الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء التاسع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 122 “
الشرور ، ويوحي إلى أوليائه بالباطل ، دأبا له مذ كان على عهد أبينا آدم صلى اللّه عليه وسلم ، وعادة منه منذ أهانه اللّه عز وجل في سالف الدهر ، لا ينجى منه إلا بعض الناجذين على الحق ، وغض الطرف عن الباطل ، ووطء هامة عدو اللّه ، وعدو الدين ، بالأشد فالأشد ، والأجدّ بالأجدّ ، وإسلام النفس للّه عز وجل فيما رضاه ، وجنب سخطه .
ولا بد الآن من قول ينفع إذا ضرّ السكوت ، وخيف غبّه . ولقد أرشدك من أفاد ضالتك ، وصافاك من أحيا مودته لك بعتابك ، وأراد الخير بك من آثر البقاء معك . ما هذا الذي تسوّل لك نفسك ، ويدوي به قلبك ، ويلتوي به عليك رأيك ، ويتخاوص دونه طرفك ، ويسري فيه ظعنك ، ويترادّ معه نفسك ، وتكثر معه صعداؤك ، ولا يفيض له لسانك ، أعجمة بعد إفصاح ؟ أتلبيس بعد إيضاح ؟ أدين غير دين اللّه عز وجهه ؟
أخلق غير خلق اللّه ؟ أهدي غير هدي النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟ أمثلي يمشي له الضرّاء ويدبّ إليه الحمراء ؟ أم مثلك ينقبض عليه الفضاء ؟ أو يكسف في عينه القمر ؟ ما هذه القعقعة بالشنان ؟ وما هذه الوعوعة باللسان ؟
إنك جدّ عارف باستجابتنا للّه عز وجل ولرسوله عليه السلام ، وخروجنا عن أوطاننا وأموالنا وأولادنا وأحبّتنا هجرة إلى اللّه تعالى عز ذكره ولنصرة نبيه صلى اللّه عليه وسلم في زمان أنت فيه في كنّ الصبي ، وخدر الغرارة ، غافل عما يشيب ويريب ، لا تعي ما يراد ويشاد ، ولا تحصّل ما يساق ويقاد ، سوى ما أنت جار عليه إلى غايتك التي إليها بعدي بك ، وعندها حط رحلك ، غير مجهول القدر ، ولا مجحود الفضل .
ونحن في أثناء ذلك نعاني أحوالا تزيل الرواسي ، ونقاسي أهوالا تشيّب النواصي ، خائضين غمارها ، راكبين تيارها ، نتجرع صابها ، ونشرح عيابها ، ونتبلّغ عبابها ، ونحكم أساسها ، ونهزم أمراسها ، والعيون تحدّج بالجسد ، والأنوف تعطس بالكبر ، والصدور تستعر بالغيظ ، والأعناق تتطاول بالفخر ، والشفار تشحذ بالمكر ، والأرض تميد بالخوف ، ولا ننتظر عند السماء صباحا ، ولا عند الصباح مساء ، ولا ندفع في نحر أمر لنا إلا بعد أن نحسوا الموت دونه ، ولا نتبلغ إلى شيء إلا بعد جرع الغصص معه ، ولا نقود بناد إلا بعد اليأس من الحياة عنده ، فأدين في كل ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بالأب ، والأم ، والخال ، والعم ، والنشب ، والسيد ، واللبد ، والهلة ، والبلة ، بطيب نفس ، وقرور عين ، ورحب أعطان ، وثبات عزائم ، وصحة عقول ، وطلاقة أوجه ، وذلاقة ألسن ، هذا إلى خفيات أسرار ، ومكنونات أخبار ، كنت عنها غافلا ، ولولا سنك لم تكن عنها ناكلا ، كيف وفؤادك مشهوم ، وعودك معجوم ، وغيبك مخبور ، والقول فيك كثير ؟
والآن قد بلّغ اللّه بك ، وأرض الخير لك ، وجعل مرادك بين يديك . وعن علم أقول
“ 123 “
ما تسمع : فارتقب زمانك ، وقلّص إليه أردانك ، ودع التجسس والتعسس لمن لا يطلع إليك إذا أخطى ، ولا يتزحزح عنك إذا أعطى ، فالأمر غضّ والنفوس فيها مضّ ، وإنك أديم هذه الأمة ، فلا تحكم لجاجا ، وسيفها الغضب فلا تنبو اعوجاجا ، وماؤها العذب فلا تحيل أجاجا ، واللّه لقد سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذا الأمر فقال لي : « يا أبا بكر ، هو لمن يرغب عنه لا لمن يرغب فيه ويجاحش عليه ، ولمن يتضاءل له لا لمن تنفخ إليه ، ولمن يقال : هو لك لا لمن يقول : هو لي » . واللّه لقد شاورني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصهر ، فذكر فتيانا من قريش ، فقلت : أين أنت من علي ؟ فقال : « إني لا أكره لفاطمة ميعة شبابه وحداثة سنه » .
فقلت له : متى كنفته يدك ورعته عينك حفت بهما البركة وسبغت عليهما النعمة ، مع كلام كثير خطبت به عنك ورغّبته فيك ، وما كنت عرفت منك في ذلك حوجا ولا لوجا .
فقلت ما قلت وأنا أرى مكان غيرك وأجد رائحة سواك .
وكنت لك إذ ذاك خيرا منك الآن لي . ولئن كان عرض بك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد كنّى عن غيرك ، وإن كان قال فيك فما سكت عن سواك ، وإن يختلج في نفسك شيء فهلمّ فالحكم مرضي والصواب مسموع والحق مطاع .
ولقد نقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ما عند اللّه عز وجل وهو عن هذه العصابة راض ، وعليها حدب ، يسرّه ما يسرّها ، ويكيده ما كادها ، ويرضيه ما أرضاها ، ويسخطه ما أسخطها . ألم تعلم أنه لم يدع أحدا من أصحابه وخلطائه وأقاربه وشجرائه إلا أبانه بفضيلة ، وخصّه بمكرمة ، وأفرده بجلاله ؟ لو أصفقت الأمة عليه لكان عنده إيالتها وكفالتها وكرافتها وغزارتها .
أتظنّ أنه صلى اللّه عليه وسلم ترك الأمة نشرا سدى ، بردا عدى ، مباهل طلاحي ، مفتونة بالباطل ، مغبونة عن الحق ، لا زائد ، ولا حائط ، ولا ساقي ، ولا راقي ، ولا هادي ، ولا حادي . كلا واللّه ما اشتاق إلى ربه تعالى ولا سأله المصير إلى رضوانه ، حتى ضرب الصّوى ، وأوضح الهدى ، وأمّن المهالك والمطارح ، وسهّل المبارك والمهايع ، إلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك بإذن اللّه عز وجل ، وشرم وجه النفاق لوجه اللّه تعالى جدّه ، وجدع أنف الفتنة في ذات اللّه تبارك اسمه ، وتفل في وجه الشيطان بعون اللّه جلّ ذكره ، وصدع بملء فيه ، وبده أمر اللّه عز وجل .
وبعد ، فهؤلاء المهاجرين والأنصار عندك ومعك في دار واحدة ، وبقعة جامعة ، إن استقلوني لك وأشاروا عندي بك ، فأنا واضع يدي في يدك ، وصائر إلى رأيهم فيك . وإن تكن الأخرى فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، وكن العون على مصالحهم ، والفاتح لمغالقهم ، والمرشد لضآلهم ، والرادع لغاويهم . فقد أمر اللّه عز وجل بالتعاون على البر ،
“ 124 “
وأهاب إلى التناصر على الحق ، ودعنا نقضي هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغلّ ، ونلقى اللّه عز وجل بقلوب سليمة من الضغن .
وبعد ، فالناس ثمامة ، فارفق بهم ، واحن عليهم ، ولن لهم ، ولا تشق نفسك بنا خاصة فيهم ، واترك ناجم الحقد حصيدا ، وطائر الشر واقعا ، وباب الفتنة غلقا . فلا قال ولا قيل ، ولا لوم ولا تبيع ، واللّه عز وجل على ما نقول وكيل ، وما نحن عليه يصير .
قال أبو عبيدة : فلما تهيأت للنهوض ، قال لي عمر : كن لدا الباب هنية ، فلي معك درّ من القول ، فوقفت ولا أدري ما كان بعدي إلا أنه لحقني ووجهه يندي تهللا وقال : قل لعليّ : الرقاد محلمة ، واللجاج ملحمة ، والهوى مفحمة . وما منا أحد إلا وله مقام معلوم ، وحق مشاع أو مقسوم ، ونبأ ظاهر أو مكتوم . وإن أكيس الكيس من منح الشارد تألفا ، وقارب البعيد تلطفا ، ووزن كل امرئ بميزانه ، ولم يخلط خبره بعيانه ، ولم يجعل فتره مكان شبره . ولا خير في معرفة مشوبة بنكرة ، ولا في علم معتل في جهل ، ولسنا كجلدة رقع البعير بين العجان وبين الذنب . وكل صال فبناره ، وكل سيل فإلى قراره ، وما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعيّ وشي ، وكلامها اليوم لفتق أو رتق . قد جدع اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم آنف كل ذي كبر ، وقصف ظهر كل جبار ، وقطع لسان كل كذوب . فما ذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ما هذه الخنزوانة التي في فراش رأسك ؟ وما هذا الشجا المعترض في مدارج أنفاسك ؟ وما هذه الوحرة التي أكلت شرا سيفك ؟ والقذاة التي أغشت ناظرك ؟
وما هذا الدخس والداس اللذان يدلّان على ضيق الباع وخور الطباع ؟ وما هذا الذي ليست بسببه جلدة النمر ، واشتملت عليه بالشحناء والنكر ؟ لشدّ ما استسعيت إليها . وسريت سرى ابن انقد إليها . إن العوان لا تعلم الخمرة ، وإن الحصان لا تكلم خبره ، وما أحوج الفرعاء إلى قال ، وما أفقر الصلعاء إلى حال .
لقد خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والأمر محبّس ليس لأحد فيه ملمس ، ولا مأيس ، ولم يسيّر فيك قولا ، ولم يستنزل فيك قرانا ، ولم يحزم في شأنك حكما ، ولسنا في كسروية كسرى ، ولا في قيصرية قيصر تانك ، لا أخدان فارس ، وأبناء الأصفر ، قوما جعلهم اللّه جرزا لسيوفنا ، وحرزا لرماحنا ، ومرمى لطعاننا ، وتبعا لسلطاننا ، بل نحن في نور نبوّة ، وضياء رسالة ، وثمرة حكمة ، وإثرة رحمة ، وعنوان نعمة ، وظل عصمة ، بين أمة مهدية بالحق والصدق ، مأمونة على الفتق والرتق . لها من اللّه عز وجل قلب أبيّ ، وساعد قوي ، ويد ناصرة ، وعين باصرة . أتظن أن أبا بكر الصديق وثب على هذا الأمر مفتاتا على هذه الأمة ، خادعا لها ، متسلّطا عليها ؟ أتراه امتلخ أحلامها ، وزاغ أبصارها ، وحلّ عقدها ،
“ 125 “
وأحال عقولها ، واستلّ من صدورها حميتها ، وانتزع من أكبادها عصبيتها ، وانتكث رشاها ، وانتضب ماءها ، وأضلها عن هداها ، وساقها إلى رداها ، وجعل نهارها ليلا ، ووزنها كيلا ، ويقظتها رقادا ، وصلاحها فسادا ، إن كان هكذا إن سحره لمبين ، وإن كيده لمتين . كلا واللّه بأي خيل ورجل ، وبأي سنان ونصل ، وبأي قوة ومنة ، وبأي ذخر وعدة ، وبأي أيد وشدة ، وبأي عشيرة وأسرة ، وبأي تدرّع وبسطة ، لقد أصبح عندك بما وسمته منيع العقبة ، رفيع العتبة . لا واللّه ولكن سلا عنها فولهت إليه وتطامن لها فلصقت به ، ومال عنها فمالت إليه ، واشتمل دونها فاشتملت عليه . حبوة حباه اللّه بها ، وعاقبة بلّغه اللّه إياها ، ونعمة سربله اللّه جمالها ، ويد أوجب عليه شكرها ، وأمة نظر اللّه به لها . ولطالما حلقت فوقه في أيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو لا يلتفت لفتها ، ولا يرتصد وقتها . واللّه أعلم بخلقه ، وأرأف بعباده ، يختار ما كان لهم الخيرة ، وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، وكهف الحكمة ، ولا يجحد حقك فيما آتاك ربك ، ولكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك ، وقرب أمسّ من قربك ، وسنّ أعلى من سنك ، وشيبة أروع من شيبتك ، وسادة لها عرف من الجاهلية ، وفرع من الإسلام والشريعة ، ومواقف ليس لك فيها من جمل ولا ناقة ، ولا تذكر منها في مقدمة ولا ساقة ، ولا تضرب فيها بذراع ولا إصبع ، ولا خرج منها ببازل ولا هبع . فإن عذرت نفسك فيما تهدر به شقشقتك من صاغيتك ، فاعذرنا فيما تسمع منا في لين وسكون ، مما لا تبعده منه ولا تناضله عليه . ولئن خزيت بهذا نفسك ، لينتخشنّ عليك ما ينسيك الأولى ، ويلهيك عن الأخرى . ولو علم من ضنا به بما في أنفسنا له وعليه ، لما سكن ، ولا اتخذت أنت وليجة إلى بعض الأرب .
فأما أبو بكر الصدّيق فلم يزل حبه سويداء قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلاقة همه ، وعيبة سرّه ، ومثوى حربه ، ومفزع رأيه ومشورته ، وراحة كفه ، ومرمق طرفه ، وذلك كله بمحضر الصادر والوارد من المهاجرين والأنصار ، شهرته مغنية عن الدلالة عليه .
ولعمري إنك أقرب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرابة ، لكنه أقرب قربة ، والقرابة لحم ودم ، والقربة روح ونفس . وهذا فرق قد عرّفه المؤمنون ، وكذلك صاروا أجمعين .
أجمعين هاهنا ليست التي يراد بها التوكيد ، إنما هي المستعملة في قول العرب : جاء القوم بأجمعهم . وكان الأصمعي يقول : إنما هو بأجمعهم بضم الميم لأن المفتوحة الميم لا تضاف ولا تكون إلا مؤكّدة . وخالفه ابن الأعرابي في ذلك وأجاز فتح الميم وقال :
ليست هذه تلك ، كما أن كلا ، المستعملة في قولنا : كل القوم ذاهب ، ليست المستعملة في قولنا : مررت بالقوم كلهم .
“ 126 “
ومهما شككت فيه فلا تشك ، إن يد اللّه مع الجماعة ، ورضوانه لأهل الطاعة ، فادخل فيما هو خير لك اليوم ، وأنفع لك غدا ، وألفظ من فيك ما تعلّق بلهاتك ، وانفث سخيمة صدرك عن ثقاتك . فإن لم يكن في الأمد طول ، وفي الأجل فسحة ، فستأكله مريا أو غير مريء ، وستشربه هنيا أو غير هنيء ، حين لا رادّ لقولك إلا من كان منك ، ولا تابع لك إلا من كان طامعا فيك ، يمض أهابك ، ويفري قادمتك ، ويزري على هديك ، هناك تقرع السن من ندم ، وتجرع الماء ممزوجا بدم . وحينئذ تأسّ على ما مض من عمرك ، ودارج قومك ، فتودّ أن لو سقيت بالكأس التي أبيتها ، ورددت للحال التي استبريتها ، وللّه تعالى فينا وفيك أمر هو بالغه ، وغيب هو شاهده ، وعاقبة هو المرجو لضرّائها وسرّائها ، وهو الولي الحميد ، الغفور الودود .
قال أبو عبيدة رضي اللّه عنه : فمشيت مزملا أتوجّأ كأنما أخطو على أمّ رأسي ، فرقا من الفرقة ، وشفقا على الأمة ، حتى وصلت إلى عليّ في خلاء فأبثثته بثي كله ، وبرئت إليه منه . ورفقت له . فلما سمعها ووعاها وسرعت في أوصاله حمّياها ، قال : حلت مغلوطه ، وولت مخروطه ، حل لا حليت النفس ، أدنى لها من قول أما :
إحدى لياليك فهيسي هيسي * لا تنعمي الليلة بالتعريس
نعم يا أبا عبيدة ، أكل هذا في أنفس القوم يحثون عليه ويطبّعون به ؟
قال أبو عبيدة : فقلت : لا جواب لك عندي ، إنما أنا قاض حق الدين ، وراتق فتق الإسلام للمسلمين . وساد ثلمة الأمة ، يعلم اللّه ذلك من خلجان قلبي ، وقرارة نفسي .
قال علي رضي اللّه عنه : واللّه ما كان قعودي في كسر هذا البيت قصدا للخلافة ، ولا إنكارا للمعروف ، ولا رزاية على مسلم ، بل لما وقدني به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفراقه ، وأودعني من الحزن بفقده ، وذلك أني لم أشهد بعده مشهدا إلا جدد لي حزنا ، وذكرني شجوا ، وإن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، فقد عكفت على عهد اللّه أنظر فيه ، وأجمع ما تفرّج منه ، رجاء ثواب معدّ لمن أخلص عمله ، وسلّم لعلمه ومشيئة ربه ، على أني ما علمت أن التظاهر عليّ واقع ، ولا عن الحق الذي سبق إليّ دافع ، وإذا قد أفعم الوادي بي ، وحشد النادي من أجلي ، فلا مرحبا بما ساء أحدا من المسلمين . وفي النفس كلام : لولا سابق قول وسالف عهد لشفيت غيظي بخنصري وبنصري ، وخضت لجّته بأخمصي ومفرقي ، لكني ملجم إلى أن ألقى ربي عز وجل ، وعنده أحتسب ما نزل بي ، وأنا عادل إلى جماعتكم ، ومبايع لصاحبكم ، وصابر على ما ساءني وسرّكم ، ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ، وكان اللّه على كل شيء شهيدا .
“ 127 “
قال أبو عبيدة : فعدت إلى أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، فنصصت القول على غرّه ، ولم أختزل شيئا من حلوه ومرّه ، وذكرت غدوه إلى المسجد .
فلما كان صباح يومئذ وافى عليّ فخرق إلى أبي بكر فبايعه ، وقال خيرا ، ووصف جميلا ، وجلس زمينا ، واستأذن للقيام ونهض ، فشيّعه عمر تكرمة له ، واستئثارا لما عنده .
فقال له عليّ : ما قعدت عن صاحبكم كارها له ، ولا أتيته فرقا منه ، وما أقول ما أقول تعلّة ، وإني لأعرف مسمى طرفي ، ومخطى قدمي ، ومنزع قوسي ، وموقع سهمي ، ولكني قد أزمت على فأسي ثقة باللّه في الإبالة في الدنيا والآخرة .
فقال له عمر : كفكف عزبك ، واستوقف سربك ، ودع العصا بلحائها ، والدّلا برشائها ، فإنّا من خلفها وورائها ، إن قدحنا أورينا ، وإن منحنا أروينا ، وإن جرحنا أدمينا ، وإن نصحنا أربينا ، ولقد سمعت أماثيلك التي لغوت بها عن صدر آكل بالجوى ، ولو شئت لقلت على مقالتك ما إذا سمعته ندمت على ما قلته ، زعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما وقدك به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفراقه .
أفراق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقدك وحدك ، ولم يقد سواك ؟ بل مصابه أعظم وأعز من ذلك ، فإن من حق مصابه أن لا يصدع شمل الجماعة بكلمة لا عصام لها ، ولا يزرى على أخيارها بما لا يؤمن كيد الشيطان في عقباها . هذه العرب حولنا ، واللّه لو تداعت علينا في مصبح يوم لم نلتق في ممسى .
وزعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، فمن الشوق إليه نصرة دينه ، ومؤازرة أولياء اللّه تعالى جده ، ومعاونتهم فيه .
وزعمت أنك عكفت على عهد اللّه عز وجل تجمع ما تبدّد منه ، فمن العكوف على عهده النصيحة لعباده ، والرقّة على خلقه ، وبذل ما يصلحون به ، ويرشدون إليه .
وزعمت أنك لم تعلم أن التظاهر عليك واقع ، ولك عن الحق الذي سبق إليك دافع .
فأي تظاهر وقع عليك ؟ وأي حق لك ليط دونك ؟ قد علمت ما قالت الأنصار لك بالأمس سرّا وجهرا ، وما تقلبت عليه بطنا وظهرا . فهل ذكرتك أو أشارت بك أو وجدنا رضاها عندك ؟ هؤلاء المهاجرون من الذي قال بلسانه تصلح لهذا الأمر ، أو أومأ بعينه ، أو همهم في نفسه ؟ أتظن أن الناس قد ضلوا من أجلك وعادوا كفارا زهدا فيك ؟ وباعوا اللّه عز وجل ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحاملا عليك ؟ لا واللّه ولكنك اعتزلت تنتظر الوحي ، وتتوكف مناجاة الملك لك . ذلك أمر طواه اللّه عز وجل بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم . أكان الأمر معقودا بأنشوطة أو
“ 128 “
مشدودا بأطراف ليطة ؟ كلا واللّه ، إن الغيابة لملحقة ، وإن الشجرة لمورقة ، ولا عجماء بعد حمد اللّه إلا وقد فصحت ، ولا عجفاء إلا وقد سمنت ، ولا بلهاء إلا وقد فطنت ، ولا شوكاء إلا وقد نفحت .
ومن أعجب شأنك قولك : لولا سابق قول وسالف عهد لشفيت غيظي . وهل ترك الدين لأحد من أهله أن يشفي غيظه بيده ولسانه ؟ تلك جاهلية قد استأصل اللّه شافتها ، ودفع عن الناس آفتها ، وأقلع جرثومتها ، وهوّر ليلها ، وغوّر سيلها ، وأبدل منها الروح والريحان ، والهدى والبرهان .
وزعمت أنك ملجم . فلعمري إن من اتقى اللّه اللّه عز وجل وآثر رضاه وطلب ما عنده ، أمسك لسانه وأطبق فاه وجعل سعيه لما واراه .
قال عليّ رضي اللّه عنه : واللّه ما بذلت وأنا أريد فلتة ، ولا أقررت بما أقررت وأنا أريد حولا منه ، وإن أحسر الناس صفقة عند اللّه عز وجل من آثر النفاق ، واحتضن الشقاق .
وباللّه سلوة من كل كارث ، وعليه التوكل في كل الحوادث .
ارجع يا أبا حفص ناقع القلب ، فسيح البال ، مبرود الغليل ، فصيح اللسان ، فليس وراء ما سمعته وقلته إلا ما يشدّ الأزر ، ويحط الوزر ، ويضع الإصر ، ويجمع الألفة ، ويرفع الكلفة ، ويوقع الزلفة بمعونة اللّه عز وجل وحسن توفيقه .
قال أبو عبيدة : وانصرف عمر ، وهذا أصعب ما مرّ بناصيتي بعد فراق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
قال أبو حيّان : وروى لنا هذا كله أبو حامد ، ثم أخرج لنا أصله ، فقابلنا به ، فما كان غادر منه إلا ما لا بال له .
فأما ما رواه لنا أبو منصور الكاتب ، فإنه خالف في أحرف في حواشي الكتاب ، كل حرف بإزاء نظيره الذي هو مبدل منه . وقد كان أبو منصور بلغة العرب أبصر ، وفي غرائبها أنقد .
وإنما قدمت رواية أبي حامد لأنه بشأن الشريعة أعلم ، ولأعاجيبها أحفظ ، وفيما أشكل فيها أفقه . وكان إسناد الحديث من جهته .
وقال لنا أبو منصور الكاتب في حديثه : ولما حضر علي أبا بكر رضي اللّه عنهما ، فقال له أبو بكر : إن عصابة أنت فيها لمعصومة ، وإن أمة أنت فيها لمرحومة . ولقد أصبحت عزيزا علينا ، كريما لدينا ، نخاف اللّه إذا سخطت ، ونرجوه إذا رضيت . ولولا أني شدهت لما أجبت إليه . ولقد حط اللّه عن ظهرك ما أثقل به كاهلي ، وما أسعد من نظر اللّه
“ 129 “
إليه بالكفاية . وإنّا إليك محتاجون وبفضلك عالمون ، وإلى اللّه عز وجل في جميع الأمور راغبون .
شرح ما وقع في هذه الرسالة من فنّ الغريب
المغن : الذي يتصرّف في كل فنّ . والمخلط : الذي يخلط بعض الأمور ببعض .
والمزيل : الذي يفصل بعضها عن بعض . والمعن : الذي يتصرّف في المعاني . والجوى :
الهوى . والجواء : الناحية من الأرض . والمنتفس : الاستراحة والاتساع .
والسقيفة التي ذكرها هي سقيفة بني ساعدة التي اجتمع فيها المهاجرون والأنصار عند موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
والفن : النوع ويجمع على فنون .
والمتن : في الحديث نصه على وجهه ، وهو من كل شيء ظهره .
والحقاق : جمع حقة وهي وعاء يحبس فيه الطيب والجوهر .
والأعلاق والغوص : الدخول في الشيء الغامض .
قوله : نسيج وحده : أي فريد ما له نظير ، وأصله في الثوب الرفيع الذي لا مثال له ، يصنع له منسج وحده لا ينسج عليه غيره . واستعير ذلك للرجل الذي لا نظير له في فنه .
سرد الحديث : تتابع ألفاظه وكلماته كما هي ، لا يقدم المتأخر ولا يؤخر المتقدم .
ويقال : سرد الحديث ، نصّه ووصل إسناده .
والهنة : اللطيف من كل شيء .
قوله : ورحض عرها : أزال مكروهها ، وأصله من العر ، وهو داء يأخذ الإبل .
قال الشاعر :
كذا العرّ يكوي غيره وهو راتع
والتلكؤ : التأخر . وأزاح ضوأها : أذهب ضررها . والشماس : النفار . والتهمهم والهمهمة : كلام لا يصرّح به . والنفاس : المنافسة والجدل . يرمل : يصلح . والسرجين والسرقين : لغتان للزبل . تنفرج : تفترق .
وذات البين : الحال المتصلة به ، من قوله تعالى : لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ . والظهير :
المعيّن الذي يشد به ظهره .
“ 130 “
مثاءة والثأي : الإفساد ، وأصله في الخرز وهو أن يثقب الخرزة فتصير الاثنان واحدة .
يقال : أثأت الخرز فهو مثأى .
والمغبوط : الذي يتنافس فيه .
والقبس : عود في طرفه النار ، فضرب مثلا لمن يستعان برأيه .
وقوله : خوار العنان : يقال : فرس خوار العنان إذا كان صاحبه يصرفه كيف ما أراد ، فضرب مثلا .
الدوح : الشجر العظيم . والردء : العون . وقوله : يندمل يقول : يعبق .
والمسبار : فتيل يدخل في الجرح . يقال : سبرت الجرح إذا اختبرته بالمسبار ، وهو المرود الذي يدخل في الجرح ليرى كم عمقه .
وقوله : غير آل : أي مقصر .
والجهد : بضم الجيم ، الطاقة ، وبفتح الجيم : الغاية ، وقد سوّي بينهما .
والقالي : المبغض المكاره . والجد : التشمير والاجتهاد . وقوله مغرقة : يغرق فيه .
وقوله مفرقة : يفرق من الفزع ، يقول : يفزع من السير فيه .
والجو : الهواء . وأكلف : أغبر . وأغلف : شديد الظلمة . وجلوا : ظاهرة النجوم .
وصلعاء : لا نبات فيها .
والصعود : المرتفع ، وبضم الصاد : المصدر ، وكذلك الهبوط بالفتح : المكان المنحدر ، وبالضم : المصدر .
والثقوب : الناقة الغزيرة اللبن ، قال : والصواب ثقوب العداوة ، والثقوب : الحطب وما يهيج به النار .
والقعة : التأخر والقعود عن الأمر ، وهو مأخوذ من قولهم : وقع الرجل وهو وقع الرجل إذا اشتكى لحم قدمه ولم يقدر على المشي .
وقوله شجار الفتنة : الشجار خشب الهودج ، ضربه مثلا .
وقوله يدلى بالغرور : الإدلاء : الإدخال في الأمر ، وأصله إدخال الدلو في البئر .
والشنوف : المبغض . والعنوف : الشديد . والثالب : الطاعن . والضغن : العداوة . وقوله رائد البوار : قائد الهلاك . وقوله يوحي : يشير . والناجد : آخر الأضراس . وقوله من أفاد ضالتك : أي ردّها .
“ 131 “
والحوص : بالحاء غير المعجمة ضيق في العين ، وبالخاء المعجمة : غور فيها .
والطعن : النهوض . وقوله : ما يغيض : أي ما يبين ولا يفهم .
والصعداء : النّفس العالي في الغضب والهمّ .
والحمر : ما التف من الشجر ، وكذلك الضراء . يقال : يمشي فلان لفلان الضراء إذا كان يخفي له العداوة حتى يجد فرصة .
قال الشاعر :
يمشي الضراء وينفي : وأصله أن يستتر الصياد عن الصيد حتى يرميه .
الهدى : الطريق المستقيم . ينقض : يضيق وينغلق . والفضاء : المتسع من الأرض .
والشنان : جمع شن وهي القربة اليابسة . والقعقعة : صوتها إذا حرّكت ، فإذا حرّكت للبعير الشارد سكن ، فضرب مثلا بمن يهدّد بما لا حقيقة له . والوعوعة : صوت الذئب .
والشنان : العداوة .
وقوله يري : أي يوقد النار . والتشبب نحو منه ، وأصله من شبب النار إذا أوقدها .
وقوله ونحن في أثناء ذلك : الأثناء الاعطاف والجوب ، واحدها ثنى . والرواسي :
الجبال الناتئة . والنواصي : الذوائب . والغمار : الماء الكثير ، وهو جمع غمرة يغمر من يدخل فيه . الأمراس : الحبال التي يستقي بها الماء .
الصاب : الصبر . وقوله نشحذ : نسنّ . والعباب : الموج . والياب : جمع عيبة .
وقوله تحدج : أي تنظر . وقوله تميد : أي تحيد . والنشب : الضياع . والسبد :
الشعر . والوبر : يعني الإبل . واللبد : الصوف ، يعني الغنم بقوله : ما له لا سبد ولا لبد .
والهلة : الفرح وما يستر به الرجل . والبلة : أصله الرطوبة والبلل ، ثم يستعمل بمعنى الضلة . والرحب : السعة . والذلاقة : الفصاحة . والمكنونات : المستترات . والأعطان :
مبارك الإبل عند الماء . والمخبور : المجرّب . وأرهص : معناه قدم واصل .
وقوله قلص : يقول شمر . والأردان : الأكمام . وقوله يضلع : يعرج .
وقوله أعطى هنا : تناول . والمضّ والمضض والمضاضة : الحرقة . واللجاج في الأمر : التلوّن . والأجاج : ضد العذب .
وقوله ولا يحلم ، يقال : حلم الأديم إذا وقع فيه السوس . والعضب : القاطع ، ويقال : نبأ السيف ينبو إذا ضرب به فلم يقطع .
“ 132 “
وقوله يجاحش : يدافع . يتضاءل : يتصاغر .
وقوله يتنفج : أي يتفرشخ . والجوجاء : الحاجة . واللوجاء : اتّباع وتداخل في الأمر . والتعريض : ضد التصريح ، والكناية كذلك .
وقوله يختلج : أي يضطرب . والعصابة : الجماعة .
وقوله حدب : مشفق . والشجراء : جمع شجير وهو الصديق .
وقوله أصفقت : اجتمعت . والإبالة : السياسة . والكفالة : التكفل بالأمور .
وقوله نشرا : النشر أن تنشر الغنم في المرعى فتعدو عليها الذئاب . والسدى : الشيء المهمل المتفرّق . والعدا : الأعداء . والعدى : الغرباء . والعباهل من الإبل : التي لا حافظ لها . والطلاحي : التي تكلّ فلا تقدر على النهوض . والمباهل : الإبل التي لا تمنع أخلافها فيحلبها كل من أراد .
وقوله بملء فيه : يعني بكلامه ودفاعه . صدع : أظهر . الذائد : الدافع . والحائط :
الذي يحوط أي يحفظ وكذلك الواقي . والهادي : الذي يمشي الأمر الأسدّ . والحادي :
الذي يمشي وراء الإبل .
اليافوخ : أصل الدماغ . الصّوى : علامة تجعل في الطريق يهتدى بها . أوضح : بيّن .
شدخ : كسر . شرم : شق أنفه . الرادع : القامع . الغاوي : الضالّ والمفسد . والضغن :
العداوة . والغلّ : البغض .
النمامة : شجر ضعيف . هنيئة : أي ساعة . والرقاد محلمة : أي ظرف المحلمة يحلم فيه أشياء لا حقيقة لها . والملحمة : موضع القتال . والمفحمة : دخول الإنسان فيما لا ينبغي . والتآلف : التعطف والتسكين . والفتر : ما بين السبّابة والإبهام .
وقوله مشوبة : أي ممزوجة . وقوله معتمل : أي منطبع . والرفع : أصل الفخذ .
والصّالي : المتسخن بالنار . والقرار : المكان الذي يستقر به الماء .
وقوله العيّ وشيّ : الشئ اتّباع لعي ، كقولهم : حسن بسن ، وشيطان ليطان ، وجائع نائع . يقال : عيّ شيّ وشويّ .
الرتق : ضد الفتق . الفرق : الفزع . الرهق : فساد الشيء .
وقوله قصف : أي قصم . الختروانة : التكبّر . الفراش : عظام الخيل .
الشجي : ما يغصّ به من عود وعظم ونحوه . والوجرة : الحقد .
“ 133 “
الشراسف : أطراف الضلوع . والدخس : ورم يصيب الدابة في حافرها شبيه الانتفاخ من العصب . والداس : البحث عن الأخبار بالتجسس . والخور : الضعف .
وقوله : لبست بسببه جلدة النمر ، يقال : لبس فلان لفلان جلد النمر إذا تنكر له وتهيأ لجرحه .
الشحناء : العداوة . والسّرى : سير الليل . اتقد بالدال غير المعجمة : وهو القنقد .
الخمرة : شدّ الخمار على الرأس . والحصان : المرأة العفيفة .
والخبرة : الاختبار . والعون : التي كان لها زوج . والفرعاء : الكثيرة الشعر .
والحالي : العنق المزيّن بالحلي . محبس : مقيد . معبد : مذلل .
وقوله ملمس : أي ما يلمس . وقوله : مأيس : أي تأثير . والمزع : القطع . والأثرة :
ما يؤثر به الرجل دون غيره أي يخصّ .
وقوله : مأمنة على الرتق والفتق ، المعنى الإصلاح والإفساد .
وقوله : مفتاتا ، يعني بغير اختيارهم . والحمية : الأنفة .
وقوله : انتكث رشاها ، يقول : نقض حبلها .
وقوله : انتضب ماءها ، يقال : نضب الماء إذا جفّ وأنضبته أنا وانتضبته .
المتين : القوي . الأيد : القوة . والأسرة : الطبقة .
وقوله : بأي تدرّع من الدّرع . وقوله ولهت : حنّت . وتطامن : انخفض . والحبوة :
العطية . وقوله : سربله ، أي ألبسه سربالها .
وقوله : لا يلتفت لفتها ، أي جهتها . والكهف : الجبل .
وقوله : وقربي أمسّ ، أي ألصق . والعرق : الأصل . والبازل : الجمل المسنّ .
والهبع : الصغير من أولاد الإبل وهو الذي يولد في آخر زمن النتاج ، فإن ولد في أوله فهو ربع .
وقوله : تهدر به شقشقتك ، يقال : هدر البعير إذا صاح ، والشقشقة : ما يخرج من حلقه عند هديره . والصاغية : القرابة . المناضلة : المراماة بالسهام .
وقوله : خزيت ، أي خضعت . وقال بعضهم : وخزيت هنا لا معنى له ، والصواب أنفت . لينتحشنّ : ليقومنّ ويتحركنّ .
“ 134 “
وقوله والفظ : أي اطرح . وقوله وانفث : المعنى ابعد . والسخيمة : العداوة .
والنفاث : ما ينفث به . وقوله : مريئا : أي طيبا .
وقوله يمضّ أهابك : أي يشق جلدك . ويفري قادمتك : أي يقطع ، والقادمة : ريش مقدّم الجناح تجمع على قوادم .
وقوله استبرأتها : أي تحلّيت منها . التزمّل : الالتفاف .
وقوله أتوجّى : أتعارج . وقوله حلّت مغلوّطة : أي نزلت ، والمغلوّطة : الناقة توسم في عنقها بالنار ، واسم تلك السمة الغلاطة .
وقوله مخروّطة : أي رقيقة المؤخر ، وهو مكروه في الإبل . ويقال للناقة إذا زجرت :
حل حل ، يقال : حلحلت بالإبل إذا قلت لها حل حل ، فإذا لم تزدجر قلت لها لا حليت أي لا ظفرت بما أردت .
ومثله قوله : فهيسي هيسي ، فإنه يضرب مثلا لمن وقع في داهية وأمر عظيم يحتاج فيه إلى الانزعاج وترك الإخلاد إلى الراحة . والهيس : السير الشديد . وأصل هذا المثل أن طمسا وقعت بجديس وأبادتها ، من قصة طويلة جرت بينهما ، فقال في ذلك بعض الرجال :
ما ذكره في الرسالة .
وقوله لعا : كلمة تقال للعاثر إذا عثر ، ومعناه : انتعش وقم .
وقوله على غرة : أي على طبعه الأول ، ويضرب مثلا للأمر الذي لا يغيّر عما كان عليه . والزميت : الساكن .
وقوله مخطى قدمي : أي حيث يخطو قدمي . ومنزع قوسي : أي حيث أرمي .
وقوله : أزمت على فاسي ، فاس اللجام : ما يدخل منه في فم الفرس ، يقال : أزم الفرس على فارس اللجام إذا عضّ عليه .
الإبالة : الحالة وانقلاب الأمور وهي الإدالة . والغرب : الحد هنا . واللحا :
القشر . والرشا : الحبل . أورى الزند : إذا ظهر منه النار . والماتح : الذي يخرج الماء من البئر .
وقوله إن نصحنا : أصله من نصح إذا خاط . وأربينا : أصلحنا .
أكل مقصور : أي مقروح . والجوى : داء يعترض في الجوف . العصام : حبل القربة فضربه مثلا . المؤازرة : المعاونة .
“ 135 “
وقوله تداعت : أي دعا بعضها بعضا . العهد هنا : القرآن . وقوله ليط : أي ستر .
الإيماء : الإشارة . الهمهمة : كلام لا يصرّح به . الأنشوطة : العقدة التي يجذب بطرفها فتنحلّ . واللّيط : قشر القصب . الغيابة : ما أظلّ الإنسان فوق رأسه كالسحابة أو الغبرة .
وقوله محلقة : أي مستديرة . وقوله استأصل : أي انتزعها من أصلها . والشافة :
قرحة تخرج في القدم فتكوى ، فضرب مثلا .
جرثومة : كل شيء أصله ، والجرثومة ما يجتمع في أصل الشجرة .
وقوله وهور ليلها : أصله من هور الرجل البنيان إذا هدمه فيريد أذهب ليلها . والنكث :
النقض . وقوله خولا : أي تخوّلا .
وقوله احتضن : أي تأبّط ، والحضن : الإبط . والشقاق : الخلاف . وهو نافع القلب :
أي يرتوي .
وقوله مبرود الغليل : الغليل : حرقة العطش . الفسيح : الواسع . واللبان : الصدر .
والأزر : القوة . والوزر : الثقل ، وأراد به هنا الإثم . والاصر : الثقل . وقوله شدهت : أي تحيرت . والكاهل : أعلى الكتفين .
أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
قاتل أهل الردة حتى رجعوا إلى الإسلام ، وقتل مسيلمة الكذاب والأسود بن كعب العبسي ، وأسر طليحة الكذاب ، وفتح اليمامة .
وأما عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه
فهو الذي فتح الفتوح ، ودوّن الدواوين ، وأقطع الأجناد ، ورتب الناس في العطاء على منازلهم ، وقرّبهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجمع الناس لصلاة التراويح في شهر رمضان ، وتلاوة القرآن في جميع المساجد . وجعل الخلافة من بعده في ستة :
عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، على أن يختاروا من الستة .
وأوصى عبد الرحمن بن عوف أن يعطي لمن بقي من أهل بدر لكل رجل منهم مائة دينار . وأخذ عثمان بن عفان معهم ، وهو خليفة ، مائة دينار .
الجزء التاسع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 122 “
الشرور ، ويوحي إلى أوليائه بالباطل ، دأبا له مذ كان على عهد أبينا آدم صلى اللّه عليه وسلم ، وعادة منه منذ أهانه اللّه عز وجل في سالف الدهر ، لا ينجى منه إلا بعض الناجذين على الحق ، وغض الطرف عن الباطل ، ووطء هامة عدو اللّه ، وعدو الدين ، بالأشد فالأشد ، والأجدّ بالأجدّ ، وإسلام النفس للّه عز وجل فيما رضاه ، وجنب سخطه .
ولا بد الآن من قول ينفع إذا ضرّ السكوت ، وخيف غبّه . ولقد أرشدك من أفاد ضالتك ، وصافاك من أحيا مودته لك بعتابك ، وأراد الخير بك من آثر البقاء معك . ما هذا الذي تسوّل لك نفسك ، ويدوي به قلبك ، ويلتوي به عليك رأيك ، ويتخاوص دونه طرفك ، ويسري فيه ظعنك ، ويترادّ معه نفسك ، وتكثر معه صعداؤك ، ولا يفيض له لسانك ، أعجمة بعد إفصاح ؟ أتلبيس بعد إيضاح ؟ أدين غير دين اللّه عز وجهه ؟
أخلق غير خلق اللّه ؟ أهدي غير هدي النبي صلى اللّه عليه وسلم ؟ أمثلي يمشي له الضرّاء ويدبّ إليه الحمراء ؟ أم مثلك ينقبض عليه الفضاء ؟ أو يكسف في عينه القمر ؟ ما هذه القعقعة بالشنان ؟ وما هذه الوعوعة باللسان ؟
إنك جدّ عارف باستجابتنا للّه عز وجل ولرسوله عليه السلام ، وخروجنا عن أوطاننا وأموالنا وأولادنا وأحبّتنا هجرة إلى اللّه تعالى عز ذكره ولنصرة نبيه صلى اللّه عليه وسلم في زمان أنت فيه في كنّ الصبي ، وخدر الغرارة ، غافل عما يشيب ويريب ، لا تعي ما يراد ويشاد ، ولا تحصّل ما يساق ويقاد ، سوى ما أنت جار عليه إلى غايتك التي إليها بعدي بك ، وعندها حط رحلك ، غير مجهول القدر ، ولا مجحود الفضل .
ونحن في أثناء ذلك نعاني أحوالا تزيل الرواسي ، ونقاسي أهوالا تشيّب النواصي ، خائضين غمارها ، راكبين تيارها ، نتجرع صابها ، ونشرح عيابها ، ونتبلّغ عبابها ، ونحكم أساسها ، ونهزم أمراسها ، والعيون تحدّج بالجسد ، والأنوف تعطس بالكبر ، والصدور تستعر بالغيظ ، والأعناق تتطاول بالفخر ، والشفار تشحذ بالمكر ، والأرض تميد بالخوف ، ولا ننتظر عند السماء صباحا ، ولا عند الصباح مساء ، ولا ندفع في نحر أمر لنا إلا بعد أن نحسوا الموت دونه ، ولا نتبلغ إلى شيء إلا بعد جرع الغصص معه ، ولا نقود بناد إلا بعد اليأس من الحياة عنده ، فأدين في كل ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بالأب ، والأم ، والخال ، والعم ، والنشب ، والسيد ، واللبد ، والهلة ، والبلة ، بطيب نفس ، وقرور عين ، ورحب أعطان ، وثبات عزائم ، وصحة عقول ، وطلاقة أوجه ، وذلاقة ألسن ، هذا إلى خفيات أسرار ، ومكنونات أخبار ، كنت عنها غافلا ، ولولا سنك لم تكن عنها ناكلا ، كيف وفؤادك مشهوم ، وعودك معجوم ، وغيبك مخبور ، والقول فيك كثير ؟
والآن قد بلّغ اللّه بك ، وأرض الخير لك ، وجعل مرادك بين يديك . وعن علم أقول
“ 123 “
ما تسمع : فارتقب زمانك ، وقلّص إليه أردانك ، ودع التجسس والتعسس لمن لا يطلع إليك إذا أخطى ، ولا يتزحزح عنك إذا أعطى ، فالأمر غضّ والنفوس فيها مضّ ، وإنك أديم هذه الأمة ، فلا تحكم لجاجا ، وسيفها الغضب فلا تنبو اعوجاجا ، وماؤها العذب فلا تحيل أجاجا ، واللّه لقد سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن هذا الأمر فقال لي : « يا أبا بكر ، هو لمن يرغب عنه لا لمن يرغب فيه ويجاحش عليه ، ولمن يتضاءل له لا لمن تنفخ إليه ، ولمن يقال : هو لك لا لمن يقول : هو لي » . واللّه لقد شاورني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الصهر ، فذكر فتيانا من قريش ، فقلت : أين أنت من علي ؟ فقال : « إني لا أكره لفاطمة ميعة شبابه وحداثة سنه » .
فقلت له : متى كنفته يدك ورعته عينك حفت بهما البركة وسبغت عليهما النعمة ، مع كلام كثير خطبت به عنك ورغّبته فيك ، وما كنت عرفت منك في ذلك حوجا ولا لوجا .
فقلت ما قلت وأنا أرى مكان غيرك وأجد رائحة سواك .
وكنت لك إذ ذاك خيرا منك الآن لي . ولئن كان عرض بك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقد كنّى عن غيرك ، وإن كان قال فيك فما سكت عن سواك ، وإن يختلج في نفسك شيء فهلمّ فالحكم مرضي والصواب مسموع والحق مطاع .
ولقد نقل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ما عند اللّه عز وجل وهو عن هذه العصابة راض ، وعليها حدب ، يسرّه ما يسرّها ، ويكيده ما كادها ، ويرضيه ما أرضاها ، ويسخطه ما أسخطها . ألم تعلم أنه لم يدع أحدا من أصحابه وخلطائه وأقاربه وشجرائه إلا أبانه بفضيلة ، وخصّه بمكرمة ، وأفرده بجلاله ؟ لو أصفقت الأمة عليه لكان عنده إيالتها وكفالتها وكرافتها وغزارتها .
أتظنّ أنه صلى اللّه عليه وسلم ترك الأمة نشرا سدى ، بردا عدى ، مباهل طلاحي ، مفتونة بالباطل ، مغبونة عن الحق ، لا زائد ، ولا حائط ، ولا ساقي ، ولا راقي ، ولا هادي ، ولا حادي . كلا واللّه ما اشتاق إلى ربه تعالى ولا سأله المصير إلى رضوانه ، حتى ضرب الصّوى ، وأوضح الهدى ، وأمّن المهالك والمطارح ، وسهّل المبارك والمهايع ، إلا بعد أن شدخ يافوخ الشرك بإذن اللّه عز وجل ، وشرم وجه النفاق لوجه اللّه تعالى جدّه ، وجدع أنف الفتنة في ذات اللّه تبارك اسمه ، وتفل في وجه الشيطان بعون اللّه جلّ ذكره ، وصدع بملء فيه ، وبده أمر اللّه عز وجل .
وبعد ، فهؤلاء المهاجرين والأنصار عندك ومعك في دار واحدة ، وبقعة جامعة ، إن استقلوني لك وأشاروا عندي بك ، فأنا واضع يدي في يدك ، وصائر إلى رأيهم فيك . وإن تكن الأخرى فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، وكن العون على مصالحهم ، والفاتح لمغالقهم ، والمرشد لضآلهم ، والرادع لغاويهم . فقد أمر اللّه عز وجل بالتعاون على البر ،
“ 124 “
وأهاب إلى التناصر على الحق ، ودعنا نقضي هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغلّ ، ونلقى اللّه عز وجل بقلوب سليمة من الضغن .
وبعد ، فالناس ثمامة ، فارفق بهم ، واحن عليهم ، ولن لهم ، ولا تشق نفسك بنا خاصة فيهم ، واترك ناجم الحقد حصيدا ، وطائر الشر واقعا ، وباب الفتنة غلقا . فلا قال ولا قيل ، ولا لوم ولا تبيع ، واللّه عز وجل على ما نقول وكيل ، وما نحن عليه يصير .
قال أبو عبيدة : فلما تهيأت للنهوض ، قال لي عمر : كن لدا الباب هنية ، فلي معك درّ من القول ، فوقفت ولا أدري ما كان بعدي إلا أنه لحقني ووجهه يندي تهللا وقال : قل لعليّ : الرقاد محلمة ، واللجاج ملحمة ، والهوى مفحمة . وما منا أحد إلا وله مقام معلوم ، وحق مشاع أو مقسوم ، ونبأ ظاهر أو مكتوم . وإن أكيس الكيس من منح الشارد تألفا ، وقارب البعيد تلطفا ، ووزن كل امرئ بميزانه ، ولم يخلط خبره بعيانه ، ولم يجعل فتره مكان شبره . ولا خير في معرفة مشوبة بنكرة ، ولا في علم معتل في جهل ، ولسنا كجلدة رقع البعير بين العجان وبين الذنب . وكل صال فبناره ، وكل سيل فإلى قراره ، وما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعيّ وشي ، وكلامها اليوم لفتق أو رتق . قد جدع اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم آنف كل ذي كبر ، وقصف ظهر كل جبار ، وقطع لسان كل كذوب . فما ذا بعد الحق إلا الضلال ؟ ما هذه الخنزوانة التي في فراش رأسك ؟ وما هذا الشجا المعترض في مدارج أنفاسك ؟ وما هذه الوحرة التي أكلت شرا سيفك ؟ والقذاة التي أغشت ناظرك ؟
وما هذا الدخس والداس اللذان يدلّان على ضيق الباع وخور الطباع ؟ وما هذا الذي ليست بسببه جلدة النمر ، واشتملت عليه بالشحناء والنكر ؟ لشدّ ما استسعيت إليها . وسريت سرى ابن انقد إليها . إن العوان لا تعلم الخمرة ، وإن الحصان لا تكلم خبره ، وما أحوج الفرعاء إلى قال ، وما أفقر الصلعاء إلى حال .
لقد خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والأمر محبّس ليس لأحد فيه ملمس ، ولا مأيس ، ولم يسيّر فيك قولا ، ولم يستنزل فيك قرانا ، ولم يحزم في شأنك حكما ، ولسنا في كسروية كسرى ، ولا في قيصرية قيصر تانك ، لا أخدان فارس ، وأبناء الأصفر ، قوما جعلهم اللّه جرزا لسيوفنا ، وحرزا لرماحنا ، ومرمى لطعاننا ، وتبعا لسلطاننا ، بل نحن في نور نبوّة ، وضياء رسالة ، وثمرة حكمة ، وإثرة رحمة ، وعنوان نعمة ، وظل عصمة ، بين أمة مهدية بالحق والصدق ، مأمونة على الفتق والرتق . لها من اللّه عز وجل قلب أبيّ ، وساعد قوي ، ويد ناصرة ، وعين باصرة . أتظن أن أبا بكر الصديق وثب على هذا الأمر مفتاتا على هذه الأمة ، خادعا لها ، متسلّطا عليها ؟ أتراه امتلخ أحلامها ، وزاغ أبصارها ، وحلّ عقدها ،
“ 125 “
وأحال عقولها ، واستلّ من صدورها حميتها ، وانتزع من أكبادها عصبيتها ، وانتكث رشاها ، وانتضب ماءها ، وأضلها عن هداها ، وساقها إلى رداها ، وجعل نهارها ليلا ، ووزنها كيلا ، ويقظتها رقادا ، وصلاحها فسادا ، إن كان هكذا إن سحره لمبين ، وإن كيده لمتين . كلا واللّه بأي خيل ورجل ، وبأي سنان ونصل ، وبأي قوة ومنة ، وبأي ذخر وعدة ، وبأي أيد وشدة ، وبأي عشيرة وأسرة ، وبأي تدرّع وبسطة ، لقد أصبح عندك بما وسمته منيع العقبة ، رفيع العتبة . لا واللّه ولكن سلا عنها فولهت إليه وتطامن لها فلصقت به ، ومال عنها فمالت إليه ، واشتمل دونها فاشتملت عليه . حبوة حباه اللّه بها ، وعاقبة بلّغه اللّه إياها ، ونعمة سربله اللّه جمالها ، ويد أوجب عليه شكرها ، وأمة نظر اللّه به لها . ولطالما حلقت فوقه في أيام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو لا يلتفت لفتها ، ولا يرتصد وقتها . واللّه أعلم بخلقه ، وأرأف بعباده ، يختار ما كان لهم الخيرة ، وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، وكهف الحكمة ، ولا يجحد حقك فيما آتاك ربك ، ولكن لك من يزاحمك بمنكب أضخم من منكبك ، وقرب أمسّ من قربك ، وسنّ أعلى من سنك ، وشيبة أروع من شيبتك ، وسادة لها عرف من الجاهلية ، وفرع من الإسلام والشريعة ، ومواقف ليس لك فيها من جمل ولا ناقة ، ولا تذكر منها في مقدمة ولا ساقة ، ولا تضرب فيها بذراع ولا إصبع ، ولا خرج منها ببازل ولا هبع . فإن عذرت نفسك فيما تهدر به شقشقتك من صاغيتك ، فاعذرنا فيما تسمع منا في لين وسكون ، مما لا تبعده منه ولا تناضله عليه . ولئن خزيت بهذا نفسك ، لينتخشنّ عليك ما ينسيك الأولى ، ويلهيك عن الأخرى . ولو علم من ضنا به بما في أنفسنا له وعليه ، لما سكن ، ولا اتخذت أنت وليجة إلى بعض الأرب .
فأما أبو بكر الصدّيق فلم يزل حبه سويداء قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعلاقة همه ، وعيبة سرّه ، ومثوى حربه ، ومفزع رأيه ومشورته ، وراحة كفه ، ومرمق طرفه ، وذلك كله بمحضر الصادر والوارد من المهاجرين والأنصار ، شهرته مغنية عن الدلالة عليه .
ولعمري إنك أقرب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرابة ، لكنه أقرب قربة ، والقرابة لحم ودم ، والقربة روح ونفس . وهذا فرق قد عرّفه المؤمنون ، وكذلك صاروا أجمعين .
أجمعين هاهنا ليست التي يراد بها التوكيد ، إنما هي المستعملة في قول العرب : جاء القوم بأجمعهم . وكان الأصمعي يقول : إنما هو بأجمعهم بضم الميم لأن المفتوحة الميم لا تضاف ولا تكون إلا مؤكّدة . وخالفه ابن الأعرابي في ذلك وأجاز فتح الميم وقال :
ليست هذه تلك ، كما أن كلا ، المستعملة في قولنا : كل القوم ذاهب ، ليست المستعملة في قولنا : مررت بالقوم كلهم .
“ 126 “
ومهما شككت فيه فلا تشك ، إن يد اللّه مع الجماعة ، ورضوانه لأهل الطاعة ، فادخل فيما هو خير لك اليوم ، وأنفع لك غدا ، وألفظ من فيك ما تعلّق بلهاتك ، وانفث سخيمة صدرك عن ثقاتك . فإن لم يكن في الأمد طول ، وفي الأجل فسحة ، فستأكله مريا أو غير مريء ، وستشربه هنيا أو غير هنيء ، حين لا رادّ لقولك إلا من كان منك ، ولا تابع لك إلا من كان طامعا فيك ، يمض أهابك ، ويفري قادمتك ، ويزري على هديك ، هناك تقرع السن من ندم ، وتجرع الماء ممزوجا بدم . وحينئذ تأسّ على ما مض من عمرك ، ودارج قومك ، فتودّ أن لو سقيت بالكأس التي أبيتها ، ورددت للحال التي استبريتها ، وللّه تعالى فينا وفيك أمر هو بالغه ، وغيب هو شاهده ، وعاقبة هو المرجو لضرّائها وسرّائها ، وهو الولي الحميد ، الغفور الودود .
قال أبو عبيدة رضي اللّه عنه : فمشيت مزملا أتوجّأ كأنما أخطو على أمّ رأسي ، فرقا من الفرقة ، وشفقا على الأمة ، حتى وصلت إلى عليّ في خلاء فأبثثته بثي كله ، وبرئت إليه منه . ورفقت له . فلما سمعها ووعاها وسرعت في أوصاله حمّياها ، قال : حلت مغلوطه ، وولت مخروطه ، حل لا حليت النفس ، أدنى لها من قول أما :
إحدى لياليك فهيسي هيسي * لا تنعمي الليلة بالتعريس
نعم يا أبا عبيدة ، أكل هذا في أنفس القوم يحثون عليه ويطبّعون به ؟
قال أبو عبيدة : فقلت : لا جواب لك عندي ، إنما أنا قاض حق الدين ، وراتق فتق الإسلام للمسلمين . وساد ثلمة الأمة ، يعلم اللّه ذلك من خلجان قلبي ، وقرارة نفسي .
قال علي رضي اللّه عنه : واللّه ما كان قعودي في كسر هذا البيت قصدا للخلافة ، ولا إنكارا للمعروف ، ولا رزاية على مسلم ، بل لما وقدني به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفراقه ، وأودعني من الحزن بفقده ، وذلك أني لم أشهد بعده مشهدا إلا جدد لي حزنا ، وذكرني شجوا ، وإن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، فقد عكفت على عهد اللّه أنظر فيه ، وأجمع ما تفرّج منه ، رجاء ثواب معدّ لمن أخلص عمله ، وسلّم لعلمه ومشيئة ربه ، على أني ما علمت أن التظاهر عليّ واقع ، ولا عن الحق الذي سبق إليّ دافع ، وإذا قد أفعم الوادي بي ، وحشد النادي من أجلي ، فلا مرحبا بما ساء أحدا من المسلمين . وفي النفس كلام : لولا سابق قول وسالف عهد لشفيت غيظي بخنصري وبنصري ، وخضت لجّته بأخمصي ومفرقي ، لكني ملجم إلى أن ألقى ربي عز وجل ، وعنده أحتسب ما نزل بي ، وأنا عادل إلى جماعتكم ، ومبايع لصاحبكم ، وصابر على ما ساءني وسرّكم ، ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ، وكان اللّه على كل شيء شهيدا .
“ 127 “
قال أبو عبيدة : فعدت إلى أبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، فنصصت القول على غرّه ، ولم أختزل شيئا من حلوه ومرّه ، وذكرت غدوه إلى المسجد .
فلما كان صباح يومئذ وافى عليّ فخرق إلى أبي بكر فبايعه ، وقال خيرا ، ووصف جميلا ، وجلس زمينا ، واستأذن للقيام ونهض ، فشيّعه عمر تكرمة له ، واستئثارا لما عنده .
فقال له عليّ : ما قعدت عن صاحبكم كارها له ، ولا أتيته فرقا منه ، وما أقول ما أقول تعلّة ، وإني لأعرف مسمى طرفي ، ومخطى قدمي ، ومنزع قوسي ، وموقع سهمي ، ولكني قد أزمت على فأسي ثقة باللّه في الإبالة في الدنيا والآخرة .
فقال له عمر : كفكف عزبك ، واستوقف سربك ، ودع العصا بلحائها ، والدّلا برشائها ، فإنّا من خلفها وورائها ، إن قدحنا أورينا ، وإن منحنا أروينا ، وإن جرحنا أدمينا ، وإن نصحنا أربينا ، ولقد سمعت أماثيلك التي لغوت بها عن صدر آكل بالجوى ، ولو شئت لقلت على مقالتك ما إذا سمعته ندمت على ما قلته ، زعمت أنك قعدت في كسر بيتك لما وقدك به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بفراقه .
أفراق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقدك وحدك ، ولم يقد سواك ؟ بل مصابه أعظم وأعز من ذلك ، فإن من حق مصابه أن لا يصدع شمل الجماعة بكلمة لا عصام لها ، ولا يزرى على أخيارها بما لا يؤمن كيد الشيطان في عقباها . هذه العرب حولنا ، واللّه لو تداعت علينا في مصبح يوم لم نلتق في ممسى .
وزعمت أن الشوق إلى اللحاق به كاف عن الطمع في غيره ، فمن الشوق إليه نصرة دينه ، ومؤازرة أولياء اللّه تعالى جده ، ومعاونتهم فيه .
وزعمت أنك عكفت على عهد اللّه عز وجل تجمع ما تبدّد منه ، فمن العكوف على عهده النصيحة لعباده ، والرقّة على خلقه ، وبذل ما يصلحون به ، ويرشدون إليه .
وزعمت أنك لم تعلم أن التظاهر عليك واقع ، ولك عن الحق الذي سبق إليك دافع .
فأي تظاهر وقع عليك ؟ وأي حق لك ليط دونك ؟ قد علمت ما قالت الأنصار لك بالأمس سرّا وجهرا ، وما تقلبت عليه بطنا وظهرا . فهل ذكرتك أو أشارت بك أو وجدنا رضاها عندك ؟ هؤلاء المهاجرون من الذي قال بلسانه تصلح لهذا الأمر ، أو أومأ بعينه ، أو همهم في نفسه ؟ أتظن أن الناس قد ضلوا من أجلك وعادوا كفارا زهدا فيك ؟ وباعوا اللّه عز وجل ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحاملا عليك ؟ لا واللّه ولكنك اعتزلت تنتظر الوحي ، وتتوكف مناجاة الملك لك . ذلك أمر طواه اللّه عز وجل بعد محمد صلى اللّه عليه وسلم . أكان الأمر معقودا بأنشوطة أو
“ 128 “
مشدودا بأطراف ليطة ؟ كلا واللّه ، إن الغيابة لملحقة ، وإن الشجرة لمورقة ، ولا عجماء بعد حمد اللّه إلا وقد فصحت ، ولا عجفاء إلا وقد سمنت ، ولا بلهاء إلا وقد فطنت ، ولا شوكاء إلا وقد نفحت .
ومن أعجب شأنك قولك : لولا سابق قول وسالف عهد لشفيت غيظي . وهل ترك الدين لأحد من أهله أن يشفي غيظه بيده ولسانه ؟ تلك جاهلية قد استأصل اللّه شافتها ، ودفع عن الناس آفتها ، وأقلع جرثومتها ، وهوّر ليلها ، وغوّر سيلها ، وأبدل منها الروح والريحان ، والهدى والبرهان .
وزعمت أنك ملجم . فلعمري إن من اتقى اللّه اللّه عز وجل وآثر رضاه وطلب ما عنده ، أمسك لسانه وأطبق فاه وجعل سعيه لما واراه .
قال عليّ رضي اللّه عنه : واللّه ما بذلت وأنا أريد فلتة ، ولا أقررت بما أقررت وأنا أريد حولا منه ، وإن أحسر الناس صفقة عند اللّه عز وجل من آثر النفاق ، واحتضن الشقاق .
وباللّه سلوة من كل كارث ، وعليه التوكل في كل الحوادث .
ارجع يا أبا حفص ناقع القلب ، فسيح البال ، مبرود الغليل ، فصيح اللسان ، فليس وراء ما سمعته وقلته إلا ما يشدّ الأزر ، ويحط الوزر ، ويضع الإصر ، ويجمع الألفة ، ويرفع الكلفة ، ويوقع الزلفة بمعونة اللّه عز وجل وحسن توفيقه .
قال أبو عبيدة : وانصرف عمر ، وهذا أصعب ما مرّ بناصيتي بعد فراق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
قال أبو حيّان : وروى لنا هذا كله أبو حامد ، ثم أخرج لنا أصله ، فقابلنا به ، فما كان غادر منه إلا ما لا بال له .
فأما ما رواه لنا أبو منصور الكاتب ، فإنه خالف في أحرف في حواشي الكتاب ، كل حرف بإزاء نظيره الذي هو مبدل منه . وقد كان أبو منصور بلغة العرب أبصر ، وفي غرائبها أنقد .
وإنما قدمت رواية أبي حامد لأنه بشأن الشريعة أعلم ، ولأعاجيبها أحفظ ، وفيما أشكل فيها أفقه . وكان إسناد الحديث من جهته .
وقال لنا أبو منصور الكاتب في حديثه : ولما حضر علي أبا بكر رضي اللّه عنهما ، فقال له أبو بكر : إن عصابة أنت فيها لمعصومة ، وإن أمة أنت فيها لمرحومة . ولقد أصبحت عزيزا علينا ، كريما لدينا ، نخاف اللّه إذا سخطت ، ونرجوه إذا رضيت . ولولا أني شدهت لما أجبت إليه . ولقد حط اللّه عن ظهرك ما أثقل به كاهلي ، وما أسعد من نظر اللّه
“ 129 “
إليه بالكفاية . وإنّا إليك محتاجون وبفضلك عالمون ، وإلى اللّه عز وجل في جميع الأمور راغبون .
شرح ما وقع في هذه الرسالة من فنّ الغريب
المغن : الذي يتصرّف في كل فنّ . والمخلط : الذي يخلط بعض الأمور ببعض .
والمزيل : الذي يفصل بعضها عن بعض . والمعن : الذي يتصرّف في المعاني . والجوى :
الهوى . والجواء : الناحية من الأرض . والمنتفس : الاستراحة والاتساع .
والسقيفة التي ذكرها هي سقيفة بني ساعدة التي اجتمع فيها المهاجرون والأنصار عند موت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
والفن : النوع ويجمع على فنون .
والمتن : في الحديث نصه على وجهه ، وهو من كل شيء ظهره .
والحقاق : جمع حقة وهي وعاء يحبس فيه الطيب والجوهر .
والأعلاق والغوص : الدخول في الشيء الغامض .
قوله : نسيج وحده : أي فريد ما له نظير ، وأصله في الثوب الرفيع الذي لا مثال له ، يصنع له منسج وحده لا ينسج عليه غيره . واستعير ذلك للرجل الذي لا نظير له في فنه .
سرد الحديث : تتابع ألفاظه وكلماته كما هي ، لا يقدم المتأخر ولا يؤخر المتقدم .
ويقال : سرد الحديث ، نصّه ووصل إسناده .
والهنة : اللطيف من كل شيء .
قوله : ورحض عرها : أزال مكروهها ، وأصله من العر ، وهو داء يأخذ الإبل .
قال الشاعر :
كذا العرّ يكوي غيره وهو راتع
والتلكؤ : التأخر . وأزاح ضوأها : أذهب ضررها . والشماس : النفار . والتهمهم والهمهمة : كلام لا يصرّح به . والنفاس : المنافسة والجدل . يرمل : يصلح . والسرجين والسرقين : لغتان للزبل . تنفرج : تفترق .
وذات البين : الحال المتصلة به ، من قوله تعالى : لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ . والظهير :
المعيّن الذي يشد به ظهره .
“ 130 “
مثاءة والثأي : الإفساد ، وأصله في الخرز وهو أن يثقب الخرزة فتصير الاثنان واحدة .
يقال : أثأت الخرز فهو مثأى .
والمغبوط : الذي يتنافس فيه .
والقبس : عود في طرفه النار ، فضرب مثلا لمن يستعان برأيه .
وقوله : خوار العنان : يقال : فرس خوار العنان إذا كان صاحبه يصرفه كيف ما أراد ، فضرب مثلا .
الدوح : الشجر العظيم . والردء : العون . وقوله : يندمل يقول : يعبق .
والمسبار : فتيل يدخل في الجرح . يقال : سبرت الجرح إذا اختبرته بالمسبار ، وهو المرود الذي يدخل في الجرح ليرى كم عمقه .
وقوله : غير آل : أي مقصر .
والجهد : بضم الجيم ، الطاقة ، وبفتح الجيم : الغاية ، وقد سوّي بينهما .
والقالي : المبغض المكاره . والجد : التشمير والاجتهاد . وقوله مغرقة : يغرق فيه .
وقوله مفرقة : يفرق من الفزع ، يقول : يفزع من السير فيه .
والجو : الهواء . وأكلف : أغبر . وأغلف : شديد الظلمة . وجلوا : ظاهرة النجوم .
وصلعاء : لا نبات فيها .
والصعود : المرتفع ، وبضم الصاد : المصدر ، وكذلك الهبوط بالفتح : المكان المنحدر ، وبالضم : المصدر .
والثقوب : الناقة الغزيرة اللبن ، قال : والصواب ثقوب العداوة ، والثقوب : الحطب وما يهيج به النار .
والقعة : التأخر والقعود عن الأمر ، وهو مأخوذ من قولهم : وقع الرجل وهو وقع الرجل إذا اشتكى لحم قدمه ولم يقدر على المشي .
وقوله شجار الفتنة : الشجار خشب الهودج ، ضربه مثلا .
وقوله يدلى بالغرور : الإدلاء : الإدخال في الأمر ، وأصله إدخال الدلو في البئر .
والشنوف : المبغض . والعنوف : الشديد . والثالب : الطاعن . والضغن : العداوة . وقوله رائد البوار : قائد الهلاك . وقوله يوحي : يشير . والناجد : آخر الأضراس . وقوله من أفاد ضالتك : أي ردّها .
“ 131 “
والحوص : بالحاء غير المعجمة ضيق في العين ، وبالخاء المعجمة : غور فيها .
والطعن : النهوض . وقوله : ما يغيض : أي ما يبين ولا يفهم .
والصعداء : النّفس العالي في الغضب والهمّ .
والحمر : ما التف من الشجر ، وكذلك الضراء . يقال : يمشي فلان لفلان الضراء إذا كان يخفي له العداوة حتى يجد فرصة .
قال الشاعر :
يمشي الضراء وينفي : وأصله أن يستتر الصياد عن الصيد حتى يرميه .
الهدى : الطريق المستقيم . ينقض : يضيق وينغلق . والفضاء : المتسع من الأرض .
والشنان : جمع شن وهي القربة اليابسة . والقعقعة : صوتها إذا حرّكت ، فإذا حرّكت للبعير الشارد سكن ، فضرب مثلا بمن يهدّد بما لا حقيقة له . والوعوعة : صوت الذئب .
والشنان : العداوة .
وقوله يري : أي يوقد النار . والتشبب نحو منه ، وأصله من شبب النار إذا أوقدها .
وقوله ونحن في أثناء ذلك : الأثناء الاعطاف والجوب ، واحدها ثنى . والرواسي :
الجبال الناتئة . والنواصي : الذوائب . والغمار : الماء الكثير ، وهو جمع غمرة يغمر من يدخل فيه . الأمراس : الحبال التي يستقي بها الماء .
الصاب : الصبر . وقوله نشحذ : نسنّ . والعباب : الموج . والياب : جمع عيبة .
وقوله تحدج : أي تنظر . وقوله تميد : أي تحيد . والنشب : الضياع . والسبد :
الشعر . والوبر : يعني الإبل . واللبد : الصوف ، يعني الغنم بقوله : ما له لا سبد ولا لبد .
والهلة : الفرح وما يستر به الرجل . والبلة : أصله الرطوبة والبلل ، ثم يستعمل بمعنى الضلة . والرحب : السعة . والذلاقة : الفصاحة . والمكنونات : المستترات . والأعطان :
مبارك الإبل عند الماء . والمخبور : المجرّب . وأرهص : معناه قدم واصل .
وقوله قلص : يقول شمر . والأردان : الأكمام . وقوله يضلع : يعرج .
وقوله أعطى هنا : تناول . والمضّ والمضض والمضاضة : الحرقة . واللجاج في الأمر : التلوّن . والأجاج : ضد العذب .
وقوله ولا يحلم ، يقال : حلم الأديم إذا وقع فيه السوس . والعضب : القاطع ، ويقال : نبأ السيف ينبو إذا ضرب به فلم يقطع .
“ 132 “
وقوله يجاحش : يدافع . يتضاءل : يتصاغر .
وقوله يتنفج : أي يتفرشخ . والجوجاء : الحاجة . واللوجاء : اتّباع وتداخل في الأمر . والتعريض : ضد التصريح ، والكناية كذلك .
وقوله يختلج : أي يضطرب . والعصابة : الجماعة .
وقوله حدب : مشفق . والشجراء : جمع شجير وهو الصديق .
وقوله أصفقت : اجتمعت . والإبالة : السياسة . والكفالة : التكفل بالأمور .
وقوله نشرا : النشر أن تنشر الغنم في المرعى فتعدو عليها الذئاب . والسدى : الشيء المهمل المتفرّق . والعدا : الأعداء . والعدى : الغرباء . والعباهل من الإبل : التي لا حافظ لها . والطلاحي : التي تكلّ فلا تقدر على النهوض . والمباهل : الإبل التي لا تمنع أخلافها فيحلبها كل من أراد .
وقوله بملء فيه : يعني بكلامه ودفاعه . صدع : أظهر . الذائد : الدافع . والحائط :
الذي يحوط أي يحفظ وكذلك الواقي . والهادي : الذي يمشي الأمر الأسدّ . والحادي :
الذي يمشي وراء الإبل .
اليافوخ : أصل الدماغ . الصّوى : علامة تجعل في الطريق يهتدى بها . أوضح : بيّن .
شدخ : كسر . شرم : شق أنفه . الرادع : القامع . الغاوي : الضالّ والمفسد . والضغن :
العداوة . والغلّ : البغض .
النمامة : شجر ضعيف . هنيئة : أي ساعة . والرقاد محلمة : أي ظرف المحلمة يحلم فيه أشياء لا حقيقة لها . والملحمة : موضع القتال . والمفحمة : دخول الإنسان فيما لا ينبغي . والتآلف : التعطف والتسكين . والفتر : ما بين السبّابة والإبهام .
وقوله مشوبة : أي ممزوجة . وقوله معتمل : أي منطبع . والرفع : أصل الفخذ .
والصّالي : المتسخن بالنار . والقرار : المكان الذي يستقر به الماء .
وقوله العيّ وشيّ : الشئ اتّباع لعي ، كقولهم : حسن بسن ، وشيطان ليطان ، وجائع نائع . يقال : عيّ شيّ وشويّ .
الرتق : ضد الفتق . الفرق : الفزع . الرهق : فساد الشيء .
وقوله قصف : أي قصم . الختروانة : التكبّر . الفراش : عظام الخيل .
الشجي : ما يغصّ به من عود وعظم ونحوه . والوجرة : الحقد .
“ 133 “
الشراسف : أطراف الضلوع . والدخس : ورم يصيب الدابة في حافرها شبيه الانتفاخ من العصب . والداس : البحث عن الأخبار بالتجسس . والخور : الضعف .
وقوله : لبست بسببه جلدة النمر ، يقال : لبس فلان لفلان جلد النمر إذا تنكر له وتهيأ لجرحه .
الشحناء : العداوة . والسّرى : سير الليل . اتقد بالدال غير المعجمة : وهو القنقد .
الخمرة : شدّ الخمار على الرأس . والحصان : المرأة العفيفة .
والخبرة : الاختبار . والعون : التي كان لها زوج . والفرعاء : الكثيرة الشعر .
والحالي : العنق المزيّن بالحلي . محبس : مقيد . معبد : مذلل .
وقوله ملمس : أي ما يلمس . وقوله : مأيس : أي تأثير . والمزع : القطع . والأثرة :
ما يؤثر به الرجل دون غيره أي يخصّ .
وقوله : مأمنة على الرتق والفتق ، المعنى الإصلاح والإفساد .
وقوله : مفتاتا ، يعني بغير اختيارهم . والحمية : الأنفة .
وقوله : انتكث رشاها ، يقول : نقض حبلها .
وقوله : انتضب ماءها ، يقال : نضب الماء إذا جفّ وأنضبته أنا وانتضبته .
المتين : القوي . الأيد : القوة . والأسرة : الطبقة .
وقوله : بأي تدرّع من الدّرع . وقوله ولهت : حنّت . وتطامن : انخفض . والحبوة :
العطية . وقوله : سربله ، أي ألبسه سربالها .
وقوله : لا يلتفت لفتها ، أي جهتها . والكهف : الجبل .
وقوله : وقربي أمسّ ، أي ألصق . والعرق : الأصل . والبازل : الجمل المسنّ .
والهبع : الصغير من أولاد الإبل وهو الذي يولد في آخر زمن النتاج ، فإن ولد في أوله فهو ربع .
وقوله : تهدر به شقشقتك ، يقال : هدر البعير إذا صاح ، والشقشقة : ما يخرج من حلقه عند هديره . والصاغية : القرابة . المناضلة : المراماة بالسهام .
وقوله : خزيت ، أي خضعت . وقال بعضهم : وخزيت هنا لا معنى له ، والصواب أنفت . لينتحشنّ : ليقومنّ ويتحركنّ .
“ 134 “
وقوله والفظ : أي اطرح . وقوله وانفث : المعنى ابعد . والسخيمة : العداوة .
والنفاث : ما ينفث به . وقوله : مريئا : أي طيبا .
وقوله يمضّ أهابك : أي يشق جلدك . ويفري قادمتك : أي يقطع ، والقادمة : ريش مقدّم الجناح تجمع على قوادم .
وقوله استبرأتها : أي تحلّيت منها . التزمّل : الالتفاف .
وقوله أتوجّى : أتعارج . وقوله حلّت مغلوّطة : أي نزلت ، والمغلوّطة : الناقة توسم في عنقها بالنار ، واسم تلك السمة الغلاطة .
وقوله مخروّطة : أي رقيقة المؤخر ، وهو مكروه في الإبل . ويقال للناقة إذا زجرت :
حل حل ، يقال : حلحلت بالإبل إذا قلت لها حل حل ، فإذا لم تزدجر قلت لها لا حليت أي لا ظفرت بما أردت .
ومثله قوله : فهيسي هيسي ، فإنه يضرب مثلا لمن وقع في داهية وأمر عظيم يحتاج فيه إلى الانزعاج وترك الإخلاد إلى الراحة . والهيس : السير الشديد . وأصل هذا المثل أن طمسا وقعت بجديس وأبادتها ، من قصة طويلة جرت بينهما ، فقال في ذلك بعض الرجال :
ما ذكره في الرسالة .
وقوله لعا : كلمة تقال للعاثر إذا عثر ، ومعناه : انتعش وقم .
وقوله على غرة : أي على طبعه الأول ، ويضرب مثلا للأمر الذي لا يغيّر عما كان عليه . والزميت : الساكن .
وقوله مخطى قدمي : أي حيث يخطو قدمي . ومنزع قوسي : أي حيث أرمي .
وقوله : أزمت على فاسي ، فاس اللجام : ما يدخل منه في فم الفرس ، يقال : أزم الفرس على فارس اللجام إذا عضّ عليه .
الإبالة : الحالة وانقلاب الأمور وهي الإدالة . والغرب : الحد هنا . واللحا :
القشر . والرشا : الحبل . أورى الزند : إذا ظهر منه النار . والماتح : الذي يخرج الماء من البئر .
وقوله إن نصحنا : أصله من نصح إذا خاط . وأربينا : أصلحنا .
أكل مقصور : أي مقروح . والجوى : داء يعترض في الجوف . العصام : حبل القربة فضربه مثلا . المؤازرة : المعاونة .
“ 135 “
وقوله تداعت : أي دعا بعضها بعضا . العهد هنا : القرآن . وقوله ليط : أي ستر .
الإيماء : الإشارة . الهمهمة : كلام لا يصرّح به . الأنشوطة : العقدة التي يجذب بطرفها فتنحلّ . واللّيط : قشر القصب . الغيابة : ما أظلّ الإنسان فوق رأسه كالسحابة أو الغبرة .
وقوله محلقة : أي مستديرة . وقوله استأصل : أي انتزعها من أصلها . والشافة :
قرحة تخرج في القدم فتكوى ، فضرب مثلا .
جرثومة : كل شيء أصله ، والجرثومة ما يجتمع في أصل الشجرة .
وقوله وهور ليلها : أصله من هور الرجل البنيان إذا هدمه فيريد أذهب ليلها . والنكث :
النقض . وقوله خولا : أي تخوّلا .
وقوله احتضن : أي تأبّط ، والحضن : الإبط . والشقاق : الخلاف . وهو نافع القلب :
أي يرتوي .
وقوله مبرود الغليل : الغليل : حرقة العطش . الفسيح : الواسع . واللبان : الصدر .
والأزر : القوة . والوزر : الثقل ، وأراد به هنا الإثم . والاصر : الثقل . وقوله شدهت : أي تحيرت . والكاهل : أعلى الكتفين .
أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
قاتل أهل الردة حتى رجعوا إلى الإسلام ، وقتل مسيلمة الكذاب والأسود بن كعب العبسي ، وأسر طليحة الكذاب ، وفتح اليمامة .
وأما عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه
فهو الذي فتح الفتوح ، ودوّن الدواوين ، وأقطع الأجناد ، ورتب الناس في العطاء على منازلهم ، وقرّبهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجمع الناس لصلاة التراويح في شهر رمضان ، وتلاوة القرآن في جميع المساجد . وجعل الخلافة من بعده في ستة :
عثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، على أن يختاروا من الستة .
وأوصى عبد الرحمن بن عوف أن يعطي لمن بقي من أهل بدر لكل رجل منهم مائة دينار . وأخذ عثمان بن عفان معهم ، وهو خليفة ، مائة دينار .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin