..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 7

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 15:00

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء السابع
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 106 “

    وأما الوليد بن عبد الملك

    فهو الذي بنى جامع دمشق ، وزاد فيه كنيسة النصارى ، وولّي عمر بن عبد العزيز المدينة ، وأقام بها سبع سنين وخمسة أشهر ، وشيّد مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم . وفي أيامه فتحت بلاد الأندلس ، وحملت إليه منها مائدة سليمان ، وهي من خليطين : ذهب وفضة ، وعليها ثلاثة أطواق من لؤلؤ ، وحمل إليه كل ما أخذ منها من لؤلؤ وياقوت وزمرد ، سوى ما أخفي : مائة وثلاثة عشر عجلة . وفي أيامه كان الطاعون الجارف . مات في ثلاث أيام ثلاثمائة ألف . وفيها مات الحجاج بواسط في رمضان سنة خمس وتسعين ، وله ثلاث وخمسون سنة . وولّي الحجاج العراق عشرين سنة . وعدد من قتله الحجاج صبرا مائة وعشرون ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، وحج بالناس سنة ثمان وثمانين ، وإحدى وتسعين ، وأربع وتسعين .



    وأما سليمان بن عبد الملك

    فكان نكاحا ، شرها في الأكل ، يأكل في كل يوم نحوا من مائة رطل . وبنى ميناء الرملة سنة ثمان وتسعين ، وحج بالناس سنة سبع وتسعين .

    وأما عمر بن عبد العزيز

    فهو الذي بنى الجحفة ، واشترى ملطية من الروم بمائة ألف ، وحج بالناس سنة تسع وتسعين ، وكان له ولد ناسك اسمه عبد الملك ، مات في حياته وله تسع وثمانون سنة .

    وأما يزيد بن عبد الملك

    فإنه كان صاحب لذّات قد تعشق بجاريتين : اسم واحدة حبابة والأخرى سلامة ، فماتت حبابة فحزن عليها وتركها ولم يدفنها ، فعوتب فدفنها ثم نبشها وأخرجها ، ومات بعدها بيسير حزنا عليها . وفي أيامه خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، ووجّه إليه أخاه مسلمة وقتله ، ولم يحجّ في خلافته .

    وأما هشام بن عبد الملك
    فخرج في خلافته زيد بن علي بالكوفة ، ودعا لنفسه ، فقتله يوسف بن عمر وصلبه ،



    “ 107 “



    وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائة . وفي أيامه بنى سعيد أخوه قبة بيت المقدس . وحج بالناس سنة ست وعشرين ومائة .


    وأما الوليد بن يزيد
    فهو الذي دفع خالد بن عبد اللّه القسري إلى يوسف بن عمر فقتله . وصار إليه ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك فقتله في يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة . وحبس ولديه : عثمان والحكم . وكان الوليد قد عهد إليهما ولم يزالا في الحبس إلى أن ولّي مروان الحمار فقتلا . قال صالح بن الوجيه : لما قتل الوليد بن يزيد حمل رأسه إلى دمشق ، ونصب في مسجدها ، ولم يزل أثر دمه بالجدار إلى أن ولّي المأمون ، فأمر بحكّه .
    وأما يزيد بن الوليد بن عبد الملك الذي قتله الوليد بن يزيد
    لما ولّي بعده فنقص الجند عطاياهم ، فسمّوه الناقص .


    وأما مروان بن محمد الذي يلقّب بالحمار
    يقال له الجعدي لأن خاله الجعد بن درهم ، فلم يزل مروان ظاهرا إلى أن ظهر أبو مسلم الخراساني ، وبويع للسفاح بالكوفة في شهر ربيع الأول سنة اثنين وثلاثين ومائة ، وسار عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه بن العباس إلى مروان الحمار ، بأمر السفاح ، فانهزم مروان ، فاتبعه عبد اللّه حتى نزل نهر قلان بفلسطين ، وقتل جماعة من بني أمية ، فهرب مروان إلى مصر ، ولقيه صالح بن علي أخو عبد اللّه بن علي ببوصير قرية من صعيد مصر ، فقتله ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي الحجة سنة اثنين وثلاثين ومائة ، تم المجلس .


    موعظة عبد اللّه العمري للرشيد بمكة
    روينا من حديث ابن إسحاق ، وهو محمد بن إسحاق بن عبد الرحمن البغوي ، قال : سمعت سعيد بن سليمان ، قال : كنت بمكة في زقاق الشطويّ وإلى جنبي عبد اللّه بن عبد العزيز العمري ، وقد حج هارون الرشيد ، فقال له إنسان : يا أبا عبد اللّه ، هو ذا أمير المؤمنين يسعى وقد أخلي له المسعى ، قال العمري للرجل : لا جزاك اللّه خيرا ، كلفتني


    “ 108 “


    أمرا كنت عنه غنيا . ثم قام ، فتبعته ، فأقبل هارون الرشيد من المروة يريد الصفا ، فصاح به : يا هارون . فلما نظر إليه قال : لبيك يا عمري ، قال : ارق الصفا ، فلما رقيه ، قال : ارم بطرفك إلى البيت ، قال : قد فعلت . قال : كم هم ؟ قال : من يحصيهم ؟ قال : فكم من الناس مثلهم ؟ قال : خلق لا يحصيهم إلا اللّه . قال : اعلم أيها الرجل أن كل واحد منهم يسأل عن خاصة نفسه ، وأنت وحدك تسأل عنهم كلهم ، فانظر كيف تكون ؟ قال : فبكى هارون وجلس ، وجعلوا يعطونه منديلا منديلا للدموع .

    قال العمري : وأخرى أقولها ، قال : قل يا عم . قال : واللّه إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر عليه ، فكيف بمن أسرف في مال المسلمين ؟ ثم مضى وهارون يبكي .
    قال سعيد بن سليمان البغوي : فبلغني أن هارون الرشيد كان يقول : إني لأحب أن أحج في كل سنة ، ما يمنعني إلا رجل من ولد عمر ، ثم يسمعني ما أكره . حدثني بهذه الحكاية يونس بن يحيى بمكة ، قال : ثنا أبو بكر بن منصور ، عن أبي إسحاق ، عن إبراهيم بن سعيد الحبّاك ، ثنا الحافظ ، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن الجراح ، عن محمد بن جعفر بن زاذان ، عن هارون بن عبد العزيز العباسي ، ثنا محمد بن خلف بن حبان ، عن محمد بن إسحاق بن عبد الرحمن البغوي .

    وروينا من حديث ابن ودعان ، عن أبي الموفق محمد بن محمد بن الحسن النيسابوري ، عن سلمة بن خلف ، عن إبراهيم بن محمد ، عن أحمد بن عبد الجبار العطار ، عن وكيع بن الجراح ، عن سليمان بن إبراهيم ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يقول اللّه تعالى : يا ابن آدم ، تؤتى كل يوم برزقك وأنت تحزن ، وينقص كل يوم من عمرك وأنت تفرح ، أنت فيما يكفيك ، وأنت تطلب ما يطغيك ، لا بقليل تقنع ، ولا بكثير تشبع » .
    وسمعنا على قول الشريف الرضي في التوديع بالنفس :
    أراك ستحدث للقلب وجدا * إذا ما الركائب ودّعن نجدا
    بواكر يطلعن وقت الغوير * شؤون النواظر نايا وبعدا
    كانا بنجد غداة الوداع * نداوي عيونا من الدمع رمدا
    وأيسر ما نال منا العليل * أن لا يحس من الماء بردا
    أثاروا زفيرا يلف الضلوع * لفّ الرياح أنابيب ملدا
    فكل حرارات أنفاسه * تدل على أن في القلب وقدا
    وأنى للشوق من بعدهم * أراعي الجنوب مراحا ومغدا


    “ 109 “


    وأفرح من نحو أوطانهم * بغيث يجلل برقا ورعدا
    إذا طلع الركب يممتهم * أحيي الوجوه كهلا ومردا
    وأسألهم عن عقيق الحمى * وعن أرض نجد ومن حلّ نجدا
    نشدتكم اللّه فلتخبرون * بمن كان أقرب للرمل عهدا
    هل الدار بالجزع مأهولة * آثار الربيع عليها وأسدى
    وهل جلّل الغيث أخلافه * على مخضر من زرود وبندا
    وهل أهله عن تنائي الديار * يراعون عهدا ويرعون ودّا

    وسمعنا على قول مهيار في التوديع بالنفس :
    لو كنت تتلو غداة البين أخباري * علمت أن ليس ما عيّرت بالعار
    شوقي إلى وطن المحبوب جاذب أض * لاعي ودمعي جرى من فرقة الجار
    ووقفة لم أكن فيها بأول من * بان الخليط فداوى الوجد بالدار
    ونمّ في البرق زفراتي فلو علمت * عيناك من أين ذاك البارق الساري
    طارت شراراته في جو كاظمة * تحت الدجى بلباناتي وأوطاري
    هل بالديار على لومي ومعذرتي * دعوى تقام على وجدي وتذكاري
    أم أنت تعدل فيما لا تريد به * إلا مداواة حرّ النار بالنار


    وسماعنا على قوله أيضا في ذلك بالنفس :
    من بمنى وأين جيران منى * كانت ثلاثا لا تكون أربعا
    سلبتموني كبدا صحيحة * أمس فردّوها عليّ قطعا
    عدمت صبري فجزعت بعدكم * ثم ذهلت فعدمت الجزعا
    فأرجعا لي ليلة بحاجر * إن تمّ في الغائب أن يرتجعا
    وغفلة سرقتها من زمن * بلعلع سقى الغمام لعلعا

    ومن وقائع بعض الفقراء ما حدثنا عبد اللّه المروزي بمروز ، قال : قال لي بعض الصالحين : رأيت في الواقعة أبا مدين وخلقا كثيرا من أهل التصوّف لم أعرف منهم إلا أبا حامد الغزالي ، وأبا طالب المكي ، وأبا يزيد البسطامي ، فقالوا لأبي مدين : زدنا من الغذاء الباقي .


    فقال : التوحيد هو الأصل وإليه الطريق ، وهو القطب وعليه التخليق ، وهو تاج العارفين وبه سادوا وبأخلاقه تخلّقوا وله انقادوا ، هو بهم برّ وصول ، منه البداية وإليه الوصول ، نور قلوبهم بالحكمة والإيمان ، وشرح صدورهم فتخلّقوا بالقرآن ، ففهموا



    “ 110 “



    معانيه وبان لهم المراد . فدامت فكرتهم فيه فمنعهم السهاد ، وما عرّجوا على أهل ولا أولاد . ولم يشركوا بعبادة ربهم أحدا .
    هو الضياء بمشكاة قلب العارف عنه ينطق وبه يكاشف ، ولم يلتفت إلى ما سواه ، ولم يدّخر سوى مولاه ، وهو حياته ونشوره ، وبه أشرقت شمسه ونوره ، يمدّه بدقائق المعاني ، فيميز بين الباقي منه والفاني ، فيعبر عنه بمعاني روحانية ، تقصر عن إدراكها الصفات البشرية ، ويعيها من هو بالتوحيد حي ذو عيان 7 ويعجز عنها من رضي بنعيم الجنان . فالعارف لذّته ذكره مولاه ، وهو كليته ، والظاهر بعبادته ، ومفصحه بالعلم ، وهاديه لبيانه ، أمدّ سره من سره ، فأنطق لسانه بالحكمة ، فجذب الخلق إليه ، وهدى به الأمة ، فكشف له الغطاء عن أسرار التوحيد ، وتجلى لقلبه من هو أقرب إليه من حبل الوريد . فتألفت متفرقاته ، ففني عن رسومه ، وكاشفه به ، وشرفه بعلومه ، فاهتزت أرضه ، ونبع ماؤه ، فوسعه قلبه ، وما وسعته أرضه ، ولا سماؤه .

    هكذا جاء في الخبر ، عن سيد البشر ، هو مأوى العارف ، وهو الأمل . وقد صحّت له محبته في الأزل ، فألبسه التقوى ، وزيّنه بالتجريد ، وأقامه للعيان ، وأفناه في التوحيد .
    سقاه شرابا رويّا ، وغذّاه بلبان اللب ، واتصل بالمحل الخالص من اللقاء والقرب .

    ومن باب من يتوكل على اللّه فهو حسبه
    ما أخبرنا به أحمد بن عبد الوهاب بن علي بن عبيد اللّه ببغداد ، قال : أخبرني والدي ، قال : انا الخطيب أبو محمد عبد اللّه بن محمد بن عبد اللّه الصريفيني ، أنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن حبابة . أخبرنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، ثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، قال :

    سمعت هلال بن حصن قال : أتيت المدينة فنزلت دار أبي سعيد الخدري فضمّني وإياه المجلس ، فحدّث أنه أصبح ذات يوم وليس عندهم طعام ، وأصبح وقد عصب على بطنه حجرا من الجوع ، فقالت لي امرأتي : ائت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقد أتاه فلان فأعطاه ، وفلان فأعطاه .

    قال : فأتيته فقلت : ألتمس شيئا فأطلب ، فانتهيت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يخطب ويقول :
    « من يستعفف يعفه اللّه ، ومن يستغن يغنه اللّه ، ومن سألنا شيئا أعطيناه وواسيناه ، ومعن استعفّ عنا واستغنى فهو أحبّ إلينا ممن سألنا » . قال : فرجعت وما سألته ، فرزقني اللّه تعالى حتى ما أعلم أهل بيت من الأنصار أكثر أموالا منا .


    “ 111 “


    قصة ما جرى لأمير المؤمنين المنصور بمكة مع بعض الفقراء
    روينا عن غير واحد أن أبا جعفر المنصور بينما هو طائف بالبيت ليلا إذ سمع قائلا يقول : اللهم إنّا نشكو إليك ظهور البغي والفساد في الأرض ، وما يحول بين الحق وأهله من الطمع .

    فخرج المنصور ، فجلس في ناحية من المسجد ، ثم أرسل إلى الرجل فصلّى ركعتين ، ثم استلم الركن ، وأقبل مع الرسول ، فسلم عليه بالخلافة ، فقال له المنصور : ما الذي سمعتك تذكر ؟ قال : إن أمّنتني يا أمير المؤمنين أعلمتك بالأمور كلها من أصولها ، وإلا اقتصرت على نفسي ، ففيها لي شغل شاغل . قال : فأنت آمن على نفسك .

    فقال : يا أمير المؤمنين ، إن اللّه قد استرعاك أمر عباده وأموالهم ، فجعلت بينك وبينهم حجابا من الجصّ والآجر ، وأبوابا من الحديد ، وحراسا معهم السلاح ، ثم سجنت نفسك منهم ، وبعثت عمالك في جباية الأموال وجمعها ، وأمرت أن لا يدخل عليك من الناس إلا فلان وفلان ، ولم تأمر بإيصال المظلوم والملهوف إليك ، ولا أحد إلا وله في هذه الأموال حق . فلما رآك النفر الذين استخلصتهم لنفسك ، وآثرتهم على رعيتك ، وأمرت أن لا يحجبوا دونك ، تحب الأموال وتجمعها ، قالوا : هذا قد خان اللّه ، فما لنا لا نخونه ؟

    فأتمروا أن لا يصل إليك من علم أخبار الناس إلا ما أحبّوه ، ولا يخرج لك عامل إلا خوّنوه عندك وعابوه حتى تسقط منزلته عندك .
    فلما انتشر ذلك عنك وعنهم ، أعظمهم الناس وهابوهم وصانعوهم .

    وكان أول من صانعهم عمالك بالهدايا والأموال ، ليستعينوا بذلك على ظلم رعيتك . ثم فعل ذلك ذوو المقدرة والأموال من رعيّتك ، ليتوصلوا إلى ظلم من دونهم . فامتلأت بلاد اللّه ظلما وبغيا وفسادا ، وصار هؤلاء القوم شركاءك وأنت غافل . فإن جاء متظلم حيل بينك وبينه ، وإن أراد رفع قصته إليك وجدك قد نهيت عن ذلك ، ووقفت للناس رجلا ينظر في مظالمهم ، فإن جاءك ذلك المتظلم وبلغ بطانتك خبره ، سألوا صاحب المظالم أن لا يرفع مظلمته إليك . فلا يزال المظلوم يختلف إليه ، ويلوذ به ، ويشكو ويستغيث وهو يدفعه ، فإذا جهد وخرج ، وظهر إليك وصرخ بين يديك ، ضرب ضربا مبرحا يكون نكالا لغيره ، وأنت تنظر ولا تنكر . فما بقاء الإسلام على هذا ؟
    قال : فبكى المنصور بكاء شديدا ، وقال : ويحك ، كيف أحتال لنفسي ؟
    قال : يا أمير المؤمنين ، إن للناس أعلاما يفزعون إليهم في دينهم ، ويرضون بهم في دنياهم ، وهم :



    “ 112 “



    العلماء وأهل الديانة . فاجعلهم بطانتك يرشدوك ، وشاورهم يسدّدوك . فقال : قد بعثت إليهم فهربوا مني . فقال : خافوا أن تحملهم على طريقتك ، ولكن : افتح بابك ، وسهّل حجّابك ، وانصر المظلوم ، واقمع الظالم ، وخذ الفيء والصدقات على وجوهها ، وأنا ضامن عنهم أنهم يأتونك فيساعدونك على صلاح الأمة . ثم أذن بالصلاة ، فقام يصلي وعاد إلى مجلسه ، ثم طلب الرجل فلم يجده .

    وأنشدنا محمد بن عبد الواحد ، عقب ما سمعته يقول هذه الحكاية :
    فاعمل لنفسك واجتهد * إن كنت ترغب في السلامة
    من قبل أن يأتي الحمام * وقبل أن تأتي القيامة
    يوما تعضّ ندامة * كفّا وما تغني الندامة

    وأنشد بعضهم في الزهد ومعناه :
    طلّق الدنيا ثلاثا * والتمس زوجا سواها
    إنها زوجة سوء * لا تبالي من أتاها
    تب إلى ربك منها * واحترس قبل أذاها
    وانه للنفس عن ال * غيّ وجنّبها هواها
    فبهذا تدخل ال * جنة فاحذر وتناها

    حدثنا محمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم ، قال : قرأت على عمر بن عبد الحميد بمكة ، أن عبد اللّه بن العباس قال في قوله تعالى : يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ، قال : مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان ، فعدهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ، فقال عمر لعلي : يا أبا الحسن ، لو نذرت عن ابنيك نذرا إن اللّه عافاهما ، قال : أصوم ثلاثة أيام شكرا للّه . قالت فاطمة : وأنا أيضا أصوم ثلاثة أيام شكرا للّه . وقال الصبيان : ونحن نصوم ثلاثة أيام . وقالت جاريتهما فضة : وأنا أصوم ثلاثة أيام . فألبسهما اللّه العافية ، فأصبحوا صياما وليس عندهم طعام . فانطلق علي إلى جار له من اليهود يقال له شمعون ، يعالج الصوف ، فقال له : هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة آصع من شعير ؟ قال : نعم . فأعطاه ، فجاء بالصوف والشعير ، فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت ، ثم غزلت ثلث الصوف ، وأخذت صاعا من الشعير ، فطحنته وعجنته ، وخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرصا .

    وصلى عليّ رضي اللّه عنه مع النبي صلى اللّه عليه وسلم المغرب ، ثم أتى إلى منزله فوضع الخوان فجلسوا ، فأول لقمة كسرها علي رضي اللّه عنه ، إذا مسكين واقف على الباب ، فقال :


    “ 113 “


    السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنة . فوضع عليّ اللقمة من يده ، ثم قال :

    أفاطمة المجد واليقين * يا بنت خير الناس أجمعين
    أما تري ذا البائس المسكين * جاء إلى الباب له حنين

    كل امرئ بكسبه رهين
    فقالت فاطمة رضي اللّه عنها من حينها :
    أمرك سمع يا ابن عم وطاعة * ما لي من لوم ولا ضراعه

    غديت باللب وبالبراعة * أرجو إذا أنفقت من مجاعة
    أن ألحق الأبرار والجماعة * وأدخل الجنة في الشفاعة

    قال : فعمدت إلى ما في الخوان ، فدفعته إلى المسكين ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا صياما ، لم يذوقوا إلا الماء القراح . ثم عمدت إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته ، ثم أخذت صاعا فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكل واحد قرصا .

    وصلى عليّ المغرب مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم أتى إلى منزله ، فلما وضعت الخوان وجلس ، فأول لقمة كسرها علي رضي اللّه عنه ، إذا بيتيم من يتامى المسلمين قد وقف على الباب وقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، أنا يتيم من يتامى المسلمين ، أطعموني مما تأكلون أطعمكم اللّه من موائد الجنة .

    فوضع علي اللقمة من يده وقال :
    أفاطم بنت السيد الكريم * قد جاءنا اللّه بذا اليتيم
    من يطلب اليوم رضى الرحيم * موعده في جنة النعيم

    فأقبلت السيدة فاطمة رضي اللّه عنها وقالت :
    فسوف أعطيه ولا أبالي * وأوثر اللّه على عيالي
    أمسوا جياعا وهم أمثالي * أصغرهم يقتل في القتال

    ثم عمدت إلى جميع ما كان في الخوان فأعطته اليتيم ، وباتوا جياعا لم يذوقوا إلا الماء القراح ، وأصبحوا صياما . وعمدت فاطمة إلى باقي الصوف فغزلته ، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرصا .
    وصلى عليّ المغرب مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم أتى إلى منزله فقرّبت إليه الخوان ، ثم جلس ، فأول لقمة كسرها ، إذا أسير من أسارى المسلمين بالباب فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، إن الكفار أسرونا وقيّدونا وشدّونا فلم يطعمونا . فوضع علي اللقمة من يده ، وقال :




    “ 114 “


    يا فاطمة بنت النبي أحمد * بنت نبي سيد مسوّد
    هذا أسير جاء ليس يهتدي * مكبّل في قيده المقيّد
    يشكو إلينا الجوع والتشدد * من يطعم اليوم يجده في غد
    عند العليّ الواحد الموحّد * ما يزرع الزراع يوما يحصد


    فأقبلت فاطمة رضي اللّه عنها تقول :
    لم يبق مما جاء غير صاع * قد دبرت كفي مع الذراع
    وابناي واللّه لد أجاعا * يا رب لا تهلكهما ضياعا


    ثم عمدت إلى ما كان في الخوان ، فأعطته إياه ، فأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء .
    وأقبل عليّ والحسن والحسين نحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهما يرتعشان كالفرخين من شدة الجوع ، فلما أبصرهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « يا أبا الحسن ، أشد ما يسوؤني ما أدرككم ، انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة » ، فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع ، وغارت عيناها . فلما رآها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضمها إليه وقال : « وا غوثاه » . فهبط جبريل عليه السلام وقال : يا محمد ، خذ هنيئا في أهل بيتك ، قال : « وما آخذ يا جبريل ؟ » ، قال : وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ، إلى قوله : وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً .


    ومن محاسن الكلام ما قاله الفضل بن سهل للمأمون ، وقد سأله حاجة لبعض أهل بنو بات دهاقين سمرقند ، وكان وعده تعجيل إنفاذها فتأخر ذلك ، قال : يا أمير المؤمنين ، هب لوعدك مذكرا من نفسك ، وهب لسائلك حلاوة نعمتك ، واجعل ميلك إلى ذلك في الكرم حتى تشهد لك القلوب بحقائق الكرم ، والألسن بنهاية الجود . فقال له أمير المؤمنين : قد جعلت لك إجابة سؤالي عني بما ترى فيهم ، وأخذك بما يلزم لهم من غير استثمار ومعاودة في إخراج الصكاك من حصر الأموال متناولا . وقال له يوما : يا أمير المؤمنين ، اجعل نعمتك صيانة لوجوه خدمك عن إراقة مائها في غضاضة السؤال .
    فقال : واللّه لا كان ذلك إلا كذلك .

    ومن هذا الباب ما حكاه أبو وجرة الأسلمي لما قدم على المهلب بن أبي صفرة ، فقال : أصلح اللّه الأمير ، إني قطعت إليك أرض الدهناء ، وضربت إليك آباط الإبل من يثرب ، فقال : هل أتيتنا بوسيلة أو عشيرة أو قرابة ؟ قال : لا ، ولكني رأيتك لحاجتي أهلا فإن قمت بها فأهل لذلك أنت ، وإن يحل دونها حائل لم أذمم يومك ، ولم أيأس من غدك .
    قال المهلب : يعطى ما في بيت المال فوجد فيه مائة ألف درهم فدفعت إليه ، فأخذها ، وقال :




    “ 115 “


    يا من على الجود صاغ اللّه راحته * فليس يحسن غير البذل والجود
    عمّت عطاياك من بالشرق قاطبة * فأنت والجود منحوتان من عود

    خبر الحطيئة الشاعر مع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    لما رفع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن الحطيئة آذى الناس بهجائه ، فاستحضره وأنّبه وأوهمه أنه يقطع لسانه ، فقال له الحطيئة : باللّه يا أمير المؤمنين إلا ما أقلتني فقد هجوت واللّه أمي وأبي وامرأتي ونفسي . فقال له عمر : ما الذي قلت في أمك ؟
    قال : قلت فيها ، والجواب للأب :
    ولقد رأيتك في النساء فسؤتني * وأبا بنيك فساءني في المجلس

    وقلت فيها أيضا :
    تنحّي فاجلسي مني بعيدا * أراح اللّه منك العالمينا
    أغربالا إذا استودعت سرا * وكانونا على المتحدثينا

    ثم قلت في امرأتي :
    أطوّف ما أطوّف ثم آوي * إلى بيت قعيدته لكاع

    ثم نظرت في بئر فرأيت وجهي فاستقبحته فقلت :
    أبت شفتاي اليوم إلا تكلما * بشرّ فما أدري لمن أنا قائله
    أرى لي وجها قبّح اللّه خلقه * فقبح من وجه وقبح حامله

    فأمر به فسجن في قعب ، فكتب إليه بعد أيام يقول :
    ما ذا تقول لأفراخ بذي مرح * حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
    ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة * فاغفر عليك سلام اللّه يا عمر
    أنت الإمام الذي من بعد صاحبه * ألقت إليك مقاليد النهي البشر
    ما آثروك بها إذ قدّموك لها * لا بل لأنفسهم قد كان الأثر

    فأمر به فأحضره فاستتوبه وخلى سبيله . ا ه .




    “ 116 “


    ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ )
    *من محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
    روينا من حديث الهاشمي يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : « يا أيها الناس ، أقبلوا على ما كلفتموه من إصلاح آخرتكم ، وأعرضوا عما ضمن لكم من أمر دنياكم ، ولا تستعملوا جوارحا غذيت بنعم اللّه في التعرض لسخطه بمعصيته ، واجعلوا شغلكم بالتماس مغفرته ، واصرفوا هممكم إلى التقرب إليه بطاعته ، فإنه من بدأ بنصيبه من الدنيا فاته نصيبه من الآخرة ، ولا يدرك منها ما يريد ، ومن بدأ بنصيبه من الآخرة وصل إليه نصيبه من الدنيا ، وأدرك من الآخرة ما يريد » .

    ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى : ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي بمروزة ، قال : قال لي بعض الصالحين : رأيت في الواقعة أبا مدين ، وأبا حامد ، وأبا طالب ، وأبا يزيد ، وجملة من الصوفية ، فقال أبو يزيد للشيخ ، يعني أبا مدين : زدنا من التوحيد شيئا . فقال : التوحيد هو النور الذي منه مادة كل نور ، وما عداه فأغشية وستور .

    هو الساتر المستور ، وهو الأصل في كل الأمور ، مادّته لكل ناقص وزائد ، وما تفرّق في الوجود فهو عنده واحد . أودع بعض العارفين من الأسرار ما ميّزه بها عن الأغيار ، وأجرى ينابيع الحكمة في قلبه فأنبتت أرضه ثمار الإيمان ، وأزهرت بأنوار الإحسان ، فأعبقت بنسيم الذكر ، وجال فكره في ميدان الفكر ، فرئي في حضرة الملكوت شاخصا .

    واختطفه معنى الوحدانية مقافصا ، فأفنته عن وجوده وعن الإحساس ، وغيّبته عن مشاهدة الأنواع والأجناس ، فكشفت له الغطاء عن سر الأسرار ، فتلاشت الآثار والأخبار ، فعاين من عظمة الجلال ما يليق به ، وكشف السر الإلهي لعينه من غيبه ، فامتزج نوره بنور النور ، وتجلّى لقلبه الملك الغفور .

    فصفات العارف أبدا تسمو وترقى ، وأسراره لمالكه تزداد شوقا . قلبه له أبدا سليم ، وسرّه في الحضرة معه مقيم ، ليس منه في الوجود إلا ظاهره ، ينتظر ما ترد به أوامره ، لا



    “ 117 “


    يشغله أبدا عنه شاغل . هو معه كالميت بين يدي الغاسل ، يقلبه في أي الجهات كيف شاء ، ويكشف عن قلبه كل غشاء ، فينظره بعين التحقيق ، فيرد إليه الخلق من كل طريق . فالعارف من آفات الغير محفوظ ، وكل ما سوى الحق عنه مرفوض . ركن إلى الحصن المنيع فأواه ، ودق نظره في معرفته فتمعنى بمعناه ، فنودي من حضرة مولاه : وحّدني فإني أنا اللّه .
    حكي عن النعمان بن المنذر أنه خرج لصيد ومعه عديّ بن زيد العبّادي ، فمرّ بآرام ، وهي القبور ، فقال عدي : أبيت اللعن ، أتدري ما تقول هذه الآرام ؟ قال : لا . قال : إنها تقول :

    أيها الركب المخبّون * على الأرض تمرّون
    لكما كنتم كنّا * وكما نحن تكونون

    فقال : أعدها ، فأعادها . فرجع كئيبا ، وترك صيده .
    وخرج معه مرة أخرى ، فوقف على القبور بظاهر الحيرة فقال : أبيت اللعن ، أتدري ما تقول هذه الآرام ؟ فقال : لا . فقال : إنها تقول :
    ربّ ركب قد أناخوا عندنا * يشربون الخمر بالماء الزلال
    ثم أضحوا ضعف الدهر بهم * وكذاك الدهر حالا بعد حال

    فانصرف أيضا وترك صيده .
    ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وروينا من حديث أحمد بن عبد اللّه بن عباس . حدّثه عن أبيه أن عمر بن عبد العزيز شيّع جنازة ، فلما انصرفوا تأخر عمر وأصحابه ناحية عن الجنازة ، فقال له أصحابه : يا أمير المؤمنين ، جنازة أنت وليّها تأخرت عنها وتركتها ! فقال : نعم ، ناداني القبر من خلفي : يا عمر بن عبد العزيز ، ألا تسألني ما صنعت بالأحباب ؟ قلت : بلى .

    قال : خرقت الأكفان ، ومزّقت الأبدان ، ومصصت الدم ، وأكلت اللحم . قال : ألا تسألني ما صنعت بالأوصال ؟ قلت : بلى . قال : نزعت الكتفين من الذراعين ، والذراعين من العضدين ، والعضدين من الوركين ، والوركين من الفخذين ، والفخذين من الركبتين ، والركبتين من الساقين ، والساقين من القدمين .

    ثم بكى عمر ، ثم قال : ألا إن الدنيا بقاؤها قليل ، وغرورها كثير ، وعزيزها ذليل ، وغنيّها فقير ، وشابّها يهرم ، وحبّها يموت . ولا يغرّنكم إقبالها مع معرفتكم بسرعة إدبارها ، والمغرور من اغترّ بها .
    أين سكانها الذين بنوا مدائنها ، وشقّوا أنهارها ، وغرسوا أشجارها ، وأقاموا فيها


    “ 118 “

    قليلا ؟ غرّتهم بصحّتهم فاغترّوا بنشاطهم ، فركبوا المعاصي ، وغفلوا العاصي . إنهم كانوا واللّه في الدنيا مغبوطين بالأموال على كثرة المنع إليه ، محسودين على جمعه مع كثرة التعب عليه . فانظر ما صنع التراب بأبدانهم ، والرمل بأجسامهم ، والديدان بعظامهم وأوصالهم .

    كانوا في الدنيا على أسرّة ممهّدة ، وفرش منضّدة ، بين خدم يخدمون ، وأهل يكرمون ، وجيران يعضدون . فإذا مررت فنادهم إن كنت مناديا ، ومرّ بعسكرهم ، وانظر إلى تقارب منازلهم ، وسل غنيّهم ما لقي من غناه ، وسل فقيرهم ما لقي من فقره ، وسل عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون ، وعن الأعين التي كانوا بها ينظرون ، وسلهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة ، والأجساد الناعمة ، ما صنعت بها الديدان : محت الألوان ، وأكلت اللحوم ، وعفرت الوجوه ، وقبّحت المحاسن ، وكسّرت الفقار ، وأبانت الأعضاء ، ومزّقت الأشلاء . وأين حجابهم وقبابهم ؟ وأين خدمهم وعبيدهم ، وجمعهم وكنوزهم ؟

    واللّه ما زوّدهم فراشا ، ولا وضعوا هناك متكأ ، ولا غرسوا لهم شجرا ، ولا أنزلوهم من اللحد قرارا ، أليسوا في منازل الخلوات والغلوات ؟ أليس النهار والليل عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء ؟ قد حيل بينهم وبين الأحباء .

    فكم من ناعم وناعمة أصبحوا ووجوههم بالية ، وأجسامهم من أعناقهم بائنة ، وأوصالهم متمزّقة ، وقد سالت الحدقات على الوجنات ، وامتلأت الأفواه ماء وصديدا ، ودبّت دوابّ الأرض في أجسادهم وفرّقت أعضاءهم ، ثم لم يلبثوا واللّه إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما . قد فارقوا الحدائق ، وساروا بعد السعة إلى المضايق ، قد تزوجت نساؤهم ، وترددت في الطرق أبناؤهم ، وتوزعت الورثة ديارهم وتراثهم . فمنهم واللّه الموسّع له في قبره الغضّ الناظر فيه المتنعم فيه بلذّته .

    يا ساكن القبر غدا ، ما الذي غرّك من الدنيا ؟ هل تعلم أنك تبقى أو تبقى لك ؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطّرد ؟ وأين ثمرتك الحاضرة ينعها ؟ وأين رفيق ثيابك ؟ وأين طيبك ؟

    وأين بخورك ؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك ؟ أما رأيته قد نزل به الأمر فما يدفع عن نفسه دخلا ، وهو يرشح عرقا ، ويتلمظ عطشا ، يتقلب في سكرات الموت وغمراته . جاء الأمر من السماء ، وجاء غالب القدر والقضاء ، وجاء من الأمر الأجل ما لا يمنع منه .

    هيهات هيهات يا مغمض الوالد والأخ والولد وغاسله ، يا مكفن الميت وحامله ، ويا مخلّيه في القبر وراجعا عنه . ليت شعري كيف أنت على خشونة الثرى ؟ يا ليت شعري بأي خدّيك بدا البلا ؟ يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموتى . ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك



    “ 119 “

    الموت عند خروجي من الدنيا ؟ وما يأتيني به من رسالة ربي . ثم تمثل فقال :
    تسرّ بما تفنى وتشغل بالمنى * فما اغتر باللّذات في النوم حالم
    نهارك يا مغرور سهو وغفلة * وليلك نوم والردى لك لازم
    وتعمل شيئا سوف تكره غبّه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم

    ثم انصرف ، فما بقي بعد ذلك إلا جمعة ومات رحمه اللّه . ولنا من هذا الباب :
    شاب فؤديّ وشبّ الأمل * ومضى العمر وجاء الأجل
    عسكر الموت لنا منتظر * فإذا سرنا إليهم رحلوا
    ليت شعري ليت شعري هل دروا * أنني بعدهم منتقل
    في فنون اللهو أفنى طربا * غافلا عما إليه أنتقل

    ولنا في المحاسبة وإضافة الأعمال إلى اللّه تعالى ، إذ لا فاعل إلا هو :
    تحاسبهم بما فعلوا * وما فعلوا الذي فعلوا
    وتطلبهم بما عملوا * وأنت خلقت ما عملوا
    فهل تنجيهم حجج * وهل يزكو لهم عمل
    لئن أخذوا بما عملوا * فأعظم منه ما جهلوا

    ولنا أيضا ، وقد تذكرت الأحبة في القبور :
    ضمّت لنا آرامنا الآراما * فكأن ذاك العيش كان مناما
    يا واقفين على القبور تعجبوا * من قائمين كيف صاروا نياما
    تحت التراب موسدين أكفهم * قد عاينوا الحسنات والآثاما
    لا يوقظون فيخبرون بما رأوا * لا بد من يوم يكون قياما

    ولما سجن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، قال في ذلك :
    خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها * فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا
    إذا دخل السجّان يوما لحاجة * عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا
    ونفرح بالرؤيا وجلّ حديثنا * إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا
    فإن حسنت كانت بطيئا مجيئها * وإن قبحت لم ننتظر وأتت سعيا

    موعظة
    ومما قيل في المحبين :
    ألا أحد يدعو لأهل محلة * مقيمين في الدنيا وقد فارقوا الدنيا



    “ 120 “


    كأنهم لم يعرفوا غير دارهم * ولم يعرفوا غير الشدائد والبلوى

    ولما سجن ابن المعتز قال :
    تعلمت في السجن نسيج الفتك * وكنت أمري قبل حبسي ملك
    وقيدت بعد ركوب الجياد * وما ذاك إلا بدور الفلك
    ألم تبصر الطير في جوّه * يكاد يلابس ذات الحبك
    إذا أبصرته خطوب الزمان * أوقعنه في حبال الشرك
    فهذاك من حالق قد يصاد * ومن قعر بحر يصاد السمك

    ولما قتل رحمه اللّه ، وجد في البيت الذي قتل فيه على الأرض مكتوب بخطه :
    يا نفس صبرا لعل الخير عقباك * خانتك بعد طويل الأمن دنياك
    مرّت بنا سحرا طير فقلت لها * طوباك يا ليتني إياك طوباك


    مثل في الوفاء
    يقال : أوفى من فكيهة . وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة كان من وفائها أن السّليك بن السلكة غزا بكر بن وائل ، وخرج جماعة من بكر فوجدوا أثر قدم على الماء فقالوا : إن هذا الأثر قدم قد ورد الماء ، فقعدوا له ، فلما وافى حملوا عليه فعدا ، وكان من العدّائين ففاتهم حتى ولج قبة فكيهة ، فاستجار بها ، فأدخلته تحت درعها ، فانتزعوا خمارها فنادت إخوتها فجاءوا عشرة فمنعوهم منها .
    قال : وكان سليك يقول : كأني أجد خشونة ذلك الموضع على ظهري ، ولم تكن حين أدخلتني تحت درعها .

    وقال :
    لعمر أبيك والأخبار تنمي * لنعم الجار أخت بني عوارا
    من الخفرات لم تفضح أخاها * ولم ترفع لوالدها ستارا
    فما ظلمت فكيهة حين قامت * بنصل السيف وانتزعوا خمارا



    وكتب صاحب بريد همدان إلى المأمون وهو بخراسان يعلمه أن كاتب صاحب البريد المعزول أخبره أن صاحبه وصاحب الخراج كانا تواطئا على إخراج مائتي ألف درهم من بيت المال واقتسماها بينهم ، فوقّع المأمون : إنا نرى قبول السعاية شرا من السعاية ، لأن السعاية دلالة ، والقبول إجازة ، وليس من دل على شيء كمن قبله وأجازه ، فأنف الساعي عنك ، فإن كان في سعايته صادقا لقد كان في صدقه لئيما ، إذ لم يحفظ الحرمة ، ولم يف لصاحبه .




    حاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار ، ج 1

    “ 121 “


    وروينا من حديث نافع ، قال : لقي يحيى بن زكريا عليهما السلام إبليس فقال :
    أخبرني من أحب الناس إليك ، وأبغضهم إليك ؟ قال : أحب الناس إليّ كل مؤمن بخيل ، وأبغض الناس إليّ كل منافق سخي ، قال : ولم ذلك ؟ قال : لأن السخاء خلق اللّه الأعظم ، فأخشى أن يطّلع اللّه عليه في بعض سخائه فيغفر له .



    مثل سائر
    هو أبخل من مادر . وهو رجل من بني هلال بن عمرو ، بلغ من بخله أنه سقى إبله ، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل ، فسلح فيه ، ومدر الحوض به ، فسمّي مادرا .

    حكاية
    ذكر أهل الأدب أن بني فزارة وبني هلال تنافروا إلى أنس بن مدركة ، وتراضوا به يحكم بينهم ، فقالت بنو هلال : يا بني فزارة ، أكلتم أير الحمار . فقالت بنو فزارة : ولم نعرفه . وسبب هذا القول أن ثلاثة اصطحبوا فزاري وثعلبي وكلبي ، فصادوا حمار وحش .

    ومضى الفزاري في بعض حوائجه ، فطبخا وأكلا ، وخبئا للفزاري ذكر الحمار . فلما رجع قالا له : خبأنا لك حقك فكل . فأقبل يأكل ولا يسيغه ، فجعلا يضحكان ، ففطن وأخذ السيف وقام إليهما ، وقال : لتأكلا منه ، أو لأقتلنكما . فامتنعا ، فضرب أحدهما فقتله ، وتناوله الآخر فأكل منه .

    فقال فيهم الشاعر :
    نشدتك يا فزار وأنت شيخ * إذا خيرت تحظى في الخيار
    أصيحانية أدمت بسمن * أحبّ إليك أم أير الحمار
    بلى أير الحمار وخصيتاه * أحبّ إلى فزارة من فزار

    فقالت بنو فزارة : يا بني هلال ، منكم من سقى إبله ، فلما رويت سلح في الحوض ومدره بخلا به . فنصرهم أنس بن مدركة على الهلاليين ، فأخذ منهم الفزاريون مائة بعير ، وكانوا تراهنوا عليها . وفي بني هلال يقول الشاعر :
    لقد جللت خزيا هلال بن عامر * بني عامر طرّا لسلحة مادر

    ومن باب الحماسة : كان جحدر بن مالك لسنا شاعرا فاتكا شجاعا ، وكان قد آثر على أهل هجر ناحيتها . وبلغ ذلك الحجاج بن يوسف ، فكتب إلى عامل اليمامة يوبّخه بتلاعب جحدر به ، ويأمره بالتجرد عليه حتى يظفر به . فبعث العامل إلى فتية من بني


    “ 122 “


    يربوع بن حنظلة ، فجعل لهم جعلا عظيما إن هم قتلوا جحدر ، أو أتوا به أسيرا ، ووعدهم أن يوفدهم إلى الحجاج .
    فخرج الفتية في طلبه ، حتى إذا كانوا قريبا منه ، بعثوا إليه رجلا منهم يريه أنهم يريدون الانقطاع إليه والتحزّب به ، فوثق بهم واطمأن إليهم ، فبينما هم على ذلك إذ شدّوه وثاقا وقدموا به إلى العامل ، فبعث به معهم إلى الحجاج ، وكتب يثني على الفتية . فلما قدموا به على الحجاج ، قال له : أنت جحدر ؟ قال : نعم . قال : ما حملك على ما بلغني عنك ؟ قال : جراءة الجنان ، وجفوة السلطان ، وكلب الزمان . قال : وما الذي بلغ من أمرك ، فيجتري جنانك ، ويصلك سلطانك ، ولا يكلبك زمانك ؟
    قال : لو بلاني الأمير لوجدني من صالح الأعوان ، وأهم الفرسان ، ومن أوفى أهل الزمان . فقال الحجاج : أنا قاذفك في قبة فيها أسد ، فإن قتلك كفانا مئونتك ، وإن قتلته خلّينا سبيلك ووصلناك .


    قال :لقد أعطيت أصلحك اللّه الأمنية ، وعظمت المنّة ، وقرّبت المحنة . فأمر به فاستوثق منه بالحديد وألقي في السجن ، وكتب إلى عامله بكسكر يأمره أن يصيد له أسدا ضاريا ، فلم يلبث العامل أن بعث له بأسد ضاريات قد أثرت على أهل تلك الناحية ، ومنعت عامة مراعيهم ومسارح دوابهم ، فجعل واحدا منها وهو عظيمها في تابوت يجرّ على عجلة . فلما قدموا به ألقي في حيز وأجيع ثلاثا . ثم بعث إلى جحدر ، فأخرج وأعطي سيفا ، ودلّي عليه ، فمشى إلى الأسد

    وأنشأ يقول :
    ليث وليث في مجال ضنك * كلاهما ذو أنف ومحك
    وصولة في بطشة وفتك * أن يكشف اللّه قناع الشكّ
    وأظفرن بجؤجر وبرك * فهو أحقّ منزلا بترك
    الذئب يعوي والغراب يبكي * وقدرة اللّه مزال الشكّ

    حتى إذا كان منه على قدر رمح تمطّى الأسد وزأر وحمل عليه ، فتلقّاه جحدر بالسيف فضرب هامته ضربة فلقها ، وسقط الأسد كأنه خيمة قوّضتها الريح ، فانثنى جحدر وقد تلطخ بدمه لشدة حملة الأسد عليه ، فكبّر الناس .
    فقال الحجاج : يا جحدر ، إن أحببت أن ألحقك ببلادك وأحسن صحبتك وجائزتك فعلت ذلك بك ، وإن أحببت أن تقيم عندنا أقمت فأسنينا فريضتك . قال : أختار صحبة الأمير . ففرض له ولجماعة أهل بيته .



    وأنشد جحدر يقول :
    يا جمل إنك لو رأيت سيالتي * في يوم هيج مردف وعجاج
    وتقدمي لليث أرسف نحوه * عني أكابره عن الإخراج
    جهم كان جبينه لما بدا * طبق الرحا متفجر الأثباج
    يرتو بناظرتين يحسب فيهما * من ظنّ خالهما شعاع سراج


    “ 123 “


    شثن براثنه كان نيوبه * زرق المعاول ، أو سداة زجاج
    وكأنما خبطت عليه عباءة * برقاء أو خلق من الديباج
    قرنان محتضران قد ربتهما * أم المنيّة غير ذات نتاج
    وعلمت أني إن أبيت نزاله * إني من الحجاج لست بناج
    فمشيت أرفل في الحديد مكبّلا * بالموت نفسي عند ذاك أناجي
    والناس منهم شامت وعصابة * عبراتهم لي بالحلوق شواجي
    ففلقت هامته فخرّ كأنه * أطم تقوّض مائل الأبراج
    ثم انثنيت وفي قميصي شاهد * مما جرى من شاخب الأوداج
    أيقنت أني ذو حفاظ ماجد * من نسل أملاك ذوي أتواج
    فلئن قذفت إلى المنيّة عامدا * إني لخيرك بعد ذلك راجي
    علّم النساء بأنني لا أنثني * إذ لا يتقن بغيرة الأزواج

    حدثنا محمد بن قاسم ، قال : سئل بعض السادة عن أول توبته ، قال : لما تمادت بي المخالفة ، وأسرفت على نفسي إسرافا أدى بي إلى القنوط ، فوقع في قلبي أن اللّه لا يرحمني لما عظم في قلبي إجرامي ، فأقمت ثلاثا لا أذوق طعاما ، ولا أسيغ شرابا ، وقد جعلت ذنوبي بين عينيّ ، فلما كانت الليلة الرابعة رأيت في النوم جارية وبيدها جام من الذهب مكتوب عليه بالنور : ( يا هذا اشتد بك الكرب فأين اللجا ؟ وإذا عظم عليك الخوف فأين الرجا ؟ ) وعلى جبينها مكتوب : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فوضعت الجام بين يديّ ، فأكلت منه طعاما لا يشبه طعام الدنيا ، فوجدت حلاوة الرجا في قلبي ، واستقمت من تلك الليلة على طاعة ربي .

    قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : ( لولا حب الوطن لخرب البلد السوء ، فبحب الأوطان عمرت البلدان ) .
    قال بقراط : ( يداوي كل عليل بعقاقير أرضه ، فإن الطبيعة تترع إلى غذائها ) .
    وقال بعض الحكماء : ( اطلبوا الرزق في البعد عن الأوطان ، فإنكم إن لم تكسبوا مالا غنمتم عقلا كثيرا ) .
    وقال بعضهم : ( لا يألف الوطن إلا ضيق العطن ) .
    روينا من حديث الهيثم بن الحسن بن عمارة قال : قدم شيخ من خزاعة أيام المختار ، فنزل على عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي ، فلما رأى ما تصنع سوقة المختار بالمختار من الإعظام والإجلال ، جعل يقول : ( يا عباد اللّه ، بالمختار يصنع هذا ؟ واللّه لقد

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 18:21