الجزء 23
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 334 “
الأسود بن عامر من بني عامر بن لؤي فعقد له ، وأوصاهم وبعثهم ، كما ذكرنا في كتابنا هذا .
كريم أخلاق دليل على طيب أعراق
روينا من حديث المالكي قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، نبأ المضاء بن الجدود ، عن محمد بن عبد اللّه القرشي ، عن أبيه ، قال أبو الدرداء :
ما من رجل من المسلمين إذا أصبح إلا اجتمع هواه وعمله ، فإن كان هواه تابعا لعمله فيومه صالح ، وإن كان عمله تابعا لهواه فيومه يوم شر .
من عمل على قوله صلى اللّه عليه وسلم
" كل أمر لا يبدأ فيه بذكر اللّه فهو أجذم " .
روينا من حديث الدينوري ، نبأ محمد بن موسى ، عن أبيه قال : سمعت الأصمعي يقول : قال حميد الطويل :
ما سايرت ثابتا البناني في حاجة قط إلا كان أول ما يبدأ به : سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، ثم يذكر حاجته .
ومن حديثه أيضا ، عن يزيد بن إسماعيل ، عن قبيصة ، عن سفيان الثوري ، أن جعفر بن محمد قال :
إذا جاءك ما تحبّ فأكثر من الحمد للّه ، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا باللّه ، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار . قال سفيان : فانتفعت بهذه المواعظ .
أما مسلم بن الحجاج فذكر في صحيحه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في السرّاء : « الحمد للّه المنعم المتفضل » ، وكان يقول في الضرّاء : « الحمد للّه على كل حال »
من راقب اللّه في حال القضاء حذرا من سوء القضاء
روينا من حديث ابن مروان ، عن علي بن الحسين بن عبد العزيز ، عن ابن عائشة قال :
نظر شريح إلى رجل يقوم على رأسه وهو يضحك ، وشريح في مجلس القضاء ، فقال : لم تضحك وأنت تراني أتقلّب بين الجنّة والنار ؟
“ 335 “
وصية عليّ بن عبيد للمأمون في الحسد
داو الحسد إذا وجدت حسّه بقمعه بالتوبيخ وصغّر قدر من عرفته به ، فإنه لا يدفع النعمة عن المحسود ولا تصل إليك ولو زالت عنه .
وعلى كل مخلوق نعمة وإن خفيت عليك ، والنّعم أنواع وضروب ، ما يبلي اللّه في النفس من السلامة ويهب من العافية في الجوارح أفضل من عرض الدنيا ، وربّ حاسد لمن هو في أعظم من نعمته التي حسده عليها ، فلو شغل بشكر ما أعطى كان أجدى عليه في المزيد .
وفي الحسد اثنتان : كمد يثلم القلب وكدر يحدث في العيش . ورأيت البغي من جهل المعرفة لسرعة نصر اللّه لمن بغى عليه ، وهو من فروع الحسد . وإياك أن تضيفه قلبك ليلة أو تقيم له يوما واحدا ، فإن صرعة صاحبه لا تقال ، وكاد يكون بمعزل من حفظ اللّه وغير مصاحب بالصّنع .موعظة لبعض الأعراب بما تؤول إليه الدنيا من الخراب
روينا من حديث الخرائطي قال : حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن الحسين ، سمعت الأصمعي يقول :
سمعت أعرابيا يذكر قوما تغيّرت أحوالهم وتبدّد شملهم يقول : نزلت دورهم العبرة بعد الحبرة ، وأيام السرور فتنة الأحزان .
ثم قال :
وأنشدني أبو محمد المريمي :
إن عيشا إلى الفناء مصيره * لحقيق أن لا يدوم سروره
وسرور يكون آخره المو * ت سواء طويله وقصيره
حكمة ممن جعل حسن الصورة نعمة
روينا من حديث الأصمعي قال : قال بعضهم : التمس حوائجك من صباح الوجوه ، فإنّ حسن الصورة أول نعمة تلقاك من الرجل .
روينا من حديث المالكي ، عن إبراهيم الحربي ، قال : نبأ داود بن رشيد قال : كان يقول : عنوان صحيفة المسلم حسن خلقه .
قال المالكي : وحدثنا عبد الرحمن بن معروف ، عن داود بن مجبر قال : قال بعض الحكماء : صدرك أوسع سرّك ، فإنّ سرّك من دمك . من صحّت ديانته تمت مروءته ، لأن الديانة تصده عن المحارم وتحثه على المكارم . من الكرم حسن العفو عن سهو الذنوب ،
“ 336 “
وترك البحث عن سوء العيوب . الفعل نتيجة العقل ، والعقل نتيجة الشرف . كن بعيد الهمم إذا طبت كريم الظفر إذا غلبت ، جميل العفو إذا قدرت ، كثير الشكر إذا ظهرت . إن من الشريعة أن تبجل أهل الشريعة ، ومن الصنيعة أن ترب أهل الصنيعة .
لا يزهدنك في رجل حمدت سيرته ، وارتضيت وثيرته ، وعرفت فضيلته ، وبينت عقله عيب خفي يحيط به كثرة فضائله ، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله ، فإنك لن تجد ما بقيت مهذبا لا يكون فيه عيب ، ولا يقع منه ذنب . واعتبر بنفسك بعد أن لا تراها بعين الرضا .
ولا تجر فيها على حكم الهوى ، فإن في اعتبارك بها واختيارك لها ما يرشدك لما تطلب .
أحسن رعاية الحرمات وأقبل على أهل البيوتات ، فإن رعاية الحرمة تدل على كرم الشيمة ، والإقبال على ذوي المروءة يعرب عن شرف الهمة .
أحسن إلى من كان له قدم في الأصل وسابقة في الفضل ، ولا يزهدنك فيه سوء إدبار الدولة عنه فإنك لا تخلو في اصطناعك له وإحسانك إليه من نفس حرة تملك رقها ومكرمة توفي حقها ، فإن الدنيا تجبر كما تكسر وتقبل كما تدبر .
من زرع خيرا حصد أجرا ، ومن اصطنع أجرا استفاد شكرا .
من شرائط المروءة أن تتعفف عن الحرام وتتنظف من الآثام وتنصف في الحكم وتكف عن الظلم ، ولا تؤثر دنيا على شريف ، ولا تسن ما يعقب الوزر والإثم ، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم .
وروينا من حديث ابن ثابت قال : نبأ أبو بكر أحمد بن محمد بن جعفر الأخرم ، أنا أبو علي عيسى بن أحمد بن محمد الطوماري ، نبأ محمد بن يونس ، نبأ عبد اللّه بن داود التمار ، نبأ إسماعيل بن عباس ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « عليكم بلباس الصوف تعرفون به في الآخرة ، وإن لباس الصوف يورث في القلب التفكر ، والتفكر يورث الحكمة ، والحكمة تجري في الجوف مجرى الدم . فمن كثر تفكره قل طمعه وكلّ لسانه ، ومن قلّ تفكّره كثر طمعه وعظم بدنه وقسا قلبه ، والقلب القاسي بعيد من اللّه ، بعيد من الجنة ، قريب من النار » .
ما روينا من حديثه أيضا قال : نبأ محمد بن الحسين بن أحمد الأهوازي قال :
سمعت أبا بكر الدنف الصوفي يقول :
سمعت جامع بن أحمد يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : ليكن بيتك الخلوة ، وطعامك الجوع ، وحديثك المناجاة . فإما أن تموت بدائك ، أو تصل إلى دوائك .
موعظة مالك بن دينار لوالي البصرة
من حديث ابن ثابت قال : حدثنا علي بن المظفر الأصفهاني ، انا حبيب بن الحسين ،
“ 337 “
نبأ محمد بن أحمد السطوني ، عن حسن بن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن أبي جعفر بن سليمان قال :
مرّ والي البصرة بمالك بن دينار يرفل ، فصاح به مالك : مرّ وأقلّ من مشيتك هذه .
فهمّ خدمه به ، فقال : دعوه ، ثم قال له : ما أراك تعرفني ؟
فقال له مالك : ومن أعرف بك مني ؟ أما أوّلك نطفة مذرة ، وأما آخرك فجيفة قذرة ، ثم أنت بينهما حامل العذرة . فعرف الوالي صحة ما قاله وأن وضع القول موضعه ، فاستحى ونكس رأسه وانصرف .
ومما قيل في باب النسيب :
يا من شكا ألما في الحبّ شبّهه * في القلب بالنار من شوق وتذكار
إني أعظّم ما بي أن أشبّهه * بما يقاس إلى مثل ومقدار
للحبّ نار على قلبي مضرّمة * لا تبلغ النار منها عشر معشار
وقال الآخر في معناه :
يحنّ إليّ من بالعقيقين قلبه * حنينا يبكّي الورق في غصن السدر
تنفست لما باح قلبي بذكره * فأمسكت من خوف الحريق على صدري
وو اللّه لو فاضت على الصدر عبرتي * لأحرق أدنى حرّها لهب الجمر
ولنا في هذا المعنى من قصيدة :
لو نفس من هواي هو على * جمر لظى أحرقته أنفاسي
ولو تجارت للحبّ خيل هوى * فازت به في السّبق أفراسي
وقال الصنوبري :
دخول النار للمهجور خير * من الهجر الذي هن يتّقيه
لأن دخوله في النار أدنى * عذابا من دخول النار فيه
وقال الآخر :
لو كان قلبي من نار لأحرقه * لأن أحزانه أزكى من النار
الماء ينبع منها في محاجرها * يا للرجال لماء فاض من نار
وقال الآخر :
للشوق في مضمر الأحشاء ناران * وللمدامع في خدّيّ خدّان
نار تضرّم أحشائي بلوعتها * ونار شوق تفيض الدمع من شان
فالقلب في حرق الأحشاء محترق * فناظري غرق في ماء أجفاني
“ 338 “
فمن رأى الماء للنيران مقترنا * تمازجا وهما في الأصل ضدان
حديث أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه مع الصحابة وما قالوا له حين حدّث نفسه بغزو الروم
روينا من حديث الرملي قال : نبأ الحسن بن زيد الرملي ، نبأ محمد بن عبد اللّه الأزدي البصري ، قال : لما دوح اللّه العرب ، وانتهت الفتوح من كل وجه إلى أبي بكر ، واطمأنت العرب بالإسلام ، وأذعنت به ، واجتمعت عليه ، حدّث أبو بكر نفسه بغزو الروم ، فأسرّ ذلك في نفسه ، فلم يطلع عليه أحدا .
فبينما هو في ذلك إذ جاءه شرحبيل ابن حسنة فقال : يا خليفة رسول اللّه ، أتحدّث نفسك أن تبعث إلى الشام جندا ؟
فقال : نعم ، قد حدّثت نفسي بذلك وما أطلعت عليه أحدا ، وما سألتني عنه إلا لشيء عندك . فقال : أجل ، إني رأيت فيما يرى النائم كأنك في ناس من المسلمين فوق جبل ، فأقبلت تمشي معهم حتى صعدت على قبّة عالية على الجبل ، فأشرفت على أناس ، ومعك أصحابك أولئك ، ثم هبطت من تلك القبة إلى أرض سهل دمثة ، فيها القرى والعيون والزرع والحصون ،
فقلت :
يا معشر المسلمين ، شنّوا الغارات على المشركين ، فأنا ضامن لكم الفتح والغنيمة . وأنا فيهم ، ومعي راية ، فتوجهت إلى قرية فدخلتها ، فسألوني الأمان ، فأمّنتهم ، ثم جئت فوجدتك قد انتهيت إلى حصن عظيم ، ففتح لك ، وألقوا إليك السلم ، وجعل لك عرش ، فجلست عليه ثم قال لك قائل : قاتل يفتح اللّه لك وتنصر ، فاشكر ربك ، واعمل بطاعته ، ثم قرأ عليك : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً قال : ثم انتبهت .
قال أبو بكر : نامت عينك . ثم دمعت عينا أبي بكر رضي اللّه عنه . فقال : إنما الجبل الذي رأيتنا نمشي عليه حتى صعدنا منه إلى القبة العالية فأشرفنا على الناس ، فإنّا نكابد من أمر هذا الجند مشقّة ويكابدونا ، ثم يعلو بعد ويعلو أمرنا ، وإن نزولنا من القبّة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزروع والحصون والعيون والقرى ، فإنّا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش .
وأما قولي : شنّوا عليهم الغارة فإني ضامن لكم بالفتح والغنيمة ، فإن ذلك توجّهي للمسلمين إلى بلاد المشركين وأمري إياهم بالجهاد في سبيل اللّه . وأما الراية التي كانت معك فتوجّهت بها إلى قرية من قراهم فدخلتها ، فاستأمنوك فأمّنتهم ، فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح اللّه على يديك .
وأما الحصن الذي فتح اللّه على يديّ فهو ذلك ، يفتح اللّه على يدي . وأما العرش الذي رأيتني جالسا عليه ، يرفعني
“ 339 “
اللّه ويضع المشركين . وأما أمري بطاعة ربي وقرأ عليّ هذه السورة ، فإنه نعى إليّ نفسي ، فإن هذه السورة حين أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علم أن نفسه نعيت إليه .
ثم سالت عينا أبي بكر رضي اللّه عنه ،
فقال :
لآمرنّ بالمعروف ، ولأنهينّ عن المنكر ، ولأجاهدنّ من ترك أمر اللّه عز وجل ، ولأجهزنّ الجيوش إلى العادلين باللّه في مشارق الأرض ومغاربها ، حتى يقولوا : اللّه أحد ويؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإذا توفّاني ربي لم يجدني مقصّرا ، ولا في ثواب المجاهدين زاهدا . ثم إنه أمر الأمراء ، وبعث إلى الشام على ما ذكرنا في هذا الكتاب .
قال محمد بن عبد اللّه البصري : لما حدثت بهذا الحديث ، فحدثني الحارث بن كعب ، عن عبد اللّه بن أبي أوفى الخزاعي ، وكانت له صحبة ، قال : لما أراد أبو بكر تجهيز الأجناد إلى الشام ، دعا بعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم ، فدخلوا عليه ، وأنا فيهم .
فقال :
إن اللّه تبارك وتعالى لا تحصى نعمه ، ولا تبلغ الأعمال جزاءها ، فلله الحمد كثيرا على ما اصطنع عندكم ، قد جمع كلمتكم ، وأصلح ذات بينكم ، وهداكم إلى الإسلام ، ونفى عنكم الشيطان ، فليس يطمع أن تشركوا باللّه ، ولا تخذوا إلها غيره . فالعرب بنو أمّ وأب ، وقد أردت أن أسفّرهم إلى الروم بالشام ، فمن هلك منهم هلك شهيدا ، وما عند اللّه خير للأبرار ، ومن عاش منهم عاش مدافعا عن الدين ، مستوجبا على اللّه عز وجل ثواب المجاهدين ، هذا رأيي الذي رأيت . فأشار عليّ امرؤ بمبلغ رأيه .
فقام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
الحمد للّه يخص بالخير من شاء من خلقه ، واللّه ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه ، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ، قد واللّه أردت لقاءك لهذا الأمر ، والرأي الذي ذكرت ، فما قضى اللّه أن يكون ذلك حتى ذكرته الآن . فقد أصبت وأصاب اللّه بك سبل الرشاد ، سرّب إليهم الخيل في أثر الخيل ، وابعث الرجال تتبعها الرجال ، والجنود تبعها الجنود ، فإن اللّه عز وجل ناصر دينه ، ومعزّ الإسلام وأهله ، ومنجز ما وعد رسوله صلى اللّه عليه وسلم .
ثم إن عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه قام فقال :
يا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إنما الروم وبنو الأصفر حدّ حديد وركن شديد ، واللّه ما أرى
“ 340 “
أن تقحم الخيل عليهم إقحاما ، ولكن تبعث الخيل تغير عليهم في أداني أراضيهم ، ثم تبعثها فتغير ، ثم ترجع إليك ، فإذا فعلوا ذلك أضرّوا بعدوّهم ، وغنموا من أداني أراضيهم ، فقووا بذلك على قبالهم . ثم تبعث إلى أقاصي أهل اليمن ، وإلى أقاصي ربيعة ومضر ، فتجمعهم إليك جمعا ، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك ، وإن شئت بعثت على غزوهم غيرك . ثم جلس وسكت ، وسكت الناس .
فقال لهم أبو بكر رضي اللّه عنه : ما ترون رحمكم اللّه ؟ فقام عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
إني أرى أنك لأهل هذا الدين مشفق ، وإذا رأيت رأيا لعامتهم رشدا وصلاحا وخيرا فاعزم على إمضائه ، فإنك غير ظنين ، ولأمتهم .
فقال طلحة ، والزبير ، وسعد ، وأبو عبيدة ، وجميع من حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار : صدق عثمان فيما قال . ما رأيت من أمر فامضه ، فإنّا سامعون لك مطيعون ، لا نخالف أمرك ، ولا نتّهم رأيك ، ولا نتخلف عن دعوتك وإجابتك . فذكروا هذا وشبهه ، وعلي بن أبي طالب في القوم لا يتكلم .
فقال أبو بكر : ما ترى يا أبا الحسن ؟ قال : أرى أنك مبارك ميمون الناصية ، وإنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم ، نصرت إن شاء اللّه . فقال أبو بكر : بشّرك اللّه بخير ، من أين علمت هذا ؟
قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناوأه ، حتى يقوم الدين وأهله ظاهرين » .
فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : سبحان اللّه ، ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني سرّك اللّه في الدنيا والآخرة .
ثم إنّ أبا بكر رضي اللّه عنه قام في الناس ، فحمد اللّه ، وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال :
أيها الناس ، إن اللّه قد أنعم عليكم بالإسلام ، وأعزّكم بالجهاد ، وفضّلكم بهذا الدين على أهل كل دين ، فتجهّزوا عباد اللّه إلى غزو بلاد الروم بالشام ، فإني مؤمّر عليكم أمراء وعاقد لهم عليكم ، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أميركم . ولتحسن نيّتكم وسيرتكم وطعمتكم ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . قال : فسكت الناس ، فو اللّه ما أجابه أحد هيبة لغزو الروم ، لما يعلمون من كثرة عددهم وشدة شوكتهم .
“ 341 “
فقام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال : يا معشر المسلمين ، ما لكم لا تجيبون خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعاكم لما يحييكم ؟
فقام خالد بن سعيد بن العاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
الحمد للّه الذي لا إله إلا هو ، بعث محمدا بالهدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * . فإن اللّه منجز وعده ، ومعزّ دينه ، ومهلك عدوّه . ثم أقبل على أبي بكر فقال : إنّا غير مخالفين لك ، ولا متخلفين عنك ، وأنت الوالي الناصح الشفيق ، ننفر إذا استنفرتنا ، ونطيعك إذا أمرتنا ، ونجيبك إذا دعوتنا . ففرح أبو بكر بمقالته ، وقال له : جزاك اللّه من أخ خيرا ، فقد أسلمت مرتغبا ، وهاجرت محتسبا ، وهربت من دينك من الكفار ، لكي يطاع اللّه ورسوله ، وتكون كلمة اللّه هي العليا ، فسر رحمك اللّه .
قال : فتجهّز خالد بن سعيد بأحسن الجهاز ، ثم أتى أبا بكر وعنده من المهاجرين والأنصار أجمع ما كانوا ، فسلّم على أبي بكر رضي اللّه عنه ، ثم قال : واللّه لأخّر من رأس حالق ، أو يخطفني الطير في الهواء بين السماء والأرض أحب إليّ من أن أبطئ عنك أو أخالف أمرك ، واللّه ما أنا في الدنيا راغب ، ولا على البقاء فيها بحريص ، وإني أشهدكم أني وإخواني وفتياني ومن أطاعني من أهلي حبيس في سبيل اللّه تعالى ، مقاتل المشركين أبدا ، حتى يهلكهم اللّه ، أو نموت عن آخرنا .
فقال له أبو بكر : خيرا . ودعا له المسلمون بخير . وقال له أبو بكر : إني لأرجو أن تكون من نصحاء اللّه في عباده ، بإقامة كتابه ، واتّباع سنّة نبيّه صلى اللّه عليه وسلم .
فخرج هو وإخوته وغلمانه ومن تبعه من أهل بيته . وكان أول من عسكر ، فأمر أبو بكر بلالا فنادى في الناس : أن انفروا إلى عدوّكم بالشام . وأرسل إلى يزيد بن أبي سفيان ، وإلى عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وشرحبيل ابن حسنة ، فقال : إني باعثكم في هذا الوجه ، ومؤمّركم على هذه الجنود ، وأنا موجّه مع كل رجل منكم من الرجال ما قدرت عليه ، فإذا قدمتم البلد ، ولقيتم العدو ، واجتمعتم على قتالهم ، فأميركم أبو عبيدة بن الجراح ، وإن لم يلقكم أبو عبيدة ، وجمعكم الحرب ، فأميركم يزيد بن أبي سفيان .
فانطلقوا ، فتجهّزوا .
فانطلق القوم يتجهّزون . وكان خالد بن سعيد من عمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكره الإمارة ، واستعفى أبا بكر ، فأعفاه . ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين
“ 342 “
وثلاثين وأربعين وخمسين ومائة ، في كل يوم ، حتى اجتمع الناس وكثروا . فخرج أبو بكر ذات يوم ومعه رجال من أصحابه كثير ، حتى انتهى إلى عسكرهم ، فرأى عدة حسنة ، ولم يرض كثرتها للروم ؟ فقال لأصحابه : ما ذا ترون في هؤلاء ؟ أترون أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة ؟ فقال له عمر : ما أرضى هذه العدة لبني الأصفر . فأقبل أبو بكر على أصحابه فقال لهم : ما ذا ترون ؟ فقالوا : نحن نرى أيضا ما رأى عمر .
فقال أبو بكر : أفلا نكتب كتابا إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد ونرغّبهم في ثوابه ؟
فرأى ذلك جميع الصحابة . فقالوا له : نعم ما رأيت . فكتب إليهم ، فأجابوه وأقبلوا ، وتجهّزوا إلى الشام . فكان الفتوح والنصر . وقد ذكرنا ذلك كله في كتابنا هذا .
وصية عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
روينا من حديث الأصمعي ، عن العلاء بن الفضل ، عن أبيه ، قال : لما قتل عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ، فتشوا خزانته ، فوجدوا فيها صندوقا مقفولا ، ففتحوه ، فوجدوا فيه حقّة فيها ورقة مكتوب فيها : هذه وصية عثمان بن عفان : يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ، عليها نحيا ، وعليها نموت ، وعليها نبعث إن شاء اللّه من الآمنين برحمة اللّه .
وروينا من حديث الخرائطي قال : حدثنا علي بن داود ، نبأ محمد بن عبد العزيز الرملي ، نبأ محمد بن خميس ، عن عبد العزيز الزهري ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى محمد بن يوسف وهو على اليمن ، فقال : إن معي صفة الأبنية ، وهو قبر من قبور الجاهلية . قال طاوس : فأرسلني معه ، فأتينا موضعا ، فحفروا ، فإذا باب ودرجة ، وإذا بامرأتين ناشرتي الشعر على سريرين ، وعليهما حبرات مكففات بالديباج ، وبينهما عسيب من فضة ، مكتوب بالذهب : أنا حنا ، وهذه أختي رضوى ابنتا تبّع ، متنا لا نشرك باللّه شيئا .
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 334 “
الأسود بن عامر من بني عامر بن لؤي فعقد له ، وأوصاهم وبعثهم ، كما ذكرنا في كتابنا هذا .
كريم أخلاق دليل على طيب أعراق
روينا من حديث المالكي قال : حدثنا محمد بن عبد العزيز ، نبأ المضاء بن الجدود ، عن محمد بن عبد اللّه القرشي ، عن أبيه ، قال أبو الدرداء :
ما من رجل من المسلمين إذا أصبح إلا اجتمع هواه وعمله ، فإن كان هواه تابعا لعمله فيومه صالح ، وإن كان عمله تابعا لهواه فيومه يوم شر .
من عمل على قوله صلى اللّه عليه وسلم
" كل أمر لا يبدأ فيه بذكر اللّه فهو أجذم " .
روينا من حديث الدينوري ، نبأ محمد بن موسى ، عن أبيه قال : سمعت الأصمعي يقول : قال حميد الطويل :
ما سايرت ثابتا البناني في حاجة قط إلا كان أول ما يبدأ به : سبحان اللّه ، والحمد للّه ، ولا إله إلا اللّه ، واللّه أكبر ، ثم يذكر حاجته .
ومن حديثه أيضا ، عن يزيد بن إسماعيل ، عن قبيصة ، عن سفيان الثوري ، أن جعفر بن محمد قال :
إذا جاءك ما تحبّ فأكثر من الحمد للّه ، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا باللّه ، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار . قال سفيان : فانتفعت بهذه المواعظ .
أما مسلم بن الحجاج فذكر في صحيحه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول في السرّاء : « الحمد للّه المنعم المتفضل » ، وكان يقول في الضرّاء : « الحمد للّه على كل حال »
من راقب اللّه في حال القضاء حذرا من سوء القضاء
روينا من حديث ابن مروان ، عن علي بن الحسين بن عبد العزيز ، عن ابن عائشة قال :
نظر شريح إلى رجل يقوم على رأسه وهو يضحك ، وشريح في مجلس القضاء ، فقال : لم تضحك وأنت تراني أتقلّب بين الجنّة والنار ؟
“ 335 “
وصية عليّ بن عبيد للمأمون في الحسد
داو الحسد إذا وجدت حسّه بقمعه بالتوبيخ وصغّر قدر من عرفته به ، فإنه لا يدفع النعمة عن المحسود ولا تصل إليك ولو زالت عنه .
وعلى كل مخلوق نعمة وإن خفيت عليك ، والنّعم أنواع وضروب ، ما يبلي اللّه في النفس من السلامة ويهب من العافية في الجوارح أفضل من عرض الدنيا ، وربّ حاسد لمن هو في أعظم من نعمته التي حسده عليها ، فلو شغل بشكر ما أعطى كان أجدى عليه في المزيد .
وفي الحسد اثنتان : كمد يثلم القلب وكدر يحدث في العيش . ورأيت البغي من جهل المعرفة لسرعة نصر اللّه لمن بغى عليه ، وهو من فروع الحسد . وإياك أن تضيفه قلبك ليلة أو تقيم له يوما واحدا ، فإن صرعة صاحبه لا تقال ، وكاد يكون بمعزل من حفظ اللّه وغير مصاحب بالصّنع .موعظة لبعض الأعراب بما تؤول إليه الدنيا من الخراب
روينا من حديث الخرائطي قال : حدثنا إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن الحسين ، سمعت الأصمعي يقول :
سمعت أعرابيا يذكر قوما تغيّرت أحوالهم وتبدّد شملهم يقول : نزلت دورهم العبرة بعد الحبرة ، وأيام السرور فتنة الأحزان .
ثم قال :
وأنشدني أبو محمد المريمي :
إن عيشا إلى الفناء مصيره * لحقيق أن لا يدوم سروره
وسرور يكون آخره المو * ت سواء طويله وقصيره
حكمة ممن جعل حسن الصورة نعمة
روينا من حديث الأصمعي قال : قال بعضهم : التمس حوائجك من صباح الوجوه ، فإنّ حسن الصورة أول نعمة تلقاك من الرجل .
روينا من حديث المالكي ، عن إبراهيم الحربي ، قال : نبأ داود بن رشيد قال : كان يقول : عنوان صحيفة المسلم حسن خلقه .
قال المالكي : وحدثنا عبد الرحمن بن معروف ، عن داود بن مجبر قال : قال بعض الحكماء : صدرك أوسع سرّك ، فإنّ سرّك من دمك . من صحّت ديانته تمت مروءته ، لأن الديانة تصده عن المحارم وتحثه على المكارم . من الكرم حسن العفو عن سهو الذنوب ،
“ 336 “
وترك البحث عن سوء العيوب . الفعل نتيجة العقل ، والعقل نتيجة الشرف . كن بعيد الهمم إذا طبت كريم الظفر إذا غلبت ، جميل العفو إذا قدرت ، كثير الشكر إذا ظهرت . إن من الشريعة أن تبجل أهل الشريعة ، ومن الصنيعة أن ترب أهل الصنيعة .
لا يزهدنك في رجل حمدت سيرته ، وارتضيت وثيرته ، وعرفت فضيلته ، وبينت عقله عيب خفي يحيط به كثرة فضائله ، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله ، فإنك لن تجد ما بقيت مهذبا لا يكون فيه عيب ، ولا يقع منه ذنب . واعتبر بنفسك بعد أن لا تراها بعين الرضا .
ولا تجر فيها على حكم الهوى ، فإن في اعتبارك بها واختيارك لها ما يرشدك لما تطلب .
أحسن رعاية الحرمات وأقبل على أهل البيوتات ، فإن رعاية الحرمة تدل على كرم الشيمة ، والإقبال على ذوي المروءة يعرب عن شرف الهمة .
أحسن إلى من كان له قدم في الأصل وسابقة في الفضل ، ولا يزهدنك فيه سوء إدبار الدولة عنه فإنك لا تخلو في اصطناعك له وإحسانك إليه من نفس حرة تملك رقها ومكرمة توفي حقها ، فإن الدنيا تجبر كما تكسر وتقبل كما تدبر .
من زرع خيرا حصد أجرا ، ومن اصطنع أجرا استفاد شكرا .
من شرائط المروءة أن تتعفف عن الحرام وتتنظف من الآثام وتنصف في الحكم وتكف عن الظلم ، ولا تؤثر دنيا على شريف ، ولا تسن ما يعقب الوزر والإثم ، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم .
وروينا من حديث ابن ثابت قال : نبأ أبو بكر أحمد بن محمد بن جعفر الأخرم ، أنا أبو علي عيسى بن أحمد بن محمد الطوماري ، نبأ محمد بن يونس ، نبأ عبد اللّه بن داود التمار ، نبأ إسماعيل بن عباس ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي أمامة قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « عليكم بلباس الصوف تعرفون به في الآخرة ، وإن لباس الصوف يورث في القلب التفكر ، والتفكر يورث الحكمة ، والحكمة تجري في الجوف مجرى الدم . فمن كثر تفكره قل طمعه وكلّ لسانه ، ومن قلّ تفكّره كثر طمعه وعظم بدنه وقسا قلبه ، والقلب القاسي بعيد من اللّه ، بعيد من الجنة ، قريب من النار » .
ما روينا من حديثه أيضا قال : نبأ محمد بن الحسين بن أحمد الأهوازي قال :
سمعت أبا بكر الدنف الصوفي يقول :
سمعت جامع بن أحمد يقول : سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول : ليكن بيتك الخلوة ، وطعامك الجوع ، وحديثك المناجاة . فإما أن تموت بدائك ، أو تصل إلى دوائك .
موعظة مالك بن دينار لوالي البصرة
من حديث ابن ثابت قال : حدثنا علي بن المظفر الأصفهاني ، انا حبيب بن الحسين ،
“ 337 “
نبأ محمد بن أحمد السطوني ، عن حسن بن جعفر بن سليمان الضبعي ، عن أبي جعفر بن سليمان قال :
مرّ والي البصرة بمالك بن دينار يرفل ، فصاح به مالك : مرّ وأقلّ من مشيتك هذه .
فهمّ خدمه به ، فقال : دعوه ، ثم قال له : ما أراك تعرفني ؟
فقال له مالك : ومن أعرف بك مني ؟ أما أوّلك نطفة مذرة ، وأما آخرك فجيفة قذرة ، ثم أنت بينهما حامل العذرة . فعرف الوالي صحة ما قاله وأن وضع القول موضعه ، فاستحى ونكس رأسه وانصرف .
ومما قيل في باب النسيب :
يا من شكا ألما في الحبّ شبّهه * في القلب بالنار من شوق وتذكار
إني أعظّم ما بي أن أشبّهه * بما يقاس إلى مثل ومقدار
للحبّ نار على قلبي مضرّمة * لا تبلغ النار منها عشر معشار
وقال الآخر في معناه :
يحنّ إليّ من بالعقيقين قلبه * حنينا يبكّي الورق في غصن السدر
تنفست لما باح قلبي بذكره * فأمسكت من خوف الحريق على صدري
وو اللّه لو فاضت على الصدر عبرتي * لأحرق أدنى حرّها لهب الجمر
ولنا في هذا المعنى من قصيدة :
لو نفس من هواي هو على * جمر لظى أحرقته أنفاسي
ولو تجارت للحبّ خيل هوى * فازت به في السّبق أفراسي
وقال الصنوبري :
دخول النار للمهجور خير * من الهجر الذي هن يتّقيه
لأن دخوله في النار أدنى * عذابا من دخول النار فيه
وقال الآخر :
لو كان قلبي من نار لأحرقه * لأن أحزانه أزكى من النار
الماء ينبع منها في محاجرها * يا للرجال لماء فاض من نار
وقال الآخر :
للشوق في مضمر الأحشاء ناران * وللمدامع في خدّيّ خدّان
نار تضرّم أحشائي بلوعتها * ونار شوق تفيض الدمع من شان
فالقلب في حرق الأحشاء محترق * فناظري غرق في ماء أجفاني
“ 338 “
فمن رأى الماء للنيران مقترنا * تمازجا وهما في الأصل ضدان
حديث أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه مع الصحابة وما قالوا له حين حدّث نفسه بغزو الروم
روينا من حديث الرملي قال : نبأ الحسن بن زيد الرملي ، نبأ محمد بن عبد اللّه الأزدي البصري ، قال : لما دوح اللّه العرب ، وانتهت الفتوح من كل وجه إلى أبي بكر ، واطمأنت العرب بالإسلام ، وأذعنت به ، واجتمعت عليه ، حدّث أبو بكر نفسه بغزو الروم ، فأسرّ ذلك في نفسه ، فلم يطلع عليه أحدا .
فبينما هو في ذلك إذ جاءه شرحبيل ابن حسنة فقال : يا خليفة رسول اللّه ، أتحدّث نفسك أن تبعث إلى الشام جندا ؟
فقال : نعم ، قد حدّثت نفسي بذلك وما أطلعت عليه أحدا ، وما سألتني عنه إلا لشيء عندك . فقال : أجل ، إني رأيت فيما يرى النائم كأنك في ناس من المسلمين فوق جبل ، فأقبلت تمشي معهم حتى صعدت على قبّة عالية على الجبل ، فأشرفت على أناس ، ومعك أصحابك أولئك ، ثم هبطت من تلك القبة إلى أرض سهل دمثة ، فيها القرى والعيون والزرع والحصون ،
فقلت :
يا معشر المسلمين ، شنّوا الغارات على المشركين ، فأنا ضامن لكم الفتح والغنيمة . وأنا فيهم ، ومعي راية ، فتوجهت إلى قرية فدخلتها ، فسألوني الأمان ، فأمّنتهم ، ثم جئت فوجدتك قد انتهيت إلى حصن عظيم ، ففتح لك ، وألقوا إليك السلم ، وجعل لك عرش ، فجلست عليه ثم قال لك قائل : قاتل يفتح اللّه لك وتنصر ، فاشكر ربك ، واعمل بطاعته ، ثم قرأ عليك : إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً قال : ثم انتبهت .
قال أبو بكر : نامت عينك . ثم دمعت عينا أبي بكر رضي اللّه عنه . فقال : إنما الجبل الذي رأيتنا نمشي عليه حتى صعدنا منه إلى القبة العالية فأشرفنا على الناس ، فإنّا نكابد من أمر هذا الجند مشقّة ويكابدونا ، ثم يعلو بعد ويعلو أمرنا ، وإن نزولنا من القبّة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزروع والحصون والعيون والقرى ، فإنّا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش .
وأما قولي : شنّوا عليهم الغارة فإني ضامن لكم بالفتح والغنيمة ، فإن ذلك توجّهي للمسلمين إلى بلاد المشركين وأمري إياهم بالجهاد في سبيل اللّه . وأما الراية التي كانت معك فتوجّهت بها إلى قرية من قراهم فدخلتها ، فاستأمنوك فأمّنتهم ، فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح اللّه على يديك .
وأما الحصن الذي فتح اللّه على يديّ فهو ذلك ، يفتح اللّه على يدي . وأما العرش الذي رأيتني جالسا عليه ، يرفعني
“ 339 “
اللّه ويضع المشركين . وأما أمري بطاعة ربي وقرأ عليّ هذه السورة ، فإنه نعى إليّ نفسي ، فإن هذه السورة حين أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علم أن نفسه نعيت إليه .
ثم سالت عينا أبي بكر رضي اللّه عنه ،
فقال :
لآمرنّ بالمعروف ، ولأنهينّ عن المنكر ، ولأجاهدنّ من ترك أمر اللّه عز وجل ، ولأجهزنّ الجيوش إلى العادلين باللّه في مشارق الأرض ومغاربها ، حتى يقولوا : اللّه أحد ويؤدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإذا توفّاني ربي لم يجدني مقصّرا ، ولا في ثواب المجاهدين زاهدا . ثم إنه أمر الأمراء ، وبعث إلى الشام على ما ذكرنا في هذا الكتاب .
قال محمد بن عبد اللّه البصري : لما حدثت بهذا الحديث ، فحدثني الحارث بن كعب ، عن عبد اللّه بن أبي أوفى الخزاعي ، وكانت له صحبة ، قال : لما أراد أبو بكر تجهيز الأجناد إلى الشام ، دعا بعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم ، فدخلوا عليه ، وأنا فيهم .
فقال :
إن اللّه تبارك وتعالى لا تحصى نعمه ، ولا تبلغ الأعمال جزاءها ، فلله الحمد كثيرا على ما اصطنع عندكم ، قد جمع كلمتكم ، وأصلح ذات بينكم ، وهداكم إلى الإسلام ، ونفى عنكم الشيطان ، فليس يطمع أن تشركوا باللّه ، ولا تخذوا إلها غيره . فالعرب بنو أمّ وأب ، وقد أردت أن أسفّرهم إلى الروم بالشام ، فمن هلك منهم هلك شهيدا ، وما عند اللّه خير للأبرار ، ومن عاش منهم عاش مدافعا عن الدين ، مستوجبا على اللّه عز وجل ثواب المجاهدين ، هذا رأيي الذي رأيت . فأشار عليّ امرؤ بمبلغ رأيه .
فقام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
الحمد للّه يخص بالخير من شاء من خلقه ، واللّه ما استبقنا إلى شيء من الخير قط إلا سبقتنا إليه ، وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء ، قد واللّه أردت لقاءك لهذا الأمر ، والرأي الذي ذكرت ، فما قضى اللّه أن يكون ذلك حتى ذكرته الآن . فقد أصبت وأصاب اللّه بك سبل الرشاد ، سرّب إليهم الخيل في أثر الخيل ، وابعث الرجال تتبعها الرجال ، والجنود تبعها الجنود ، فإن اللّه عز وجل ناصر دينه ، ومعزّ الإسلام وأهله ، ومنجز ما وعد رسوله صلى اللّه عليه وسلم .
ثم إن عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه عنه قام فقال :
يا خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إنما الروم وبنو الأصفر حدّ حديد وركن شديد ، واللّه ما أرى
“ 340 “
أن تقحم الخيل عليهم إقحاما ، ولكن تبعث الخيل تغير عليهم في أداني أراضيهم ، ثم تبعثها فتغير ، ثم ترجع إليك ، فإذا فعلوا ذلك أضرّوا بعدوّهم ، وغنموا من أداني أراضيهم ، فقووا بذلك على قبالهم . ثم تبعث إلى أقاصي أهل اليمن ، وإلى أقاصي ربيعة ومضر ، فتجمعهم إليك جمعا ، فإن شئت بعد ذلك غزوتهم بنفسك ، وإن شئت بعثت على غزوهم غيرك . ثم جلس وسكت ، وسكت الناس .
فقال لهم أبو بكر رضي اللّه عنه : ما ترون رحمكم اللّه ؟ فقام عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ، فحمد اللّه وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
إني أرى أنك لأهل هذا الدين مشفق ، وإذا رأيت رأيا لعامتهم رشدا وصلاحا وخيرا فاعزم على إمضائه ، فإنك غير ظنين ، ولأمتهم .
فقال طلحة ، والزبير ، وسعد ، وأبو عبيدة ، وجميع من حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار : صدق عثمان فيما قال . ما رأيت من أمر فامضه ، فإنّا سامعون لك مطيعون ، لا نخالف أمرك ، ولا نتّهم رأيك ، ولا نتخلف عن دعوتك وإجابتك . فذكروا هذا وشبهه ، وعلي بن أبي طالب في القوم لا يتكلم .
فقال أبو بكر : ما ترى يا أبا الحسن ؟ قال : أرى أنك مبارك ميمون الناصية ، وإنك إن سرت إليهم بنفسك أو بعثت إليهم ، نصرت إن شاء اللّه . فقال أبو بكر : بشّرك اللّه بخير ، من أين علمت هذا ؟
قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناوأه ، حتى يقوم الدين وأهله ظاهرين » .
فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : سبحان اللّه ، ما أحسن هذا الحديث ، لقد سررتني سرّك اللّه في الدنيا والآخرة .
ثم إنّ أبا بكر رضي اللّه عنه قام في الناس ، فحمد اللّه ، وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال :
أيها الناس ، إن اللّه قد أنعم عليكم بالإسلام ، وأعزّكم بالجهاد ، وفضّلكم بهذا الدين على أهل كل دين ، فتجهّزوا عباد اللّه إلى غزو بلاد الروم بالشام ، فإني مؤمّر عليكم أمراء وعاقد لهم عليكم ، فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أميركم . ولتحسن نيّتكم وسيرتكم وطعمتكم ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ . قال : فسكت الناس ، فو اللّه ما أجابه أحد هيبة لغزو الروم ، لما يعلمون من كثرة عددهم وشدة شوكتهم .
“ 341 “
فقام عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال : يا معشر المسلمين ، ما لكم لا تجيبون خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا دعاكم لما يحييكم ؟
فقام خالد بن سعيد بن العاص ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
الحمد للّه الذي لا إله إلا هو ، بعث محمدا بالهدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * . فإن اللّه منجز وعده ، ومعزّ دينه ، ومهلك عدوّه . ثم أقبل على أبي بكر فقال : إنّا غير مخالفين لك ، ولا متخلفين عنك ، وأنت الوالي الناصح الشفيق ، ننفر إذا استنفرتنا ، ونطيعك إذا أمرتنا ، ونجيبك إذا دعوتنا . ففرح أبو بكر بمقالته ، وقال له : جزاك اللّه من أخ خيرا ، فقد أسلمت مرتغبا ، وهاجرت محتسبا ، وهربت من دينك من الكفار ، لكي يطاع اللّه ورسوله ، وتكون كلمة اللّه هي العليا ، فسر رحمك اللّه .
قال : فتجهّز خالد بن سعيد بأحسن الجهاز ، ثم أتى أبا بكر وعنده من المهاجرين والأنصار أجمع ما كانوا ، فسلّم على أبي بكر رضي اللّه عنه ، ثم قال : واللّه لأخّر من رأس حالق ، أو يخطفني الطير في الهواء بين السماء والأرض أحب إليّ من أن أبطئ عنك أو أخالف أمرك ، واللّه ما أنا في الدنيا راغب ، ولا على البقاء فيها بحريص ، وإني أشهدكم أني وإخواني وفتياني ومن أطاعني من أهلي حبيس في سبيل اللّه تعالى ، مقاتل المشركين أبدا ، حتى يهلكهم اللّه ، أو نموت عن آخرنا .
فقال له أبو بكر : خيرا . ودعا له المسلمون بخير . وقال له أبو بكر : إني لأرجو أن تكون من نصحاء اللّه في عباده ، بإقامة كتابه ، واتّباع سنّة نبيّه صلى اللّه عليه وسلم .
فخرج هو وإخوته وغلمانه ومن تبعه من أهل بيته . وكان أول من عسكر ، فأمر أبو بكر بلالا فنادى في الناس : أن انفروا إلى عدوّكم بالشام . وأرسل إلى يزيد بن أبي سفيان ، وإلى عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وشرحبيل ابن حسنة ، فقال : إني باعثكم في هذا الوجه ، ومؤمّركم على هذه الجنود ، وأنا موجّه مع كل رجل منكم من الرجال ما قدرت عليه ، فإذا قدمتم البلد ، ولقيتم العدو ، واجتمعتم على قتالهم ، فأميركم أبو عبيدة بن الجراح ، وإن لم يلقكم أبو عبيدة ، وجمعكم الحرب ، فأميركم يزيد بن أبي سفيان .
فانطلقوا ، فتجهّزوا .
فانطلق القوم يتجهّزون . وكان خالد بن سعيد من عمال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكره الإمارة ، واستعفى أبا بكر ، فأعفاه . ثم إن الناس خرجوا إلى معسكرهم من عشرة وعشرين
“ 342 “
وثلاثين وأربعين وخمسين ومائة ، في كل يوم ، حتى اجتمع الناس وكثروا . فخرج أبو بكر ذات يوم ومعه رجال من أصحابه كثير ، حتى انتهى إلى عسكرهم ، فرأى عدة حسنة ، ولم يرض كثرتها للروم ؟ فقال لأصحابه : ما ذا ترون في هؤلاء ؟ أترون أن نشخصهم إلى الشام في هذه العدة ؟ فقال له عمر : ما أرضى هذه العدة لبني الأصفر . فأقبل أبو بكر على أصحابه فقال لهم : ما ذا ترون ؟ فقالوا : نحن نرى أيضا ما رأى عمر .
فقال أبو بكر : أفلا نكتب كتابا إلى أهل اليمن ندعوهم إلى الجهاد ونرغّبهم في ثوابه ؟
فرأى ذلك جميع الصحابة . فقالوا له : نعم ما رأيت . فكتب إليهم ، فأجابوه وأقبلوا ، وتجهّزوا إلى الشام . فكان الفتوح والنصر . وقد ذكرنا ذلك كله في كتابنا هذا .
وصية عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
روينا من حديث الأصمعي ، عن العلاء بن الفضل ، عن أبيه ، قال : لما قتل عثمان بن عفان رضي اللّه عنه ، فتشوا خزانته ، فوجدوا فيها صندوقا مقفولا ، ففتحوه ، فوجدوا فيه حقّة فيها ورقة مكتوب فيها : هذه وصية عثمان بن عفان : يشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، وأن النار حق وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ ، عليها نحيا ، وعليها نموت ، وعليها نبعث إن شاء اللّه من الآمنين برحمة اللّه .
وروينا من حديث الخرائطي قال : حدثنا علي بن داود ، نبأ محمد بن عبد العزيز الرملي ، نبأ محمد بن خميس ، عن عبد العزيز الزهري ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى محمد بن يوسف وهو على اليمن ، فقال : إن معي صفة الأبنية ، وهو قبر من قبور الجاهلية . قال طاوس : فأرسلني معه ، فأتينا موضعا ، فحفروا ، فإذا باب ودرجة ، وإذا بامرأتين ناشرتي الشعر على سريرين ، وعليهما حبرات مكففات بالديباج ، وبينهما عسيب من فضة ، مكتوب بالذهب : أنا حنا ، وهذه أختي رضوى ابنتا تبّع ، متنا لا نشرك باللّه شيئا .
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin