من خارج المظهر النبوي يوما؟... أو كأن ذلك ممكن؟!... ولكن أين من يميّز ما نقول!...

    ومن أوجب ما ينبغي رفعه من اللبس في هذه المسألة، زعم هذه المكانة (الوراثة) للفقهاء، الذين لم يبلغوا حتى مرتبة التلقي عن الورثة. فهذا قد حرف الوجهة، وجعل أمر الدين إلى الغافلين من الفقهاء، وما لبث الشأن أن صار بيعا للدين كما وقع قبلنا للنصارى ولليهود. ولقد كان الاتصال بأحد الورثة في السابق أمرا عسيرا بالمقارنة إلى زماننا؛ لأنه إن لم يُصادف أن يكون أحدهم من أهل البلد، فإن الوصول إليه كان من قبيل المحال. وما كل الناس يتوافر لهم من الشوق إلى الله ما يجعلهم يتحملون مشاق السفر وصعاب المغامرات. وأما اليوم، فإن التواصل في العالم بين الناس عاد من أسهل ما يكون، ولم يبق على الناس إلا أن يكونوا راغبين حقا في الاستمداد. وجانب الرغبة، لا شك كان لدى الأقدمين أقوى مما هو لدى المتأخرين، الذين لا يكاد جلهم يُبقون على جذوة الإيمان حية في قلوبهم، من شدة الفتن وانتشار الضلالات. لكن الأمر على كل حال أيسر من حيث الأسباب مما كان عليه فيما قبل؛ إن علمنا أن الورثة لا يخلو زمان منهم رضي الله عنهم.

    [وروى مسلم عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِن أشَدِّ أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي، يَوَد أحدهم لو رآني بأهله وماله."]:

    معنى هذا الحديث، هو أن ممن جاء بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الناس، من لا فرق بينه وبين الصحابة إلا الرؤية، التي امتاز بها الصحابة عن كل من جاء بعدهم. وفي سبيل هذه الرؤية، ولعلم هذه الطبقة بمكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الله، فإنها لو عُرضت عليهم بفقد المال والأهل، بل والأنفس؛ لبذلوا كل ذلك، وهم يرون أنهم قد ربحوا الصفقة من غير أدنى شك!... يدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخر أمته، على من يوازي في المرتبة أولها؛ فإن كانوا حقا من المعظمين للصحابة -كما نسمع كثيرا- فإن بينهم (بين المتأخرين) من هو كفء لهم في المكانة. فإن زهدوا فيمن دل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على فضلهم من زمانهم، فليعلموا أنهم كاذبون في ادعائهم متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ادعاء تعظيم الصحابة رضي الله عنهم. وهذا المعنى الذي نذكره هنا، هو عينه ما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ، لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ.»[1].

    وأما من أراد أن يُشابه الصحابة في الطلب، فلا بد له أن يكون مع أحد الورثة، ليشاركهم في المشرب، وإن اختلفت الصورة. وأما من يتوهم أنه يكون على قدم أحد الصحابة، من دون أن يكون على صفتهم في التلقي، فإنه يروم المحال، إلا أن يشاء الله. وأما من تحققت له صحبة أحد الورثة، فإنه سيعلم كلامنا ذوقا، ويراه عيانا، وإن كان إعرابه عنه سيُلاقى بالإعراض والنفور في الغالب ممن يحيطون به. وهذا معنى من معاني الغربة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبعض المتأخرين، حين قال: «بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ!»[2]. والكلام يطول في تفاصيل هذه المسألة، ونحن نريد أن ندل على مفاتيحها فحسب.

    [وأخرج الدارمي أن أبا مُحَيْريز قال: قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال نعم أحدثك حديثا جيدا. تغدّينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة ابن الجراح، فقال: يا رسول الله؟ أحَدٌ خيرٌ منا؟ أسلمنا وجاهدنا معك! قال: "نعم! قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني". وروى الحديث أيضا رزين.]:

    هذا الحديث يثبت الأفضلية لبعض المتأخرين على الصحابة رضي الله عنهم، من وجه ما؛ ولو قال بهذا أحد من عند نفسه لكفره قوم يزعمون أنهم أعلم بالحق من غيرهم، وأحرص على الدين. غير أن هذه الأفضلية لا تثبت لكل مؤمن من المتأخرين بالإطلاق، إلا إن نافس الصحابة في المكانة (المقام) مع كونه لم ير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سمع منه. ومن كل زمان زمرة يكونون من هذه الفئة بحمد الله، وهم الصديقون.

    [هذه الأحاديث تثبت أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم إخوانا من بعده، ليسوا أنبياء لأن النبوة به ختمت، لكن لهم فضلا بما أحبوه بحب الله، ولهم فضل بما آمنوا به ولم يروه، ولهم فضل بما صبروا على غربة الإسلام، وعلى شدة أعداء الإسلام على أهل الإيمان.]:

    هذا التعميم لا يَبين معه معنى النصوص، إلا إن نُظرت على ضوء ما ذكرنا من تفاصيل آنفا.

    [روى أبوداود والترمذي وقال حديث حسن غريب عن أبي أمامة الشعباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر. للعامل فيهن أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم". زاد أبو داود: "قيل: يا رسول الله؟ أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين رجلا منكم". الحديث. وللحديث طرق أخرى بعض أسانيدها صحيح.]:

    هذه أفضلية من جهة الأجر، لا كالأفضليات التي سبقت. وأفضلية الأجر على العمل تأتي من صعوبة الإتيان به، مقارنة بزمان الصحابة؛ حيث كان الواحد منهم يجد عونا من إخوانه على الخير، بعكس المتأخرين الذين يُعادون لأجل ذلك. وهذا من العدل الإلهي الذي يؤتي كل ذي حق حقه، بأدق المعايير. والعامة من الناس يغفلون عن هذا المعنى، ولا ينتظرون ظهوره إلا في الآخرة. واللبس يقع لهم من اختلاط صورة التدين عليهم، بحقيقة التدين ذاته. لهذا يسهل على أهل الضلال من المتظاهرين أخذهم إلى سبُل الضلال. وهذا الصنف من الإضلال، هو من أشده؛ لأنه يكون بما اعتاد الناس النظر إليه على أنه من الهدى. ولا نجاة من هذا الصنف ومن غيره، إلا بالتوكل على الله وحده.

    [لمثل هذه المزية التي ترفعُك إلى مصاف الرجال فليعمل العاملون. لهذا استمطرت الصلوات والسلام والبركة على الصحب والإخوان بعد الآل.]:

    يُفهِم الكاتب قراءه، أن هذا هو ما دعاه إلى الصلاة والسلام على الإخوان؛ وهذا منه حسن. ليت الناس يعملون به، فإنه من أسباب العثور عليهم ونيل بركتهم في كل الأزمنة التي تأتي بعد القرن الأول وإلى قيام الساعة.

    [وفي كتابي هذا أبدأ كل فقرة بالبسملة فكل كلمة أمر ذو بال، وأرَصِّع كل فقرة في البداية بدعاء قرآني أو نبوي أو بهما معا، وأوشيها في آخرها بشعر يرقق الشعور. والشعر بعضه حكمة. روى البخاري في كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والحُداء وما يكره منه، أن أبي بن كعب أخْبَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر لحكمة". والحكمة كما قال البخاري في مكان آخر هي: "الصواب في غير النبوة".
    أريد في هذا الكتاب أخي وأختي، والله المستعان، أن أحدثك حديث القلب، حديث الفطرة، في موضوع هو أجل الموضُوعات على الإطلاق، وهو موضوع صلة العبد بربه، وتقرب العبد من ربه، ووصول العبد إلى ربه، وفوز العبد بربه. ويا خسارة من خرج من الدنيا وليس له حظ من الله ولا نصيب ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير؟]:

    يختم الكاتب هذا الجزء بكلام خطابي وعظي، سنرى إلى أين يُفضي...

    [ليس يجسر عاقل أن يخوض فيما ليس له به علم مخافة أن يفتضح عند الناس. فكيف يجسر مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخوض في غمار الحديث عن جوهر الدين ولبه، وهو حب الله ومعرفة الله، وهـو غريب عن مصادر المعرفة ومواردها. إنها إذن الفضيحة الكبرى يوم القيامة.]:

    قد تبدأ الفضيحة لمن يتجاوز طوره، من الدنيا؛ لأن لكل علم أهلا ينفون عنه ما ليس منه. نقول هذا، لأن بعض أهل الضلال يستأنسون عندما يعلمون أن أمر الحساب مؤجل إلى يوم القيامة. فهيهات!... الأمر ليس بيد أحد من الخلق؛ هو بيد الله وحده، يفعل فيه سبحانه ما يشاء: يعجل أو يؤجل!... يقول الله عن قوم: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].

    [وقد تجرأ كثير من المطالعين في الأوراق على "التأليف" في علم التصوف، وأقحموا في ورقاتهم الكئيبة ما التقطوه من فتات موائد أهل العلم ليلفقوا أحكاما نهائية بأن التصوف تلبيس إبليس، وعمموا الأحكام وأضرموا نار اللجاج وأثاروا دخان العجاج.]:

    يعرّض الكاتب بالتيميين الوهابية، مع أنه أثبت الفضل لإمامهم وبعض رؤوسهم؛ وهذا من أعسر ما يُراد من الأتباع، ومن أغمض ما يُدعى إليه الناس عموما. ولقد رأينا أثر هذا الخلط من كثيرين عرفناهم في مُدد من الزمان ليست بالقصيرة؛ بل إن الشلل العام الذي يسم الأمة جمعاء، ليس ببعيد عما نذكر من أمر هذا الخلط، وهذا التلبيس.

    [فتعال أحدثك بلسان أهل مكة وهم أدرى بشعابها. قدمت لك في الفصل الأول من هذا الكتاب وقائع موثقة عن لقاء الفقهاء والعلماء والمحدثين بالمشايخ المربين. ووصفت لك من أحوالهم، وسردت لك من أقوالهم وشهاداتهم. وأفضل أن أنزهك في حدائق كتب القوم طيبي الأنفاس تسمع كلامهم مباشرة، بعد أن كنت منذ قريب من عشرين سنة كتَبْتُ، وكنت يومئذ في أول الطريق، شهادة عن "تجربتي الشخصية". فثارت علي الشبهات، وأشرعت في وجهي الأسنة. وقيل: طرقي مخرف لا يكفر زيدا وعمرا من الناس! وينقل عن "الكتب الصفراء" حديث خرافة! فاسِد العقيدة الخ. ولست أبالي حين أقتل مسلما...]:

    ادعاء الكاتب أنه يتكلم بلسان أهل مكة، يعني أنه من الأولياء العارفين بعلم التزكية على أقل تقدير؛ لأن مكة من جهة المعنى هي الحضرة الإلهية، وأصحابها هم العارفون أهل العندية. وسنرى من خلال كل ما سيعقب من كلام، مدى صحة هذه الدعوى؛ لأن لكل دعوى برهانا، يعلمه أهل مجالها...

    وأما الشهادات السابقة التي يُذكّرنا الكاتب بها، فقد مر بنا ما في طيها من تناقض يقلل من قيمتها العلمية هنا. وأما ما لاقى الأستاذ من متسلفة الزمان، فهو بسبب رغبته الجمع بين ما لا يجتمع، كما سبق أن بيّنّا. فهو أراد من جهة أن يُعلن موافقته لابن تيمية والشوكاني، ومن جهة أخرى أن يبقى مع منشدي بردة البوصيري؛ والمتسلفة واضحون في موقفهم، لا يريدون خلطا ولا مداراة. ولو كان الكاتب على يقين مما يدعو إليه من تصوف، فإنه كان يكفيه أن يُعلنه وينافح عنه بما يستطيع من أدلة فحسب. {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148].

    [أفضل أن أكون مُسَمِّعا لصدى تلك الأصوات التي قلما تجد في عصرنا صدى يرددها، على أنني لست ببغائي المحتد بل أحيى معاني ما أكتب بلحمي ودمي وروحي وعقلي. وفضل الله على آخر هذه الأمة ما قيد بِعصر. ولله الحمد من قبل ومن بعد.]:

    سنرى إلى أي مدى سيكون تسميعه لأصوات الصوفية موفقا ومُوافِقا. وإن صح منه هذا، فإنه الخير كله والشرف كله...

    [أخي وأختي، إنك تأتي الله يوم القيامة فردا، فتعال اجلس إلي، واصبر عليّ، حتى أخبرك بما لقي به الرجال من أهل الله والنساء ربهم، وماذا غنموا من الدنيا ليوم اللقاء. واسمع، اسمع.]:

    الخطاب العام، لا بد أن يكون عاميا وللعوام؛ هذه قاعدة. وأما من يحتج بكلام الرسل عليهم السلام، وبكونه في متناول العموم على ما لهم من رفعة، فليعلم أن الأمر معهم مختلف؛ لأنهم يدعون الناس من كل المراتب؛ ولهم مقدرة في الخطاب، تجعله على طبقات في نفسه، وإن اتحد منه اللفظ. وهذه الخصيصة ليست لغيرهم، من العوام أو من الخواص. فليُحفظ هذا، فإنه من مفاتيح العلم. ولو سمح الدهر ببيان ما في الأحاديث النبوية المشهورة التي يتداولها العوام من معارف لا يرقى إليها الخواص أنفسهم، لرأى الناس العجب!...
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري Empty رد: كتاب: إحسان الإحسان - 10 - عبد الغني العمري

    مُساهمة من طرف Admin 23/10/2020, 22:03

    [النفس الجديدة التي أبرزها الله عز وجل إلى الوجود عند الميلاد يُشرع أن يُؤذن لها في الأذن اليمنى وأن يقام في اليسرى. ذلك ليكون أول ما تسمعه الفطرة الكامنة عند خروجها للدنيا، التذكير بعهد الله وميثاقه أنه عز وجل ربنا. اللطيفة الدفينة في جسم الوليد تسمع جلال الله عز وجل ووحدانيته، وخبر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوة الصلاة والفلاح، وكبرياء من له الكبرياء سبحانه.]:

    كلام لا خلاف عليه، والربط بين التشريع والفطرة هنا جيد؛ لأن الحيوات الإنسانية المتعاقبة بحسب العوالم، لها جامع يجمعها، وناظم ينتظمها؛ وإلا تعددت الشخصيات للفرد الواحد، وهو محال. وكل تفكك في الإدراك، أو اجتزاء أو انتقاء، إنما هو من جهل الناظر ومن انحصار إدراكه في العالم الذي هو فيه. وهذا من أعظم الحجب التي لا يخرقها إلا أهل الإطلاق من كل زمان.

    [كما شرع تلقين الميت من المؤمنين والمسلمين الكلمة الطيبة وشهادة الحق لتتردد الشهادة في كيان النفس الغاربة عن الدنيا وقت سفرها، عسى أن يُختم لها بالفطرة.]:

    الربط بين بداية الإنسان الدنيوية ونهايته أيضا جيد، لتتحقق المطابقة الدالة على وحدة محور التكليف في مقابل الوحدة الشخصية للإنسان، وعلى معنى ترتيبه (التكليف) ضمن الحياة العامة المفضية إلى الآخرة.

    [والفطرة إقامة الوجه لله، وَتَستوي الفطرة أو تَعْوَجُّ وتحيد عن الجادة بالتربية. روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة». ثم يقول: "اقرأوا إن شئتم: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم﴾. زاد البخاري: "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".]:

    الإشارة إلى أثر التربية على الفرد، من جهة المحافظة على الخط المستقيم الذي هو بين الفطرة والتكليف، جيدة؛ لأنها محل النظر هنا. ونسبة الانحراف إلى الوالدين وجعله فعلا لهما، هو من جهة الشريعة والحكمة؛ وأما من جهة الحقيقة، فإن اختيار اليهودية وغيرها، هو من شأن العبد نفسه، وقبل أن يدخل إلى الدنيا. نقول هذا، لأن التركيز على وجه واحد عند النظر، يكون نقصا في العلم. والدلالة على الفطرة العامة والمشتركة، فهي إشارة إلى استواء الناس من جهة الحقيقة في صفة العجز. ولا فضل من هذا الوجه لمهتد على ضال؛ وإنما الفضل لله الذي أبرز الهداية فيما يعود إلى المهتدي وحده دون الضال؛ وإن كانت للضال أيضا هداية خاصة به. يقول الله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23]. ويقول الله في الحديث القدسي بخصوص نسبة الأفعال إلى العباد: «يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا؛ فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.»[3]. يحمد الواجد الله، لأنه هو الموجد لكل ما يظهر على العبد من صفات حسنة ومن أفعال حسنة؛ ويلوم الفاقد نفسه، لأنه على تلك الصفة في علم الله. فالله لا يوجد إلا ما أراد، ولا يريد إلا ما علم سبحانه. وهذا باب مفض إلى سر القدر، الذي لا يجوز إبداؤه. وفي ذكر الفطرة من جهة عمومها، أيضا بشارة لمن سيلحقهم الذم في مرحلة ما من مراحل حيواتهم عرضا؛ لأنها مؤذنة باعتبار حكمها في النهاية، كما اعتبرت عند البداية. وهذا من رحمة الله الواسعة، التي وسعت كل فرد عند وسعها كل شيء. يقول الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156]؛ وإن كان التفصيل يقضي بتلونها في الطريق الواحد، أو اختلافها فيما بين الطرق المختلفة.

    [والتربية سماع وتشبه وتمثل وتشرب. روى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلقن صبية بني هاشم إذا أفصحوا قول الله عز وجل: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً َ﴾. سبع مرات. وعند البخاري: "باب الدعاء للصبيان بالبركة".]:

    يؤسس الكاتب هنا لمشروعية الذكر، من الجهة العملية في السنة الشريفة؛ وهو تأصيل جيد. وأما كلامه عن التربية بأنها سماع وتشبه... فهو عام وإن كان صحيحا.

    [وكان صلى الله عليه وسلم يستقبل بالصبيان عند قدومه من السفر. وملاطفته صلى الله عليه وسلم لسبطيه الكريمين ولأمامة ابنة بنته، وحبه لهم، خبر مستفاض. وقد أمرَنا صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنوات، بل أنه صلى الله عليه وسلم بايَع عبد الله بن الزبير وهو ابن سبع، مبايعة تبريك وتشريف لا مبايعة تكليف كما قال ابن حجر رحمه الله.]:

    الإشارة إلى البيعة التبركية، هي زيادة في تأكيد بيعة التكليف، من كونها إعدادا لها وبشارة بها. وسنرى إلى أي صنف من أصناف البيعة هي إشارة الكاتب فيما بعد؛ لأن البيعة بيعات كما سيظهر إن شاء الله...

    [هذه النفوس الطرية لا يتركها الإسلام لهَوَس السؤال "من أنا، ومن أين جئت، وإلى أين، وما معنى وجودي؟". بل تحتضنها الفطرة، وهي إقامة الوجه لله، إذا كان المجتمع مؤمنا بالله، وتصونها من عوامل الشيطنة والفساد. تُلقن النفوس الطرية، تخبر لتسمع، تؤمر لتنفذ، تعرض عليها النماذج الصالحة لتتعلق وتتخلق قبل أن يتشكل العقل المنطقي المتعلق بحواسه السابح في ظلمائه الكونية.]:

    هذا كلام نفيس، يبيّن رحمه الله منه أن العبد الذي ينشأ في بيئة شرعية (بالمعنى الصحيح)، لا يكون عرضة للصراع الذي يقع فيه الفكر عند اكتمال أدوات التمييز، لدى العبد الذي يُترك وحده في مواجهة ما رُبي عليه من انحراف إذا وجده لا يطابق الفطرة منه. فهذا الطريق شاق وصعب، وقد يهتدي المرء إلى الحق فيه عند نهاية المواجهة، وقد يعود إلى المجتمع مذعنا تائبا، لشدة ما لاقى؛ فينخرط في الضلال العام الذي يكون عليه المجتمع، وإن كان سيُسميه هدى وحقا ليخرس صوت باطنه. وسيجد العائد من هذا الصنف، من أئمة الضلال من يزيّن له ما هو عليه؛ لأنه لا طريق من غير نظام مخصوص في السير عليه، وإن كان الطريق طريق ضلال. ولقد أحسن الكاتب بالتنبيه في نهاية الفقرة إلى ظلمة الكون، التي تكتنف عقل العبد الفاقد للتربية الشرعية؛ لأنها هي ما ينبغي خرقه، لكن بالنور لا بالفكر؛ لأن الفكر من جنسها؛ والظلمة لا تُذهب الظلمة. وأما إن أرخى العبد لفكره العنان من غير ضابط، فإنه سيأنس بها، وسيصبح مدمنا عليها. وهذا هو ما يقع للفلاسفة والمفكرين، الذين يقضون أعمارهم في عمل لا طائل من ورائه، وهم يحسبون أن ذلك هو أقصى ما يوصل إليه!... فما أشده من حرمان!...

    [أن تسمع خبر الوحي وتقبله وتتخذه شعارا مباشرا لكيانك النفسي لا يحول بين ذلك الكيان وخبر الوحي حائل من تموجات الأحداث، ولا من عوارض التعليلات العاجزة عن تجاوز الشكل، تلك هي الطريق الوحيدة للإيمان والإحسان. والإحسان سماع وقَبُول وتربية.]:

    توصيف جيد من الكاتب لطريق النهل من الوحي؛ لأن جل المسلمين قد حُرموا فضله بسبب الحجب الحائلة بينهم وبينه؛ من دون أن يحذروها أو يعيدوا النظر فيها؛ للأسباب التي ذكرناها من قبل. وهذا كله نتيجة للتربية المنحرفة انحرافا جزئيا، وإن كانت في ظاهرها تربية على الإسلام، غير يهودية ولا نصرانية. وهنا يأتي دور المذاهب والفقهاء والمراجع؛ لأن الانحراف لا بد له من طريق ومن رعاة له ومن خدم. نعني أن الضلال منظومة لها تماسكها ولها منطقها، كما هو الهدى؛ وليس فوضى وتفككا دائما كما يُتوهَّم...

    ويغلط الكاتب مرة أخرى، عندما يجعل الإحسان بداية للتدين، وهو الغاية منه في الحقيقة. ولا ندري لمَ هذا الخلط ملازم له، وقد كانت بداية كلامه جيدة وتسلسله منطقيا (بالمعنيين الشرعي والعقلي معا)!...

    [وقد وصف الله عز وجل الكافرين الجاحدين للوحي بأنهم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾. وعقل الحق في لغة القرآن يطلب الانقياد لما سمعته أذن القلب، وشهد به نطق اللسان، واعتبرت صحته العين الباصرة للأكوان. وليس لوجود السمع الحسي، ولا الإبصار ولا النطق المشتركة بين البشر أي اعتبار في مجال الإيمان إذا كانت أذن القلب صماء عن سماع نداء الوحي، وكان اللسان معتقلا عن شهادة الانقياد، والبصر حائرا لا يرى وراء الأكوان صانعا. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.]:

    مرة أخرى، كلام جيد لا غبار عليه؛ وتنبيه في غاية الأهمية لمن كان مقبلا على الطريق يتعرف بدايته.

    [العقل البشري عاجز عن معرفة الله وعن معرفة الغيب والآخرة. وإن كان هذا العقل عقلا متفلسفا حكيما فغاية مداركه أن يحكم بوجوب وجود ذات خالقة للعالم بحكم حاجة كل صنعة لصانع. أما أن يعرف صفات هذه الذات وأفعالها وأمرها وخلقها المغيب دنيا وأخرى فذلك لا يأتي إلا من قناة السمع والقبول لصوت النبوءة المترجم عن الوحي. ويعبر علماؤنا عن إخبار الوحي بالمعتقدات بعبارة "السمعيات".]:

    كلام جيد، يبيّن فيه الكاتب محدودية العقل، ليعود عن اعتقاد عكسها عابدوه من أهل زماننا، الذين لا يميّزون بين ما هو متاح للعقل من مجالات، وما هو ممنوع عنه ومحمي (الحمى). وإشارة الكاتب إلى كون السمع طريقا أوحد من أجل الدخول إلى معرفة الله ومعرفة الغيب، في غاية الحسن؛ لكن يجدر هنا التأكيد على أن السمع لا يكون إلا من مسمع (ناطق بالوحي)؛ وهو (أي الرسول) سامع من جهة، ومبلغ من جهة أخرى. فهو يُشبه عامة المؤمنين من جهة التلقي، لكنه يخالفهم من طريق علمه بالأشياء من الله بغير واسطة. نقول هذا، لأن عوام المؤمنين، يظنون أن كل علوم الأنبياء عليهم السلام، هي من صنف الوحي المسموع وحده. وبتغييب الشق الثاني لدى المبلغين عليهم السلام، يقع تغييب لفرع هذا الطريق لدى المؤمنين من الأتباع؛ ولسنا نعني إلا طريق الكشف، الذي هو تلق عن الله أيضا من طريق مباشر، وإن كان يُشترط له احترازا موافقة السمع له. ولهذا الربط كما لا يخفى، أثره فيما سنعرض له فيما بعد إن شاء الله من مسائل تتعلق بالتربية وما يدور حولها...

    [بساطة الإيمان الفطري تتمثل في أولي الألباب الذين يذكرون الله ويتفكرون، الذين حكى الله عز وجل قولهم: ﴿رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا﴾.]:

    الذكر معناه واضح هنا، لكن الفكر قد يلتبس لدى هذه الفئة من الربانيين، على مَن سَمِعَنا نتكلم عن فكر الفلاسفة والمفكرين. والحقيقة هي أن بين الفكرين فرقا؛ وهو أن فكر أولي الألباب يدور حول الوحي ويتوجه إلى حيث يُوجِّهه الوحي، ولا يخرج إلى كل طريق يجده أمامه وكأنه حر الحركة؛ وأما فكر غيرهم، فهو فكر منفلت، لا وجهة له ولا غاية، يسير على غير هدى وإن كان يتوهم الاهتداء بمجرد التفكر. ومن أراد أن يُدرك هذا المعنى، فلينظر إلى تعدد الاحتمالات عند التفكر، في مقابل وقوع أمر واحد في الواقع عند وقوعه. وهذا المعنى من أخص ما يحتاج إلى إدراكه الساسة والمنظرون لهم. وهذا من أصعب ما يعرض لأهل زماننا من التباس، عندما يتقوى بالفكر العالمي الكفري الذي لا يكاد يَسلَم من أثره أحد. ولعلنا نعرض لبعض التفاصيل في مجال الفكر، إن وجدنا من كلام الكاتب داعيا إلى ذلك فيما يأتي، إن شاء الله...

    [ها أنت أيها الأخ الجالس إلي في هذه الصفحات والأخت وصلك فيما وصل صوت خافت عن الآخرة وعن الإيمان، أو تضلعت من الإيمان والحمد لله رب العالمين. فماذا سمعت وقرأت عن التصوف وعن معرفة الله وعن سلوك الطريق إلى الله، وعن شروط هذا السلوك، وعن مشروعيته، ممن اختصموا في هذه القضية العظمى، والخلاف له قعقعة تُصم الآذان، وتُشَوِّشُ على النداء الفطري الأول؟ ما الذي شوش، وما أصل الخلاف وفرعُه ومعْقِده؟ أحدِّثُك عن هذا أيضا إن شاء الله، كما أسْمِعُك شهادات أهلِ مكة الذين هم أدرى بشعابها.]:

    تقديم خطابي، يهيئ به الكاتب القارئ لما سيُلقي إليه. وسنرى ما يتبعه...

    [نكتفي هنا بإجمال الأسباب المـُصِمَّة المشوشة في ضياع الناس، والتفاتهم عن النبوة وشمولها، وتشتتهم في جزئيات الدين، صرفهم الاشتغال بالجزئيات وبالغير عن السماع الكلي. قال الإمام الغزالي في كتابه الفريد "المنقذ من الضلال": "الأنبياء أطباء أمراض القلوب، وإنما فائدة العقل وتصرفه أن عرَّفَنا ذلك، وشهِدَ للنبوءة بالتصديق، ولنفسه بالعجز عن درك ما يُدرك بعين النبوَّة. وأخذ بأيدينا وسَلَّمنا إليها تسليم العميان إلى القائدين، وتسليم المرضى المتحيرين إلى الأطباء المشفقين".]:

    كلام الغزالي رضي الله عنه، لا مزيد عليه في وصف الأمر وإيضاحه للمبتدئين؛ ولكن الكاتب كان يجدر به -إن كان من الواصلين- أن يأتي بكلام من عنده، يكون ترجمة لما عاينه بنفسه في بدايته وفيما بعدها من مراحل. وأما الإتيان بكلام السابقين على وجه الاستدلال، فإنه لا يصح دائما؛ بل لا يُقبل لدى المتحققين: من جهة لتغير الأزمنة، واختلاف تجلياتها؛ ومن جهة أخرى، لأن التعبير عن المعاني بأسلوب شخصي، يكون أدل على التحقق وأبلغ في مخاطبة المعاصرين.

    [العقل المخترع الجبار في زماننا لا يُسْلم الناس للنبوة، والخلاف المكفر للصوفية يعتمد عقلانية جافية عن النبوة. والنبوة طب للْقلوب، يا من له قلب يشتاق للحق، ويحِن للحق. يا عميان ويا متحيرون!]:

    كلام صحيح، يعبر عن آفة العقل الكافر، الذي لا يعلم إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، وعن آفة العقل المحجوب الغافل، الذي رغم إسلامه يأبى إلا أن يبقى على عماه. وسيأتي في الكلام -إن شاء الله- ما يزيد من إيضاح سبل الضلال لدى المسلمين، وما يبيّن أسبابها وطرقها وكيفية الدعوة إليها، مع ذكر أئمتها وأعوانهم؛ فإن هذا علم جليل ينبغي على الناس تحصيله في أزمنة الفتنة هذه، إن كانوا يهتمون لمصيرهم الأبدي ولمعرفة دينهم معرفة صحيحة مطابقة لما كان عليه الأولون من الصحابة ومن تبعهم على طريق الهدى.

    وجيد من الكاتب، ربطه للهداية وطب القلوب بالنبوة؛ لأنها صدقا مناط ذلك كله. ومن جهلها أو جهل طريق الاتصال بها، فإنه قد حُرم الخير كله، وإن زُعم له العكس من قِبل أولئك الذين يدلّون على توحيد ليس له من التوحيد إلا الاسم. وما نراه من تسافل لدى المسلمين من جهتي الإدراك والفعل، لَهو بسبب إهمال شأن النبوة، وبسبب النظر إليها وكأنها أمر تاريخي غير ملامس للواقع...

    [قال المحب الصوفي:

    نسيمَ الصَّبَا إن زرتَ أرض أحبتي *** فخُـصَّـهُـمُ عنـي بكــل سـلام
    وبلِّغْهـمُ أني رهيـنُ صَـبَـــــــــــابَـةٍ *** وأن غـرامي فوق كـل غـرام
    وأني لَيكفيـني طـــــــــروق خيالهم *** لَو أنَّ جـفوني مُتّـعــت بمنــامِ
    وقد صمت عن لذات نفسـي كلِّهـــــــا *** ويـومُ لقاكم ذَاكَ فِطْرُ صيـامي]:


    هذا الشعر لا ينفع من كان سالكا لطريق العلم، وإنما هو مؤنس لأهل الشوق وحدهم. نقبله من الكاتب مدخلا إلى الكلام عن الطريق، ونرى فيه إشارة جيدة تجعل المـُقبل يلتفت إلى قلبه، بدل أن يبقى ناظرا بعقله وحده.

    [وقلتُ:

    ويـومُ لِقَاكُم يا مُنـى القلب موعـــــــــدي *** لطرح حجــــابي وانجـــلاءِ ظـلامي
    ركضت جوادي قاصدا ذروة العـلا *** ودون العلا بحر المهالك طـامي
    تهافت جهــدي لاقتحـام لِجـــــــــــاجها *** فيا ربِّ أسعفـنــي وخـذ بِزِمــامي]:


    هذا الشعر يليق بالمقبل على الطريق من المبتدئين وحده؛ ولعل الكاتب يتمثل به حال المبتدئ ليؤنسه عند علمه بوجود من له إحاطة بحاله؛ وإلا فإنه لا يليق بالكاتب، وهو من ادعى أنه من أهل مكة، وأنه قد شب عن الطوق وأصبح داعيا إلى الله.

    فهذا جزء "إسماع الفطرة" نطويه، وهو يقتصر على أدنى ما يمكن أن يُعرف عن الفطرة، وعلى أدنى ما يربطها بالوحي والتشريع؛ ولكن على ما فيه من تعميم واختصار، هو جيد ويسير بنا في الاتجاه الصحيح...


    [1] . أخرجه البزار عن عمران بن حصين رضي الله عنه.
    [2] . أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [3] . أخرجه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.

      الوقت/التاريخ الآن هو 22/11/2024, 18:41