الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 20
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 290 “
الأحنف بن قيس
من ظلم نفسه كان لغيره أظلم ، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم .
ابن المقنع
خير الأدب ما حصل لك ثمره ، وظهر عليك أثره . من تعزز باللّه لم يذلّه سلطانه ، ومن توكّل عليه لم يضرّه إنسان . ليكن من حقك إلى الحق ، ومنزعك إلى الصدق ، فالحق أقوى معين ، والصدق أفضل قرين .
من لم يرحم منعه اللّه من رحمته ، ومن استطال بسلطانه سلبه اللّه قدرته . إن العدل ميزان اللّه وضعه للحق ، ونصبه للخلق ، فلا تخالفه في ميزانه ، ولا تعارضه في سلطانه ، واستعن على العدل بخلّتين :
قلّة الطمع ، وشدّة الورع . من طال كلامه شتم ، ومن قلّ احترامه شتم . باطل ما يقوم حق ، وكذوب ما لا ينتصف منه صدق . لا تحاجّ من يذهلك خوفه ، ويملكك سيفه ، فربّ حجة تأتي على مهجة ، وفرصة تؤدي إلى غصّة . وإياك واللجاج فإنه يوعر القلوب ، وينتج الحروب .
عيّ تسلم به خير من نطق تندم عليه ، فاقتصر من الكلام ما يقيم حجتك ، ويبلغك حاجتك ، وإياك وفضوله فإنها تزلّ القدم ، وتورث الندم ، عيّ يزري بك خير من براعة تأتي عليك .
ومن باب التذكير والنصائح
ما رويناه من حديث ابن ثابت قال : انا محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق اللّه البابي ، وأبو الحسن بن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال : نبأ جعفر بن محمد الخلدي ، نبأ إبراهيم بن نصر ، نبأ إبراهيم بن بشار قال : قلت لإبراهيم بن أدهم : أمرّ اليوم أعمل في الطين ، فقال : يا ابن بشار ، إنك طالب ومطلوب ، يطلبك من لا تفوته ، وتطلب من قد كفيته ، كأنك بما غاب عنك قد كشفت لك ، وبما أنت فيه قد نقلت عنه . يا ابن بشار ، كأنك لم تر حريصا محروما ، ولا ذا فاقة مرزوقا . ثم قال لي : ما لك حيلة ؟ قلت :
لي عند البقال دانق عن عملي ، قال : تملك دانقا وتطلب العمل ؟
ومن باب ما وجد منقوشا على الأحجار
ما رويناه من حديث ابن ثابت ، عن البزاز محمد بن الفرج قال : نبأ جعفر الخلدي ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق ، نبأ أبو محمد الأنصاري قال :
“ 291 “
قرأت على حجر ببيت المقدس : رأس الغنى القنوع ، ورأس الفقر الخضوع . وقرأت على حجر بدمشق : كلّم من شئت فأنت نظيره ، واستغن عمّن شئت فأنت أميره ، واخضع لمن شئت فأنت أسيره . قال : وقرأت على حجر عند جبّ : كل من أحوجك الدهر إليه فتعرّضت له هنت عليه . قال ابن ثابت : وأخبرني محمد بن الفرج ، عن جعفر الخلدي قال :
أنشدني أحمد بن مسروق شعرا :
إن كنت توقن أن ربّك رازق * وسألت مخلوقا فلست بموقن
أو كنت في شكّ من الرزق الذي * كفل الإله به فلست بمؤمن
ومن باب النسيب
ما قاله خالد بن يزيد فيما يقع بين العين والفؤاد من العناد :
القلب يحسد عيني لذّة النظر * والعين تحسد قلبي لذة الفكر
يقول قلبي لعيني كلما نظرت * كم تنظرين رماك اللّه بالسهر
العين تورثه هما فتشغله * والقلب بالدمع ينهاها عن النظر
هذان خصمان لا أرضى بحكمهما * فاحكم فديتك بين القلب والبصر
ولنا في الحكم بينهما إجابة لهذا السائل الأديب بما هو الأمر عليه :
ذكرت يا أيها المفتون بالحور * وبالنسيب وما في الحب من سير
بين الفؤاد وبين السمع والبصر * وقائع لم تزل في سالف العصر
وطالما يبحثون الدهر عن حكم * ندب خبير بما يعطيه من أثر
فاسمع هديت صواب الحكم من حكم * عدل عليم بعين الأمر والخبر
إني لأحكم بين القلب والبصر * حكما تؤيّده أدلّة النظر
نعيم أهل الهوى وقف على النظر * والسمع واللثم والتعنيق والوطر
لا يدرك الحسن الحسنيّ طالبه * ما لم يقم شاهد من حاسد النظر
وهكذا كل ما للحسن مدركه * لا يستقل به عقل من البشر
فالقلب يحمل ما يعطيه من ألم * ومن نعيم وخير عالم الصّور
له النعيم كما أن العذاب له * والحسن آلته للنفع والضرر
وبعد أن أثبت العلم اليقين لكم * فلا تخاصم بين القلب والبصر
وإنما تلك أحوال يقول بها * أهل الهوى لم تكن نتائج الفكر
“ 292 “
ولنا في الجواب :
ليس للعين لذّة * إنما تلك في الفؤاد
إنما الحسن آلة * وبه يبلغ المراد
ما له غير ما يرى * ما له لذة الوداد
وإذا كان هكذا * لم يكونا على عناد
هكذا الحكم فيهما * عند من يطلب السداد
ولبعضهم في هذا الباب :
فو اللّه ما أدري أنفسي ألومها * على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
إذا لمت قلبي قال نفسك أذنبت * وإن لمتها قالت خذ العين بالذنب
فقلبي وطرفي قد تشاركن في دمي * فيا ربّ كن عوني على العين والقلب
وللعباس بن الأحنف :
اختصم العينان والقلب * وقالا جميعا ما لنا ذنب
فقلت نفسي ذهبت عنوة * بينكما هذا وذا لعب
فقال قلبي مقلتي أبصرت * لا ذنب لي يا أيها الصبّ
فقلت للعين سمعت الذي * يحيكه عن ناظرك القلب
فاستعبرت عند مقالي لها * وكان من خجلتها السكب
ولنا من هذا الباب :
لم هويت الهلال يا قلب قل لي * قال يا عين لم لحظت الهلالا
أنت أهديت إذ نظرت سقاما * وبلاء وشقوة وخبالا
ولخالد بن يزيد في هذا الباب :
كتب الطرف في فؤادي كتابا * فهو بالشوق والهوى مختوم
كان طرفي على فؤادي بلاء * إن طرفي على فؤادي مشوم
ولبعضهم في هذا الباب :
ويحك يا طرفي أما تستحي * حتى متى توردني حتفي
وأنت يا قلب إلى كم وكم * تتركني أدعو على طرفي
هذان قد صارا عدوّين لي * فأنت ما عذرك يا إلفي
تحلف لي أنك في كفي * وعضّ كفي منك في كفي
“ 293 “
ولابن المعتز في هذا الباب :
إن عيني قادت فؤادي إليها * عبد حبّ لا عبد رقّ لديها
فهو بين الفراق والهجر موقو * ف بحزن منها وحزن عليها
وللعباس بن الأحنف في هذا الباب :
قلبي إلى ما ضرّني داعي * يكثر إسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا * كان عدوي بين أضلاعي
وله أيضا :
أقام قيامتي نظري * فمن يعدي على بصري
تعرّض لي الهوى غرا * فشيّبني على صغري
وكان هواك لي قدرا * فكيف أفرّ من قدري
ولنا فيه :
أقول للقلب قد أوردتني سقما * فقال عيناك قادتني إلى تلفي
لو لم تر العين لم تمس حليف ضني * وإن أمت فيه ما في الحب من خلف
لذاك قسمت ما عندي على بدني * من الضنا والجوى والدمع والأسف
ومما روينا في بنيان إيليا : حدثنا غير واحد ، عن القاسم بن علي بن الحسن ، نبأ أبو القاسم السوسي ، نبأ إبراهيم بن يونس المقري ، نبأ أبو محمد عبد العزيز النصيبي ، نبأ أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد الخطيب بن الواسطي ، نبأ أبو بكر بن محمد بن أيوب بن سويد الحميري ، نبأ أبي ، نبأ إبراهيم بن أبي علية ، عن أبي الزاهرية ، عن رافع بن عمير ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « قال اللّه تعالى لداود : يا داود ، ابن لي في الأرض بيتا .
فبنى داود لنفسه بيتا قبل البيت الذي أمره به ، فأوحى اللّه عز وجل إليه : يا داود ، بنيت بيتك قبل بيتي . قال : أي رب ، هكذا قلت فيما قضيت : من ملك استأثر . ثم أخذ في بناء المسجد الذي أمر به ، فلما تمّ سور الحائط سقط ، ثم بناه ، فلما تمّ السور سقط ثلاثا . فشكى إلى اللّه عز وجل ذلك ، فأوحى اللّه تعالى إليه : إنه لا يصلح أن تبني لي بيتا .
قال : يا رب ولم ؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء . قال : إي رب ، أو لم يكن ذلك في محبتك ورضاك ؟ قال : بلى ، ولكنهم عبادي ، وأنا أرحمهم . فشقّ ذلك عليه ، فأوحى اللّه عز وجل إليه : لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان » .
فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه ، فلما تمّ قرّب القرابين ، وذبح الذبائح ، وجمع بني إسرائيل ، فأوحى اللّه تعالى إليه : قد أرى سرورك ببينان بيتي ، فسلني أعطيك .
“ 294 “
قال : أسألك ثلاث خصال : حكما يوافق حكمك ، وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمه.
قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « اثنتان قد أعطيهما ، وأنا أرجو أن يكون أعطي الثالثة » . فقال العلماء في ذلك : دعوة نبيّ ، ورجاء نبي ، نرجو قبولها إن شاء اللّه تعالى ، وما ذلك على اللّه بعزيز .
ومن باب الغربة وذكر الوطن
قال بعضهم : أرض الرجل أوضح نسبه ، وأهله أخصّ حسبه .
وقيل لأعرابي : كيف تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وانتقل كل شيء ظله ؟ قال : وهل العيش إلا ذلك ؟ يمشي أحدنا ميلا فيرفض عرقا ، ثم ينصب عصاه ، ويلقي عليه كساه ، ويجلس في فيّه ، ويكتال الريح ، فكأنه في إيوان كسرى .
وأنشد أبو النصر الأسدي :
أحبّ بلاد اللّه ما بين ضارج * إلى قفوان أن تسحّ سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي * وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
لإبراهيم بن محفوظ الرّبعي :
أحبّ الأرض تسكنها سليمى * وإن كانت بواديها الجدوب
وما عهدي بحبّ تراب أرض * ولكن من يحلّ بها حبيب
حدثنا أبو ذرّ مصعب بن محمد بن مسعود الخشني الخطيب الأديب قاضي كورة حيان بمسجد الأخضر بمدينة إشبيلية قال :
لما حملت نائلة بنت الفرافصة الكلبيّة إلى عثمان بن عفان رضي اللّه عنه كرهت فراق أهلها ، فقالت لضبّ ، أخيها :
ألست ترى باللّه يا ضبّ أنني * مرافقة نحو المدينة أركبا
أما كان في أولاد عمرو بن عامر * لك الويل ما يغني الخباء المحجّبا
أبى اللّه إلا أن أكون غريبة * بيثرب لا أمّ لديّ ولا أبا
وأنشدني ابن سكر بها بمسجد الشهداء :
ألا يا حبّذا وطني وأهلي * وصحبي حين تذكرني الصحاب
بلاد من غرانقة كرام * بهم حلي تميمتي الشباب
وما عسل ببارد ماء مزن * على ظمأ لشاربه يشاب
“ 295 “
بأشهى من تلقّيكم إلينا * فكيف لنا به ومتى الإياب
وأنشدتني خديجة بنت عبد الوهاب بن هبة اللّه الصوفي القصّار قول الأعرابية التي كان يهواها بعض خلفاء بني العباس ، فتزوّج بها ، فلم يوافقها هوى البلاد ، فلم تزل تنحل وتعتلّ وتتأوّه ، مع ما هي عليه من النعيم واللذة والأمر والنهي ، فسألها عن شأنها ، فأخبرته بما تجد من الشوق إلى البراري وأحاليب الرعاء ، وورود المياه التي تعوّدت ، فبنى لها قصرا على رأس البرّية بشاطئ الدجلة سماه المعشوق ، يقابل مدينة سامرّاء من الجانب الآخر .
وأمر بالأغنام والرعاء أن تسرح بين يديها ، وتتراءى منها ، فلم يزدها ذلك إلا اشتياقا إلى وطنها ، فمرّ بها يوما في قصرها من حيث لا تشعر بمكانه ، فسمعها تنتحب وتبكي حتى ارتفع صوتها ، وعلا شهيقها ، وكبد الخليفة يتقطع رحمة ،
فسمعها تقول :
وما ذنب أعرابيّة قذفت بها * صروف النوى من حيث لم تك ظنّت
تمنّت أحاليب الرّعاة وخيمة * بنجد فلم يقضى لهلا ما تمنّت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه * وبرد حصاه آخر الليل أنّت
لها أنّة عند العشاء وأنّة * سحيرا ولولا أنّتاها لجنّت
فخرج عليها الخليفة وقال : وقد قضى ما تمنّيت ، فالحقي بأهلك من غير طلاق ، فما مرّ عليها وقت أسرّ من ذلك ، وسرى ماء الحياة في وجهها من حينها ، فعجب الخليفة ، والتحقت بأهلها بجميع ما كان عندها في قصرها ، وكان الخليفة يهواها ، ويغشاها في أهلها إذا تصيّد .
فأخذ هذه الأبيات بعض الأدباء فقال :
وما ذنب أعرابية قذفت بها . . .
إلى آخر الأبيات .
ثم زاد :
يا عظم من شوقي إليكم وإنما * أجمجم أحشائي على ما أجنّت
خبر نبوي في مكارم الأخلاق
روينا من حديث أبي محمد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : نبأ محمد بن أبي سهل السرخسيّ ، نبأ عبد العزيز بن أحمد الحلواني ، نبأ أبو علي الحصين بن خضر النسفي ، نبأ أبو بكر محمد بن الفضل ، نبأ عبد اللّه بن محمد بن يعقوب ، نبأ عبد اللّه بن محمد الهروي ، نبأ الحسن بن علي ، نبأ جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن زياد بن
“ 296 “
أنعم ، عن مسلمة بن يسار ، عن سعيد بن المسيّب ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من تعاهد مسجدا بسراج اشتاقت إليه الجنة ، ومن صبر على المصيبات فله الجنة ، ومن فتر عن الفتنة أعتق اللّه رقبته من النار ، ومن عفا عن مظلمة عفا اللّه عنه يوم القيامة ، ومن كان سمحا في التقاضي فتحت له أبواب الجنة ، فيدخل من أي أبوابها شاء بغير حساب » .
ومن الحسان في فضل رمضان
روينا من حديث عبد العزيز أيضا ، نبأ أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد الخشني ببخارى ، نبأ أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد السعدي ، نبأ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الحضرمي ، نبأ أبو حفص أحمد بن محمد العجلي ، نبأ عبد اللّه بن عبد اللّه ، نبأ أحمد بن نصر العتكي ، نبأ أبي ، نبأ عباد بن كثير ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « إن أبواب السماء تفتح أول ليلة من رمضان ، فلا تغلق إلى آخر ليلة . فليس عبد يصلي في ليلة إلا كتب اللّه له بكل سجدة ألفا وخمسمائة حسنة ، وبني له بيتا في الجنة من ياقوتة حمراء ، له سبعة آلاف باب من ذهب ، لكل باب منها قصر من ذهب موشّح بياقوتة حمراء .
فإذا صام أول ليلة من رمضان كان كفّارة إلى مثله من الحول ، وكان له بكل يوم يصومه ألف قصر موشح بياقوتة حمراء ، ويستغفر له سبعون ألف ملك من غدوه إلى تواري الحجاب ، وكان له بكل سجدة يسجدها من ليل أو نهار شجرة يسير في ظلها الراكب مائة عام » .
ومن أحسن الحكم
من صبر على طول الأذى دلّ على صدق التقى . من رفع حاجته إلى اللّه جلّ جلاله استظهر في أمره ، ومن رفعها إلى غيره وضع من قدره .
من آمن بالآخرة لم يحرص على الدنيا . من أيقن بالمجازاة لم يؤثر على الحسنى . من ذكر المنيّة نسي الأمنيّة . من استعان باللّه استغنى عن عباده ، ومن وثق به استظهر لمعاشه ومعاده .
أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه ، ولم تزل الشبهة يقينه . خير الناس من أخرج الحرص عن قلبه ، وعصى هواه في طاعة ربه . المعاونة في الحق ديانة ، والمعاونة في الباطل خيانة .
نصرة الحق شرف ، ونصرة الباطل سرف . أفضل الناس من كان بعيبه بصيرا ، وعن غيب غيره ضريرا .
أبصر الناس من أحاط بذنوبه ، ووقف على عيوبه . الدين سور ، واليقين نور . السعيد من خاف
“ 297 “
العقاب فأمن ، وطلب الثواب فأحسن . الرشيد من أخلص الطاعة ، والغني من آثر القناعة .
ولنا :
ما العزّ إلا لربّ الناس والرسل * والمؤمنين ولكن عالم جهلوا
كما القناعة مال الحرّ يخزنه * بقلبه فلهذا ليس يبتذل
وقلنا : خير الأمور ما يسرّك في يوميك ، وأسعدك في داريك . الثقة باللّه أقوى أمل ، والتوكل على اللّه أزكى عمل .
كلمات نافعة لخيرات جامعة
روينا من حديث ابن ثابت قال : أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلّد البزّار ، نبأ جعفر بن محمد بن نصر ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق ، نبأ محمد بن الحسين ، نبأ إسماعيل بن الترجمان : سمعت أبا جعفر المحولي ، وكان جمع بين العلم والعبادة ، قال :
حرام على قلب محبّ الدنيا أن يسكنه الورع الخفي . وأقول : أنا ولا واللّه الورع الجليّ . وحرام على نفس غلبها زبانية الناس أن تذوق حلاوة الآخرة ، وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتّقون إماما .
وروينا من حديثه في باب وَاتَّقُوا اللَّهَ * و يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ :
قال أبو الحسن أحمد بن الحسين : قال سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن عطاء الروذبادي يقول : العلم موقوف على العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص للّه يورث الفهم « عن اللّه عز وجل » .
حديث حسن مرويّ عن الحسن
روينا من حديث ابن ثابت قال : نبأ إبراهيم بن مخلد بن جعفر القاضي ، نبأ محمد بن أحمد بن إبراهيم الحلبي ، نبأ محمد بن يونس ، نبأ مكي بن قمير العجلي ، نبأ جعفر بن سليمان ، عن سعيد بن طريف ، عن الأصبع بن نباتة ، قال :
دخلنا مع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على الحسن نعوده ، فقال له علي : كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه ؟
فقال : أصبحت بحمد اللّه بارئا . قال : كذلك أنت إن شاء اللّه .
ثم قال الحسن : أسندوني ، فأسنده علي إلى صدره . فقال الحسن : سمعت جدي صلى اللّه عليه وسلم وقال لي يوما :
“ 298 “
« يا بنيّ ، عليك بالقناعة تكن من أغنى الناس ، وأدّ الفرائض تكن من أعبد الناس ، . يا بنيّ ، إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى ، توقى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صبا » . وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ .
ومما قيل في إفراط المحبة :
بلغ الهوى من قلبي المجهودا * والحب أخلقني وكنت جديدا
يا عاذلي لو ذقت من ألم الهوى * لوجدته صعبا عليك شديدا
كما قال الآخر :
ما للهوى أخذ الهوى بدمي * تحكم الحب في روحي وفي بدني
ما حل للحب أن الحب أعدمني * صبري وحرم أجفاني على الوسن
قال مجنون بني عامر :
وشغلت عن فهم الحديث سوى * ما كان منك وحبكم شغلي
وأديم لحظ محدثي ليرى * أن قد فهمت وعندكم عقلي
وكما قال الضحّاك :
يقولون مجنون بسمراء مولع * ألا حبذا جنّ بها وولوع
وكيف أطيع العاذلات وحبها * يؤرّقني والعاذلات هجوع
وإني لأخفي حبّ سمراء منهم * ويعلم قلبي أنه سيشيع
وكما قال أحمد بن طاهر :
جنون الهوى فوق الجنون ولا يرى * هوى عاقل إلا كآخر جاهل
يزين للمعشوق ما هو فاعل * ويغوي إذا ما لجّ في العذل عاذل
وكما قال الآخر :
محب بكت عيناه من حب قاتل * فيا قاتلا يبكي عليه قتيل
خليلي جفاني كان روحي لروحه * خليلا وهل يجفو الخليل خليل
وكما قال الآخر :
ونفس كان الهوى مولع * بها ليس بقصد إلا لها
أعللها بالمنى تارة * وطورا أصانع عذّالها
ولنا في النظاميات :
“ 299 “
أغيب فيفنى الشوق نفسي فألتقي * فلا أشتفي فالشوق غيبا ومحضرا
ويحدث لي لقياه ما لم أظنه * مكان الشفا داء من الوجد آخرا
لأني أرى شخصا يزيد جماله * إذا ما التقينا نصرة وتكبّرا
فلا بدّ من وجد يكون مقارنا * لما زاد من حسن نظاما محرّرا
خبر الرجفة التي كانت ببيت المقدس
روينا من حديث ابن الواسطي قال : نبأ عمر قال : نبأ أبي قال : نبأ الوليد بن حماد الرملي قال : نبأ أبو عمير عيسى بن محمد قال : نبأ ضمرة ، عن رستم فارسي ، قال الرملي : وثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن منصور بن ثابت قال : نبأ أبي ، عن أبيه ، عن جدّه :
إن أبا عثمان الأنصاري كان يحيي الليل بعد انصرافه من القيام في رمضان على البلاطة السوداء . قال : فبينما هو قائم في الصلاة إذ سمع صوت الهزة في المدينة ، وصراخ الناس واستغاثتهم .
وكانت ليلة قارّة مظلمة كثيرة الأمطار والرياح . قال : فسمعت قائلا يقول : أسمع صوته ولا أرى شخصه ، ارفعوها رويدا بسم اللّه ، فقلعت القبة حتى تبدّى لنا بياض السماء وأصاب وجهه رش المطر ، حتى أذّن رستم السادن الفارسي ، فسمع قائلا يقول : ردّوها رويدا بسم اللّه ، سوّوها عدّلوها ، سوّوها عدّلوها ، فردّت القبة على حكاية ما كانت . فقال لرستم لما فتح الباب عليه : اذهب فجئني بخبر أهلي حتى أنبئك بعجيب . فأخبره بخبر أهله أن قد أصيب قوم وسلم قوم ، فأخبرني ، فقال له :
سمع قائلا يقول : ارفعوها رويدا بسم اللّه ، قلعة القبة قلعا ، حتى بدا لنا بياض السماء ، أصاب وجهي رشّ المطر حتى أذّنت ، فلما أذّنت سمعت قائلا يقول حين أذّنت :
رويدا بسم اللّه ، سوّوها عدّلوها ، حتى أعيدت على حالها .
ومن باب من آثر محبة اللّه تعالى
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن الحسين ، نبأ عبد الملك بن قريب الأصمعي الباهلي ، قال : أصيبت امرأة من الأعراب بابن لها ، فأكمنت الصبر والعزاء عليه ، فقيل لها : ما رأيناك جزعت على ابنك هذا ؟ قالت : بلى ، ولكن آثرت رضا اللّه تعالى وطاعته على محبة الشيطان .
“ 300 “
من حكم وهب بن منبّه
ما رويناه من حديث الخرائطي ، قال : نبأ علي بن الحسين النخغي قال : مكتوب في حكمة وهب بن منبّه : المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والذنوب لا تنسى ، والديّان حيّ لا يموت .
ثم قال منشدا علي بن الحسين لأبي العتاهية :
نموت وننسى غير أن ذنوبنا * وإن نحن متنا لا تموت ولا تنسى
ألا ربّ ذي عينين لا تنفعانه * وهل تنفع العينان من قلبه أعمى
ومن فصيح كلام العرب في هذا الباب
رويناه من حديثه ، قال : نبأ إسماعيل بن أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي ، قال : نبأ أبي ، عن الأصمعي ، قال : سمعت أعرابيا يقول : ما بقاء عمر تقطعه الساعات ، وسلامة بدن معرّض للآفات . ولقد عجبت للمؤمن كيف يكره الموت وهو سبيله إلى الثواب . ولا أرى أحدا منّا إلا سيدركه الموت ، وهو عنه آبق .
قال : وأنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القطوي لأبيه :
يأمل المرء أبعد الآمال * وهو رهن لأقرب الآجال
لو رأى المرء رأي عينيه يوما * كيف صول الآجال بالآمال
لتناهى وقصّر الخطو في الله * وو لم يغترر بدار الزّوال
قال الحسن بن الحسن البصري : ما أطال أحد الأمل إلا ساء العمل . رويناه من حديث الحميدي ، عن الحسن بن محمد بن إبراهيم الحناي ، عن محمد بن أبي الحديد ، عن أبي بكر محمد بن جعفر ، عن إبراهيم بن الجنيد ، عن بشر بن آدم ، عن الفضل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن . ا ه .
روينا من حديث الواسطي ، نبأ عيسى ، نبأ علي ، نبأ محمد بن إبراهيم ، نبأ محمد بن النعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، نبأ أبو عبد الملك الجزري ، قال : إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط كان الشام في رخاء وعافية ، وإذا كان الشام في بلاء وقحط كانت فلسطين في رخاء وعافية ، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كان بيت المقدس في رخاء وعافية .
وقال : الشام مباركة ، وفلسطين مقدسة ، وبيت المقدس قدس القدس .
ولقد روي عن يزيد الرقاشي أنه قال : من أراد أن يشرب ماء في جوف الليل فليقل :
“ 301 “
يا ماء ، ماء بيت المقدس يقرئك السلام ، فإنه أمان بإذن اللّه تعالى . حدثني بذلك غير واحد ، عن قاسم بن علي الشافعي ، عن أبي القاسم السوسي ، عن أبي بكر ، عن إبراهيم بن يونس ، عن أبي محمد محمد بن عبد العزيز النصيبيّ ، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن الخطيب ، عن أبي عبد اللّه ، عن ابن جعفر ، عن محمد بن إبراهيم ، عن ابن النعمان ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن عبد اللّه بن ضرلة وأبي عبد الملك ، كلاهما عن يزيد الرقاشي .
وبه إلى إبراهيم قال : نبأ محمد بن سليمان بن الحويشي ، عن بكر بن جنيش قال :
كان سليمان بن داود إذا دخل بيت المقدس ، يعني المسجد ، وهو ملك الأرض ، يقلب بصره ، يطلب مجالس المساكين من العمي والخرس والجذمى ، فيدع مجالس الناس وينطلق ، فيجلس في جملة المساكين تواضعا ، لا يرفع طرفه إلى السماء . ثم يقول : إذا سئل عن ذلك مسكين جلس إلى المساكين .
روينا من حديث الرملي قال : نبأ محمد بن نعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الملك ، عن غالب عن عبد اللّه بن الأعرج ، عن كعب قال :
لا تقوم الساعة حتى يزول البيت الحرام ، وبيت المقدس ، فينقادان إلى الجنة جميعا ، وفيهما أهلوهما ، والعرض والحساب ببيت المقدس .
موعظة
روينا من حديث محمد الحميدي قال : نبأ محمد بن إبراهيم ، نبأ ابن أبي الحديد ، عن أبي بكر بن جعفر قال : نبأ عمر بن شيبة قال :
قال عبد الملك بن قريب الأصمعي : ولي أعرابي ناحية من نواحي البصرة ، فكان يخطب بهم يوم الجمعة ، فقام يوما ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
أيها الناس ، إنه في سنن من كان قبلكم لعظة ، وما أخطأ القائل حيث قال :
أين الملوك التي عن خطبها غفلت * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها
والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت * أن السلامة منها ترك ما فيها
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن يحيى بن عبد
“ 302 “
الكريم ، نبأ جعفر بن أبي جعفر السراري ، حدثني أبو جعفر محمد بن قدامة قال :
بلغنا أنه كان بالبصرة امرأة ، وكان إذا جنّها الليل ونامت كل ذي عين ، تخرّ ساجدة ، وتنادي في سجودها : أما لك يا مولاي عذاب تعذّبني به إلا النار ؟ ولا تزيد عليه حتى تصبح .
وبه قال : بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام مرّ بأربعمائة ألف امرأة متغيّرات الألوان ، وعليهن مدارج الشعر والصوف ، فقال عيسى عليه السلام :
ما الذي غيّر ألوانكن معاشر النسوة ؟ قلن : ذكر النار غيّر ألواننا يا ابن مريم ، إن من دخل النار لا يذوق بردا ولا شرابا .
ومما قيل في الوطن : ميلك إلى موضع مولدك من كريم مجدك ، إذا كانت الطير تحنّ إلى أوكارها ، فالإنسان أولى بالحنين إلى أوطانه .
قالت الفرس : تربة الصبي تغرس في القلب رقة وحلاوة .
قيل لبعض العرب : ما الغبطة ؟ قال : الكفاية مع لزوم الأوطان ، والجلوس مع الإخوان .
قيل له : فما اللذة ؟ قال : التنقّل في البلدان ، والتنحّي عن الأوطان ، ثم أنشد :
طلب المعاش مفرّق * بين الأحبّة والوطن
ومصيّر جلد الرجا * ل إلى الضراعة والوهن
حتى يقاد كما يقا * د النضو في ثني الرسن
ثم المنيّة تأته * فكأنه ما لم يكن
ومن أحسن ما قيل في الآيات وحب الأوطان من الشعر :
وباشرتها فاستعجلت عن قناعها * وقد تستخفّ الطامعين المباشر
وخبّرها الروّاد أن ليس بينها * وأين قرى نجران والدرب ساتر
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى * كما قرّ عينا بالإياب المسافر
قيل لأعرابي : ما السرور ؟ قال : أوبة بغير خيبة ، وألفة بغير غبّة .
وقيل لآخر : ما السرور ؟ قال : غيبة تفيد غنى ، وأوبة تعطيك منى .
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب * به أهل ميّ هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما * هوى كل نفس أين حلّ حبيبها
“ 303 “
وقيل في الغربة :
وأنزلني طول النوى أرض غربة * إذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله
فحامقته حتى يقال شجيّة * ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
ولو كنت في أهلي وجلّ عشيرتي * للاقيت فيهم أخرقا لا أواصله
ومما قال : من نفي هواه ومنع حماه :
ومستخفيات ليس يخفين دوننا * ويسحبن أذيال الصبا لذوي الشكل
مريضات رجع القول يله عن الخنا * تألّفن أهواء الرجال بلا بدل
جمعن الهوى حتى إذا ما ملكنه * نزعن وقد أكثرن فينا من القتل
قوله : مريضات ، رجع القول .
قوله تعالى : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وهو غير المتّقي .
ومن هذا الباب قول الآخر :
لا والذي تسجد الجباه له * ما لي إلى تحت ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت به * ما كان إلا الحديث والنظر
قال النابغة :
زعم الهمام بأن فاها بارد * عذب مقبّله شهيّ المورد
زعم الهمام ولم أذقه إنه * يشفي بريا ريقها العطش الصدى
ومن هذا الباب قول ابن المعتز :
قد كان يكفيك ما بالجسم من سقم * لم زدتني سهرا لأمسّك السهر
عيني مورقة والجسم مختبل * والقلب بينهما تخلو به الفكر
يا مانعي لذة الدنيا بما رحبت * إني ليقنعني من وجهك النظر
ومن هذا الباب لأبي فراس :
الحبّ آمره والصون زاجره * والصبر أول ما يأتي وآخره
إن الفتى إن صبا أو شفّه غزل * فللعفاف وللتقوى مأزره
وأشرف الناس أهل الحبّ منزلة * وأشرف الحب ما عفّت سرائره
ومن هذا الباب لجميل بن معمر العذري :
وكان التفرّق عند الصبا * ح عن مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريبة * ولم يستحقا إلى منكر
“ 304 “
ومن التنبيهات
ما رويناه من حديث عبد العزيز قال : قال أبو ثابت عاصم بن الحسن ، انا محمد بن أحمد ، نبأ أحمد بن محمد المقري ، عن أحمد بن محمد العبدي ، عن أبي حكيم شداد بن سعيد ، عن مزاحم بن سعيد ، عن حباب بن إبراهيم ، عن محمد بن حرب الأبرش ، عن سعيد بن سنان ، عن أبي الزاهرية ، عن جرير بن نعيم قال : خمس خصال قبيحة في أصناف من الناس :
الحرص في القرّاء ، والحسد في السلاطين ، والبخل في الأغنياء ، والفترة في الشيوخ ، وقلة الحياء في ذوي الأحساب .
ومما قيل في الاعتذار عن البخل : قال علي بن الجهم :
أعاذل ليس البخل مني شجية * ولكن رأيت الفقر شرّ سبيل
يموت الفتى خير من الفقر للفتى * وللموت خير من سؤال بخيل
ومما قيل في البخل :
أراك تؤمل حسن الثنا * ولم يرزق اللّه ذاك البخيلا
فكيف يسود أخي بطنة * يمن كثيرا ويعطي قليلا
وقال علي بن الجهم :
لعمرك ما الناس أثنوا عليك * ولا قرضوك ولا عظموا
ولا سابقوك على ما بلغت * من الصالحات ولا قدموا
ولو وجدوا لهم مطعنا * إلى أن يعيبوك ما أحجموا
ولكن صبرت لما ألزموك * وجدت بما لم تكن تلزم
وكان قراك إذا ما لقوك * لسانا بما سرّهم ينعم
وخفض الجناح ووشك النجاح * وتصغير ما أعظم المنعم
وأنت بفضلك ألجأتهم * إلى آن تعالوا بآن يكرموا
ومن أزاهر الحكم
شكر الإله بطول الثناء ، وشكر الموالاة بصدق الولاء ، وشكر النظير بحسن الجزاء ، وشكر من دونك بسبب العطاء . من أدام الشكر استدام البر . أحلى النوال ما وصل قبل السؤال . خير المبارّ ما أسديته إلى الأبرار . أولى الناس بالنوال أزهدهم في السؤال . من
الجزء 20
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 290 “
الأحنف بن قيس
من ظلم نفسه كان لغيره أظلم ، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم .
ابن المقنع
خير الأدب ما حصل لك ثمره ، وظهر عليك أثره . من تعزز باللّه لم يذلّه سلطانه ، ومن توكّل عليه لم يضرّه إنسان . ليكن من حقك إلى الحق ، ومنزعك إلى الصدق ، فالحق أقوى معين ، والصدق أفضل قرين .
من لم يرحم منعه اللّه من رحمته ، ومن استطال بسلطانه سلبه اللّه قدرته . إن العدل ميزان اللّه وضعه للحق ، ونصبه للخلق ، فلا تخالفه في ميزانه ، ولا تعارضه في سلطانه ، واستعن على العدل بخلّتين :
قلّة الطمع ، وشدّة الورع . من طال كلامه شتم ، ومن قلّ احترامه شتم . باطل ما يقوم حق ، وكذوب ما لا ينتصف منه صدق . لا تحاجّ من يذهلك خوفه ، ويملكك سيفه ، فربّ حجة تأتي على مهجة ، وفرصة تؤدي إلى غصّة . وإياك واللجاج فإنه يوعر القلوب ، وينتج الحروب .
عيّ تسلم به خير من نطق تندم عليه ، فاقتصر من الكلام ما يقيم حجتك ، ويبلغك حاجتك ، وإياك وفضوله فإنها تزلّ القدم ، وتورث الندم ، عيّ يزري بك خير من براعة تأتي عليك .
ومن باب التذكير والنصائح
ما رويناه من حديث ابن ثابت قال : انا محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق اللّه البابي ، وأبو الحسن بن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال : نبأ جعفر بن محمد الخلدي ، نبأ إبراهيم بن نصر ، نبأ إبراهيم بن بشار قال : قلت لإبراهيم بن أدهم : أمرّ اليوم أعمل في الطين ، فقال : يا ابن بشار ، إنك طالب ومطلوب ، يطلبك من لا تفوته ، وتطلب من قد كفيته ، كأنك بما غاب عنك قد كشفت لك ، وبما أنت فيه قد نقلت عنه . يا ابن بشار ، كأنك لم تر حريصا محروما ، ولا ذا فاقة مرزوقا . ثم قال لي : ما لك حيلة ؟ قلت :
لي عند البقال دانق عن عملي ، قال : تملك دانقا وتطلب العمل ؟
ومن باب ما وجد منقوشا على الأحجار
ما رويناه من حديث ابن ثابت ، عن البزاز محمد بن الفرج قال : نبأ جعفر الخلدي ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق ، نبأ أبو محمد الأنصاري قال :
“ 291 “
قرأت على حجر ببيت المقدس : رأس الغنى القنوع ، ورأس الفقر الخضوع . وقرأت على حجر بدمشق : كلّم من شئت فأنت نظيره ، واستغن عمّن شئت فأنت أميره ، واخضع لمن شئت فأنت أسيره . قال : وقرأت على حجر عند جبّ : كل من أحوجك الدهر إليه فتعرّضت له هنت عليه . قال ابن ثابت : وأخبرني محمد بن الفرج ، عن جعفر الخلدي قال :
أنشدني أحمد بن مسروق شعرا :
إن كنت توقن أن ربّك رازق * وسألت مخلوقا فلست بموقن
أو كنت في شكّ من الرزق الذي * كفل الإله به فلست بمؤمن
ومن باب النسيب
ما قاله خالد بن يزيد فيما يقع بين العين والفؤاد من العناد :
القلب يحسد عيني لذّة النظر * والعين تحسد قلبي لذة الفكر
يقول قلبي لعيني كلما نظرت * كم تنظرين رماك اللّه بالسهر
العين تورثه هما فتشغله * والقلب بالدمع ينهاها عن النظر
هذان خصمان لا أرضى بحكمهما * فاحكم فديتك بين القلب والبصر
ولنا في الحكم بينهما إجابة لهذا السائل الأديب بما هو الأمر عليه :
ذكرت يا أيها المفتون بالحور * وبالنسيب وما في الحب من سير
بين الفؤاد وبين السمع والبصر * وقائع لم تزل في سالف العصر
وطالما يبحثون الدهر عن حكم * ندب خبير بما يعطيه من أثر
فاسمع هديت صواب الحكم من حكم * عدل عليم بعين الأمر والخبر
إني لأحكم بين القلب والبصر * حكما تؤيّده أدلّة النظر
نعيم أهل الهوى وقف على النظر * والسمع واللثم والتعنيق والوطر
لا يدرك الحسن الحسنيّ طالبه * ما لم يقم شاهد من حاسد النظر
وهكذا كل ما للحسن مدركه * لا يستقل به عقل من البشر
فالقلب يحمل ما يعطيه من ألم * ومن نعيم وخير عالم الصّور
له النعيم كما أن العذاب له * والحسن آلته للنفع والضرر
وبعد أن أثبت العلم اليقين لكم * فلا تخاصم بين القلب والبصر
وإنما تلك أحوال يقول بها * أهل الهوى لم تكن نتائج الفكر
“ 292 “
ولنا في الجواب :
ليس للعين لذّة * إنما تلك في الفؤاد
إنما الحسن آلة * وبه يبلغ المراد
ما له غير ما يرى * ما له لذة الوداد
وإذا كان هكذا * لم يكونا على عناد
هكذا الحكم فيهما * عند من يطلب السداد
ولبعضهم في هذا الباب :
فو اللّه ما أدري أنفسي ألومها * على الحب أم عيني المشومة أم قلبي
إذا لمت قلبي قال نفسك أذنبت * وإن لمتها قالت خذ العين بالذنب
فقلبي وطرفي قد تشاركن في دمي * فيا ربّ كن عوني على العين والقلب
وللعباس بن الأحنف :
اختصم العينان والقلب * وقالا جميعا ما لنا ذنب
فقلت نفسي ذهبت عنوة * بينكما هذا وذا لعب
فقال قلبي مقلتي أبصرت * لا ذنب لي يا أيها الصبّ
فقلت للعين سمعت الذي * يحيكه عن ناظرك القلب
فاستعبرت عند مقالي لها * وكان من خجلتها السكب
ولنا من هذا الباب :
لم هويت الهلال يا قلب قل لي * قال يا عين لم لحظت الهلالا
أنت أهديت إذ نظرت سقاما * وبلاء وشقوة وخبالا
ولخالد بن يزيد في هذا الباب :
كتب الطرف في فؤادي كتابا * فهو بالشوق والهوى مختوم
كان طرفي على فؤادي بلاء * إن طرفي على فؤادي مشوم
ولبعضهم في هذا الباب :
ويحك يا طرفي أما تستحي * حتى متى توردني حتفي
وأنت يا قلب إلى كم وكم * تتركني أدعو على طرفي
هذان قد صارا عدوّين لي * فأنت ما عذرك يا إلفي
تحلف لي أنك في كفي * وعضّ كفي منك في كفي
“ 293 “
ولابن المعتز في هذا الباب :
إن عيني قادت فؤادي إليها * عبد حبّ لا عبد رقّ لديها
فهو بين الفراق والهجر موقو * ف بحزن منها وحزن عليها
وللعباس بن الأحنف في هذا الباب :
قلبي إلى ما ضرّني داعي * يكثر إسقامي وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا * كان عدوي بين أضلاعي
وله أيضا :
أقام قيامتي نظري * فمن يعدي على بصري
تعرّض لي الهوى غرا * فشيّبني على صغري
وكان هواك لي قدرا * فكيف أفرّ من قدري
ولنا فيه :
أقول للقلب قد أوردتني سقما * فقال عيناك قادتني إلى تلفي
لو لم تر العين لم تمس حليف ضني * وإن أمت فيه ما في الحب من خلف
لذاك قسمت ما عندي على بدني * من الضنا والجوى والدمع والأسف
ومما روينا في بنيان إيليا : حدثنا غير واحد ، عن القاسم بن علي بن الحسن ، نبأ أبو القاسم السوسي ، نبأ إبراهيم بن يونس المقري ، نبأ أبو محمد عبد العزيز النصيبي ، نبأ أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد الخطيب بن الواسطي ، نبأ أبو بكر بن محمد بن أيوب بن سويد الحميري ، نبأ أبي ، نبأ إبراهيم بن أبي علية ، عن أبي الزاهرية ، عن رافع بن عمير ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « قال اللّه تعالى لداود : يا داود ، ابن لي في الأرض بيتا .
فبنى داود لنفسه بيتا قبل البيت الذي أمره به ، فأوحى اللّه عز وجل إليه : يا داود ، بنيت بيتك قبل بيتي . قال : أي رب ، هكذا قلت فيما قضيت : من ملك استأثر . ثم أخذ في بناء المسجد الذي أمر به ، فلما تمّ سور الحائط سقط ، ثم بناه ، فلما تمّ السور سقط ثلاثا . فشكى إلى اللّه عز وجل ذلك ، فأوحى اللّه تعالى إليه : إنه لا يصلح أن تبني لي بيتا .
قال : يا رب ولم ؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء . قال : إي رب ، أو لم يكن ذلك في محبتك ورضاك ؟ قال : بلى ، ولكنهم عبادي ، وأنا أرحمهم . فشقّ ذلك عليه ، فأوحى اللّه عز وجل إليه : لا تحزن فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان » .
فلما مات داود أخذ سليمان في بنائه ، فلما تمّ قرّب القرابين ، وذبح الذبائح ، وجمع بني إسرائيل ، فأوحى اللّه تعالى إليه : قد أرى سرورك ببينان بيتي ، فسلني أعطيك .
“ 294 “
قال : أسألك ثلاث خصال : حكما يوافق حكمك ، وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كهيئته يوم ولدته أمه.
قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « اثنتان قد أعطيهما ، وأنا أرجو أن يكون أعطي الثالثة » . فقال العلماء في ذلك : دعوة نبيّ ، ورجاء نبي ، نرجو قبولها إن شاء اللّه تعالى ، وما ذلك على اللّه بعزيز .
ومن باب الغربة وذكر الوطن
قال بعضهم : أرض الرجل أوضح نسبه ، وأهله أخصّ حسبه .
وقيل لأعرابي : كيف تصنع بالبادية إذا اشتد القيظ وانتقل كل شيء ظله ؟ قال : وهل العيش إلا ذلك ؟ يمشي أحدنا ميلا فيرفض عرقا ، ثم ينصب عصاه ، ويلقي عليه كساه ، ويجلس في فيّه ، ويكتال الريح ، فكأنه في إيوان كسرى .
وأنشد أبو النصر الأسدي :
أحبّ بلاد اللّه ما بين ضارج * إلى قفوان أن تسحّ سحابها
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي * وأوّل أرض مسّ جلدي ترابها
لإبراهيم بن محفوظ الرّبعي :
أحبّ الأرض تسكنها سليمى * وإن كانت بواديها الجدوب
وما عهدي بحبّ تراب أرض * ولكن من يحلّ بها حبيب
حدثنا أبو ذرّ مصعب بن محمد بن مسعود الخشني الخطيب الأديب قاضي كورة حيان بمسجد الأخضر بمدينة إشبيلية قال :
لما حملت نائلة بنت الفرافصة الكلبيّة إلى عثمان بن عفان رضي اللّه عنه كرهت فراق أهلها ، فقالت لضبّ ، أخيها :
ألست ترى باللّه يا ضبّ أنني * مرافقة نحو المدينة أركبا
أما كان في أولاد عمرو بن عامر * لك الويل ما يغني الخباء المحجّبا
أبى اللّه إلا أن أكون غريبة * بيثرب لا أمّ لديّ ولا أبا
وأنشدني ابن سكر بها بمسجد الشهداء :
ألا يا حبّذا وطني وأهلي * وصحبي حين تذكرني الصحاب
بلاد من غرانقة كرام * بهم حلي تميمتي الشباب
وما عسل ببارد ماء مزن * على ظمأ لشاربه يشاب
“ 295 “
بأشهى من تلقّيكم إلينا * فكيف لنا به ومتى الإياب
وأنشدتني خديجة بنت عبد الوهاب بن هبة اللّه الصوفي القصّار قول الأعرابية التي كان يهواها بعض خلفاء بني العباس ، فتزوّج بها ، فلم يوافقها هوى البلاد ، فلم تزل تنحل وتعتلّ وتتأوّه ، مع ما هي عليه من النعيم واللذة والأمر والنهي ، فسألها عن شأنها ، فأخبرته بما تجد من الشوق إلى البراري وأحاليب الرعاء ، وورود المياه التي تعوّدت ، فبنى لها قصرا على رأس البرّية بشاطئ الدجلة سماه المعشوق ، يقابل مدينة سامرّاء من الجانب الآخر .
وأمر بالأغنام والرعاء أن تسرح بين يديها ، وتتراءى منها ، فلم يزدها ذلك إلا اشتياقا إلى وطنها ، فمرّ بها يوما في قصرها من حيث لا تشعر بمكانه ، فسمعها تنتحب وتبكي حتى ارتفع صوتها ، وعلا شهيقها ، وكبد الخليفة يتقطع رحمة ،
فسمعها تقول :
وما ذنب أعرابيّة قذفت بها * صروف النوى من حيث لم تك ظنّت
تمنّت أحاليب الرّعاة وخيمة * بنجد فلم يقضى لهلا ما تمنّت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه * وبرد حصاه آخر الليل أنّت
لها أنّة عند العشاء وأنّة * سحيرا ولولا أنّتاها لجنّت
فخرج عليها الخليفة وقال : وقد قضى ما تمنّيت ، فالحقي بأهلك من غير طلاق ، فما مرّ عليها وقت أسرّ من ذلك ، وسرى ماء الحياة في وجهها من حينها ، فعجب الخليفة ، والتحقت بأهلها بجميع ما كان عندها في قصرها ، وكان الخليفة يهواها ، ويغشاها في أهلها إذا تصيّد .
فأخذ هذه الأبيات بعض الأدباء فقال :
وما ذنب أعرابية قذفت بها . . .
إلى آخر الأبيات .
ثم زاد :
يا عظم من شوقي إليكم وإنما * أجمجم أحشائي على ما أجنّت
خبر نبوي في مكارم الأخلاق
روينا من حديث أبي محمد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : نبأ محمد بن أبي سهل السرخسيّ ، نبأ عبد العزيز بن أحمد الحلواني ، نبأ أبو علي الحصين بن خضر النسفي ، نبأ أبو بكر محمد بن الفضل ، نبأ عبد اللّه بن محمد بن يعقوب ، نبأ عبد اللّه بن محمد الهروي ، نبأ الحسن بن علي ، نبأ جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن زياد بن
“ 296 “
أنعم ، عن مسلمة بن يسار ، عن سعيد بن المسيّب ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من تعاهد مسجدا بسراج اشتاقت إليه الجنة ، ومن صبر على المصيبات فله الجنة ، ومن فتر عن الفتنة أعتق اللّه رقبته من النار ، ومن عفا عن مظلمة عفا اللّه عنه يوم القيامة ، ومن كان سمحا في التقاضي فتحت له أبواب الجنة ، فيدخل من أي أبوابها شاء بغير حساب » .
ومن الحسان في فضل رمضان
روينا من حديث عبد العزيز أيضا ، نبأ أبو إبراهيم إسماعيل بن محمد الخشني ببخارى ، نبأ أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد السعدي ، نبأ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الحضرمي ، نبأ أبو حفص أحمد بن محمد العجلي ، نبأ عبد اللّه بن عبد اللّه ، نبأ أحمد بن نصر العتكي ، نبأ أبي ، نبأ عباد بن كثير ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « إن أبواب السماء تفتح أول ليلة من رمضان ، فلا تغلق إلى آخر ليلة . فليس عبد يصلي في ليلة إلا كتب اللّه له بكل سجدة ألفا وخمسمائة حسنة ، وبني له بيتا في الجنة من ياقوتة حمراء ، له سبعة آلاف باب من ذهب ، لكل باب منها قصر من ذهب موشّح بياقوتة حمراء .
فإذا صام أول ليلة من رمضان كان كفّارة إلى مثله من الحول ، وكان له بكل يوم يصومه ألف قصر موشح بياقوتة حمراء ، ويستغفر له سبعون ألف ملك من غدوه إلى تواري الحجاب ، وكان له بكل سجدة يسجدها من ليل أو نهار شجرة يسير في ظلها الراكب مائة عام » .
ومن أحسن الحكم
من صبر على طول الأذى دلّ على صدق التقى . من رفع حاجته إلى اللّه جلّ جلاله استظهر في أمره ، ومن رفعها إلى غيره وضع من قدره .
من آمن بالآخرة لم يحرص على الدنيا . من أيقن بالمجازاة لم يؤثر على الحسنى . من ذكر المنيّة نسي الأمنيّة . من استعان باللّه استغنى عن عباده ، ومن وثق به استظهر لمعاشه ومعاده .
أفضل الناس من لم تفسد الشهوة دينه ، ولم تزل الشبهة يقينه . خير الناس من أخرج الحرص عن قلبه ، وعصى هواه في طاعة ربه . المعاونة في الحق ديانة ، والمعاونة في الباطل خيانة .
نصرة الحق شرف ، ونصرة الباطل سرف . أفضل الناس من كان بعيبه بصيرا ، وعن غيب غيره ضريرا .
أبصر الناس من أحاط بذنوبه ، ووقف على عيوبه . الدين سور ، واليقين نور . السعيد من خاف
“ 297 “
العقاب فأمن ، وطلب الثواب فأحسن . الرشيد من أخلص الطاعة ، والغني من آثر القناعة .
ولنا :
ما العزّ إلا لربّ الناس والرسل * والمؤمنين ولكن عالم جهلوا
كما القناعة مال الحرّ يخزنه * بقلبه فلهذا ليس يبتذل
وقلنا : خير الأمور ما يسرّك في يوميك ، وأسعدك في داريك . الثقة باللّه أقوى أمل ، والتوكل على اللّه أزكى عمل .
كلمات نافعة لخيرات جامعة
روينا من حديث ابن ثابت قال : أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلّد البزّار ، نبأ جعفر بن محمد بن نصر ، نبأ أحمد بن محمد بن مسروق ، نبأ محمد بن الحسين ، نبأ إسماعيل بن الترجمان : سمعت أبا جعفر المحولي ، وكان جمع بين العلم والعبادة ، قال :
حرام على قلب محبّ الدنيا أن يسكنه الورع الخفي . وأقول : أنا ولا واللّه الورع الجليّ . وحرام على نفس غلبها زبانية الناس أن تذوق حلاوة الآخرة ، وحرام على كل عالم لم يعمل بعلمه أن يتخذه المتّقون إماما .
وروينا من حديثه في باب وَاتَّقُوا اللَّهَ * و يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ :
قال أبو الحسن أحمد بن الحسين : قال سمعت أبا عبد اللّه أحمد بن عطاء الروذبادي يقول : العلم موقوف على العمل ، والعمل موقوف على الإخلاص ، والإخلاص للّه يورث الفهم « عن اللّه عز وجل » .
حديث حسن مرويّ عن الحسن
روينا من حديث ابن ثابت قال : نبأ إبراهيم بن مخلد بن جعفر القاضي ، نبأ محمد بن أحمد بن إبراهيم الحلبي ، نبأ محمد بن يونس ، نبأ مكي بن قمير العجلي ، نبأ جعفر بن سليمان ، عن سعيد بن طريف ، عن الأصبع بن نباتة ، قال :
دخلنا مع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه على الحسن نعوده ، فقال له علي : كيف أصبحت يا ابن رسول اللّه ؟
فقال : أصبحت بحمد اللّه بارئا . قال : كذلك أنت إن شاء اللّه .
ثم قال الحسن : أسندوني ، فأسنده علي إلى صدره . فقال الحسن : سمعت جدي صلى اللّه عليه وسلم وقال لي يوما :
“ 298 “
« يا بنيّ ، عليك بالقناعة تكن من أغنى الناس ، وأدّ الفرائض تكن من أعبد الناس ، . يا بنيّ ، إن في الجنة شجرة يقال لها شجرة البلوى ، توقى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا ينصب لهم ميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صبا » . وقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ .
ومما قيل في إفراط المحبة :
بلغ الهوى من قلبي المجهودا * والحب أخلقني وكنت جديدا
يا عاذلي لو ذقت من ألم الهوى * لوجدته صعبا عليك شديدا
كما قال الآخر :
ما للهوى أخذ الهوى بدمي * تحكم الحب في روحي وفي بدني
ما حل للحب أن الحب أعدمني * صبري وحرم أجفاني على الوسن
قال مجنون بني عامر :
وشغلت عن فهم الحديث سوى * ما كان منك وحبكم شغلي
وأديم لحظ محدثي ليرى * أن قد فهمت وعندكم عقلي
وكما قال الضحّاك :
يقولون مجنون بسمراء مولع * ألا حبذا جنّ بها وولوع
وكيف أطيع العاذلات وحبها * يؤرّقني والعاذلات هجوع
وإني لأخفي حبّ سمراء منهم * ويعلم قلبي أنه سيشيع
وكما قال أحمد بن طاهر :
جنون الهوى فوق الجنون ولا يرى * هوى عاقل إلا كآخر جاهل
يزين للمعشوق ما هو فاعل * ويغوي إذا ما لجّ في العذل عاذل
وكما قال الآخر :
محب بكت عيناه من حب قاتل * فيا قاتلا يبكي عليه قتيل
خليلي جفاني كان روحي لروحه * خليلا وهل يجفو الخليل خليل
وكما قال الآخر :
ونفس كان الهوى مولع * بها ليس بقصد إلا لها
أعللها بالمنى تارة * وطورا أصانع عذّالها
ولنا في النظاميات :
“ 299 “
أغيب فيفنى الشوق نفسي فألتقي * فلا أشتفي فالشوق غيبا ومحضرا
ويحدث لي لقياه ما لم أظنه * مكان الشفا داء من الوجد آخرا
لأني أرى شخصا يزيد جماله * إذا ما التقينا نصرة وتكبّرا
فلا بدّ من وجد يكون مقارنا * لما زاد من حسن نظاما محرّرا
خبر الرجفة التي كانت ببيت المقدس
روينا من حديث ابن الواسطي قال : نبأ عمر قال : نبأ أبي قال : نبأ الوليد بن حماد الرملي قال : نبأ أبو عمير عيسى بن محمد قال : نبأ ضمرة ، عن رستم فارسي ، قال الرملي : وثنا عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن منصور بن ثابت قال : نبأ أبي ، عن أبيه ، عن جدّه :
إن أبا عثمان الأنصاري كان يحيي الليل بعد انصرافه من القيام في رمضان على البلاطة السوداء . قال : فبينما هو قائم في الصلاة إذ سمع صوت الهزة في المدينة ، وصراخ الناس واستغاثتهم .
وكانت ليلة قارّة مظلمة كثيرة الأمطار والرياح . قال : فسمعت قائلا يقول : أسمع صوته ولا أرى شخصه ، ارفعوها رويدا بسم اللّه ، فقلعت القبة حتى تبدّى لنا بياض السماء وأصاب وجهه رش المطر ، حتى أذّن رستم السادن الفارسي ، فسمع قائلا يقول : ردّوها رويدا بسم اللّه ، سوّوها عدّلوها ، سوّوها عدّلوها ، فردّت القبة على حكاية ما كانت . فقال لرستم لما فتح الباب عليه : اذهب فجئني بخبر أهلي حتى أنبئك بعجيب . فأخبره بخبر أهله أن قد أصيب قوم وسلم قوم ، فأخبرني ، فقال له :
سمع قائلا يقول : ارفعوها رويدا بسم اللّه ، قلعة القبة قلعا ، حتى بدا لنا بياض السماء ، أصاب وجهي رشّ المطر حتى أذّنت ، فلما أذّنت سمعت قائلا يقول حين أذّنت :
رويدا بسم اللّه ، سوّوها عدّلوها ، حتى أعيدت على حالها .
ومن باب من آثر محبة اللّه تعالى
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن الحسين ، نبأ عبد الملك بن قريب الأصمعي الباهلي ، قال : أصيبت امرأة من الأعراب بابن لها ، فأكمنت الصبر والعزاء عليه ، فقيل لها : ما رأيناك جزعت على ابنك هذا ؟ قالت : بلى ، ولكن آثرت رضا اللّه تعالى وطاعته على محبة الشيطان .
“ 300 “
من حكم وهب بن منبّه
ما رويناه من حديث الخرائطي ، قال : نبأ علي بن الحسين النخغي قال : مكتوب في حكمة وهب بن منبّه : المال يفنى ، والبدن يبلى ، والعمل يبقى ، والذنوب لا تنسى ، والديّان حيّ لا يموت .
ثم قال منشدا علي بن الحسين لأبي العتاهية :
نموت وننسى غير أن ذنوبنا * وإن نحن متنا لا تموت ولا تنسى
ألا ربّ ذي عينين لا تنفعانه * وهل تنفع العينان من قلبه أعمى
ومن فصيح كلام العرب في هذا الباب
رويناه من حديثه ، قال : نبأ إسماعيل بن أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي ، قال : نبأ أبي ، عن الأصمعي ، قال : سمعت أعرابيا يقول : ما بقاء عمر تقطعه الساعات ، وسلامة بدن معرّض للآفات . ولقد عجبت للمؤمن كيف يكره الموت وهو سبيله إلى الثواب . ولا أرى أحدا منّا إلا سيدركه الموت ، وهو عنه آبق .
قال : وأنشدني أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن القطوي لأبيه :
يأمل المرء أبعد الآمال * وهو رهن لأقرب الآجال
لو رأى المرء رأي عينيه يوما * كيف صول الآجال بالآمال
لتناهى وقصّر الخطو في الله * وو لم يغترر بدار الزّوال
قال الحسن بن الحسن البصري : ما أطال أحد الأمل إلا ساء العمل . رويناه من حديث الحميدي ، عن الحسن بن محمد بن إبراهيم الحناي ، عن محمد بن أبي الحديد ، عن أبي بكر محمد بن جعفر ، عن إبراهيم بن الجنيد ، عن بشر بن آدم ، عن الفضل بن عياض ، عن هشام ، عن الحسن . ا ه .
روينا من حديث الواسطي ، نبأ عيسى ، نبأ علي ، نبأ محمد بن إبراهيم ، نبأ محمد بن النعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، نبأ أبو عبد الملك الجزري ، قال : إذا كانت الدنيا في بلاء وقحط كان الشام في رخاء وعافية ، وإذا كان الشام في بلاء وقحط كانت فلسطين في رخاء وعافية ، وإذا كانت فلسطين في بلاء وقحط كان بيت المقدس في رخاء وعافية .
وقال : الشام مباركة ، وفلسطين مقدسة ، وبيت المقدس قدس القدس .
ولقد روي عن يزيد الرقاشي أنه قال : من أراد أن يشرب ماء في جوف الليل فليقل :
“ 301 “
يا ماء ، ماء بيت المقدس يقرئك السلام ، فإنه أمان بإذن اللّه تعالى . حدثني بذلك غير واحد ، عن قاسم بن علي الشافعي ، عن أبي القاسم السوسي ، عن أبي بكر ، عن إبراهيم بن يونس ، عن أبي محمد محمد بن عبد العزيز النصيبيّ ، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن الخطيب ، عن أبي عبد اللّه ، عن ابن جعفر ، عن محمد بن إبراهيم ، عن ابن النعمان ، عن سليمان بن عبد الرحمن ، عن عبد اللّه بن ضرلة وأبي عبد الملك ، كلاهما عن يزيد الرقاشي .
وبه إلى إبراهيم قال : نبأ محمد بن سليمان بن الحويشي ، عن بكر بن جنيش قال :
كان سليمان بن داود إذا دخل بيت المقدس ، يعني المسجد ، وهو ملك الأرض ، يقلب بصره ، يطلب مجالس المساكين من العمي والخرس والجذمى ، فيدع مجالس الناس وينطلق ، فيجلس في جملة المساكين تواضعا ، لا يرفع طرفه إلى السماء . ثم يقول : إذا سئل عن ذلك مسكين جلس إلى المساكين .
روينا من حديث الرملي قال : نبأ محمد بن نعمان ، نبأ سليمان بن عبد الرحمن ، عن أبي عبد الملك ، عن غالب عن عبد اللّه بن الأعرج ، عن كعب قال :
لا تقوم الساعة حتى يزول البيت الحرام ، وبيت المقدس ، فينقادان إلى الجنة جميعا ، وفيهما أهلوهما ، والعرض والحساب ببيت المقدس .
موعظة
روينا من حديث محمد الحميدي قال : نبأ محمد بن إبراهيم ، نبأ ابن أبي الحديد ، عن أبي بكر بن جعفر قال : نبأ عمر بن شيبة قال :
قال عبد الملك بن قريب الأصمعي : ولي أعرابي ناحية من نواحي البصرة ، فكان يخطب بهم يوم الجمعة ، فقام يوما ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وصلى على محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال :
أيها الناس ، إنه في سنن من كان قبلكم لعظة ، وما أخطأ القائل حيث قال :
أين الملوك التي عن خطبها غفلت * حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها * ودورنا لخراب الدهر نبنيها
والنفس تكلف بالدنيا وقد علمت * أن السلامة منها ترك ما فيها
روينا من حديث الخرائطي قال : نبأ إبراهيم بن الجنيد ، نبأ محمد بن يحيى بن عبد
“ 302 “
الكريم ، نبأ جعفر بن أبي جعفر السراري ، حدثني أبو جعفر محمد بن قدامة قال :
بلغنا أنه كان بالبصرة امرأة ، وكان إذا جنّها الليل ونامت كل ذي عين ، تخرّ ساجدة ، وتنادي في سجودها : أما لك يا مولاي عذاب تعذّبني به إلا النار ؟ ولا تزيد عليه حتى تصبح .
وبه قال : بلغنا أن عيسى ابن مريم عليه السلام مرّ بأربعمائة ألف امرأة متغيّرات الألوان ، وعليهن مدارج الشعر والصوف ، فقال عيسى عليه السلام :
ما الذي غيّر ألوانكن معاشر النسوة ؟ قلن : ذكر النار غيّر ألواننا يا ابن مريم ، إن من دخل النار لا يذوق بردا ولا شرابا .
ومما قيل في الوطن : ميلك إلى موضع مولدك من كريم مجدك ، إذا كانت الطير تحنّ إلى أوكارها ، فالإنسان أولى بالحنين إلى أوطانه .
قالت الفرس : تربة الصبي تغرس في القلب رقة وحلاوة .
قيل لبعض العرب : ما الغبطة ؟ قال : الكفاية مع لزوم الأوطان ، والجلوس مع الإخوان .
قيل له : فما اللذة ؟ قال : التنقّل في البلدان ، والتنحّي عن الأوطان ، ثم أنشد :
طلب المعاش مفرّق * بين الأحبّة والوطن
ومصيّر جلد الرجا * ل إلى الضراعة والوهن
حتى يقاد كما يقا * د النضو في ثني الرسن
ثم المنيّة تأته * فكأنه ما لم يكن
ومن أحسن ما قيل في الآيات وحب الأوطان من الشعر :
وباشرتها فاستعجلت عن قناعها * وقد تستخفّ الطامعين المباشر
وخبّرها الروّاد أن ليس بينها * وأين قرى نجران والدرب ساتر
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى * كما قرّ عينا بالإياب المسافر
قيل لأعرابي : ما السرور ؟ قال : أوبة بغير خيبة ، وألفة بغير غبّة .
وقيل لآخر : ما السرور ؟ قال : غيبة تفيد غنى ، وأوبة تعطيك منى .
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب * به أهل ميّ هاج قلبي هبوبها
هوى تذرف العينان منه وإنما * هوى كل نفس أين حلّ حبيبها
“ 303 “
وقيل في الغربة :
وأنزلني طول النوى أرض غربة * إذا شئت لاقيت الذي لا أشاكله
فحامقته حتى يقال شجيّة * ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
ولو كنت في أهلي وجلّ عشيرتي * للاقيت فيهم أخرقا لا أواصله
ومما قال : من نفي هواه ومنع حماه :
ومستخفيات ليس يخفين دوننا * ويسحبن أذيال الصبا لذوي الشكل
مريضات رجع القول يله عن الخنا * تألّفن أهواء الرجال بلا بدل
جمعن الهوى حتى إذا ما ملكنه * نزعن وقد أكثرن فينا من القتل
قوله : مريضات ، رجع القول .
قوله تعالى : فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وهو غير المتّقي .
ومن هذا الباب قول الآخر :
لا والذي تسجد الجباه له * ما لي إلى تحت ثوبها خبر
ولا بفيها ولا هممت به * ما كان إلا الحديث والنظر
قال النابغة :
زعم الهمام بأن فاها بارد * عذب مقبّله شهيّ المورد
زعم الهمام ولم أذقه إنه * يشفي بريا ريقها العطش الصدى
ومن هذا الباب قول ابن المعتز :
قد كان يكفيك ما بالجسم من سقم * لم زدتني سهرا لأمسّك السهر
عيني مورقة والجسم مختبل * والقلب بينهما تخلو به الفكر
يا مانعي لذة الدنيا بما رحبت * إني ليقنعني من وجهك النظر
ومن هذا الباب لأبي فراس :
الحبّ آمره والصون زاجره * والصبر أول ما يأتي وآخره
إن الفتى إن صبا أو شفّه غزل * فللعفاف وللتقوى مأزره
وأشرف الناس أهل الحبّ منزلة * وأشرف الحب ما عفّت سرائره
ومن هذا الباب لجميل بن معمر العذري :
وكان التفرّق عند الصبا * ح عن مثل رائحة العنبر
خليلان لم يقربا ريبة * ولم يستحقا إلى منكر
“ 304 “
ومن التنبيهات
ما رويناه من حديث عبد العزيز قال : قال أبو ثابت عاصم بن الحسن ، انا محمد بن أحمد ، نبأ أحمد بن محمد المقري ، عن أحمد بن محمد العبدي ، عن أبي حكيم شداد بن سعيد ، عن مزاحم بن سعيد ، عن حباب بن إبراهيم ، عن محمد بن حرب الأبرش ، عن سعيد بن سنان ، عن أبي الزاهرية ، عن جرير بن نعيم قال : خمس خصال قبيحة في أصناف من الناس :
الحرص في القرّاء ، والحسد في السلاطين ، والبخل في الأغنياء ، والفترة في الشيوخ ، وقلة الحياء في ذوي الأحساب .
ومما قيل في الاعتذار عن البخل : قال علي بن الجهم :
أعاذل ليس البخل مني شجية * ولكن رأيت الفقر شرّ سبيل
يموت الفتى خير من الفقر للفتى * وللموت خير من سؤال بخيل
ومما قيل في البخل :
أراك تؤمل حسن الثنا * ولم يرزق اللّه ذاك البخيلا
فكيف يسود أخي بطنة * يمن كثيرا ويعطي قليلا
وقال علي بن الجهم :
لعمرك ما الناس أثنوا عليك * ولا قرضوك ولا عظموا
ولا سابقوك على ما بلغت * من الصالحات ولا قدموا
ولو وجدوا لهم مطعنا * إلى أن يعيبوك ما أحجموا
ولكن صبرت لما ألزموك * وجدت بما لم تكن تلزم
وكان قراك إذا ما لقوك * لسانا بما سرّهم ينعم
وخفض الجناح ووشك النجاح * وتصغير ما أعظم المنعم
وأنت بفضلك ألجأتهم * إلى آن تعالوا بآن يكرموا
ومن أزاهر الحكم
شكر الإله بطول الثناء ، وشكر الموالاة بصدق الولاء ، وشكر النظير بحسن الجزاء ، وشكر من دونك بسبب العطاء . من أدام الشكر استدام البر . أحلى النوال ما وصل قبل السؤال . خير المبارّ ما أسديته إلى الأبرار . أولى الناس بالنوال أزهدهم في السؤال . من
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin