الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 18
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 262 “
حتى وقفت بها برملة حاجر * فرأيت نوقا بالأهيل خوالفا
يقتادها قمر عليه مهابة * فطويت من حذر عليه شراسفا
قمر تعرّض للطواف فلم أكن * بسواه عند طوافه بي طائفا
يمحو بفاضل برده آثاره * فتحار لو كنت الدليل القائفا
ولنا من هذا الباب :
ثلاث بدور ما يزن بريبة * خرجن إلى التنعيم معتجرات
حسرن عن أمثال الشموس إضاءة * ولبّين بالإهلال معتمرات
وأقبلن يمشين الرويد كمثل ما * نمشي القطا في الحف الحبرات
ولنا من هذا الباب أيضا :
قف بالمنازل واندب لا للألا * وسل الربوع الدارسات سؤالا
أين الأحبة أين سارت عيسهم * هاتيك تقطع في البياب الآلا
مثل الحدائق في السراب تراهم * للأل تعظم في العيون الآلا
ساروا يريدون العذيب ليشربوا * ماء به مثل الحياة زلالا
فقفوت أسأل عنهم ريح الصّبا * هل خيموا واستظلوا الظلالا
قالت تركت على زرود قبابهم * والعيس تشكو من سراه كلالا
قد أسدلوا فوق القباب مصاونا * يسترن من حرّ الهجير جمالا
فانهض إليهم طالبا آثارهم * وارقل بعيسك نحوهم أرقالا
فإذا وقفت على معالم حاجر * وقطعت أغوارا بها وجبالا
قربت منازلهم ولاحت نارهم * نارا قد أشعلت الحشا إشعالا
فأنخ بها لا يرهبنك أسدها * فالاشتياق يريكها أشبالا
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ، ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : رأى بعض الفقراء في واقعته الشيخ أبا مدين ، ومعه ثلاثة من الصوفية ، فيهم أبو حامد ، وهم جلوس ، فقدم لهم صحفة فيها ثريد ، فأكلوا ثم حمدوا وأثنوا . ثم قال أبو حامد : يا أبا مدين ، نحب غذا الروح ، فقال لهم : سرّي مسرور بأسرار ، تستمد من البحار الإلهية الأبدية الأزلية التي لا ينبغي كشفها ، ولا يجوز بثها لغير أهلها ، إذ العبارة والإشارة تعجز عن دركها ، وأبت الغيرة إلا سترها ، هي البحار المحيطة بالوجود ، لا يلجها إلا من وطنه مفقود ، وفي عالم الحقيقة بسرّه موجود ، يتقلب بالحياة الأبدية ، وينطق بالعلوم الأزلية ، فهو بجسمه ظاهر ، وبسرّ حقيقته ظافر ، يطير في عالم الملكوت ، ويسرح في عالم
“ 263 “
الجبروت ، تخلق بالأسماء والصفات ، وفني عنها بمشاهدة الذات ، هناك قراري ، ووطني ، وقرة عيني ، وسكني ، وبه دام فرحي ، وهو علانيتي وسرّي ، والممدّ لوجودي ، ومالكي ، ومعبودي ، أظهر في وجودي قدرته ، ورتب في بدائع صنعه حكمته ، فهو الباطن الظاهر ، الملك القاهر ، فمن رقت همته عن ملاحظة نفسه لم يلتفت إلى غده وأمسه ، وإنما هو ابن وقته ، بالحق سبحانه يجري عمله أفعاله ، وهو راض به مسرورا ، إذ لم يكن شيئا مذكورا ، فمن نزّه أقواله وأفعاله ، فقد صفى همته وأحواله ، فمن كان نطقه به يصول ، ومن كان هو دليله فقد نال الوصول ، ومن حقق نظره به يسمع وبه يقول ،
ويسمع عنه ويسأل به منه ، إذ الوجود كله فاني والباقي فيه المعاني ، به كل شيء يعرف ، ولولاه لم يفهم ولم يوصف ، فهو المظهر سبحانه للأكوان ، وسرّ السرائر ، ومظهر الإعلان ، فرحمته لخلقه عامة ، ونعمته لهم شاملة تامة ، فهم فيها يغدون ويروحون ، وبأسباغها عليهم ظاهرة وباطنة يتنعّمون ، فكل شيء بجملتها يشهد له بالوحدانية ، ويقرّ له بالحدوث والعبودية ، هو سبحانه منطقها بكرمه ومجده ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده .
وأنشدنا من كتاب ابن زنجويه :
أيا عجبا كيف يعصى الإل * ه أم كيف يجحده الجاحد
وللّه في كل تحريكة * وتسكينة عالم شاهد
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد
ذكر ما قيل على لسان الحرمين وحكم الجدي بينهما
حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ الحسن بن علي ، نبأ الحسن بن مخلف بن هبة اللّه قاسم الشامي ، نبأ الحسن بن أحمد بن فراس ، نبأ أبي عن أبيه إبراهيم بن فراس ، عن أبي محمد إسحاق بن نافع الخزاعي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن المالكي ، عن محمد بن العباس المكي ،
قال : أخبرني بعض مشايخي المكيين :
أن داود بن عيسى بن موسى لما ولي مكة والمدينة وأقام بمكة ، وولي ابنه سليمان المدينة أقام بمكة عشرين شهرا ، فكتب إليه أهل المدينة ، وقال الزبير بن أبي بكر : كتب إليه يحيى بن مسكين بن أيوب بن محراق يسأله التحوّل إليهم ، ويعلمونه أن مقامه بالمدينة أفضل من مقامه بمكة . وأهدوا إليه في ذلك شعرا :
قال شاعرهم يقول فيه :
أداود قد فزت بالمكرمات * وبالعدل في بلد المصطفى
“ 264 “
وصرت ثمالا لأهل الحجاز * وسرت بسيرة أهل التقى
وأنت المهذّب من هاشم * وفي منصب العزّ والمرتجى
وأنت الرضا للذي نابهم * وفي كل حال ونجل الرضا
وبالفيء أغنيت أهل الخصاص * فعدلك فينا هو المنتهى
ومكة ليست بدار المقام * فهاجر بهجرة من قد مضى
مقامك عشرون شهرا بها * كثير لهم عند أهل الحجا
فضم بلاد الرسول التي * بها اللّه خصّ نبيّ الهدى
ولا ينفينّك عن قربه * مشير مشورته بالهوى
فقبر النبيّ وآثاره * أحقّ بقربك من ذي طوى
قال : فما ورد الكتاب والأبيات على داود بن عيسى ، أرسل إلى رجال من أهل مكة فقرأ عليهم الكتاب ، فأجابه رجل منهم يقال له عيسى بن عبد العزيز السلعوسي بقصيدة يردّ عليه ، ويذكر فيها فضل مكة ، وما خصّها اللّه تعالى به من الكرامة والفضيلة ، ويذكر المشاعر والمناقب ، فقال :
أداود أنت الإمام الرضى * وأنت ابن عم نبي الهدى
وأنت المهذب من كل عيب * وكبر ومن قبله في الصبا
وأنت المؤمّل من هاشم * وأنت ابن قوم كرام تقى
وأنت غياث لأهل الخصاص * تسدّ خصاصتهم بالغنى
أتاك كتاب حسود جحود * أساء في مقالته واعتدى
يخيّر يثرب في شعره * على حرم اللّه حيث ابتنا
فإن كان يصدق فيما يقول * فلا يسجدن إلى هاهنا
وأي بلاد تفوق أمها * ومكة مكة أم القرى
وربي دحى الأرض من تحتها * ويثرب لا شك فيما دحا
وبيت المهيمن فينا مقيم * نصلي إليه برغم العدا
ومسجدنا بيّن فضله * على غيره ليس في ذا مرا
صلاة المصلي تعدّ له * مئين ألوفا صلاة وفا
كذاك أتى في حديث النبي * وما قال حقّ به يقتدى
وأعمالكم كل يوم وفود * إلينا شوارع مثل القطا
فيرفع منها إلهي الذي * يشاء ويترك ما لا يشا
ونحن تحجّ إلينا العباد * فيرمون شعثا بوتر الحصى
“ 265 “
ويأتون من كل فجّ عميق * على أنيق ضمّر كالقنا
ليقضوا مناسكهم عندنا * فمنهم سعاة ومنهم معا
فكم من ملبّ بصوت حزين * يرى صوته في الهوى قد علا
وآخر يذكر رب العباد * ويثني عليه بحسن الثنا
فكلهم أشعث أغبر * يؤمّ المعرّف أقصى المدى
فظلوا به يومهم كله * وقوفا يضجّون عند المسا
حفاة عراة فيا ما لهم * عجيب ينادون رب السما
رجاء وخوفا لما قدّموا * وكلّا يسائل دفع البلاد
يقولون يا ربنا اغفر لنا * بعفوك والصفح عمن أسا
فلما دنا الليل من يومهم * وولى النهار أجدّوا البكا
وسار الحجيج إليهم دجى * فحلوا بجمع بعيد العشا
فباتوا جميعا فلما بدا * عمود الصباح وولى الدجا
دعوا ساعة ثم شدّوا الشسوع * على قلص ثم أمّوا منا
فمن بين من قد قضى نسكه * وآخر يبدأ بسفك الدما
وآخر يهوي إلى مكة * ليسعى ويدعوه فيمن دعا
وآخر يرمل حول الطواف * وآخر ماض يؤمّ الصفا
فأبوا بأفضل مما رجوا * وما طلبوا من جزيل العطا
وحجّ الملائكة المكرمون * إلى أرضنا قبل فيما مضى
وآدم قد حجّ من بعدهم * ومن بعدهم أحمد المصطفى
وحج إلينا خليل الإله * وهجر بالرمي فيمن رمى
فهذا لعمري لنا رفعة * حيانا بهذا شديد القوى
ومنا النبي نبي الهدى * وفينا تنبّا ومنا ابتدى
ومنا أبو بكر ابن الكرام * ومنا أبو حفص المرتجى
وعثمان منا فمن مثله * إذا عدّد الناس أهل التقى
ومنا علي ومنا الزبير * وطلحة منا وفينا انتشا
ومنا ابن عباس ذي المكرمات * نسيب النبي وحلف الندا
ومنا قريش وآباؤها * ونحن إلى فخرنا المنتهى
ومنا الذين بهم تفخرون * فلا تفخرون علينا بنا
ففخر أولاء لنا رفعة * وفينا من الفخر ما قد كفى
“ 266 “
وزمزم والحجر فينا فهل * لكم مكرمات كما قد لنا
وزمزم طعم وشرب لمن * أراد الطعام وفيه الشفا
وزمزم ينفي هموم الصدور * وزمزم من كل سقم دوا
ومن جاء زمزم من جائع * إذا ما تضلع منه اكتفى
وليست كزمزم في أرضكم * كما ليس نحن وأنتم سوا
وفينا سقاية عم الرسول * ومنها النبي امتلا وارتوى
وفينا المقام فأكرم به * وفينا المحصّب والمنحنا
وفينا الحجون ففاخر به * وفينا كداء وفينا كدا
وفينا الأباطح والمروتين * فبخ فبخ فمن مثلنا
وفينا المشاعر منشا النبي * وأجياد والركن والمتّكا
وثور فهل عندكم مثل ثور * وفينا ثبير وفينا حرا
وفينا اجتبى نبي الإله * ومعه أبو بكر المرتضى
فكم بين أحد دجا تفاخر * وبين القبيس فيما ترى
وبلدتنا حرم لم تزل * محرّمة الصيد فيما خلا
ويثرب كانت حلالا فلا * تكذّبن كم بين هذا وذا
فحرمها بعد ذاك النبي * فمن أجل ذلك جاز كذا
فلو قتل الوحش في يثرب * لما فدى الوحش حتى اللقا
ولو قتلت عندنا نملة * أخذتم بها أو تؤدّوا الفدا
ولولا زيارة قبر النبي * لكنتم كسائر من قد بدا
وليس النبي بها ثاويا * ولكنه في جنان العلا
فإن قلت قولا خلاف الذي * أقول فقد قلت قول الخطا
فلا تفحشن علينا المقال * ولا تنطقنّ بقول الخنا
ولا تفخرن بما لا يكون * ولا ما يشينك عند الملا
ولا تهج بالشعر أرض الحرام * وكف لسانك عن ذي طوى
وإلا لجاءك ما لا تريد * من الشتم في أرضكم والأذى
وقد يمكن القول في أرضكم * بسبّ عقيق ووادي قبا
فأجابهما رجل من بني عجل ناسك كان مقيما بجدة مرابطا هناك فحكم بينهما فقال :
إني قضيت على اللذين تماريا * في فضل مكة والمدينة فاسألوا
فلسوف أخبركم بحق فافهموا * فالحكم حينا قد يجوز ويعدل
“ 267 “
فأنا الفتى العجليّ جدة مسكني * وخزانة الحرم التي لا تجهل
وبها الجهاد مع الرّباط وإنها * لبها الوقيعة لا محالة تنزل
من آل حام في أواخر دهرها * وشهيدها بشهيد بدر يعدل
شهداؤنا قد فضّلوا بسعادة * وبها السرور لمن يموت ويقتل
يا أيها المدني أرضك فضلها * فوق البلاد وفضل مكة أفضل
أرض بها البيت المحرّم قبلة * للعالمين له المساجد تعدل
حرم حرام أرضها وصيودها * والصيد في كل البلاد محلل
وبها المشاعر والمناسك كلها * وإلى فضيلتها البريّة ترحل
وبها المقام وحوض زمزم مترعا * والحجر والركن الذي لا يجهل
والمسجد العالي الممجّد والصفا * والمشعران ومن يطوف ويرمل
هل في البلاد محلة معروفة * مثل المعرّف إذ يحل محلل
أو مثل جمع في المواطن كلها * أو مثل خيف منى بأرض منزل
تلكم مواضع لا يرى محرابها * إلا الدعاء ومحرم ومحلل
شرفا لمن وافى المعرّف ضيعة * شرفا له ولأرضه إذ ينزل
وبمكة الحسنات يضعف أجرها * وبها المسئ عن الخطيئة يسأل
يجزي المسئ على الخطيئة مثلها * وتضاعف الحسنات منه وتقبل
ما ينبغي لك أن تفاخر يا فتى * أرضا بها ولد النبي المرسل
بالشعب دون الروم مسقط رأسه * وبها نشأ صلّى عليه المرسل
وبها أقام وجاءه وحي السما * وسرى به الملك الرفيع المنزل
ونبوّة الرحمن فيها أنزلت * والدين فيها قبل دينك أول
هل بالمدينة هاشمي ساكن * أو من قريش ناشئ أو مكهل
إلا ومكة أرضه وقراره * لكنهم عنها نبوا فتحولوا
فكذاك هاجر نحوكم لما أتى * أن المدينة هجرة فتحملوا
فأجرتم وقريتم ونصرتم * خير البرية حقكم أن تفعلوا
فضل المدينة بيّن ولأهلها * فضل قديم نوره يتهلل
من لم يقل إن الفضيلة فيكم * قلنا كذبت وقول ذلك أرذل
لا خير فيمن ليس يعرف فضلكم * من كان يجهله فلسنا نجهل
في أرضكم قبر النبي وبيته * والمنبر العالي الرفيع الأطول
وبها قبور السابقين بفضلهم * عمر وصاحبه الرفيق الأفضل
“ 268 “
والعترة الميمونة اللاتي بها * سبقت فضيلة كل من يتفضّل
آل النبي بنو عليّ إنهم * أمسوا ضياء للبرية يشمل
يا من تبضّ إلى المدينة عينه * فيك الصغار وصغر خدك أسفل
إنا لنهواها ونهوى أهلها * وودادها حق على من يعقل
قل للمديني الذي يزدار دا * ود الأمير ويستحث ويعجل
قد جاءكم داود بعد كتابكم * قد كان حبلك في أميرك يفتل
فاطلب أميرك واستزره ولا تقع * في بلدة عظمت فوعظك أفضل
ساق الإله لبطن مكة ديمة * تروي بها وعلى المدينة تسبل
قلت : اذكر الجبل الأمين الذي هو أبو قبيس وكان أولا اسمه الأمين ، فإنه أودع اللّه فيه الحجر الأسود إلى زمن إبراهيم عليه السلام . فلما بنى البيت ناداه الجبل : لك عندي وديعة مخبوءة من زمن الطوفان فأعطاه الحجر الأسود ، وإنما حدث له اسم أبي قبيس برجل بنى فيه دارا يسمى أبو قبيس ، فسمى به الجبل ، وكان اسمه الأمين ، فغلبت عليه اسم أبي قبيس . واذكر سواد الحجر وصلابته وعظيمه وتقبيله ، وفضل ما جاء فيه من كونه يمين اللّه ، والسجود عليه ، وغير ذلك . وعددها أحد عشر بيتا ، وهي :
وبالجبل الأيمن يمين ربي * قد أودعه به الروح الأمين
إلى أن جاء إبراهيم يبني * مكان البيت ناداه الأمين
لديّ وديعة خبئت زمانا * مطهّرة يقال لها اليمين
فخذها يا خليل اللّه تربح * فهذا السوق والثمن الثمين
وكبّر واستلم واسجد وقبّل * ليشرف عند سجدتك الجبين
وقل هذا اليمين يمين ربي * وإني الواله الدنف الحزين
ينادي من طباق القرب عبدي * أتاك المجد والعزّ المكين
ولبّتك المشاعر والمساعي * وقال بفضلك البلد الأمين
ألا أيها الحجر المعلّى * تغيّر وجهك الغض المصون
سوادك من سويدا كل قلب * ويبسك من قساوتها يكون
يهون عليّ فيك سواد عيني * إذا بخلت بأسودها العيون
ولنا أيضا في الحجر ومبايعته بالتقبيل ، ونبّهت فيها على رتبة المعرفة والمعارف :
يمين المؤمن الركن اليماني * أبايعه لأحظى بالأماني
يمين ما لها حجب تعالت * عن الحجّاب والحجب المباني
“ 269 “
آمنت بلثمها من كل سوء * يصيّرني إلى دار الهوان
فانعم بالكثيب وساكنيه * على مرأى من الحور الحسان
تنادي من أريكتها تأمّل * جمالا ما له في الحسن ثاني
فليس الزهد في الأكوان شيئا * لأن الكون من سر العيان
فلا أنوي ولا أرعيه سمعي * فاحجب بالمغان عن المعاني
ولنا في الفرق بين داخل الكعبة وخارجها وما يتعلق من المعرفة بذلك :
ما داخل البيت مثل خارجه * يعمّه داخلا برحمته
وما خارج البيت إن نوى جهة * منه له ما نوى بهمّته
ما يبتدي من سرّه علم * إلا لمن يعترف بنعمته
فاز بما في الغيوب من عجب * من فاز من بيته بحرمته
وجد بالمدينة ورقة طمست كتابتها إلا أربعة أبيات وهي :
دع الأتراك والعربا * وكن في حرب من غلبا
فقد قال الذين مضوا * إلى رجب ترى العجبا
بمكة أصبحت فتن * تجرّ الويل والخربا
وإن تعطب فوا أسفا * وإن تسلم فوا عجبا
وأنشدني محمد بن أبي بكر لأبي النصير الأسديّ في الوطن :
أحبّ بلاد اللّه ما بين ضارج * إلى قفوات إذ تسحّ سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي * وأول أرض مسّ جلدي ترابها
ومن ذلك قول حبيب بن أوس :
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل
نقّل فؤادك حيث شئت مع الهوى * ما الحب إلا الحبيب الأول
شرح :
أول منزل حضرة الميثاق الأول حيث كان الصفا الذي لم يشبه كدر ، فلما انتقلوا في الأطوار الوجودية ، تحنّ نفوس العارفين إلى أوّليتها العليا ، ومكانتها الزلفى ، وسدرتها المنتهى .
ومن سماعهم على قول إبراهيم بن صول :
باتت تشوّقني برجع حنينها * وأزيدها شوقا برجع حنيني
“ 270 “
نضوين مفتريين بين مهامه * طويا الضلوع على هوى مكنون
لو سويلت عنا القلوص لأخبرت * عن مستقرّ صبابة المحزون
تفسيره :
حنين النفس للروح ، وحنينه لها نضوين من عالم اللطف ، مفتريين وجودهم في عالم الأبدان ، بين مهامه مقامات التبرّي ، طوايا الضلوع على لطف الهمم على الحب الخفي لو سويلت الخواطر على محل رقة العشق ، لأخبرت بما هما عليه من الجوى والتلهف .
نصيحة عليم ومقالة حكيم
روينا من حديث الدينوري عن يوسف بن عبد اللّه ، عن عثمان بن السمرقندي ، عن عوف ، عن الحسن ، أنه قال : من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس الجهل سربالا ، فقطّعوا سرابيل الحياء ، فإنه من رقّ وجهه رقّ علمه . ومن حديثه أيضا ، عن محمد بن يونس ، عن محمد بن الحارث ، عن المدائني ، قال : قال بعض الحكماء : لا تقل فيما لا تعلم ، تجهل فيما تعلم .
قال الدينوري : أنشدنا محمد بن صالح :
اصبر لكل مصيبة وتجلّد * واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها * ثوب تنوب اليوم تنكشف في غد
وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد
ومن باب حنين الإبل وسيرها قول الأديب مهيار الديلمي :
تمدّ بالآذان والمناخر * لحاجر كيف لها بحاجر
تقدّها عنه أحاديث الصبا * ولا نبات في السحاب الباكر
أرض بها السابغ من ربيعها * أو شوقها المكنون في الضمائر
وحيث دنّت ورنت بغامها * وبركت تفحص بالكراكر
فهل لها فهل لمن تحمله * من عاشق يحمله أو زاجر
فإنها من حبها نجدا ترى * في عشب الفور شعار الغادر
يا ليت شعري والمنا تعلمه * هل بمنى لعهدنا من ذاكر
في الصوف والعرياء لي عندكم * قلب يصاح ما له من ناصر
أما قرى الباري الكريم * أو فردّوه إلى أربابه بالحاضر
“ 271 “
ومن هذا الباب :
يغرّها عن وردها بحاجر * شوق يعوق الماء في الخناجر
وردّها على الطوى سوابغا * ذلّ الغريب وحنين الذاكر
مغرورة الأعين من أحبابها * يخالب الإيماض غير ماطر
ومن هذا الباب :
أولى لها أن ترعوي نفارها * وأن يقرّ بالحمى قرارها
ترعى وتروي ناضيا وناصعا * وللرعاة بعدها أسارها
حتى تروح ضخمة جنوبها * وإنما يحضّها أوبارها
وكيف لا وماء سلع ماؤها * معلوة والعلمان دارها
ومن هذا الباب :
دعوها ترد بعد خمس شروعا * وأرخوا أزمتها والنسوعا
وقولوا دعاء لها لا عقرت * ولا امتد دهرك إلا ربيعا
حملن نشاوى بكأس الغرام * وكل غدا لأخيه رضيعا
فأحيوا فؤادي ولكنهم * على صيحة البين ماتوا جميعا
حموا راحة البين أجفانهم * ولفّوا على الزفرات الضلوعا
أسكان رامة هل من قرى * فقد دفع الليل ضيفا قنوعا
كفاه من الزاد أن تمهدوا * له نظرا وحديثا وسيعا
ومن هذا الباب :
حبّ إليها بالغضا مرتبعا * وبالنخيل موردا ومشرعا
وبائيلات النقا ظلائلا * تفرشها كراكرا وأضلعا
متى لها لو جعل الدهر لها * أن تأمن المطرد والمزعزعا
عزّت فما زال بها جور النوى * والبيد حتى أذعنت أن تخضعا
اللّه يا ساقيها فإنها * جرعة خيف أن تجوز الأجرعا
أسل بها الوادي رفيقا إنما * يسيل منها أنفسا وأدمعا
ومن هذا الباب :
دعت من تبالة جعدا لفيفا * وسبطا يرف عليها رفيفا
وحنّت لأيامها بالبطاح * فمدّت وراء ضليف ضليفا
وساق لها فارس الانتجاع * من حيث حنّت نميرا وديفا
“ 272 “
تراود أيديها في الرّوبد * ويأبى لها الشوق إلا الوجيفا
فهل في الخيام على المأزمين * فلبّ يكون عليها عطوفا
وهل بان سلع على العهد منه * يحلو ثمارا ويدنو قطوفا
ومن هذا الباب :
ردّ لها خلف الغمام فسقا * ومدمن ظلّ عليها ما وقا
فغنّ بالجرعاء يا سائقها * فإن ونت شيئا فردها الأبرقا
واعن عن السياط في أرجوزة * بحاجر ترى السهام الممرقا
وكلما تزجرها حداتها * رعى الحمى ربّ الغمام وسقى
حواملا منها هموما ثقلت * وأنفسا لم تبق إلا رمقا
تحملنا وان وناء أو ضنا * وإن هيين أذرعا وأسوقا
دام عليها الليل حتى أصبحت * تحسب نحو ذات عرق مسعقا
وداميات لا يؤدين دما * ولا يبالين أسال أم رقا
وقفن صفا فرأين شوكا * من القلوب فرمين طلقا
عرّج على الوادي فقل عن كبدي * للبان ما شئت الجوى والحرقا
واحجر على عينيك حفظا أن ترى * غصنين منه دنيا فاعتنقا
فطالما استظللته مصطحبا * سلافة العيش به مغتبقا
ولنا من هذا الباب فيما يستحسن من صفات النساء :
هي الغادة الخود اليحيدات والرداح * خدلجة ممكورة ثغرها أقاح
وهركولة رعبوبة ثم بضّة * وهيفاء أملود يمايسه الرياح
برهرهة ممسودة ثم طفلة * وعطيولة تزهو إذا ذكر الملاح
هي الرود والعطبول بهنانة ترى * لها خفرا فهي النوار من السّفاح
وغانية غيظاء غيدا خريدة * كعوب من الأعراب خمصانة الوشاح
مهفهفة شنباء معسولة اللمى * مقبّلها عذب فقبّل ولا جناح
شرحه :
الغادة والأملود والرؤد والطّفلة بفتح الطاء كلها الناعمة . والخود : الحسنة الخلق .
واليحيدات : التامّة القصب . والرداح : الثقيلة العجز والساقين . والأملودة : المطوية الخلق . والأقاح : نبات أبيض مشبّه بالأسنان لبياضه . والهركولة : العظيمة الوركين.
والرعبوبة : البيضاء الناعمة والبضّة الرقيقة الجلد . والهيفاء : الضامرة البطن . ويمايسه :
“ 273 “
أي يمايله ، مال الغصن إذا أماله الريح فمال . والبرهرهة : الناعمة . والممسودة : الممشوقة وهي الطرية اللحم . والعطبولة : الطويلة العنق . والبهنانة : الطيبة الريح ، وترى لها خفرا أي حياء . والخفرة : الحيية . والنوار : النفور من الريبة ، ومنه النور سمي نورا لأنه ينفر الظلمة . والسّفاح : الزنا ، يقول : إنها تنفر من مواضع الريب والغانية ذات الزوج تمدح به المرأة ، لأنها تستغني بجمالها وحسنها . والغيظاء : الطويلة . والغيد : التي في عنقها ميل عند الالتفات ، وهو مما يستحسن يصفها بلين العنق . والخريدة : مثل الخفرة وهي الحيية .
والكعوب والناهد : التي صار نهدها كالكعب . والعروب : ذات الحسن ، فقوله : من الأعراب : من الحسان . والخمصانة : الضامرة ، وهي عكس المفاضة إلي هي المسترخية البطن ،
قال امرؤ القيس :
مهفهفة بيضاء غير مفاضة * ترائبها مصقولة كالسجنجل
الترائب : عظام الصدر . والسجنجل : المرآة . وخمصانة الوشاح : يعني لطيفة الخصر . والمهفهفة : هي ضامرة البطن . والشنباء : التي لأسنانها بريق من صفائها .
والشنب : بريق الأسنان . والظّلم : الذي يرى كالماء يجري في صفاء الأسنان . ومعسولة اللمى وعذب المقبّل باب واحد ، يريد أن ريقها كالعسل .
ومما نظمناه فيما يستقبح من صفاتهن قولنا في ذلك :
هي العفضاج بهصلة شريم * وبحترة ومومسة تئوم
ورضعاء هي الرشحاء أيضا * وكرواء ودفلس لا تقوم
وضهباء ولخناء عجوز * فمنظرها ومخبرها ذميم
قوله : هي العفضاج : المسترخية البطن . والبهصلة : القصيرة ، وكذلك البحترة .
والشريم : هي التي يتوصل إليها من يريدها . والمومسة : الفاجرة . والرضعاء والرشحاء :
الزلاء . والكروي : الدقيقة الساقين . والدّفلس : الحمقاء . والضهياء : التي لا تحيض .
واللخناء : المنتنة الريح .
ومما نظمنا فيما يستحسن من صفات الرجال قولنا في ذلك :
جواد خضمّ أريحي حلاحل * هضوم وصنديد همام سميدع
أريب سريّ لوذعيّ ومدرة * منجد حجحاج زكي ومصقع
نهيك كمي رمى صمة نهمة * غشمشم شهم باسل لا يروّع
إذا ذكر الأبطال في حومة الوغا * هو الفحل إلّا أنه لا يزعزع
شرحه :
“ 274 “
جواد : أي سخي . والخضم : الكثير العطية . والهضوم : الكثير الإنفاق . والأريحي :
الذي يرتاح للعطاء . والحلاحل : السيد الوقور . والصنديد : الرئيس العظيم ، وكذلك الهمام والسّميدع والحجحاج والسري . والأريب : العاقل . واللوذعيّ : الذكي القلب .
والمدرة : رأس القوم ولسانهم . والمنجد : الذي جرّب الأمور ، وكذلك المحنّك والمصقع . البليغ : الفصيح . والنهيك : الشجاع ، وكذلك البطل والكمي والدمي والصمة والنهمة والباسل . والغشمشم : الذي لا يرده شيء عما يريده . والشهم : الحديد القلب .
ومما نظمناه فيما يذمّ من صفات الرجال قولنا :
هذان نحيب خبّأ الخربرم * وعتريف مجمع مائق ثم أميل
عيام وزميل وكلف ولعمط * وهلباجة غمر وقدم وزمل
وفي خلقه لو تبتليه شراسة * ورعديد ما فوق وخب وأعزل
شرحه :
الهذان : الضعيف ، وكذا الزمل والزميل والنحيب . والرعديد : الجبان . والخبا :
مقصور الخبوب . والكلف والأميل : الذي لا يثبت على الخيل . والحز : البخيل . والبرم :
اللئيم . والعتريف : الخبيث . والمجمع والعدم : البعيد الفهم . والمائق : المدله العقل ، وقد يكون من العشق . والعبام : الثقيل الجاهل . واللعمط : الحريص . والشراسة : سوء الخلق ، والرجل شرس . والمأفون : الضعيف العقل والرأي . والخب : المخادع .
والأعزل : الذي لا سلاح معه .
ولنا في اللطائف الروحانية والإشارات العلوية :
حملن على اليعملات الخدورا * وأودعن فيها الدما والبدورا
وأوعدن قلبي أن يرجعوا * وهل تعد الخود إلا غرورا
وحيث بعنا بها للوداع * فأذرت دموعا تهيج السعيرا
فلما تولت وقد يممت * تريد الخورنق ثم السريرا
دعوت ثبورا على أثرهم * فردّت وقالت أتدعو ثبورا
فلا تدعون بها واحدا * ولكنما أدعو ثبورا كثيرا
ألا يا حمام الأراك قليلا * فما زادك البين إلا هديرا
ونوحك يا أيّ هذا الحمام * يثير المشوق يهيج الغيورا
يذيب الفؤاد يذود الرقاد * يضاعف أشواقنا والزفيرا
يحوم الحمام لنوح الحمام * فنسأل منه البقاء يسيرا
“ 275 “
عسى نفحة من صبا حاجر * تسوق إلينا سحابا مطيرا
نروي بها أنفسا قد ظمئن * فما ازداد سحبك إلا نفورا
فيا راعي النجم كن لي نديما * ويا ساهر البرق كن لي سميرا
ويا راقد الليل هنيّته * فقبل الممات عمرت القبورا
فلو كنت تهوى الفتاة العروب * لنلت النعيم بها والسرورا
تعاطى الحسان خمور الخمار * تناجي الشموس تناغي البدورا
وصية نافعة نبوية
حدثنا عبد الواحد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد المجيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي نصر بن علي ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي الحسن الحافظ ، عن ابن درستويه ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، عن عبد اللّه بن المبارك ، عن محمد بن أبي عدي ، عن عبد اللّه بن مرّة ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « توبوا إلى اللّه قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا ، وأكثروا الصدقة ترزقوا ، وأمروا بالمعروف تخصبوا ، وانهوا عن المنكر تنصروا . أيها الناس ، أكيسكم أكثركم للموت ذكرا ، وأحزمكم أحسنكم له استعدادا . الأوان من علامات العقل ، التجافي عن داعي الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور » .
ومن باب الشكوى :
ومن عجب أني أحنّ إليهم * وأسأل شوقا عنهم وهم معي
ومسكنهم عيني وهم في سوادها * وتشتاقهم نفسي وهم بين أضلعي
ولنا نظم ما يسمى به الرجل زوجته :
إذا قمت أدعو في اللبانة زوجتي * أنادي بأسماء لها في صحيفتي
خليلي عرسي جنتي وضعينتي * رياضي وبيتي ظلتي وقعيدتي
ومما يكتب على القبر :
كنا على ظهرها والدهر في مهل * والعيش يجمعنا والدار والوطن
ففرّق الدهر بالتصريف الفتنا * فصار يجمعنا في بطنها الكفن
ومن ذلك أقول :
أقول وقد فاضت دموعي جمّة * أرى الأرض تبقى والإخلاء تذهب
“ 276 “
أخلاي لو غير الحمام أصابكم * عتبت ولكن ما على الموت معتب
ومن ذلك :
عشت دهرا في نعيم * وسرور واغتباط
ثم صار القبر بيتي * وثرى الأرض بساطي
ومن ذلك :
أيها الواقف بالقب * ر عشاء وسحر
إن في القبر عظاما * باليات وعبر
حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن الجمال بن علي ، عن ابن دينار ، عن إسماعيل بن محمد ، عن عبد العزيز بن أحمد ، عن عبد اللّه بن محمد ، عن أبي سعيد الثقفي ، عن ذي النون ، قال : بينما أنا أطوف بالبيت ، وقد نامت العيون ، وإذا بشخص قد حاذى باب الكعبة وهو يقول : رب عبدك المسكين الطريد الشريد ، أسألك بالعصبة التي مننت عليهم ، ومننت عليّ برؤيتهم ، ألا أعطيتني ما أعطيتهم ، وسقيتني ما أسقيتهم بكأس حبك ، وكشفت عن قلوبهم أغطية الجهالة والحجب ، فاكشف عن قلبي أغطية الجهالة والحجب ، حتى تطير روحي بأجنحة الشوق إليك ، وأناجيك في رياض بهائك . ثم بكى حتى سمعت لدموعه وقعا على الحصى .
ثم ضحك قهقهة ومضى فتبعته ، وأنا أقول : إما مجنون ، وإما عارف .
فخرج من المسجد وأخذ نحو خرابات مكة ، فالتفت فرآني ، فقال : ارجع يا ذا النون ، ألك شغل ؟ قلت : من أنت ؟ ومن القوم الذين سألت بحرمتهم ؟
قال : قوم ساروا إلى اللّه سير من نصب المحبوب بين يديه ، وتجرّدوا تجرّد من أخذته الربانية بحقوبه ، وأججت النار من أجله ، وقامت عليه قيامة الشقاء ، وهو مطلوب .
وحدثنا أبو محمد بن يحيى ، عن ابن منصور ، عن شجاع بن فارس ، عن هناد ، عن محمد بن علي ، عن أحمد بن محمد ، عن صالح بن محمد ، عن حمزة البرقي ، عن علي بن يعقوب ، عن محمد بن حسين ، عن ابن الشمطي ، قال : حججت في سنة جديدة ، فبينما أنا أطوف بالكعبة ، إذ بصرت بجارية من أحسن الناس وجها ، وهي تتعلق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي أنا أمتك الغريبة ، وسائلتك الفقيرة ، حيث لا يخفى عليك مكاني ، ولا يستتر عليك سوء حالي ، قد هتكت الحاجة حجابي ، وكشفت الفاقة نقابي ، وكشفت لها وجها عند الذل ، وذليلا عند المسألة طال ، وعزّتك ما حجبه ماء الغنى ، وصانه ستر الحياة ، قد جمدت عني أكف المرزوقين ، وضاقت بي صدور المخلوقين ، فمن حرمني لم ألمه ، ومن وصلني وكلته إلى مكافأتك . فدنوت منها ، وقلت لها : من أنت ،
الجزء 18
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 262 “
حتى وقفت بها برملة حاجر * فرأيت نوقا بالأهيل خوالفا
يقتادها قمر عليه مهابة * فطويت من حذر عليه شراسفا
قمر تعرّض للطواف فلم أكن * بسواه عند طوافه بي طائفا
يمحو بفاضل برده آثاره * فتحار لو كنت الدليل القائفا
ولنا من هذا الباب :
ثلاث بدور ما يزن بريبة * خرجن إلى التنعيم معتجرات
حسرن عن أمثال الشموس إضاءة * ولبّين بالإهلال معتمرات
وأقبلن يمشين الرويد كمثل ما * نمشي القطا في الحف الحبرات
ولنا من هذا الباب أيضا :
قف بالمنازل واندب لا للألا * وسل الربوع الدارسات سؤالا
أين الأحبة أين سارت عيسهم * هاتيك تقطع في البياب الآلا
مثل الحدائق في السراب تراهم * للأل تعظم في العيون الآلا
ساروا يريدون العذيب ليشربوا * ماء به مثل الحياة زلالا
فقفوت أسأل عنهم ريح الصّبا * هل خيموا واستظلوا الظلالا
قالت تركت على زرود قبابهم * والعيس تشكو من سراه كلالا
قد أسدلوا فوق القباب مصاونا * يسترن من حرّ الهجير جمالا
فانهض إليهم طالبا آثارهم * وارقل بعيسك نحوهم أرقالا
فإذا وقفت على معالم حاجر * وقطعت أغوارا بها وجبالا
قربت منازلهم ولاحت نارهم * نارا قد أشعلت الحشا إشعالا
فأنخ بها لا يرهبنك أسدها * فالاشتياق يريكها أشبالا
ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ، ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي قال : رأى بعض الفقراء في واقعته الشيخ أبا مدين ، ومعه ثلاثة من الصوفية ، فيهم أبو حامد ، وهم جلوس ، فقدم لهم صحفة فيها ثريد ، فأكلوا ثم حمدوا وأثنوا . ثم قال أبو حامد : يا أبا مدين ، نحب غذا الروح ، فقال لهم : سرّي مسرور بأسرار ، تستمد من البحار الإلهية الأبدية الأزلية التي لا ينبغي كشفها ، ولا يجوز بثها لغير أهلها ، إذ العبارة والإشارة تعجز عن دركها ، وأبت الغيرة إلا سترها ، هي البحار المحيطة بالوجود ، لا يلجها إلا من وطنه مفقود ، وفي عالم الحقيقة بسرّه موجود ، يتقلب بالحياة الأبدية ، وينطق بالعلوم الأزلية ، فهو بجسمه ظاهر ، وبسرّ حقيقته ظافر ، يطير في عالم الملكوت ، ويسرح في عالم
“ 263 “
الجبروت ، تخلق بالأسماء والصفات ، وفني عنها بمشاهدة الذات ، هناك قراري ، ووطني ، وقرة عيني ، وسكني ، وبه دام فرحي ، وهو علانيتي وسرّي ، والممدّ لوجودي ، ومالكي ، ومعبودي ، أظهر في وجودي قدرته ، ورتب في بدائع صنعه حكمته ، فهو الباطن الظاهر ، الملك القاهر ، فمن رقت همته عن ملاحظة نفسه لم يلتفت إلى غده وأمسه ، وإنما هو ابن وقته ، بالحق سبحانه يجري عمله أفعاله ، وهو راض به مسرورا ، إذ لم يكن شيئا مذكورا ، فمن نزّه أقواله وأفعاله ، فقد صفى همته وأحواله ، فمن كان نطقه به يصول ، ومن كان هو دليله فقد نال الوصول ، ومن حقق نظره به يسمع وبه يقول ،
ويسمع عنه ويسأل به منه ، إذ الوجود كله فاني والباقي فيه المعاني ، به كل شيء يعرف ، ولولاه لم يفهم ولم يوصف ، فهو المظهر سبحانه للأكوان ، وسرّ السرائر ، ومظهر الإعلان ، فرحمته لخلقه عامة ، ونعمته لهم شاملة تامة ، فهم فيها يغدون ويروحون ، وبأسباغها عليهم ظاهرة وباطنة يتنعّمون ، فكل شيء بجملتها يشهد له بالوحدانية ، ويقرّ له بالحدوث والعبودية ، هو سبحانه منطقها بكرمه ومجده ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده .
وأنشدنا من كتاب ابن زنجويه :
أيا عجبا كيف يعصى الإل * ه أم كيف يجحده الجاحد
وللّه في كل تحريكة * وتسكينة عالم شاهد
وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد
ذكر ما قيل على لسان الحرمين وحكم الجدي بينهما
حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ الحسن بن علي ، نبأ الحسن بن مخلف بن هبة اللّه قاسم الشامي ، نبأ الحسن بن أحمد بن فراس ، نبأ أبي عن أبيه إبراهيم بن فراس ، عن أبي محمد إسحاق بن نافع الخزاعي ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن المالكي ، عن محمد بن العباس المكي ،
قال : أخبرني بعض مشايخي المكيين :
أن داود بن عيسى بن موسى لما ولي مكة والمدينة وأقام بمكة ، وولي ابنه سليمان المدينة أقام بمكة عشرين شهرا ، فكتب إليه أهل المدينة ، وقال الزبير بن أبي بكر : كتب إليه يحيى بن مسكين بن أيوب بن محراق يسأله التحوّل إليهم ، ويعلمونه أن مقامه بالمدينة أفضل من مقامه بمكة . وأهدوا إليه في ذلك شعرا :
قال شاعرهم يقول فيه :
أداود قد فزت بالمكرمات * وبالعدل في بلد المصطفى
“ 264 “
وصرت ثمالا لأهل الحجاز * وسرت بسيرة أهل التقى
وأنت المهذّب من هاشم * وفي منصب العزّ والمرتجى
وأنت الرضا للذي نابهم * وفي كل حال ونجل الرضا
وبالفيء أغنيت أهل الخصاص * فعدلك فينا هو المنتهى
ومكة ليست بدار المقام * فهاجر بهجرة من قد مضى
مقامك عشرون شهرا بها * كثير لهم عند أهل الحجا
فضم بلاد الرسول التي * بها اللّه خصّ نبيّ الهدى
ولا ينفينّك عن قربه * مشير مشورته بالهوى
فقبر النبيّ وآثاره * أحقّ بقربك من ذي طوى
قال : فما ورد الكتاب والأبيات على داود بن عيسى ، أرسل إلى رجال من أهل مكة فقرأ عليهم الكتاب ، فأجابه رجل منهم يقال له عيسى بن عبد العزيز السلعوسي بقصيدة يردّ عليه ، ويذكر فيها فضل مكة ، وما خصّها اللّه تعالى به من الكرامة والفضيلة ، ويذكر المشاعر والمناقب ، فقال :
أداود أنت الإمام الرضى * وأنت ابن عم نبي الهدى
وأنت المهذب من كل عيب * وكبر ومن قبله في الصبا
وأنت المؤمّل من هاشم * وأنت ابن قوم كرام تقى
وأنت غياث لأهل الخصاص * تسدّ خصاصتهم بالغنى
أتاك كتاب حسود جحود * أساء في مقالته واعتدى
يخيّر يثرب في شعره * على حرم اللّه حيث ابتنا
فإن كان يصدق فيما يقول * فلا يسجدن إلى هاهنا
وأي بلاد تفوق أمها * ومكة مكة أم القرى
وربي دحى الأرض من تحتها * ويثرب لا شك فيما دحا
وبيت المهيمن فينا مقيم * نصلي إليه برغم العدا
ومسجدنا بيّن فضله * على غيره ليس في ذا مرا
صلاة المصلي تعدّ له * مئين ألوفا صلاة وفا
كذاك أتى في حديث النبي * وما قال حقّ به يقتدى
وأعمالكم كل يوم وفود * إلينا شوارع مثل القطا
فيرفع منها إلهي الذي * يشاء ويترك ما لا يشا
ونحن تحجّ إلينا العباد * فيرمون شعثا بوتر الحصى
“ 265 “
ويأتون من كل فجّ عميق * على أنيق ضمّر كالقنا
ليقضوا مناسكهم عندنا * فمنهم سعاة ومنهم معا
فكم من ملبّ بصوت حزين * يرى صوته في الهوى قد علا
وآخر يذكر رب العباد * ويثني عليه بحسن الثنا
فكلهم أشعث أغبر * يؤمّ المعرّف أقصى المدى
فظلوا به يومهم كله * وقوفا يضجّون عند المسا
حفاة عراة فيا ما لهم * عجيب ينادون رب السما
رجاء وخوفا لما قدّموا * وكلّا يسائل دفع البلاد
يقولون يا ربنا اغفر لنا * بعفوك والصفح عمن أسا
فلما دنا الليل من يومهم * وولى النهار أجدّوا البكا
وسار الحجيج إليهم دجى * فحلوا بجمع بعيد العشا
فباتوا جميعا فلما بدا * عمود الصباح وولى الدجا
دعوا ساعة ثم شدّوا الشسوع * على قلص ثم أمّوا منا
فمن بين من قد قضى نسكه * وآخر يبدأ بسفك الدما
وآخر يهوي إلى مكة * ليسعى ويدعوه فيمن دعا
وآخر يرمل حول الطواف * وآخر ماض يؤمّ الصفا
فأبوا بأفضل مما رجوا * وما طلبوا من جزيل العطا
وحجّ الملائكة المكرمون * إلى أرضنا قبل فيما مضى
وآدم قد حجّ من بعدهم * ومن بعدهم أحمد المصطفى
وحج إلينا خليل الإله * وهجر بالرمي فيمن رمى
فهذا لعمري لنا رفعة * حيانا بهذا شديد القوى
ومنا النبي نبي الهدى * وفينا تنبّا ومنا ابتدى
ومنا أبو بكر ابن الكرام * ومنا أبو حفص المرتجى
وعثمان منا فمن مثله * إذا عدّد الناس أهل التقى
ومنا علي ومنا الزبير * وطلحة منا وفينا انتشا
ومنا ابن عباس ذي المكرمات * نسيب النبي وحلف الندا
ومنا قريش وآباؤها * ونحن إلى فخرنا المنتهى
ومنا الذين بهم تفخرون * فلا تفخرون علينا بنا
ففخر أولاء لنا رفعة * وفينا من الفخر ما قد كفى
“ 266 “
وزمزم والحجر فينا فهل * لكم مكرمات كما قد لنا
وزمزم طعم وشرب لمن * أراد الطعام وفيه الشفا
وزمزم ينفي هموم الصدور * وزمزم من كل سقم دوا
ومن جاء زمزم من جائع * إذا ما تضلع منه اكتفى
وليست كزمزم في أرضكم * كما ليس نحن وأنتم سوا
وفينا سقاية عم الرسول * ومنها النبي امتلا وارتوى
وفينا المقام فأكرم به * وفينا المحصّب والمنحنا
وفينا الحجون ففاخر به * وفينا كداء وفينا كدا
وفينا الأباطح والمروتين * فبخ فبخ فمن مثلنا
وفينا المشاعر منشا النبي * وأجياد والركن والمتّكا
وثور فهل عندكم مثل ثور * وفينا ثبير وفينا حرا
وفينا اجتبى نبي الإله * ومعه أبو بكر المرتضى
فكم بين أحد دجا تفاخر * وبين القبيس فيما ترى
وبلدتنا حرم لم تزل * محرّمة الصيد فيما خلا
ويثرب كانت حلالا فلا * تكذّبن كم بين هذا وذا
فحرمها بعد ذاك النبي * فمن أجل ذلك جاز كذا
فلو قتل الوحش في يثرب * لما فدى الوحش حتى اللقا
ولو قتلت عندنا نملة * أخذتم بها أو تؤدّوا الفدا
ولولا زيارة قبر النبي * لكنتم كسائر من قد بدا
وليس النبي بها ثاويا * ولكنه في جنان العلا
فإن قلت قولا خلاف الذي * أقول فقد قلت قول الخطا
فلا تفحشن علينا المقال * ولا تنطقنّ بقول الخنا
ولا تفخرن بما لا يكون * ولا ما يشينك عند الملا
ولا تهج بالشعر أرض الحرام * وكف لسانك عن ذي طوى
وإلا لجاءك ما لا تريد * من الشتم في أرضكم والأذى
وقد يمكن القول في أرضكم * بسبّ عقيق ووادي قبا
فأجابهما رجل من بني عجل ناسك كان مقيما بجدة مرابطا هناك فحكم بينهما فقال :
إني قضيت على اللذين تماريا * في فضل مكة والمدينة فاسألوا
فلسوف أخبركم بحق فافهموا * فالحكم حينا قد يجوز ويعدل
“ 267 “
فأنا الفتى العجليّ جدة مسكني * وخزانة الحرم التي لا تجهل
وبها الجهاد مع الرّباط وإنها * لبها الوقيعة لا محالة تنزل
من آل حام في أواخر دهرها * وشهيدها بشهيد بدر يعدل
شهداؤنا قد فضّلوا بسعادة * وبها السرور لمن يموت ويقتل
يا أيها المدني أرضك فضلها * فوق البلاد وفضل مكة أفضل
أرض بها البيت المحرّم قبلة * للعالمين له المساجد تعدل
حرم حرام أرضها وصيودها * والصيد في كل البلاد محلل
وبها المشاعر والمناسك كلها * وإلى فضيلتها البريّة ترحل
وبها المقام وحوض زمزم مترعا * والحجر والركن الذي لا يجهل
والمسجد العالي الممجّد والصفا * والمشعران ومن يطوف ويرمل
هل في البلاد محلة معروفة * مثل المعرّف إذ يحل محلل
أو مثل جمع في المواطن كلها * أو مثل خيف منى بأرض منزل
تلكم مواضع لا يرى محرابها * إلا الدعاء ومحرم ومحلل
شرفا لمن وافى المعرّف ضيعة * شرفا له ولأرضه إذ ينزل
وبمكة الحسنات يضعف أجرها * وبها المسئ عن الخطيئة يسأل
يجزي المسئ على الخطيئة مثلها * وتضاعف الحسنات منه وتقبل
ما ينبغي لك أن تفاخر يا فتى * أرضا بها ولد النبي المرسل
بالشعب دون الروم مسقط رأسه * وبها نشأ صلّى عليه المرسل
وبها أقام وجاءه وحي السما * وسرى به الملك الرفيع المنزل
ونبوّة الرحمن فيها أنزلت * والدين فيها قبل دينك أول
هل بالمدينة هاشمي ساكن * أو من قريش ناشئ أو مكهل
إلا ومكة أرضه وقراره * لكنهم عنها نبوا فتحولوا
فكذاك هاجر نحوكم لما أتى * أن المدينة هجرة فتحملوا
فأجرتم وقريتم ونصرتم * خير البرية حقكم أن تفعلوا
فضل المدينة بيّن ولأهلها * فضل قديم نوره يتهلل
من لم يقل إن الفضيلة فيكم * قلنا كذبت وقول ذلك أرذل
لا خير فيمن ليس يعرف فضلكم * من كان يجهله فلسنا نجهل
في أرضكم قبر النبي وبيته * والمنبر العالي الرفيع الأطول
وبها قبور السابقين بفضلهم * عمر وصاحبه الرفيق الأفضل
“ 268 “
والعترة الميمونة اللاتي بها * سبقت فضيلة كل من يتفضّل
آل النبي بنو عليّ إنهم * أمسوا ضياء للبرية يشمل
يا من تبضّ إلى المدينة عينه * فيك الصغار وصغر خدك أسفل
إنا لنهواها ونهوى أهلها * وودادها حق على من يعقل
قل للمديني الذي يزدار دا * ود الأمير ويستحث ويعجل
قد جاءكم داود بعد كتابكم * قد كان حبلك في أميرك يفتل
فاطلب أميرك واستزره ولا تقع * في بلدة عظمت فوعظك أفضل
ساق الإله لبطن مكة ديمة * تروي بها وعلى المدينة تسبل
قلت : اذكر الجبل الأمين الذي هو أبو قبيس وكان أولا اسمه الأمين ، فإنه أودع اللّه فيه الحجر الأسود إلى زمن إبراهيم عليه السلام . فلما بنى البيت ناداه الجبل : لك عندي وديعة مخبوءة من زمن الطوفان فأعطاه الحجر الأسود ، وإنما حدث له اسم أبي قبيس برجل بنى فيه دارا يسمى أبو قبيس ، فسمى به الجبل ، وكان اسمه الأمين ، فغلبت عليه اسم أبي قبيس . واذكر سواد الحجر وصلابته وعظيمه وتقبيله ، وفضل ما جاء فيه من كونه يمين اللّه ، والسجود عليه ، وغير ذلك . وعددها أحد عشر بيتا ، وهي :
وبالجبل الأيمن يمين ربي * قد أودعه به الروح الأمين
إلى أن جاء إبراهيم يبني * مكان البيت ناداه الأمين
لديّ وديعة خبئت زمانا * مطهّرة يقال لها اليمين
فخذها يا خليل اللّه تربح * فهذا السوق والثمن الثمين
وكبّر واستلم واسجد وقبّل * ليشرف عند سجدتك الجبين
وقل هذا اليمين يمين ربي * وإني الواله الدنف الحزين
ينادي من طباق القرب عبدي * أتاك المجد والعزّ المكين
ولبّتك المشاعر والمساعي * وقال بفضلك البلد الأمين
ألا أيها الحجر المعلّى * تغيّر وجهك الغض المصون
سوادك من سويدا كل قلب * ويبسك من قساوتها يكون
يهون عليّ فيك سواد عيني * إذا بخلت بأسودها العيون
ولنا أيضا في الحجر ومبايعته بالتقبيل ، ونبّهت فيها على رتبة المعرفة والمعارف :
يمين المؤمن الركن اليماني * أبايعه لأحظى بالأماني
يمين ما لها حجب تعالت * عن الحجّاب والحجب المباني
“ 269 “
آمنت بلثمها من كل سوء * يصيّرني إلى دار الهوان
فانعم بالكثيب وساكنيه * على مرأى من الحور الحسان
تنادي من أريكتها تأمّل * جمالا ما له في الحسن ثاني
فليس الزهد في الأكوان شيئا * لأن الكون من سر العيان
فلا أنوي ولا أرعيه سمعي * فاحجب بالمغان عن المعاني
ولنا في الفرق بين داخل الكعبة وخارجها وما يتعلق من المعرفة بذلك :
ما داخل البيت مثل خارجه * يعمّه داخلا برحمته
وما خارج البيت إن نوى جهة * منه له ما نوى بهمّته
ما يبتدي من سرّه علم * إلا لمن يعترف بنعمته
فاز بما في الغيوب من عجب * من فاز من بيته بحرمته
وجد بالمدينة ورقة طمست كتابتها إلا أربعة أبيات وهي :
دع الأتراك والعربا * وكن في حرب من غلبا
فقد قال الذين مضوا * إلى رجب ترى العجبا
بمكة أصبحت فتن * تجرّ الويل والخربا
وإن تعطب فوا أسفا * وإن تسلم فوا عجبا
وأنشدني محمد بن أبي بكر لأبي النصير الأسديّ في الوطن :
أحبّ بلاد اللّه ما بين ضارج * إلى قفوات إذ تسحّ سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي * وأول أرض مسّ جلدي ترابها
ومن ذلك قول حبيب بن أوس :
كم منزل في الأرض يألفه الفتى * وحنينه أبدا لأول منزل
نقّل فؤادك حيث شئت مع الهوى * ما الحب إلا الحبيب الأول
شرح :
أول منزل حضرة الميثاق الأول حيث كان الصفا الذي لم يشبه كدر ، فلما انتقلوا في الأطوار الوجودية ، تحنّ نفوس العارفين إلى أوّليتها العليا ، ومكانتها الزلفى ، وسدرتها المنتهى .
ومن سماعهم على قول إبراهيم بن صول :
باتت تشوّقني برجع حنينها * وأزيدها شوقا برجع حنيني
“ 270 “
نضوين مفتريين بين مهامه * طويا الضلوع على هوى مكنون
لو سويلت عنا القلوص لأخبرت * عن مستقرّ صبابة المحزون
تفسيره :
حنين النفس للروح ، وحنينه لها نضوين من عالم اللطف ، مفتريين وجودهم في عالم الأبدان ، بين مهامه مقامات التبرّي ، طوايا الضلوع على لطف الهمم على الحب الخفي لو سويلت الخواطر على محل رقة العشق ، لأخبرت بما هما عليه من الجوى والتلهف .
نصيحة عليم ومقالة حكيم
روينا من حديث الدينوري عن يوسف بن عبد اللّه ، عن عثمان بن السمرقندي ، عن عوف ، عن الحسن ، أنه قال : من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس الجهل سربالا ، فقطّعوا سرابيل الحياء ، فإنه من رقّ وجهه رقّ علمه . ومن حديثه أيضا ، عن محمد بن يونس ، عن محمد بن الحارث ، عن المدائني ، قال : قال بعض الحكماء : لا تقل فيما لا تعلم ، تجهل فيما تعلم .
قال الدينوري : أنشدنا محمد بن صالح :
اصبر لكل مصيبة وتجلّد * واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها * ثوب تنوب اليوم تنكشف في غد
وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها * فاذكر مصابك بالنبي محمد
ومن باب حنين الإبل وسيرها قول الأديب مهيار الديلمي :
تمدّ بالآذان والمناخر * لحاجر كيف لها بحاجر
تقدّها عنه أحاديث الصبا * ولا نبات في السحاب الباكر
أرض بها السابغ من ربيعها * أو شوقها المكنون في الضمائر
وحيث دنّت ورنت بغامها * وبركت تفحص بالكراكر
فهل لها فهل لمن تحمله * من عاشق يحمله أو زاجر
فإنها من حبها نجدا ترى * في عشب الفور شعار الغادر
يا ليت شعري والمنا تعلمه * هل بمنى لعهدنا من ذاكر
في الصوف والعرياء لي عندكم * قلب يصاح ما له من ناصر
أما قرى الباري الكريم * أو فردّوه إلى أربابه بالحاضر
“ 271 “
ومن هذا الباب :
يغرّها عن وردها بحاجر * شوق يعوق الماء في الخناجر
وردّها على الطوى سوابغا * ذلّ الغريب وحنين الذاكر
مغرورة الأعين من أحبابها * يخالب الإيماض غير ماطر
ومن هذا الباب :
أولى لها أن ترعوي نفارها * وأن يقرّ بالحمى قرارها
ترعى وتروي ناضيا وناصعا * وللرعاة بعدها أسارها
حتى تروح ضخمة جنوبها * وإنما يحضّها أوبارها
وكيف لا وماء سلع ماؤها * معلوة والعلمان دارها
ومن هذا الباب :
دعوها ترد بعد خمس شروعا * وأرخوا أزمتها والنسوعا
وقولوا دعاء لها لا عقرت * ولا امتد دهرك إلا ربيعا
حملن نشاوى بكأس الغرام * وكل غدا لأخيه رضيعا
فأحيوا فؤادي ولكنهم * على صيحة البين ماتوا جميعا
حموا راحة البين أجفانهم * ولفّوا على الزفرات الضلوعا
أسكان رامة هل من قرى * فقد دفع الليل ضيفا قنوعا
كفاه من الزاد أن تمهدوا * له نظرا وحديثا وسيعا
ومن هذا الباب :
حبّ إليها بالغضا مرتبعا * وبالنخيل موردا ومشرعا
وبائيلات النقا ظلائلا * تفرشها كراكرا وأضلعا
متى لها لو جعل الدهر لها * أن تأمن المطرد والمزعزعا
عزّت فما زال بها جور النوى * والبيد حتى أذعنت أن تخضعا
اللّه يا ساقيها فإنها * جرعة خيف أن تجوز الأجرعا
أسل بها الوادي رفيقا إنما * يسيل منها أنفسا وأدمعا
ومن هذا الباب :
دعت من تبالة جعدا لفيفا * وسبطا يرف عليها رفيفا
وحنّت لأيامها بالبطاح * فمدّت وراء ضليف ضليفا
وساق لها فارس الانتجاع * من حيث حنّت نميرا وديفا
“ 272 “
تراود أيديها في الرّوبد * ويأبى لها الشوق إلا الوجيفا
فهل في الخيام على المأزمين * فلبّ يكون عليها عطوفا
وهل بان سلع على العهد منه * يحلو ثمارا ويدنو قطوفا
ومن هذا الباب :
ردّ لها خلف الغمام فسقا * ومدمن ظلّ عليها ما وقا
فغنّ بالجرعاء يا سائقها * فإن ونت شيئا فردها الأبرقا
واعن عن السياط في أرجوزة * بحاجر ترى السهام الممرقا
وكلما تزجرها حداتها * رعى الحمى ربّ الغمام وسقى
حواملا منها هموما ثقلت * وأنفسا لم تبق إلا رمقا
تحملنا وان وناء أو ضنا * وإن هيين أذرعا وأسوقا
دام عليها الليل حتى أصبحت * تحسب نحو ذات عرق مسعقا
وداميات لا يؤدين دما * ولا يبالين أسال أم رقا
وقفن صفا فرأين شوكا * من القلوب فرمين طلقا
عرّج على الوادي فقل عن كبدي * للبان ما شئت الجوى والحرقا
واحجر على عينيك حفظا أن ترى * غصنين منه دنيا فاعتنقا
فطالما استظللته مصطحبا * سلافة العيش به مغتبقا
ولنا من هذا الباب فيما يستحسن من صفات النساء :
هي الغادة الخود اليحيدات والرداح * خدلجة ممكورة ثغرها أقاح
وهركولة رعبوبة ثم بضّة * وهيفاء أملود يمايسه الرياح
برهرهة ممسودة ثم طفلة * وعطيولة تزهو إذا ذكر الملاح
هي الرود والعطبول بهنانة ترى * لها خفرا فهي النوار من السّفاح
وغانية غيظاء غيدا خريدة * كعوب من الأعراب خمصانة الوشاح
مهفهفة شنباء معسولة اللمى * مقبّلها عذب فقبّل ولا جناح
شرحه :
الغادة والأملود والرؤد والطّفلة بفتح الطاء كلها الناعمة . والخود : الحسنة الخلق .
واليحيدات : التامّة القصب . والرداح : الثقيلة العجز والساقين . والأملودة : المطوية الخلق . والأقاح : نبات أبيض مشبّه بالأسنان لبياضه . والهركولة : العظيمة الوركين.
والرعبوبة : البيضاء الناعمة والبضّة الرقيقة الجلد . والهيفاء : الضامرة البطن . ويمايسه :
“ 273 “
أي يمايله ، مال الغصن إذا أماله الريح فمال . والبرهرهة : الناعمة . والممسودة : الممشوقة وهي الطرية اللحم . والعطبولة : الطويلة العنق . والبهنانة : الطيبة الريح ، وترى لها خفرا أي حياء . والخفرة : الحيية . والنوار : النفور من الريبة ، ومنه النور سمي نورا لأنه ينفر الظلمة . والسّفاح : الزنا ، يقول : إنها تنفر من مواضع الريب والغانية ذات الزوج تمدح به المرأة ، لأنها تستغني بجمالها وحسنها . والغيظاء : الطويلة . والغيد : التي في عنقها ميل عند الالتفات ، وهو مما يستحسن يصفها بلين العنق . والخريدة : مثل الخفرة وهي الحيية .
والكعوب والناهد : التي صار نهدها كالكعب . والعروب : ذات الحسن ، فقوله : من الأعراب : من الحسان . والخمصانة : الضامرة ، وهي عكس المفاضة إلي هي المسترخية البطن ،
قال امرؤ القيس :
مهفهفة بيضاء غير مفاضة * ترائبها مصقولة كالسجنجل
الترائب : عظام الصدر . والسجنجل : المرآة . وخمصانة الوشاح : يعني لطيفة الخصر . والمهفهفة : هي ضامرة البطن . والشنباء : التي لأسنانها بريق من صفائها .
والشنب : بريق الأسنان . والظّلم : الذي يرى كالماء يجري في صفاء الأسنان . ومعسولة اللمى وعذب المقبّل باب واحد ، يريد أن ريقها كالعسل .
ومما نظمناه فيما يستقبح من صفاتهن قولنا في ذلك :
هي العفضاج بهصلة شريم * وبحترة ومومسة تئوم
ورضعاء هي الرشحاء أيضا * وكرواء ودفلس لا تقوم
وضهباء ولخناء عجوز * فمنظرها ومخبرها ذميم
قوله : هي العفضاج : المسترخية البطن . والبهصلة : القصيرة ، وكذلك البحترة .
والشريم : هي التي يتوصل إليها من يريدها . والمومسة : الفاجرة . والرضعاء والرشحاء :
الزلاء . والكروي : الدقيقة الساقين . والدّفلس : الحمقاء . والضهياء : التي لا تحيض .
واللخناء : المنتنة الريح .
ومما نظمنا فيما يستحسن من صفات الرجال قولنا في ذلك :
جواد خضمّ أريحي حلاحل * هضوم وصنديد همام سميدع
أريب سريّ لوذعيّ ومدرة * منجد حجحاج زكي ومصقع
نهيك كمي رمى صمة نهمة * غشمشم شهم باسل لا يروّع
إذا ذكر الأبطال في حومة الوغا * هو الفحل إلّا أنه لا يزعزع
شرحه :
“ 274 “
جواد : أي سخي . والخضم : الكثير العطية . والهضوم : الكثير الإنفاق . والأريحي :
الذي يرتاح للعطاء . والحلاحل : السيد الوقور . والصنديد : الرئيس العظيم ، وكذلك الهمام والسّميدع والحجحاج والسري . والأريب : العاقل . واللوذعيّ : الذكي القلب .
والمدرة : رأس القوم ولسانهم . والمنجد : الذي جرّب الأمور ، وكذلك المحنّك والمصقع . البليغ : الفصيح . والنهيك : الشجاع ، وكذلك البطل والكمي والدمي والصمة والنهمة والباسل . والغشمشم : الذي لا يرده شيء عما يريده . والشهم : الحديد القلب .
ومما نظمناه فيما يذمّ من صفات الرجال قولنا :
هذان نحيب خبّأ الخربرم * وعتريف مجمع مائق ثم أميل
عيام وزميل وكلف ولعمط * وهلباجة غمر وقدم وزمل
وفي خلقه لو تبتليه شراسة * ورعديد ما فوق وخب وأعزل
شرحه :
الهذان : الضعيف ، وكذا الزمل والزميل والنحيب . والرعديد : الجبان . والخبا :
مقصور الخبوب . والكلف والأميل : الذي لا يثبت على الخيل . والحز : البخيل . والبرم :
اللئيم . والعتريف : الخبيث . والمجمع والعدم : البعيد الفهم . والمائق : المدله العقل ، وقد يكون من العشق . والعبام : الثقيل الجاهل . واللعمط : الحريص . والشراسة : سوء الخلق ، والرجل شرس . والمأفون : الضعيف العقل والرأي . والخب : المخادع .
والأعزل : الذي لا سلاح معه .
ولنا في اللطائف الروحانية والإشارات العلوية :
حملن على اليعملات الخدورا * وأودعن فيها الدما والبدورا
وأوعدن قلبي أن يرجعوا * وهل تعد الخود إلا غرورا
وحيث بعنا بها للوداع * فأذرت دموعا تهيج السعيرا
فلما تولت وقد يممت * تريد الخورنق ثم السريرا
دعوت ثبورا على أثرهم * فردّت وقالت أتدعو ثبورا
فلا تدعون بها واحدا * ولكنما أدعو ثبورا كثيرا
ألا يا حمام الأراك قليلا * فما زادك البين إلا هديرا
ونوحك يا أيّ هذا الحمام * يثير المشوق يهيج الغيورا
يذيب الفؤاد يذود الرقاد * يضاعف أشواقنا والزفيرا
يحوم الحمام لنوح الحمام * فنسأل منه البقاء يسيرا
“ 275 “
عسى نفحة من صبا حاجر * تسوق إلينا سحابا مطيرا
نروي بها أنفسا قد ظمئن * فما ازداد سحبك إلا نفورا
فيا راعي النجم كن لي نديما * ويا ساهر البرق كن لي سميرا
ويا راقد الليل هنيّته * فقبل الممات عمرت القبورا
فلو كنت تهوى الفتاة العروب * لنلت النعيم بها والسرورا
تعاطى الحسان خمور الخمار * تناجي الشموس تناغي البدورا
وصية نافعة نبوية
حدثنا عبد الواحد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمر بن عبد المجيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي نصر بن علي ، عن محمد بن أحمد ، عن أبي الحسن الحافظ ، عن ابن درستويه ، عن علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد القاسم بن سلام ، عن عبد اللّه بن المبارك ، عن محمد بن أبي عدي ، عن عبد اللّه بن مرّة ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « توبوا إلى اللّه قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا ، وأكثروا الصدقة ترزقوا ، وأمروا بالمعروف تخصبوا ، وانهوا عن المنكر تنصروا . أيها الناس ، أكيسكم أكثركم للموت ذكرا ، وأحزمكم أحسنكم له استعدادا . الأوان من علامات العقل ، التجافي عن داعي الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ، والتأهب ليوم النشور » .
ومن باب الشكوى :
ومن عجب أني أحنّ إليهم * وأسأل شوقا عنهم وهم معي
ومسكنهم عيني وهم في سوادها * وتشتاقهم نفسي وهم بين أضلعي
ولنا نظم ما يسمى به الرجل زوجته :
إذا قمت أدعو في اللبانة زوجتي * أنادي بأسماء لها في صحيفتي
خليلي عرسي جنتي وضعينتي * رياضي وبيتي ظلتي وقعيدتي
ومما يكتب على القبر :
كنا على ظهرها والدهر في مهل * والعيش يجمعنا والدار والوطن
ففرّق الدهر بالتصريف الفتنا * فصار يجمعنا في بطنها الكفن
ومن ذلك أقول :
أقول وقد فاضت دموعي جمّة * أرى الأرض تبقى والإخلاء تذهب
“ 276 “
أخلاي لو غير الحمام أصابكم * عتبت ولكن ما على الموت معتب
ومن ذلك :
عشت دهرا في نعيم * وسرور واغتباط
ثم صار القبر بيتي * وثرى الأرض بساطي
ومن ذلك :
أيها الواقف بالقب * ر عشاء وسحر
إن في القبر عظاما * باليات وعبر
حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن الجمال بن علي ، عن ابن دينار ، عن إسماعيل بن محمد ، عن عبد العزيز بن أحمد ، عن عبد اللّه بن محمد ، عن أبي سعيد الثقفي ، عن ذي النون ، قال : بينما أنا أطوف بالبيت ، وقد نامت العيون ، وإذا بشخص قد حاذى باب الكعبة وهو يقول : رب عبدك المسكين الطريد الشريد ، أسألك بالعصبة التي مننت عليهم ، ومننت عليّ برؤيتهم ، ألا أعطيتني ما أعطيتهم ، وسقيتني ما أسقيتهم بكأس حبك ، وكشفت عن قلوبهم أغطية الجهالة والحجب ، فاكشف عن قلبي أغطية الجهالة والحجب ، حتى تطير روحي بأجنحة الشوق إليك ، وأناجيك في رياض بهائك . ثم بكى حتى سمعت لدموعه وقعا على الحصى .
ثم ضحك قهقهة ومضى فتبعته ، وأنا أقول : إما مجنون ، وإما عارف .
فخرج من المسجد وأخذ نحو خرابات مكة ، فالتفت فرآني ، فقال : ارجع يا ذا النون ، ألك شغل ؟ قلت : من أنت ؟ ومن القوم الذين سألت بحرمتهم ؟
قال : قوم ساروا إلى اللّه سير من نصب المحبوب بين يديه ، وتجرّدوا تجرّد من أخذته الربانية بحقوبه ، وأججت النار من أجله ، وقامت عليه قيامة الشقاء ، وهو مطلوب .
وحدثنا أبو محمد بن يحيى ، عن ابن منصور ، عن شجاع بن فارس ، عن هناد ، عن محمد بن علي ، عن أحمد بن محمد ، عن صالح بن محمد ، عن حمزة البرقي ، عن علي بن يعقوب ، عن محمد بن حسين ، عن ابن الشمطي ، قال : حججت في سنة جديدة ، فبينما أنا أطوف بالكعبة ، إذ بصرت بجارية من أحسن الناس وجها ، وهي تتعلق بأستار الكعبة وتقول : إلهي وسيدي أنا أمتك الغريبة ، وسائلتك الفقيرة ، حيث لا يخفى عليك مكاني ، ولا يستتر عليك سوء حالي ، قد هتكت الحاجة حجابي ، وكشفت الفاقة نقابي ، وكشفت لها وجها عند الذل ، وذليلا عند المسألة طال ، وعزّتك ما حجبه ماء الغنى ، وصانه ستر الحياة ، قد جمدت عني أكف المرزوقين ، وضاقت بي صدور المخلوقين ، فمن حرمني لم ألمه ، ومن وصلني وكلته إلى مكافأتك . فدنوت منها ، وقلت لها : من أنت ،
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin