الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء الرابع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 48 “
وما ذنب أعرابية قذفت بها * صروف النوى من حيث لم تك ظنّت
تمنّت أحاليب الرعاة وخيمة * بنجد فلم يقضى لها ما تمنّت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه * وبرد حصاه آخر الليل حنّت
لها أنّة عند العشاء وأنّة * سحيرا ولولا أنّتاها لحنّت
فذكر أنه قال لها : الحقي بأهلك بكل ما معك ، فسرّت ولحقت بأهلها .
ولنا فيما يتعلق بعفو اللّه ومنّته :
اللّه يعلم أني لست أذكره * إلا وجدت له نارا على كبدي
لأنني بلسان الذنب أذكره * وهو العليم بما أضمرت في خلدي
لكنني بجميل العفو أعرفه * وبالتجاوز والإحسان والرفد
وهل تقاوم عفو اللّه معصية * هيهات هيهات لا تعدل عن الرشد
اللّه أكرم أن تنساك منّته * ومن يجود إذا الرحمن لم يجد
فحسّن الظنّ بالرحمن وارض به * ربّا فليس وجود الفرد كالأحد
ومن حديث مكة بعد خزاعة وولاية قصيّ بن كلاب البيت الحران وما ذكر من ذلك
ما روينا من حديث أبي الوليد ، عن جدّه ، عن سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج ، عن ابن جريج ، وعن ابن إسحاق يزيد أحدهما على صاحبه ، قال : أقامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة ، وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه وتخريبه ، فقامت دونه خزاعة ، فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع ، ثم آخر كذلك .
وأما تبّع الثالث الذي نحر له وكساه ، وجعل له غلقا ، وأقام عنده أياما ينحر عنده كل يوم مائة بدنة ، ولا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره منها شيئا ، يردها الناس بالفجاج والشعاب ، فيأخذون منها حاجتهم ، ثم يقطع الطير عليها ، فتأكل ثم تنتابها السباع إذا أمست ، ولا يرد عليها إنسان ، ولا طائر ، ولا سبع . ثم رجع إلى اليمن إنما كان في عهد قريش ، قال : فلبثت خزاعة على ما هي عليه ، وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة ، وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة ، فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذرة بن سعد بن زيد ، وقد هلك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب ، وترك زهرة وقصيّا ابني كلاب مع أمهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سبل ، وسعد بن سبل الذي يقول فيه الشاعر ، وكان أشجع أهل زمانه :
“ 49 “
لا أرى في الناس شخصا واحدا * فاعلموا ذاك كسعد بن سبل
فارس أضبط فيه عسرة * وإذا ما عاين القرن نزل
فارس يستدرج الخيل كما * يدرج الحرّ القطاميّ الحجل
قال : وزهرة أكبر من قصي سنا ، فتزوج ربيعة بن حزام أمهما ، وزهرة رجل بالغ ، وقصي فطيم ، أو في سن الفطيم ، فاحتملها ربيعة إلى بلادها من أرض عذرة من أشراف الشام ، فاحتملت معها قصيا لصغره ، وتخلف زهرة في قومه ، فولدت فاطمة بنت عمرو بن سعد لربيعة رزاح بن ربيعة ، فكان أخا قصي بن كلاب لأمه ولربيعة بن حزام من امرأة أخرى ثلاثة نفر : حنّ ، ومحمودة ، وجلهمة ، بنو ربيعة .
فبينا قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا تنتمي إلى آل ربيعة بن حزام إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء ، وقصي قد بلغ ، فقال له القضاعي : ألا تلحق بنسبك وقومك فإنك لست منّا ؟ فرجع قصي إلى أمه وقد وجد مما قال له القضاعي ، فسألها عما قال له ،
فقالت :
أنت واللّه يا بنيّ خير منه وأكرم ، أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، وقومك عند البيت الحرام وما حوله . فأجمع قصي الخروج إلى قومه واللحاق بهم ، وكره الغربة في أرض قضاعة ، فقالت له أمه : يا بني ، لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام ، فتخرج في حاجّ العرب ، فإني أخشى عليك ، فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام ، وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة ، فلما فرغ من الحج أقام بها ، وكان قصي رجلا جليدا حازما بارعا ، فخطب إلى حليل بن حبشية بن سلوك الخزاعي ابنته حني ، فعرف حليل النسب ، ورغب في الرجل ، فزوّجه ، وحليل يومئذ يلي الكعبة ، وأمر مكة ، فأقام قصي معه حتى ولدت حني لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده ، وعبد مناف ، وعبد العزّى ، وعبد بن قصي ، وكان حليل يفتح البيت ، فإذا اعتل أعطى ابنته حني المفتاح ، ففتحت ، فإذا اعتلت أعطت المفتاح لزوجها قصيا ، أو بعض ولدها فيفتحه ، وكان قصي يعمل في حيازته إليه ، وقطع ذكر خزاعة عنه ، فلما حضرت حليل الوفاة نظر إلى قصي ، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته ، فرأى أن يجعلها في ولد ابنته ، فدعا قصيا ، فجعل له ولاية البيت ، وأسلم إليه المفتاح ، وكاد يكون عند حني .
فلما هلك حليل أبت خزاعة أن تدعه هنالك ، وأخذوا المفتاح من حني ، فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة ، ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك ، وأن ينصروه ويعضدوه ، فأجابوا إلى نصره . وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة ، وهو
“ 50 “
في بلاد قومه من قضاعة ، يدعوه إلى نصره ، ويعلمه ما حال بينه وبين ولاية البيت ، ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه . فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك ، فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته من أبيه ، حنّ ومحمود وجلهمة بنو ربيعة بن حزام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، مجمعين لنصر قصي والقيام معه .
فلما اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج ، فوقفوا بعرفة بجمع ، ونزلوا منى ، وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم بمن معه من قضاعة ، فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل ، وعظموا عليهم القتال في الحرم ، وحذروهم الظلم والبغي في الحرم ومكة ، وذكروهم ما كانت عليه جرهم ، وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم ، فأبت خزاعة أن تسلم ذلك ، فاقتتلوا بمغضى المأزمين من منى .
قال : فسمي ذلك المكان المفجر ، لما فجر فيه ، وسفك فيه الدماء من الدم ، وانهتك من حرمته ، فاقتتلوا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، وفشت فيهم الحروب والجراحات ، وحاج العرب جميعا ينظرون إلى قتالهم من مصر واليمن . ثم تداعوا إلى الصلح ، ودخلت قبائل العرب بينهم ، فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فيما اختلفوا فيه . قال : فحكّموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة ، وكان رجلا شريفا ، فقال : موعدكم فناء الكعبة غدا ، فاجتمع إليه الناس ، وعدّوا القتلى ، فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة ، وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي خزاعة ، إنما كانت مع قريش من بني كنانة غلمان يسيرة ، فاعتزلت عنها بكر بن عبد مناف قاطبة .
فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال : ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدميّ هاتين ، فلا تباعة لأحد على أحد في دم ، وإني قد حكمت لقصيّ بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل ، وأن نخلّي بينه وبين ذلك ، وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة . قال : فسمّي يعمر من ذلك اليوم الشداخ .
فسلمت بذلك خزاعة لقصي ، وأعظموا سفك الدماء في الحرم ، وافترق الناس ، وولّي قصي بن كلاب حجابة البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعزّ بهم ، وتملّك على قومه فملّكوه ، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم ، لم يتحركوا من مساكنهم ، ولم يخرجوا منها ، ولم يزالوا على ذلك حتى الآن.
فحاز قصي شرف مكة ، وبنى دار الندوة ، وفيها كانت قريش تقضي أمورها ، ولم
“ 51 “
يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة ، وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون وخلفاؤهم . وكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكا ، فأطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة والرفادة والسقاية والندوة واللواء والقيادة .
فلما جمع قصي قريشا بمكة سمّي مجمعا ، ومن أجل تجمّع قريش إلى قصي سمّيت قريش قريشا .
وقال قصي يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة :
أنا ابن العاصمين بني لؤيّ * بمكة مولدي وبها ربيت
لي البطحاء قد علمت معدّ * ومروتها رضيت بها رضيت
وفيها كانت الآباء قبلي * فما شويت أخيّ وما شويت
فلست لغالب إن لم تؤثّل * بها أولاد قيدر والنبيت
رزاح ناصري وبه أسامي * فلست أخاف ضيما ما حييت
فقال رزاح في إجابته أخاه قصيّا :
فلما أتى من قصي رسول * فقال الرسول أجيبوا الخليلا
نهضنا إليه نعود الجياد * ونطرح عنّا الملول الثقيلا
نسير بها الليل حتى الصباح * ونكمي النهار لئلا يزولا
فهنّ سراع كورد القطا * يجئن بنا من قصي رسولا
جمعنا من السرّ من أشمدين * ومن كل حيّ جمعنا قبيلا
فيا لك حلبة ما ليلة * نزيد على الألف سيبا رسيلا
فلما مررنا على عسكر * وأسهلنا من مستناخ سبيلا
وجاوزن بالركن من ورّقان * وجاوزن بالعرج حيا حلولا
مررن على الحلى ما ذقنه * وعالجن من مرّ ليلا طويلا
فدنا من العود أفلاءها * إرادة أن تسترقن الصهيلا
فلما انتضينا إلى مكة * أنخنا الرحال قبيلا قبيلا
نعاورهم ثم حدّ السيوف * وفي كل حوب خلسن العقولا
نخبّرهم بصلاب السنو * ن خبر القويّ العزيز الذليلا
قتلنا خزاعة في دارها * وبكرا قتلنا فجيلا وجيلا
نفيناهم من بلاد المليك * كما لا يحلّون أرضا وسهولا
فأصبح سبيهم في الحديد * ومن كل حيّ شفينا الغليلا
“ 52 “
وقال ثعلبة بن عبد اللّه بن دينار بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك ، من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه :
جلبنا الخيل مضمرة تعالى * من الأعراف أعراف الجناب
إلى غوري تهامة فالتقينا * من الفيفاء في قاع بباب
فأما صفوة الحسنى فخلّوا * منازلهم محادرة الضراب
وقام بنو عليّ إذ رأونا * إلى الأسياف كالإبل الظراب
وقال حذافة بن غانم الجمجمي يمدح قريشا وبني قصي :
أبوهم قصيّ كان يدعى مجمعا * به جمع اللّه القبائل من فهر
هم نزلوها والمياه قليلة * وليس بها إلا كهول بني عمرو
هم ملئوا البطحاء مجدا وسؤددا * وهم طردوا عنها عراة بني بكر
وهم حفروها والمياه قليلة * ولم تستق إلا بنكد من الحفر
حليل الذي عادى كنانة كلها * وأربط بيت اللّه بالعسر واليسر
أحارث أمّا أهلكن فلا تزل * لهم شاكرا حتى توسّد في القبر
قال : ولما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده بعد انصرافه من قصي ، وقع بين رزاح بن ربيعة وبين فهر بن زيد وحونكة بن أسلم ، وهم بطنان من قضاعة ، شيء فأخافهم ، حتى لحقوا باليمن ، وخلّوا عن بلاد قضاعة ، وهم اليوم باليمن . قال قصي بن كلاب ، وقد كره ما فعل رزاح بهم ،
شعرا :
ألا من مبلغ عني رزاحا * فإني قد لحيتك في اثنتين
لحيتك في بني فهر بن زيد * كما فرّقت بينهم وبيني
وحوتكة بن أسلم أنّ قوما * عنوهم بالمساءة قد عنوني
اعتراف عارف في أشرف المواقف
حدثنا عبد الرحمن بن علي ، نبّأ أبو بكر الصوفي ، أنا أبو سعيد الخير ، انا ابن باكويه ، نبأ محمد بن هارون ، نبأ ابن مسروق ، نبأ محمد بن الحسين ، عن وداع بن مرجا ، عن صالح المري ، قال : وقف مطرف وبكر بن عبد اللّه بعرفة ، فقال مطرف : اللهم لا تردهم اليوم من أجلي . وقال بكر : ما أشرفه من موقف ، وأرضاه لأهله ، لولا أني فيهم .
ورفع الفضيل رأسه إلى السماء ، وقد قبض على لحيته وهو يبكي بكاء الثكلى ويقول :
وا سوأتاه منك وإن عفوت .
“ 53 “
وممن مات حياء من اللّه تعالى
ما روينا من حديث ابن باكويه ، قال : سمعت علي بن هزارمرد يقول : سمعت ابن محبوب تلميذ أبي الأبّان يقول : سمعت أبا الأبّان يقول : ما رأيت خائفا إلا رجلا واحدا ، كنت بالموقف فرأيت شابا مطرقا منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص ، فقلت : يا هذا ، ابسط يديك للدعاء فقال لي : ثمّ وحشة ؟ فقلت له : فهذا يوم العفو من الذنوب ، قال :
فبسط يده ، ففي بسطه يديه وقع ميّتا .
ومن باب المجاهدة
ما رويناه من حديث المالكي ، عن الرياشيّ قال : رأيت أحمد بن المعدل في الموقف ، في يوم شديد الحرّ ، وقد ضحى للشمس فقلت : يا أبا الفضل ، لو أخذت بالتوسعة ، فأنشد يقول :
ضحيت له كي أستظلّ بظلّه * إذا الظل أمسى في القيامة قالصا
فوا أسفا إن كان سعيك باطلا * ويا حسرتا إن كان حظك ناقصا
ومن باب من دعا ربه في حياة قلبه
ما رويناه من حديث ابن باكويه ، عن أحمد بن عطاء ، عن الحسن بن أحمد ، قال :
قال المأمون : قال إبراهيم بن أدهم : قال لي أبو عباد الرملي : حضرت عرفات ، فوقفت أدعو فإذا أنا بفتى قد أقبل فقال : أقوام يصلون إلى هذا الموضع يكون فيهم من الفضل ما يسألون اللّه عز وجل الحوائج ، إلا جعلوا حوائجهم في حياة قلوبهم ؟ ثم قال لي : أنت أبو عباد الذي تركت الشهوات منذ ثلاثين سنة ، فعند تركك أفدت فائدة ، فبكيت وقلت : ما أرى ، فقال : هيهات أبى اللّه أن يجعل ذخائره لمن الدنيا والآخرة في قلبه .
أنشدنا علي بن عمرو الكاتب بقرطبة قال : أنشدني أبو القاسم بن بشكوال المحدّث لأبي وهب عبد الرحمن بن الفاضل ، وقبره بقرطبة مثل قبر معروف ببغداد ، في إجابة الدعاء عنده :
برئت من المنازل والقباب * قلم يعسر على أحد حجابي
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي * سماء اللّه أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي * عليّ مسلّما من غير باب
“ 54 “
لأني لم أجد مصراع باب * يكون من السماء إلى التراب
ولا انشق الثرى عن عود نحت * أؤمل أن أشد به ثيابي
ولا خفت الإباق على عبيدي * ولا خفت الرهاص على دوابي
ولا حاسبت يوما قهرمانا * فأخشى أن أغلّب في الحساب
ففي ذا راحة وبلاغ عيش * فدأب الدهر ذا أبدا ودأبي
حدثنا عبد الرحمن بن علي ، نبأ أبو غالب محمد بن الحسين الماوردي ، أنا أبو علي ، نبأ عبد اللّه بن محمد ، نبأ أبو إسحاق الهجمي ، نبأ محمد بن زكريا الغلابي ، نبأ إبراهيم بن عمر قال : خرج أبو نواس في أيام العشر يريد شراء أضحية ، فلما صار في المربد إذا هو بأعرابي قد أدخل شاة له يقدمها كبش فاره ، فقال : لأجرّبنّ هذا الأعرابي ، فأنظر ما عنده ، فإنه أظنه عاقلا ،
فقال أبو نواس :
أيا صاحب الشاة الذي قد يسوقها * بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما
فقال الأعرابي :
أبيعكه إن كنت ممن تريده * ولم تك مزّاحا بعشرين درهما
فقال أبو نواس :
أجدت رعاك اللّه ردّ جوابنا * فأحسن إلينا إن أردت التكرّما
فقال الأعرابي :
أحطّ من العشرين خمسا فإنني * أراك ظريفا فاقتضيه مسلّما
قال : فدفع إليه خمسة عشر درهما ، وأخذ كبشا يساوي ثلاثين درهما .
حدثنا محمد بن محمد بن محمد ، نبأ أبو القاسم الحريري ، أنا أبو بكر محمد بن علي المقري ، انا ابن دوست العلّاف ، نبأ صفوان ، عن عبد اللّه بن صفوان القرشي ، عن أبي الحسن الأزدي ، قال : وجدت على قبر بشاطئ الفرات مكتوبا :
يا عجبا للأرض ما تشبع * وكل حيّ فوقها يهجع
ابتلعت عادا فأفنتهم * وبعد عاد هلكت تبّع
وقوم نوح أدخلت بطنها * فظهرها من جمعهم بلقع
يا أيها الراجي لما قد مضى * هل لك فيما قد مضى مطمع
وحدثنا يوسف بن مالك ، نبأ ابن جهور ، نبأ أبو القاسم الحريري ، عن محمد بن علي بن دوست ، عن ابن صفوان ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي عمر العمري ، عن
“ 55 “
عبد اللّه بن صدقة بن مرداس البكري ، عن أبيه قال : نظرت إلى ثلاث قبور على شرف من الأرض ، فإذا على أحدهم مكتوب بنقش عجيب الصنع :
وكيف يلذ العيش من هو عالم * بأن إله العرش لا بدّ سائله
فيأخذ منه ظلمة لعباده * ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
وعلى الثاني مكتوب :
وكيف يلذّ العيش من كان موقنا * بأن المنايا بغتة ستؤاجله
فتسلبه ملكا عظيما ونخوة * وتسلبه البيت الذي هو آهله
وعلى الثالث مكتوب :
وكيف يلذ العيش من كان صائرا * إلى حدث تبلى الشباب مناهله
ويذهب رسم الوجه من بعد صونه * ويبلى سريعا جسمه ومفاصله
خبر النجباء
كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اثنا عشر نجيبا زادت هذه الأمة في النجباء على سائر الأمم بخمسة نجباء ، فإنه لكل نبي سبعة نجباء إلا نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم فإنه كان له اثنا عشر نجيبا ، وهم :
علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وأبو بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بن عمير ، وبلال ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ، وعثمان بن مظعون ، وشك سفيان بن عيينة في عبد اللّه بن مسعود .
روينا أسماءهم من حديث الدينوري عن محمد بن عيسى المدائني عن سفيان بن عيينة ، عن كثير ، عن إسماعيل ، عن أبي إدريس ، عن المسيّب ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم .
وروينا عدتهم بهذا الإسناد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم .
وأما نقباء هذه الأمة
فروينا من حديث ابن مرو، عن محمد بن عيسى ، عن سفيان بن عيينة ، عن معمر ، قال : النقباء كلهم من الأنصار ، والحواريون كلهم من قريش . فأما النقباء:
فسعد بن خيثمة من بني عمر ، وابن عوف ، وسعد بن الربيع من بني النجار ،
“ 56 “
وسعد بن عبادة من بني عبد الأشهل ، وعبد اللّه بن رواحة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، والبرّاء بن معرور ، ورافع بن مالك الزرقي ، وعبد اللّه بن عمرو بن حزام ، وهو أبو جابر ، وعبادة بن الصامت من بني سلمة ، والمنذر بن عمرو من بني ساعدة . وقد ذكرنا عدد الحواريين في أول الكتاب ، وكذلك ذكرنا النقباء والنجباء .
ومن باب من جوزي هنا بخير عمله
ما روينا من حديث المالكي ، عن جعفر بن محمد ، وأفادنا علّان منعما ، حدثنا يزيد بن الحكيم عن الحكم بن أبّان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أتى سائل امرأة وفي فمها لقمة ، فلفظتها فناولتها السائل ، فلم تلبث أن رزقت غلاما ، فلما ترعرع جاء ذئب فاحتمله ، فخرجت تعدو في أثر الذئب وهي تقول : ابني ابني ، فأمر اللّه ملكا أن الحق الذئب وخذ الصبي من فيه ، وقل لأمه : إن اللّه يقرئك السلام ، وقل : هذه لقمة بلقمة » .
ومن باب المواعظ على مجالس الذكر والصبر على الحق
ما روينا من حديث أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي يعقوب الضرير ، قال : حدثني عمار بن الراهب ، قال : رأيت سكينة الطفاوية في منامي فقلت : مرحبا يا مسكينة ، فقالت : هيهات يا عمار هيهات ، ذهبت المسكنة ، وجاء الغنى الأكبر ، قلت :
هيه ، قالت : ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها تظلّ فيها حيث تشاء ، قال : قلت : وبم ذلك ؟ قالت : بمجالس الذكر والصبر على الحق . قال عمار : وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زاذان بالأيلة تنحدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة . قال عمار : قلت : يا مسكينة ، فما فعل عيسى بن زاذان ؟ قال : فضحكت وقالت : قد كسي حلّة البهاء ، وطافت عليه بأباريق حوله الخدام ، ثم حلي . وقيل : يا قارئ ارقأ ، فلعمري لقد براك الصيام . انتهى .
ذكر إسلام الجارود وما جرى له من ذكر قس في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث السلّمي وهو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى ، قال : نبأ أبو العباس الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطي بمكة ، قال : انا محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد ، انا أبي عيسى بن محمد بن سعد القرشي ، عن علي بن سليمان بن علي ، عن علي بن عبد اللّه بن العباس ، عن عبد اللّه بن العباس ،
“ 57 “
قال : قدم الجارود بن عبد اللّه وكان سيدا في قومه ، مطاعا عظيما في عشيرته ، مطاع الأمر ، رفيع القدر ، ظاهر الأدب ، بارع الفضل ، شامخ الحسب ، بديع الجمال ، كثير الخطر ، حسن الفعال ، ذا مال ومنعة ، في وفد عبد القيس من ذوي الأخطار والأقدار والفضل والإحسان والفصاحة والبرهان ، وكل رجل منهم كالنخلة السّحوق ، على ناقة كالفحل العتيق ، وقد جنبوا الجياد ، وأعدّوا للجلاد ، جادّين في سيرهم ، حازمين في أمرهم ، يسيرون ذميلا ، ويقطعون ميلا فميلا ، حتى أناخوا عند مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأقبل الجارود على قومه ، والمشيخة من بني عمه ، فقال : يا قوم ، هذا محمد الأغر الأعز ، سيد العرب ، وخير سلالة عبد المطلب ، فإذا دخلتم عليه ، ووقفتم بين يديه ، فأحسنوا إليه السلام ، وأقلّوا عنده الكلام . فقالوا : أيها الملك الهمام ، والأسد الضرغام ، لن نتكلم إذا حضرت ، ولن نجاوز إذا أمرت ، فقل ما شئت فإنّا سامعون ، واعمل ما شئت فإنّا تابعون ، وأمر بما تراه فإنا طائعون .
فنهض الجارود في كل كميّ صنديد ، قد دوّموا العمائم ، وتردّوا بالصمائم ، يجرّون أسيافهم ، ويسحبون أذيالهم ، يتناشدون الأشعار ، ويتذاكرون مناقب الأخيار ، لا يتكلمون طويلا ، ولا يسكتون عيّا ، إن أمرهم ائتمروا ، وإن زجرهم ازدجروا ، كأنهم أسد غيل ، يقدمها ذو لبوة مهول ، حتى مثلوا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فلما دخل القوم المسجد ، وأبصرهم أهل المشهد ، لفّ الجارود أمام النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وحسر لثامه ، وحسن سلامه ، ثم أنشأ يقول :
يا نبيّ الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وآلا فآلا
وطوت نحوك الضحاضح طرّا * لا تخال الكلال فيك كلالا
كل دهماء يقصر الطرف عنها * أرفلتها قلاصنا إرفالا
وطوتها الحيا تجمّح فيها * بكماة كأنجم تتلألأ
تبتغي دفع يوم بؤس عبوس * أوجل القلب ذكره ثم هالا
فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما سمع منه فرح فرحا شديدا ، وقرّبه وأدناه ، ورفع مجلسه وحيّاه ، وأكرمه وحباه ، وقال : « يا جارود ، لقد تأخر بك وبقومك الموعد ، وطال بكم الأمد » . قال : واللّه يا رسول اللّه لقد أخطأ من أخطأك قصده ، وعدم رشده ، وتلك أيم اللّه أكبر خيبة ، وأعظم جوبة ، والرائد لا يكذب أهله ، ولا يغش نفسه ، لقد جئت بالحق ، ونطقت بالصدق ، والذي بعثك بالحق نبيا ، واختارك للمؤمنين وليّا ، لقد وجدت وصفك في الإنجيل ، ولقد بشّر بك ابن البتول ، وطول التحية لك ، والشكر لمن أكرمك وأرسلك ،
“ 58 “
ولا أثر بعد عين ، ولا شك بعد يقين ، مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك محمد رسول اللّه .
قال : فآمن الجارود ، وأمن من قومه كل سيد ، وسرّ بهم النبي صلى اللّه عليه وسلم سرورا ، وابتهج حبورا ، وقال : « يا جارود ، هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قسا ؟ » ، قال : كلنا نعرفه يا رسول اللّه ، وأنا من بين قومي كنت أقفو أثره ، وأطلب خبره ، كان قسا سبطا من أسباط العرب ، صحيح النسب ، فصيحا إذا خطب ، ذا شيبة حسنة ، عمره سبعمائة سنة ، يتقفر القفار ، ولا تكنّه دار ، ولا يقرّه قرار ، يتحسى في تقفره بيض النعام ، ويأنس بالوحوش والهوام ، يلبس المسوح ، ويتبع السياح على منهاج المسيح ، لا يقرّ من الوجدانية ، مقرا للّه بالوحدانية ، تضرب بحكمته الأمثال ، وتكشف به الأهوال ، وتتبعه الأبدال ، أدرك رأس الحواريين سمعان ، فهو أول من تأله من العرب ، وأعبد من تعبّد في الحقب ، وأيقن بالبعث والحساب ، وحذر سوء المنقلب والمآب ، ووعظ بذكر الموت ، وأمر بالعمل قبل الفوت ، الحسن الألفاظ ، الخاطب بسوق عكاظ ، العالم بشرق وغرب ، ويابس ورطب ، وأجاج وعذب ، كأني أنظر إليه ، والعرب بين يديه ، يقسم بالرب الذي هو له ، ليبلغن الكتاب أجله ، وليوفين كل عامل عمله .
وأنشأ يقول :
هاج بالقلب من هواده ادكار * وليال خلالهنّ نهار
ونجوم يحثها قمر اللي * ل وشمس في كل يوم تدار
ضوأها يطمس العيون وإرعا * د شديد في الخافقين مطار
وغلام وأشمط ورضيع * كلهم في التراب يوما يزار
وقصور مشيدة حوت الخي * ر وأخرى خلت فهنّ قفار
وكثير مما يقصّر عنه * حوشة الناظر الذي لا يحار
والذي قد ذكرت دل على الل * ه نفوس لها هدى واعتبار
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « على رسلك يا جارود ، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل له أورق ، وهو يتكلم بكلام مونق ، ما أظن أني أحفظه ، فهل فيكم من يحفظ لنا منه شيئا يا معاشر المهاجرين والأنصار ؟ » ، فوثب أبو بكر رضي اللّه عنه قائما وقال : يا رسول اللّه ، إني أحفظه وكنت حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ حين خطب فأطنب ، ورغّب ورهّب ، وحذّر وأنذر ، وقال في خطبته : أيها الناس ، اسمعوا وعوا ، وإذا وعيتم شيئا فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، مطر ونبات ، وأرزاق وأقوات ، وآباء
“ 59 “
وأمهات ، وأحياء وأموات ، جمع وأشتات ، وآيات بعد آيات . إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، وأرض ذات أفجاج ، وبحار ذات أمواج .
ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا هناك فناموا ؟ أقسم قس قسما ، حقا لا حانثا فيه ولا آثما ، إن للّه دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ونبيا قد حان حينه ، وأظلكم أوانه ، وأدرككم إبانه ، فطوبى لمن أدركه فآمن به وهداه ، وويل لمن خالفه وعصاه .
ثم قال : تبا لأرباب الغفلة ، والأمم الخالية ، والقرون الماضية .
يا معشر إياد ، أين الآباء والأجداد ؟ وأين المريض والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟
أين من بنى وشيّد وزخرف ونجّد ؟ أين المال والولد ؟ أين من بغى وطغى وجمع فأوعى ؟
وقال : أنا ربكم الأعلى . ألم يكونوا أكثر منكم أموالا ؟ وأطول منكم آجالا ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، ومزّقهم بطوله ، فتلك عظامهم بالية ، وبيوتهم خالية ، عمرتها الذئاب العاوية ، كلا ، بل هو اللّه الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود .
ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الأولي * ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إليّ * ولا من الباقين عابر
أيقنت إني لا محا * لة حيث صار القوم صائر
قال : ثم جلس ، وقام رجل من الأنصار بعده كأنه قطعة جبل ذو هامة عظيمة ، وقامة جسيمة ، قد دوّم عمامته وأرخى ذؤابته ، منيف أنوف أشدق ، أجش الصوت ، فقال : يا سيد المرسلين وصفوة رب العالمين ، لقد رأيت من قس عجيبا ، وشهدت منه أمرا غريبا .
فقال : « ما الذي رأيته وحفظته عنه ؟ » ، فقال : خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا إليّ شرد مني ، أقفو أثره ، وأطلب خبره في نتائف حفاف ذات دعادع وزعازع ، ليس لها للركب مقيل ، ولا لغير الجن عليها سبيل ، وإذا أنا بموئل مهول في طود عظيم ، ليس فيه إلا البوم ، وأدركني الليل فولجته مذعورا ، لا آمن فيه حتفي ، ولا أركن إلى غير سيفي ، فبتّ بليل طويل كأنه بليل موصول ، أرقب الكواكب ، وأرمق الغيهب ، حتى إذا الليل عسعس ، وكاد الصبح أن يتنفس ، هتف بي هاتف يقول :
يا أيها الراقد في الليل الأجم * قد بعث اللّه نبيا في الحرم
“ 60 “
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجنّات الليالي والبهم
قال : فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا ، ولا سمعت له فحصا ، فأنشأت أقول :
يا أيها الهاتف في داجي الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بيّن هداك اللّه في اللحن الكلم * ما ذا الذي تدعو إليه يغتنم
قال : فإذا أنا بنحنحة ، وقائل يقول : ظهر النور ، وبطل الزور ، بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالحبور ، صاحب النجيب الأحمر ، والتاج والمغفر ، والوجه الأزهر ، والحاجب الأقمر ، والطرف الأحور ، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فذاك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض ، أهل المدر والوبر ، ثم أنشأ يقول :
الحمد للّه الذي * لم يخلق الخلق عبث
لم يجعلنا سدى * من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا أحمدا * خير نبي قد بعث
صلى عليه اللّه ما * حجّ له ركب وحث
قال : فذهلت عن البعير ، واكتنفني السرور ، ولاح لي الصباح ، واتسع الأوضاح ، فتركت الغور وأخذت الجبل ، فإذا أنا بالفنيق يشقشق النوق ، فملكت خطامه ، وعلوت سنامه ، فمرح طاعة ، وهزهزته ساعة ، حتى إذا لعب ، وذل منه ما صعب ، وحميت الوسادة ، وبردت المزادة ، فإذا الزاد قد هش له الفؤاد ، وبركته فبرك في روضة خضراء نضراء عطراء ، ذات حوادر ، وقربان وعبقران ، وعبيتران ، وحلي ، وأقاحي جثجاث نوار ، وشقائق وبهار ، كأنما قد بات الجو بها مطيرا ، وباكرها المزن بكورا ، فخلالها شجر ، وقرارها نهر ، فجعل يرتع أبّا ، وأصيد ضبّا ، حتى إذا أكلت وأكل ، ونهلت ونهل ، وعللت وعل ، حللت عقاله ، وعلوت حلاله ، وأوسعت مجاله ، فاغتنم الحملة ، ومرّ كالنبلة ، يسبق الريح ، ويقطع عرض الفيح ، حتى أشرف بي على واد ، وشجر عاد مورقة ومونقة ، قد تهدل أغصانها كأنما يريدها حب الفلفل ، فدنوت فإذا أنا بقسّ بن ساعدة في ظل شجرة ، في يده قضيب من أراك ينكث به الأرض ، وهو يترنم ويقول :
يا ناعي الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا برّهم خرق
دعم فإنّ لهم يوما يصاح بهم * فهم إذا نبّهوا من نومهم حرق
حتى يعودوا لحال غير حالهم * خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق
قال : فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، وإذا بعين حزارة في أرض
“ 61 “
خوّارة ، ومسجد بين قبرين ، وأسدين عظيمين يلوذان به ، ويتمسحان بأثوابه ، وإذا أحدهم يسبق صاحبه إلى الماء فتبعه الآخر ، وطلب الماء ، فضربه بالقضيب الذي بيده وقال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك ، فرجع ، ثم ورد بعده فقلت له : ما هذان القبران ؟
فقال : هذان قبرا أخوين لي ، كانا يعبدان اللّه معي في هذا المكان ، لا يشركان باللّه شيئا ، فأدركهما الموت ، فقبرتهما ، وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما . ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع ، فانكبّ عليهما وجعل يقول :
خليليّ هيّا طالما قد رقدتما * أجدّكما لا تقضيان كراكما
ألم تريا أني بسمعان مفرد * وما لي فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما
أأبكيكما طول الحياة وما الذي * يردّ على ذي عولة إن بكاكما
كأنكما والموت أقرب غائب * بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسي أن تكون فداكما
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يرحم اللّه قسّا ، إني لأرجو أن يبعثه اللّه أمة وحده » .
وأنشدوا في الموت :
ذهب الأحبة بعد طول تودّد * ونأى المزار فأسلموك وأقلعوا
خذلوك أفقر ما تكون بغرة * لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
قضى القضاء وصرت صاحب حفرة * عنك الأحبّة أعرضوا وتصدعوا
وأنشدوا :
يا أيها الواقف بالقبور * بين أناس غيب حضور
قد سكنوا في خرب معمور * بين الثرى وجندل الصخور
لا تك عن خطبك في غرور
وأنشدوا :
صرت بعد النعيم في * منزل البعد والقلا
وجفاني أحبّتي * حين غيّبت في الثرى
أخلق الموت جدّتي * ومحا حسني البلا
ومن ذلك :
سلب الموت بهجتي وشبابي * وجفاني في غربتي أحبابي
بعد ملك وظل عيش عجيب * صرت رهنا لجندل وتراب
“ 62 “
حدثنا محمد بن محمد بن محمد ، ثنا الحريري ، ثنا أبو بكر الخياط ، ثنا ابن دوست ، ثنا ابن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن أبي جعفر القرشي قال : خرج رجل إلى مقابر البصرة ، فرأى قبرا قد نقش عليه شعر :
يا غافل القلب عن ذكر المنيّات * عما قليل ستثوى بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به * وتب إلى اللّه عن لهو ولذّات
إن الحمام له وقت إلى أجل * فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئنّ إلى الدنيا وزينتها * قد حان للموت يا ذا اللبّ أن يأتي
حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد بن عبد اللّه اللخمي القرباني ، حدثني أبو الطاهر بن محمد بن أحمد ، ثنا أبو نصر بن علي ، حدثني ابن النحاس ، عن ابن وسيم ، عن إبراهيم بن عرفة ، عن العباس بن محمد ، عن عثمان بن عمر ، عن شعبة ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . إن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه . فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشبيبة قبل الكبر ، ومن الحياة قبل الموت . فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ، وما بعد الدنيا دار إلّا الجنة أو النار » .
أخبرنا عبد الرحمن بن علي كتابة ، نبأ إبراهيم بن دينار ، انا إسماعيل بن محمد ، عن عبد العزيز بن أحمد ، ثنا ابن حبان ، نبأ أبو سعيد الثقفي ، عن ذي النون المصري ، قال :
كنت في الطواف إذ طلع نور لحق بعنان السماء ، فتعجبت وأتممت طوافي ، ووقفت أتفكّر في ذلك النور ، فسمعت صوتا حزينا ، فنظرت فإذا أنا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول :
أنت تدري يا حبيبي * يا حبيبي أنت تدري
ونحول الجسم والدمع * يبوحان بسرّي
يا حبيبي قد كتمت الحب * حتى ضاق صدري
قال ذو النون : فشجاني ما سمعت ، ثم انتحبت وبكت وقالت : يا إلهي وسيدي ومولاي ، بحبك لي إلا ما غفرت لي . قال : فتعاظمني ذلك ، فقلت : يا جارية ، أما يكفيك أن تقولي بحبي لك حتى تقولي بحبك لي ؟ فقالت : إليك عني يا ذا النون ، أما علمت أن للّه عز وجل قوما يحبهم ويحبونه ؟ أما سمعت اللّه يقول : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له . فقلت : من أين علمت أني ذو النون ؟
“ 63 “
فقالت : يا بطّال ، جالت القلوب في ميدان الأسرار ، فعرفتك بمعرفة الجبّار . ثم قالت لي :
انظر إلى من خلفك ، فأدرت وجهي ، فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها .
روينا من حديث ابن باكويه ، عن عبد العزيز بن الفضل ، عن عبد الجبار بن عبد الصمد ، عن الحسين بن أحمد بن هارون ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن أبي شعيب قال :
سألت إبراهيم بن أدهم الصحبة إلى مكة فقال لي : على شريطة على أن لا ينظر إلا للّه وباللّه ، فشرطت له ذلك على نفسي . فخرجت معه ، فبينا نحن في الطواف إذا بغلام قد افتتن الناس بحسنه وجماله ، وجعل إبراهيم يديم النظر إليه ، فلما طال ذلك قلت : يا أبا إسحاق ، أليس شرطت على أن لا ننظر إلا للّه وباللّه ؟
قال : بلى ، قلت : فإني أراك تديم النظر إلى هذا الغلام ، فقال : هذا ابني وولدي ، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه ، ولكن انطلق وسلّم عليه مني ، وعانقه عني ، فمضيت إليه وسلّمت عليه ، فجاء إلى والده فسلّم عليه ، ثم صرفه مع الخدم ، وقال : ارجع وانظر أيش يراد بك ؟
وأنشأ يقول :
هجرت الخلق طرّا في رضاكا * وأيتمت البنين لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحب إربا * لما حنّ الفؤاد إلى سواكا
حدثنا يونس ، عن أبي منصور ، عن أبي الحسين بن يوسف قال : قال لنا أبو الحسن بن صخر : تعلق رجل بالستر وقال :
ستور بيتك ذيل الأمن منك وقد * علّقتها مستجيرا أيها الباري
وما أظنك لما أن عممت بها * خوفا من النار تدنيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا * حجوا إليه وقد أوصيت بالجار
وأنشدنا سليمان بن خليل بمكة لأبي الفرج بن علي بن محمد بن الجوزي الإمام العالم :
تملكوا واحتكموا * وصار قلبي لهم
تصرّفوا في ملكهم * فلا يقال ظلموا
إن وصلوا محبّهم * أو قطعوا فهم هم
صبرا لما شاءوا وإن * ساء الذي قد حكموا
قد أودعوا سرّ فؤادي * حبّهم واستكتموا
يا أرض سبع خبّري * وحدّثيني عنهم
يا ليت شعري إذ غدوا * أأنجدوا أم اتهموا
تبكيهم أرض منى * وتشتكيهم زمزم
الجزء الرابع
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 48 “
وما ذنب أعرابية قذفت بها * صروف النوى من حيث لم تك ظنّت
تمنّت أحاليب الرعاة وخيمة * بنجد فلم يقضى لها ما تمنّت
إذا ذكرت ماء العذيب وطيبه * وبرد حصاه آخر الليل حنّت
لها أنّة عند العشاء وأنّة * سحيرا ولولا أنّتاها لحنّت
فذكر أنه قال لها : الحقي بأهلك بكل ما معك ، فسرّت ولحقت بأهلها .
ولنا فيما يتعلق بعفو اللّه ومنّته :
اللّه يعلم أني لست أذكره * إلا وجدت له نارا على كبدي
لأنني بلسان الذنب أذكره * وهو العليم بما أضمرت في خلدي
لكنني بجميل العفو أعرفه * وبالتجاوز والإحسان والرفد
وهل تقاوم عفو اللّه معصية * هيهات هيهات لا تعدل عن الرشد
اللّه أكرم أن تنساك منّته * ومن يجود إذا الرحمن لم يجد
فحسّن الظنّ بالرحمن وارض به * ربّا فليس وجود الفرد كالأحد
ومن حديث مكة بعد خزاعة وولاية قصيّ بن كلاب البيت الحران وما ذكر من ذلك
ما روينا من حديث أبي الوليد ، عن جدّه ، عن سعيد بن سالم ، عن عثمان بن ساج ، عن ابن جريج ، وعن ابن إسحاق يزيد أحدهما على صاحبه ، قال : أقامت خزاعة على ما كانت عليه من ولاية البيت والحكم بمكة ثلاثمائة سنة ، وكان بعض التبابعة قد سار إليه وأراد هدمه وتخريبه ، فقامت دونه خزاعة ، فقاتلت عليه أشد القتال حتى رجع ، ثم آخر كذلك .
وأما تبّع الثالث الذي نحر له وكساه ، وجعل له غلقا ، وأقام عنده أياما ينحر عنده كل يوم مائة بدنة ، ولا يرزأ هو ولا أحد من أهل عسكره منها شيئا ، يردها الناس بالفجاج والشعاب ، فيأخذون منها حاجتهم ، ثم يقطع الطير عليها ، فتأكل ثم تنتابها السباع إذا أمست ، ولا يرد عليها إنسان ، ولا طائر ، ولا سبع . ثم رجع إلى اليمن إنما كان في عهد قريش ، قال : فلبثت خزاعة على ما هي عليه ، وقريش إذ ذاك في بني كنانة متفرقة ، وقد قدم في بعض الزمان حاج قضاعة ، فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذرة بن سعد بن زيد ، وقد هلك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ بن غالب ، وترك زهرة وقصيّا ابني كلاب مع أمهما فاطمة بنت عمرو بن سعد بن سبل ، وسعد بن سبل الذي يقول فيه الشاعر ، وكان أشجع أهل زمانه :
“ 49 “
لا أرى في الناس شخصا واحدا * فاعلموا ذاك كسعد بن سبل
فارس أضبط فيه عسرة * وإذا ما عاين القرن نزل
فارس يستدرج الخيل كما * يدرج الحرّ القطاميّ الحجل
قال : وزهرة أكبر من قصي سنا ، فتزوج ربيعة بن حزام أمهما ، وزهرة رجل بالغ ، وقصي فطيم ، أو في سن الفطيم ، فاحتملها ربيعة إلى بلادها من أرض عذرة من أشراف الشام ، فاحتملت معها قصيا لصغره ، وتخلف زهرة في قومه ، فولدت فاطمة بنت عمرو بن سعد لربيعة رزاح بن ربيعة ، فكان أخا قصي بن كلاب لأمه ولربيعة بن حزام من امرأة أخرى ثلاثة نفر : حنّ ، ومحمودة ، وجلهمة ، بنو ربيعة .
فبينا قصي بن كلاب في أرض قضاعة لا تنتمي إلى آل ربيعة بن حزام إذ كان بينه وبين رجل من قضاعة شيء ، وقصي قد بلغ ، فقال له القضاعي : ألا تلحق بنسبك وقومك فإنك لست منّا ؟ فرجع قصي إلى أمه وقد وجد مما قال له القضاعي ، فسألها عما قال له ،
فقالت :
أنت واللّه يا بنيّ خير منه وأكرم ، أنت ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ، وقومك عند البيت الحرام وما حوله . فأجمع قصي الخروج إلى قومه واللحاق بهم ، وكره الغربة في أرض قضاعة ، فقالت له أمه : يا بني ، لا تعجل بالخروج حتى يدخل عليك الشهر الحرام ، فتخرج في حاجّ العرب ، فإني أخشى عليك ، فأقام قصي حتى دخل الشهر الحرام ، وخرج في حاج قضاعة حتى قدم مكة ، فلما فرغ من الحج أقام بها ، وكان قصي رجلا جليدا حازما بارعا ، فخطب إلى حليل بن حبشية بن سلوك الخزاعي ابنته حني ، فعرف حليل النسب ، ورغب في الرجل ، فزوّجه ، وحليل يومئذ يلي الكعبة ، وأمر مكة ، فأقام قصي معه حتى ولدت حني لقصي عبد الدار وهو أكبر ولده ، وعبد مناف ، وعبد العزّى ، وعبد بن قصي ، وكان حليل يفتح البيت ، فإذا اعتل أعطى ابنته حني المفتاح ، ففتحت ، فإذا اعتلت أعطت المفتاح لزوجها قصيا ، أو بعض ولدها فيفتحه ، وكان قصي يعمل في حيازته إليه ، وقطع ذكر خزاعة عنه ، فلما حضرت حليل الوفاة نظر إلى قصي ، وإلى ما انتشر له من الولد من ابنته ، فرأى أن يجعلها في ولد ابنته ، فدعا قصيا ، فجعل له ولاية البيت ، وأسلم إليه المفتاح ، وكاد يكون عند حني .
فلما هلك حليل أبت خزاعة أن تدعه هنالك ، وأخذوا المفتاح من حني ، فمشى قصي إلى رجال من قومه من قريش وبني كنانة ، ودعاهم إلى أن يقوموا معه في ذلك ، وأن ينصروه ويعضدوه ، فأجابوا إلى نصره . وأرسل قصي إلى أخيه لأمه رزاح بن ربيعة ، وهو
“ 50 “
في بلاد قومه من قضاعة ، يدعوه إلى نصره ، ويعلمه ما حال بينه وبين ولاية البيت ، ويسأله الخروج إليه بمن أجابه من قومه . فقام رزاح في قومه فأجابوه إلى ذلك ، فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته من أبيه ، حنّ ومحمود وجلهمة بنو ربيعة بن حزام فيمن تبعهم من قضاعة في حاج العرب ، مجمعين لنصر قصي والقيام معه .
فلما اجتمع الناس بمكة خرجوا إلى الحج ، فوقفوا بعرفة بجمع ، ونزلوا منى ، وقصي مجمع على ما أجمع عليه من قتالهم بمن معه من قضاعة ، فلما كان آخر أيام منى أرسلت قضاعة إلى خزاعة يسألونهم أن يسلموا إلى قصي ما جعل له حليل ، وعظموا عليهم القتال في الحرم ، وحذروهم الظلم والبغي في الحرم ومكة ، وذكروهم ما كانت عليه جرهم ، وما صارت إليه حين ألحدوا فيه بالظلم ، فأبت خزاعة أن تسلم ذلك ، فاقتتلوا بمغضى المأزمين من منى .
قال : فسمي ذلك المكان المفجر ، لما فجر فيه ، وسفك فيه الدماء من الدم ، وانهتك من حرمته ، فاقتتلوا حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ، وفشت فيهم الحروب والجراحات ، وحاج العرب جميعا ينظرون إلى قتالهم من مصر واليمن . ثم تداعوا إلى الصلح ، ودخلت قبائل العرب بينهم ، فاصطلحوا على أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فيما اختلفوا فيه . قال : فحكّموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة ، وكان رجلا شريفا ، فقال : موعدكم فناء الكعبة غدا ، فاجتمع إليه الناس ، وعدّوا القتلى ، فكانت في خزاعة أكثر منها في قريش وقضاعة وكنانة ، وليس كل بني كنانة قاتل مع قصي خزاعة ، إنما كانت مع قريش من بني كنانة غلمان يسيرة ، فاعتزلت عنها بكر بن عبد مناف قاطبة .
فلما اجتمع الناس بفناء الكعبة قام يعمر بن عوف فقال : ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدميّ هاتين ، فلا تباعة لأحد على أحد في دم ، وإني قد حكمت لقصيّ بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل ، وأن نخلّي بينه وبين ذلك ، وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة . قال : فسمّي يعمر من ذلك اليوم الشداخ .
فسلمت بذلك خزاعة لقصي ، وأعظموا سفك الدماء في الحرم ، وافترق الناس ، وولّي قصي بن كلاب حجابة البيت وأمر مكة ، وجمع قومه من قريش من منازلهم إلى مكة يستعزّ بهم ، وتملّك على قومه فملّكوه ، وخزاعة مقيمة بمكة على رباعهم ، لم يتحركوا من مساكنهم ، ولم يخرجوا منها ، ولم يزالوا على ذلك حتى الآن.
فحاز قصي شرف مكة ، وبنى دار الندوة ، وفيها كانت قريش تقضي أمورها ، ولم
“ 51 “
يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصي إلا ابن أربعين سنة للمشورة ، وكان يدخلها ولد قصي كلهم أجمعون وخلفاؤهم . وكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكا ، فأطاع له به قومه ، فكانت إليه الحجابة والرفادة والسقاية والندوة واللواء والقيادة .
فلما جمع قصي قريشا بمكة سمّي مجمعا ، ومن أجل تجمّع قريش إلى قصي سمّيت قريش قريشا .
وقال قصي يتشكر لأخيه رزاح بن ربيعة :
أنا ابن العاصمين بني لؤيّ * بمكة مولدي وبها ربيت
لي البطحاء قد علمت معدّ * ومروتها رضيت بها رضيت
وفيها كانت الآباء قبلي * فما شويت أخيّ وما شويت
فلست لغالب إن لم تؤثّل * بها أولاد قيدر والنبيت
رزاح ناصري وبه أسامي * فلست أخاف ضيما ما حييت
فقال رزاح في إجابته أخاه قصيّا :
فلما أتى من قصي رسول * فقال الرسول أجيبوا الخليلا
نهضنا إليه نعود الجياد * ونطرح عنّا الملول الثقيلا
نسير بها الليل حتى الصباح * ونكمي النهار لئلا يزولا
فهنّ سراع كورد القطا * يجئن بنا من قصي رسولا
جمعنا من السرّ من أشمدين * ومن كل حيّ جمعنا قبيلا
فيا لك حلبة ما ليلة * نزيد على الألف سيبا رسيلا
فلما مررنا على عسكر * وأسهلنا من مستناخ سبيلا
وجاوزن بالركن من ورّقان * وجاوزن بالعرج حيا حلولا
مررن على الحلى ما ذقنه * وعالجن من مرّ ليلا طويلا
فدنا من العود أفلاءها * إرادة أن تسترقن الصهيلا
فلما انتضينا إلى مكة * أنخنا الرحال قبيلا قبيلا
نعاورهم ثم حدّ السيوف * وفي كل حوب خلسن العقولا
نخبّرهم بصلاب السنو * ن خبر القويّ العزيز الذليلا
قتلنا خزاعة في دارها * وبكرا قتلنا فجيلا وجيلا
نفيناهم من بلاد المليك * كما لا يحلّون أرضا وسهولا
فأصبح سبيهم في الحديد * ومن كل حيّ شفينا الغليلا
“ 52 “
وقال ثعلبة بن عبد اللّه بن دينار بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك ، من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه :
جلبنا الخيل مضمرة تعالى * من الأعراف أعراف الجناب
إلى غوري تهامة فالتقينا * من الفيفاء في قاع بباب
فأما صفوة الحسنى فخلّوا * منازلهم محادرة الضراب
وقام بنو عليّ إذ رأونا * إلى الأسياف كالإبل الظراب
وقال حذافة بن غانم الجمجمي يمدح قريشا وبني قصي :
أبوهم قصيّ كان يدعى مجمعا * به جمع اللّه القبائل من فهر
هم نزلوها والمياه قليلة * وليس بها إلا كهول بني عمرو
هم ملئوا البطحاء مجدا وسؤددا * وهم طردوا عنها عراة بني بكر
وهم حفروها والمياه قليلة * ولم تستق إلا بنكد من الحفر
حليل الذي عادى كنانة كلها * وأربط بيت اللّه بالعسر واليسر
أحارث أمّا أهلكن فلا تزل * لهم شاكرا حتى توسّد في القبر
قال : ولما استقر رزاح بن ربيعة في بلاده بعد انصرافه من قصي ، وقع بين رزاح بن ربيعة وبين فهر بن زيد وحونكة بن أسلم ، وهم بطنان من قضاعة ، شيء فأخافهم ، حتى لحقوا باليمن ، وخلّوا عن بلاد قضاعة ، وهم اليوم باليمن . قال قصي بن كلاب ، وقد كره ما فعل رزاح بهم ،
شعرا :
ألا من مبلغ عني رزاحا * فإني قد لحيتك في اثنتين
لحيتك في بني فهر بن زيد * كما فرّقت بينهم وبيني
وحوتكة بن أسلم أنّ قوما * عنوهم بالمساءة قد عنوني
اعتراف عارف في أشرف المواقف
حدثنا عبد الرحمن بن علي ، نبّأ أبو بكر الصوفي ، أنا أبو سعيد الخير ، انا ابن باكويه ، نبأ محمد بن هارون ، نبأ ابن مسروق ، نبأ محمد بن الحسين ، عن وداع بن مرجا ، عن صالح المري ، قال : وقف مطرف وبكر بن عبد اللّه بعرفة ، فقال مطرف : اللهم لا تردهم اليوم من أجلي . وقال بكر : ما أشرفه من موقف ، وأرضاه لأهله ، لولا أني فيهم .
ورفع الفضيل رأسه إلى السماء ، وقد قبض على لحيته وهو يبكي بكاء الثكلى ويقول :
وا سوأتاه منك وإن عفوت .
“ 53 “
وممن مات حياء من اللّه تعالى
ما روينا من حديث ابن باكويه ، قال : سمعت علي بن هزارمرد يقول : سمعت ابن محبوب تلميذ أبي الأبّان يقول : سمعت أبا الأبّان يقول : ما رأيت خائفا إلا رجلا واحدا ، كنت بالموقف فرأيت شابا مطرقا منذ وقف الناس إلى أن سقط القرص ، فقلت : يا هذا ، ابسط يديك للدعاء فقال لي : ثمّ وحشة ؟ فقلت له : فهذا يوم العفو من الذنوب ، قال :
فبسط يده ، ففي بسطه يديه وقع ميّتا .
ومن باب المجاهدة
ما رويناه من حديث المالكي ، عن الرياشيّ قال : رأيت أحمد بن المعدل في الموقف ، في يوم شديد الحرّ ، وقد ضحى للشمس فقلت : يا أبا الفضل ، لو أخذت بالتوسعة ، فأنشد يقول :
ضحيت له كي أستظلّ بظلّه * إذا الظل أمسى في القيامة قالصا
فوا أسفا إن كان سعيك باطلا * ويا حسرتا إن كان حظك ناقصا
ومن باب من دعا ربه في حياة قلبه
ما رويناه من حديث ابن باكويه ، عن أحمد بن عطاء ، عن الحسن بن أحمد ، قال :
قال المأمون : قال إبراهيم بن أدهم : قال لي أبو عباد الرملي : حضرت عرفات ، فوقفت أدعو فإذا أنا بفتى قد أقبل فقال : أقوام يصلون إلى هذا الموضع يكون فيهم من الفضل ما يسألون اللّه عز وجل الحوائج ، إلا جعلوا حوائجهم في حياة قلوبهم ؟ ثم قال لي : أنت أبو عباد الذي تركت الشهوات منذ ثلاثين سنة ، فعند تركك أفدت فائدة ، فبكيت وقلت : ما أرى ، فقال : هيهات أبى اللّه أن يجعل ذخائره لمن الدنيا والآخرة في قلبه .
أنشدنا علي بن عمرو الكاتب بقرطبة قال : أنشدني أبو القاسم بن بشكوال المحدّث لأبي وهب عبد الرحمن بن الفاضل ، وقبره بقرطبة مثل قبر معروف ببغداد ، في إجابة الدعاء عنده :
برئت من المنازل والقباب * قلم يعسر على أحد حجابي
فمنزلي الفضاء وسقف بيتي * سماء اللّه أو قطع السحاب
فأنت إذا أردت دخلت بيتي * عليّ مسلّما من غير باب
“ 54 “
لأني لم أجد مصراع باب * يكون من السماء إلى التراب
ولا انشق الثرى عن عود نحت * أؤمل أن أشد به ثيابي
ولا خفت الإباق على عبيدي * ولا خفت الرهاص على دوابي
ولا حاسبت يوما قهرمانا * فأخشى أن أغلّب في الحساب
ففي ذا راحة وبلاغ عيش * فدأب الدهر ذا أبدا ودأبي
حدثنا عبد الرحمن بن علي ، نبأ أبو غالب محمد بن الحسين الماوردي ، أنا أبو علي ، نبأ عبد اللّه بن محمد ، نبأ أبو إسحاق الهجمي ، نبأ محمد بن زكريا الغلابي ، نبأ إبراهيم بن عمر قال : خرج أبو نواس في أيام العشر يريد شراء أضحية ، فلما صار في المربد إذا هو بأعرابي قد أدخل شاة له يقدمها كبش فاره ، فقال : لأجرّبنّ هذا الأعرابي ، فأنظر ما عنده ، فإنه أظنه عاقلا ،
فقال أبو نواس :
أيا صاحب الشاة الذي قد يسوقها * بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما
فقال الأعرابي :
أبيعكه إن كنت ممن تريده * ولم تك مزّاحا بعشرين درهما
فقال أبو نواس :
أجدت رعاك اللّه ردّ جوابنا * فأحسن إلينا إن أردت التكرّما
فقال الأعرابي :
أحطّ من العشرين خمسا فإنني * أراك ظريفا فاقتضيه مسلّما
قال : فدفع إليه خمسة عشر درهما ، وأخذ كبشا يساوي ثلاثين درهما .
حدثنا محمد بن محمد بن محمد ، نبأ أبو القاسم الحريري ، أنا أبو بكر محمد بن علي المقري ، انا ابن دوست العلّاف ، نبأ صفوان ، عن عبد اللّه بن صفوان القرشي ، عن أبي الحسن الأزدي ، قال : وجدت على قبر بشاطئ الفرات مكتوبا :
يا عجبا للأرض ما تشبع * وكل حيّ فوقها يهجع
ابتلعت عادا فأفنتهم * وبعد عاد هلكت تبّع
وقوم نوح أدخلت بطنها * فظهرها من جمعهم بلقع
يا أيها الراجي لما قد مضى * هل لك فيما قد مضى مطمع
وحدثنا يوسف بن مالك ، نبأ ابن جهور ، نبأ أبو القاسم الحريري ، عن محمد بن علي بن دوست ، عن ابن صفوان ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي عمر العمري ، عن
“ 55 “
عبد اللّه بن صدقة بن مرداس البكري ، عن أبيه قال : نظرت إلى ثلاث قبور على شرف من الأرض ، فإذا على أحدهم مكتوب بنقش عجيب الصنع :
وكيف يلذ العيش من هو عالم * بأن إله العرش لا بدّ سائله
فيأخذ منه ظلمة لعباده * ويجزيه بالخير الذي هو فاعله
وعلى الثاني مكتوب :
وكيف يلذّ العيش من كان موقنا * بأن المنايا بغتة ستؤاجله
فتسلبه ملكا عظيما ونخوة * وتسلبه البيت الذي هو آهله
وعلى الثالث مكتوب :
وكيف يلذ العيش من كان صائرا * إلى حدث تبلى الشباب مناهله
ويذهب رسم الوجه من بعد صونه * ويبلى سريعا جسمه ومفاصله
خبر النجباء
كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اثنا عشر نجيبا زادت هذه الأمة في النجباء على سائر الأمم بخمسة نجباء ، فإنه لكل نبي سبعة نجباء إلا نبيّنا صلى اللّه عليه وسلم فإنه كان له اثنا عشر نجيبا ، وهم :
علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وأبو بكر الصدّيق ، وعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وجعفر بن أبي طالب ، ومصعب بن عمير ، وبلال ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ، وعثمان بن مظعون ، وشك سفيان بن عيينة في عبد اللّه بن مسعود .
روينا أسماءهم من حديث الدينوري عن محمد بن عيسى المدائني عن سفيان بن عيينة ، عن كثير ، عن إسماعيل ، عن أبي إدريس ، عن المسيّب ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنهم .
وروينا عدتهم بهذا الإسناد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم .
وأما نقباء هذه الأمة
فروينا من حديث ابن مرو، عن محمد بن عيسى ، عن سفيان بن عيينة ، عن معمر ، قال : النقباء كلهم من الأنصار ، والحواريون كلهم من قريش . فأما النقباء:
فسعد بن خيثمة من بني عمر ، وابن عوف ، وسعد بن الربيع من بني النجار ،
“ 56 “
وسعد بن عبادة من بني عبد الأشهل ، وعبد اللّه بن رواحة ، وأبو الهيثم بن التيهان ، والبرّاء بن معرور ، ورافع بن مالك الزرقي ، وعبد اللّه بن عمرو بن حزام ، وهو أبو جابر ، وعبادة بن الصامت من بني سلمة ، والمنذر بن عمرو من بني ساعدة . وقد ذكرنا عدد الحواريين في أول الكتاب ، وكذلك ذكرنا النقباء والنجباء .
ومن باب من جوزي هنا بخير عمله
ما روينا من حديث المالكي ، عن جعفر بن محمد ، وأفادنا علّان منعما ، حدثنا يزيد بن الحكيم عن الحكم بن أبّان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أتى سائل امرأة وفي فمها لقمة ، فلفظتها فناولتها السائل ، فلم تلبث أن رزقت غلاما ، فلما ترعرع جاء ذئب فاحتمله ، فخرجت تعدو في أثر الذئب وهي تقول : ابني ابني ، فأمر اللّه ملكا أن الحق الذئب وخذ الصبي من فيه ، وقل لأمه : إن اللّه يقرئك السلام ، وقل : هذه لقمة بلقمة » .
ومن باب المواعظ على مجالس الذكر والصبر على الحق
ما روينا من حديث أبي الدنيا ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي يعقوب الضرير ، قال : حدثني عمار بن الراهب ، قال : رأيت سكينة الطفاوية في منامي فقلت : مرحبا يا مسكينة ، فقالت : هيهات يا عمار هيهات ، ذهبت المسكنة ، وجاء الغنى الأكبر ، قلت :
هيه ، قالت : ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها تظلّ فيها حيث تشاء ، قال : قلت : وبم ذلك ؟ قالت : بمجالس الذكر والصبر على الحق . قال عمار : وكانت تحضر معنا مجلس عيسى بن زاذان بالأيلة تنحدر من البصرة حتى تأتيه قاصدة . قال عمار : قلت : يا مسكينة ، فما فعل عيسى بن زاذان ؟ قال : فضحكت وقالت : قد كسي حلّة البهاء ، وطافت عليه بأباريق حوله الخدام ، ثم حلي . وقيل : يا قارئ ارقأ ، فلعمري لقد براك الصيام . انتهى .
ذكر إسلام الجارود وما جرى له من ذكر قس في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث السلّمي وهو أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن محمد بن موسى ، قال : نبأ أبو العباس الوليد بن سعيد بن حاتم بن عيسى الفسطاطي بمكة ، قال : انا محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد ، انا أبي عيسى بن محمد بن سعد القرشي ، عن علي بن سليمان بن علي ، عن علي بن عبد اللّه بن العباس ، عن عبد اللّه بن العباس ،
“ 57 “
قال : قدم الجارود بن عبد اللّه وكان سيدا في قومه ، مطاعا عظيما في عشيرته ، مطاع الأمر ، رفيع القدر ، ظاهر الأدب ، بارع الفضل ، شامخ الحسب ، بديع الجمال ، كثير الخطر ، حسن الفعال ، ذا مال ومنعة ، في وفد عبد القيس من ذوي الأخطار والأقدار والفضل والإحسان والفصاحة والبرهان ، وكل رجل منهم كالنخلة السّحوق ، على ناقة كالفحل العتيق ، وقد جنبوا الجياد ، وأعدّوا للجلاد ، جادّين في سيرهم ، حازمين في أمرهم ، يسيرون ذميلا ، ويقطعون ميلا فميلا ، حتى أناخوا عند مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأقبل الجارود على قومه ، والمشيخة من بني عمه ، فقال : يا قوم ، هذا محمد الأغر الأعز ، سيد العرب ، وخير سلالة عبد المطلب ، فإذا دخلتم عليه ، ووقفتم بين يديه ، فأحسنوا إليه السلام ، وأقلّوا عنده الكلام . فقالوا : أيها الملك الهمام ، والأسد الضرغام ، لن نتكلم إذا حضرت ، ولن نجاوز إذا أمرت ، فقل ما شئت فإنّا سامعون ، واعمل ما شئت فإنّا تابعون ، وأمر بما تراه فإنا طائعون .
فنهض الجارود في كل كميّ صنديد ، قد دوّموا العمائم ، وتردّوا بالصمائم ، يجرّون أسيافهم ، ويسحبون أذيالهم ، يتناشدون الأشعار ، ويتذاكرون مناقب الأخيار ، لا يتكلمون طويلا ، ولا يسكتون عيّا ، إن أمرهم ائتمروا ، وإن زجرهم ازدجروا ، كأنهم أسد غيل ، يقدمها ذو لبوة مهول ، حتى مثلوا بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فلما دخل القوم المسجد ، وأبصرهم أهل المشهد ، لفّ الجارود أمام النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وحسر لثامه ، وحسن سلامه ، ثم أنشأ يقول :
يا نبيّ الهدى أتتك رجال * قطعت فدفدا وآلا فآلا
وطوت نحوك الضحاضح طرّا * لا تخال الكلال فيك كلالا
كل دهماء يقصر الطرف عنها * أرفلتها قلاصنا إرفالا
وطوتها الحيا تجمّح فيها * بكماة كأنجم تتلألأ
تبتغي دفع يوم بؤس عبوس * أوجل القلب ذكره ثم هالا
فلما سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما سمع منه فرح فرحا شديدا ، وقرّبه وأدناه ، ورفع مجلسه وحيّاه ، وأكرمه وحباه ، وقال : « يا جارود ، لقد تأخر بك وبقومك الموعد ، وطال بكم الأمد » . قال : واللّه يا رسول اللّه لقد أخطأ من أخطأك قصده ، وعدم رشده ، وتلك أيم اللّه أكبر خيبة ، وأعظم جوبة ، والرائد لا يكذب أهله ، ولا يغش نفسه ، لقد جئت بالحق ، ونطقت بالصدق ، والذي بعثك بالحق نبيا ، واختارك للمؤمنين وليّا ، لقد وجدت وصفك في الإنجيل ، ولقد بشّر بك ابن البتول ، وطول التحية لك ، والشكر لمن أكرمك وأرسلك ،
“ 58 “
ولا أثر بعد عين ، ولا شك بعد يقين ، مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا اللّه وأنك محمد رسول اللّه .
قال : فآمن الجارود ، وأمن من قومه كل سيد ، وسرّ بهم النبي صلى اللّه عليه وسلم سرورا ، وابتهج حبورا ، وقال : « يا جارود ، هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قسا ؟ » ، قال : كلنا نعرفه يا رسول اللّه ، وأنا من بين قومي كنت أقفو أثره ، وأطلب خبره ، كان قسا سبطا من أسباط العرب ، صحيح النسب ، فصيحا إذا خطب ، ذا شيبة حسنة ، عمره سبعمائة سنة ، يتقفر القفار ، ولا تكنّه دار ، ولا يقرّه قرار ، يتحسى في تقفره بيض النعام ، ويأنس بالوحوش والهوام ، يلبس المسوح ، ويتبع السياح على منهاج المسيح ، لا يقرّ من الوجدانية ، مقرا للّه بالوحدانية ، تضرب بحكمته الأمثال ، وتكشف به الأهوال ، وتتبعه الأبدال ، أدرك رأس الحواريين سمعان ، فهو أول من تأله من العرب ، وأعبد من تعبّد في الحقب ، وأيقن بالبعث والحساب ، وحذر سوء المنقلب والمآب ، ووعظ بذكر الموت ، وأمر بالعمل قبل الفوت ، الحسن الألفاظ ، الخاطب بسوق عكاظ ، العالم بشرق وغرب ، ويابس ورطب ، وأجاج وعذب ، كأني أنظر إليه ، والعرب بين يديه ، يقسم بالرب الذي هو له ، ليبلغن الكتاب أجله ، وليوفين كل عامل عمله .
وأنشأ يقول :
هاج بالقلب من هواده ادكار * وليال خلالهنّ نهار
ونجوم يحثها قمر اللي * ل وشمس في كل يوم تدار
ضوأها يطمس العيون وإرعا * د شديد في الخافقين مطار
وغلام وأشمط ورضيع * كلهم في التراب يوما يزار
وقصور مشيدة حوت الخي * ر وأخرى خلت فهنّ قفار
وكثير مما يقصّر عنه * حوشة الناظر الذي لا يحار
والذي قد ذكرت دل على الل * ه نفوس لها هدى واعتبار
فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « على رسلك يا جارود ، فلست أنساه بسوق عكاظ على جمل له أورق ، وهو يتكلم بكلام مونق ، ما أظن أني أحفظه ، فهل فيكم من يحفظ لنا منه شيئا يا معاشر المهاجرين والأنصار ؟ » ، فوثب أبو بكر رضي اللّه عنه قائما وقال : يا رسول اللّه ، إني أحفظه وكنت حاضرا ذلك اليوم بسوق عكاظ حين خطب فأطنب ، ورغّب ورهّب ، وحذّر وأنذر ، وقال في خطبته : أيها الناس ، اسمعوا وعوا ، وإذا وعيتم شيئا فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، مطر ونبات ، وأرزاق وأقوات ، وآباء
“ 59 “
وأمهات ، وأحياء وأموات ، جمع وأشتات ، وآيات بعد آيات . إن في السماء لخبرا ، وإن في الأرض لعبرا ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، وأرض ذات أفجاج ، وبحار ذات أمواج .
ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون ؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ؟ أم تركوا هناك فناموا ؟ أقسم قس قسما ، حقا لا حانثا فيه ولا آثما ، إن للّه دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ، ونبيا قد حان حينه ، وأظلكم أوانه ، وأدرككم إبانه ، فطوبى لمن أدركه فآمن به وهداه ، وويل لمن خالفه وعصاه .
ثم قال : تبا لأرباب الغفلة ، والأمم الخالية ، والقرون الماضية .
يا معشر إياد ، أين الآباء والأجداد ؟ وأين المريض والعواد ؟ وأين الفراعنة الشداد ؟
أين من بنى وشيّد وزخرف ونجّد ؟ أين المال والولد ؟ أين من بغى وطغى وجمع فأوعى ؟
وقال : أنا ربكم الأعلى . ألم يكونوا أكثر منكم أموالا ؟ وأطول منكم آجالا ؟ طحنهم الثرى بكلكله ، ومزّقهم بطوله ، فتلك عظامهم بالية ، وبيوتهم خالية ، عمرتها الذئاب العاوية ، كلا ، بل هو اللّه الواحد المعبود ليس بوالد ولا مولود .
ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الأولي * ن من القرون لنا بصائر
لما رأيت مواردا * للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها * يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي إليّ * ولا من الباقين عابر
أيقنت إني لا محا * لة حيث صار القوم صائر
قال : ثم جلس ، وقام رجل من الأنصار بعده كأنه قطعة جبل ذو هامة عظيمة ، وقامة جسيمة ، قد دوّم عمامته وأرخى ذؤابته ، منيف أنوف أشدق ، أجش الصوت ، فقال : يا سيد المرسلين وصفوة رب العالمين ، لقد رأيت من قس عجيبا ، وشهدت منه أمرا غريبا .
فقال : « ما الذي رأيته وحفظته عنه ؟ » ، فقال : خرجت في الجاهلية أطلب بعيرا إليّ شرد مني ، أقفو أثره ، وأطلب خبره في نتائف حفاف ذات دعادع وزعازع ، ليس لها للركب مقيل ، ولا لغير الجن عليها سبيل ، وإذا أنا بموئل مهول في طود عظيم ، ليس فيه إلا البوم ، وأدركني الليل فولجته مذعورا ، لا آمن فيه حتفي ، ولا أركن إلى غير سيفي ، فبتّ بليل طويل كأنه بليل موصول ، أرقب الكواكب ، وأرمق الغيهب ، حتى إذا الليل عسعس ، وكاد الصبح أن يتنفس ، هتف بي هاتف يقول :
يا أيها الراقد في الليل الأجم * قد بعث اللّه نبيا في الحرم
“ 60 “
من هاشم أهل الوفاء والكرم * يجلو دجنّات الليالي والبهم
قال : فأدرت طرفي فما رأيت له شخصا ، ولا سمعت له فحصا ، فأنشأت أقول :
يا أيها الهاتف في داجي الظلم * أهلا وسهلا بك من طيف ألم
بيّن هداك اللّه في اللحن الكلم * ما ذا الذي تدعو إليه يغتنم
قال : فإذا أنا بنحنحة ، وقائل يقول : ظهر النور ، وبطل الزور ، بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم بالحبور ، صاحب النجيب الأحمر ، والتاج والمغفر ، والوجه الأزهر ، والحاجب الأقمر ، والطرف الأحور ، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فذاك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض ، أهل المدر والوبر ، ثم أنشأ يقول :
الحمد للّه الذي * لم يخلق الخلق عبث
لم يجعلنا سدى * من بعد عيسى واكترث
أرسل فينا أحمدا * خير نبي قد بعث
صلى عليه اللّه ما * حجّ له ركب وحث
قال : فذهلت عن البعير ، واكتنفني السرور ، ولاح لي الصباح ، واتسع الأوضاح ، فتركت الغور وأخذت الجبل ، فإذا أنا بالفنيق يشقشق النوق ، فملكت خطامه ، وعلوت سنامه ، فمرح طاعة ، وهزهزته ساعة ، حتى إذا لعب ، وذل منه ما صعب ، وحميت الوسادة ، وبردت المزادة ، فإذا الزاد قد هش له الفؤاد ، وبركته فبرك في روضة خضراء نضراء عطراء ، ذات حوادر ، وقربان وعبقران ، وعبيتران ، وحلي ، وأقاحي جثجاث نوار ، وشقائق وبهار ، كأنما قد بات الجو بها مطيرا ، وباكرها المزن بكورا ، فخلالها شجر ، وقرارها نهر ، فجعل يرتع أبّا ، وأصيد ضبّا ، حتى إذا أكلت وأكل ، ونهلت ونهل ، وعللت وعل ، حللت عقاله ، وعلوت حلاله ، وأوسعت مجاله ، فاغتنم الحملة ، ومرّ كالنبلة ، يسبق الريح ، ويقطع عرض الفيح ، حتى أشرف بي على واد ، وشجر عاد مورقة ومونقة ، قد تهدل أغصانها كأنما يريدها حب الفلفل ، فدنوت فإذا أنا بقسّ بن ساعدة في ظل شجرة ، في يده قضيب من أراك ينكث به الأرض ، وهو يترنم ويقول :
يا ناعي الموت والملحود في جدث * عليهم من بقايا برّهم خرق
دعم فإنّ لهم يوما يصاح بهم * فهم إذا نبّهوا من نومهم حرق
حتى يعودوا لحال غير حالهم * خلقا جديدا كما من قبله خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم * منها الجديد ومنها المنهج الخلق
قال : فدنوت منه وسلّمت عليه ، فردّ عليّ السلام ، وإذا بعين حزارة في أرض
“ 61 “
خوّارة ، ومسجد بين قبرين ، وأسدين عظيمين يلوذان به ، ويتمسحان بأثوابه ، وإذا أحدهم يسبق صاحبه إلى الماء فتبعه الآخر ، وطلب الماء ، فضربه بالقضيب الذي بيده وقال : ارجع ثكلتك أمك حتى يشرب الذي ورد قبلك ، فرجع ، ثم ورد بعده فقلت له : ما هذان القبران ؟
فقال : هذان قبرا أخوين لي ، كانا يعبدان اللّه معي في هذا المكان ، لا يشركان باللّه شيئا ، فأدركهما الموت ، فقبرتهما ، وها أنا بين قبريهما حتى ألحق بهما . ثم نظر إليهما فتغرغرت عيناه بالدموع ، فانكبّ عليهما وجعل يقول :
خليليّ هيّا طالما قد رقدتما * أجدّكما لا تقضيان كراكما
ألم تريا أني بسمعان مفرد * وما لي فيه من خليل سواكما
مقيم على قبريكما لست بارحا * طوال الليالي أو يجيب صداكما
أأبكيكما طول الحياة وما الذي * يردّ على ذي عولة إن بكاكما
كأنكما والموت أقرب غائب * بروحي في قبريكما قد أتاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية * لجدت بنفسي أن تكون فداكما
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يرحم اللّه قسّا ، إني لأرجو أن يبعثه اللّه أمة وحده » .
وأنشدوا في الموت :
ذهب الأحبة بعد طول تودّد * ونأى المزار فأسلموك وأقلعوا
خذلوك أفقر ما تكون بغرة * لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا
قضى القضاء وصرت صاحب حفرة * عنك الأحبّة أعرضوا وتصدعوا
وأنشدوا :
يا أيها الواقف بالقبور * بين أناس غيب حضور
قد سكنوا في خرب معمور * بين الثرى وجندل الصخور
لا تك عن خطبك في غرور
وأنشدوا :
صرت بعد النعيم في * منزل البعد والقلا
وجفاني أحبّتي * حين غيّبت في الثرى
أخلق الموت جدّتي * ومحا حسني البلا
ومن ذلك :
سلب الموت بهجتي وشبابي * وجفاني في غربتي أحبابي
بعد ملك وظل عيش عجيب * صرت رهنا لجندل وتراب
“ 62 “
حدثنا محمد بن محمد بن محمد ، ثنا الحريري ، ثنا أبو بكر الخياط ، ثنا ابن دوست ، ثنا ابن صفوان ، ثنا أبو بكر القرشي ، عن أبي جعفر القرشي قال : خرج رجل إلى مقابر البصرة ، فرأى قبرا قد نقش عليه شعر :
يا غافل القلب عن ذكر المنيّات * عما قليل ستثوى بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به * وتب إلى اللّه عن لهو ولذّات
إن الحمام له وقت إلى أجل * فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئنّ إلى الدنيا وزينتها * قد حان للموت يا ذا اللبّ أن يأتي
حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد بن عبد اللّه اللخمي القرباني ، حدثني أبو الطاهر بن محمد بن أحمد ، ثنا أبو نصر بن علي ، حدثني ابن النحاس ، عن ابن وسيم ، عن إبراهيم بن عرفة ، عن العباس بن محمد ، عن عثمان بن عمر ، عن شعبة ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس ، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم ، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم . إن المؤمن بين مخافتين : بين أجل قد مضى لا يدري ما اللّه صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما اللّه قاض فيه . فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن الشبيبة قبل الكبر ، ومن الحياة قبل الموت . فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ، وما بعد الدنيا دار إلّا الجنة أو النار » .
أخبرنا عبد الرحمن بن علي كتابة ، نبأ إبراهيم بن دينار ، انا إسماعيل بن محمد ، عن عبد العزيز بن أحمد ، ثنا ابن حبان ، نبأ أبو سعيد الثقفي ، عن ذي النون المصري ، قال :
كنت في الطواف إذ طلع نور لحق بعنان السماء ، فتعجبت وأتممت طوافي ، ووقفت أتفكّر في ذلك النور ، فسمعت صوتا حزينا ، فنظرت فإذا أنا بجارية متعلقة بأستار الكعبة وهي تقول :
أنت تدري يا حبيبي * يا حبيبي أنت تدري
ونحول الجسم والدمع * يبوحان بسرّي
يا حبيبي قد كتمت الحب * حتى ضاق صدري
قال ذو النون : فشجاني ما سمعت ، ثم انتحبت وبكت وقالت : يا إلهي وسيدي ومولاي ، بحبك لي إلا ما غفرت لي . قال : فتعاظمني ذلك ، فقلت : يا جارية ، أما يكفيك أن تقولي بحبي لك حتى تقولي بحبك لي ؟ فقالت : إليك عني يا ذا النون ، أما علمت أن للّه عز وجل قوما يحبهم ويحبونه ؟ أما سمعت اللّه يقول : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فسبقت محبته لهم قبل محبتهم له . فقلت : من أين علمت أني ذو النون ؟
“ 63 “
فقالت : يا بطّال ، جالت القلوب في ميدان الأسرار ، فعرفتك بمعرفة الجبّار . ثم قالت لي :
انظر إلى من خلفك ، فأدرت وجهي ، فلا أدري السماء اقتلعتها أم الأرض ابتلعتها .
روينا من حديث ابن باكويه ، عن عبد العزيز بن الفضل ، عن عبد الجبار بن عبد الصمد ، عن الحسين بن أحمد بن هارون ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن أبي شعيب قال :
سألت إبراهيم بن أدهم الصحبة إلى مكة فقال لي : على شريطة على أن لا ينظر إلا للّه وباللّه ، فشرطت له ذلك على نفسي . فخرجت معه ، فبينا نحن في الطواف إذا بغلام قد افتتن الناس بحسنه وجماله ، وجعل إبراهيم يديم النظر إليه ، فلما طال ذلك قلت : يا أبا إسحاق ، أليس شرطت على أن لا ننظر إلا للّه وباللّه ؟
قال : بلى ، قلت : فإني أراك تديم النظر إلى هذا الغلام ، فقال : هذا ابني وولدي ، وهؤلاء غلماني وخدمي الذين معه ، ولكن انطلق وسلّم عليه مني ، وعانقه عني ، فمضيت إليه وسلّمت عليه ، فجاء إلى والده فسلّم عليه ، ثم صرفه مع الخدم ، وقال : ارجع وانظر أيش يراد بك ؟
وأنشأ يقول :
هجرت الخلق طرّا في رضاكا * وأيتمت البنين لكي أراكا
فلو قطّعتني في الحب إربا * لما حنّ الفؤاد إلى سواكا
حدثنا يونس ، عن أبي منصور ، عن أبي الحسين بن يوسف قال : قال لنا أبو الحسن بن صخر : تعلق رجل بالستر وقال :
ستور بيتك ذيل الأمن منك وقد * علّقتها مستجيرا أيها الباري
وما أظنك لما أن عممت بها * خوفا من النار تدنيني من النار
وها أنا جار بيت أنت قلت لنا * حجوا إليه وقد أوصيت بالجار
وأنشدنا سليمان بن خليل بمكة لأبي الفرج بن علي بن محمد بن الجوزي الإمام العالم :
تملكوا واحتكموا * وصار قلبي لهم
تصرّفوا في ملكهم * فلا يقال ظلموا
إن وصلوا محبّهم * أو قطعوا فهم هم
صبرا لما شاءوا وإن * ساء الذي قد حكموا
قد أودعوا سرّ فؤادي * حبّهم واستكتموا
يا أرض سبع خبّري * وحدّثيني عنهم
يا ليت شعري إذ غدوا * أأنجدوا أم اتهموا
تبكيهم أرض منى * وتشتكيهم زمزم
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin