..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 20:03 من طرف Admin

» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 20:02 من طرف Admin

» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:34 من طرف Admin

» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:31 من طرف Admin

» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:28 من طرف Admin

» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:26 من طرف Admin

» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:24 من طرف Admin

» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:21 من طرف Admin

» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:19 من طرف Admin

» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:17 من طرف Admin

» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:14 من طرف Admin

» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Emptyأمس في 19:12 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68443
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 13

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:54

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 13
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 193 “

    السماع في ذلك ، يقول لنفسه : أنت من عالم الخليقة ونزلت إلى عالم الشهوة والطبع ، لكني أهفو إلى العلا بما فيّ من أصالته فيما بقي عليّ من أطمار ما كان كساني ذلك المجد عند الإشهار . قال : تفوح أرواح العلا في أخلاقهم عند التنزّلات لقرب مشاهدة المنزل الذي يجمعهم . والراكبان خاطران علويان مرّا به على حاله ، فسألهما الخبر عن المقام العالي الأنزه : هل روّضت قاعة الطبيعة ؟ وهل نزلت غيوث الحياة لساحتها ؟ فأنبتت ما يؤدي إلى البينونة من الكون والغيرة من ظهور الغير هنالك ، فأثبت له الحق الخاطر ، أن يكرمه على ما أخبر ، إلى أن نزل عليه روحه الخاص به الذي كني عنه بالنفس ، فعقل عنهما ما جاء به وأودعهما حديثه بلسان الحال من جري الدموع على مفارقة الأوطان والربوع .

    قوله : أم هل أبيت ، أي سترى عن ظلام الغيب ، ودار عند كل كاظمة من كظم غيظه خلقا جميلا ، وسمّار ذاك الحي سماري ، بالترداد بيني وبينهم بما يكون فيه علو مقامي وارتفاع شأني .



    ومن باب الفخر

    سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلا ينشد :
    إني امرؤ حميريّ حين تنسبني * لا من ربيعة آبائي ولا مضر
    فقال : « ذلك الأمر لك أبعد من اللّه ورسوله » .

    ومرّ العباس بن عبد المطلب بنفر من قريش يقولون : إنما مثل محمد في أهله مثل نخلة نبتت في كناسة ، فبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فوجد منه ، فخرج حتى قام فيهم خطيبا ، ثم قال : « أيها الناس من أنا ؟ » ، قالوا : أنت رسول اللّه ، قال : « فأنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم ، إن اللّه تعالى خلق خلقه فجعلني من خير الفريقين ، ثم جعلهم شعوبا فجعلني من خيرهم شعبا ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني من خيرهم بيتا ، فأنا خيركم بيتا ، وخيركم والدا ، وإني لمباه لكم . قم يا عباس » ، فقام عن يمينه ، ثم قال : « قم يا سعد » ، فقام عن يساره ، فقال : « فربّ لامرئ منكم عمّا مثل هذا وخالا مثل هذا » .



    ولبعضهم يفتخر :
    إذا مضر الحمراء كانت أرومتي * وقام بنصري حازم وابن حازم
    عطست بأنف شامخ وتناولت * يداي الثريا قاعدا غير قائم

    قلت : ولقد فخرت بأحسن من هذا فقلت :



    “ 194 “



    لنا همّة أن الثريا لدونها * نعم ولنا فوق السماكين منزل
    تقدمت سبقا في المكارم والعلا * وفي كل ما ينكي العدا أنا أول
    ولم ألف صمصاما بقدر عزيمتي * ولو جمعوا الأسياف عزمي أفضل
    كذلك جودي لا يفي الغيث والثرى * إذا كان أموالا به حين أبذل
    إذا التحم الجمعان في حومة الوغى * وكانت نزالا ما عليه معوّل
    نضيت حساما للردى في فرنده * شعاع له بين الفريقين فيصل
    له عزمة لا تبتغي غير كبشهم * فليس له عن قمة الهام معدل
    حملت به لا أرهب الموت والردى * ولا أبتغي حمدا له النفس تعمد
    ولكن ليعلو الدين عزّا وشرعة * إلى موضع عنه الطواغيت تسفل
    أنا العربي الحاتمي أخو الندى * لنا في العلا المجد القديم المؤثل
    فكلّا فعزمي ليس يسمو إلى العلا * ألا كيف يسمو والعلا منه أسفل

    ولنا أيضا من قصيدة أفتخر فيها :
    أنا ابن الرابعين إذا انتسبنا * وعندي صار خمس المسلمينا
    بشرى سيف بن ذي يزن لعبد المطلب برسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وخلافة بني العباس حين وفد عليه في وفد قريش

    روينا من حديث أحمد بن عبد اللّه قال : ثنا سليمان إملاء ، ثنا أحمد بن يحيى بن خالد الراقي ، نبأ عمرو بن بكر بن بكّار القصيّ ، عن أحمد بن قاسم الطائي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، قال : لما ظهر سيف بن ذي يزن على اليمن فظفر بالحبشة ونفاهم عنها ، وذلك بعد مولد النبي صلى اللّه عليه وسلم بسنتين ، أتته وفود العرب وأشرافها وشعراؤها تهنّئه وتمدحه ، وتذكر ما كان من بلائه في طلب ثأر قومه ، فأتاه وفد قريش وفيهم عبد المطلب بن هاشم ، وأمية بن عبد شمس ، وعبد اللّه بن جدعان ، وخويلد بن أسد بن عبد العزّى ، ووهب بن عبد مناف بن زهرة ، في أناس من وجوه قريش ، فقدموا عليه بصنعاء ، وهو في رأس قصر له يقال له غمدان ، وهو الذي قال فيه أمية بن أبي الصلت :

    لا تطلب الثأر إلا كابن ذي يزن * يتمّم البحر للأعداء أخوالا
    أتى هرقل وقد شالت نعامته * لم يجد عنده النصر الذي شالا
    ثم انتهى عنه كسرى بعد تاسعة * من السنين يهين النفس والمالا
    حتى أتى ببني الأحزان يحملهم * تخالهم فوق متن الأرض أجبالا



    “ 195 “

    من مثل كسرى شهنشاه الملوك لهم * ميل وهدي يؤم الجيش أرسالا
    للّه درهم من فتية صبروا * ما إن رأيت لهم في الناس أمثالا
    بيض مرازبة غلب حجا حجة * أسد يربين في الغيضات أشبالا
    يرمون عن شدف كأنها غيظ * بزمخر تعجل المرمى إعجالا
    لا يضجرون وإن كلّت نوائلهم * ولا ترى منهم في الطعن ميّالا
    أرسلت أسدا على سود الكلاب فقد * أضحى شديدهم في الناس إقلالا
    فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دار منك محلالا
    واشرب هنيئا فقد شالت نعامتهم * واسبل اليوم في برديك إسبالا
    تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا


    قال : فاستأذنوا عليه ، فأذن لهم ، فإذا الملك متضمّخ بالعنبر ينطف ، وبيض المسك من مفرقه ، وعن يمينه وعن شماله الملوك وأبناء الملوك والمقاول ، فلما دخلوا عليه دنا منه عبد المطلب فاستأذن في الكلام ، قال له سيف بن ذي يزن : إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنّا لك .

    فقال عبد المطلب : أيها الملك ، إن اللّه قد أحلّك محلا رفيعا شامخا منيعا ، وأنبتك منبتا طابت أروبته ، وعذبت جرثومته ، وثبت أصله ، وبسق فرعه ، في أطيب موطن ، وأكرم معدن ، فأنت أبيت اللعن رأس العرب ، وربيعها الذي تخصب به ، وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد ، سلفك لنا خير سلف ، وأنت لنا منهم خير خلف ، فلم يهلك من أنت خلفه ، ولم يخمد ذكر من أنت سلفه ، نحن أيها الملك أهل حرم اللّه ورسوله ونبيّه ، أشخصنا إليك الذي أبهجنا لكشف الكرب الذي فدحنا ، ونحن وفد التهنية لا وفد المرزية .
    فقال سيف بن ذي يزن : وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . قال : ابن أختنا . قال : نعم . فأدناه ثم أقبل عليه وعلى القوم .
    قال : مرحبا وأهلا ، وناقة ورحلا ، ومناخا سهلا ، وملكا رعلا ، يعطي عطاء جزلا . قد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، وأنتم أهل الليل والنهار ، لكم الكرامة إذا أقمتم ، والحباء إذا أظعنتم ، انهضوا إلى دار الضيافة والوفود . وأمرهم بالإنزال ، فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ، ولا يؤذن لهم في الانصراف .

    ثم انتبه لهم انتباهة ، فأرسل إلى عبد المطلب دونهم ، فلما دخل عليه أدناه وقرّب مجلسه واستحباه ، ثم قال له : يا عبد المطلب ، إني مفوّض إليك من سرّ علمي ما لو غيرك يكون لم أبح به ، ولكن وجدتك معدنه ، فأطلعتك طلعه ، فليكن عندك مطويا حتى يأذن اللّه فيه ، فإن اللّه تعالى بالغ أمره ،


    “ 196 “

    إني أجد في الكتاب المكنون ، والعلم المخزون ، الذي اخترناه لأنفسنا ، واحتقبناه دون غيرنا ، خبرا عظيما ، وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة ، وفضيلة الوفاة ، للناس كافة ، ولرهطك عامة ، ولك خاصة .


    فقال عبد المطلب : مثلك أيها الملك من سرّك وبرّ ، فما هو ؟ فذاك أهل الوبر زمرا بعد زمر . قال : إذا ولد بتهامة غلام به علامة ، بين كتفيه شامة ، كانت له الإمامة ، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة . قال عبد المطلب : أبيت اللعن ، لقد أبت بخير ما آب به وافد قومك ، ولولا هيبة الملك وإعظامه وإجلاله لسألته من سأراه إياي ما ازداد به سرورا .

    قال سيف بن ذي يزن : هذا حين يولد فيه أو قد ولد ، اسمه محمد ، بين كتفيه شامة ، يموت أبوه وأمه ، ويكفله جده وعمه ، قد وجدناه مرارا ، واللّه باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، يعزّ بهم أولياءه ، ويذل بهم أعداءه ، ويضرب بهم الناس عن عرض ، ويستبيح بهم كرائم الأرض ، يعبد الرحمن ، ويزجر الشيطان ، ويخمد النيران ، ويكسر الأوثان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله .



    قال عبد المطلب : أيها الملك ، عز جارك ، وسعد جدك ، وعلا كعبك ، ونما أمرك ، وطال عمرك ، ودام ملكك ، فهل الملك سارّي بإفصاح ، فقد أوضح بعض الإيضاح . قال سيف بن ذي يزن : والبيت ذي الحجب ، والعلامات ذي النقب ، إنك يا عبد المطلب لجده بلا كذب .

    قال : فخرّ عبد المطلب ساجدا . فقال سيف : ارفع رأسك ، فقد ثلج صدرك ، وعلا أمرك ، فهل أحسست شيئا مما ذكرت لك ؟ قال عبد المطلب : نعم أيها الملك ، إنه كان لي ابن ، وكنت به معجبا ، وعليه رفيقا ، فزوّجته كريمة من كرائم قومي : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ، فجاءت بغلام وسمّيته محمدا ، ومات أبوه وكفلته أنا وعمه ، بين كتفيه شامة ، وفيه كلما ذكرت من علامة .



    فقال سيف : إن الذي ذكرت لكما ذكرت ، فاحتفظ به ، واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء ، ولن يجعل اللّه لهم عليه سبيلا ، واطو ما ذكرت لك دون هذا الرهط الذي معك ، فإني لست آمن أن يدخلهم التحاسد من أن يكون لك الرئاسة فيبغون لك الغوائل ، وينصبون له الحبائل ، وهم فاعلون أو أبناؤهم ، ولولا أني أعلم أن الموت محتاجي قبل مبعثه ، لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار ملكه ، فإني أجد في الكتاب الناطق ، والعلم السابق ، أن بيثرب استحكام أمره ، وموضع قبره ، وأهل نصرته ، ولولا أني أقيه من الآفات ، وأحذر عليه من العاهات ، لأوطأت أسنان العرب كعبه ، ولأعلنت على حداثة من سنّه ذكره ، ولكني صارف إليك من غير تقصير بمن معك .



    “ 197 “



    ثم أمر لكل رجل منهم بمائة من الإبل ، وعشرة أعبد ، وعشرة إماء ، وعشرة أرطال فضة ، وخمسة أرطال من الذهب ، وكرش مملوء عنبرا ، وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك ، وقال له : إذا كان رأس الحول فائتني بخبره ، وما يكون من أمره .



    فهلك سيف بن ذي يزن قبل رأس الحول ، وكان عبد المطلب يقول : لا يغبطني يا معشر قريش رجل منكم لجزيل عطاء الملك وإن كثر ، فإنه إلى نفاد ، ولكن يغبطني بما يبقي له شرفه وذكره ، ولعقبي من بعدي . فكان إذا قيل له : وما ذاك ؟ قال : سيعلن ولو بعد حين .


    وفي ذلك يقول أمية بن أبي الصّلت :
    جلبنا النصح معقبة المطايا * على أكوار جمال ونوق
    مغلغلة مرافقها تعالى * إلى صنعاء من فجّ عميق
    نؤمّ بها ابن ذي يزن وتفري * بطون خفافها أمّ الطريق
    ونلمح من مخايله بروقا * مواصلة الوميض إلى بروق
    فلما واقعت صنعاء صارت * بدار الملك والحسب العتيق
    وفي الحديث المشهور عن ابن عباس أن الحبر قال لعبد المطلب : أشهد أن في إحدى يديك ملكا ، وفي الأخرى نبوءة ، وذلك قبل تزويج عبد اللّه في بني زهرة ، فكان كما قال : النبوّة والخلافة العباسية .


    شرح

    شدف المعوجّ من كل شيء : وارد به القسي . والزّجر : النشاب . والإرسال :
    الجماعات . والنوانك : جمع نانك ، وهي الناقة الحسناء ذات الشحم ، يقال لها : نانك الناقة ، تنوك ، نوكا إذا سمنت . والمرزية بفتح الميم ، والرزية : المصيبة . الريحل والسبحل : الضخم . احتجناه : أي اخترناه . والزعامة : السيادة والتقدم .

    احتقبت البعير :
    إذا شددت رجله بالحقب ، وهو الحبل الذي يشدّ به .

    ذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي في كتابه « مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن » قال : قال شاه بن شجاع الكرماني : دخلت البادية فرأيت غلاما أمرد كأنه موسوس لا يألف أهل القافلة ، فساعة يشير إلى السماء ، وساعة يصيح ، فقمت لأنظر في شأنه ومن أين معاشه ، ولم يكن معه زاد ، ولا غطاء ، ولا وطاء . فراقبته يوما فدخل وسط أشجار أم


    “ 198 “



    غيلان ، فتبعته فإذا هو يجني من شجره شيئا يأكله ، فلما بصر بي أنشأ يقول :
    باعتزالي عنكم في الخلوات * صار طعمي التمر وسط الفلوات


    من استنصر ببسم اللّه الرحمن الرحيم
    روينا من حديث الدنهوري قال : حدثنا إبراهيم بن سهلويه ، عن عبد اللّه بن عبد الوهاب ، عن نافع عن ابن عمر قال : بينما عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، في جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يتذكرون فضائل القرآن . فقائل منهم خاتمة سورة البقرة ، وقائل خاتمة بني إسرائيل ، وقائل كهيعص ، وطه .

    وأكثروا في القول ، وفي القوم عمرو بن معدي كرب الزبيدي في ناحية إذ قال : يا أمير المؤمنين ، فأين أنتم من عجيبة بسم اللّه الرحمن الرحيم ؟
    فو اللّه إنّ في بسم اللّه الرحمن الرحيم لعجيبة من العجب .
    فاستوى عمر جالسا وكان متكئا ، وكان يعجبه حديث عمرو فقال له : يا أبا ثور ، حدّثنا بعجيبة بسم اللّه الرحمن الرحيم .
    فقال : يا أمير المؤمنين ، إنه أصابنا في الجاهلية مجاعة شديدة ، فاقتحمت بفرسي البرية أطلب شيئا ، فو اللّه ما أصبت إلا بيض النعام ، وإن فرسي لتلتئم من فناء البرية .
    فبينما أنا كذلك ، إذ رفعت لي خيمة وماشية ، فأتيت الخيمة فإذا بجارية كأحسن البشر ، وإذا بفناء الخيمة شيخ متكئ ، فقلت لما داخلني من هول الجارية ومن ألم الجوع : استأسر ، ثكلتك أمك .

    فقال : يا هذا ، إن أردت القرى فانزل ، وإن أردت معونة أعنّاك .
    فقلت : استأثر ثكلتك أمك . فقال لي مثل قوله الأول ، ونهض نهوض شيخ لا يقدر على القيام ، فدنا مني وهو يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ثم جذبني إليه فإذا أنا تحته وهو فوقي ، فقال : أقتلك أم أخلّي عنك ؟ فقلت : بل خلّ عني .
    فنهض عني وهو يقول :
    عرضنا عليك النزل منا تكرّما * فلا ترعوي جهلا كفعل الأشائم
    وجئت بعدوان وظلم ودون ما * تمنيته في البيض حرّ الغلاصم

    فقلت في نفسي : يا عمرو ، أنت فارس العرب للموت أهون من الهرب من هذا الشيخ الضعيف ، فدعتني نفسي إلى معاودته ثانية ، وأنشأت أقول :
    رويدك لا تعجل بليت بصارم * سليل المعالي هزبريّ قماقم
    لئن ذلّ عمرو ثم ذلّ عجيبة * ولم يك يوما للبراز بحاجم
    طمعت لما منّتك نفسك تسلمن * سقتك المنايا كأسها بالصرائم
    فما لك بدل دون نفسك تسلمن * هنالك أو تصبر لحزّ الغلاصم


    “ 199 “
    فما دون ما تقواه للنفس مطمع * سوى أن أجزّ الرأس منك بصارم

    ثم قلت له : استأسر ثكلتك أمك ، فدنا مني وهو يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، ثم جذبني جذبة مثلت تحته ، فاستوى على صدري وقال : أقتلك أم أخلّي عنك ؟ فقلت : بل خلّ عني . فنهض وهو يقول :
    ببسم اللّه والرحمن فزنا * قديما والرحيم به قهرنا
    وهل تغني جلادة ذي حفاظ * إذا يوما لمعركة نزلنا
    وهل شيء يقوم لذكر ربي * وقدما بالمسيح هناك عذنا
    سأقصم كل ذي جنّ وإنس * إذا يوما لمعضلة حللنا

    فعاودتني نفسي ، فقلت : استأسر ثكلتك أمك . فدنا مني وهو يقول : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، فملئت منه رعبا يا أمير المؤمنين ، وكنا لا نعرف مع اللات والعزّى شيئا .

    ثم دنا مني وجذبني جذبة فصرت تحته ، فقلت : خلّ عني . فقال : هيهات ! بعد ثلاث مرات ما أنا بفاعل ، ثم قال : يا جارية ، ائتني بشفرة ، فأتت بها ، فجزّ ناصيتي ، ثم نهض وهو يقول :
    مننّا على عمرو فعاد لحينه * وثنّى فثنينا فساء وما فعل
    وفي اسم ذي الآلاء عزّ ورفعة * ومحترز لو كان سامعه عقل

    وكنا يا أمير المؤمنين إذا جزّت نواصينا استحينا أن نرجع إلى أهلنا حتى تنبت ، فرضيت أن أخدمه حولا . فلما حال الحول قال : يا عمرو ، إني أريد أن تنطلق معي إلى البرّية وما بي من وجل ، وإني لواثق ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، فانطلقت معه حتى أتى واديا فهتف بأهله ببسم اللّه الرحمن الرحيم فلم يبق طائر في وكره إلا طار ، ثم هتف الثانية فلم يبق سبع في مربضه إلا نهض ، ثم هتف الثالثة فإذا هو بأسود كالنخلة السحوق ، وإذا هو لابس شعرا فرعبت ، فقال الشيخ : لا ترع يا عمرو إذا نحن اصطرعنا ،

    فتلا عليه صاحبي :
    بسم اللّه الرحمن الرحيم ، قال : فاصطرعا . فقلت : عليه باللّات والعزّى ، فلطمني لطمة كاد يقلع رأسي ، فقلت له : لست بعائد ، فاصطرعا ، فقلت : عليه ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، قال : فعلاه الشيخ فبعجه كما تبعج الفرس ، وشق بطنه واستخرج منه كهيئة القنديل الأسود .
    فقال لي : يا عمرو هذا غشه وكفره ، فقلت له : فداك أبي وأمي ما لك ولهذا القوم ؟
    فقال : يا عمرو ، إن الجارية التي رأيتها في الخباء هي الفارعة بنت المسور ، وكان رجلا من الجنّ ، وكان مؤاخيا لي ، وكان على دين المسيح عليه السلام ، وهؤلاء قومها يغزوني كل سنة منهم رجل فينصرني اللّه عليه ببسم اللّه الرحمن الرحيم . فانطلقنا


    “ 200 “

    حتى أمعنّا في البرية ، قال : يا عمرو ، قد رأيت ما كان مني وأنا جائع فالتمس لي شيئا آكله ، فالتمست فما وجدت له إلا بيض النعام ، فأتيته وهو نائم ، وقد توسد إحدى يديه ، وتحته سيفه وهو سيف طوله سبعة أشبار ، وعرضه أقلّ من شبرين ، وهو الصمصامة ، فاستخرجت سيفه من تحته فضربته ضربة قطعت منه الساقين ،
    فقال : يا غدّار ما أغدرك . فلم أزل أضربه حتى قطعته إربا إربا .
    فغضب عمرو رضي اللّه عنه وقال : وأنا أقول كما قال العبد : ظفر بك رجل من المسلمين ، فأنعم عليك ثلاث مرات ووجدته نائما فقتلته .
    واللّه لو كنت مؤاخذك في الإسلام بما فعلت في الجاهلية لقتلتك به .

    ثم أنشأ عمر يقول :
    إذا قتلت أخا في السلم تظلمه * أفّ لما جئته في سالف الحقب
    الحرّ يأنف مما أنت تفعله * تبّا لما جئته في العجم والعرب
    لو كنت آخذ في الإسلام ما فعلت * في الجاهلية أهل الشرك والصلب
    إذا لنالتك من عدلي مشطبة * يدعى لذائقها بالويل والحرب
    ثم قال : ما كان من حديثه يا عمرو ، قال : فأتيت الخيمة فاستقبلتني الجارية فقالت :
    يا عمرو ، ما فعل الشيخ ؟ قلت : قتله الحبشيّ ، قالت : كذبت ، قتلته أنت يا غدّار ،
    ثم دخلت الخيمة فجعلت تبكي وتقول :
    عين جودي لفارس مغوار * فاندبيه بواكفات غزار
    سبع وهو ذو وفاء وعهد * ورئيس الفخار يوم الفخار
    لهف نفسي على بقائك يا عم * رو وأسلمته والحماة للأقدار
    بعد ما جزّ ما به كنت تسمو * في زبيد ومعشر الكفّار
    ولعمري لو رمته أنت حقا * رمت منه كصارم بتّار
    فجزاك المليك سوءا وهونا * عشت منه بذلّة وصغا
    قال : فدخلت الخيمة أريد قتلها فلم أر أحدا كأنّ الأرض قد ابتلعتها ، فاقتلعت الخيمة ، وسقت الماشية حتى أتيت بها قومي بني زبيد .


    دعاء مأثور لذنب مغفور
    حدثنا ببغداد سنة ثمان وستمائة صاحبنا الإمام سراج الدين عمر بن مكي بن علي بن محمد بن عبد اللّه الجوزي قال : رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المنام ، فقال : « من أراد أن يغفر اللّه له فليدع بهذا الدعاء وهو : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفّة والغنى ، فائتنا سؤلنا ،


    “ 201 “


    وارزقنا أمنيتنا » . أو قال : « فائتني في الدنيا والآخرة حسنة برحمتك يا أرحم الراحمين » .
    الشك من الراوي ولا يدري أيهما ؟
    قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : " فينبغي أن يجمع بينهما " .

    وحدثنا ببغداد في التاريخ أبو عبد اللّه محمد بن سعيد بن يحيى بن علي بن الرئيس لفظا قال : حدثنا أبو نصر يحيى بن هبة اللّه بن محمد البزار بواسط قراءة مني عليه ، قال : سمعت أبا المكرم خميس بن علي الحافظ يقول : سمعت أبا محمد طلحة بن علي الرازي الصوفي يقول : رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ببغداد في مسجد عتّاب ، والمسجد غاص بأهله ، وهو عليه الصلاة والسلام في المحضر ، وعليه بردة كحلاء ، وهو متقلد سيفا ، وفي الجماعة أبو محمد التميمي وهو يقول له : يا رسول اللّه ، ادع اللّه لنا ، فبسط كفيه وقال ، وأنا أقول معه : « اللهم إني أسألك حسن الاختيار في جميع الأقدار " .



    ومما قلته وأنا منفرد بفلاة يتما :
    وليّ اللّه ليس له أنيس * سوى الرحمن فهو له جليس
    يذكّره فيذكره فيبكي * وحيد الدهر جوهره نفيس


    ولنا في المعارف من باب التشبيب :
    طلع البدر في دجى الشعر * وسقى الورد نرجس الخفر
    غادة تاهت الحسان بها * وزها نورها على القمر
    هي أسنى من المهاة سنا * صورة لا تقاس بالصور
    فلك النور دون أخمصها * تاجها خارج عن الأكر
    إن سرت في الضمير يجرحها * ذلك الوهيم كيف بالبصر
    لعبة ذكرنا يذوّبها * لطغت من مسارح النظر
    طلب النعت أن يبيّنها * فتعالت فعاد ذا حصر
    وإذا رام أن يكيّفها * لم يزل ناكصا على الأثر
    إن أراح المطيّ طالبها * ما أراحوا مطيّة الفكر
    روحنت كل من أشبّ بها * نقله عن مراتب البشر
    غيرة أن يشاب رائقها * بالذي في الحياض من كدر

    تمّ المجلس .
    روينا من حديث ابن إسحاق عن الكلبيّ عن أبي صالح مولى أم هانئ عن ابن عباس ، قال : كانت العرب على دينين : حلة وحمس .
    فالحمس قريش وكل من ولدت العرب :
    كنانة ، وخزاعة ، وأوس ، وبنو ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وأزد شنوءة ، وحوم ، وزبيد ،



    “ 202 “


    وبنو ذكوان من سليم ، وعمرو اللّات ، وثقيف ، وغطفان ، وعوف ، وعدوان ، وعلاق ، وقضاعة .
    وكانت قريش إذا أنكحوا غريبا امرأة منهم اشترطوا عليه أن كل من ولدت فهو أحمس على دينهم . وزوّج الأردم تميم بن غالب بن فهر بن مالك ابنة محمد بن تيم بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، على أن ولدها منه أحمس على سنّة قريش . وفيها يقول لبيد بن ربيعة الكلبيّ :
    سقى قومي بني مجد وأسقى * نميرا والقبائل من هلال
    وتزوج منصور بن عكرمة بن حفصة بنت سلمى بنت ضبيعة بن علي بن يعصر بن قيس بن غيلان ، فولدت له هوازن ، فمرض مرضا شديدا ، فنذرت سلمى لئن برئ لتحمسنه ، فلما برئ أحمسته . فلم تكن نساؤهم ينسجن ولا يغزلن الشعر ولا يسلين السمن إذا أحرموا .

    وكانت الحمس إذا أحرموا لا يأقطون الأقط ، ولا يأكلون السمن ، ولا يسلونه ، ولا يمخضون اللبن ، ولا يأكلون الزبد ، ولا يلبسون الوبر ، ولا يلبسون الشعر ولا الوبر ، ولا ينسجونه ، وإنما يستظلون بالأدم ، ولا يأكلون شيئا من نبات الحرم ، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ، ولا يحفزون فيها بدنة ، ويطوفون بالبيت وعليهم ثيابهم . وكانوا إذا أحرم الرجل منهم في الجاهلية وأول الإسلام ، فإن كان من أهل المدر يعني من أهل البيوت والقرى ، نقب نقبا في ظهر بيته ، فمنه يدخل ، ومنه يخرج ، ولا يدخل من بابه .

    وكانت الحمس تقول : لا تعظّموا شيئا من الحل ، ولا تجاوروا الحرم في الحج ، فلا يهاب الناس حرمكم ، فقصّروا عن مناسك الحج والمواقف من عرفة ، وهو من الحلّ ، فلم يكونوا يقفون به ، ولا يفيضون منه ، وجعلوا موقفهم في الحرم ، ومن نمرة ، وكانوا يدفعون في غروب الشمس .
    وكانت الحمس إذا أحرمت وأرادت دخول بيتها تسوّرت من ظهور البيوت وأدبارها .

    ويحرّمون الدخول من أبوابها حتى بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم فأحرم عام الحديبية ، ودخل بيته ، وكان معه رجل من الأنصار ، فوقف الأنصاري بالباب فقال له : « ألا تدخل ؟ » ، فقال الأنصاري ؛ أنا أحمس يا رسول اللّه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « وأنا أحمس ، ديني ودينك سواء » . فدخل الأنصاري مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما رآه دخل من بابه ، فأنزل اللّه تعالى : وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها .
    وكانت الحلة تطوف بالبيت ، أول ما يطوف الرجل والمرأة في أول حجة يحجّها


    “ 203 “

    عراة ، فكانت المرأة تضع إحدى يديها على قبلها ، والأخرى على دبرها ، ثم تقول : اليوم يبدو بعضه ، أو كله ، وما بدا منه ، فما أحلّه إلا أن يستعيروا من الحمس ثيابا يطوفون بها .
    حتى إنهم كانوا يقفون عند باب المسجد فيقولون للحمس : من يعير معوزا ، من يعير مصونا ؟ فإن أعاره أحمسي ثوبه طاف به ، ولا يرون أنهم يطوفون بالثياب التي قارفوا فيها الذنوب .
    وحدثنا محمد بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد ، ثنا ابن علي ، ثنا محمد بن أحمد ، ثنا ابن الجارحي ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا عبد اللّه بن المغيرة ، ثنا عقارة بن مسلم ، ثنا حمّاد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « لا يكمل إيمان عبد حتى تكون فيه خمس خصال : التوكل على اللّه ، والتفويض إلى اللّه ، والتسليم لأمر اللّه ، والرضا بقضاء اللّه ، والصبر على بلاء اللّه . إنه من أحبّ للّه ، وأبغض للّه ، وأعطى للّه ، ومنع للّه ، فقد استكمل الإيمان " .

    وحدثنا عبد الواحد بن إسماعيل ، حدثني أبي ، ثنا عمر بن عبد المجيد ، ثنا أحمد بن محمد ، ثنا أبو نصر بن علي ، ثنا أحمد بن عبد اللّه ، حدثنا نصر بن أحمد ، حدثنا أبو يعلى ، حدثنا أحمد بن كامل ، ثنا أبو قلابة ، نبأ الحسين بن حفص ، نبأ سفيان ، عن أحمد ، عن سهيل ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول :

    « إن العبد لا يكتب في المسلمين حتى يسلم الناس من يده ولسانه ، ولا ينال درجة المؤمنين حتى يأمن جاره بوائقه ، ولا يعد من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس ، إنه من خاف البيان أدلج ، ومن أدلج في المسير وصل ، وإنما تعرفون عواقب أعمالكم ، لو قد طويت صحائف آجالكم . أيها الناس ، إن نية المؤمن خير من عمله ، ونية الفاسق شرّ من عمله » .



    وسماعنا على قول كثيّر عزّة
    لقد حلفت جهدا بما حلفت له * قريش غداة المأزمين وصلّت
    وكانت لقطع الحبل بيني وبينها * كناذرة نذرا فأوفت وحلّت
    فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة * إذا وطنت يوما لها النفس ذلّت

    السماع في ذلك : المأزمين ، المضيق الذي بين عالم الغيب والشهادة ، هنالك تنحر النفوس عن أغراضها ، تنحرها حال الجمعية التي كنى عنها بقريش . التقريش : التضييق .
    وصلت : دعت إلى مقامها . وذاني : هي الخالفة . وقطع الحبل بيننا : انفصالها عن ظلمة


    “ 204 “

    هذا الهيكل لما تقاسي فيه من ذلّ الحجاب . ولولا قوتها على الذلّ فيما يصيبها من المقام الأعز الأحمى لهلكت رأسا واحدا ، ولكن الشيء لا يهلك عن حقيقته فالذلّ لها ذاتي ، فإن الإمكان افتقار وعجز محض ، فالذلّ وصف ولازم ، وهو في غير ذلك المقام بالعرض .

    وسماعنا على قول ابن الدمينة :
    ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد * لقد زادني مسراك وجدا على وجد
    لئن هتفت ورقاء في رونق الضحى * على فنن غضّ النبات من الرند
    بكيت كما يبكي الوليد ولم يكن * جليدا وأبديت الذي لم يكن يبدي
    وقد زعموا أن المحب إذا دنا * يمل وأن النأي يشفى من الوجد
    بكل تداوينا فلم يشف ما بنا * على أن قرب الدار خير من البعد
    على أن قرب الدار ليس بنافع * إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ

    السماع في ذلك : النفس طالع من المقام الأعلى كني عنه بالصّبا . والسؤال بالزمان لإحساسه به في عالم التركيب أثرا لا عينا لعلوّها عن ذلك . وكلما توالى السرى زادت المعارف ، فيمكن الشوق ، ويضاعف الوجد والبلوى . ثم قال : لئن هتفت النفس الأبية العلوية في زمان قوة النور الأجلي صارخة على فنن الاعتدال الأكمل ، الذي نشأ الكامل عليه في أول أمره ، وجعله زندا للدهن الذي به مادة بقاء الأنوار ، وما فيه من المنافع ، يكتب يقول : للنفس الحرية كما يبكي الوليد من الولادة ، لأنها منها . فجاء بما يشير به من الألفاظ إليها ، وكيف يكون جليدا فرع دعاه أصله إليه فأبدى ما لديه .

    وقد زعموا وهو حق أن المحبّ إذا دنا من عالم الملك يمل وأن النأي البعيد عنه يريح من الألم صحيح ، فهذا أنبأ عن أمر محقق ، فالتجلي هناك لا يتكرر ، والنعيم له مثله فلا ملل ، وقد تداوى المجنون بهما ، وقرب دار كل محب حيث كان حبيبه خير له من بعدها ، وكنى عن النفس بالورقاء ، كما كنّت الحكماء عنه بهذا الاسم ، وفيها يقول بعضهم القصيدة التي شهرت بين العلماء :
    هبطت إليك من المحل الأرفع * ورقاء ذات تعزّز وتمنّع
    محجوبة عن كل مقلة ناظر * وهي التي سفرت ولم تتبرقع
    وصلت على كره إليك وربما * كرهت فراقك وهي ذات تفجّع
    أنفت وما سكنت فلما واصلت * ألفت مجاورة الخراب البلقع
    وأظنها نسيت عهودا في الحمى * ومنازلا لفراقها لم تقنع
    حتى إذا نزلت بهاء هبوطها * عن ميم مركزها بذات الأجرع


    “ 205 “


    علقت بها تاء الثقيل فأصبحت * بين المنازل والطلول الخضّع
    تبكي إذا ذكرت ديارا بالحمى * بمدامع تهمي ولم تتقطّع
    وتظل ساجمة على الدّمن التي * درست بتكرار الرياح الأربع
    حتى إذا قرب المسير من الحمى * ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع
    إذ عاقها الشرك الكثيف وصدها * نقص عن الأوج الفسيح المربع
    هجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت * ما ليس يدرك بالعيون الهجّع
    وغدت مفارقة لكل مخالف * عنها حليف الترب غير مشيّع
    فلأي شيء أهبطت من شاهق * سام إلى قعر الحضيض الأوضع
    فهبوطها إن كان ضربة لازب * فتكون سامعة لما لم يسمع
    فتصير عارفة بكل حقيقة * في العالمين فخرقها لم يرقع
    إن كان أرسلها الإله لحكمة * خفيت عن الفطن اللبيب الأروع
    فهي التي قطع الزمان طريقها * حتى لقد غربت بعين المطلع
    وغدت تغرّد فوق ذروة شاهق * والعلم يرفع كل من لم يرفع
    فكأنها برق تألق بالحمى * ثم انطوى فكأنه لم يلمع

    وكتبت إلى صاحب لي ببلاد الروم اسمه إسحاق بن محمد من أصحاب السلطان ممن تخدمه الدولة وتظهر به السنّة :

    إسحاق فاسمع لوعظ من أخي ثقة * ولا يغرّنك تقريب السلاطين
    إن الملوك قد استغنوا بملكهم * عنّا وعمّا بأيديهم من الدين
    فاستغن باللّه عن ملك الملوك وعن * سؤال من هو مسكين ابن مسكين
    فاللّه يكفيك يا عيني ويا ولدي * شرّ الملوك وأشرار الشياطين
    بالبيت بالحجر بالأركان أسأله * باللوح بالقلم الأعلى وبالنون
    إن قلت صدقني أو بتّ سامرني * ولا يزال يناديني ويسليني

    ولنا من الرموز العلوية ومن الإشارات الغزلية :
    أيا روضة الوادي أجب ربة الحمى * وذات الثنايا الغرّ يا روضة الوادي
    وظلّ عليها من ظلالك ساعة * قليلا إلى أن يستقر بها النادي
    وتنصب بالأجواز منك خيامها * فما شئت من ظلّ غداء لميّاد
    وما شئت من ظل ظليل ومن جنى * شهي لدى الجاني يميس بميّاد
    ومن ناشد فيها زرود ورملها * ومن منشد حاد ومن مرشد هاد



    “ 206 “



    ولنا من هذا الباب :
    وأحربا من كبدي وأحربا * وأطربا من خلدي وأحربا
    في كبدي نار جوى محرقة * في خلدي بدر دجى قد غربا
    يا مسك يا بدر ويا غصن نقي * ما أورق ما أنور ما أطيبا
    يا مبسما أحببت منه الحببا * ويا رضابا ذقت منه الضربا
    يا قمرا في شفق من خفر * نجده لاح لنا منتقبا
    لو أنه يسفر عن برقعه * كان عذابا فلهذا احتجبا
    شمس ضحى في فلك طالعه * غصن نقي في روضة قد نصبا
    ظللت لها من حذر مرتقبا * والغصن أسقيه سماء صيّبا
    إن طلعت كانت لعيني عجبا * أو غربت كانت لحيتي سببا
    مذ عقد الحسن على مفرقها * تاجا من التبر عشقت الذهبا
    لو أن إبليس رأى من آدم * نور محياها عليه ما أبا
    لو أن إدريس رأى ما رقم ال * حسن بخدّيها إذا ما كتبا
    لو أن بلقيس رأت رفرفها * ما خطر العرش ولا الصرح ببا
    يا سرحة الوادي ويا بان النقا * أهدي لنا من نشركم مع الصّبا
    ممسكا يفوح ريّاه لنا * من زهر أهضابك أو زهر الربا
    يا بانة الوادي أرينا فننا * في لين أعطاف لها أو قضبنا
    ريح صبا تخبر عن عصر صبا * بحاجر أو بمنى أو بقبا
    أو بالنقا فالمنحنى عند الحمى * أو لعلع حيث مراتع الظبا
    لا عجب لا عجب لا عجبا * من عربيّ يتهادى العربا
    يغني إذا ما صدحت قمرية * بذكر من يهواه فيها طربا


    ولنا من هذا الباب ، وفيه تنبيه على قوله تعالى : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ، وكون الحق تعالى ما ذكر في القرآن من الأسماء التي هي أمهات إلا ثلاثة : اللّه ، والرحمن ، والرب . وما عداها في نعوت للّه ، وقد يقع الرحمن نعتا .

    أيضا قولنا :
    بذي سلم والدير من حاضر الحمى * ظباء تريك الشمس في صور الدّما
    فارقب أفلاكا وأخدم بيعة * واحرس روضا بالربيع منمنما
    فوقتا أسمّي راعي الظبي بالفلا * ووقتا أسمّي راهبا ومنجّما



    “ 207 “


    تثلث محبوبي وقد كان واحدا * كما صيّروا الأقنام بالذات أقنما
    فلا تنكرن يا صاح قول غزالة * تضيء لغزلان يطفن على الدّما
    فللظبي أجيادا وللشمس أوجها * وللدّمية البيضاء صدرا ومعصما
    كما قد أعرنا للغصون ملابسا * وللروض أخلاقا وللبرق مبسما


    طفت ليلة بالبيت فأدركني التعب ، فقلت : أعتب نفسي على البديهة من غير رويّة :
    يا أيها البيت العتيق تعالى * نور لكم بقلوبنا يتلألأ
    أشكو إليك مفاوزا قد جئتها * أرسلت فيها أدمعي إرسالا
    أمسي وأصبح لا ألذّ براحة * أصل البكور ، وأقطع الآصالا
    هذي الركاب إليكم سارت بنا * شوقا وما ترجو بذاك وصالا
    إن النياق وإن أضرّ بها الوجا * تسري وترفل في السّرى أرفالا
    قطعت إليك سباسبا ورمالا * وجدا وما تشكو لذاك كلالا
    ما تشتكي ألم الوجا وأنا الذي * أشكو الكلال لقد أتيت محالا


    ولنا في باب الأرواح واللطائف :
    ناحت مطوّقة فحنّ حزين * وشجاه ترجيع لها وحنين
    جرت الدموع من العيون تفجّعا * لحنينها فكأنهن عيون
    طارحتها ثكلى بفقد وحيدها * والثكل من فقد الوحيد يكون
    طارحتها والشجو يمشي بيننا * ما إن تبين وإنني لأبين
    بي عالج من حبّ رملة عالج * حيث الخيام بها وحيث العين
    من كل فاتكة اللحاظ مريضة * أجفانها لظبي اللحاظ جفون
    ما زلت أجرع دمعتي من غلبتي * أخفي الهوى عن عاذلي وأصون
    حتى إذا صاح الغراب بينهم * فصاح الفراق صبابة المحزون
    وصلوا السرى قطعوا البرى فلعيسهم * تحت المحامل رنّة وأنين
    عاينت أسباب المنية عندما * أرخوا أزمّتها وشدّ وضين
    إن الفراق مع الغرام لقاتل * صعب الفراق مع اللقاء يهون
    ما لي عذول في هواها إنها * معشوقة حسناء حيث تكون


    ولنا أيضا في هذا الباب :
    بين النقا ولعلع * ظباء ذات الأجرع
    ترعى بها في خمري * خمائلا وترتع

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/9/2024, 07:24