..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 15

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:00

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 15
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 210 “

    أخاف من قوله تعالى : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * . فقلت : لا جزاك اللّه عن نفسك خيرا ، ولا عن جهلك في تأويلك ، هو ما قلت . وسافر عنّا ، فلحق بأبي مدين ، فأكرمه مدة ، ثم هجره ، وطرده من عنده ، فلما كان بعد عشر سنين ، اجتمعت به بمنزلة بإشبيلية ، وقد بدّل اللّه حالة الموافقة منه بالمخالفة ، والطاعة بالمعصية ، والإيمان بالزندقة ، ففارقته ، وخرج ما عبر به رؤيا أخيه . فنسأل اللّه العافية من كلمة تؤدي إلى الهلكة في دين أو دنيا .

    ولبعضهم :
    وجرح السيف تأسوه فيبرا * وجرح الدهر ما جرح اللسان
    جراحات السنان لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان

    حدّث محمد بن قاسم رواية قال :
    تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات ، كأنما رميت عن قوس واحدة .
    قال كسرى : أنا على ردّ ما لم أقل أقدر مني على ردّ ما قلت .
    وقال ملك الهند : إذا تكلمت بكلمة ملكتني وكنت أملكها .
    وقال قيصر : لم أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت .
    وقال ملك الصين : عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول .

    ولبعضهم في المعنى :
    لعمرك ما شيء علمت مكانه * أحق بسجن من لسان مدلل
    على فيك مما ليس يعنيك قوله * بقفل شديد حيث ما كنت أقفل
    روينا من حديث المالكي قال : حدثنا أبو صالح ، نبأ علي بن حجر ، قال بعض الحكماء : من طاب ريحه زاد عقله ، ومن نظفت ثيابه قلّ همّه .

    روينا من حديث ابن أبي الدنيا ، نبأ محمد بن الحارث ، عن المدائني قال : قالت عائشة رضي اللّه عنها : خلال المكارم عشرة ، تكون في الرجل ولا تكون في ابنه ، وتكون في العبد ولا تكون في سيّده .
    صدق الحديث ، وصدق الناس ، وإعطاء السائل ، والمكافأة بالصنائع ، والتذمم للجار والصاحب ، وصلة الرحم ، وقري الضيف ، وأداء الأمانة ، ورأسهن الحياء .

    وقال بعضهم : كتمان سرّك يعقبك السلامة ، وإفشاؤك سرك يعقبك الندامة ، والصبر على كتمان السر أيسر من الندم على إفشائه .


    “ 211 “


    وفي الحكمة : ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما كان في يده اللصوص فيخفيه ، ويمكّن عدوّه من نفسه بإظهار ما في قلبه من سرّ نفسه أو سرّ أخيه .
    قال معاوية رضي اللّه عنه : ما أفشيت سرّي إلى أحد إلا أعقبني طول الندامة وشدة الأسف ، ولا أودعته جوانح صدري فحكّمته بين أضلاعي إلا أكسبني مجدا وذكرا وثناء ورفعة .
    فقيل : ولا ابن العاص ؟ فقال : ولا ابن العاص .
    وكان يقول : ما كنت كاتمه عن عدوّك فلا تظهر عليه صديقك .
    يريد ، واللّه أعلم ، ما سمعت أبا بكر بن خلف بن مناف أستاذنا ينشده في مجلسه مرارا .

    وفي وصيته أبياتا ويقول :
    احذر عدوّك مرة * واحذر صديقك ألف مرة
    فلربما هجر الصدي * ق فكان أعلم بالمضرّة

    في الخبر المروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « من كتم سرّه كانت الخيرة في يده ، ومن عرّض نفسه للتهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن . وضع أمر أخيك على أحسنه ، ولا تظنن بكلمة خرجت منه سوءا . وما كافأت من عصى اللّه فيك بأفضل من أن تطيع اللّه جلّ اسمه فيه . وعليك بإخوان الصدق فإنهم زينة عند الرخاء ، عصمة عند البلاء » .

    روينا من حديث الدينوري عن الأصمعي ، على ما حدّث عنه الرياشي ، قال : كان يقول أبا الأسود : العمامة جنة في الحرب ، ومكنّة في الحر والقر ، وزيادة في القامة .
    أنشدني بعض الأدباء ، وكان إلى جانبه من يحبّه ، فعبته بعض الحاضرين فيه بما لم يحسن
    وجهه عند العاتب . فالتفت إلى المحب ، فقال وهو يسمعه :
    رأى وجه من أهوى عدوي فقال لي * أجلّك عن وجه أراه كريها
    فقلت له وجه الحبيب مراءة * وأنت ترى تمثال وجهك فيها
    وذلك بقرطبة ، وكان الحبيب سعيد بن كرز ، والمحب أبو بكر الزهري .

    وأنشدنا بعض الأدباء مما أنشده المازني لبعضهم :
    لئن كنت محتاجا إلى العلم إنني * إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج
    ولي فرس للحلم بالحلم ملجم * ولي فرس للجهل بالجهل مسرج
    فمن شاء تقويمي فإني مقوّم * ومن شاء تعويجي فإني معوّج
    وما كنت أرضى الجهل خدنا ولا أخا * ولكنني أرضى به حين أحوج
    ألا ربما ضاق الفضاء بأهله * وأمكن من بين الأسنّة مخرج


    “ 212 “

    روينا من حديث ابن ودعان ، قال : نبأ أبو عبد اللّه الصيرفي ، عن محمد بن القاسم ، عن أبي منصور ، عن الحجبي ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، قال :

    سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « يا معشر المسلمين ، شمّروا فإن الأمر جد ، وتأهبوا فإن الرحيل قريب ، وتزوّدوا فإن السفر بعيد ، وخفّفوا أثقالكم فإن وراءكم عقبة كئود لا يقطعها إلا المخفّون . أيها الناس ، إن بين يدي الساعة أمورا شدادا ، وأهوالا عظاما ، وزمانا صعبا ، يتملك فيه الظّلمة ، ويتصدر فيه الفسقة ، فيضطهد الآمرون بالمعروف ، ويضام الناهون عن المنكر . فأعدوا لذلك الإيمان ، وعضّوا عليه بالنواجذ ، والجأوا إلى العمل الصالح ، وأكرهوا عليه النفوس ، واصبروا على الضرّاء ، تقضوا إلى النعيم الدائم » .

    أنشد الحطيئة عمر رضي اللّه عنه ، وكعب الأحبار عنده ،
    فقال :
    من يفعل الخير لا يعدم جوائزه * لا يذهب العرف بين اللّه والناس
    فقال كعب : يا أمير المؤمنين ، هذا الذي قاله مكتوب في التوراة . فقال عمر : كيف ذلك ؟
    قال : في التوراة مكتوب : من يصنع الخير لا يضيع عندي ، ولا يذهب بيني وبين عبدي .
    نسيان النعمة أول درجات الكفر
    شعر :
    يد المعروف غنم حيث كانت * تحمّلها كفور أم شكور
    فعند الشاكرين له جزاء * وعند اللّه ما كفر الكفور

    مثل سائر
    جزاء سنمار : وكان سنمار هذا رجلا بنّاء ، فبنى للنعمان بن المنذر الخورنق فأعجبه ، وكره أن يبنى مثله لغيره ، فقعد النعمان في أعلاه ، واستدعى سنمارا ، وأخذ يحدّثه ، وغمز بعض خدّامه أن يدفعه من أعلاه ، فسقط فمات ، فقيل فيه :
    جزونا بني سعد بحسن بلائنا * جزاء سنمار وما كان ذا ذنب


    مثل سمّن الكلب يأكلك
    أخذه بعضهم فقال :
    هم سمّنوا كلبا ليأكل بعضهم * ولو ظفروا بالحزم ما سمّوا كلبا

    “ 213 “


    وقال الآخر :
    وإني وقيسا كالسمن كلبه * فخدّشه أنيابه وأظافره


    مثل في عي بأقل
    وكان بأقل هذا اشترى عنزا بأحد عشر درهما . فقيل له : بكم اشتريت العنز ؟
    ففتح كفيه ، وفرّق أصابعه ، وأخرج لسانه ، يريد أحد عشر ، فعيّروه بذلك ،
    فقال القائل :
    يلومون في حمقه باقلا * كأن الحماقة لم تخلق
    فلا تكثروا العذل في عيّه * فللصمت أجمل بالأموق
    خروج اللسان وفتح البنان * أحبّ إلينا من المنطق
    خبر الظبية التي كلّمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه ، نبأ أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريف ، نبأ أحمد بن موسى ، عن أنس بن أبي نصر بن عبد اللّه بن محمد بن سيرين بالبصرة ، نبأ زكريا بن يحيى بن خلّاد بن حسان بن أغلب بن تميم حدثني أبي ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، عن ضبة بن محصن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت :

    بينما النبي صلى اللّه عليه وسلم في صحراء إذا هاتف يهتف : يا رسول اللّه ، فالتفتّ فلم أر أحدا .
    فمضيت غير بعيد ، فإذا الهاتف يهتف : يا رسول اللّه ، فالتفتّ فلم أر أحدا .
    فمضيت غير بعيد ، فإذا الهاتف يهتف : يا رسول اللّه ، فاتّبعت الصوت ، فهجمت علي ظبية مشدودة في وثاق ، وإذا أعرابي منجدل في شمله نائم في الشمس .
    فقالت الظبية : يا رسول اللّه ، إن هذا الأعرابي صادني قبيلا ، ولي خشفان في هذا الجبل ، فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ، ثم أعود إلى وثاقي .
    قال : « أو تفعلين ؟ » ، قالت : عذّبني اللّه عذاب العشار إن لم أفعل . فأطلقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فمضت ، فأرضعت الخشفين ثم عادت .
    فبينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوثقها إذ انتبه الأعرابي فقال : بأبي وأمي أنت ، إني أصبتها قبيلا ، فلك فيها من حاجة ؟
    قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « قلت : نعم » ،
    قال : هي لك ، فأطلقها ، فخرجت تعدو في الصحراء فرحا ، وهي تضرب برجلها الأرض ، وتقول : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أنك رسول اللّه .


    “ 214 “

    ولاية بني إسماعيل الكعبة وأمر جرهم

    روينا من حديث أبي الوليد ، حدثني جدي ، نبأ سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج قال : أخبرني ابن إسحاق قال : ولد لإسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام اثنا عشر رجلا وأمهم أسيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي ، فولدت له ثابت ، وقيدار ، وقياس ، وآزر ، وذابل ، ومنشى ، ومشنى ، وطيما ، وقطوار ، وقبس ، وقيدمان ، ومسمع ، وماشي ، ورما .

    وكان عمر إسماعيل عليه السلام فيما يذكرون مائة وثلاثين سنة . فمن ثابت بن إسماعيل وقيدار نشر اللّه العرب . وكان أكبرهم قيدار وثابت ابنا إسماعيل . وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل ، أن إسماعيل لما توفي دفن في الحجر مع أمه ، فولي البيت ثابت بن إسماعيل ما شاء اللّه أن يليه .


    ثم توفي ثابت بن إسماعيل ، فولي البيت بعده مضاض بن عمرو الجرهمي وهو جدّ ثابت بن إسماعيل أبو أمه ، وضمّ بني ثابت بن إسماعيل وبني إسماعيل إليه ، فصاروا مع جدهم مضاض ومع أخوالهم من جرهم ، وجرهم وقطورا يومئذ أهل مكة ، وعلى جرهم مضاض بن عمرو ملكا عليهم ، وعلى قطورا رجل منهم يقال له السميدع ملكا عليهم .
    وكانا حين ظعنا من اليمن أقبلا سيّارة ، وكانوا إذا خرجوا من اليمن لم يخرجوا إلا ولهم ملك يقيم أمرهم .

    فلما نزلا مكة ، رأيا بلدا طيبا ، وإذا ماء وشجر ، فأعجبهما ، فنزلا به ، فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم أعلى مكة وقيقعان ، فحاز ذلك . ونزل السميدع أجيادين وأسفل مكة .

    وكان مضاض بن عمرو يعشر من دخل مكة من أسفلها ، ومن كدى ، وكل في قومه على جباله لا يدخل واحد منهما على صاحبه في ملكه .
    ثم إن جرهم وقطورا بغى بعضهم على بعض ، وتنافسوا الملك بها ، واقتتلوا بها ، حتى نشبت أو شبّت الحرب بينهم . وولاة الأمر بمكة مضاض بن عمرو ، وبنو ثابت بن إسماعيل ، وبنو إسماعيل ، وإليه ولاية البيت دون السميدع . فلم يزل بهم البغي حتى سار بعضهم إلى بعض ، فخرج مضاض بن عمرو من قيقعان في كتيبة سائرا إلى السميدع ، ومعه كتيبة عدّتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ، تقعقع بذلك .

    ويقال : ما سمّيت قيقعان إلا بذلك .



    وخرج السميدع بقطورا من أجياد معه الخيل والرجال . ويقال : ما سمي أجياد إلا لخروج الخيل الجياد مع السميدع حتى التقوا بفاضح . فاقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل السميدع


    “ 215 “

    وفضحت قطورا . ويقال : ما سمي فاضح فاضحا إلا لذلك . ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح ، فساروا حتى دخلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة ، يقال له شعب عبد اللّه بن عامر بن كرين بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . فاصطلحوا بذلك الشعب ، وأسلموا الأمر إلى مضاض بن عمرو . فلما جمع عمرو أهل مكة وصار ملكها دون السميدع ، نحر للناس وأطعمهم ، فأطبخ للناس فأكلوا . فيقال : ما سمي المطابخ إلا لذلك .

    قال : فكان الذي كان بين مضاض بن عمرو والجرهمي في ذلك الحرب بذكر السميدع وقتله وبغيه والتماسه ما ليس له :
    ونحن قتلنا سيد القوم عنوة * فأصبح فيها وهو حيران موجع
    وما كان يبقى أن يكون سواءنا * بها ملك حتى أتانا السميدع
    فذاق وبالا حين جاول ملكنا * وعالج منّا غصّة تتجرع
    فنحن عمّرنا البيت كنا ولاته * نحامي عنه من أتانا وندفع
    وكنّا ملوكا في الدهور التي مضت * ورثنا ملوكا لا ترام فتوضع

    قال أبو الوليد : قال ابن إسحاق : وقد زعم بعض أهل العلم إنما سمّيت المطابخ لما كان تبّع نحر بها ، وأطعم بها ، وكانت منزله . قال : ثم نشر اللّه بني إسماعيل بمكة ، وأخوالهم جرهم إذ ذاك الحكّام بها ، وولاة البيت ، كانوا كذلك بعد ثابت بن إسماعيل .



    فلما ضاقت عليهم مكة ، وانتشروا بها ، انبسطوا في الأرض ، وابتغوا المعاش والتفسح في الأرض .

    ولا يأتون قوما ، ولا ينزلون بلدا ، إلا أظفرهم اللّه عليهم بدينهم ، فوطئوهم وغلبوهم عليها ، حتى ملكوا البلاد ، ونفوا عنها العماليق ، ومن كان ساكنا بلادهم التي كانوا اصطلحوا عليها من غيرهم . وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم إياه بنو إسماعيل لخئولتهم وقرابتهم ، وإعظام الحرم أن يكون فيه بغي وقتال .



    قال أبو الوليد : وحدثني بعض أهل العلم ، قالوا : كانت العماليق هم ولاة الحكم بمكة ، فضيّعوا حرمة الحرم ، واستحلوا منه أمورا عظاما ، ونالوا ما لم يكونوا ينالوا ، فقام رجل منهم يقال له عموق فقال : يا قوم ، اتقوا اللّه على أنفسكم ، فقد رأيتم وسمعتم من أهلك من صدر الأمم قبلكم ، قوم صالح ، وهود ، وشعيب ، فلا تفعلوا ، وتوصلوا ، فلا تستخفوا بحرمة حرم اللّه ، وموضع بيته ، وإياكم والظلم فيه والإلحاد ، فإنه ما سكنه أحد قد فظلم فيه وألحد إلا قطع اللّه دابرهم ، واستأصل شأفتهم ، وبدّل أرضها غيرهم ، حتى لا يبقى لهم باقية . فلم يقبلوا منه ذلك ، وتمادوا في هلكة أنفسهم .

    قالوا : ثم إن جرهما وقطورا خرجوا سيّارة من اليمن ، فأجدبت عليهم ، فساروا


    “ 216 “

    بذراريهم وأنفسهم وأموالهم ، وقالوا : نطلب مكانا فيه مرعى نسمّن فيه ماشيتنا ، فإن أعجبنا أقمنا به ، فإن كل بلد نزل به أحد ومعه ذريّته وماله فهو وطنه ، وإلا رجعنا إلى بلادنا .
    فلما قدموا مكة وجدوا ماء معينا ، وعضاها ملتفة من سلم وسمر ، ونباتا يسمّن مواشيهم ، وسعة من البلاد ، ودفاء من البرد في الشتاء .
    فقالوا : إن هذا الموضع يجمع لنا ما نريد . فأقاموا مع العماليق ، فكان لا يخرج من اليمن قوم إلا ولهم ملك يقيم أمرهم ، وكان ذلك سنّة فيهم ، ولو كانوا نفرا يسيرا .
    وكان مضاض بن عمرو ملك جرهم ، والمطاع فيهم .

    وكان السميدع ملك قطورا ، فنزل مضاض بن عمرو على مكة ، فكان يعشر من دخلها من أعلاها ، وكان ناحيتهم وجه الكعبة ، الركن الأسود ، والمقام ، وموضع زمزم ، مصعدا يمينا وشمالا ، وقيقعان إلى أعلى الوادي .

    ونزل السميدع أسفل مكة ، وإلى أجيادين ، وكان يعشر من دخل مكة من أسفلها . فكان حوزهم المسفلة ظهر الكعبة ، والركن اليماني والغربي ، وأجيادين ، والثنية إلى الرمضة . فبنيا فيها البيوت ، واتّسعا في المنازل ، وكثروا على العماليق ، فنازعتهم العماليق ، فمنعتهم جرهم ، وأخرجوهم من الحرم كله ، فكانوا في أطرافه لا يدخلونه . فقال لهم صاحبهم عموق : ألم أقل لكم لا تستخفوا بحرمة الحرم فغلبتموني ؟



    فجعل مضاض والسميدع يقطعان المنازل لمن ورد عليهما من قومهما ، وكثروا ، وأعجبهم البلاد ، وكانوا قوما عربا ، وكان اللسان عربيا .

    وكان إبراهيم خليل اللّه يزور إسماعيل ، فلما سمع بلسانهم وأعرابهم ، سمع كلاما حسنا ، ورأى قوما عربا ، وكان إسماعيل قد أخذ بلسانهم .
    أمر إسماعيل أن ينكح فيهم ، فخطب إلى مضاض بن عمرو بنته دعلة ، فزوّجه إياها ، فولدت له عشر ذكور ، وهي زوجته التي غسلت رأس إبراهيم حين وضع رجله على المقام .

    قال : وتوفي إسماعيل ، وترك ولدا من دعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي ، فقام مضاض بأمر ولد إسماعيل وكفلهم ، لأنهم بنو ابنته ، فلم يزل أمر جرهم يعظم بمكة ، فكانوا ولاة البيت وحجابه ، وولاة الأحكام بها ، ثم إن جرهما استخفت بأمر البيت والحرم ، وارتكبت أمورا عظاما وأحدثوا إحداثا لم تكن ، فقام مضاض بن عمرو بن الحرث بن مضاض فيهم فقال :



    “ 217 “

    يا قوم ، احذروا البغي فإنه لا بقاء لأهله ، قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق ، استخفوا بأمر الحرم فسلطكم اللّه عليهم فأخرجتموهم ، فلا تستخفوا بحق الحرم وحرمة بيت اللّه ، ولا تظلموا من دخله وجاءه معظّما ، أو جاء بائعا ، أو مترغّبا في جواركم ، فإنكم إن فعلتم ذلك تخوّفت أن تخرجوا منه خروج ذلّ وصغار .
    فقال له مجدع : من الذي يخرجنا منه ؟ ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وسلاحا ؟


    فقال له مضاض :
    إذا جاء الأمر بطل ما تقولون ، فلم يقصروا عن شيء مما كانوا يصنعون ، وكانت لهم خزانة بئر في بطن البيت يلقي فيه الحلي والمتاع الذي يهدى له ، وهو يومئذ لا سقف له ، فتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه ، فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم ، واقتحم الخامس ، فجعل اللّه أعلاه أسفله ، وسقط منكسا فهلك ، وفرّ الأربعة الآخرون .
    ومن ذلك الوقت بعث اللّه حية سوداء الظهر بيضاء البطن ، رأسها مثل رأس الجدي ، فحرست البيت خمسمائة سنة .



    كتاب حكيم إلى حكيم
    روينا من حديث الدينوري ، عن محمد بن إسحاق ، نبأ هارون بن معروف قال :

    كتب حكيم إلى حكيم :
    أما بعد ، فقد أصبحنا وبنا من نعم اللّه ما لا نحصيه ، ولا ندري أيهما أشكر : أشكر جميل ما ينشر ؟ أم قبيح ما يستر ؟
    وحدثنيه أيضا عن محمد بن يونس ، عن الأصمعي قال : قيل لمحمد بن واسع :
    كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت موفورا بالنّعم ، وربنا يتحبب إلينا وهو غني عنّا ، ونتبغّض إليه بالمعاصي ونحن إليه فقراء .
    ألا لو سمعت البدر بن المختار يقول ، وقد رأى عليّ ثوبا أحمر : الحمرة أجمل ، والخضرة أنبل ، والسواد أهول ، والبياض أفضل .

    حدثنا يونس بن يحيى ، نبأ محمد بن عمرو بن يوسف ، نبأ أبو بكر بن ثابت ، عن أحمد بن محمد بن إبراهيم ، عن أبي عصمة محمد بن أحمد بن عباد العبادي ، عن أبي علي الحسين بن محمد بن مصعب ، عن محمد بن عبد اللّه الواسطي ، عن العلاء بن عبد


    “ 218 “

    الجبار ، عن نافع بن الجمحي قال : قالت أم محمد بن المنكدر لابنها : يا بنيّ ، إني أشتهي أن أراك نائما .
    قال : يا أمه ، إن الليل لمهجم عليّ فيهولني ، فيدركني الصبح ولم أقض منه وطري .
    حدثنا محمد بن محمد ، عن هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم ، قال :
    أنشدني عبد الكريم بن هوازن القشيري إملاء لنفسه :
    المرء من هذّب أحواله * وكان عن دعواه أقواله
    تصاغر الإنسان في نفسه * أوفى لمعناه وأقوى له
    وإن من يحمد أفعاله * أخاف أن ترجع أفعى له

    وبه قال : أنشدني القشيريّ لنفسه :
    يا نسيم الشمال بلّغ خطابي * واشف مني الجوى بحمل الجواب
    طف بساحات ذلك الربع واحمل * ذرّة من تراب ذاك الباب
    واهدها من متيّم مستهام * دائم الكرب ذائب الأتراب
    قل لمولاي والذي ملء نفسي * والذي فيه ذلّتي وانتحابي
    كنت أخشى الوشاة فيك ولكن * جفوة الحب لم تكن في حسابي

    روينا من حديث ابن مروان قال : حدثنا علي بن الحسن ، حدثني أبي ، قال : جاء أعرابي إلى ابن طاهر وهو راكب فأنشده :
    سألت عن المكارم أين صارت * فكل الناس أرشدني إليكا
    فجد لي يا ابن طاهر أن فعلي * سيثني بالذي تولى عليكا

    فقال له : كم ثمن هذين البيتين ؟ قال : ألفا درهم . قال : لقد أرخصت يا غلام ، أعطه أربعة آلاف درهم ، ثم أنشد :
    صدقت ظني وظن الناس كلهم * فأنت أكرمهم نفسا وأجدادا
    لا زلت في روضة خضراء واسعة * فأنت أخضرها روضا وأعوادا
    فقال : يا غلام ، أعطه أربعة آلاف أخرى .
    فقال :
    لو كان قولي بهذا الشعر مستمعا * لكنت أحوى خراج الشرق والغرب
    أنت الكريم الذي يعطي بلا نكد * وأنت تحيي الفتى قد مات من جدب
    فقال ابن طاهر للغلام : أعطه أربعة آلاف درهم أخرى . فلما قبضها قال : أيها الأمير ، فملّني شعر ، ولم يضق صدرك .

    “ 219 “


    همة شريفة وزهد كريم
    قلت : دخلت مسجد العماد بن الحدوس بالموصل على المهذب ثابت بن عنبر الحلويّ ، وكان رفيع الهمة من أزهد الناس ، وكان يغلب عليه الأدب ، فاستنشدته في حاله ، فأنشدني ونحن في جماعة ، وهو من التجنيس :
    إذا قنعنا بأدام بقلنا * وخلنا من الخلّ فخلنا
    من ذكر لذّات الوجود * من التّرك خلنا
    ففقرنا بخلنا على * ثراء من الخلة خلنا

    من آثر آخرته على دنياه وغلب عقله على هواه
    حدثنا عبد الرحمن ، نبأ عمر بن ظفر ، نبأ جعفر بن أحمد ، نبأ عبد العزيز بن علي ، نبأ أبو الحسن الصوفي ، قال : سمعت محمد بن داود قال : حدثني أبو الحسن اللؤلؤي قال :

    كنت في البحر ، فانكسر المركب وغرق كل ما فيه . وكان في وطائي لؤلؤ قيمته أربعة آلاف دينار . وقربت أيام الحج وخف الفوات . فلما سلّم اللّه روحي ، ونجّاني من الغرق مشيت ، فقال لي جماعة كانوا في المركب : لو توقفت عسى أن يجيء من يخرج شيئا فيخرج لك من رحلك شيئا . فقلت : قد علم اللّه عز وجل ما مرّ مني ، وفي وطائي شيء قيمته أربعة آلاف دينار ، وما كنت الذي أؤثره على وقفتي بعرفة .

    فقالوا : وما الذي ورثك هذا ؟ فقلت : أنا رجل مولع بالحج ، أطلب الربح والثواب ، فحججت في بعض السنين ، وعطشت عطشا شديدا ، فأجلست عديلي في وسط محملي ، ونزلت أطلب الماء ، والناس قد عطشوا ، فلم أزل أسأل رجلا رجلا ومحملا محملا : معكم ماء ؟

    وإذا الناس شرع واحد ، حتى صرت في ساقة القابلة بميل أو ميلين ، فمررت بمصنع وصهريج ، وإذا رجل فقير جالس في أرض المصنع والماء ينبع من موضع العصا ، وهو يشرب ، فنزلت إليه ، وشربت حتى رويت ، وجئت إلى القافلة والناس قد نزلوا ، فأخرجت قربة ومضيت فملأتها ، فرآني الناس ، فتبادروا بالقرب ، فرووا عن آخرهم ، فلما روي الناس ، وسارت القافلة ، جئت لأنظر ،
    وإذا البركة ملئت تلتطم أمواجها ، فموسم يحضره مثل هؤلاء يقولون :

    اللهم اغفر لمن حضر هذا الموقف ولجماعة المسلمين ، أؤثر عليه الدنيا ، لا واللّه ، وترك اللؤلؤ وجميع قماشه . قال الشيخ : فبلغني أن قيمة ما كان غرق له خمسين ألف دينار .

    ومما تضمنه الأشواق قول بعض العشاق ، يصرفه الصالحون في التخلف عن السياق ، المسارعين إلى مرضاة اللّه ومغفرته :






    “ 220 “



    شيّعتهم فاسترابوني فقلت لهم * إني بعثت مع الأجمال أحدوها

    قالوا فما نفس يعلو كذا صعدا * وما لعينك لا ترقأ مآقيها

    قلت التنفس من أدمان سيركم * والعين تذرف دمعا من قذى فيها

    روحي تسير إذا سارت ركائبكم * فإن عزمتم على قتلي فحثّوها



    حدثنا عبد الرحمن بن علي الجوزي كتابة قال : وصلني كتاب من بعض إخواني من الحاج يتضمن الاستيحاش لي في طريق مكة ، فهيّج شوقي إلى تلك الأماكن .

    قال : فكتبت إليه أبياتا منها :

    أتراكم فالنقا فالمنحنا * يوم سلع تذكرونا ذكرنا

    انقطعنا ووصلتم فاعلموا * واشكروا المنعم يا أهل منى

    قد ربحتم وخسرنا فصلوا * بفضول الربح من قد غبنا

    يا سقى اللّه الحمى أنتم به * ورعى تلك الرّبى والدمنا

    سار قلبي خلف أجمالكم * غير أن الوهن عاق البدنا

    ما قطعتم واديا إلا وقد * جئته أسعى بأقدام المنى

    إن سقيتم ديمة هاطلة * فدموعي قد جرت لي أعينا

    وأنادي كلما لبّيتم * في فؤادي أسفا وا حزنا

    بدني نضو لأبدانكم * والذي أقلقني أني هنا

    آه وا شوقي إلى ذاك الحمى * شوق محزون حليف شجنا

    سلّموا مني على أربابه * أخبروهم أنني حلف الضنا

    أنا مذ غبتم على تذكاركم * أتراكم عندكم ما عندنا

    عرفكم تعرفه ريح الصبا * كلما مرّت به مرّ بنا

    درّ درّ الوصل ما أعذبه * ليته يرضى بروحي ثمنا

    زمنا مذ زال أولى زمنا * فأعاد اللّه ذاك الزمنا



    روينا من حديث ابن مروان ، نبأ محمد بن عمرو ، نبأ محبوب بن المكرم قال :

    قال يوسف بن أسباط : تخليص النية من فسادها أشدّ على العالمين من طول الاجتهاد .

    روينا عن محمد بن يونس ، عن الأصمعي ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه قيل له : ما الإيمان ؟

    قال : الصبر والسماحة . فقيل : ما الصبر والسماحة ؟

    قال : الصبر عن محارم اللّه ، والسماحة بفرائض اللّه .






    “ 221 “



    مجنون وعظ عاقلا فما ظنك بعاقلهم

    قال ابن حبيب : قال عبد اللّه بن خالد الطوسي : لما خرج الرشيد إلى مكة ماشيا من أجل يمينه ، فرش له من العراق إلى الحجاز اللبود والمرعزي ، فاستند يوما وقد تعب إلى ميل ، فإذا بسعدون المجنون قد عارضه فقال :
    هب الدنيا تواتيكا * أليس الموت يأتيكا
    فما تصنع الدنيا بالدنيا * وظلّ الميل يكفيكا
    ألا يا طالب الدنيا * دع الدنيا لشانيكا
    كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيكا


    فشهق الرشيد شهقة وخرّ مغشيا عليه ، حتى فاتته ثلاث صلوات . ثم قال :
    الحمد للّه ثم الحمد للّه * ما ذا على الأرض من ساه ولا ولاه
    ما ذا يعاين ذو عينين من عجب * يوم الخروج من الدنيا إلى اللّه
    ومن شعر المهدي محمد بن عبد اللّه بن تونارت في عبد المؤمن بن علي يقول :
    تكاملت فيك أخلاق خصصت بها * فكلّنا بك مسرور ومغتبط
    السنّ ضاحكة والكفّ مانحة * والصدر متّسع والوجه منبسط

    خبر رويناه في مواقف يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
    حدثنا يونس بن يحيى بمكة تجاه الكعبة المعظمة سنة تسع وتسعين وخمسمائة قال :
    أنا أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف الأرموي ، أنا أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر المعروف بابن الخياط المقرئ قال :
    قرأ عليّ ابن سهل محمود بن عمر بن إسحاق العكبري ، وأنا أسمع ، قيل له :
    حدثكم أبو بكر محمد بن الحسن النقاس ، نبأ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الطبري البروزي ، ثنا محمد بن حميد الرازي أبو عبد اللّه ، نبأ سلمة بن صالح ، انا القاسم بن الحكم ، عن سلام الطويل ، عن غياث بن المسيب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، وزيد بن وهب ، عن عبد اللّه بن مسعود قال :
    كنت جالسا عند علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، وعنده ابن عباس ، وحوله عدة جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال علي :
    قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن في القيامة لخمسين موقفا ، كل موقف منها ألف سنة » .



    “ 222 “

    فأول موقف ، إذا خرج الناس من قبورهم ، يقومون على أبواب قبورهم ألف سنة ، عراة حفاة جياعا عطاشا ، فمن خرج من قبره مؤمنا بربه ، مؤمنا بنبيّه ، مؤمنا بجنّته وناره ، مؤمنا بالبعث والقيامة ، مؤمنا بالقضاء والقدر خيره وشره من اللّه ، مصدّقا بما جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم من عند ربه ، نجا وفاز وغنم وسعد .

    ومن شك في شيء من هذا بقي في جوعه وعطشه وغمّه وكربه ألف سنة ، حتى يقضي اللّه فيه بما يشاء . ثم يساقون من ذلك المقام إلى المحشر ، فيقفون على أرجلهم ألف عام في سرادقات النيران ، في حر الشمس ، والنار عن أيمانهم ، والنار عن شمائلهم ، والنار من بين أيديهم ، والنار من خلفهم ، والشمس من فوق رؤوسهم ، ولا ظل إلا ظل العرش .

    فمن لقي اللّه تبارك وتعالى شاهدا له بالإخلاص ، مقرّا بنبيّه صلى اللّه عليه وسلم ، بريئا من الشرك ومن السحر ، وبريئا من إهراق دماء المسلمين ، ناصحا للّه ورسوله ، محبّا لمن أطاع اللّه ورسوله ، مبغضا لمن عصى اللّه ورسوله ، استظل تحت ظل عرش الرحمن عز وجل ، ونجا من غمّه .

    ومن حاد عن ذلك ، ووقع في شيء من هذه الذنوب بكلمة واحدة ، أو تغيّر قلبه ، أو شك في شيء من دينه ، بقي ألف سنة في الحر والهمّ والعذاب ، حتى يقضي اللّه فيه بما يشاء . ثم تساق الخلق من النور إلى الظلمة فيقومون في تلك الظلمة ألف عام .

    فمن لقي اللّه تبارك وتعالى لم يشرك به شيئا ، ولم يدخل في قلبه شيء من النفاق ، ولم يشكّ في شيء من أمر دينه ، وأعطى الحق من نفسه ، وقال الحق ، وأنصف الناس من نفسه ، وأطاع اللّه عز وجل في السر والعلانية ، وقضى بقضاء اللّه ، وقنع بما أعطاه اللّه ، خرج من الظلمة إلى النور في مقدار طرفة عين مبيضّا وجهه ، وقد نجا من الغموم كلها .

    ومن خالف في شيء منها بقي في الغم والعذاب ألف سنة ، ثم خرج منها مسودّا وجهه ، وهو في مشيئة اللّه يفعل به ما يشاء . ثم يساق الخلق إلى سرادقات الحساب ، وهو عشر سرادقات ، يقفون في كل سرادق منها ألف سنة . فيسأل ابن آدم عند أول سرادق منها عن المحارم ، فإن لم يكن وقع في شيء منها جاز إلى السرادق الثاني ، فيسأل عن الأهواء ، فإن كان نجا منها جاز إلى السرادق الثالث ، فيسأل عن عقوق الوالدين ، فإن لم يكن عاقّا جاز إلى السرادق الرابع ، فيسأل عن حقوق من فوّض اللّه أمرهم إليه ، وعن تعليمهم القرآن ، وعن أمر دينهم وتأديبهم ، فإن كان قد فعل جاز إلى السرادق الخامس ، فيسأل عما ملكت يمينه ، فإن كان محسنا إليهم جاز إلى السرادق السادس ، فيسأل عن حق قرابته ، فإن كان قد أدى حقوقهم جاز إلى السرادق السابع ، فيسأل عن صلة الرحم ، فإن كان وصولا



    “ 223 “

    لرحمه جاز إلى السرادق الثامن ، فيسأل عن الحسد ، فإن كان لم يكن حاسدا جاز إلى السرادق التاسع ، فيسأل عن المكر ، فإن لم يكن مكر بأحد جاز إلى السرادق العاشر ،
    فيسأل عن الخديعة ، فإن لم يكن خدع أحدا نجا ، فنزل في ظل عرش اللّه عز وجل ، مقرّة عينه ، فرحا قلبه ، ضاحكا فاه . وإن كان قد وقع في شيء من هذه الخصال بقي في كل موقف منها ألف عام ، جائعا ، عطشا ، باكيا ، حزينا ، مهموما مغموما ، لا تنفعه شفاعة شافع .
    ثم يحشرون إلى أخذ كتبهم بأيمانهم وشمائلهم ، فيحبسون عن ذلك في خمسة عشر موقفا :
    كل موقف منها ألف سنة .
    فيسألون في أول موقف منها عن الصدقات وما فرض اللّه عليهم في أموالهم ، فمن أدّاها كاملة جاز إلى الموقف الثاني .
    فيسأل عن قول الحق والعفو عن الناس ، فمن عفا عفي عنه ، وجاز إلى الموقف الثالث .
    فيسأل عن الأمر بالمعروف ، فإن كان أمر بالمعروف جاز إلى الموقف الرابع .
    فيسأل عن النهي عن المنكر ، فإن كان ناهيا عن المنكر جاز إلى الموقف الخامس .
    فيسأل عن حسن الخلق ، فإن كان حسن الخلق جاز إلى الموقف السادس .
    فيسأل عن الحب في اللّه ، والبغض في اللّه ، فإن كان محبّا في اللّه ، مبغضا في اللّه عز وجل جاز إلى الموقف السابع .
    فيسأل عن المال الحرام ، فإن لم يكن أخذ شيئا جاز إلى الموقف الثامن .
    فيسأل عن شرب الخمر ، فإن لم يكن شرب من الخمور شيئا جاز إلى الموقف التاسع .
    فيسأل عن الفروج الحرام ، فإن لم يكن أتاها جاز إلى الموقف العاشر . فيسأل عن قول الزور ، فإن لم يكن قالها جاز إلى الموقف الحادي عشر .
    فيسأل عن الأيمان الكاذبة ، فإن لم يكن حلفها جاز إلى الموقف الثاني عشر .
    فيسأل عن أكل الربا ، فإن لم يكن أكله جاز إلى الموقف الثالث عشر .
    فيسأل عن قذف المحصنات ، فإن لم يكن قذف المحصنات جاز إلى الموقف الرابع عشر .
    فيسأل عن شهادة الزور ، فإن لم يكن شهدها جاز إلى الموقف الخامس عشر .
    فيسأل عن البهتان ، فإن لم يكن بهت مسلما نزل تحت لواء الحمد ، وأعطي كتابه بيمينه ، ونجا من همّ الكتاب وهوله ، وحوسب حسابا يسيرا .
    وإن كان قد وقع في شيء من هذه الذنوب الكبائر ، ثم خرج من الدنيا غير تائب من ذلك ، بقي في كل موقف من هذه الخمسة عشر موقفا ألف سنة في الهمّ والغمّ والهول والحزن والجوع والعطش ، حتى يقضي اللّه عز وجل فيه بما يشاء .
    ثم يقام الناس في قراءة كتبهم ألف عام ، فمن كان سخيا قدّم ماله ليوم فقره وحاجته وفاقته ، قرأ كتابه ، وهوّن عليه قراءته وكسي من ثياب الجنة ، وتوّج من تيجان الجنة ، وأقعد تحت ظل العرش عز وجل آمنا مطمئنا .

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 03:20