..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 21

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 13:53

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 21
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
    “ 305 “

    تمام الكرم إتمام النّعم . أحسن المقال ما صدق بحسن الفعال . من حسن صفاؤه وجب اصطفاؤه . من زال معهود إحسانه استحال موجود إمكانه . من منع العطاء منع الثناء . من منع الإحسان سلب الإمكان . من عفّ عن الريبة كفّ عن الغيبة .
    إخلاص التوبة تسقط العقوبة . إحسان النية موجب المثوبة . من غاظك بقبيح الشتم منه فغظه بحسن الحلم عنه .
    آلام الناس سعيد لا يسعد به إخوانه ، وسليم لا يسلم منه جيرانه . من بخل بماله على نفسه جاد به على زوج عرسه . إذا اصطنعت المعروف فاستره وإذا اصطنع إليك فانشره . من جاور الكرام أمن من الإعدام ، ومن جاور اللئام فقد الإنعام . من شرف منصبه حسن مذهبه . من طاب أصله زكى فعله . من أنكر حسن الصنيعة استوجب قبح القطيعة .
    من كفر شمول النّعم استحل حلول النقم . من منّ بمعروفه سقط شكره ، ومن أعجب بعلمه حبط أجره . من رضي من نفسه بالإساءة شهد على نفسه بالرداءة .
    من رضي بذمّ أخلاقه اعترف بلوم أعراقه . من رجع في هبته بالغ في خسّته . من أغلق عن أخيه بابه ذمّ الناس خلقه وآدابه .
    من بخل على نفسه بخيره لم يجد به على غيره . من تصرف على حكم المروة دلّ على شرف الأبوة . من كرم على تحبيب الرجاء دلّ على كرم الآباء . الشكر أحسن حلية والأجر أفضل قنية . أفضل الكنوز أجر يدّخر ، وأنفس الثياب شكر ينشر .

    أفضل العدد أخ وفيّ وأفضل الذخائر سقى زكيّ . السلطان السوء يخيف البري ويصطنع الدنيء ، والبلد السوء يجمع السفل ويورث العلل ، والولد السوء يشين السلف ويهدم الشرف ، والجار السوء يفشي السر ويهتك الستر . أخسّ الناس من أخذ بغير حق وأنفق على غير مستحق . من غدر شأنه غدره ، ومن مكر حاق به مكره . من حمد على الظلم مكر به ، ومن شكر على الإساءة سخر منه . من حق الملك أن يختار لرعيته ما يختار لنفسه ، ويعدّ سوء سيرته من شقاء جدّه ونحسه . المرء يجني بختاره تحلة آثاره .

    شرّ الأفعال ما جلب المذامّ ، وشرّ الأقوال ما جلب الملام ، وشرّ الآراء ما خالف الشريعة ، وشرّ الأعمال ما هدم الصنيعة .

    ومن باب ما قيل في التصوف
    ما رويناه من حديث ابن ثابت قال : نبأ أبو طالب يحيى بن علي الدسكري ، نبأ علي بن بندار الأسترآبادي قال : سئل الشبلي عن التصوف ، قال : التصوف عندي ترويح القلوب بمراوح الصفاء ، وتجليل الخواطر بأردية الوفاء ، والتخلّق بالسخاء ، والبشر في اللقاء .


    “ 306 “

    وأنشد ابن ثابت قال : أنشدني الحسن بن محمد البلخي ، قال : أنشدني طاهر بن الحسين ، وهو أبو الحسن المخزومي ، لنفسه :
    ليس التصوّف أن يلاقيك الفتى * وعليه من نسج المسيح مرقّع
    بطرائق بيض وسود لفّقت * فكأنه فيها غراب أبقع
    إن التصوّف ملبس متعارف * فيه لموجده المهيمن يخشع


    تذكرة ربانية

    رويناها من حديث ابن ثابت قال : نبأ علي بن القاسم بن الحسن الشاهد بالبصرة ، نبأ علي بن إسحاق المارداني ، نبأ الفضل بن محمد ، نبأ إسحاق بن إبراهيم الطبري ، قال :
    قال الفضيل بن عياض : قال اللّه عز وجل : يا ابن آدم ، إذا كنت أقلّبك في نعمتي وأنت تتقلب في معصيتي ، فاحذر . لا أصرعك بين معاصيك . يا ابن آدم اتقني ، ونم حيث شئت . إن ذكرتني ذكرتك ، وإن نسيتني نسيتك ، والساعة التي لا تذكرني فيها عليك لا لك .


    وممن وعظه الشيب فتبرّأ من العيب
    ما رويناه من حديثه قال : نبأ عبد الرحمن بن محمد النيسابوري ، نبأ محمد بن عبد اللّه بن شادان الرازي ، سمعت أبا عبد اللّه القرشي يقول : كان لي جار شاب ، وكان أديبا ، وكان يهوى غلاما أديبا ، فنظر يوما إلى طاقات شعر بيض في عارضيه ، فوقع له شيء من الحق ، فهجر الغلام ، وتركه . فلما نظر الغلام إلى ذلك منه كتب إليه يقول :

    ما لي جفيت وكنت لا أجفى * ودلائل الهجران ما تخفى
    وأرك تشربني فتمزجنا * ولقد عهدتك شاربي صرفا
    قال : فقلب الرقعة وكتب على ظهرها :
    أنغام مع الشمط * سمتني خطة شطط
    لا تلمني على جفا * ئي فحسبي بما فرط
    أنا رهن بما جني * ت فذرني من الغلط
    قد رأينا أبا الخلا * ئق في زلة هبط

    ومن باب النسيب ما قيل في معاتبة الجواري :

    “ 307 “


    ناديت قلبي بدمعي ثم قلت له * يا من يحبّ حبيبا لا يواتيه
    فردّ قلبي على طرفي بزفرته * هذا البلاء الذي أوقعتني فيه

    وقال الآخر :
    يا قلب يا قلب يا مشوم * منك بلائي فمن ألوم
    تعشق هذا وذا وهذا * لست على واحد تدوم

    ولبعضهم في هذا الباب :
    أغار طرفي على قلبي وأحشائي * بنظرة وقفت مني على دائي
    وكنت غرّا بما تجني عليّ يدي * لا علم لي أن بعضي بعض أعدائي


    ولبعضهم في هذا الباب :
    أفيضي وانزفي العبرات عيني * فأنت فتنتني وجلبت حيني
    وألهبت الفؤاد لهيب جمر * بحرقته يذوب الأسودين
    فذوقي من فعالك مثل ما قد * أذقت القلب من صدّ وبين
    جناية ناظر بالقلب تربى * على فعل الخوارج بالحسين


    ومن هذا الباب :
    يا جفونا سواهرا أعدمتها * لذة النوم والرقاد جفون
    إن للّه في العباد منايا * سلّطتها على العيون العيون

    ومنه أيضا :
    نظر العيون إلى العيون هو الذي * جعل العيون على القلوب وبالا
    ونهيت نومي عن جفوني فانتهى * وأمرت ليلي أن يطول فطالا

    ومن هذا الباب :
    أمر الهوى ليل الشجيّ فطالا * ونهى الهوى عنه الملام فزالا
    والذي ذهبنا إليه أدخل في النسيب من الأول ، فإن الأول في حكم نفسه فإنه الآمر والناهي . والذي ذهبنا إليه بحكم الهوى ، لأن المحبّ لا حكم له مع سلطان الهوى ، فإنه الأقوى .


    وللعباس بن الأحنف فيه :
    خليليّ ما للعاشقين قلوب * وما للعيون الناظرات ذنوب
    ويا معشر العشاق ما أصعب الهوى * إذا كان لا يلقى المحبّ حبيب



    “ 308 “


    ومن باب الإفراط في الحب قول قيس المجنون :
    إن البلاد وما فيها من الشجر * لو بالهوى عطشت لم ترو بالمطر
    لو ذاقت الحبّ أرض اللّه لاشتغلت * أشجارها بالهوى فيها عن الثمر
    ليس الحديد ولا صمّ الحجار إذا * فكّرت أقوى على البلوى من البشر


    كلام في السماع لبعض إخواننا
    سمعت صاحبنا أحمد بن مسعود بن شداد المقري الموصلي بمنزلي بمدينة الموصل سنة إحدى وستمائة يقول : السماع سر من أسرار اللّه تعالى التي لا عمارة للقلوب إلا بها ، وهي لطيفة من لطائف الغيوب التي هي قوت القلوب ، فإذا مررت بسربه ، فسر به ، وقف مع أهله على قدم التذلل ، وأمط عنك رداء التذلل ، فإنك لن تدرك الأرب إلا بلزوم الأدب ، ولن تبلغ المقصود إلا بحفظ العهود . ومن رام قضاء الأوطار اقتحم ركوب الأخطار . فإذا برز لك توقيع تقريبه ، فلا تخل تقرى به . فهذه عناية أصلها ثابت في القدم ، وفرعها نابت ظهر إلى الوجود من كمين العدم ، مشيرا إليه في قوله تعالى : أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، فلما كمنت نار قوله في زناد : قالُوا بَلى ، قرعتها صفى الصفا بواسطة هذه الآلات ، فبرقت بارقة من تلك النغمات ، فسمت الأرواح إلى تلك النسمات ، وشفّ الجوهر الروحاني في العرض الإنساني . فلما تنسمت الأرواح وسمت إلى ما به ، وسمت ، طارت بأجنحة الطرب إلى سماء الطلب ، فرتعت في رياض الأنس ، وكرعت في حياض القدس . فلما انبسطت على بساط البسيطة ، وتعززت بعزّ العزائم النشيطة ، تثبتت أقدام أقدامها ، وناحت حمام حمامها ، وغرّدت بلابل بلابلها ، وأنشدت بلسان حالها :

    أبدا تحنّ إليكم الأرواح * ووصالكم ريحانها والرّاح
    وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم * وإلى زمان لقاكم ترتاح
    وارحمتا للعاشقين تحمّلوا * ثقل المحبة والهوى فضّاح
    بالسر إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح

    حكاية الضّادي
    حدثنا أحمد بن مسعود ، انا رسلان البغدادي قال : كان رجل بالبصرة يكثر من ذكر الضادات حتى وسم بالضادي ، وكان قاضيها يتمنى أن يقع له إليه حاجة ليسمع كلامه ، فدخل عليه بعض حجابه يوما وقال :

    “ 309 “

    يا سيدي ، الضادي بالباب ، قال : ائذن له ، فمحصول ما يتكلم به ضادات ، وهو أن يقول : السلام عليك أيها القاضي ، إن فلانا ظلمني ، وأنا ضعيف ، فأقول له : الظلم بالظاء وليس بالضاد ، فأقهره ، فدخل عليه وقال : السلام عليك أيها القاضي الفاضل الأفضل ابن الأفضل ، إن ضرار بن ضمرة الضبي اهتضمني ، وعضّني ، وضلع ضلعي ، وأخذ ضيعة لي على الغياض بالضيعي ، اعترضها ضمانا ، ولم يعوّضني عنها ، وأنت أيها القاضي غضبان عليّ ، معرض عني ، نتعرض بعرض عرضك ، أن تمضي إلى ضرار بن ضمرة الضبي وتحضره بحضرتك إحضارا ، وتفرض لي عليه فرضا ، ليخضع ويضرع ، ويعوّضني البعض عن الضمان ، فإني ضعيف متضعّف ، مهضوض من بين الضعفاء ، فاهتضمني بضوضائه .

    قال : فأقبل القاضي على خصمه وقال له : إن خصمك هذا لمجنون ، انطلق وخذ الضيعة .
    فلما ولى أخذ الضادي بأهدابه وأنشد :
    أيا من أقرض القاضي * له أرضي لكي يرضى
    أهذا في القضا فرض * بأن ترضى ولا أرضى
    قضى قاضيك في أرضي * قضاء ليت لم يقضى
    فأين المعوض المقروض * لا عوضا ولا قرضا
    ضعاف مهضم ضيم * مضت ضيعتهم أيضا


    قال : فاستفرغ القاضي منه ضحكا فوقع له بالضيعة .
    خليفة أمن وعدل في حال شغله باللهو والغزل
    احتجب عبد الرحمن بقرطبة عن الناس سنين كثيرة في أكل وشرب ولهو وطرب ، فدخل عليه بعض من له عليه إدلال فقال :
    يا أمير المؤمنين ، اشتغلت باللهو عما قلّدته من أمور المسلمين ، وفوّض إليك من القيام بهم والنظر في مصالحهم ، ورعي حق اللّه فيهم ، فقال :
    يا هذا ، السّبل آمنة ؟ قال : نعم ، قال : قاضيكم يعدل ؟ قال : نعم ، قال : عدوكم مقهور ؟ قال : نعم ، قال : فما تريدون مني ؟

    ودخل على هذا الخليفة يوما أرسال الإفرنج ، وقد ظهر لهم من عظيم الملك ما يرغبهم ، بسط لهم الحصر من باب قرطبة إلى باب الزهراء قدر فرسخ ، وجعل الرجال عن يمين الطريق ويساره ، بأيديهم السيوف الطوال العراض مجرّدة ، يجمع بين سيف الأيمن

    “ 310 “

    وسيف الأيسر حتى صارت كعقد الحنايا ، وأمر بالإرسال أن يمشوا بين تلك في ظلالها ، كأنها ساباط ، فدخلهم من الرعب ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى ، فلما وصلوا إلى باب الزهراء فرش لهم الديباج من باب المدينة إلى مقعده على تلك الحالة من الترهيب ، وأقام في مواضع مخصوصة حجّابا كأنهم الملوك ، قعودا على كراسي مزخرفة ، عليهم الديباج والحرير ، فما أبصروا حاجبا إلا سجدوا له يتخيلون أنه الخليفة ، فيقال لهم : ارفعوا رءوسكم ، هذا عبد من عبيده ، إلى أن وصلوا به إلى ساحة مفروشة بالرمل ، والخليفة في وسطها قاعد ، عليه ثياب خلق قصار ، يساوي كل ما عليه أربعة دراهم ، وهو قاعد على الأرض مطرق وبين يديه مصحف وسيف ونار . فقيل للرسل : هذا السلطان ، فسجدوا له ، فرفع رأسه إليهم قبل أن يتكلموا وقال :
    إن اللّه أمرنا يا هؤلاء أن ندعوكم إلى هذا ، وأشار إلى المصحف كتاب اللّه ، فإن أبيتم فبهذا ، وأشار إلى السيف ، ومصيركم إذا قتلناكم إلى هذا ، وأشار إلى النار . فملئوا منه رعبا ، وأمر بإخراجهم ، ولم يبدو كلاما ، فصالحوه على ما أراد .
    هكذا يعزّ دين اللّه وإلا فلا .

    ومن باب النصائح
    ما كتبنا به إلى السلطان عز الدين الغالب ، بأمر اللّه كيكاوس ، جوابا عن كتاب وصل إلينا منه أيّده اللّه :

    بسم اللّه الرحمن الرحيم .
    وصل الاهتمام السلطاني الغالبي بأمر اللّه العزيز ، أدام اللّه عدل سلطانه ، إلى والده الداعي له ، فيتعين عليه الجواب بالوصية الدينية ، والنصيحة السياسية الإلهية ، على قدر ما يعطيه الوقت ، ويحتمله الكتاب ، إلى أن يقدر الاجتماع ، ويرتفع الحجاب .
    فقد صحّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :

    " الدين نصيحة " . قالوا : لمن يا رسول اللّه ؟ فقال : « للّه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم » . وأنت يا هذا بلا شك من أئمة المسلمين ، قد قلّدك اللّه هذا الأمر ، وأقامك نائبا في بلاده ، ومتحكما بما توفق إليه في عباده ، ووضع لك ميزانا مستقيما تقيمه فيهم ، وأوضح لك محجّة بيضاء تسلك بهم عليها وتدعوهم إليها ، وعلى هذا الشرط ولّاك وعليه بايعناك ، فإن عدلت فلك ولهم ، وإن جرت فعليك وعليهم ، فاحذر أن أراك غدا يوم القيامة


    “ 311 “

    بين أئمة المسلمين من أخسر الناس أعمالا ، ولا يكون شكرك لما أنعم اللّه به عليك من استواء ملكك بكفران النعم ، واستظهار المعاصي ، وتسليط نواب السوء على الرعية الضعيفة ، فيحتكمون فيهم بالجهالة والأغراض ، وأنت المسؤول عن ذلك .

    فيا هذا ، قد أحسن اللّه إليك وخلع النيابة عليك ، فأنت نائب اللّه في خلقه ، وظله الممدود في أرضه ، فانصف المظلوم من الظالم ، ولا يغرنك أن وسّع اللّه عليك سلطانك ، وسوّى لك البلاد ووطّاها ، مع إقامتك على المخالفات والجور وتعدّي الحدود ، فإن ذلك الاتساع مع بقائك على مثل هذه الصفات إمهال من الحق لا إهمال ، وما بينك وبين أن تقف على أعمالك إلا بلوغ الأجل المسمى ، وتصل إلى الدار التي سافر إليها آباؤك وأجدادك ، فلا تكن من النادمين ، فإن الندم في ذلك الوقت غير نافع .

    يا هذا ، ومن أشد ما يمر على الإسلام والمسلمين ، وقليل ما هم ، رفع النواقيس ، والتظاهر بالكفر ، وإعلاء كلمته ببلادك ، ورفع الشروط التي اشترطها أمير المؤمنين وإمام المتقين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه على أهل الذمة ، من أن لا يحدثوا في مدينتهم ولا حولها كنيسة ، ولا ديرا ، ولا قلة ، ولا صومعة راهب ، ولا يجددوا ما خرب ، ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزل بها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعموهم ، ولا يأووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يظهروا شركا ، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوه ، وأن يوقروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبّهوا بالمسلمين ، في شيء من لباسهم في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا يتسمّوا بأسماء المسلمين ، ولا يتكنوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجا ، ولا يتقلدوا سيفا ، ولا يتخذوا شيئا من السلاح ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا ، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يظهروا صليبا ، ولا شيئا من كتبهم في طرق المسلمين ، ولا يجاوروا موتى المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيفا ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ، ولا يظهروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين .
    فإن خالفوا في شيء مما شرط فلا ذمة لهم ، وقد حل للمسلمين ما يحل من أهل المعاندة والشقاق .
    فهذا كتاب الإمام العادل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه .


    “ 312 “


    وقد ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : « لا يبنى كنيسة في الإسلام ، ولا يجدّد ما خرب منها » . فتدبر كتابي ترشد إن شاء اللّه تعالى ، ما لزمت العمل به . والسلام .


    وكتب إليه أيضا :
    إذا أنت أعززت الهدى وتبعته * فأنت لهذا الدين عزّ كما تدعى
    وإن أنت لم تحفل به وتركته * فأنت مذل الدين تخفضه وضعا
    فلا تأخذ الألقاب زورا فإنه * لتسأل عنها يوم يجمعكم جمعا
    يقال لعزّ الدين أعززت دينه * ويسأل دين اللّه عن عزّكم قطعا
    فإن شهد الدين العزيز بعزّكم * تكن مع دين اللّه في عزّه شفعا
    وإن قال دين اللّه كنت بملكه * ذليلا وأهلي في ميادينه صرعى
    وما زلت في سلطانه ذا مهانة * وفي زعمه بي أنه محسن صنعا
    فما حجّة السلطان إن كان قوله * كما قلت فلتسكب لما قلته الدمعا
    وأدمن لباب اللّه إن كنت تبتغي * تجاوره عن ذينك الضرب والقرعا
    عسى جوده يوما يجود بنفحة * فيبرز عفو اللّه يدفعه دفعا
    فيا ربّ رفقا بالجميع فيا لها * إذا اجتمع الخصمان من وقعة شنعا
    فأنت إمام المتّقين ورأسهم * إذا لم تزل تجبر لدين الهدى صدعا
    لكم نائب في الأمر أصبح ملحدا * وأضحى لأهل الدين يقطعهم قطعا
    فما لك لم تغلبه واسمك غالب * وما لك لم تعزله إذ آثر النفعا
    فيها أيها السلطان حقق نصيحتي * لكم وارعني منكم لما قلته سمعا
    فإني لكم واللّه أنصح ناصح * أذود الردى عنكم وأمنعه منعا
    وأجلب للسلطان من كل جانب * من الدين والدنيا المعارف والنفعا


    حكم منثورة
    أفضل الأعمال ما أثّل مجدا ، وأجمل الطلب ما حصّل حمدا . شرّ العمل ما هدم فخرا ، وشر الطلب ما قبح ذكرا . الحليم من لم يكن حلمه لفقد النصرة وعدم القدرة ، والجواد من لم يكن جوده لدفع الأعداء وطلب الجزاء ، والشجاع من لم تكن شجاعته لفوت الفرار وفقد الأنصار ، والصّموت من لم يكن صمته لكلة لسانه وقلة بيانه ، والمنصف من لم يكن إنصافه لضعف يده وقوة خصمه ، والمحبّ من لم تكن محبته لبذل معونة أو حذف مئونة . من خان أخاه زهد في أخوّته ، ومن أعان عليه خرج من مروءته .

    “ 313 “

    وروينا من حديث ابن ثابت قال : أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن رزق البزّار ، وأبو الحسين علي بن محمد بن عبد اللّه بن بشران المعدل ، نبأ إسماعيل بن محمد الصفّار ، نبأ أبو يحيى بن أسد المروزي ، نبأ معروف الكرخي قال :

    قال بكر بن حبيش : إن في جهنم لواد تتعوّذ جهنم من ذلك الوادي كل يوم سبع مرات ، وإن في الوادي لجبّا يتعوذ الوادي وجهنم من ذلك الجب كل يوم سبع مرات ، وإن في الجب لحية يتعوّذ الجب والوادي وجهنم من تلك الحية كل يوم سبع مرات . يبدأ بفسقة حملة القرآن فيقولون : أي ربّ ، بدئ بنا قبل عبدة الأوثان ؟ فيقال لهم : ليس من يعلم كمن لا يعلم .

    وروينا من حديثه أيضا ، عن ابن رزق قال : حدثنا أبو محمد بن جعفر محمد بن نصر الخلدي ، حدثني إبراهيم بن نصر المنصوري مولى منصور بن المهدي ، حدثني إبراهيم بن بشار الصوفي الخراساني خادم إبراهيم بن أدهم قال :
    وقف رجل مرة على إبراهيم بن أدهم فقال : يا أبا إسحاق ، لم حجبت القلوب عن اللّه عز وجل ؟ فقال : لأنها أحبّت ما أبغض اللّه ، أحبت الدنيا ، ومالت إلى دار الغرور واللهو واللعب ، وتركت العمل لدار فيها حياة الأبد ، في نعيم لا يزول ولا ينفد ، خالدا مخلّدا ، في ملك لا نفاذ له ولا انقطاع .


    ومن باب النسيب
    ما قاله ابن الرومي في حلاوة الحب ومرارته . قال أبو بكر الصيدلاني في روايتنا :

    أنشدنا أحمد الكاتب قال : أنشدني ابن الرومي :
    وأزرق الفجر يبدو قبل أشهبه * وأول الغيث قطر ثم ينسكب
    فمثل ذلك ودّ العاشقين هوى * بالمزح يبدو وبالإدمان يلتهب


    وبلسان الوسوسة في هذا الباب :
    الحبّ حلو أمرّته عواقبه * وصاحب الحب صبّ القلب ذائبه
    استودع اللّه من بالقلب ودّعني * يوم الرحيل ودمع العين سائله
    ثم انصرفت وداعي الحب يهتف بي * أرفق عليك فقد عزّت مطالبه

    ولنا في هذا الباب :
    الحبّ حلو إذا ما حبّنا وصلا * كما يمرّ إذا محبوبنا هجرا

    “ 314 “



    منوّع الطعم في الحالات فهو كمث * ل الماء يتبع لون الكأس إن نظرا


    وقال الحسن بن هانئ :
    أوائل الحب حلاوات * وآخر الحب مرارات
    ومشرع الحب دواعي الردى * ومنهل الحب بليّات
    كم قد أباد الحب من معشر * أمسوا وهم في التراب أموات
    فسوف إن دام بنا ذا الهوى * أموت واللّه كما ماتوا

    ولبعضهم :
    الحبّ يترك من أحبّ مدلّها * حيران أو يقضى عليه فيسرع

    وقال الآخر :
    ألا قاتل اللّه الهوى كيف يقتل * وكيف بأكباد المحبين يفعل
    فلا تعذلوني في هواي فإنني * أرى سورة الأبطال في الحب تبطل


    وقال أبو حفص في هذا الباب :
    ليس أمر الهوى يدبّر بالراء * ي ولا بالقياس والتفكير
    إنما الحب والهوى خطرات * محدثات الأمور بعد الأمور
    ليس خطب الهوى بخطب يسير * ليس ينبيك عنه مثل خبير


    ومن قول الكميت في هذا الباب :
    الحبّ فيه حلاوة ومرارة * سائل بذلك من تطعّم أو سقي
    ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها * فيما مضى أحد إذا لم يعشق


    وقال بعضهم فيه :
    رأيت أخا الحب الذي ليس يقصر * يقال له أعمى وإن كان يبصر
    ويخبط كالعشواء في حالك الدجى * سواء عليه السهل والمتوعر



    ومن باب طعم الحب :
    وللحبّ أغصان تراها نظيرة * وفي طعمها للذائقين ذعاف
    رأيت المنايا في عيون أو أنس * تميت بها الأرواح وهي ضعاف

    ومن ذلك :
    وقيل الهوى عذب فلما وردته * وردت كريها لا يسوغ لشاربه
    وإني رأيت الدهر حين صحبته * محاسنه مقرونة بمعايبه



    “ 315 “

    إذا سرّني في أول الأمر لم أزل * على حذر من غمّه في عواقبه

    ومن ذلك :
    الحبّ حلو البدء مرّ العقب * وأصعب الأدواء داء الحبّ
    وصاحب الحبّ حليف الكرب * مذلّة العقل عميد القلب
    رؤيا عاتكة عمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة فيما جرى على المشركين في يوم بدر
    روينا من حديث الواحدي قال : نبأ أحمد بن الحسين الحيري ، ثنا أبو العباس أحمد بن يعقوب ، نبأ أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، نبأ يونس بن بكير ، نبأ محمد بن إسحاق ، نبأ حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال :

    وحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : رأت عاتكة بنت عبد المطلب فيما يرى النائم ، قبل مقدم ضمضم على قريش بمكة بثلاث ليال ، رؤيا أعظمتها ، فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت : يا أخي ، لقد رأيت الليلة رؤيا ، ليدخلنّ على قومك شرّ وبلاء . قال : وما هي ؟ قالت : رأيت فيما يرى النائم أن رجلا أقبل على بعير له ، فوقف بالأبطح ، فقال : انفروا يا آل عذراء إلى مصارعكم في ثلاث .

    فأرى الناس اجتمعوا إليه ، ثم أرى بعيرا دخل به المسجد ، واجتمع إليه أناس . ثم مثل به بعيره ، فإذا هو على رأس الكعبة ، فقال : يا آل عذراء ، انفروا إلى مصارعكم في ثلاث . ثم إن بعيره مثل به على رأس أبي قبيس فقال : انفروا يا آل عذراء إلى مصارعكم في ثلاث . ثم أخذ صخرة فأرسلها من رأس الجبل ، فأقبلت تهوي حتى إذا كانت في أسفله ارفضّت ، فما بقيت دار من دور قومك ولا بيت إلا دخل فيه بعضها . قال العباس : واللّه إن هذه لرؤيا فاكتميها . قالت : وأنت فاكتمها .

    فخرج العباس من عندها ولقي الوليد بن عتبة ، وكان له صديقا ، فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها الوليد لابنه فتحدث بها ، فغشى الحديث . قال العباس : فغدوت لأطوف بالبيت ، فدخلت المسجد فإذا أبو جهل في نفر من قريش يتحدثون عن رؤيا عاتكة . فقال أبو جهل : يا أبا الفضل ، متى حدثت هذه النهية فيكم ؟ فقلت : وما ذاك ؟

    قال : رؤيا رأتها عاتكة بنت عبد المطلب . أما رضيتم أن تنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم متربص بكم هذه الثلاث التي ذكرتها عاتكة ؟ فإن تكن عاتكة تقول حقا فسيكون ، وإلا كتبنا عنكم كتابا أكذب بيت في العرب . قال العباس : فما كان مني إليه من كبير شيء إلا أني



    “ 316 “

    جحدت ذلك وأنكرته . قلت : ما رأيت شيئا ولا سمعت بها . فلما أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ، فقلن : صرتم لمثل هذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء ، وأنت تسمع ، فلم يكن عندك في ذلك غيرة . فقلت : واللّه لقد صدقني ، وما كان عندي في ذلك من غيرة ، إلا أني أنكرت ما قال ، فلا تعرضت له ، فإن عاد لأكفينكه .

    فغدوت في اليوم الثالث أتعرضه ليقول شيئا فأشاتمه ، فو اللّه إني لمقبل نحوه ، وكان رجلا حديد النظر حديد اللسان ، إذ ولّي نحو الباب يشتد . فقلت في نفسي : ما له لعنه اللّه ؟

    أكل هذا فرقا من أن أشاتمه ؟ وإذا هو سمع ما لم أسمع . سمع صوت عمرو بن ضمضم الغفاري وهو يصرخ بباطن الوادي ، واقف على بعيره بالأبطح قد رحله وشق قميصه وجدع بعيره ، يقول : يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة ، أموالكم مع أبي سفيان ، وتجارتكم قد عرض لها محمد وأصحابه ، الغوث الغوث . فشغله ذلك عني ، وشغلني عنه ما جاء من الأمر .
    وتجهز الناس سراعا ، وقالوا : أيظن محمد وأصحابه أن يكون كعير ابن الحضرمي ؟
    كلا . واللّه ليعلمن غير ذلك . فكانوا بين رجلين ، إما خارجا وإما باعثا مكانه رجلا .
    وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد . فأصابت قريش ما أصابها يوم بدر من قتل أشرافهم وأسر جبابرتهم .

    قال ابن نجيح : كان أمية بن خلف قد أجمع العقود ، وكان شيخا كبيرا ثقيلا ، فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهري قومه بمجمرة يحملها فيها نار ، حتى وضعها بين يديه فقال : يا أبا علي استجمر ، فإنما أنت من النساء . فقال : قبّحك اللّه ، وقبّح ما جئت به . ثم تجهز وخرج مع الناس .

    وكان سبب تثبّط أمية عن الخروج ما رويناه أيضا من حديث الواحدي ، قال : نبأ أبو نصر أحمد بن محمد بن إبراهيم ، انا عبد اللّه بن بطاء ، أنا أبو القاسم ابن بنت منيع ، نبأ يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، نبأ خلف بن الوليد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد اللّه بن مسعود ، قال : انطلق سعد بن معاذ معتمرا ، فنزل على أمية بن خلف ، وكان أمية إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ . فقال أميد لسعد : انتظر إذا انتصف النهار وغفل الناس ، انطلقت . فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال : من هذا الذي يطوف معك بالكعبة ؟ فقال : سعد ، فقال أبو جهل : تطوف بالكعبة آمنا وقد آويت محمدا وأصحابه ؟ قال : نعم . فتلاحيا بينهما . فقال أمية لسعد : لا


    “ 317 “

    ترفع صوتك على أبي الحكم ، فإنه سيد أهل هذا الوادي . فقال له سعد : واللّه لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك إلى الشام . فجعل أمية يقول لسعد : لا ترفع صوتك ، وجعل يمسكه . فغضب سعد ، فقال : دعنا عنك ، فإني سمعت محمدا صلى اللّه عليه وسلم يزعم أنه قاتلك . قال : إياي ؟ قال : نعم . قال : واللّه ما يكذب محمد . فرجع إلى أم صفوان ، فقال :
    أما تعلمين ما قال أخي اليثربي ؟ قالت : وما قال ؟ قال : زعم أن محمدا يزعم أنه قاتلي .
    قالت : واللّه ما يكذب محمد . فلما خرجوا إلى بدر وجاء الصريخ ، فقالت له امرأته : أما ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي ؟
    فقال له أبو جهل : إنك من أشرف أهل الوادي ، فسر معنا يوما أو يومين ، فسار معهم ، فقتله .
    وقد ذكرنا قصة غزوة بدر في هذا الكتاب ، ومقتل أمية بن خلف ، وغيره فيها .


    قدوم حمير على أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
    روينا من حديث الرملي ، عن الحسين بن زياد ، عن أحمد بن عبد اللّه ، عن محمد بن يوسف ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، قال : قدمت حمير على أبي بكر رضي اللّه عنه معها ذو الكلاع الحميري ، بعدد كثير من أهل اليمن وعدّة حسنة . وجاءت مذحج فيها قيس بن هبيرة المرادي ، ومعه جمع عظيم من قومه ، فيهم الحجاج بن عبد يغوث ، وجاء حابس بن سعد الطائي في عدد كثير من طيّ ، وجاءت الأزد في عدد كثير وجمع عظيم ، فيهم جندب بن عمرو بن جمحة الدوسي ، وفيهم أبو هريرة الدوسي قيس .


    فأمّر أبو بكر رضي اللّه عنه ميسرة بن مسروق العبسي عليهم ، وجاء ابن أشيم في بني كنانة .
    فأما ربيعة وتميم فإنهم كانوا بالعراق ، وكانت دارهم عراقية ، وقلّ من شهدها منهم .
    وكان أعظمهم وأجلّهم أهل اليمن . فمن هناك كثروا بالشام وكانوا سكانها وأهلها .

    ومن باب النسيب
    وما سرّني أني أطيق تصبّرا * ولا أنني أمسيت خلوا من الحبّ
    إذا ما سألت اللّه عنك تسلّيا * فلست حقيقا بالإجابة من ربي
    السماع في ذلك : تقول النفس الإنسانية اللطيفة الربانية الموجودة عن الروح الإلهي ، من قوله تعالى : وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي * لهذا الروح ، لما طال حبسها في هذا الهيكل الضيّق ، عن السراج في تلك المسارح الواسعة الفضاء ، الصافية الإضاء ، حيث الروح


    “ 318 “

    الأعلى ، والملائكة العلى ، بالمكانة الزلفى ، والنظر الأجلى ، ما سرّني أن أطيق تصبّرا عن اللحوق ، ولا أنني خلو من تعلق الهمم به والاشتياق إليه ، وكيف لا يكون ذلك مني وهو أصلي وكلي ؟ ولما تحيلت الأغراض منه عني بطول الحبس في عالم التركيب الأسفل ، تعطين التخليص والتسخير ، أردت إقامة الحجة على كل خاطر يحرّضني عن العدول عن هذه الحجة ، وعلمت أني لا بد لي من الرجوع إليه والنزول عليه ، والتخليص من هذه السّدفة الترابية واقع على كل حال ، والإقامة في عالم الفساد على الدوام محال .
    سألت اللّه في السلوان عن هذا التعلق بالتضرع والإنابة ، وقد تحققت في ذلك عدم الإجابة ، فأرضيت الفريقين ، هيهات وكيف يسلو فرع عن أصله ؟ ولولاه ما غذاه الماء ، ولا امتدت إليه الأفياء .

    ومنه قول الآخر :
    يعيّرني قومي بذلّي في الهوى * وكم من ذليل في الهوى يكسب العزّا
    إذا كنت تهوى فاجعل الذلّ جنّة * فإني رأيت الكبر من ذي الهوى عجزا

    السماع في ذلك : لما كان الهوى محله النفس ، وكان تعلقه بالمجانس لها ، عيّره أهل الحجاب بذلته لمجانسه وشكله ، فقال لهم : ليس الأمر كما تزعمون ، فإن التعلق وإن كان بالمناسب ، فالمناسب هنا قوله : خلق آدم على صورته ، وليس كمثله شيء ، والتجلي في الصور مشروع ، والمناسبة في صور التجلي وهو روحها ، ومحبتها تنتج محبته ، ومحبته تورث كون المحبة من حيث هو حبيب له ، سمعا له وبصرا .

    فأي عزّ ؟ وأية قوة ؟ وأي عظم يقاوم عزّ من هو مع الحق بهذه المثابة ؟ فهو قوله : وكم من ذليل في الهوى يكسب العزّا ، وذلّ الهوى جنة لهذا العز ، يتعلق الذمّ به دونه ، يقول : وإذا رأيت من يتكبّر في هواه فذلك لعدم مواصلة ، فيرى أن ذلك من كبر نفسه ، وهذا في جناب الحق غير لائق وفي سماع العارفين .



    ومن باب النسيب قولنا
    ألا يا نسيم الريح بلّغ مها نجد * بأني على ما تعلمون من العهد
    وقل لفتاة الحي موعدنا الحمى * غديّة يوم السبت عند ربا نجد
    على الربوة الحمراء من جانب الضوى * وعن أيمن الأفلاج والعلم الفرد
    فإن كان حقا ما تقول وعندها * إليّ من الشوق المبرّح ما عندي
    إليها ففي حرّ الظهيرة نلتقي * بخيمتها سرا على أصدق الوعد
    فنلقى ونلقى ما نلاقي من الهوى * ومن شدة البلوى ومن ألم الوجد

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 07:27