..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 5

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:15

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء الخامس
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2


    “ 64 “


    ما ضرّهم حين سروا * لو وقفوا وسلّموا
    يشوقني واديهم * وضالهم والسلم
    وأنشدنا أيضا في هذا الباب :
    يا صاحبي إن كنت لي أو معي * فعد إلى أرض الحمى ترتع
    وسل عن الوادي وأربابه * وانشد فؤادي في ربى المجمع
    حيّ كثيب الرمل رمل الحمى * وقف وسلّم لي على لعلع
    واسمع حديثا قد روته الصّبا * سنده عن بانة الأجرع
    وابك بما في العين من فضلة * ونب فدتك النفس عن مدمعي
    وانزل على الشيح بواديهم * واشمم نبات البلد البلقع
    عند منى كنت وكان النوى * فصمّ إلا عنهم مسمعي
    لهفي على طيب ليال خلت * عودي تعودي مدنفا قد نعي
    إذا تذكرت زمانا مضى * فويح أجفاني من أدمعي

    وأنشدنا لأبي القاسم المطرزي :
    صحا كل عذريّ الغرام عن الهوى * وأنت على حكم الصبابة نازل
    نزلنا على التوديع من دارة الحمى * فضنت علينا بالسلام المنازل
    وقال المبرّد : أحسن ما سمعت في حفظ اللسان والسرّ ، ما بلغني عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه :
    ولا تفش سرك إلا إليك * فإن لكل نصيح نصيحا
    فإني رأيت وشاة الرجا * ل لا يتركون أديما صحيحا

    ولبعضهم في هذا الباب من قصيدة :
    فلا تود عن الدهر سرّك أحمقا * فإنك إن أودعته منه أحمق
    وحسبك في سر الأحاديث واعظا * من القول ما قال الأديب الموفق
    إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه * فصدر الذي يستودع السرّ أضيق
    روينا من حديث الهاشمي ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :
    « ألا إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة ، والآخرة قد تحمّلت مقبلة ، ألا وإنكم لفي يوم عمل ليس فيه حساب ، ويوشك أن تكونوا في يوم حساب ليس فيه عمل ، وإن اللّه يعطي الدنيا من يحب ويبغض ، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب ، وإن للدنيا أبناء ، وللآخرة أبناء ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا . إن شرّ ما أتخوف عليكم اتّباع الهوى ، وطول



    “ 65 “

    الأمل ، فاتّباع الهوى يصرف بقلوبكم عن الحق ، وطول الأمل يصرف همتكم إلى الدنيا ، وما بعدهما لأحد من دنيا ولا آخرة » .

    ومن حديث أنس بن مالك قال
    قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه كل يوم خمس مرات ، فإذا وجد الإنسان قد نفد أجله ألقى عليه غمرات الموت ، فغشيته كرباته ، وغمرته غمراته ، فمن أهل بيته الناشرة شعرها ، والضاربة وجهها ، والباكية بشجوها ، والصارخة بويلها ، فيقول ملك الموت عليه السلام : ويلكم ممن الفزع ؟ وفيم الجزع ؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقا ولا قرّبت له أجلا ، ولا أتيته حتى أمرت ، ولا قبضت روحه حتى استأمرت ، وإن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا أبقي منكم أحدا » .

    قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : « فوالذي نفس محمد بيده ، لو يرون مكانه ، ويسمعون كلامه ، لذهلوا عن ميّتهم ، ولبكوا على أنفسهم ، حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش وهو ينادي : يا أهلي ويا ولدي ، لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال من حلّه ومن غير حلّه ، ثم خلّفته لغيري ، فالمهنّاة له ، والتبعة عليّ ، فاحذروا مثل ما حل بي » .
    ومن باب الكرم الإلهي ما روي عن موسى عليه السلام

    حدثنا محمد بن قاسم ، نبأ عمر بن عبد المجيد قال : بلغنا أن موسى عليه السلام سجد في بعض تقرّبه وقال : يا رب ، فقال له ربه سبحانه وتعالى : لبيك يا موسى ، فلما سمع موسى عليه السلام تلبية الحق له ، سجد ثانية وقال في سجوده : سبحانك سبحانك أنت أنت ، ومن عبدك حتى تجيبه بالتلبية ؟ فقال له ربه سبحانه وتعالى : يا موسى ، إني آليت على نفسي أن لا يدعوني عبدي بالربوبية إلا أجبته بالتلبية ، فقال موسى : يا رب ، هذا جعلته للطائعين من عبادك دون المذنبين ؟ فقال له سبحانه : يا موسى ، إذا أجبت المحسن لأجل إحسانه ولم أجب المسئ لأجل عصيانه ، فمنعته من فضلي ونعمتي ، فأين عطفي وكرمي ؟

    ومن جيد الشعر في الجود والشجاعة
    ومن عجب أنّ السيوف لديكم * تحيض دماء والسيوف ذكور



    “ 66 “

    وأعجب من ذا أنها في أكفّكم * تأجّج نارا والأكفّ بحور
    حدّث أبو ذرّ وأحمد بن يحيى ، والسياق لأبي ذرّ ، أن ابن يحيى النديم قال : دعاني أمير المؤمنين المتوكل على اللّه ذات يوم وهو في بعض راحاته ، فقال : يا ابن يحيى ، أنشدني قول عمارة في أهل بغداد ،

    فأنشدته :
    من يشتري مني ملوك محرّم * أبع حسنا وابني هشام بدرهم
    وأعطي رجالا بعد ذاك زيادة * وأمنح دينارا بغير تندّم
    فإن طلبوا مني الزيادة زدتهم * أبا دلف والمستطيل بن أكثم
    فقال المتوكل : ويلي على ابن النوال على عقبيه يهجو شقيق دولة ولد العباس .

    ثم قال لي : يا ابن يحيى ، هل عندك من المديح في أبي دلف القاسم بن عيسى شيء ؟ قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قول الأعرابي الذي يقول فيه :
    أبا دلف إن السماحة لم تزل * مغلّلة تشكو إلى اللّه غلها
    فبشّرها ربي بميلاد قاسم * فأرسل جبريلا إليها فحلّها

    ومن هذا الباب قول القائل :
    حرّ إذا جئته يوما لتسأله * أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا
    يخفي صنائعه واللّه يظهرها * إن الجميل إذا أخفيته ظهرا

    وقال الآخر :
    فتى عاهد الرحمن في بذل ماله * فلست تراه الدهر إلا على العهد
    فتى قصرت آماله عن فعاله * وليس على الحر الكريم سوى الجهد
    هذا المديح أقرب للديانة من الكرم ، فإن عطاؤه إنما هو من أجل الوفاء بعده من اللّه حتى لا يكون من الذين ينقضون عهد اللّه ، والكريم سجيته الكرم ، فلا يحتاج إلى القسم عليه إلا لعلّة لنفسه ، فما وفّى هذا الشاعر مدح هذا في الكرم ما تصوّر له في خاطره ، فهذا اللفظ دون ما في القصد .

    وقال الآخر في هذا الباب :
    أرى نفسي تتوق إلى أمور * يقصّر دون مبلغهنّ مالي
    فنفسي لا تطاوعني لبخل * ومالي لا يبلّغي فعالي

    وقال آخر :
    إذا ما أتاه السائلون توقّدت * عليه مصابيح الطلاقة والبشر



    “ 67 “

    له في ذرى المعروف نعمى كأنها * مواقع ماء المزن في البلد القفر
    ينظر إلى البيت الأول قول زهير :
    تراه إذا ما جئته متهللا * كمثل الذي يعطي الذي أنت سائله
    فإن مدحه بالفرح بما يعطي نقص به إذا جاء مطلقا ، فلو قيّده من أجل ما يجد ما يعطي لكان أشعر .

    ومن جيّد الشعر ما قال القائل :
    لئن ساءني أن نلتني بمساءة * لقد سرّني أني خطرت ببالك
    لأن الأول قد أقرّ بأنه إساءة ثم اعتذر .
    ومن حسن الشعر ما قال الآخر في باب الشكوى :
    فالليل إن وصلت كالليل إن هجرت * أشكو من الطول ما أشكو من القصر

    وأحسن منه ما قلنا :
    شغلي بها وصلت الليل أو هجرت * فما أبالي أطال الليل أو قصرا
    فإن الأول شغله بطول الليل وقصره من أجلها ، فهو فاقد لها في زمن الاشتغال بغيرها ، والثاني شغله بها ومن سواها تبغ .

    وأحسن منه ما قلنا :
    ولقد هممت بقتلها من حبها * كيما تكون خصيمتي في المحشر
    فإن الأول جعله مطلوبا قد نهب حقها ولا تخاصم ، والثاني جعل الحق له ، وجعل المحبوب المطلوب ، فالخصومة لازمة .

    حدثني عبد اللّه بن رحلون الساري قال :
    علّم بعض الشعراء من أصحابنا زرزورا الكلام حتى نطق لسانه ، فعلّمه الدعاء لخليفة الوقت ، وسورا من القرآن . ومن جملة ما علّمه بيتان في الفصد ، وأحضر بين يدي الزرزور هيئة الفصد وحركاته ، حتى ارتسمت في خياله ، فصار الزرزور إذا رأى تلك الحالة أنشد البيتين ، ثم أعلم حاجب الإمام بذلك ، ودفع إليه الزرزور . فلما علم الحاجب أن أمير المؤمنين يفتصد استأذن في إدخال الزرزور عليه ، فأذن له ، فأحضر الزرزور في قفصه ، قال : النصر والتمكين لأمير المؤمنين . فلما جاء الفاصد ، ورأى الآلات قد حضرت ، وأخرج أمير المؤمنين يده للحجّام ، وأخذ المبضع ، وهمّ أن يفصده ، نطق الزرزور فقال :



    “ 68 “

    أيها الفاصد رفقا * بأمير المؤمنين
    إنما تفصد عرقا * فيه محيا العالمين
    فأعجب الخليفة به ، وأمر لصاحبه بألفي دينار ، وقال : لو زاد زدناه .
    وحكي أن ابن اللبانة كان وزيرا للمعتمد بن عبّاد ملك الأندلس ، فلما قبض على المعتمد وتفرّق شمله ، مرّ ابن اللبانة على بعض أولاده بدكان صائغ وهو ينفخ في الفحم ، فبكى وتذكّر ما كان فيه من الملك والنعمة ، فقبّل يديه ،
    وأنشده لنفسه :
    صرفت في آلة الصيّاغ أنملة * لم تدر إلا الندى والسيف والقلما
    للنفخ في الصور هول ما حكاه سوى * هول رأيتك فيه تنفخ الفحما
    يد عهدتك للتقبيل تبسطها * فتستقلّ الثريّا أن تكون فما
    وددت إذ نظرت عيني إليك به * لو أن عينيّ تشكو بعد ذلك عما
    ما حطّك الدهر لما حطّ من شرف * ولا تحيف من أخلاقك الكرما
    لح في العلا كوكبا إن لم تلح قمرا * وقم بها ربوة إن لم تقم علما
    واصبر فربّما أحمدت عاقبة * من يلوم الصبر يحمد غبّ ما لزما
    واللّه لو أنصفتك الشمس لانكسفت * ولو وفي لك دمع العين لانسجما

    فعمل في قلبه كلامه ، وثار بقلعة مراكش ، وأقام بها إلى أن قتل .
    وذكر الفتح بن خاقان أن الراضي ولد المعتمد بن عبّاد سلطان الأندلس كان معتكفا على درس العلوم والاشتغال بها ، فأراد منه أبوه المعتمد على اللّه محمد بن عبّاد أن يقدّمه على جيش لمحاربة بادس بن حبوس بغرناطة ، فتمارض الراضي على أبيه ، وامتنع لشغفه بالعلم ، فخرج المعتمد بنفسه لمحاربته ، وتخلّف ابنه الراضي ، فاتفق أن هزمه العدو فعاد إلى إشبيلية ، وهجر ابنه الراضي ، فكتب إليه ابنه الراضي يقول :
    لا يكثرنك خطب الحادث الجاري * فما عليك بذاك الخطب من عار
    ما ذا على ضيغم أمضى عزيمته * إن خانه حدّ أنياب وأظفار
    عليك للناس أن تبقى لهم سندا * وما عليك لهم إسعاد أقدار
    لو يعلم الناس حقا أن تدوم لهم * لم يتحفوك بشيء غير أعمار

    فأجابه أبوه المعتمد على اللّه يهزأ به :
    الملك في طيّ الدفاتر * فيجلّ عن قود العساكر
    طف بالسرير مسلّما * وارجع لتوديع المنابر
    وازحف إلى جيش المعا * رف تهزم الحبر المقامر



    “ 69 “

    وأطعن بأطراف اليرا * ع نصرت في ثغر المحابر
    واضرب بسكين الدوا * ة مكان ماضي الحدّ باتر
    أو لست أسطاليس إذ * ذكر الفلاسفة الأكابر
    وكذاك إن ذكر الخلي * ل فأنت نحويّ وشاعر
    وأبو حنيفة ساقط * في الرأي حين تكون حاضر
    من هرمس من سيبوي * ه من ابن فورك إذ تناظر
    هذي المكارم قد حوي * ت فكن لمن جاراك شاكر
    واقعد فإنك عاصم * كأس وقل هل من مفاخر
    لحجبت وجه رضاي عن * ك وكنت قد تلقاه سافر
    أو لست تذكر وقت ور * قة حين قلبك ثم طائر
    لا يستقرّ مكانه * وأبوه كالضرغام هادر
    هلّا اقتديت بفعله * وأطعته إذ ذاك آمر
    قد كان أبصر بالعوا * قب والموارد والمصادر

    فأجابه ابنه الراضي رحمهما اللّه :
    مولاي قد أصبحت كافر * بجميع ما تحوي الدفاتر
    وفللت سكّين الدوا * ة وظللت للأقلام كاسر
    وعلمت أن الملك وال * علياء في ضرب العساكر
    لا ضرب أقوال بأق * وال ضعيفات مكاسر
    قد كنت أحسب من سفا * ه أنّها أصل المفاخر
    وإذا بها فرع لها * والجهل للإنسان غادر
    وهجرت من سمّيتهم * وجحدت أنهم أكابر
    إن كان في فضل فمن * ك فهل لذاك النور ساتر
    أو كان في نقص فمنّ * ي غير أن الفضل غامر
    ضحك الموالي بالعبي * د إذا تواصل غير صائر
    لا تنس يا مولاي قو * لة ضارع الأقوال فاجر
    ضبط الجزيرة عندما * نزلت بعفوتها العساكر
    أيام ظلت بها فري * دا ليس غير اللّه ناصر
    إذ كان يغشى ناظري * لمع الأسنة والبواتر
    ويصمّ آذاني بها * قرع الحجارة بالحوافر



    “ 70 “

    وهي الحضيض سهولة * لكن ثبتّ بها مخاطر
    هب زلتي لنبوّتي * واغفر فإن اللّه غافر
    فلم يزده ذلك إلا تماديا في هجرانه ، فكتب إليه أيضا :
    مولاي أشكو إليك داء * أصبح قلبي به جريحا
    سخطك قد زادني سقاما * فابعث لي الرضى مسيحا
    قال : فرضي عنه وأدناه .
    حدثنا يونس بن محمد بن طاهر ، أنبأ الحسن بن علي الجوهري ، عن أبي عمر بن حبويه ، عن أبي الحسن بن معروف ، عن الحسين بن الفهم ، عن محمد بن سعد ، عن عبد اللّه بن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي واثل ، عن مسروق ، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت : مرض أبو بكر رضي اللّه عنه مرضه الذي مات فيه وقال : انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة ، فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي ، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه ، وإذا ناضح كان يسقي بستانا له ، فبعثنا بهما إلى عمر . قالت : فأخبرني رسولي أن عمر بكى وقال : رحمة اللّه على أبي بكر ، لقد أتعب من بعده تعبا شديدا .

    وقال عبد اللّه بن عباس : سمعت أبا بكر الصدّيق يقول هذين البيتين :
    إذا أردت شريف الناس كلّهم * فانظر إلى ملك في زي مسكين
    ذاك الذي حسنت في الناس سيرته * وذاك يصلح للدنيا وللدين

    وروينا عن السري السقطي أنه قال : كنت يوما بجامع المدينة ، فوقف عليّ شابّ ذو حشم وخول ، فسمعني أقول : عجبا لضعيف يعصي قويّا ، فنظرت إلى لونه قد تغيّر وانصرف ، ثم جاءني من الغد فسلّم عليّ وقال : سمعتك بالأمس تقول : عجبا لضعيف يعصي قويّا ، فما معناه ؟
    قلت : فما أقوى من اللّه ولا أضعف من العبد وهو يعصيه ، فنهض فخرج ، ثم عاد من الغد وعليه ثوبان أبيضان وليس معه أحد فقال : يا سيدي ، كيف الطريق إلى اللّه ؟
    فقلت : إن أردت العبادة فعليك بصيام النهار وقيام الليل ، وإن أردت اللّه فاترك كلّما سواه ، وليس إلا المساجد ، والخراب ، والمقابر .
    فقام وهو يقول : واللّه لا سلكت إلا أصعب الطرق . ثم ولّى خارجا ، فلما كان بعد أيام أقبل إليّ جماعة كثيرة من الغلمان فقالوا : ما فعل أحمد بن يزيد الكاتب ؟
    قلت : لا أعرفه ، إلا أن رجلا جاءني من صفته كذا وكذا ، فجرى لي معه كذا وكذا ، ولا أعلم حاله .
    فقالوا : نقسم عليك باللّه متى عرفت حاله فعرّفنا ، ودلوني على منزله ، فبقيت سنة لا أعرف له خبرا ، فبينا أنا ذات ليلة بعد العشاء في بيتي إذا بطارق يطرق الباب ، فأذنت له في الدخول ، فإذا بالفتى عليه قطعة من كساء ،



    “ 71 “

    وأخرى على عاتقه ، ومعه زنبيل فيه نوى ، فقبّل بين عيني وقال : يا سري ، أعتقك اللّه من النار كما أعتقتني من رق الدنيا . فأومأت إلى صاحبي أن امض إلى أهله فأخبرهم ، فمضى فإذا زوجته جاءت ومعها ولده وغلمانه ، فدخلت فألقت ولده في حجره وعليه حلي وحلل ، وقالت له : يا سيدي ، أرملتني وأنت حي ، وأيتمت ولدك وأنت حي . فنظر إليّ وقال : يا سيدتي ، ما هذا وفاء ، ثم نزع ما على الصبي وقال : ضعي هذا في الأكباد الجياع ، والأجساد العارية ، فانتزعت ولدها منه ، فقال : ضيّعتم عليّ ليلتي ، بيني وبينكم اللّه . ثم خرج ، فضجّت الدار بالبكاء ، فقالوا : إن عدت تسمع له خبرا فأعلمنا . فلما كان بعد أيام إذا بعجوز قد جاءت فقالت : يا سري ، معي بالشوتيزية غلام يسألك الحضور ، فمضيت فإذا هو مطروح في ثوبه ، تحت رأسه لبنة ، فسلّمت عليه ، ففتح عينيه وقال : يا سري ، ترى تغفر تلك الجنايات ؟ فقلت : نعم . فقال : يغفر لمثلي ؟ قلت : نعم ، قال : أنا غريق ،
    قلت :
    هو منجّي الغرقى ، قال : عليّ مظالم ، قلت : إن اللّه يعوّض المظلومين . فقال : يا سري ، معي دراهم من لقط النوى ، فإذا أنا متّ فاشتر لي ما أحتاج إليه وكفنّي ، ولا تعلم أهلي لئلا يغيّروا كفني بحرام . قال السري : فجلست عنه ، ففتح عينيه وقال : لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ ثم مات . فأخذت الدراهم ، واشتريت ما يحتاج إليه ، وإذا الناس يهرعون ، فقلت : ما الخبر ؟ فقيل : مات وليّ من أولياء اللّه تعالى ، ونريد أن نصلي عليه ، فصلّينا عليه ودفنّاه . فلما كان بعد مدة بعث أهله إليّ يستعلمون خبره ، فأخبرتهم بموته .
    فأقبلت امرأته باكية ، وسألتني أن أريها قبره ، فقلت : أخاف أن تغيّروا كفنه ، فقالت : لا واللّه ، فأريتها القبر ، فبكت وأمرت بإحضار شاهدين ، فأحضرتهما ، وأعتقت جواريها ، ووقفت عقارها ، وتصدّقت بمالها ، ولزمت قبره حتى ماتت .
    دخل على شيخنا الأديب ابن سعد بمسجده بإشبيلية فتى وسيم الوجه به لثغ يردّ السين ثاء ، وكان اسمه عيسى ، فقال له الأستاذ : ما اسمك يا بنيّ ؟
    فقال : عيثا ، فقال الشيخ :
    وأغيد كالقضيب معطفه * يحكي لنا في الكلام تخنيثا
    سألته والسؤال يخجله * ما اسمك يا بدر قال لي عيثا

    ودخل شاب آخر به لثغ يردّ الراء غينا على الأديب الملقب بالأبيض ، فجرى بين الصبي وبين الأبيض حديث إلى أن قال له : ما غذاؤك ؟ فقال الصبي : القاند والسكغ ، فطرب الأبيض وقال في الحين :
    وألثغ ما مثله ألثغ * كأنه من فضة مفرغ



    “ 72 “

    قلت له مولاي ما تغتذي * فقال لي القاند والسكغ
    اجتمع جماعة من أصحابنا من قرطبة بقرطبة ، منهم أبو الحسن بن خروف الأديب ، وعمر الجزّار وغيرهم ، فرأوا حلقة فيها صبي وسيم لوجه سندي ، يلعب للناس ، وينطوي حتى يجعل رأسه بين رجليه ، والناس يتعجبون من لطفه ومحاسنه ، فقال واحد منهم :
    ومنوّع الحركات يختلس النهى * لبس المحاسن عند خلع لباسه
    وقال الآخر :
    متأوّدا كالغصن فوق كتيبة * متلاعبا كالظبي عند كناسه
    وقال الآخر :
    ويضمّ للقدمين منه برأسه * كالسيف ضمّ ذبابه لرساسه

    تاريخ فتح عمورية
    فتحها المعتصم في شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائتين ، وكان المعتصم شجاعا مقداما ، وكان يقال له المثمن ، فإنه كان له إلى الثمانية أحد عشر وجها :
    الأول : أنه ثامن ولد العباس .
    الثاني : أنه ثامن خلفاء بني العباس .
    الثالث : أنه ولّي سنة ثمانية عشرة ومائتين .
    الرابع والخامس : أنه كانت خلافته ثمان سنين وثمانية أشهر .
    السادس : أنه توفي وله ثمان وأربعون سنة .
    السابع : أنه ولد ثامن شهر من السنة وهو شعبان .
    الثامن : أنه خلّف ثمانية ذكور .
    التاسع : أنه خلّف ثمان بنات .
    العاشر : أنه غزا ثمان غزوات .
    الحادي عشر : أنه خلّف ثمانمائة ألف دينار ، ومثلهما دراهم ، فيكون له على هذا اثنا عشر وجها إلى الثمانية .
    فأما سبب فتحه لعمورية فهو ما ذكره أهل التواريخ أن رجلا وقف على المعتصم



    “ 73 “

    فقال : يا أمير المؤمنين ، كنت بعمورية وجارية من أحسن النساء أسيرة ، قد لطمها علج في وجهها . فنادت : وا معتصماه ، فقال العلج : وما يقدر عليه المعتصم ؟
    يجيء على أبلق ينصرك ؟ وزاد في ضربها . فقال المعتصم : وفي أية جهة عمورية ؟
    فقال له الرجل ، وأشار إلى جهتها : هكذا ، فردّ المعتصم وجهه إليها وقال : لبّيك أيتها الجارية ، لبيك هذا المعتصم باللّه أجابك . ثم تجهّز إليها في اثني عشر ألف فرس أبلق .

    وفي هذه التلبية يقول له في قصيدته حبيب مفرد :
    لبّيت صوتا رطيبا قد هرقت له * كأس الكرى ورضاب الخرد العرب
    فلما حصرها وطال مقامه عليها ، جمع المنجّمين فقالوا له : إنّا نرى أنك ما تفتحها إلا في زمان نضج العنب والتين ، فبعد عليه ذلك ، واغتمّ لذلك .
    فخرج ليلة مع بعض حشمه متحشما في العسكر يسمع ما يقول الناس ، فمرّ بخيمة حدّاد يضرب نعال الخيل وبين يديه غلامه أقرع قبيح الصورة ، وهو يضرب على السندان ويقول : في رأس المعتصم ، فقال له معلمه : اتركنا من هذا ، ما لك والمعتصم ؟
    فقال : ما عنده تدبير ، له كذا وكذا يوم على هذه المدينة مع قوّته ولا يفتحها ، لو أعطاني الأمر ما بات غدا إلا فيها .

    فتعجب المعتصم مما سمع ، وترك بعض رجاله موكلا به ، وانصرف إلى خبائه . فلما أصبح جاءوه به فقال : ما حملك يا هذا على ما بلغني عنك ؟
    فقال الرجل : الذي بلغك حق ، ولّني ما وراء خبائك ، وقد فتح اللّه فيها ، فقال : قد ولّيتك ، وخلع عليه ، وقدّمه على الحرب ، فجمع الرماة ، واختار منهم أهل الإصابة ، وجاء إلى بدن من أبدان الصور ، وفي البدن من أوله إلى آخره خط أسود ، عرضه ثلاثة أشبار أو أكثر ، فحمى السهام بالنار ، فقال للرماة :
    من أخطأ منكم ذلك الخط الأسود ضربت عنقه ، وإذا بذلك الخط خشب ساج ، فعند ما حصلت فيه السهام المحمية قام النار فيه واحترق ، فنزل البدن كما هو ، وتحمى الرجال ، ودخل البلد بالسيف ، وذلك قبل الزمان الذي ذكره المنجّمون .

    وفي ذلك يقول حبيب في قصيدته :
    السيف أصدق أنباء من الكتب * في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
    بيض الصفائح لا سود الصحائف في * متونهنّ جلاء الشكّ والريب
    والعلم في شهب الأرواح لامعة * بين الخميسين لا في السبعة الشهب
    وخوّفوا الناس من دهياء داهية * إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
    تخرّصا وأحاديثا ملفقة * ليست بنبع إذا عدّت ولا عزب
    ثم مشى في القصيدة إلى ذكر يعرض بتاريخ المنجمين في التين والعنب ، فقال :



    “ 74 “

    تسعون ألفا كآساد الشّرى نضجت * جلودهم قبل نضج التين والعنب
    ولم تفتح من الوقت الذي أثبت فذكر ذلك في قصيدته ، وذكر منعتها وقوّتها فقال :
    من عهد إسكندر أو قبل ذاك فقد * شابت نواصي الليالي وهي لم تشب
    بكر فما انتزعتها كفّ حادثة * ولا ترقّت إليها همّة النوّاب
    فلما دخلها ومعه الرجل الذي بلّغه حديث الجارية قال له : سر بي إلى الموضع الذي رأيتها فيه ، فسار به ، وأخرجها من موضعها ، وقال لها : يا جارية هل أجابك المعتصم ؟
    وملّكها العلج الذي لطمها ، والسيد الذي كان يملكها ، وجميع ماله .
    ومن سير عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    ما حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن محمد بن أبي طاهر ، عن الحسن بن علي الجوهري ، عن أبي عمر بن حمويه ، عن أحمد بن معروف ، عن الحسين بن الفهم ، عن محمد بن سعد ، عن يزيد بن هارون ، عن يحيى بن المتوكل ، عن عبد اللّه بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر قال : قدمت رفقة من التجار في أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، فنزلوا المصلى ، فقال عمر لعبد الرحمن : هل لك أن نحرسهم الليلة من السرّاق ؟ فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب اللّه لهما ، فسمع عمر بكاء صبي فوجه نحوه وقال لأمه : اتق اللّه وأحسني إلى صبيّك ، ثم عاد إلى مكانه ، فسمع بكاءه ، فعاد إليها بمثل تلك المقالة ، ثم عاد إلى مكانه ، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه ، فعاد إليها فعاتبها في لبنها ، ثم سألها عن شأن بكائه ، فقاله له : يا هذا الرجل ، إني أريد أن أفطمه وهو يبكي على الثدي ، فقال لها : وكم له ؟ قالت : كذا وكذا شهرا ، فقال لها : فما حملك على تعجيل فطامه ؟ قالت : إن عمر أمر أن لا يفرض لصبي إلا بعد الفطام ، وأنا محتاجة ، فأحبّ أن أفطمه حتى يفرض له ، فقال لها : ويحك ، أرضعيه ولا تعجليه بالفطام . ثم صلى الفجر بالناس وما يستبين للناس قراءته من غلبة البكاء عليه . فلما سلّم قال : يا بؤسا لعمركم قتل من أولاد المسلمين ، ثم أمر مناديا فنادى : لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام ، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام .

    وبالإسناد إلى محمد بن سعد قال : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني عبد اللّه بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كان عمر يديم الصوم ، وكان زمان الرمادة ، فإذا أمسى أتى بالخبز قد ثرد الزيت ، إلى أن نحر يوما من الأيام جزورا ، فأطعمها الناس ، وغرفوا له طيبها ، فأتى به فإذا قدر قطعة من سنام ومن كبد ، فقال : أنّى هذا ؟ قالوا : يا أمير



    “ 75 “

    المؤمنين من الجزور الذي نحرنا اليوم ، فقال : بخ بخ ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وأطعمت الناس كراويشها ، ارفع هذه الجفنة وهيّئ لنا غير هذا الطعام ، فأتى بخبز وزيت ، فجعل يكسره بيده ويثرد ذلك الخبز ، ثم قال : ويحك يا برقيّ ، ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت ربيع ، فإني لم آتهم منذ ثلاثة أيام ، وأحسبهم مقفرين ، وضعها بين أيديهم .
    وروينا من حديث أنس بن مالك قال : بينما عمر يعسّ المدينة إذ رأى بيتا من شعر لم يكن بالأمس ، فدنا منه ، فسمع أنين امرأة ، ورأى رجلا قاعدا ، فدنا منه فقال : من الرجل ؟
    قال : رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله . قال : فما هذا الأنين ؟
    قال : امرأة تمخض ، قال : هل عندها أحد ؟ قال : لا ، فانطلق إلى منزله فقال لامرأته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : هل لك في أجر ساقه اللّه إليك ؟ قالت : وما هو ؟ قال : امرأة تمخض ليس عندها أحد ، قالت : إن شئت ، قال : خذي ما يصلح للمرأة من الخرق والدهن ، وجيئيني ببرمة وشحم وحبوب ، فجاءت به ، فحمل البرمة ، ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت ، فقال : ادخلي إلى المرأة ، وجاء حتى قعد إلى الرجل فقال له :
    أوقد لي نارا ، ففعل وأوقد تحت البرمة حتى أنضجها ، وولدت المرأة ، فقالت له امرأته : يا أمير المؤمنين ، بشّر صاحبك بغلام . فلما سمع الرجل يا أمير المؤمنين كأنه هابه ، فجعل يتنحّى عنه ، فقال له : مكانك كما كنت . فحمل عمر البرمة حتى وضعها على الباب ، ثم قال : أشبعيها ، ففعلت ، ثم أخرجت البرمة فوضعتها على الباب ، فقام عمر فأخذها فوضعها بين يدي الرجل ، فقال : كل ، ويحك فإنك قد سهرت من الليل ، ففعل ، ثم قال لامرأته : أخرجي ، وقال للرجل : إذا كان غدا فائتنا نأمر لك بما يصلح ، فأتاه ، فأجازه وأعطاه .

    ومن مواعظ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه
    ما رويناه من حديث أبي بكر بن أبي الدنيا قال : حدثنا علي بن الحسن بن أبي مريم ، عن عبد اللّه بن صالح بن مسلم العجلي ، عن معاد الهراء قال : سمع علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه رجلا يسبّ الدنيا ، فقال علي رضي اللّه عنه : إنها لدار صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزوّد منها ، مسجد أحبّاء اللّه عز وجل ، ومهبط وحيه ، ومصلّى ملائكته ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيه الرحمة ، وربحوا فيها الجنة . فمن ذا يذمّ الدنيا ؟ وقد أذنت بفراقها ، ونادت بعيبها ، ونعت نفسها وأهلها ، فمثلت ببلائها البلاء ، وشوّقت بسرورها إلى السرور ، فذمّها قوم عند الندامة ، وحمدها آخرون ، ذكّرتهم فذكروا :



    “ 76 “

    يا أيها المغرور بغرورها ، متى غرّتك مضاجع آبائك في الثرى ؟ أم مضاجع أمهاتك في البلا ؟ كم قلّبت بكفيك ، ومرضت بيديك تطلب له الشفاء وتسأل له الأطباء ؟ لم تظفر بحاجتك ، ولم تسعف بطلبتك ، قد مثلت لك الدنيا مصرعك غدا ، ولا يغني عنك بكاؤك ، ولا ينفعك أحبّاؤك .

    ومن مواعظ سعيد بن عامر بن حديم لعمر
    ما روينا من حديث ابن أبي الدنيا قال : حدثني يعقوب بن عبيد ، ثنا أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز قال : قال سعيد بن عامر بن حديم لعمر رضي اللّه عنه : إني موصيك بكلمات من جوامع الإسلام ومعالمه ، قال : أجل ، فإن اللّه قد جعل عندك أدبا قال : اخش اللّه في الناس ، ولا تخش الناس في اللّه ، ولا يخالف قولك فعلك ، فإن خير القول ما صدقه الفعل ، ولا تقض في أمر واحد بقضاءين فيختلف عليك أمرك ، واحبب لقريب المسلمين وبعيدهم ما تحب لنفسك وأهل بيتك ، وخض الغمرات إلى الحق حيث علمته ، ولا تخف في اللّه لومة لائم . قال عمر : ومن يستطيع ذلك يا سعيد ؟ قال : من ركب في عنقه مثل الذي ركب في عنقك .

    موعظة
    روينا من حديث المالكي قال : حدثنا علي بن الحسن الربعي قال : حدثني محمد بن عبد الرحمن القرشي ، عن أبيه قال : كتب بعض الحكماء إلى ملك من ملوكهم : إن أحقّ الناس بذمّ الدنيا وقلاها من بسط له فيها ، وأعطى حاجته منها ، لأنه يتوقع آفة تعدو على ماله فتجتاحه ، أو على جمعه فتفرقه ، أو تأتي سلطانه من القواعد فتهدمه ، أو تدبّ إلى جسمه فتسقمه ، وتفجعه بمن هو ضنين به من أحبابه وأهل مودّته ، فالدنيا أحقّ بالذمّ ، هي الآخذة ما تعطي ، الراجعة فيما تهب ، بينما تضحك صاحبها إذ أضحكت منه غيرة ، وبينما هي تبكي له إذ أبكت عليه ، وبينما هي تبسط كفيه بالإعطاء إذ بسطتها بالمسألة ، تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم ، وتعفره بالتراب غدا ، سواء عليها ذهاب من ذهب ، وبقاء من بقي ، تجد في الباقي من الذهب خلفا ، وترضى من كل بدلا .

    روي عن المزني قال : دخلت على الشافعي رضي اللّه عنه في مرضه الذي مات فيه ، فقلت له : كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت من الدنيا راحلا ، وللإخوان مفارقا ، ولسوء عملي ملاقيا ، وبكأس المنية شاربا ، وعلى اللّه واردا ، فلا أدري أروحي تصير إلى الجنة



    “ 77 “

    فأهنّئها ، أم إلى النار فأعزّيها ؟ ثم أنشأ يقول :
    ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت رجائي نحو عفوك سلّما
    تعاظمني ذنبي فلما قرنته * بعفوك ربي كان عفوك أعظما
    وما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل * تجود وتعفو منّة وتكرّما

    حكاية عن ملك زهد في الدنيا
    روينا من حديث أحمد بن محمد بن حنبل ، عن يزيد بن هارون ، ثنا المسعودي ، عن سماك بن حرب ، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : بينا رجل ممن كان قبلكم في مملكته ، فتفكّر ، فعلم أن ذلك منقطع عنه ، وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة ربه ، فانساب ذات ليلة من قصره ، فأصبح في مملكة غيره ، فأتى ساحل البحر ، فكان يضرب اللبن بالأجرة ، فيأكل ويتصدّق بالفضل ، فلم يزل كذلك حتى وصل أمره إلى ملكهم ، فأرسل ملكهم إليه أن يأتيه ، فأبى ، فأعاد إليه الرسول ، فأبى وقال : ما لك وما لي ؟ فركب الملك إليه ، فلما رآه الرجل ولّى هاربا ، فلما رأى ذلك الملك ركض في أثره فلم يدركه ، فناداه : يا عبد اللّه ، إنه ليس عليك مني بأس ، فأقام حتى أدركه ، فقال : من أنت يرحمك اللّه ؟ قال : أنا فلان ابن فلان صاحب ملك كذا وكذا ، تفكّرت في أمري ، فعلمت أن ما أنا فيه منقطع عني ، وأنه قد شغلني عن عبادة ربي ، فتركته وجئت هاهنا أعبد ربي عز وجل .
    فقال : ما أنت بأحوج مما سمعت مني ؟ قال : ثم نزل عن دابته فسيّبها ، ثم تبعه ، فكانت جميعا يعبدان اللّه عز وجل ، فدعوا اللّه عز وجل أن يميتهما جميعا ، فماتا .
    قال عبد اللّه : فلو كنت برميلة مصر لأريتكم قبريهما بالنعت الذي نعت لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

    قصة يحيى بن توغان ملك تلمسان وهو من خئولتنا
    حدثني أخوالي ووالدي رحمهم اللّه ، قالوا : كان بتلمسان الملك يحيى ، فنزل يوما في موكبه من مدينة أقادر ، يريد المدينة الوسطى ، وبينهما بقيع فيه قبور ، فبينا هو يسير وإذا برجل متعبّد يمشي لحاجته ، فمسك عنانه وسلّم عليه ، فردّ الرجل العابد السلام ، وكلّمه بأشياء ، فكان من بعض ما كلّمه به الملك أن قال له : أيها العابد ، ما تقول في الصلاة في هذه الثياب التي عليّ ؟ فاستغرق العابد ضحكا ، فقال له : ممّ تضحك ؟ قال : من سخف



    “ 78 “

    عقلك ، وما رأيت لك أيها الملك في هذا المسألة شبيها إلا الكلب . قال : وكيف ؟ قال :
    الكلب يتمعّك في الجيفة ، ويتلطخ بدمها ، فإذا أراد أن يبوّل رفع رجله حتى لا يصيبه البول ، وأنت حرام كلك وتسأل عن ثيابك . فاستعبر الملك باكيا ، وزل من حينه عن دابته وتجرّد من ثيابه ، فرمى عليه بعض العامة من أهل الدين ثوبا ، وقال لأهل دولته : انظروا لأنفسكم فلست لكم بصاحب .
    واقتفى أثر العابد ، فصعد معه إلى العبادة بموضع عال بقبلة تلمسان ، وأقام معه ثلاثة أيام . ثم أمره العابد بالاحتطاب ، فجعل الملك يحتطب ويبيع بسوق تلمسان ، ويأكل ويتصدّق بالفضل ، وكان الناس إذا أتوا إلى العابد يسألونه الدعاء فيقول : سلوا يحيى في الدعاء ، فإنه خرج عن قدرة .
    ويقال : إن ذلك العابد كان أبا عبد اللّه التنوسي . وقفت أنا على قبريهما وقبر الشيخ أبي مدين بالعباد بظاهر تلمسان .
    روينا من حديث أحمد بن حنبل ، عن أسباط بن محمد ، ثنا هشام بن سعد ، عن عبد اللّه بن عباس قال : كان للعباس ميزاب على طريق عمر ، فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة ، وكان إذ ذاك خليفة ، وكان ذبح للعباس فرخان ، فلما وافى الميزاب صبّ ماء بدم الفرخين فأصاب عمر فأمر بقلعه ، ثم رجع فطرح ثيابه ولبس ثيابا غير ثيابه ، ثم جاء فصلّى بالناس ، فأتاه العباس فقال : واللّه إنه للموضع الذي وضعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال عمر للعباس : فأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ففعل ذلك العباس .
    وروينا من مواعظ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، أنه ذكّر الناس يوما في خلافته فقال : إنك مخلوقون اقتدارا ، ومربوبون اقتسارا ، ومضمّنون أجداثا ، وكائنون رفاتا ، ومبعوثون أفرادا ، ومدينون حسابا . فرحم اللّه عبدا اقترف فاعترف ، ووجل فعمل ، وحاذر فبادر ، وعمر فاعتبر ، وحذر فازدجر ، وراجع فتاب ، واقتدى فاحتذى ، فتأهّب للمعاد ، واستظهر بالزاد ليوم رحيله ، ووجه سبيله ، وحال حاجته ، وموطن فاقته ، فقدم أمامه لدار مقامه . فمهّدوا لأنفسكم في سلامة الأبدان ، فهل ينتظر أهل غضارة الشباب إلا خوّافي الهرم ؟ وأهل بضاضة الصحة إلا نوازل السقم ؟ وأهل مدة البقاء إلا مفاجآت الفجا ، واقتراب الفوت ، ونزول الموت ، وخفر الأنين ، ورشح الجبين ، وامتداد العرنين ، وألم المضض ، وغصص الحرض ؟ فاتقوا اللّه تقية من شمر تجريدا ، وجدّ تشميرا ، وانكمش في مهل ، وأشفق في وجل ، ونظر في كره الموئل ، وعاقبة المصير ، ومغبة المرجع ، فكفى باللّه

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 14:37