إحسان الإحسان - 19 -
عقبة الخلاف والاختلاف
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:
[بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾. يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك.]
[كان عبد الله بن المبارك محدثا كبيرا، وجمع الله له إلى ذلك خصالا جليلة، فكان شاعرا جوادا مجاهدا، يحج عاما ويغزو عاما. واشتهر فضيل بن عياض بالزهد والصلاح، يعتبره الزهاد والصوفية إماماً.]:
عبد الله بن المبارك والفضيل بن عياض، كانا من أقطاب مرتبة الإيمان. ولقد كان هذا الصنف من التصوف، هو ما جاء بعد عصر التابعين وتابعيهم، عندما نزلت العامة عن مرتبة الإيمان، فصارت الدعوة إليها بدل الدعوة إلى الإحسان التي كانت قبلهم. وستنزل الأمة عن هذه المرتبة في عمومها مع بعدها عن نور النبوة، كلما تقدم الزمان، إلى مرتبة الإسلام. لذلك كنا نقول إن التصوف اليوم يبدأ من مرتبة الإسلام، ليصحح الإسلام لأهله، ويجرده من الشوائب التي دخلت عليه. وإن القرون التي جاءت بعد القرن السابع الهجري، كانت إيذانا باكتفاء الأمة بأدنى مرتبة، وإن تكلم علماء الدين في كل الشؤون والمراتب. لكنهم سيفعلون ذلك من داخل المرتبة الأولى، من دون أن يشعروا. وإن أبرز من وقع في هذا الأمر ابن تيمية، الذي سيصبح لدى كل الغافلين من بعده "شيخ الإسلام". ومعنى شيخ الإسلام عندنا نحن، هو أنهم ما أدركوا الإسلام الدين إلا من كلامه عنه، والذي قلنا عنه إنه كان من مرتبة واحدة فحسب. ومع هذا الانقلاب المؤسَّس ستدخل الأمة في مرحلة الانحطاط الديني حقيقة، وسيعلن الصوفية الذين أبقوا على طريق الترقي سالكا منذ القرون الأولى، أن التربية (بالاصطلاح) قد انسد بابها، ولم تبق إلا التربية بـ "النظرة" (الهمة). وهذا معلوم لأهله.
وإن عودة الكاتب إلى تابعي التابعين تدل على أنه لا خبر له عن التطورات الحاصلة في التدين الجماعي، ولا عن الفروق الجوهرية بين المراحل والحقب. ومن لم يكن على علم بما ذكرنا، فلا يمكن أن يكون مربيا بالمعنى الأصلي الشرعي. وهذا هو ما سيجعل صاحبنا مربيا بالمعنى العام الذي لا يخلو من الأيديولوجيا، كما عرفها الإسلاميون الحركيون قبله.
وأما قوله إن الصوفية يجعلون الفضيل إماما، فإنه يدل على أنه لا يعلم من الصوفية إلا عوامهم. وقد ذكرنا عنه هذا الأمر فيما قبل عند وقوفنا على ما يدل عليه، ونحن نؤكده هنا مرة أخرى؛ حتى لا ينتظر أحد منه أن يتكلم عن التصوف كلاما معتبرا عند أولي العلم.
[عِتَابٌ رقيق بين صديقين متصافيين. وكان الرجلان عَلَمين بارزين من أعلام القرن الثاني.]:
سبق أن ذكرنا طعن المحققين في صحة قصة توجيه ابن المبارك لتلك الرسالة الشعرية إلى الفضيل. وسبق أن ذكرنا في الفقرة السابقة أن زمن تابعي التابعين، كان مؤذنا بالنزول العام عن مرتبة الإيمان؛ وهذا هو ما جعل نجم ابن المبارك والفضيل يسطع آنذاك.
[في القرون التالية اتخذ الخلاف في المذهب والرأي ووجهة النظر شكل الجدَل العَنيف، واستفحل، وكانت حروب كلامية وغارات.]:
إن الاختلاف دخل على الأمة، عند قلة السالكين فيها. وقد ذكرنا سابقا أن السلوك يعني التدين الحقيق الحي، في مقابل التدين الصوري الذي لا ترقي فيه، وبالتالي لا معرفة دينية بمعناها الأصيل ينالها العبد منه. ولما قل السالكون، استعاض الناس (العلماء خصوصا) بالنظر العقلي في الفقه وفي العقائد، عن الذوق والكشف. وفي هذا المعنى قيل:
فكم بين حُذّاق الجدال تنازع وما بين عشاق الجمال تنازع
والعقل لا بد أن يطبع التديّن في زمانه بطابعه، والذي هو منطقه. فما وافق المنطق العقلي فمقبول، وما خالفه فمردود. وأما في الفقه، فلا ضرر وقد رخص الشرع لأهله النظر في الوحي من أجل استنباط النصوص. فقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. والمقصود بأولي الأمر هنا: العلماء المتحرّون للحكم الشرعي. لكن العقل عندما ولج مجال العقائد، فإنه قد جعلها خاضعة لمنطقه أيضا، وهذا لا يصح. فكان هذا التناول للعقائد بالعقول، فاتحة البلاء المستمر في الأمة إلى الآن. والغريب، هو أنه لا يكاد أحد يشعر بما وقع، من شدة وثوق الناس بعقولهم وعقول أئمتهم ومراجعهم. ولم يعلم المساكين أن معرفة الله لا تكون عقلية أبدا، لأن صفة العزة تمنع أن يُعلم الله بهجوم العقول عليه!... ولا نرى نحن أن الكاتب على علم بما ذكرنا، وإنما هو يقرر واقعا تاريخيا من دون أن يعلم خلفيته.
[وتَرِثُ هذه الأجيال المتأخرة كتُبَ الخلاف فيما ترث، فتقفُ عند جزئيات الخلاف دون أن تتعلم أن ذلك الخلاف كان ضروريا، وكان رحمة، لأنه تمخض عن زبدة الدين، وتحررتْ من خلاله العقيدة، وصُفي الحديث، وتأصل الفقه، وحوربت البدع.]:
يستلهم الكاتب هنا مسوغات الفقهاء للخلاف، من دون أن يبحثها بنفسه؛ وهذا يجعله مقلدا، والمقلِّد لا يُؤتم به في العلم. وكما ذكرنا آنفا، فإن الفقه يحتمل الاختلاف، وقد يكون الاختلاف فيه رحمة؛ ولكن الاختلاف في العقائد كان وبالا من غير شك. ووصف الكاتب الخلاف بالضروري، لا ينطبق من الناحية العلمية إلا على الفقه وحده؛ وأما العقائد فالضروري منها ظهورها في الوجود. وهذا غير كونها صحيحة أو رحمة بالمعنى الشائع؛ مع أنها رحمة بالمقولات وبأهلها من غير شك. وهذا كلام من وراء العلم الظاهر.
وتحرير العقيدة، معناه في الحقيقة عودتها أيديولوجيا؛ لكن الكاتب لا يدرك الفرق. وأما تصفية الحديث، فلم تحظ بتلك الأهمية إلا بعد فقد السلوك، وعند فقد الاتصال بنور النبوة. إن صاحبنا ومِن ورائه متأخرو العلماء، يظنون أن العلم بالنصوص ضروري في عملية التدين، ضرورة العلة للمعلول؛ والحقيقة هي أن النور النبوي يعطي السالك أكثر مما تعطيه النصوص من نفسها؛ وما ذلك إلا لأن المشكاة واحدة. نعم، إن العالم بالنصوص عليه أن يعرض مواجيده عليها ليعلم مدى مطابقتها فحسب، لا ليستنبط بعقله منها علما. وهذا إن حققنا النظر، هو الفرق الرئيس بين طريق الكسب وطريق الوهب. ولولا هذا الذي نذكر، ما صح سلوك من أميّ، وقد علمنا من تاريخنا بروز أولياء كبار من بين الأميين، شهد لهم من جمع بين العلمين الظاهر والباطن من العلماء. وإن أجلى نموذج عندنا نحن المغاربة، الشيخ أبو يعزى يلّنّور رضي الله عنه، الذي كان أمازيغيا لا يعرف العربية، وكان لا يحفظ من القرآن إلا الإخلاص والمعوذتين؛ ومع ذلك شهد له الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه -وهو من هو- وكان معاصرا له، بالولاية الكبرى. ومن كان لا يحفظ من القرآن إلا يسيره، فلا شك هو بالحديث ومراتبه من جهة الظاهر أجهل. فكيف وصل هؤلاء إلى العلم الذي لا يعلمه العلماء من أصحاب الدراسة والنقل، لولا أن النور من النبي صلى الله عليه وآله وسلم متضمن لعلم الظاهر وعلوم أخرى!...
وأما البدعة، فإن المفهوم منها، لا شك سيتغير من المفهوم الأول الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وكان عليه أهل المدد النوري من بعدهم، لينحصر فيما يعطيه العقل من إدراكه للسنة بحسبه. وهذه المسألة، لا نظن أن أحدا من المتأخرين بعد الشعراني رضي الله عنه وأضرابه من أمثال النابلسي (عبد الغني) رضي الله عنه، يذكرها ويعيدها إلى أصلها. والكلام يطول فيما أومأنا إليه، ومن أراد التوسع فليتابعه في كل كتاباتنا وتسجيلاتنا.
[لا يمكننا أن نضرب بما شجر من خلاف بين علمائنا عُرض الحائط، ويمكننا أن نستفيد من مسيرة هُبوطِهِ إلينَا اكتشاف الطريق الصاعدة إلى النبوة والخلافة الراشدة. تخطي هذا الخلاف مثل اتّخاذه هدفاً أسمى وسقفا موقفان متطرفان، بينهما توجد الحكمة.]:
هذا الكلام يدل على أن الكاتب شعر بالمسألة التي أوضحناها نحن فيما سبق، لكنه لم يتبيّنها؛ فأراد الخروج منها بالمنطق العقلي وحده، والذي أعطاه أن الحكمة توجد بين طرفي التفريط في الخلاف والإفراط؛ وهذا لا يصح من جهة العلم الحق. ونعني أن الحق هو في مجاوزة الخلاف، عند مجاوزة العقل بالتلقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من كل زمن؛ بما أنه هو المعلم الأوحد في جميع الأزمنة حقيقة، صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ذكرنا هذا كثيرا في كلامنا، لعله يستقر عند من ينظر فيه. وذكرنا أن هذا الاستمرار في التعليم النبوي، هو مدلول قول الله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]، بعد قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]؛ حتى لا يقول قائل بانقطاع التعليم النبوي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإننا نرى أن أولى ما كان ينبغي تناوله من مسائل العقائد هذه، لو كان الناس يعقلون؛ لأن ما سينجر عنها سيتحدد به تدين القائل بأحد القولين: فمن قال إن التعليم النبوي قد انقطع بالوفاة، فإنه يكون مكذبا لله في كلامه، عاملا بما لم يدل عليه الوحي. وعلى هذا فإن تدينه لن يكون تدينا أصليا، وإن كنا لا نكفّره على التمام. وأما الثاني، من قال باستمرار التعليم النبوي في الأزمنة، فعليه الكلام عن كيفية تحصيله حتى يكون العامل به لاحقا بالصحابة، كما ألحقه الله في الآيتين من سورة الجمعة. وإن نحن نظرنا إلى حال جل علماء الدين المتأخرين، ناهيك عن غيرهم من عوام الناس، فإننا سنجدهم من أهل التدين الأول المقطوع. فكيف بعد هذا، يزعمون علما بالدين، وهم من جانبوا طريقه؟ وكيف سيُعلّمون غيرهم، وجهلهم ثابت!...
[والحكمة قبول الخلاف ظاهرةً بشرية، وقبول تنوع الاجتهاد، وتنظيم هذا التنوع.]:
قلنا إن الحكمة عند الكاتب ليست حكمة حقيقية، وإنما هي إعمال للمنطق العقلي بالبحث عن الوسط الجامع؛ وهذا معروف من العقلاء. وأما الاستشهاد بكون الخلاف ظاهرة بشرية وتنوعا في الاجتهاد، فهو من التدليل العقلي لما اختاره. وهو لم يخرج في ذلك كله عن العقل، وهو من يزعم مرارا أنه منتصر للكتاب والسنة. نعم، إن هذا الانحراف، يخفى عن نظر الكاتب نفسه، فلا يراه إلا من موافقة "العلم"، خصوصا وأن الفقهاء حول ذلك يدندنون؛ ولكن الأمر في العلم الحق لا يكون على هذه الصورة أبدا.
وأما نحن فنقول بقبول الاختلاف؛ بل وبقبول الغلط والباطل؛ من جهة الوجود لا من جهة العلم المعياري. وذلك لأن كل موجود كان ينبغي ظهوره، وإن ذمه العلم؛ ليكتمل ظهور التعينات العقلية والعينية، ويكتمل بها التجلي العام؛ هذا وحده ما يجعلنا نقول بقبول ما قبله الكاتب. وأما إن حكّمنا العلم الشرعي في ذلك، فإننا سنرد منه كثيرا، نراه مخالفا للأصول. ومن هذا الباب أيضا ردنا على الكاتب أقواله. فليُعتبر الفرق بين الأمرين، فإنه نافع جدا لطلبة العلم.
[وبداية الحكمة أن نضع خلافات علمائنا الأولين مواضعها النسبية، لا نتخذ رأي فلان أو فلان مرجعا نهائيا ومطلقا لا تسمو العقول لمناقشته.]:
هذا أيضا كلام عقلي، لا يستند إلى الشرع. والنسبية التي يذكرها الكاتب، هي الوسط الذي يريد الالتقاء عليه مع المخالفين؛ وهو عمل بالدليل العقلي لا الشرعي، كما ذكرنا. ولا يقدح في كلامنا، أن الدليل العقلي معتبر عند الفقهاء في عملية الاستنباط، فذاك مجال مخصوص يقدّر إعمال العقل فيه بقدره.
ونفي المرجعية من الكاتب مطلقا عن كل المتقدمين، هو أيضا قياس عقلي؛ ونحن لا نقول به ولا ننفيه؛ بل نجعل الحكم للعلم وحده فيه. فهو يدلنا على صواب الكلام من القائل، أو يدلنا على خطئه في قوله. وهذا الصنف من العلم، نادر جدا، لا يكاد يوجد إلا عند الأفراد من خواص الخواص. وهو علم يعطي لذة بمجرد تحصيله، لا بالنظر إلى معلوماته التي قد تكون مما يؤلم أو يُكره.
[حظُّ كل صاحب مذهب ورأي من حفظ النص وتحريره، ومن حِدة العقل وتنظيمه، ومن تَوجُّه الإرادة وسموها ومضائها يحدد إمكانياته ويرسم له حدودا. فينكر في حدوده وظروفه وزمانه ومكانه ما هو عند الآخرين غير منكور. ويَرُدّ ويُردّ عليه. ولكل مجتهد أجر عند الله، ووجه معقول مَقْبول عند العقلاء الموفقين.]:
يتكلم الكاتب عن الاجتهاد، من دون أن يميّز بين مجالي الفقه والعقيدة؛ لأنه لا اجتهاد في العقائد، بخلاف ما ظنه المتكلمون. وجيد أنه أرجع الاجتهاد إلى حدة العقل وتنظيمه، وإلى توجه الإرادة من المجتهد، ومضائها وسموها؛ لأن هذا هو مناط الاجتهاد لدى المجتهدين من داخل المذاهب الفقهية. وأما الاجتهاد عند الأئمة، فإنه لا يخلو من نور يؤتيهم الله إياه، به يُدركون وجوه الأدلة التي تغيب عن "المفكرين". ولقد أشار مالك رضي الله عنه إلى هذا المأخذ، في قوله: "لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُلُوبِ."[1]. والنور لا يكون إلا كاشفا؛ ولهذا قيل: إن لأئمة الفقه كشفا يخصهم، حتى يُفرق بين كشفهم، والكشف الذي تتكلم عنه الصوفية.
وأما دلالة الكاتب على أن جميع الاجتهادات تكون مقبولة عند العقلاء، فهي حكم عقلي كعادته؛ وأما الأصل فهو أن يكون الناظر على نور كالمجتهد، فيقبل ويرد بالنور لا بالعقل المجرد. والعقل في النهاية عندما يقبل الأقوال المتقابلة، فإنه لن يبرهن إلا على عدم أهليته، وسيكون طاعنا في صدقيته ما دام منطقه لا يقبل النقيضين في المسألة الواحدة. وأما الحكم بالأجر لكل مجتهد، فذاك حكم الشارع؛ يعتبر فيه الجهد والنية، لا القول المتوصّل إليه، الذي إن كان خطأ، فإنه يكون حتما مخالفا للشرع؛ والمخالف لا يُدعى العباد إلى العمل به أبدا. نعني من هذا، أن كل من "علم" خطأ حكم من الأحكام المنقولة عن أئمة الفقه، فإنه يحرم عليه العمل به، ويجب عليه التبيين في حقه؛ لا أن يُترك الدين ليجمع بين مختلفات الأقوال وكأنه عبث. نعم، إن لم يتمكن الناظر من الترجيح، فعليه نقل الأقوال كما هي، من باب الأمانة العلمية، لا من غيرها. وهذا التفصيل مما يحتاجه كل مشتغل بالعلم، إن كان يريد أن يرتب معلوماته.
[عقبة الخِلاف في شأن الصوفية والتصوف ليست أهون العقبات أمام من يريد أن يشرح ما عند القوم من كنز محفوظ لقارئ وقع في يده كتاب من هذه الورقات السطحية التي تتكاثر في السوق، يكتبها من ألهاهم التكاثر عن السؤال المركزي: "وأنا ماذا فعلت، وماذا علمت، وما حظي من ربي؟".]:
إتباع الكلام عن اجتهاد الفقهاء العقلي، بالكلام عن الصوفية من الكاتب، يدل على جهله بالفرق بين المجالين، وبين وسائلهما وشروطهما. وأما ما دل عليه من عدم جواز اكتفاء الناس بما يجدونه في الكتب عن التصوف، فهو صحيح؛ لأن التصوف سلوك للطريق، يتعرف به السالك مفردات الدين بنفسه من ربه، بحسب كل مرتبة وكل مقام؛ وليس علما نظريا كسائر العلوم. والسؤال الذي ختم الكاتب به الفقرة، ضروري لكل عبد؛ حتى يخرج من تديّن التقليد إلى التديّن الصحيح.
[ينحصر معظم الخلاف على الصوفية في المُحَدّثين الحنابلة. علم أصول الحديث علم تعديل وتجريح، وبنفس المنهاج تناول الحنابلة المحدثون الصوفية فجرحوا أكثر مما عَدَّلوا.]:
الحنابلة وقعوا فيما وقع فيه الكاتب نفسه؛ لأنهم لم يفرقوا بين الفقه والعقائد. فظنوا أنهم حنابلة في الفقه والعقيدة، وهم في الحقيقة حنابلة في الفقه وحده، بما أن الإمام أحمد لم يكن يخالف الأئمة الآخرين في العقيدة. ومن سفاهة بعض الحنابلة المتأخرين، اعتقادهم بأن الأئمة الذين سبقوا إمامهم كانوا على عقيدته هو: عقيدة السلف؛ وكأنهم يعكسون خط سير الزمان. نقول هذا، لأنهم لا يطيقون نسبة عقيدة الإمام أحمد إلى مالك -مثلا- مع كونه على العقيدة السنيّة من غير شك. فلو قلنا إن أحمد كان مالكي العقيدة من باب التجوّز، لقام المتسلفة خوفا على عقيدتهم من الاندثار. وما لا يعلمه هؤلاء المساكين، هو أن الأئمة جميعهم، كانوا على العقيدة السنيّة المشتركة العامة، التي يكون عليها أهل مرتبتي الإسلام والإيمان. وأما الصوفية، فقد انفردوا بالكشف في مرتبتي الإيمان ثم ترقوا إلى الإحسان. ولهم الشهود الذي ينفردون به عن غيرهم، خصوصا في أعلى الإحسان فما فوق. ولهذا كانت عقائد الصوفية تساير كشفهم وشهودهم، ولا يكتفون فيها بالإيمان المجمل الذي يكون بمحكم الكتاب، كما لا دخل فيها لعمل العقل على غرار ما فعل المتكلمون. وإن الخائضين في مجال العقائد، عند جهلهم بما ذكرنا، سيدخلون في رد ما هو حق في أقوال الصوفية، لا لشيء إلا لأنهم يجهلون أنه حق. ومن قال إن أهل الدين يعلمون الحق كله، حتى تكون لهم سلطة الرد والقبول، من دون نظر إلى ما يقع به الامتياز؟!... إن هذا المنطق المعوج، قد أدخل على العلم كثيرا من الجهل، وأضر بشطر كبير من العوام الذين أخذوا أقوال المتكلمين بالتسليم.
[وكان من أدعياء التصوف وفلاسفة الإشراق طوائف نالوا بجدارة واستحقاق من بعض المحدثين الحنابلة تصويرا سلبيا محضا.]:
أدعياء التصوف، كان ينبغي أن يُترك الرد عليهم للصوفية الأحقاء، لا أن يجترئ عليه كل فقيه من مقلدة الصف الأخير. وأما فلاسفة الإشراق، فهم أعلى من الحنابلة من حيث العقل؛ فكان ينبغي أن يُترك تمحيص أقوالهم للفلاسفة أو لأهل التحقق من الصوفية، الذين يعلمون مرتبة كل ناطق من كلامه، ويعلمون محل خطئه إن أخطأ ومحل إصابته إن أصاب. ولكنه الاغترار بالعلم، يوهم أصحابه أنهم أعلم بالدين من غيرهم، وأكثر إحاطة بالوحي من سواهم!... وكأن الله تعالى لم يقل: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
[فأنت إذا قرأت كتاب "تلبيس إبليس" خيل إليك أن الصوفية في كلمة واحدة هم إخوان الشياطين. ويا حسرة على من قرأ نُقول من نقل عن من نقل عن أمثال ابن الجوزي رحمه الله، ثم اكتفى وطوى الملف! ماذا فاتك يا مسكين!]:
يريد الكاتب هنا الإشارة إلى أن متأخري الحنابلة هم أسوأ من متقدميهم في الاجتراء على الناس، وعلى التكفير بأدنى شبهة. ولقد كان يجدر به التصريح، لو كان يريد الخروج من التبعات؛ لأن الكلام على وجه التعميم، لا ينفع المقلدين من المتعصبين. ورغم أن الكاتب يظهر هنا بمظهر المنتصر للتصوف، إلا أنه لن يلبث أن يطعن فيه من وجه قد لا يشعر به الأجلاف وحدهم؛ وأما من له مسكة عقل أو بصيص نور، فإنه سيرى التناقض الصارخ في الأقوال، ويتعجب لما آلت منه إليه الحال!...
[لهذه الخلافات أسباب ظاهرة مشروعة، مثل الخلاف في العقيدة،]:
الخلافات في العقيدة ليست مشروعة، وإنما هي من البدع التي نشأت عن مخالفة الشرع لدى الفرق المختلفة؛ ذلك لأن الله لم يكلّف العباد الكلام في العقائد، وهي تختلف من شخص إلى شخص، بحسب ما يُدرك كلٌّ من دينه عند سلوكه أو بحسب ما يتجلى لباطنه. ونعني من هذا، أن مجال العقائد هو مما يتعلق بباطن الناس؛ والشرع إنما كلفهم التلاقي على الظاهر، الذي هو منوط بأعمال الإسلام المعروفة. ولقد اختلت أعمال الظاهر من المسلمين، عند اختلافهم على ما لم يُكلَّفوا؛ فبدل مجاهدة الكفار جميعا -مثلا- صاروا يقتتلون فيما بينهم. وما وقعوا في هذه المصيبة إلا من مخالفتهم للوحي. وما خالفوا الوحي، إلا بسبب اتباعهم للجهلة من المنتسبين إلى العلم من أئمتهم.
[ولها أسباب دُنيوية تاريخية.]:
أما الأسباب الدنيوية، فحاضرة؛ وهي الأخرى نتجت عن عدم التقيّد بالتكاليف الشرعية. وعلى هذا، فإن السبب الرئيس فيما أصاب الأمة من محن، هو مخالفة الشرع كتابا وسنة، ومخالفة من أمر الله بالاستهداء بهم كالعترة النبوية التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإزاء القرآن في الثقل، وكورثة النبوة العالمين بالدين كله؛ لا بأحكام الإسلام وحدها، كما هو شائع عند الفقهاء.
[والخلاف جزء لا يتجزأ من العناصر الحركية التي عليها صلحت الأرض واستقامت.]:
هذه قاعدة تعود إلى الباطن، بخلاف ما يظن الكاتب؛ وهي صحيحة. لكن الاستدلال بها هنا، لا يصح؛ لأننا بصدد الظاهر وما يتعلق به. ونعني من هذا أن كون المخالفات الشرعية لا تخرج عن الحكمة الإلهية، مما يجعلها معتبرة في العلم، لا يعني عدم مؤاخذة أصحابها بلسان الشرع. وقد غلط في مثل هذه المسألة كثيرون فضلوا وأضلوا.
[الخلاف مهما كانت أسبابه، شريفة عفيفة أو مغرضة أو جاهلة أو تحاملية، دفاع الله الناس بعضهم ببعض، ﴿َوَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾.]:
ما زال الكاتب يريد جعل ما هو معتبر في الباطن معتبرا في الظاهر؛ وهذا جهل، لا يقع فيه العلماء الذين هم علماء عند الله.
عقبة الخلاف والاختلاف
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:
[بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾. يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك.]
[كان عبد الله بن المبارك محدثا كبيرا، وجمع الله له إلى ذلك خصالا جليلة، فكان شاعرا جوادا مجاهدا، يحج عاما ويغزو عاما. واشتهر فضيل بن عياض بالزهد والصلاح، يعتبره الزهاد والصوفية إماماً.]:
عبد الله بن المبارك والفضيل بن عياض، كانا من أقطاب مرتبة الإيمان. ولقد كان هذا الصنف من التصوف، هو ما جاء بعد عصر التابعين وتابعيهم، عندما نزلت العامة عن مرتبة الإيمان، فصارت الدعوة إليها بدل الدعوة إلى الإحسان التي كانت قبلهم. وستنزل الأمة عن هذه المرتبة في عمومها مع بعدها عن نور النبوة، كلما تقدم الزمان، إلى مرتبة الإسلام. لذلك كنا نقول إن التصوف اليوم يبدأ من مرتبة الإسلام، ليصحح الإسلام لأهله، ويجرده من الشوائب التي دخلت عليه. وإن القرون التي جاءت بعد القرن السابع الهجري، كانت إيذانا باكتفاء الأمة بأدنى مرتبة، وإن تكلم علماء الدين في كل الشؤون والمراتب. لكنهم سيفعلون ذلك من داخل المرتبة الأولى، من دون أن يشعروا. وإن أبرز من وقع في هذا الأمر ابن تيمية، الذي سيصبح لدى كل الغافلين من بعده "شيخ الإسلام". ومعنى شيخ الإسلام عندنا نحن، هو أنهم ما أدركوا الإسلام الدين إلا من كلامه عنه، والذي قلنا عنه إنه كان من مرتبة واحدة فحسب. ومع هذا الانقلاب المؤسَّس ستدخل الأمة في مرحلة الانحطاط الديني حقيقة، وسيعلن الصوفية الذين أبقوا على طريق الترقي سالكا منذ القرون الأولى، أن التربية (بالاصطلاح) قد انسد بابها، ولم تبق إلا التربية بـ "النظرة" (الهمة). وهذا معلوم لأهله.
وإن عودة الكاتب إلى تابعي التابعين تدل على أنه لا خبر له عن التطورات الحاصلة في التدين الجماعي، ولا عن الفروق الجوهرية بين المراحل والحقب. ومن لم يكن على علم بما ذكرنا، فلا يمكن أن يكون مربيا بالمعنى الأصلي الشرعي. وهذا هو ما سيجعل صاحبنا مربيا بالمعنى العام الذي لا يخلو من الأيديولوجيا، كما عرفها الإسلاميون الحركيون قبله.
وأما قوله إن الصوفية يجعلون الفضيل إماما، فإنه يدل على أنه لا يعلم من الصوفية إلا عوامهم. وقد ذكرنا عنه هذا الأمر فيما قبل عند وقوفنا على ما يدل عليه، ونحن نؤكده هنا مرة أخرى؛ حتى لا ينتظر أحد منه أن يتكلم عن التصوف كلاما معتبرا عند أولي العلم.
[عِتَابٌ رقيق بين صديقين متصافيين. وكان الرجلان عَلَمين بارزين من أعلام القرن الثاني.]:
سبق أن ذكرنا طعن المحققين في صحة قصة توجيه ابن المبارك لتلك الرسالة الشعرية إلى الفضيل. وسبق أن ذكرنا في الفقرة السابقة أن زمن تابعي التابعين، كان مؤذنا بالنزول العام عن مرتبة الإيمان؛ وهذا هو ما جعل نجم ابن المبارك والفضيل يسطع آنذاك.
[في القرون التالية اتخذ الخلاف في المذهب والرأي ووجهة النظر شكل الجدَل العَنيف، واستفحل، وكانت حروب كلامية وغارات.]:
إن الاختلاف دخل على الأمة، عند قلة السالكين فيها. وقد ذكرنا سابقا أن السلوك يعني التدين الحقيق الحي، في مقابل التدين الصوري الذي لا ترقي فيه، وبالتالي لا معرفة دينية بمعناها الأصيل ينالها العبد منه. ولما قل السالكون، استعاض الناس (العلماء خصوصا) بالنظر العقلي في الفقه وفي العقائد، عن الذوق والكشف. وفي هذا المعنى قيل:
فكم بين حُذّاق الجدال تنازع وما بين عشاق الجمال تنازع
والعقل لا بد أن يطبع التديّن في زمانه بطابعه، والذي هو منطقه. فما وافق المنطق العقلي فمقبول، وما خالفه فمردود. وأما في الفقه، فلا ضرر وقد رخص الشرع لأهله النظر في الوحي من أجل استنباط النصوص. فقد قال الله تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]. والمقصود بأولي الأمر هنا: العلماء المتحرّون للحكم الشرعي. لكن العقل عندما ولج مجال العقائد، فإنه قد جعلها خاضعة لمنطقه أيضا، وهذا لا يصح. فكان هذا التناول للعقائد بالعقول، فاتحة البلاء المستمر في الأمة إلى الآن. والغريب، هو أنه لا يكاد أحد يشعر بما وقع، من شدة وثوق الناس بعقولهم وعقول أئمتهم ومراجعهم. ولم يعلم المساكين أن معرفة الله لا تكون عقلية أبدا، لأن صفة العزة تمنع أن يُعلم الله بهجوم العقول عليه!... ولا نرى نحن أن الكاتب على علم بما ذكرنا، وإنما هو يقرر واقعا تاريخيا من دون أن يعلم خلفيته.
[وتَرِثُ هذه الأجيال المتأخرة كتُبَ الخلاف فيما ترث، فتقفُ عند جزئيات الخلاف دون أن تتعلم أن ذلك الخلاف كان ضروريا، وكان رحمة، لأنه تمخض عن زبدة الدين، وتحررتْ من خلاله العقيدة، وصُفي الحديث، وتأصل الفقه، وحوربت البدع.]:
يستلهم الكاتب هنا مسوغات الفقهاء للخلاف، من دون أن يبحثها بنفسه؛ وهذا يجعله مقلدا، والمقلِّد لا يُؤتم به في العلم. وكما ذكرنا آنفا، فإن الفقه يحتمل الاختلاف، وقد يكون الاختلاف فيه رحمة؛ ولكن الاختلاف في العقائد كان وبالا من غير شك. ووصف الكاتب الخلاف بالضروري، لا ينطبق من الناحية العلمية إلا على الفقه وحده؛ وأما العقائد فالضروري منها ظهورها في الوجود. وهذا غير كونها صحيحة أو رحمة بالمعنى الشائع؛ مع أنها رحمة بالمقولات وبأهلها من غير شك. وهذا كلام من وراء العلم الظاهر.
وتحرير العقيدة، معناه في الحقيقة عودتها أيديولوجيا؛ لكن الكاتب لا يدرك الفرق. وأما تصفية الحديث، فلم تحظ بتلك الأهمية إلا بعد فقد السلوك، وعند فقد الاتصال بنور النبوة. إن صاحبنا ومِن ورائه متأخرو العلماء، يظنون أن العلم بالنصوص ضروري في عملية التدين، ضرورة العلة للمعلول؛ والحقيقة هي أن النور النبوي يعطي السالك أكثر مما تعطيه النصوص من نفسها؛ وما ذلك إلا لأن المشكاة واحدة. نعم، إن العالم بالنصوص عليه أن يعرض مواجيده عليها ليعلم مدى مطابقتها فحسب، لا ليستنبط بعقله منها علما. وهذا إن حققنا النظر، هو الفرق الرئيس بين طريق الكسب وطريق الوهب. ولولا هذا الذي نذكر، ما صح سلوك من أميّ، وقد علمنا من تاريخنا بروز أولياء كبار من بين الأميين، شهد لهم من جمع بين العلمين الظاهر والباطن من العلماء. وإن أجلى نموذج عندنا نحن المغاربة، الشيخ أبو يعزى يلّنّور رضي الله عنه، الذي كان أمازيغيا لا يعرف العربية، وكان لا يحفظ من القرآن إلا الإخلاص والمعوذتين؛ ومع ذلك شهد له الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه -وهو من هو- وكان معاصرا له، بالولاية الكبرى. ومن كان لا يحفظ من القرآن إلا يسيره، فلا شك هو بالحديث ومراتبه من جهة الظاهر أجهل. فكيف وصل هؤلاء إلى العلم الذي لا يعلمه العلماء من أصحاب الدراسة والنقل، لولا أن النور من النبي صلى الله عليه وآله وسلم متضمن لعلم الظاهر وعلوم أخرى!...
وأما البدعة، فإن المفهوم منها، لا شك سيتغير من المفهوم الأول الذي كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وكان عليه أهل المدد النوري من بعدهم، لينحصر فيما يعطيه العقل من إدراكه للسنة بحسبه. وهذه المسألة، لا نظن أن أحدا من المتأخرين بعد الشعراني رضي الله عنه وأضرابه من أمثال النابلسي (عبد الغني) رضي الله عنه، يذكرها ويعيدها إلى أصلها. والكلام يطول فيما أومأنا إليه، ومن أراد التوسع فليتابعه في كل كتاباتنا وتسجيلاتنا.
[لا يمكننا أن نضرب بما شجر من خلاف بين علمائنا عُرض الحائط، ويمكننا أن نستفيد من مسيرة هُبوطِهِ إلينَا اكتشاف الطريق الصاعدة إلى النبوة والخلافة الراشدة. تخطي هذا الخلاف مثل اتّخاذه هدفاً أسمى وسقفا موقفان متطرفان، بينهما توجد الحكمة.]:
هذا الكلام يدل على أن الكاتب شعر بالمسألة التي أوضحناها نحن فيما سبق، لكنه لم يتبيّنها؛ فأراد الخروج منها بالمنطق العقلي وحده، والذي أعطاه أن الحكمة توجد بين طرفي التفريط في الخلاف والإفراط؛ وهذا لا يصح من جهة العلم الحق. ونعني أن الحق هو في مجاوزة الخلاف، عند مجاوزة العقل بالتلقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من كل زمن؛ بما أنه هو المعلم الأوحد في جميع الأزمنة حقيقة، صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ذكرنا هذا كثيرا في كلامنا، لعله يستقر عند من ينظر فيه. وذكرنا أن هذا الاستمرار في التعليم النبوي، هو مدلول قول الله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة: 3]، بعد قوله سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]؛ حتى لا يقول قائل بانقطاع التعليم النبوي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وإننا نرى أن أولى ما كان ينبغي تناوله من مسائل العقائد هذه، لو كان الناس يعقلون؛ لأن ما سينجر عنها سيتحدد به تدين القائل بأحد القولين: فمن قال إن التعليم النبوي قد انقطع بالوفاة، فإنه يكون مكذبا لله في كلامه، عاملا بما لم يدل عليه الوحي. وعلى هذا فإن تدينه لن يكون تدينا أصليا، وإن كنا لا نكفّره على التمام. وأما الثاني، من قال باستمرار التعليم النبوي في الأزمنة، فعليه الكلام عن كيفية تحصيله حتى يكون العامل به لاحقا بالصحابة، كما ألحقه الله في الآيتين من سورة الجمعة. وإن نحن نظرنا إلى حال جل علماء الدين المتأخرين، ناهيك عن غيرهم من عوام الناس، فإننا سنجدهم من أهل التدين الأول المقطوع. فكيف بعد هذا، يزعمون علما بالدين، وهم من جانبوا طريقه؟ وكيف سيُعلّمون غيرهم، وجهلهم ثابت!...
[والحكمة قبول الخلاف ظاهرةً بشرية، وقبول تنوع الاجتهاد، وتنظيم هذا التنوع.]:
قلنا إن الحكمة عند الكاتب ليست حكمة حقيقية، وإنما هي إعمال للمنطق العقلي بالبحث عن الوسط الجامع؛ وهذا معروف من العقلاء. وأما الاستشهاد بكون الخلاف ظاهرة بشرية وتنوعا في الاجتهاد، فهو من التدليل العقلي لما اختاره. وهو لم يخرج في ذلك كله عن العقل، وهو من يزعم مرارا أنه منتصر للكتاب والسنة. نعم، إن هذا الانحراف، يخفى عن نظر الكاتب نفسه، فلا يراه إلا من موافقة "العلم"، خصوصا وأن الفقهاء حول ذلك يدندنون؛ ولكن الأمر في العلم الحق لا يكون على هذه الصورة أبدا.
وأما نحن فنقول بقبول الاختلاف؛ بل وبقبول الغلط والباطل؛ من جهة الوجود لا من جهة العلم المعياري. وذلك لأن كل موجود كان ينبغي ظهوره، وإن ذمه العلم؛ ليكتمل ظهور التعينات العقلية والعينية، ويكتمل بها التجلي العام؛ هذا وحده ما يجعلنا نقول بقبول ما قبله الكاتب. وأما إن حكّمنا العلم الشرعي في ذلك، فإننا سنرد منه كثيرا، نراه مخالفا للأصول. ومن هذا الباب أيضا ردنا على الكاتب أقواله. فليُعتبر الفرق بين الأمرين، فإنه نافع جدا لطلبة العلم.
[وبداية الحكمة أن نضع خلافات علمائنا الأولين مواضعها النسبية، لا نتخذ رأي فلان أو فلان مرجعا نهائيا ومطلقا لا تسمو العقول لمناقشته.]:
هذا أيضا كلام عقلي، لا يستند إلى الشرع. والنسبية التي يذكرها الكاتب، هي الوسط الذي يريد الالتقاء عليه مع المخالفين؛ وهو عمل بالدليل العقلي لا الشرعي، كما ذكرنا. ولا يقدح في كلامنا، أن الدليل العقلي معتبر عند الفقهاء في عملية الاستنباط، فذاك مجال مخصوص يقدّر إعمال العقل فيه بقدره.
ونفي المرجعية من الكاتب مطلقا عن كل المتقدمين، هو أيضا قياس عقلي؛ ونحن لا نقول به ولا ننفيه؛ بل نجعل الحكم للعلم وحده فيه. فهو يدلنا على صواب الكلام من القائل، أو يدلنا على خطئه في قوله. وهذا الصنف من العلم، نادر جدا، لا يكاد يوجد إلا عند الأفراد من خواص الخواص. وهو علم يعطي لذة بمجرد تحصيله، لا بالنظر إلى معلوماته التي قد تكون مما يؤلم أو يُكره.
[حظُّ كل صاحب مذهب ورأي من حفظ النص وتحريره، ومن حِدة العقل وتنظيمه، ومن تَوجُّه الإرادة وسموها ومضائها يحدد إمكانياته ويرسم له حدودا. فينكر في حدوده وظروفه وزمانه ومكانه ما هو عند الآخرين غير منكور. ويَرُدّ ويُردّ عليه. ولكل مجتهد أجر عند الله، ووجه معقول مَقْبول عند العقلاء الموفقين.]:
يتكلم الكاتب عن الاجتهاد، من دون أن يميّز بين مجالي الفقه والعقيدة؛ لأنه لا اجتهاد في العقائد، بخلاف ما ظنه المتكلمون. وجيد أنه أرجع الاجتهاد إلى حدة العقل وتنظيمه، وإلى توجه الإرادة من المجتهد، ومضائها وسموها؛ لأن هذا هو مناط الاجتهاد لدى المجتهدين من داخل المذاهب الفقهية. وأما الاجتهاد عند الأئمة، فإنه لا يخلو من نور يؤتيهم الله إياه، به يُدركون وجوه الأدلة التي تغيب عن "المفكرين". ولقد أشار مالك رضي الله عنه إلى هذا المأخذ، في قوله: "لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، إِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَضَعُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُلُوبِ."[1]. والنور لا يكون إلا كاشفا؛ ولهذا قيل: إن لأئمة الفقه كشفا يخصهم، حتى يُفرق بين كشفهم، والكشف الذي تتكلم عنه الصوفية.
وأما دلالة الكاتب على أن جميع الاجتهادات تكون مقبولة عند العقلاء، فهي حكم عقلي كعادته؛ وأما الأصل فهو أن يكون الناظر على نور كالمجتهد، فيقبل ويرد بالنور لا بالعقل المجرد. والعقل في النهاية عندما يقبل الأقوال المتقابلة، فإنه لن يبرهن إلا على عدم أهليته، وسيكون طاعنا في صدقيته ما دام منطقه لا يقبل النقيضين في المسألة الواحدة. وأما الحكم بالأجر لكل مجتهد، فذاك حكم الشارع؛ يعتبر فيه الجهد والنية، لا القول المتوصّل إليه، الذي إن كان خطأ، فإنه يكون حتما مخالفا للشرع؛ والمخالف لا يُدعى العباد إلى العمل به أبدا. نعني من هذا، أن كل من "علم" خطأ حكم من الأحكام المنقولة عن أئمة الفقه، فإنه يحرم عليه العمل به، ويجب عليه التبيين في حقه؛ لا أن يُترك الدين ليجمع بين مختلفات الأقوال وكأنه عبث. نعم، إن لم يتمكن الناظر من الترجيح، فعليه نقل الأقوال كما هي، من باب الأمانة العلمية، لا من غيرها. وهذا التفصيل مما يحتاجه كل مشتغل بالعلم، إن كان يريد أن يرتب معلوماته.
[عقبة الخِلاف في شأن الصوفية والتصوف ليست أهون العقبات أمام من يريد أن يشرح ما عند القوم من كنز محفوظ لقارئ وقع في يده كتاب من هذه الورقات السطحية التي تتكاثر في السوق، يكتبها من ألهاهم التكاثر عن السؤال المركزي: "وأنا ماذا فعلت، وماذا علمت، وما حظي من ربي؟".]:
إتباع الكلام عن اجتهاد الفقهاء العقلي، بالكلام عن الصوفية من الكاتب، يدل على جهله بالفرق بين المجالين، وبين وسائلهما وشروطهما. وأما ما دل عليه من عدم جواز اكتفاء الناس بما يجدونه في الكتب عن التصوف، فهو صحيح؛ لأن التصوف سلوك للطريق، يتعرف به السالك مفردات الدين بنفسه من ربه، بحسب كل مرتبة وكل مقام؛ وليس علما نظريا كسائر العلوم. والسؤال الذي ختم الكاتب به الفقرة، ضروري لكل عبد؛ حتى يخرج من تديّن التقليد إلى التديّن الصحيح.
[ينحصر معظم الخلاف على الصوفية في المُحَدّثين الحنابلة. علم أصول الحديث علم تعديل وتجريح، وبنفس المنهاج تناول الحنابلة المحدثون الصوفية فجرحوا أكثر مما عَدَّلوا.]:
الحنابلة وقعوا فيما وقع فيه الكاتب نفسه؛ لأنهم لم يفرقوا بين الفقه والعقائد. فظنوا أنهم حنابلة في الفقه والعقيدة، وهم في الحقيقة حنابلة في الفقه وحده، بما أن الإمام أحمد لم يكن يخالف الأئمة الآخرين في العقيدة. ومن سفاهة بعض الحنابلة المتأخرين، اعتقادهم بأن الأئمة الذين سبقوا إمامهم كانوا على عقيدته هو: عقيدة السلف؛ وكأنهم يعكسون خط سير الزمان. نقول هذا، لأنهم لا يطيقون نسبة عقيدة الإمام أحمد إلى مالك -مثلا- مع كونه على العقيدة السنيّة من غير شك. فلو قلنا إن أحمد كان مالكي العقيدة من باب التجوّز، لقام المتسلفة خوفا على عقيدتهم من الاندثار. وما لا يعلمه هؤلاء المساكين، هو أن الأئمة جميعهم، كانوا على العقيدة السنيّة المشتركة العامة، التي يكون عليها أهل مرتبتي الإسلام والإيمان. وأما الصوفية، فقد انفردوا بالكشف في مرتبتي الإيمان ثم ترقوا إلى الإحسان. ولهم الشهود الذي ينفردون به عن غيرهم، خصوصا في أعلى الإحسان فما فوق. ولهذا كانت عقائد الصوفية تساير كشفهم وشهودهم، ولا يكتفون فيها بالإيمان المجمل الذي يكون بمحكم الكتاب، كما لا دخل فيها لعمل العقل على غرار ما فعل المتكلمون. وإن الخائضين في مجال العقائد، عند جهلهم بما ذكرنا، سيدخلون في رد ما هو حق في أقوال الصوفية، لا لشيء إلا لأنهم يجهلون أنه حق. ومن قال إن أهل الدين يعلمون الحق كله، حتى تكون لهم سلطة الرد والقبول، من دون نظر إلى ما يقع به الامتياز؟!... إن هذا المنطق المعوج، قد أدخل على العلم كثيرا من الجهل، وأضر بشطر كبير من العوام الذين أخذوا أقوال المتكلمين بالتسليم.
[وكان من أدعياء التصوف وفلاسفة الإشراق طوائف نالوا بجدارة واستحقاق من بعض المحدثين الحنابلة تصويرا سلبيا محضا.]:
أدعياء التصوف، كان ينبغي أن يُترك الرد عليهم للصوفية الأحقاء، لا أن يجترئ عليه كل فقيه من مقلدة الصف الأخير. وأما فلاسفة الإشراق، فهم أعلى من الحنابلة من حيث العقل؛ فكان ينبغي أن يُترك تمحيص أقوالهم للفلاسفة أو لأهل التحقق من الصوفية، الذين يعلمون مرتبة كل ناطق من كلامه، ويعلمون محل خطئه إن أخطأ ومحل إصابته إن أصاب. ولكنه الاغترار بالعلم، يوهم أصحابه أنهم أعلم بالدين من غيرهم، وأكثر إحاطة بالوحي من سواهم!... وكأن الله تعالى لم يقل: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76].
[فأنت إذا قرأت كتاب "تلبيس إبليس" خيل إليك أن الصوفية في كلمة واحدة هم إخوان الشياطين. ويا حسرة على من قرأ نُقول من نقل عن من نقل عن أمثال ابن الجوزي رحمه الله، ثم اكتفى وطوى الملف! ماذا فاتك يا مسكين!]:
يريد الكاتب هنا الإشارة إلى أن متأخري الحنابلة هم أسوأ من متقدميهم في الاجتراء على الناس، وعلى التكفير بأدنى شبهة. ولقد كان يجدر به التصريح، لو كان يريد الخروج من التبعات؛ لأن الكلام على وجه التعميم، لا ينفع المقلدين من المتعصبين. ورغم أن الكاتب يظهر هنا بمظهر المنتصر للتصوف، إلا أنه لن يلبث أن يطعن فيه من وجه قد لا يشعر به الأجلاف وحدهم؛ وأما من له مسكة عقل أو بصيص نور، فإنه سيرى التناقض الصارخ في الأقوال، ويتعجب لما آلت منه إليه الحال!...
[لهذه الخلافات أسباب ظاهرة مشروعة، مثل الخلاف في العقيدة،]:
الخلافات في العقيدة ليست مشروعة، وإنما هي من البدع التي نشأت عن مخالفة الشرع لدى الفرق المختلفة؛ ذلك لأن الله لم يكلّف العباد الكلام في العقائد، وهي تختلف من شخص إلى شخص، بحسب ما يُدرك كلٌّ من دينه عند سلوكه أو بحسب ما يتجلى لباطنه. ونعني من هذا، أن مجال العقائد هو مما يتعلق بباطن الناس؛ والشرع إنما كلفهم التلاقي على الظاهر، الذي هو منوط بأعمال الإسلام المعروفة. ولقد اختلت أعمال الظاهر من المسلمين، عند اختلافهم على ما لم يُكلَّفوا؛ فبدل مجاهدة الكفار جميعا -مثلا- صاروا يقتتلون فيما بينهم. وما وقعوا في هذه المصيبة إلا من مخالفتهم للوحي. وما خالفوا الوحي، إلا بسبب اتباعهم للجهلة من المنتسبين إلى العلم من أئمتهم.
[ولها أسباب دُنيوية تاريخية.]:
أما الأسباب الدنيوية، فحاضرة؛ وهي الأخرى نتجت عن عدم التقيّد بالتكاليف الشرعية. وعلى هذا، فإن السبب الرئيس فيما أصاب الأمة من محن، هو مخالفة الشرع كتابا وسنة، ومخالفة من أمر الله بالاستهداء بهم كالعترة النبوية التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإزاء القرآن في الثقل، وكورثة النبوة العالمين بالدين كله؛ لا بأحكام الإسلام وحدها، كما هو شائع عند الفقهاء.
[والخلاف جزء لا يتجزأ من العناصر الحركية التي عليها صلحت الأرض واستقامت.]:
هذه قاعدة تعود إلى الباطن، بخلاف ما يظن الكاتب؛ وهي صحيحة. لكن الاستدلال بها هنا، لا يصح؛ لأننا بصدد الظاهر وما يتعلق به. ونعني من هذا أن كون المخالفات الشرعية لا تخرج عن الحكمة الإلهية، مما يجعلها معتبرة في العلم، لا يعني عدم مؤاخذة أصحابها بلسان الشرع. وقد غلط في مثل هذه المسألة كثيرون فضلوا وأضلوا.
[الخلاف مهما كانت أسبابه، شريفة عفيفة أو مغرضة أو جاهلة أو تحاملية، دفاع الله الناس بعضهم ببعض، ﴿َوَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾.]:
ما زال الكاتب يريد جعل ما هو معتبر في الباطن معتبرا في الظاهر؛ وهذا جهل، لا يقع فيه العلماء الذين هم علماء عند الله.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin