إحسان الإحسان - 21 -
الفصل الثالث: الصحبة والجماعة:
حب الله قطب رحى الدين
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:
[بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾.رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكُر لِي ولا تمكُر علي، واهدني ويسر هُدَايَ، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مِطْواعاً، إليك مُجيبا مُنيبا تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبِّتْ حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسللْ سخيمة قلبي.]
[الطريق الصادقة الصاعدة التي إن استقام عليها العبد في إرادته وجه الله، لا تصْرِفُ إرادة الدنيا وجهَه، طريق تقرب إلى الله عز وجل وتوصل إليه.]:
سلوك الطريق إلى الله، لا يكون معه إرادة للدنيا؛ فكيف يعتبرها الكاتب هنا، ويحكم بأنها لو وُجدت لا تؤثر على توجه العبد!... إن الكاتب بحكمه هذا، يخالف صريح القرآن والسنة، وهو من يكرر أنه ملتزم بهما!... يقول الله تعالى من باب الذم لمريدي الدنيا للصحابة الكرام يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]؛ ولولا إرادة الدنيا لدى مريديها، ما عوقب صف المؤمنين كله، بما أخبر الله عنه في قوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]؛ وسمى إرادة الدنيا المؤدية إلى المخالفة معصية. وما يجري على الصحابة، يجري على غيرهم من المؤمنين؛ فلا سبيل إلى القول بأن المتأخرين قد يصلون بالأسباب ذاتها إلى نتائج تخالف ما وصلوا هم إليه!... ومن هذا الباب قال مالك بن أنس رحمه الله: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.".
ويقول الله تعالى لعموم الخاسرين: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة: 20، 21]، ويقول سبحانه في معرض ذكر المانع عن الخير: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17]. ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند تفسيره للوهن الذي يصيب الأمة: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»[1]. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمْ سَكْرَتَانِ: سَكْرَةُ الْجَهْلِ، وَسَكْرَةُ حُبِّ الْعَيْشِ: وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا، فَلا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْقَائِلُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ!»[2]. فكيف بعد هذا، يجعل الكاتب لإرادة الدنيا محلا في الطريق إلى الله. نعم نحن نعلم أنه يريد بالتنازل عن الشروط، استمالة أكبر عدد من مرضى القلوب من أهل زمانه، كما يفعل غيره من "أئمة العصر"؛ ولكن هذا لا يكون عذرا شرعيا قط. وأقصى ما يمكن للمربي الرباني أن يفعله في زماننا، هو أن يقبل الطالبين على حالهم، في انتظار أن ينصلح أمرهم ويعودوا إلى حال السلامة القلبية. وهذا يقتضي منه تعريفهم بأنهم على مخالفة قلبية خطيرة، قد تكون لها نتائج وخيمة على مصيرهم الأخروي. وأما تحريف أحكام السلوك، وموافقة العامة من المخالفين، فإنه تزوير للدين، وانحراف إلى سبل المضلين. وإن كل من ينتسب إلى طريق التربية، وهو على إرادة الدنيا، لا يفلح أبدا؛ وقد رأينا خلقا كثيرا ممن هذه صفتهم، ورأينا السنين تمر عليهم وهم على حالهم، إن لم يزدادوا سوءا. وبدء الكاتب لهذا الفصل بهذه الضلالة، يجعلنا نتخوف مما سينجر عنها من بناتها. فإنا لله وإنا إليه راجعون...
[إنها طريق الولاية والسبق لدرجات القرب من الله عز وجل. وتتحقق الولاية للعبد.]:
هذا الاستنتاج باطل؛ لأن الولي يزهد في الدنيا وهو بعدُ في بداية سلوكه، وقبل أن تتحقق ولايته. وأما من يبدأ بهذا الخلط، فمآله في الغالب إلى الفسق والفجور. ومن يتأمل حال علماء الدين من المتأخرين، على علمهم بالأحكام في أنفسهم، ويرَ أنهم لا يختلفون عن كبار الفساق من أهل زمانهم، عليه أن يعلم أنّ ذلك ما أصابهم إلا من آفة إرادة الدنيا؛ عندما ظنوا أن العلم (النظري) وحده يكفيهم في بلوغ ثمار الدين. وإن كان هذا حال العلماء، فما الظن بالجاهلين من العامة، أو من منحرفي المتصوفة. وأما الحركيون من الإسلاميين، فإننا سنرى -وسيتأكد هذا مع تقدمنا في الكتاب- أنهم أشد طلبا للدنيا من غيرهم؛ ولا يفوقهم في ذلك إلا الكفار الذين لا دار لهم إلا هي.
[ويُحْرِزُ على السبق والقُربى حين تكلل جهوده في طاعة مولاه وحبه والوفاء له والسير إليه بحب المولى عبده ذلك الحب الخاص الذي تَشرئب إليه أعناق الرجال.]:
هذا كله كذب، لأن مريد الدنيا لا يُعتبر عند الله. وقد قيل إن الله لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها؛ لا لأنها تخلو من الحق أو لأنها فاقدة لتجليات الصفات الإلهية، ولكن لأنها لا تستحق أن يتوجه العباد إليها لذاتها. وأما التوجه إلى الله فلا يحتاج العباد فيه إلى تكلف، لأنه فطري ومطابق للحقيقة. وبدل دلالة الكاتب على ما يجعل العبد يَعلق منذ أول قدم، فقد كان يجدر به الدلالة على الحق، ليتعلق القلب به من البداية ويقوى بذلك على الانطلاق في سلوكه. والسلوك يتطلب قوة باطنية استثنائية، بالنظر إلى حال عموم الناس. ومن لم يعمل على تقوية باطن أتباعه من الشيوخ والمربين، فإنه يكون لهم خائنا عند الله. والقلوب لا تتقوى بالابتداع، وإعادة صياغة معالم الطريق، ولكن بتأكيدها وبترسيخ الأصول التي لا انفكاك عنها. وإن المدد النبوي ضروري في تقوية القلوب وجعلها تُقبل على السلوك، ومن لا مدد له من المربين فإنه يخون أتباعه إن لم يُخبرهم بحقيقة أمره. ولقد وجدنا كثيرا من جهلة التلاميذ، يظنون أن الشأن في تلاوة الأذكار؛ من دون أن يكون لهم تمييز، بين أذكار الأجور وأذكار النور. وهذا من أكبر موانع السلوك لدى المتأخرين!...
[روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذَنته بالحرب. وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعِلُه تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مَساءَتَه".]:
هذا الحديث يجمع بين الكلام في الولاية العامة والولاية الخاصة: ولاية الفرض وولاية النفل؛ إن حصرنا الأمر بين المؤمنين وحدهم. ذلك لأن معنى ولاية الفرض، يتوسع حتى يشمل كل العباد. ولهذا المعنى شواهد من القرآن، لا يطيق العامة من أصحاب العقائد القفصية أن يسمعوها. ولولا تحري الأمانة العلمية، ما دللنا نحن على أصله هنا. وقد قيل: إن في الولاية الأولى، يكون العبد سمع الله وبصره؛ وفي الثانية يكون الله سمع العبد وبصره. ومن ميّز بين الأمرين، فقد وضع رجله على الطريق. وهذه معان لا يخوض فيها إلا أهل التحقق الذين يعرفون الله في كل المظاهر. وسنرى هل للكاتب قدم في هذه العلوم أم لا...
ولكن للحديث نتائج عملية، يهملها جل المسلمين، نُجملها فيما يأتي:
1. إن للحديث مصاديق من كل زمن، بحيث نجد دائما من هم من أهل الولاية العامة الذين هم عوام المؤمنين، ونجد خواص الأولياء الذين هم الربانيون الذين صاروا مظاهر للحق بعد أن فنوا عن أنفسهم.
2. يُفهم من الحديث، أن كل من أراد الترقي من مرتبة الولاية العامة إلى مرتبة الولاية الخاصة، عليه أن يبحث عن عبد رباني يعامل الله في مظهره ويتبع توجيهاته؛ فلا شك أن من كان الله سمعه وبصره، فهو أيضا قلبه ولسانه وجميع قواه. ومن هنا يكون الرباني ناطقا بعلم الله، ومُريدا بإرادة الله، وقادرا بقدرته سبحانه؛ إلى غير ذلك من الصفات... وأمة يكون فيها هذا الصنف من الناس، لن تخيب أبدا، إن هي لجأت إليهم واتبعت توجيههم. وأما إن هي اختارت غير ذلك، فإنها لن تلوم إلا نفسها عندئذ.
3. إن إهمال العمل بمقتضى حديث الولاية، لا يدل إلا على توان في طلب الحق، إن لم يكن تكذيبا بالوحي وإعراضا عنه. والحديث لا شك متعاضد في المعنى مع آية الولاية التي يقول الله تعالى فيها: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]. فكون الأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هو معنى من معاني العصمة، عند خروجهم عن احتمال لحوق سوء العاقبة بهم. وهذا الصنف من العصمة، هو بسبب البشارة التي حصلت لهم في الدنيا قبل الآخرة؛ وليست هذه البشارة إلا انقلاب حقيقتهم عند تحققهم بالحق. فالتحقق الذي نتكلم عنه كثيرا، ليس إلا كون الحق (الله) جميع قواهم ومتولي صغير أمورهم قبل كبيرها. فهم يتحققون في ذواتهم به، وفي صفاتهم وفي أفعالهم. ومن لم يعلم التحقق على هذا الوجه، فما علمه.
4. إن الإمامة في الدين بمعناه الجامع، لا تكون للفقهاء ولا لعوام الصوفية؛ وإنما تكون لهذه الطبقة العليا من الأولياء. وإن الأمة بتفريطها في العمل بهذا الأصل، قد انحرفت عن الصراط المستقيم في جل أزمنتها. فلا عجب من خروجها بعد ذلك إلى الفسق العملي، وإلى صنوف الغفلة التي توالت عليها جيلا بعد جيل.
[هذا الحديث القدسي العظيم سندٌ قَوي لزيادة بيان ما أثبته القرآن وأثبتته السنة من أن الله جلت عظمته يحب من عباده خاصَّةً يُفْرِدُهم عن الناس هم أولياء الله.]:
بمقتضى هذا الفهم للحديث، كان ينبغي على الأمة جمعاء -وفي مقدمها علماؤها- أن تبحث عن هذا الصنف من الناس، لأن الله ما دل عليهم إلا لأنهم وحدهم من يصلحون لإمامة الناس، كما ذكرنا في الفقرة السابقة. ولكن الملاحظ أمران: الأول، تغييب الحديث من قبل الفقهاء والوعاظ، حتى لا يكاد يُذكر في المساجد التي صارت هي قلاعهم ومراكز نفوذهم؛ والثاني، هو حصر إمامة الدين في الفقهاء المحجوبين الذين لا سمع لهم ولا بصر بالمعنى القرآني. وهذا كله عمل بعكس ما جاء به الوحي؛ وهو يجعل الأمة في عمومها على صفة من قال الله تعالى فيهم: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93]. ولهذه الحال نتائج حتمية، هي ما نراه من السوء العام، ومن ضعف الإيمان الشديد العام أيضا، ومن تولي السفهاء قيادة الأمة وفيها من هم أفضل منهم.
[وحول هذا الحديث نَشِبَتْ بين طوائف العلماء خلافات وتأويلات. أفرده بعضهم بالتأليف لمزيد العناية به، كما فعل الشوكاني في كتاب "قطر الولي في حديث الولي"، وأنكره بعضهم مع ثبوته في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى لَمّا ضاقت حُوَيْصِلَتُه عن قبول المعاني الجليلة التي يتضمّنها، كما فعل الذهبي حين زعم أنه: "حديث غريب جدا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته من منكرات خالد بن مخلد". وخالد بن مخلد راو من رجال إسناد الحديث، تجاوز القنطرة بتَزكية البخاري له، ويريد الذهبي غفر الله له أن يرده على أعقابه.]:
يريد الكاتب من التيميين أن يقبلوا حديث الولاية الخاصة، وهم أبعد الناس عنها. وكيف يقرون بولاية يفقدونها ويجهلون معناها، وهم من يرون -مع ذلك- أنفسهم قمم العلم التي لا تُدرك؟!... وليلاحظ المرء أن الواحد منهم لا يتهيّب الطعن في الرجال، وفي المصادر، لا لشيء، إلا لأنها تخالف هواه وتجاوز معلومه!...
وأما ضيق الحويصلة، فهو من صفات الكاتب أيضا؛ لأنه ترك كلام الأولياء في الولاية، وتوجه إلى العوام من التيميين يستفتيهم. وهذا يعني أنه لا يُطيق أن يسمع كلام المتخصصين، وهو ما يعني أنه من العوام أيضا. وأما ما يُقال في هذه المسألة من تلفيقات فكرية، فهو لا يُعدّ علما البتة؛ وإنما هو مسكنات فكرية يتناولها "ضيقو الحويصلة" وضعفاء الإيمان.
[حديث جليل عظيم تفسر بعض معانيه فصول هذا الكتاب. نقف هنا على كون حب الله عبدَه ذلك الحب الخاص هو مطلب كل متقرب إلى الله، محب لله، مطيع لله، طامع في الله، مريد لله، فائز بالله.]:
تفسير الحديث، لا ينفع فيه الإطناب والحشو؛ فإما أن يكون العبد عالما بمعانيه، فيعبر عنها بما يُفهِم عنه؛ وإما أن يسكت مع الساكتين، حتى لا يكون خائضا فيما لا يعلم.
[وحب الله الخالق المنعم مغروزٌ في الفِطَرِ الكريمةِ الـمَعْدِنِ، تَطْمِرُه الطّوامر وتُبرزه من مكامنه صحبة من "ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله". لا ينكر حب العبد لربه واستجابة المولى الودود بحبٍّ أكبر إلا جاحد مُعاند، أو مُعطل فاسد. "فكل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال فالله هو المستحق له على الكمال. وكل ما في غيره من محبوب فهو منه سبحانه وتعالى. فهو المستحق لأن يُحب على الحقيقة والكمال. وإنكار محبة العبد لربه هو في الحقيقة إنكار لكونه إلها معبودا. كما أن إنكار محبته لعبده يستلزم إنكار مشيئته، وهو يستلزم إنكار كونه ربا خالقا. فصار إنكارها مستلزما لإنكار كونه رب العالمين، ولكونه إله العالمين. وهذا هو قول أهل التَّعطيل والجمود".]:
النقل الذي أورده الكاتب في آخر الفقرة، هو عن ابن تيمية، ومن هنا نعلم من أين يأتي الكاتب بشواهده، ونعلم في أي اتجاه يسير. ومتى كان لابن تيمية خبر عن محبة الله حتى يصفها؟!... إنما هو عبد ضال، لا يُعتد بكل كلامه، ويُجتنب التأسي به، إن كان المرء يحرص على فلاح نفسه ونجاتها. ولكن الكاتب يتتبع الألفاظ عند عدم ظفره بالمعاني. وهذا أمر يقع فيه من لا نور له كما أخبرنا مرارا...
يبغي الكاتب بكلامه الرد -من دون إفصاح- على قوم أنكروا المحبة بين الرب والعبد، لأن ذلك في نظرهم يقتضي التجانس؛ وهو محال في حق الله. وهؤلاء من أقل الناس أهلية للخوض في مثل هذه المسائل، وكلامهم بدعة من جملة البدع الطارئة على الأمة، والتي تركت آثارا سيئة جدا على مر التاريخ. ونعني من هذا، أن أصحاب العقل المعاشي من عوام المؤمنين، كان ينبغي أن يُمنعوا من إبداء رأيهم فيما هو فوق إدراكهم، لو أن حكم الحكام كان على النهج العمري يسير؛ ولكنه التفريط العام، الذي فتح أبواب الفتن على مصراعيها. فلا يُحجم محجم عن ولوجها، إلا إن رُزق ورعا صادقا يحجزه عن اقتحام الموبقات. وأما السفهاء الذين لا رادع لهم من عقولهم، فإنهم قد فاهوا بالعجب العجاب، واستطابوا الرعي بدل النحل مع الذباب.
[قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أورد حديث الولاية في بداية كتابه "الفرقان بين أولياء ال رحمن وأولياء الشيطان"، ولم يتوقف فيه كما توقف الذهبي، بل بنى عليه واهْتَبَل به. والعجب لرجل من أهل الحديث مذهبُه إثبات الصفات وإمضاؤها كما جاءت، يتحول مُعطلا لِمَا يسمع من جلال ولاية الله لعبده المحبوب حتى لَيَكون سمعَه وبصرَه ويدَه ورجلَه! عجب! ثم عجب! ثم عجب لمن يحارب المؤوِّلين في الصفات عُمْرَه، ويذهب هو يؤول ويعطِّل في مثل هذا الخبر العظيم الذي بلَّغه من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. والحمد لله أن هنالك هيبة الجامع الصحيح تحول دون المحرفين ودون طمس معالم الطريق.]:
لا عجب من كل ما ذُكر؛ لأن الناس يأخذون النصوص على قدر عقولهم. ومن منهم يعقل معنى الولاية حتى يتتبعها في ألفاظ الحديث المذكور!... وإننا نعلم أن جل المسلمين يُنشَّأون على التنزيه شبه المطلق، بسبب اقتصار الإدراك منهم على ما تعطيه عقولهم؛ ومن يكون على التنزيه العقلي، كيف سيعلم معنى كون الله سمع العبد وبصره؟!... وأقصى ما يُطلب من عوام العلماء، هو أن لا يُنكروا الحديث وقد ورد في الصحيح؛ وأن لا يخوضوا في معانيه، لأنها من وراء ما يعقلون؛ وأن يبقوا بعد ذلك على التسليم، المبقي على أبواب إدراكهم مفتوحة، إن ورد من الله ما يزيح الإبهام. وأما الحق الذي كان على كل عاقل التزامه، فهو طلب معنى الحديث من أهل الولاية الخاصة، إن كان الطالب يستحق نيل جوابهم. هذا وحده، ما يليق بأهل الإيمان!...
وأما ابن تيمية، فهو يختلف عن كل من ذكرنا، بسبب كونه على وحي شيطاني. ولقد ذكرنا في الفصل السابق أن هذا الصنف من الناس يجد ما يشبه ما يجده أهل الله، إلا أنه يصب في بعده لا في قربه. وهو بهذا الوحي، له فهم خاص في كل النصوص، يظنه من الله وهو من الشيطان؛ ويظن أن له به امتيازا على العلماء، وهو في الحقيقة على طريق غير طريقهم. والمقارنة التي أوردها الكاتب بين ابن تيمية والذهبي، تدل على أن الذهبي مأموم في الضلال لا إمام كابن تيمية؛ وصاحبنا لا يشعر بهذا الفرق، ويرى بذلك المزية لابن تيمية. وهذا لا يدل إلا على سطحيته وقصور فهمه.
وحتى نوضح مجانبة ابن تيمية للصواب في فهم "حديث الولاية"، سنأتي بكلامه من كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، ونرد عليه بما يرفع اللبس لدى الناظرين المنصفين.
يقول ابن تيمية: [فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات.]:
يفهم ابن تيمية ألفاظ الحديث على ما تعطيه في مجال الفقه، وهذا لا يصح؛ لأن معنى الفرض والنفل في الحديث متعلق بالحقيقة والوجود، لا بالأعمال التكليفية. وهذا يعلمه من له مراعاة للمراتب، لا الألفاظ وحدها. فالفرض، هو الأصل؛ وهو مسمى الحق عند أهل الحق. وأما النفل، فهو الإمكان من كونه فرعا عن الوجوب؛ وهو مسمى الظل بالاصطلاح القرآني. وعلى هذا، فإن هذه المرتبة هي مرتبة الخلق. والمعرفة التي يكون عليها المحجوبون من المؤمنين والناس أجمعون من غير الأولياء، هي للحق لا لهم؛ لذلك يكونون أجهل الناس بالحق. وأما ما دل عليه ابن تيمية في كلامه، فهو خارج دلالة الحديث؛ وهو مناسب لمرتبته العامة التي لا يختلف فيها عن كل المحجوبين من أهل الإسلام.
ثم يقول: [وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما، كما قال تعالى: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، يعني الحب المطلق كقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا صرفا، كما عملوا له صرفا.]:
هذا الكلام أيضا ينطلق فيه ابن تيمية من الفقه الذي لا يُدرك من علوم الدين غيره. ويجعل المقربين المحبوبين على ما دل حديث الولاية هم من يأتون بنوافل الأعمال، لأنه لا يعلم نافلة غيرها؛ ولكنه يغفل عن كون هؤلاء المقربين بحسبه، لا يتحققون بالمعنى الذي رتبه الحديث على إتيان النوافل: فهم لا يسمعون بالله ولا يبصرون به... وإذا غابت النتيجة، اتضح أن الوسيلة ينبغي أن يُعاد فيها النظر؛ ولكن ابن تيمية يبني على وهمه، ويمضي من دون تحقق من النتائج. وهذا العمل يُخرجه عن صنف العقلاء بالمعنى العملي. وبما أنه يجهل ما يخوض فيه، فقد ترك الأمر معلقا من غير أن يربطه بشاهد أو ببرهان. ولو أنه سكت لكان خيرا له. وأما معنى التقرب بالنوافل، بالمعنى الذي يعلمه الأولياء، فهو فناء العبد في مراتب ذاته وصفاته وأفعاله؛ وكأن العبد يُعطي نفسه لله تقربا، بل هو ذاك. وهذا لا يكون إلا للواصلين. وهذا يعني أن الواصلين هم أهل النوافل المذكورون في الحديث، وهم وحدهم من يعلمون معنى أن يكون الله سمع العبد وبصره ويده ورجله. ويشهد لصدقهم في فهمهم وُجدانهم لما ذُكر على ما ذُكر، من غير تصور عقلي كما فعل ابن تيمية ويفعل غيره من المتطفلين. وإيراد الكاتب لكلام ابن تيمية السقيم، يدل على أنه لا علم له بمعنى الحديث كما هو في نفسه؛ ويدل على أنه ليس من الأولياء حتما.
ويقول ابن تيمية: [والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم، فلا يعاقبون عليه، ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفا، بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.]:
ابن تيمية انحرف عن ألفاظ الحديث، بسبب انحرافه عن إدراك المعاني كما هي منه. فهو لكونه فسر الحديث تفسيرا فقهيا، فقد جعله عاميا وهو خاص. وعند أخذه الفرض والنفل بالمعنى الفقهي، اضطر إلى الكلام عن المقتصدين، مع أن الحديث لم يذكرهم. وهذا خروج منه عن لفظ الحديث، زيادة عن خروجه عن معناه سابقا. ولو أنه كان عالما بما نقول، لعلم أن الحديث يتناول أحوال الأولياء من جهة، وأحوال غير الأولياء من الجهة المقابلة؛ عند اعتبار مفهوم الحديث (المكمل). ولا وجود لفئة وسط بين الصنفين، كما يفهم هو من المعاني الفقهية. وحتى الآية التي يأخذ منها ألفاظ تفسيره للحديث، والتي هي قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]، لا تحمل على المعنى الفقهي وحده؛ ولقد تكلمنا في معانيها في موضع سابق من هذا الكتاب، فلتُنظر هناك. فاتضح من كل هذا، أن ابن تيمية لم يمس معاني حديث الولاية، وما ينبغي له. وكل من يأخذ عنه تفسيره لهذا الحديث أو لغيره، فإنه يسير في طريق منحرف، لا ينتهي إلا إلى غضب الله ومقته. ونحن ننصح كل المغترين بعبارات ابن تيمية، أن يتوبوا إلى الله؛ وأن يعودوا إلى الإسلام الميسر الواضح، قبل أن يأتيهم الموت فيصبحوا على ما فعلوا نادمين.
[حب العبد ربَّه وحب الرب عبدَه هو قطب رحى الدين.]:
يتكلم الكاتب عن حب الله للعبد وعن حب العبد لله، وهو لا يعلم حقيقة ما يتكلم فيه. ولقد جهل جل الناس هذا الأمر، ويظنون أن ما يجدونه من أنفسهم عند انجذابهم إلى محبوباتهم، هو ذاته الحب الذي يكون بين الله وعبده المصطفى؛ وهذا قياس مع الفارق لا يُقبل. وعندما أذاقنا الله هذا الحب، كنا لا نستطيع أن نعبر عنه لقوته. ولم نكن نجد وقتها ما يصف ما بنا، إلا ديوان ابن الفارض رضي الله عنه، الملقب عن جدارة واستحقاق بـ "سلطان العاشقين". وعلمنا وقتها أن جل الناس في العالم كله، لا خبر لهم عن الحب، على كثرة ما يتكلمون عنه؛ وهذا من أعجب العجب. وكنا نقول حينها لمن يخالطنا: "لو مُكّنّا من تدريس مادة الحب في إحدى الجامعات العالمية، لسمع الناس منا العجب!". هذا مع العلم أن التدريس سيُعطي صورة خارجية للحب، مخالفة عن وجدانه، لا تكون إلا تقريبية. وعلى كل حال، فإن علم الحب ضمن العلوم الدينية، لم نجد من اعتنى به إلا من جمع الله له الولاية بأطرافها، وهو الشيخ الأكبر قُدّس سره. وهو القائل صادقا عنه: "لسان المحبة أعجمي!". وأما غيره من الأولياء -وإن كانوا على علم بما ذكرنا- إلا أنهم بالمقارنة إليه تابعون. وهذا العلم فوق كل العلوم، كما هي المحبة فوق كل الأحوال. ومن علم شيئا منه، فإنه سيعلم الوجه الخفي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ والذي لا يكاد يشعر به المؤمنون وعامة العلماء. ولولا أن الكلام في هذا الوجه محرم، لأتينا منه بنُبذ تندك لها شوامخ العقول.
[وكلما كان العبد أشد إيمانا كان أشد حبا لله.]:
ربط الكاتب الحب بالإيمان، وإن ورد به القرآن، فإنه لا يدل إلا على ما يعلمه العوام منه؛ لا على ما هو من شؤون الأولياء. نصرّ على هذا التفريق، لأن الكاتب يوهم بأنه عالم بالولاية، ويوهم بأنه يدل بكتابه هذا على مرتبة الإحسان. ولا ولاية في الحقيقة ولا إحسان!...
[قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ﴾.]:
يأتي قول الله هذا، بعد قوله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]؛ فهو حب في مقابل حب الأنداد المتوهمة؛ وهذا هو ما يجعله من أحوال العامة. وأما حب الخواص فهو الحب اللائق بالله، حيث لا غير ولا سوى؛ ونعني أنه حب لا مقابل له. ومن هذا الوجه يمكن أن يقول القائل، ما أحب محب من العالم إلا الله، سواء أعلم ذلك أم لم يعلم.
[هذه المحبة بين العبد وربه، منك إليه ومنه إليك، هي: "عقد الإيمان الذي لا يدخل فيه الداخل إلا بها، ولا فلاح للعبد ولا نجاة له من عذاب الله إلا بها (...). ولهذا كانت أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه، وأهل غضبه ونقمته فهذه المسألة هي قطب رحى الدين الذي عليه مدارُه. وإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق. وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله وأحواله وأقواله. ولا حول ولا قوة إلا بالله".]:
إيراد الكاتب لكلام ابن القيّم يدل على أنه مقلد له من جهة، ويدل على أنه من مرتبته أو أقل منها؛ لأن كلامه يوافق مُدركَه في نفسه. ومن تقليد الكاتب لابن القيم، نجده يختار عناوين أجزاء كتابه وفصوله من كلامه: كـ "ابك على نفسك" من الفصل السابق، و"حب الله قطب رحى الدين" هنا. وإن كان ابن القيم لا يُدرك من المحبة إلا ما يكون عليه العامة من المؤمنين، فأين يريد الكاتب الوصول بنا وهو المقيّد في نفسه!... وهذه المرتبة لا تبلغ بصاحبها إدراك ما كان عليه قيس بن الملوح وجميل بن معمر، من الحب الطبيعي؛ فكيف يطمع بعدها في الظفر بالحب الإلهي الساري في العالم!... إن من ذاق رشفة من الحب الإلهي، يصير بها محبا لأعدائه قبل أحبابه. ومن هذا الباب كان قول عيسى عليه السلام: "أحبوا أعداءكم!". وهو ليس أمرا تكليفيا، كما قد يبدو؛ وإنما هو حض على الترقي في الحب إلى أن يبلغ المرء تلك المرتبة. هذا هو الفهم الصحيح، ما دام الناس لن يتمكنوا من حب غيرهم بالأمر. وأين ابن تيمية وتلاميذه من هذه الذرى، وهم من لا يفقهون إلا المعنى التكليفي!... وأين الثرى من الثريا!... ويشهد لسوء حال ابن تيمية، تكفيره للمؤمنين مع كونهم على الإيمان؛ فكيف يتمكن من محبة أعدائه من الكافرين!... وما نذكره هنا، ليس مما نهى الله عنه في مثل قوله سبحانه: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]، أو في قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]؛ لأن كل هذا متعلق بأعمال الظاهر، وما ندل عليه نحن محله الباطن. وما لا يعلمه عوام المؤمنين عند معاملة الكافرين في القتال -مثلا- هو أن ذلك أصله حكم محبتهم الداعية إلى إرادة الخير لهم حتى بمخالفة إرادتهم هم مع جهلهم بمصالح أنفسهم. ولقد طغى الحكم الفقهي الظاهر على ما ينبغي أن يكون عليه الباطن، فخسر المسلمون بهذا الميل كثيرا من الخير. ولو كان الناس على استعداد لسماع أكثر مما ذُكر لأسمعناهم، ولعلموا حينها أن المحبة غالبة على كل الشؤون، وسابقة على كل الأحكام.
وأما كلام ابن القيم المحذوف، فهو يربط فيه بين المحبة ومعنى لا إله إلا الله. ورغم أن ما يشير إليه ابن القيم لا يُجاوز طور العوام، إلا أن الكاتب بحذفه، قد صيّر المعنى مبهما. وهذا لا يليق.
الفصل الثالث: الصحبة والجماعة:
حب الله قطب رحى الدين
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين:
[بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾.رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكُر لِي ولا تمكُر علي، واهدني ويسر هُدَايَ، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرا، لك ذاكرا، لك راهبا، لك مِطْواعاً، إليك مُجيبا مُنيبا تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، وثبِّتْ حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسللْ سخيمة قلبي.]
[الطريق الصادقة الصاعدة التي إن استقام عليها العبد في إرادته وجه الله، لا تصْرِفُ إرادة الدنيا وجهَه، طريق تقرب إلى الله عز وجل وتوصل إليه.]:
سلوك الطريق إلى الله، لا يكون معه إرادة للدنيا؛ فكيف يعتبرها الكاتب هنا، ويحكم بأنها لو وُجدت لا تؤثر على توجه العبد!... إن الكاتب بحكمه هذا، يخالف صريح القرآن والسنة، وهو من يكرر أنه ملتزم بهما!... يقول الله تعالى من باب الذم لمريدي الدنيا للصحابة الكرام يوم أحد: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: 152]؛ ولولا إرادة الدنيا لدى مريديها، ما عوقب صف المؤمنين كله، بما أخبر الله عنه في قوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 152]؛ وسمى إرادة الدنيا المؤدية إلى المخالفة معصية. وما يجري على الصحابة، يجري على غيرهم من المؤمنين؛ فلا سبيل إلى القول بأن المتأخرين قد يصلون بالأسباب ذاتها إلى نتائج تخالف ما وصلوا هم إليه!... ومن هذا الباب قال مالك بن أنس رحمه الله: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.".
ويقول الله تعالى لعموم الخاسرين: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ . وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة: 20، 21]، ويقول سبحانه في معرض ذكر المانع عن الخير: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16، 17]. ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند تفسيره للوهن الذي يصيب الأمة: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»[1]. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّكُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، مَا لَمْ تَظْهَرْ فِيكُمْ سَكْرَتَانِ: سَكْرَةُ الْجَهْلِ، وَسَكْرَةُ حُبِّ الْعَيْشِ: وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ حُبُّ الدُّنْيَا، فَلا تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلا تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْقَائِلُونَ يَوْمَئِذٍ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَالسَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ!»[2]. فكيف بعد هذا، يجعل الكاتب لإرادة الدنيا محلا في الطريق إلى الله. نعم نحن نعلم أنه يريد بالتنازل عن الشروط، استمالة أكبر عدد من مرضى القلوب من أهل زمانه، كما يفعل غيره من "أئمة العصر"؛ ولكن هذا لا يكون عذرا شرعيا قط. وأقصى ما يمكن للمربي الرباني أن يفعله في زماننا، هو أن يقبل الطالبين على حالهم، في انتظار أن ينصلح أمرهم ويعودوا إلى حال السلامة القلبية. وهذا يقتضي منه تعريفهم بأنهم على مخالفة قلبية خطيرة، قد تكون لها نتائج وخيمة على مصيرهم الأخروي. وأما تحريف أحكام السلوك، وموافقة العامة من المخالفين، فإنه تزوير للدين، وانحراف إلى سبل المضلين. وإن كل من ينتسب إلى طريق التربية، وهو على إرادة الدنيا، لا يفلح أبدا؛ وقد رأينا خلقا كثيرا ممن هذه صفتهم، ورأينا السنين تمر عليهم وهم على حالهم، إن لم يزدادوا سوءا. وبدء الكاتب لهذا الفصل بهذه الضلالة، يجعلنا نتخوف مما سينجر عنها من بناتها. فإنا لله وإنا إليه راجعون...
[إنها طريق الولاية والسبق لدرجات القرب من الله عز وجل. وتتحقق الولاية للعبد.]:
هذا الاستنتاج باطل؛ لأن الولي يزهد في الدنيا وهو بعدُ في بداية سلوكه، وقبل أن تتحقق ولايته. وأما من يبدأ بهذا الخلط، فمآله في الغالب إلى الفسق والفجور. ومن يتأمل حال علماء الدين من المتأخرين، على علمهم بالأحكام في أنفسهم، ويرَ أنهم لا يختلفون عن كبار الفساق من أهل زمانهم، عليه أن يعلم أنّ ذلك ما أصابهم إلا من آفة إرادة الدنيا؛ عندما ظنوا أن العلم (النظري) وحده يكفيهم في بلوغ ثمار الدين. وإن كان هذا حال العلماء، فما الظن بالجاهلين من العامة، أو من منحرفي المتصوفة. وأما الحركيون من الإسلاميين، فإننا سنرى -وسيتأكد هذا مع تقدمنا في الكتاب- أنهم أشد طلبا للدنيا من غيرهم؛ ولا يفوقهم في ذلك إلا الكفار الذين لا دار لهم إلا هي.
[ويُحْرِزُ على السبق والقُربى حين تكلل جهوده في طاعة مولاه وحبه والوفاء له والسير إليه بحب المولى عبده ذلك الحب الخاص الذي تَشرئب إليه أعناق الرجال.]:
هذا كله كذب، لأن مريد الدنيا لا يُعتبر عند الله. وقد قيل إن الله لم ينظر إلى الدنيا منذ خلقها؛ لا لأنها تخلو من الحق أو لأنها فاقدة لتجليات الصفات الإلهية، ولكن لأنها لا تستحق أن يتوجه العباد إليها لذاتها. وأما التوجه إلى الله فلا يحتاج العباد فيه إلى تكلف، لأنه فطري ومطابق للحقيقة. وبدل دلالة الكاتب على ما يجعل العبد يَعلق منذ أول قدم، فقد كان يجدر به الدلالة على الحق، ليتعلق القلب به من البداية ويقوى بذلك على الانطلاق في سلوكه. والسلوك يتطلب قوة باطنية استثنائية، بالنظر إلى حال عموم الناس. ومن لم يعمل على تقوية باطن أتباعه من الشيوخ والمربين، فإنه يكون لهم خائنا عند الله. والقلوب لا تتقوى بالابتداع، وإعادة صياغة معالم الطريق، ولكن بتأكيدها وبترسيخ الأصول التي لا انفكاك عنها. وإن المدد النبوي ضروري في تقوية القلوب وجعلها تُقبل على السلوك، ومن لا مدد له من المربين فإنه يخون أتباعه إن لم يُخبرهم بحقيقة أمره. ولقد وجدنا كثيرا من جهلة التلاميذ، يظنون أن الشأن في تلاوة الأذكار؛ من دون أن يكون لهم تمييز، بين أذكار الأجور وأذكار النور. وهذا من أكبر موانع السلوك لدى المتأخرين!...
[روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذَنته بالحرب. وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه. وما ترددت عن شيء أنا فاعِلُه تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت، وأنا أكره مَساءَتَه".]:
هذا الحديث يجمع بين الكلام في الولاية العامة والولاية الخاصة: ولاية الفرض وولاية النفل؛ إن حصرنا الأمر بين المؤمنين وحدهم. ذلك لأن معنى ولاية الفرض، يتوسع حتى يشمل كل العباد. ولهذا المعنى شواهد من القرآن، لا يطيق العامة من أصحاب العقائد القفصية أن يسمعوها. ولولا تحري الأمانة العلمية، ما دللنا نحن على أصله هنا. وقد قيل: إن في الولاية الأولى، يكون العبد سمع الله وبصره؛ وفي الثانية يكون الله سمع العبد وبصره. ومن ميّز بين الأمرين، فقد وضع رجله على الطريق. وهذه معان لا يخوض فيها إلا أهل التحقق الذين يعرفون الله في كل المظاهر. وسنرى هل للكاتب قدم في هذه العلوم أم لا...
ولكن للحديث نتائج عملية، يهملها جل المسلمين، نُجملها فيما يأتي:
1. إن للحديث مصاديق من كل زمن، بحيث نجد دائما من هم من أهل الولاية العامة الذين هم عوام المؤمنين، ونجد خواص الأولياء الذين هم الربانيون الذين صاروا مظاهر للحق بعد أن فنوا عن أنفسهم.
2. يُفهم من الحديث، أن كل من أراد الترقي من مرتبة الولاية العامة إلى مرتبة الولاية الخاصة، عليه أن يبحث عن عبد رباني يعامل الله في مظهره ويتبع توجيهاته؛ فلا شك أن من كان الله سمعه وبصره، فهو أيضا قلبه ولسانه وجميع قواه. ومن هنا يكون الرباني ناطقا بعلم الله، ومُريدا بإرادة الله، وقادرا بقدرته سبحانه؛ إلى غير ذلك من الصفات... وأمة يكون فيها هذا الصنف من الناس، لن تخيب أبدا، إن هي لجأت إليهم واتبعت توجيههم. وأما إن هي اختارت غير ذلك، فإنها لن تلوم إلا نفسها عندئذ.
3. إن إهمال العمل بمقتضى حديث الولاية، لا يدل إلا على توان في طلب الحق، إن لم يكن تكذيبا بالوحي وإعراضا عنه. والحديث لا شك متعاضد في المعنى مع آية الولاية التي يقول الله تعالى فيها: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64]. فكون الأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هو معنى من معاني العصمة، عند خروجهم عن احتمال لحوق سوء العاقبة بهم. وهذا الصنف من العصمة، هو بسبب البشارة التي حصلت لهم في الدنيا قبل الآخرة؛ وليست هذه البشارة إلا انقلاب حقيقتهم عند تحققهم بالحق. فالتحقق الذي نتكلم عنه كثيرا، ليس إلا كون الحق (الله) جميع قواهم ومتولي صغير أمورهم قبل كبيرها. فهم يتحققون في ذواتهم به، وفي صفاتهم وفي أفعالهم. ومن لم يعلم التحقق على هذا الوجه، فما علمه.
4. إن الإمامة في الدين بمعناه الجامع، لا تكون للفقهاء ولا لعوام الصوفية؛ وإنما تكون لهذه الطبقة العليا من الأولياء. وإن الأمة بتفريطها في العمل بهذا الأصل، قد انحرفت عن الصراط المستقيم في جل أزمنتها. فلا عجب من خروجها بعد ذلك إلى الفسق العملي، وإلى صنوف الغفلة التي توالت عليها جيلا بعد جيل.
[هذا الحديث القدسي العظيم سندٌ قَوي لزيادة بيان ما أثبته القرآن وأثبتته السنة من أن الله جلت عظمته يحب من عباده خاصَّةً يُفْرِدُهم عن الناس هم أولياء الله.]:
بمقتضى هذا الفهم للحديث، كان ينبغي على الأمة جمعاء -وفي مقدمها علماؤها- أن تبحث عن هذا الصنف من الناس، لأن الله ما دل عليهم إلا لأنهم وحدهم من يصلحون لإمامة الناس، كما ذكرنا في الفقرة السابقة. ولكن الملاحظ أمران: الأول، تغييب الحديث من قبل الفقهاء والوعاظ، حتى لا يكاد يُذكر في المساجد التي صارت هي قلاعهم ومراكز نفوذهم؛ والثاني، هو حصر إمامة الدين في الفقهاء المحجوبين الذين لا سمع لهم ولا بصر بالمعنى القرآني. وهذا كله عمل بعكس ما جاء به الوحي؛ وهو يجعل الأمة في عمومها على صفة من قال الله تعالى فيهم: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة: 93]. ولهذه الحال نتائج حتمية، هي ما نراه من السوء العام، ومن ضعف الإيمان الشديد العام أيضا، ومن تولي السفهاء قيادة الأمة وفيها من هم أفضل منهم.
[وحول هذا الحديث نَشِبَتْ بين طوائف العلماء خلافات وتأويلات. أفرده بعضهم بالتأليف لمزيد العناية به، كما فعل الشوكاني في كتاب "قطر الولي في حديث الولي"، وأنكره بعضهم مع ثبوته في أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى لَمّا ضاقت حُوَيْصِلَتُه عن قبول المعاني الجليلة التي يتضمّنها، كما فعل الذهبي حين زعم أنه: "حديث غريب جدا، ولولا هيبة الجامع الصحيح لعددته من منكرات خالد بن مخلد". وخالد بن مخلد راو من رجال إسناد الحديث، تجاوز القنطرة بتَزكية البخاري له، ويريد الذهبي غفر الله له أن يرده على أعقابه.]:
يريد الكاتب من التيميين أن يقبلوا حديث الولاية الخاصة، وهم أبعد الناس عنها. وكيف يقرون بولاية يفقدونها ويجهلون معناها، وهم من يرون -مع ذلك- أنفسهم قمم العلم التي لا تُدرك؟!... وليلاحظ المرء أن الواحد منهم لا يتهيّب الطعن في الرجال، وفي المصادر، لا لشيء، إلا لأنها تخالف هواه وتجاوز معلومه!...
وأما ضيق الحويصلة، فهو من صفات الكاتب أيضا؛ لأنه ترك كلام الأولياء في الولاية، وتوجه إلى العوام من التيميين يستفتيهم. وهذا يعني أنه لا يُطيق أن يسمع كلام المتخصصين، وهو ما يعني أنه من العوام أيضا. وأما ما يُقال في هذه المسألة من تلفيقات فكرية، فهو لا يُعدّ علما البتة؛ وإنما هو مسكنات فكرية يتناولها "ضيقو الحويصلة" وضعفاء الإيمان.
[حديث جليل عظيم تفسر بعض معانيه فصول هذا الكتاب. نقف هنا على كون حب الله عبدَه ذلك الحب الخاص هو مطلب كل متقرب إلى الله، محب لله، مطيع لله، طامع في الله، مريد لله، فائز بالله.]:
تفسير الحديث، لا ينفع فيه الإطناب والحشو؛ فإما أن يكون العبد عالما بمعانيه، فيعبر عنها بما يُفهِم عنه؛ وإما أن يسكت مع الساكتين، حتى لا يكون خائضا فيما لا يعلم.
[وحب الله الخالق المنعم مغروزٌ في الفِطَرِ الكريمةِ الـمَعْدِنِ، تَطْمِرُه الطّوامر وتُبرزه من مكامنه صحبة من "ينهض بك حاله، ويدلك على الله مقاله". لا ينكر حب العبد لربه واستجابة المولى الودود بحبٍّ أكبر إلا جاحد مُعاند، أو مُعطل فاسد. "فكل ما فطرت القلوب على محبته من نعوت الكمال فالله هو المستحق له على الكمال. وكل ما في غيره من محبوب فهو منه سبحانه وتعالى. فهو المستحق لأن يُحب على الحقيقة والكمال. وإنكار محبة العبد لربه هو في الحقيقة إنكار لكونه إلها معبودا. كما أن إنكار محبته لعبده يستلزم إنكار مشيئته، وهو يستلزم إنكار كونه ربا خالقا. فصار إنكارها مستلزما لإنكار كونه رب العالمين، ولكونه إله العالمين. وهذا هو قول أهل التَّعطيل والجمود".]:
النقل الذي أورده الكاتب في آخر الفقرة، هو عن ابن تيمية، ومن هنا نعلم من أين يأتي الكاتب بشواهده، ونعلم في أي اتجاه يسير. ومتى كان لابن تيمية خبر عن محبة الله حتى يصفها؟!... إنما هو عبد ضال، لا يُعتد بكل كلامه، ويُجتنب التأسي به، إن كان المرء يحرص على فلاح نفسه ونجاتها. ولكن الكاتب يتتبع الألفاظ عند عدم ظفره بالمعاني. وهذا أمر يقع فيه من لا نور له كما أخبرنا مرارا...
يبغي الكاتب بكلامه الرد -من دون إفصاح- على قوم أنكروا المحبة بين الرب والعبد، لأن ذلك في نظرهم يقتضي التجانس؛ وهو محال في حق الله. وهؤلاء من أقل الناس أهلية للخوض في مثل هذه المسائل، وكلامهم بدعة من جملة البدع الطارئة على الأمة، والتي تركت آثارا سيئة جدا على مر التاريخ. ونعني من هذا، أن أصحاب العقل المعاشي من عوام المؤمنين، كان ينبغي أن يُمنعوا من إبداء رأيهم فيما هو فوق إدراكهم، لو أن حكم الحكام كان على النهج العمري يسير؛ ولكنه التفريط العام، الذي فتح أبواب الفتن على مصراعيها. فلا يُحجم محجم عن ولوجها، إلا إن رُزق ورعا صادقا يحجزه عن اقتحام الموبقات. وأما السفهاء الذين لا رادع لهم من عقولهم، فإنهم قد فاهوا بالعجب العجاب، واستطابوا الرعي بدل النحل مع الذباب.
[قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أورد حديث الولاية في بداية كتابه "الفرقان بين أولياء ال رحمن وأولياء الشيطان"، ولم يتوقف فيه كما توقف الذهبي، بل بنى عليه واهْتَبَل به. والعجب لرجل من أهل الحديث مذهبُه إثبات الصفات وإمضاؤها كما جاءت، يتحول مُعطلا لِمَا يسمع من جلال ولاية الله لعبده المحبوب حتى لَيَكون سمعَه وبصرَه ويدَه ورجلَه! عجب! ثم عجب! ثم عجب لمن يحارب المؤوِّلين في الصفات عُمْرَه، ويذهب هو يؤول ويعطِّل في مثل هذا الخبر العظيم الذي بلَّغه من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. والحمد لله أن هنالك هيبة الجامع الصحيح تحول دون المحرفين ودون طمس معالم الطريق.]:
لا عجب من كل ما ذُكر؛ لأن الناس يأخذون النصوص على قدر عقولهم. ومن منهم يعقل معنى الولاية حتى يتتبعها في ألفاظ الحديث المذكور!... وإننا نعلم أن جل المسلمين يُنشَّأون على التنزيه شبه المطلق، بسبب اقتصار الإدراك منهم على ما تعطيه عقولهم؛ ومن يكون على التنزيه العقلي، كيف سيعلم معنى كون الله سمع العبد وبصره؟!... وأقصى ما يُطلب من عوام العلماء، هو أن لا يُنكروا الحديث وقد ورد في الصحيح؛ وأن لا يخوضوا في معانيه، لأنها من وراء ما يعقلون؛ وأن يبقوا بعد ذلك على التسليم، المبقي على أبواب إدراكهم مفتوحة، إن ورد من الله ما يزيح الإبهام. وأما الحق الذي كان على كل عاقل التزامه، فهو طلب معنى الحديث من أهل الولاية الخاصة، إن كان الطالب يستحق نيل جوابهم. هذا وحده، ما يليق بأهل الإيمان!...
وأما ابن تيمية، فهو يختلف عن كل من ذكرنا، بسبب كونه على وحي شيطاني. ولقد ذكرنا في الفصل السابق أن هذا الصنف من الناس يجد ما يشبه ما يجده أهل الله، إلا أنه يصب في بعده لا في قربه. وهو بهذا الوحي، له فهم خاص في كل النصوص، يظنه من الله وهو من الشيطان؛ ويظن أن له به امتيازا على العلماء، وهو في الحقيقة على طريق غير طريقهم. والمقارنة التي أوردها الكاتب بين ابن تيمية والذهبي، تدل على أن الذهبي مأموم في الضلال لا إمام كابن تيمية؛ وصاحبنا لا يشعر بهذا الفرق، ويرى بذلك المزية لابن تيمية. وهذا لا يدل إلا على سطحيته وقصور فهمه.
وحتى نوضح مجانبة ابن تيمية للصواب في فهم "حديث الولاية"، سنأتي بكلامه من كتابه "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، ونرد عليه بما يرفع اللبس لدى الناظرين المنصفين.
يقول ابن تيمية: [فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات.]:
يفهم ابن تيمية ألفاظ الحديث على ما تعطيه في مجال الفقه، وهذا لا يصح؛ لأن معنى الفرض والنفل في الحديث متعلق بالحقيقة والوجود، لا بالأعمال التكليفية. وهذا يعلمه من له مراعاة للمراتب، لا الألفاظ وحدها. فالفرض، هو الأصل؛ وهو مسمى الحق عند أهل الحق. وأما النفل، فهو الإمكان من كونه فرعا عن الوجوب؛ وهو مسمى الظل بالاصطلاح القرآني. وعلى هذا، فإن هذه المرتبة هي مرتبة الخلق. والمعرفة التي يكون عليها المحجوبون من المؤمنين والناس أجمعون من غير الأولياء، هي للحق لا لهم؛ لذلك يكونون أجهل الناس بالحق. وأما ما دل عليه ابن تيمية في كلامه، فهو خارج دلالة الحديث؛ وهو مناسب لمرتبته العامة التي لا يختلف فيها عن كل المحجوبين من أهل الإسلام.
ثم يقول: [وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات، والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما، كما قال تعالى: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه»، يعني الحب المطلق كقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} أي أنعم عليهم الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا}. فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات يتقربون بها إلى الله عز وجل، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا صرفا، كما عملوا له صرفا.]:
هذا الكلام أيضا ينطلق فيه ابن تيمية من الفقه الذي لا يُدرك من علوم الدين غيره. ويجعل المقربين المحبوبين على ما دل حديث الولاية هم من يأتون بنوافل الأعمال، لأنه لا يعلم نافلة غيرها؛ ولكنه يغفل عن كون هؤلاء المقربين بحسبه، لا يتحققون بالمعنى الذي رتبه الحديث على إتيان النوافل: فهم لا يسمعون بالله ولا يبصرون به... وإذا غابت النتيجة، اتضح أن الوسيلة ينبغي أن يُعاد فيها النظر؛ ولكن ابن تيمية يبني على وهمه، ويمضي من دون تحقق من النتائج. وهذا العمل يُخرجه عن صنف العقلاء بالمعنى العملي. وبما أنه يجهل ما يخوض فيه، فقد ترك الأمر معلقا من غير أن يربطه بشاهد أو ببرهان. ولو أنه سكت لكان خيرا له. وأما معنى التقرب بالنوافل، بالمعنى الذي يعلمه الأولياء، فهو فناء العبد في مراتب ذاته وصفاته وأفعاله؛ وكأن العبد يُعطي نفسه لله تقربا، بل هو ذاك. وهذا لا يكون إلا للواصلين. وهذا يعني أن الواصلين هم أهل النوافل المذكورون في الحديث، وهم وحدهم من يعلمون معنى أن يكون الله سمع العبد وبصره ويده ورجله. ويشهد لصدقهم في فهمهم وُجدانهم لما ذُكر على ما ذُكر، من غير تصور عقلي كما فعل ابن تيمية ويفعل غيره من المتطفلين. وإيراد الكاتب لكلام ابن تيمية السقيم، يدل على أنه لا علم له بمعنى الحديث كما هو في نفسه؛ ويدل على أنه ليس من الأولياء حتما.
ويقول ابن تيمية: [والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم، فلا يعاقبون عليه، ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفا، بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا.]:
ابن تيمية انحرف عن ألفاظ الحديث، بسبب انحرافه عن إدراك المعاني كما هي منه. فهو لكونه فسر الحديث تفسيرا فقهيا، فقد جعله عاميا وهو خاص. وعند أخذه الفرض والنفل بالمعنى الفقهي، اضطر إلى الكلام عن المقتصدين، مع أن الحديث لم يذكرهم. وهذا خروج منه عن لفظ الحديث، زيادة عن خروجه عن معناه سابقا. ولو أنه كان عالما بما نقول، لعلم أن الحديث يتناول أحوال الأولياء من جهة، وأحوال غير الأولياء من الجهة المقابلة؛ عند اعتبار مفهوم الحديث (المكمل). ولا وجود لفئة وسط بين الصنفين، كما يفهم هو من المعاني الفقهية. وحتى الآية التي يأخذ منها ألفاظ تفسيره للحديث، والتي هي قول الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]، لا تحمل على المعنى الفقهي وحده؛ ولقد تكلمنا في معانيها في موضع سابق من هذا الكتاب، فلتُنظر هناك. فاتضح من كل هذا، أن ابن تيمية لم يمس معاني حديث الولاية، وما ينبغي له. وكل من يأخذ عنه تفسيره لهذا الحديث أو لغيره، فإنه يسير في طريق منحرف، لا ينتهي إلا إلى غضب الله ومقته. ونحن ننصح كل المغترين بعبارات ابن تيمية، أن يتوبوا إلى الله؛ وأن يعودوا إلى الإسلام الميسر الواضح، قبل أن يأتيهم الموت فيصبحوا على ما فعلوا نادمين.
[حب العبد ربَّه وحب الرب عبدَه هو قطب رحى الدين.]:
يتكلم الكاتب عن حب الله للعبد وعن حب العبد لله، وهو لا يعلم حقيقة ما يتكلم فيه. ولقد جهل جل الناس هذا الأمر، ويظنون أن ما يجدونه من أنفسهم عند انجذابهم إلى محبوباتهم، هو ذاته الحب الذي يكون بين الله وعبده المصطفى؛ وهذا قياس مع الفارق لا يُقبل. وعندما أذاقنا الله هذا الحب، كنا لا نستطيع أن نعبر عنه لقوته. ولم نكن نجد وقتها ما يصف ما بنا، إلا ديوان ابن الفارض رضي الله عنه، الملقب عن جدارة واستحقاق بـ "سلطان العاشقين". وعلمنا وقتها أن جل الناس في العالم كله، لا خبر لهم عن الحب، على كثرة ما يتكلمون عنه؛ وهذا من أعجب العجب. وكنا نقول حينها لمن يخالطنا: "لو مُكّنّا من تدريس مادة الحب في إحدى الجامعات العالمية، لسمع الناس منا العجب!". هذا مع العلم أن التدريس سيُعطي صورة خارجية للحب، مخالفة عن وجدانه، لا تكون إلا تقريبية. وعلى كل حال، فإن علم الحب ضمن العلوم الدينية، لم نجد من اعتنى به إلا من جمع الله له الولاية بأطرافها، وهو الشيخ الأكبر قُدّس سره. وهو القائل صادقا عنه: "لسان المحبة أعجمي!". وأما غيره من الأولياء -وإن كانوا على علم بما ذكرنا- إلا أنهم بالمقارنة إليه تابعون. وهذا العلم فوق كل العلوم، كما هي المحبة فوق كل الأحوال. ومن علم شيئا منه، فإنه سيعلم الوجه الخفي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ والذي لا يكاد يشعر به المؤمنون وعامة العلماء. ولولا أن الكلام في هذا الوجه محرم، لأتينا منه بنُبذ تندك لها شوامخ العقول.
[وكلما كان العبد أشد إيمانا كان أشد حبا لله.]:
ربط الكاتب الحب بالإيمان، وإن ورد به القرآن، فإنه لا يدل إلا على ما يعلمه العوام منه؛ لا على ما هو من شؤون الأولياء. نصرّ على هذا التفريق، لأن الكاتب يوهم بأنه عالم بالولاية، ويوهم بأنه يدل بكتابه هذا على مرتبة الإحسان. ولا ولاية في الحقيقة ولا إحسان!...
[قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ﴾.]:
يأتي قول الله هذا، بعد قوله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة: 165]؛ فهو حب في مقابل حب الأنداد المتوهمة؛ وهذا هو ما يجعله من أحوال العامة. وأما حب الخواص فهو الحب اللائق بالله، حيث لا غير ولا سوى؛ ونعني أنه حب لا مقابل له. ومن هذا الوجه يمكن أن يقول القائل، ما أحب محب من العالم إلا الله، سواء أعلم ذلك أم لم يعلم.
[هذه المحبة بين العبد وربه، منك إليه ومنه إليك، هي: "عقد الإيمان الذي لا يدخل فيه الداخل إلا بها، ولا فلاح للعبد ولا نجاة له من عذاب الله إلا بها (...). ولهذا كانت أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه، والمنكرون لها أعداءه، وأهل غضبه ونقمته فهذه المسألة هي قطب رحى الدين الذي عليه مدارُه. وإذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق. وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله وأحواله وأقواله. ولا حول ولا قوة إلا بالله".]:
إيراد الكاتب لكلام ابن القيّم يدل على أنه مقلد له من جهة، ويدل على أنه من مرتبته أو أقل منها؛ لأن كلامه يوافق مُدركَه في نفسه. ومن تقليد الكاتب لابن القيم، نجده يختار عناوين أجزاء كتابه وفصوله من كلامه: كـ "ابك على نفسك" من الفصل السابق، و"حب الله قطب رحى الدين" هنا. وإن كان ابن القيم لا يُدرك من المحبة إلا ما يكون عليه العامة من المؤمنين، فأين يريد الكاتب الوصول بنا وهو المقيّد في نفسه!... وهذه المرتبة لا تبلغ بصاحبها إدراك ما كان عليه قيس بن الملوح وجميل بن معمر، من الحب الطبيعي؛ فكيف يطمع بعدها في الظفر بالحب الإلهي الساري في العالم!... إن من ذاق رشفة من الحب الإلهي، يصير بها محبا لأعدائه قبل أحبابه. ومن هذا الباب كان قول عيسى عليه السلام: "أحبوا أعداءكم!". وهو ليس أمرا تكليفيا، كما قد يبدو؛ وإنما هو حض على الترقي في الحب إلى أن يبلغ المرء تلك المرتبة. هذا هو الفهم الصحيح، ما دام الناس لن يتمكنوا من حب غيرهم بالأمر. وأين ابن تيمية وتلاميذه من هذه الذرى، وهم من لا يفقهون إلا المعنى التكليفي!... وأين الثرى من الثريا!... ويشهد لسوء حال ابن تيمية، تكفيره للمؤمنين مع كونهم على الإيمان؛ فكيف يتمكن من محبة أعدائه من الكافرين!... وما نذكره هنا، ليس مما نهى الله عنه في مثل قوله سبحانه: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]، أو في قوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]؛ لأن كل هذا متعلق بأعمال الظاهر، وما ندل عليه نحن محله الباطن. وما لا يعلمه عوام المؤمنين عند معاملة الكافرين في القتال -مثلا- هو أن ذلك أصله حكم محبتهم الداعية إلى إرادة الخير لهم حتى بمخالفة إرادتهم هم مع جهلهم بمصالح أنفسهم. ولقد طغى الحكم الفقهي الظاهر على ما ينبغي أن يكون عليه الباطن، فخسر المسلمون بهذا الميل كثيرا من الخير. ولو كان الناس على استعداد لسماع أكثر مما ذُكر لأسمعناهم، ولعلموا حينها أن المحبة غالبة على كل الشؤون، وسابقة على كل الأحكام.
وأما كلام ابن القيم المحذوف، فهو يربط فيه بين المحبة ومعنى لا إله إلا الله. ورغم أن ما يشير إليه ابن القيم لا يُجاوز طور العوام، إلا أن الكاتب بحذفه، قد صيّر المعنى مبهما. وهذا لا يليق.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin