الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء 16
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 234 “
مالك ما رجى يوميك وتوفر أجره عليك . الكريم من كفّ أذاه والقوي من غلب هواه . من ركب الهوى أدرك العمى . من غالب الحق لان ومن تهاون بالدين هان . المؤمن عزيز كريم والمنافق خب لئيم .
مالك ما رجى يوميك وتوفر أجره عليك . الكريم من كفّ أذاه والقوي من غلب هواه . من ركب الهوى أدرك العمى . من غالب الحق لان ومن تهاون بالدين هان . المؤمن عزيز كريم والمنافق خب لئيم .
إذا ذهب الحياء يحل البلاء . كل إنسان طالب أمنية ومطلوب منيّة . علم لا ينفع كدواء لا ينجع . أحسن العلم ما كان مع العمل ، وأحسن الصمت ما كان عن الخطل .
اعص الجاهل تسلم وأطع العاقل تغنم . من صبر على شهوته بالغ في مروءته . من أكثر ابتهاجه بالمواهب اشتد انزعاجه للمصائب .
من تمسك بالدين عزّ نصره ، ومن استظهر بالحق ظهر قدره . من استقصر بقاه وأجله قصر رجاه وأمله . لا تبت على غير وصية .
وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة ، فإن الدهر خائن وما هو كائن كائن . لا تخلّ لنفسك من فكرة تزيدك حكمة أو تفيدك عصمة .
من جعل ملكه خادما لدينه انقاد له كل سلطان ، ومن جعل دينه خادما لملكه طمع فيه كل إنسان .
من سلك سبل الرشاد بلغ كنه المراد . من لزم العافية سلم ومن عدم النصيحة ندم . انتهى .
وقال : ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام ، ولا من شرط الكرام إزالة النّعم . فلا تأخذ بالسهو ولا تزهد في العفو ، وارحم من دونك يرحمك من فوقك .
وأحسن إلى من تملك يحسن إليك من يملكك . وقس سهوه في معصيتك بعمدك في معصيته ، وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمته .
اغتنم صنائع الإحسان وارع ذمة الإخوان ، فمن منع برّا منع شكرا ، ومن ضيّع ذمة اكتسب مذمة . بالراعي تصلح الرعية وبالعدل تملك البرية .
من عدل في سلطانه استغن عن أعوانه . الظلم مسلبة للنعم والبغي مجلبة للنقم . أقرب الأشياء صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام دعوة المظلوم .
من أكثر العدوان لم يأمن حلول النقم ، ومن آثر الإحسان لم يعدم موائد النّعم . من ساءت سيرته لم يأمن أبدا ، ومن حسنت سيرته لم يخف أحدا .
من طال عدوانه زال سلطانه . من ظلم عق أولاده ، ومن بغى نصر أضداده . من ساء عزمه رجع عليه سهمه . من ساءت سيرته سرت منيّته .
من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلكه وفناؤه . من ظلم نفسه ظلم غيره ، ومن ظلم لغيره ظلم نفسه . من أساء اجتلب البلاء ، ومن أحسن اكتسب الثناء . لأن تحسن وتكفر خير من أن تسيء وتشكر . من أحسن فبنفسه بدا ، ومن أساء فعلى نفسه اعتدى .
من طال تعدّيه كثر أعاديه . من قبح ملكه حسن هلكه . شر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم . من مال إلى الحق مال إليه الخلق .
من أساء الاختيار أساء الجوار . من سلّ سيف العدوان سلب عن السلطان . من أساء النية منع الأمنية .
“ 235 “
وصية من زاهد تحتوي على فوائد
روينا من حديث ثابت قال : نبأ محمد بن علي الأصبهاني قال : سمعت أبا حامد الطبري يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول في وصيّته : إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة ، فهي الدنيا . وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفا من تراب ، فإنك منها خلقت وفيها تعود . ومتى أردت أن تنظر ما أنت فانظر ما يخرج منك في دخولك الخلاء ، فمن كان حاله كذلك فلا يجوز أن يتطاول ، أو يتكبر على من هو مثله .
أحسن ما قيل في المرحاض وهو مما يلحق بهذا الباب
كنا بإشبيلية في تربة أبي القاسم بن وافد ، ومعنا أبو بكر بن حجاج الشاعر ، والنقّاش ينقش باب المرحاض من التربة ، فقلت لابن حجاج : يا أبا بكر ، لو علمت شيئا ينقشه النقاش على باب هذا المرحاض . فارتجل على البديهة يقول على لسان حال المرحاض :
أنا سيّد الدار يا سيدي * على أن حقي لا ينكر
أعرف للناس أقدارهم * ويأبون إلا بأن يفخروا
فمن قال عني مستقذر * فلولاه ما كنت أستقذر
وليس على ذكري من الأبيات إلا ما ذكرنا وجملتها ستة أبيات .
ولنا في النحول من باب النسيب :
صيّرني حبك معقولا * بحكمه وكنت محسوسا
لطفت حتى لا يراني الهوى * فلم يجد عندي تعريسا
فقلت لم نفسك أنت الذي * ألبستني الضرّاء والبوسا
حتى تحيرت وحيرتني * بيس الذي فعلته بيسا
أفنيتني عنك وعني فلم * تجد مقيلا فيه تنفيسا
قد كنت ليثا كاسرا نابه * وكانت أحشاي لكم خيسا
جار الهوى واعتلّ في نفسه * فهل سمعتم بالهوى بوسا
فأين جالينوس يأسوه أو * محيي العبدّا بيننا عيسى
ولنا في اتحاد المحب في الهوى :
إن الهوى ما أنا للحب حامله * والحكم للحبّ في الأشخاص ليس لنا
مثل الصفات لدى قوم أشاعرة * فلا الهوى هو غيري لا ولا هو أنا
“ 236 “
إن الهوى وأنا بالعين متحد * فإن أمت فيه وجدا أو أعش فبنا
لولا الجمال الذي بالحب كلّفنا * لم يهلك الوجد قلب الصبّ والبدنا
إن النظام لتدري ما أفوه به * وقد أشرت إليها مرة بمنى
ولنا في معاتبة القلب والبصر :
تقول عيني لقلبي إن فكرك قد * رمى الجفون بدمع الوجد والسهر
فقال قلبي لطرفي لا تقول كذا * بل أنت عرّضتني للفكر بالنظر
لولا الجمال الذي ألقت نواظركم * هواه في خلدي لم نبل بالفكر
فالعتب للقلب جور من معاتبة * وإنما العتب في التحقيق للبصر
وها أنا حكم بالعدل بينهما * لعلمنا بالذي فيه من الخبر
ولنا من باب منازلات الحب :
لما تحكّم عين الشمس في بصري * تمكن الحبّ بالسلطان في خلدي
وأنزل الجند في نفسي منازلهم * كالموجد والشوق والتبريح والكمد
فعند ما أخذوا مني منازلهم * ناديت من لهب الأشواق في كبدي
الحبّ أرّقني والحبّ أقلقني * والحب يقتلني ظلما وليس يدي
والحب حمّلني ما لست أحمله * حتى بقيت له روحا بلا جسد
ولنا من باب القلب والبصر :
زعمت يا أيها المفتون بالحور * إن الفؤاد له دعوى على البصر
ألا ترى القلب محصورا بقلعته * وقد أحاطت به من عسكر الفكر
فقلت يحضر خصم القلب أن له * عليه دعوى من أجل الدمع والسهر
فعند ما حضرا في الحين قام لنا * عند الشهود بأن الذنب للنظر
ولبعضهم في باب النسيب :
أقول لأصحابي وقد طلبوا الصّلى * ألا فاصطلوا إن خفتم القرّ من صدري
فإن لهيب النار بين جوانحي * إذا ذكرت ليلى أحرّ من الهجر
فقالوا نريد الماء نسقي ونستقي * فقلت تعالوا فاستقوا الماء من نهري
فقالوا أين النهر قلت مدامعي * سيغنيكم فيض الدموع عن الحفر
فقالوا ولم هذا فقلت من الهوى * فقالوا لحاك اللّه قلت اسمعوا عذري
ولابن المعتز :
يا سائق الذود ردهنّه * ومن دموعي فروّهنّه
“ 237 “
واقتدح النار من فؤادي * فإنها فيه مستكنّه
ولغيره :
يا قادح النار بالزناد * وطالب الجمر في الرّماد
دع عنك شكا وخذ يقينا * واقتدح النار من فؤادي
حكاية
حدثنا أبو عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن قال : لما مشى أبو عمرو المرتين إلى الديار المصرية من الأندلس ، اجتمع هو والقاضي عبد الرحيم المعروف بالفاضل في مجلس السلطان ، فتذاكروا الأقاليم ، فأخذ القاضي عبد الرحيم يعرّض بصاحبنا أبي عمرو بن مرتين لما قدم المغرب ، بما رويناه من حديث عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال : نبأ محمد بن إسماعيل الكعبي قال : حدثني أبي ، عن حرملة بن عمران النجيبي ، عن أبي قبيل ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، قال : خلقت الدنيا على خمس صور :
على صورة الطير رأسه ، وصدره ، وجناحيه ، وذنبه .
فالرأس : مكة والمدينة واليمن ، والصدر : الشام ومصر ، والجناح الأيمن : العراق ، وخلف العراق أمة يقال لها واق ، وخلف واق أمة يقال لها واق واق ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل .
والجناح الأيسر : السند ، وخلف السند الهند ، وخلف الهند أمة يقال لها ناسك ، وخلف ناسك أمة يقال لها منسك ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل .
والذنب : من ذات الحمام إلى مغرب الشمس .
ثم قال : وشرّ ما في الطير الذنب . فقال له أبو عمرو المغربي : ويكون الطير الطاوس ؟ فأخجله بين يدي السلطان ، فقال له السلطان : ما كان أغناك عن هذا ؟
مشورة أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه الصحابة في قتال أهل الردة
روينا من حديث الرملي قال : حدثنا الحسين بن زياد الرملي ، حدثنا محمد بن عبد اللّه بن إسماعيل الأزدي البصري قال :
لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وطلب أبو بكر الزكاة ، كفر بها قوم
وقالوا : قد كنا ندفع أموالنا إلى محمد ، فما بال ابن أبي قحافة يسألنا ، واللّه لا نعطيه منها شيئا أبدا .
فاستشار أبو
“ 238 “
بكر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم . فأجمع القوم على التمسك بدينهم في أنفسهم ، وأن يتركوا الناس مع ما اختاروه لأنفسهم ، وتخيّلوا أنهم لا يقدرون على من ارتدّ من المسلمين . فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : لو لم أجد أحدا يؤازرني لجاهدتهم بنفسي وحدي حتى أموت أو يرجعوا إلى الإسلام ، ولو منعوني عقالا مما كانوا يعطونه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجاهدتهم حق الحق باللّه .
فلم يزل أبو بكر يجاهد بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمقبل من المسلمين مدبرهم حتى عادوا جميعا إلى الإسلام ، ودخلوا فيما كانوا خرجوا منه .
شيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث ابن حبان قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول ، عن موسى بن أنس ، عن أبيه قال : لم يبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الشيب ما يخضبه ولكن أبو بكر كان يخضب رأسه ولحيته ورأسه بالحناء والكتم حتى يفثؤ شعره .
وبه قال : حدثنا ابن الظهراني ، حدثنا محمد بن عمر الوليد الكندي ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عبيد اللّه ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :
كان شيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو من عشرين شعرة ، وبه قال : حدثنا محمد بن العباس بن أيوب ، حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي ، عن الأوزاعي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اختضبوا ، فإن اليهود لا تختضب ، فخالفوهم » .
وبه قال : حدثنا ابن رشيد ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي ، حدثنا أبو عمار هاشم بن غطفان يعني ابن عمارة بن مهران ، حدثنا عبد اللّه بن هدّاج من بني عديّ بن حنيفة ، عن أبيه ، وكان أبوه قد أدرك الجاهلية ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قد صفر فقال : « خضاب الإسلام » . وجاءه رجل قد حمر فقال : « خضاب الإيمان » .
ما جاء في زهده عليه الصلاة والسلام
روينا من حديث ابن حبّان ، حدثنا أحمد بن جعفر الجمال ، حدثنا عبد الواحد محمد بن محمد البجلي ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا الجراح بن منهال ، عن الزهري ، عن العطاء ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال : خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر .
فقال : « يا ابن عمر ، ما لك لا تأكل ؟ » ، قلت : لا أشتهيه يا رسول اللّه .
قال : « لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما ، ولو شئت لدعوت ربي عز وجل فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر . فكيف يا ابن عمر إذا بقيت في قوم
“ 239 “
يحبون رزق سنتهم ويضعف اليقين » . فو اللّه ما برحنا حتى نزلت : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه عز وجل لا يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتّباع الشهوات ، فمن كنز دينارا يريد به حياة باقية فإن الحياة بيد اللّه عز وجل . ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبّئ رزقا لغد » .
الزهري هو عبد الرحمن بن عطاء .
وقالت عائشة رضي اللّه عنها : ما ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا .
وفي رواية : ولا بقرة ، ولا أوصى .
روينا ذلك من حديث ابن حبّان ، عن إسحاق ، عن أحمد بن الصباح ، عن إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن ذر ، عن عائشة رضي اللّه عنها .
إسلام خزيم بن فاتك
روينا من حديث ابن إسحاق ، وحديث أبي عبد اللّه الحاكم ، أما الحاكم فقال :
حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن شيم الحضرمي ، ثنا محمد بن خليفة الأسدي ، ثنا الحسين بن محمد بن علي ، عن أبيه قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ذات يوم لابن عباس : حدثني بحديث يعجبني . فقال : حدثني خزيم بن فاتك .
وقال ابن إسحاق : حدثني سعيد المقبريّ ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال خزيم بن فاتك لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : يا أمير المؤمنين ، ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي ؟ قال : بلى . قال : بينما أنا في طلب إبل لي ، قال ابن عباس : قال : إذ وجدتها فعقلتها ، وتوسدت ذراع بعير منها .
قال ابن إسحاق :
وناديت بأعلى صوتي : أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه .
قال الحاكم : وكذلك كانوا يصنعون في الجاهلية ؟
قال : وإذا هاتف يهتف بي فقال :
ويحك عذ باللّه ذي الجلال * والمجد والأنعام والأفضال
منزّل الحرام والحلال * ووحّد اللّه ولا تبالي
ما هول ذي الجن من الأهوال * إذ تذكر اللّه على الأميال
وفي سهول الأرض والجبال * وصار كيد الجن في سفال
إلا التقي وصالح الأعمال
“ 240 “
قال ابن إسحاق : فذعرت ذعرا شديدا . فلما رجعت لي نفسي قلت :
يا أيها الهاتف ما تقول * أرشد عندك أم تضليل
بيّن لنا هديت ما الحويل
قال الحاكم : قال : فقال :
هذا رسول اللّه ذو الخيرات * بيثرب يدعو إلى النجاة
جاء بياسين وحاميمات * في سور بعد مفصلات
محرمات ومحللات * يأمر بالصوم وبالصلاة
ويزجر الناس عن الهنات
قال : فقلت : من أنت يرحمك اللّه ؟ فقال : مالك بن مالك ، بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أرض نجد . قال : فقلت : لو كان ما يكفيني إبلي هذه لأتيته حتى أؤمن به .
فقال : أنا أكفيكها حتى أؤديها إلى أهلك سالمة إن شاء اللّه تعالى .
قال : فركبت بعيرا . قال ابن إسحاق : قال : فاتبعني وهو يقول :
صاحبك اللّه وسلم نفسك * وبلغ الأهل وردّ رحلك
آمن به أفلح ربي حقك * وانصره عزّ الإله نصرك
قال الحاكم : ثم أتيت المدينة ، فوافيت الناس يوم الجمعة ، وهم في الصلاة .
فقلت : يقضون صلاتهم ثم أدخل ، فإني ذلك إذ خرج إليّ أبو ذرّ فقال : يقول لك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أدخل ، فدخلت ، فلما رآني قال : « ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك سالمة ؟ أما إنه قد أدّاها إلى أهلك سالمة ؟ » .
قلت : رحمه اللّه . فقال صلى اللّه عليه وسلم : « أجل رحمه اللّه » . فقال خزيم : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وحسن إسلامه .
خبر إلهي
حدثنا صاحبنا المسعودي عبد اللّه بدر بن عبد اللّه الحبشي الأستاذ ، ثنا يونس بن يحيى ، ثنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي ، ثنا عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم الهروي ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن نجدة ، عن يحيى بن عبد الحميد ، عن ابن المبارك ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد اللّه بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :
« قال اللّه عز وجل : إن أغبط أوليائي عند المؤمن خفيف الحاذ ، ذو حظّ من صلاة
“ 241 “
أحسن عبادة ربه ، وأطاعه في السر والعلانية ، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، وكان رزقه كفافا ، فصير على ذلك » . ثم نقر بيده ثم قال : « عجلت منيّته ، وقلّت بواكيه ، وقلّ تراثه » .
وصية عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
روينا من حديث ابن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار ، ثنا ابن عمر قال : كان رأس عمر في حجري لما طعن ، فقال : ضع رأسي بالأرض . قال : فظننت أن ذلك تبرّما ، فلم أفعل ، فقال : ضع رأسي بالأرض ، لا أمّ لك ، ويلي وويل أمي إن لم يغفر اللّه لي .
وروينا من حديث محمد بن جعفر قال : حدثنا أحمد بن بديل الأيامي ، ثنا أبو معاوية الضرير ، ثنا داود بن هند ، عن الشعبي قال : لما طعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جاء ابن عباس فقال :
يا أمير المؤمنين ، أسلمت حين كفر الناس ، وجاهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خذله الناس ، وقتلت شهيدا ولم يختلف عليك اثنان . وتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو عنك راض .
فقال : أعد عليّ ، فأعاد عليه . فقال : المغرور من غررتموه . واللّه لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع .
في الخوف من اللّه تعالى
روينا من حديث ابن ثابت قال : حدثنا الحسن بن أبي بكر البزار ، عن عبد اللّه بن جعفر بن درستويه النحوي ، عن يعقوب بن سفيان ، عن أحمد بن أبي الحواري ، قال :
سمعت أباه سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العبسي يقول :
مفتاح الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع .
وأصل كل شيء في الدنيا والآخرة الخوف من اللّه عز وجل . وإن اللّه عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب . وإن الجوع عنده في خزائن مدخورة فلا يعطي إلا لمن يحب خاصة .
ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إليّ من أن آكلها ، وأقوم من أول الليل إلى آخره .
ولنا شعر :
إلهي لا تؤاخذني * على ما كان من زللي
ولا تنظر إلى فعلي * فإني سيئ العمل
“ 242 “
وما لي غير حسن الظن * يا ثقتي ويا أملي
عجائب بيت المقدس التي صنعها الضحاك بن قيس الأزدي ، وقيل : الغساني
حدثنا غير واحد ، عن القاسم بن علي ، عن أبي القاسم السوسي ، عن إبراهيم بن يونس ، عن عبد العزيز النصيبي ، عن محمد بن أحمد الخطيب ، عن عمر بن الفضل فيما حدّث ، عن أبيه ، عن حماد الرملي ، عن محمد بن العباس ، عن عمران بن موسى ، عن السام بن داود ، عن أحمد بن نباتة ، عن سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق ، عن أبي مالك القرطبي ، عن إبراهيم .
وقيل : هو موقوف على السام بن داود قال :
لما توجه ذو القرنين إلى بيت المقدس ، وقد خضعت له الملوك ، رأى تلك العجائب التي وضعها الضحاك بن قيس في الزمان بحركات هندسية ، وطلسمات موضوعة .
فمن ذلك نار عظيمة اللهب ، فمن لم يطع اللّه في ليلته ثم نظر إليها أحرقته ، فإن كان قد أطاع اللّه ونظر إليها لم تضرّه .
ومن العجائب : أنه من رمى بيت المقدس بسهم رجع إليه سهمه .
ومنها : أنه وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس ، فمن كان عنده شيء من السحر إذا مرّ بذلك الكلب نبح عليه ، فإذا نبح عليه نسي ما عنده من السحر .
ومنها : أنه وضع بابا فإذا دخل الظالم من اليهود والنصارى على ذلك الباب ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه .
ومنها : أنه وضع عصا في محراب المسجد ، فما يقدر أحد أن يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ، فإن مسّها من ليس من أولاد الأنبياء احترقت يده .
ومنها : أنهم كانوا يحبسون أولاد الملوك في محراب بيت المقدس ، فمن كان من أهل الملكة إذا أصبح وجد يده مطليّة بالدهن .
وجعل سليمان بن داود عليهما السلام سلسلة معلقة من السماء إلى الأرض يقضي بها بين الخصمين ، فالصادق تتدلى إليه حتى يمسكها ، والكاذب لا ينالها ، حتى وقع المكر بين الناس . فكان سبب رفعها ، أن رجلا استودع رجلا مالا ، ثم غاب عنه حينا ، ثم جاء يطلب وديعته ، فأنكره ذلك ، فأتى إلى سليمان ، فقصّ عليه القصة ، فحكم عليه سليمان بالحكم ، وبعث معه الأمناء إلى الموضع ، وأخذ الرجل الذي أودع المال قناة ، فشقّها
“ 243 “
وصبّ المال فيها وأطبقها ، ثم أخذ يتوكأ عليها شبيها بالعليل ، وقال لصاحب المال : خذ أنت هذه العصا حتى أمدّ يدي وأنال السلسلة ، فأخذ الرجل صاحب المال منه العصا ، وقال : اللهم إنك تعلم أن هذا الرجل أودعني مالا ، وأني قد رددت ماله إليه . والمال في يد الرجل ولا يعلم ، اللهم إن كنت صادقا في مقالتي فأنلني السلسلة بقدرتك ، فنال السلسلة .
ثم قال : ردّ عليّ عصاي ، فردّ عليه عصاه ، وارتفعت السلسلة من ذلك اليوم . ونزل الوحي على سليمان ، فأخبره بالمكر ، وكان موضعها القبة التي على يسار الصخرة ، بناها عبد الملك بن مروان . وفي ذلك الموضع لقي النبي صلى اللّه عليه وسلم الحور العين ليلة الإسراء . وجعل سليمان بن داود أيضا تحت الأرض مجلسا وبركة ، وجعل فيها ماء ، وكان على وجه الماء بساط ، فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق ، ومن كان على الحق لم يغرق .
فلما رأى ذو القرنين هذه العجائب أوحى اللّه إليه :
إنك ميّت ، وإن أجلك قد حضر . وكان ذو القرنين قد أوسع أهل الأرض عدلا ، وكان آخر ملوك الأرض من أهل الخير . وقد كان كبر ودقّ عظمه ، ونحل جسمه ، وطعن في السن . فمات رحمه اللّه ببيت المقدس .
وزعم أهل العلم : أنه بدومة الجندل ، رجع إليها من بيت المقدس ، وقبره بها اليوم .
قيل : عاش خمسمائة عام .
ومن باب التقوى في الهوى :
فلما التقينا قالت الحكم بيننا * سوى خصلة هيهات منك مرامها
فقلت معاذ اللّه أطلب خصلة * نموت ويبقى بعد ذاك آثامها
ولعمرو بن أبي ربيعة في هذا الباب :
لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت * إليّ وإني عن صبا لحليم
سوى قبلة أستغفر اللّه ذنبها * سأطعم مسكينا بها وأصوم
وللفرزدق من هذا الباب :
شمس إذا بلغ الحديث خيانة * أمسكن عنه غرائر أقمار
وحديثهن كأنها مرفوعة * من دينهنّ إذا جهرن سرار
وله أيضا ويعزى لغيره :
ويوم كإبهام الحبارى قطعته * بنعمة والواشون فيه تحرف
بلا محرم إلا كلام مودّة * علينا رقيبان التقى والتطرف
إذا ما هممنا صدّت النفس دونها * كما صدّ من بعد التهمّم يوسف
“ 244 “
ومن نظمنا في هذا الباب ارتجالا :
علينا من التقوى رقيب مسلّط * إذا ما خلونا والهوى زائد البلوى
ولكن وقانا اللّه شرّ بلائه * بما جعل الرحمن فينا من التقوى
ولو لم يكن تقوى لكان اشتغالنا * إذا ما خلونا بالعتاب وبالشكوى
ويأبى الهوى القتال إلا صيانة * عن اللثم لما كان سلطانه أقوى
فحسبي أن أفنى إذا ما لقيته * وحسبي ما يلقى عن السمع في النجوى
حديث كزهر الروض عطّره الندى * وفي الطعم طعم المنّ فيه مع السلوى
مثل نبوي
من حديث الخليل بن أحمد قال : حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أنبأ ابن منيع ، ثنا عبد الأعلى بن حماد القرشي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « مثل الذي يجلس يستمع الحكمة ثم لا يحدّث إلا بسوء ما يسمع ، كمثل رجل أتى راعيا فقال : يا راعي ، اجزر لي شاة من غنمك ، فقال له : اذهب فخذ بأذن خيرها شاة ، فأخذ بأذن كلب الغنم » .
شعر
لعمرك ما للعبد كالرب حافظ * ولا مثل عقل المرء للمرء واعظ
لسانك لا يلقيك في الغيّ لفظه * فإنك مأخوذ بما أنت لافظ
وروينا من حديث عبد العزيز بن عمر قال : حدثنا أو محمد بن محمد القطواني ، ثنا عبد الجبار بن الحسن الخشنيّ ، ثنا محمد بن علي ، حدثنا محمد بن سليمان الحضرمي ، ثنا محمد بن العلاء ، ثنا معاوية بن سنان ، عن منصور بن سعيد الحمصي ، عن يونس بن حبّان العسكري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يأتي على أمتي زمان تكثر فيه الآراء ، وتتبع فيه الأهواء ، ويتخذ القرآن مزامير ، ويوضع على ألحان الأغاني ، يقرأ بغير خشية ، لا يأجرهم اللّه على قراءته ، بل يلعنهم .
عند ذلك تهشّ النفوس إلى طيب الألحان ، فتذهب حلاوة القرآن . أولئك لا نصيب لهم في الآخرة .
ويكثر الهرج والمرج ، وتخلع العرب أعنّتها ، وتكفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويتخذون ضرب القضيب فيما بينهم فلا ينكره منكر ، ويتراضون به ، وهو من إحدى الكبائر الخفية .
فويل لهم من ديّان يوم الدين ، لا تنالهم شفاعتي ، فمن رضي بذلك منهم ولم ينههم ندم بذلك يوم القيامة ، وأنا منه
“ 245 “
بريء ، وعندها تتخذ النساء مجالس ويكون الجموع الكثيرة ، حتى إن المرأة لتتكلم فيها مثل الرجال ، ويكون جموعهن لهوا ولعبا ، وفي غير مرضاة اللّه ، وهي من عجائب ذلك الزمان ، فإذا رأيتموهم فباينوهم ، واحذروهم في اللّه ، فإنهم حرب للّه ولرسوله ، واللّه ورسوله منهم بريء » .
ومن شذور الحكم
أفضل المعروف معونة الملهوف . من تمام الكرم أن تذكر الخدمة لك وتنسى النعمة منك ، وتفطن للرغبة إليك ، وتتعامى عن الجناية عليك . ومن تمام المروءة أن تنسى الحق لك ، وتذكر الحق عليك ، وتستكثر الإساءة منك ، وتستصغر الإساءة من غيرك إليك . من أحسن المكارم عفو المقتدر وجود المفتقر . أحسن الأدب ما كفك عن المحارم ، وأحسن الأخلاق ما حثك على المكارم . الكريم يكرم عن السؤال ، ويحلم عن الجهال .
ومن وصايا اللّه تعالى لنبيّه داود عليه السلام
ما رويناه من حديث ابن ثابت قال : أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصلت الأهوازي ، حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن مخلد العطار ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا محمد يعني ابن نعيم بن هضيم قال : سمعت بشرا بن الحارث المشهور بالحافي يقول :
أوحى اللّه تعالى إلى نبيّه داود عليه السلام : يا داود ، لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا فيصدّك بمكره عن طريق محبتي ، أولئك قطاع طريق عبادي .
حكمة بالغة وحجة دامغة
روينا من حديث ابن ثابت قال : ثنا عبد الرحمن بن فضالة ، ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي قال : قال يحيى بن معاذ الرازي :
مصيبتان للعبد لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما في ماله عند موته . قال له : ما هي ؟
قال : يؤخذ منه كله ، ويسأل عنه كله .
وصية أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
روينا من حديث أبي بكر أحمد بن محمد الماروزي ، حدثنا محمد بن عباس
“ 246 “
السامري ، ثنا مؤمن بن إسماعيل ، ثنا عبد اللّه بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، أن أبا بكر رضوان اللّه عليه لما حضرته الوفاة أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال :
إني أوصيك بوصية إن أنت قبلتها عني : إن للّه عز وجل حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وإن للّه حقا بالنهار لا يقبله بالليل ، وإنه عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة .
واعلم أن اللّه عز وجل ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم . فيقول القائل : أين يقع عملي في عمل هؤلاء ؟ وذلك أن اللّه عز وجل تجاوز عن سيّئ أعمالهم ولم يثر به . واعلم أن اللّه عز وجل ذكر أهل النار بأسوإ أعمالهم . ويقول قائل : أنا خير من هؤلاء عملا وذلك أن اللّه عز وجل ردّ عليهم أحسن أعمالهم ، فلم يقبله . ألم تر إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة في اتّباعهم الحق في الدنيا ؟ وثقل ذلك عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا حق أن يثقل .
ألم تر إنما خفّت موازين من خفّت موازينه في الآخرة في اتّباعهم الباطل في الدنيا ، وخفّ ذلك عليهم ؟ وحق لميزان لا يوضع فيه إلا باطلا أن يخف . ألم تر أن اللّه عز وجل أنزل آية الرخاء عند آية الشدة ، وآية الشدة عند آية الرخاء ، لكي يكون العبد راغبا راهبا ، لا يلقي بيده إلى التهلكة ، ولا يتمنى على اللّه غير الحق .
فإن أنت حفظت وصيتي ، فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ، ولا بد لك منه . وإن أنت ضيّعت وصيتي هذه فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت ، ولن تعجزه .
وروينا من حديث محمد بن يوسف بن بشر ، حدثنا الفضل بن العباس بن أبي العباس الزيّات ، ثنا زكريا بن يحيى بن صبيح ، ثنا أبو بكر محمد الواسطي ، ثنا الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت :
كتب أبو بكر رضي اللّه عنه وصية :
بسم اللّه الرحمن الرحيم : هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة ، عند خروجه من الدنيا ، حين يؤول الكافر ، وينتهي الفاجر ، ويصدق الكاذب . إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن يعدل فذلك ظني به ، ورجائي فيه ، وإن يجر ويبدّل فلا أعلم الغيب ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
قال أبو سليمان : والذي كتب وصية أبي بكر عثمان بن عفان رضوان اللّه عليهم أجمعين .
الجزء 16
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2
“ 234 “
مالك ما رجى يوميك وتوفر أجره عليك . الكريم من كفّ أذاه والقوي من غلب هواه . من ركب الهوى أدرك العمى . من غالب الحق لان ومن تهاون بالدين هان . المؤمن عزيز كريم والمنافق خب لئيم .
مالك ما رجى يوميك وتوفر أجره عليك . الكريم من كفّ أذاه والقوي من غلب هواه . من ركب الهوى أدرك العمى . من غالب الحق لان ومن تهاون بالدين هان . المؤمن عزيز كريم والمنافق خب لئيم .
إذا ذهب الحياء يحل البلاء . كل إنسان طالب أمنية ومطلوب منيّة . علم لا ينفع كدواء لا ينجع . أحسن العلم ما كان مع العمل ، وأحسن الصمت ما كان عن الخطل .
اعص الجاهل تسلم وأطع العاقل تغنم . من صبر على شهوته بالغ في مروءته . من أكثر ابتهاجه بالمواهب اشتد انزعاجه للمصائب .
من تمسك بالدين عزّ نصره ، ومن استظهر بالحق ظهر قدره . من استقصر بقاه وأجله قصر رجاه وأمله . لا تبت على غير وصية .
وإن كنت من جسمك في صحة ومن عمرك في فسحة ، فإن الدهر خائن وما هو كائن كائن . لا تخلّ لنفسك من فكرة تزيدك حكمة أو تفيدك عصمة .
من جعل ملكه خادما لدينه انقاد له كل سلطان ، ومن جعل دينه خادما لملكه طمع فيه كل إنسان .
من سلك سبل الرشاد بلغ كنه المراد . من لزم العافية سلم ومن عدم النصيحة ندم . انتهى .
وقال : ليس من عادة الكرام سرعة الانتقام ، ولا من شرط الكرام إزالة النّعم . فلا تأخذ بالسهو ولا تزهد في العفو ، وارحم من دونك يرحمك من فوقك .
وأحسن إلى من تملك يحسن إليك من يملكك . وقس سهوه في معصيتك بعمدك في معصيته ، وفقره إلى رحمتك بفقرك إلى رحمته .
اغتنم صنائع الإحسان وارع ذمة الإخوان ، فمن منع برّا منع شكرا ، ومن ضيّع ذمة اكتسب مذمة . بالراعي تصلح الرعية وبالعدل تملك البرية .
من عدل في سلطانه استغن عن أعوانه . الظلم مسلبة للنعم والبغي مجلبة للنقم . أقرب الأشياء صرعة الظلوم ، وأنفذ السهام دعوة المظلوم .
من أكثر العدوان لم يأمن حلول النقم ، ومن آثر الإحسان لم يعدم موائد النّعم . من ساءت سيرته لم يأمن أبدا ، ومن حسنت سيرته لم يخف أحدا .
من طال عدوانه زال سلطانه . من ظلم عق أولاده ، ومن بغى نصر أضداده . من ساء عزمه رجع عليه سهمه . من ساءت سيرته سرت منيّته .
من كثر ظلمه واعتداؤه قرب هلكه وفناؤه . من ظلم نفسه ظلم غيره ، ومن ظلم لغيره ظلم نفسه . من أساء اجتلب البلاء ، ومن أحسن اكتسب الثناء . لأن تحسن وتكفر خير من أن تسيء وتشكر . من أحسن فبنفسه بدا ، ومن أساء فعلى نفسه اعتدى .
من طال تعدّيه كثر أعاديه . من قبح ملكه حسن هلكه . شر الناس من ينصر الظلوم ويخذل المظلوم . من مال إلى الحق مال إليه الخلق .
من أساء الاختيار أساء الجوار . من سلّ سيف العدوان سلب عن السلطان . من أساء النية منع الأمنية .
“ 235 “
وصية من زاهد تحتوي على فوائد
روينا من حديث ثابت قال : نبأ محمد بن علي الأصبهاني قال : سمعت أبا حامد الطبري يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول في وصيّته : إن أردت أن تنظر إلى الدنيا بحذافيرها فانظر إلى مزبلة ، فهي الدنيا . وإذا أردت أن تنظر إلى نفسك فخذ كفا من تراب ، فإنك منها خلقت وفيها تعود . ومتى أردت أن تنظر ما أنت فانظر ما يخرج منك في دخولك الخلاء ، فمن كان حاله كذلك فلا يجوز أن يتطاول ، أو يتكبر على من هو مثله .
أحسن ما قيل في المرحاض وهو مما يلحق بهذا الباب
كنا بإشبيلية في تربة أبي القاسم بن وافد ، ومعنا أبو بكر بن حجاج الشاعر ، والنقّاش ينقش باب المرحاض من التربة ، فقلت لابن حجاج : يا أبا بكر ، لو علمت شيئا ينقشه النقاش على باب هذا المرحاض . فارتجل على البديهة يقول على لسان حال المرحاض :
أنا سيّد الدار يا سيدي * على أن حقي لا ينكر
أعرف للناس أقدارهم * ويأبون إلا بأن يفخروا
فمن قال عني مستقذر * فلولاه ما كنت أستقذر
وليس على ذكري من الأبيات إلا ما ذكرنا وجملتها ستة أبيات .
ولنا في النحول من باب النسيب :
صيّرني حبك معقولا * بحكمه وكنت محسوسا
لطفت حتى لا يراني الهوى * فلم يجد عندي تعريسا
فقلت لم نفسك أنت الذي * ألبستني الضرّاء والبوسا
حتى تحيرت وحيرتني * بيس الذي فعلته بيسا
أفنيتني عنك وعني فلم * تجد مقيلا فيه تنفيسا
قد كنت ليثا كاسرا نابه * وكانت أحشاي لكم خيسا
جار الهوى واعتلّ في نفسه * فهل سمعتم بالهوى بوسا
فأين جالينوس يأسوه أو * محيي العبدّا بيننا عيسى
ولنا في اتحاد المحب في الهوى :
إن الهوى ما أنا للحب حامله * والحكم للحبّ في الأشخاص ليس لنا
مثل الصفات لدى قوم أشاعرة * فلا الهوى هو غيري لا ولا هو أنا
“ 236 “
إن الهوى وأنا بالعين متحد * فإن أمت فيه وجدا أو أعش فبنا
لولا الجمال الذي بالحب كلّفنا * لم يهلك الوجد قلب الصبّ والبدنا
إن النظام لتدري ما أفوه به * وقد أشرت إليها مرة بمنى
ولنا في معاتبة القلب والبصر :
تقول عيني لقلبي إن فكرك قد * رمى الجفون بدمع الوجد والسهر
فقال قلبي لطرفي لا تقول كذا * بل أنت عرّضتني للفكر بالنظر
لولا الجمال الذي ألقت نواظركم * هواه في خلدي لم نبل بالفكر
فالعتب للقلب جور من معاتبة * وإنما العتب في التحقيق للبصر
وها أنا حكم بالعدل بينهما * لعلمنا بالذي فيه من الخبر
ولنا من باب منازلات الحب :
لما تحكّم عين الشمس في بصري * تمكن الحبّ بالسلطان في خلدي
وأنزل الجند في نفسي منازلهم * كالموجد والشوق والتبريح والكمد
فعند ما أخذوا مني منازلهم * ناديت من لهب الأشواق في كبدي
الحبّ أرّقني والحبّ أقلقني * والحب يقتلني ظلما وليس يدي
والحب حمّلني ما لست أحمله * حتى بقيت له روحا بلا جسد
ولنا من باب القلب والبصر :
زعمت يا أيها المفتون بالحور * إن الفؤاد له دعوى على البصر
ألا ترى القلب محصورا بقلعته * وقد أحاطت به من عسكر الفكر
فقلت يحضر خصم القلب أن له * عليه دعوى من أجل الدمع والسهر
فعند ما حضرا في الحين قام لنا * عند الشهود بأن الذنب للنظر
ولبعضهم في باب النسيب :
أقول لأصحابي وقد طلبوا الصّلى * ألا فاصطلوا إن خفتم القرّ من صدري
فإن لهيب النار بين جوانحي * إذا ذكرت ليلى أحرّ من الهجر
فقالوا نريد الماء نسقي ونستقي * فقلت تعالوا فاستقوا الماء من نهري
فقالوا أين النهر قلت مدامعي * سيغنيكم فيض الدموع عن الحفر
فقالوا ولم هذا فقلت من الهوى * فقالوا لحاك اللّه قلت اسمعوا عذري
ولابن المعتز :
يا سائق الذود ردهنّه * ومن دموعي فروّهنّه
“ 237 “
واقتدح النار من فؤادي * فإنها فيه مستكنّه
ولغيره :
يا قادح النار بالزناد * وطالب الجمر في الرّماد
دع عنك شكا وخذ يقينا * واقتدح النار من فؤادي
حكاية
حدثنا أبو عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن قال : لما مشى أبو عمرو المرتين إلى الديار المصرية من الأندلس ، اجتمع هو والقاضي عبد الرحيم المعروف بالفاضل في مجلس السلطان ، فتذاكروا الأقاليم ، فأخذ القاضي عبد الرحيم يعرّض بصاحبنا أبي عمرو بن مرتين لما قدم المغرب ، بما رويناه من حديث عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم قال : نبأ محمد بن إسماعيل الكعبي قال : حدثني أبي ، عن حرملة بن عمران النجيبي ، عن أبي قبيل ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ، قال : خلقت الدنيا على خمس صور :
على صورة الطير رأسه ، وصدره ، وجناحيه ، وذنبه .
فالرأس : مكة والمدينة واليمن ، والصدر : الشام ومصر ، والجناح الأيمن : العراق ، وخلف العراق أمة يقال لها واق ، وخلف واق أمة يقال لها واق واق ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل .
والجناح الأيسر : السند ، وخلف السند الهند ، وخلف الهند أمة يقال لها ناسك ، وخلف ناسك أمة يقال لها منسك ، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا اللّه عز وجل .
والذنب : من ذات الحمام إلى مغرب الشمس .
ثم قال : وشرّ ما في الطير الذنب . فقال له أبو عمرو المغربي : ويكون الطير الطاوس ؟ فأخجله بين يدي السلطان ، فقال له السلطان : ما كان أغناك عن هذا ؟
مشورة أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه الصحابة في قتال أهل الردة
روينا من حديث الرملي قال : حدثنا الحسين بن زياد الرملي ، حدثنا محمد بن عبد اللّه بن إسماعيل الأزدي البصري قال :
لما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وطلب أبو بكر الزكاة ، كفر بها قوم
وقالوا : قد كنا ندفع أموالنا إلى محمد ، فما بال ابن أبي قحافة يسألنا ، واللّه لا نعطيه منها شيئا أبدا .
فاستشار أبو
“ 238 “
بكر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم . فأجمع القوم على التمسك بدينهم في أنفسهم ، وأن يتركوا الناس مع ما اختاروه لأنفسهم ، وتخيّلوا أنهم لا يقدرون على من ارتدّ من المسلمين . فقال أبو بكر رضي اللّه عنه : لو لم أجد أحدا يؤازرني لجاهدتهم بنفسي وحدي حتى أموت أو يرجعوا إلى الإسلام ، ولو منعوني عقالا مما كانوا يعطونه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لجاهدتهم حق الحق باللّه .
فلم يزل أبو بكر يجاهد بأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمقبل من المسلمين مدبرهم حتى عادوا جميعا إلى الإسلام ، ودخلوا فيما كانوا خرجوا منه .
شيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
روينا من حديث ابن حبان قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا محمد بن راشد ، عن مكحول ، عن موسى بن أنس ، عن أبيه قال : لم يبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الشيب ما يخضبه ولكن أبو بكر كان يخضب رأسه ولحيته ورأسه بالحناء والكتم حتى يفثؤ شعره .
وبه قال : حدثنا ابن الظهراني ، حدثنا محمد بن عمر الوليد الكندي ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن عبيد اللّه ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :
كان شيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نحو من عشرين شعرة ، وبه قال : حدثنا محمد بن العباس بن أيوب ، حدثنا محمد بن إسماعيل الواسطي ، عن الأوزاعي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « اختضبوا ، فإن اليهود لا تختضب ، فخالفوهم » .
وبه قال : حدثنا ابن رشيد ، حدثنا إبراهيم بن المنذر الخزامي ، حدثنا أبو عمار هاشم بن غطفان يعني ابن عمارة بن مهران ، حدثنا عبد اللّه بن هدّاج من بني عديّ بن حنيفة ، عن أبيه ، وكان أبوه قد أدرك الجاهلية ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم قد صفر فقال : « خضاب الإسلام » . وجاءه رجل قد حمر فقال : « خضاب الإيمان » .
ما جاء في زهده عليه الصلاة والسلام
روينا من حديث ابن حبّان ، حدثنا أحمد بن جعفر الجمال ، حدثنا عبد الواحد محمد بن محمد البجلي ، ثنا يزيد بن هارون ، ثنا الجراح بن منهال ، عن الزهري ، عن العطاء ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال : خرجنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار ، فجعل يلتقط من التمر .
فقال : « يا ابن عمر ، ما لك لا تأكل ؟ » ، قلت : لا أشتهيه يا رسول اللّه .
قال : « لكني أشتهيه ، وهذه صبح رابعة لم أذق طعاما ، ولو شئت لدعوت ربي عز وجل فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر . فكيف يا ابن عمر إذا بقيت في قوم
“ 239 “
يحبون رزق سنتهم ويضعف اليقين » . فو اللّه ما برحنا حتى نزلت : وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ .
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن اللّه عز وجل لا يأمرني بكنز الدنيا ، ولا باتّباع الشهوات ، فمن كنز دينارا يريد به حياة باقية فإن الحياة بيد اللّه عز وجل . ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبّئ رزقا لغد » .
الزهري هو عبد الرحمن بن عطاء .
وقالت عائشة رضي اللّه عنها : ما ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شاة ولا بعيرا .
وفي رواية : ولا بقرة ، ولا أوصى .
روينا ذلك من حديث ابن حبّان ، عن إسحاق ، عن أحمد بن الصباح ، عن إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن ذر ، عن عائشة رضي اللّه عنها .
إسلام خزيم بن فاتك
روينا من حديث ابن إسحاق ، وحديث أبي عبد اللّه الحاكم ، أما الحاكم فقال :
حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن شيم الحضرمي ، ثنا محمد بن خليفة الأسدي ، ثنا الحسين بن محمد بن علي ، عن أبيه قال : قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ذات يوم لابن عباس : حدثني بحديث يعجبني . فقال : حدثني خزيم بن فاتك .
وقال ابن إسحاق : حدثني سعيد المقبريّ ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : قال خزيم بن فاتك لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه : يا أمير المؤمنين ، ألا أخبرك كيف كان بدء إسلامي ؟ قال : بلى . قال : بينما أنا في طلب إبل لي ، قال ابن عباس : قال : إذ وجدتها فعقلتها ، وتوسدت ذراع بعير منها .
قال ابن إسحاق :
وناديت بأعلى صوتي : أعوذ بعزيز هذا الوادي من سفهاء قومه .
قال الحاكم : وكذلك كانوا يصنعون في الجاهلية ؟
قال : وإذا هاتف يهتف بي فقال :
ويحك عذ باللّه ذي الجلال * والمجد والأنعام والأفضال
منزّل الحرام والحلال * ووحّد اللّه ولا تبالي
ما هول ذي الجن من الأهوال * إذ تذكر اللّه على الأميال
وفي سهول الأرض والجبال * وصار كيد الجن في سفال
إلا التقي وصالح الأعمال
“ 240 “
قال ابن إسحاق : فذعرت ذعرا شديدا . فلما رجعت لي نفسي قلت :
يا أيها الهاتف ما تقول * أرشد عندك أم تضليل
بيّن لنا هديت ما الحويل
قال الحاكم : قال : فقال :
هذا رسول اللّه ذو الخيرات * بيثرب يدعو إلى النجاة
جاء بياسين وحاميمات * في سور بعد مفصلات
محرمات ومحللات * يأمر بالصوم وبالصلاة
ويزجر الناس عن الهنات
قال : فقلت : من أنت يرحمك اللّه ؟ فقال : مالك بن مالك ، بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أرض نجد . قال : فقلت : لو كان ما يكفيني إبلي هذه لأتيته حتى أؤمن به .
فقال : أنا أكفيكها حتى أؤديها إلى أهلك سالمة إن شاء اللّه تعالى .
قال : فركبت بعيرا . قال ابن إسحاق : قال : فاتبعني وهو يقول :
صاحبك اللّه وسلم نفسك * وبلغ الأهل وردّ رحلك
آمن به أفلح ربي حقك * وانصره عزّ الإله نصرك
قال الحاكم : ثم أتيت المدينة ، فوافيت الناس يوم الجمعة ، وهم في الصلاة .
فقلت : يقضون صلاتهم ثم أدخل ، فإني ذلك إذ خرج إليّ أبو ذرّ فقال : يقول لك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أدخل ، فدخلت ، فلما رآني قال : « ما فعل الشيخ الذي ضمن لك أن يؤدي إبلك إلى أهلك سالمة ؟ أما إنه قد أدّاها إلى أهلك سالمة ؟ » .
قلت : رحمه اللّه . فقال صلى اللّه عليه وسلم : « أجل رحمه اللّه » . فقال خزيم : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وحسن إسلامه .
خبر إلهي
حدثنا صاحبنا المسعودي عبد اللّه بدر بن عبد اللّه الحبشي الأستاذ ، ثنا يونس بن يحيى ، ثنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي ، ثنا عبد الأعلى بن عبد الواحد المليحي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم الهروي ، عن محمد بن عبد اللّه ، عن أحمد بن نجدة ، عن يحيى بن عبد الحميد ، عن ابن المبارك ، عن يحيى بن أيوب ، عن عبيد اللّه بن زحر ، عن علي بن زيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :
« قال اللّه عز وجل : إن أغبط أوليائي عند المؤمن خفيف الحاذ ، ذو حظّ من صلاة
“ 241 “
أحسن عبادة ربه ، وأطاعه في السر والعلانية ، وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ، وكان رزقه كفافا ، فصير على ذلك » . ثم نقر بيده ثم قال : « عجلت منيّته ، وقلّت بواكيه ، وقلّ تراثه » .
وصية عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
روينا من حديث ابن عيينة قال : حدثنا عمرو بن دينار ، ثنا ابن عمر قال : كان رأس عمر في حجري لما طعن ، فقال : ضع رأسي بالأرض . قال : فظننت أن ذلك تبرّما ، فلم أفعل ، فقال : ضع رأسي بالأرض ، لا أمّ لك ، ويلي وويل أمي إن لم يغفر اللّه لي .
وروينا من حديث محمد بن جعفر قال : حدثنا أحمد بن بديل الأيامي ، ثنا أبو معاوية الضرير ، ثنا داود بن هند ، عن الشعبي قال : لما طعن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه جاء ابن عباس فقال :
يا أمير المؤمنين ، أسلمت حين كفر الناس ، وجاهدت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين خذله الناس ، وقتلت شهيدا ولم يختلف عليك اثنان . وتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو عنك راض .
فقال : أعد عليّ ، فأعاد عليه . فقال : المغرور من غررتموه . واللّه لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع .
في الخوف من اللّه تعالى
روينا من حديث ابن ثابت قال : حدثنا الحسن بن أبي بكر البزار ، عن عبد اللّه بن جعفر بن درستويه النحوي ، عن يعقوب بن سفيان ، عن أحمد بن أبي الحواري ، قال :
سمعت أباه سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد بن عطية العبسي يقول :
مفتاح الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع .
وأصل كل شيء في الدنيا والآخرة الخوف من اللّه عز وجل . وإن اللّه عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب . وإن الجوع عنده في خزائن مدخورة فلا يعطي إلا لمن يحب خاصة .
ولأن أدع من عشائي لقمة أحب إليّ من أن آكلها ، وأقوم من أول الليل إلى آخره .
ولنا شعر :
إلهي لا تؤاخذني * على ما كان من زللي
ولا تنظر إلى فعلي * فإني سيئ العمل
“ 242 “
وما لي غير حسن الظن * يا ثقتي ويا أملي
عجائب بيت المقدس التي صنعها الضحاك بن قيس الأزدي ، وقيل : الغساني
حدثنا غير واحد ، عن القاسم بن علي ، عن أبي القاسم السوسي ، عن إبراهيم بن يونس ، عن عبد العزيز النصيبي ، عن محمد بن أحمد الخطيب ، عن عمر بن الفضل فيما حدّث ، عن أبيه ، عن حماد الرملي ، عن محمد بن العباس ، عن عمران بن موسى ، عن السام بن داود ، عن أحمد بن نباتة ، عن سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق ، عن أبي مالك القرطبي ، عن إبراهيم .
وقيل : هو موقوف على السام بن داود قال :
لما توجه ذو القرنين إلى بيت المقدس ، وقد خضعت له الملوك ، رأى تلك العجائب التي وضعها الضحاك بن قيس في الزمان بحركات هندسية ، وطلسمات موضوعة .
فمن ذلك نار عظيمة اللهب ، فمن لم يطع اللّه في ليلته ثم نظر إليها أحرقته ، فإن كان قد أطاع اللّه ونظر إليها لم تضرّه .
ومن العجائب : أنه من رمى بيت المقدس بسهم رجع إليه سهمه .
ومنها : أنه وضع كلبا من خشب على باب بيت المقدس ، فمن كان عنده شيء من السحر إذا مرّ بذلك الكلب نبح عليه ، فإذا نبح عليه نسي ما عنده من السحر .
ومنها : أنه وضع بابا فإذا دخل الظالم من اليهود والنصارى على ذلك الباب ضغطه ذلك الباب حتى يعترف بظلمه .
ومنها : أنه وضع عصا في محراب المسجد ، فما يقدر أحد أن يمس تلك العصا إلا من كان من ولد الأنبياء ، فإن مسّها من ليس من أولاد الأنبياء احترقت يده .
ومنها : أنهم كانوا يحبسون أولاد الملوك في محراب بيت المقدس ، فمن كان من أهل الملكة إذا أصبح وجد يده مطليّة بالدهن .
وجعل سليمان بن داود عليهما السلام سلسلة معلقة من السماء إلى الأرض يقضي بها بين الخصمين ، فالصادق تتدلى إليه حتى يمسكها ، والكاذب لا ينالها ، حتى وقع المكر بين الناس . فكان سبب رفعها ، أن رجلا استودع رجلا مالا ، ثم غاب عنه حينا ، ثم جاء يطلب وديعته ، فأنكره ذلك ، فأتى إلى سليمان ، فقصّ عليه القصة ، فحكم عليه سليمان بالحكم ، وبعث معه الأمناء إلى الموضع ، وأخذ الرجل الذي أودع المال قناة ، فشقّها
“ 243 “
وصبّ المال فيها وأطبقها ، ثم أخذ يتوكأ عليها شبيها بالعليل ، وقال لصاحب المال : خذ أنت هذه العصا حتى أمدّ يدي وأنال السلسلة ، فأخذ الرجل صاحب المال منه العصا ، وقال : اللهم إنك تعلم أن هذا الرجل أودعني مالا ، وأني قد رددت ماله إليه . والمال في يد الرجل ولا يعلم ، اللهم إن كنت صادقا في مقالتي فأنلني السلسلة بقدرتك ، فنال السلسلة .
ثم قال : ردّ عليّ عصاي ، فردّ عليه عصاه ، وارتفعت السلسلة من ذلك اليوم . ونزل الوحي على سليمان ، فأخبره بالمكر ، وكان موضعها القبة التي على يسار الصخرة ، بناها عبد الملك بن مروان . وفي ذلك الموضع لقي النبي صلى اللّه عليه وسلم الحور العين ليلة الإسراء . وجعل سليمان بن داود أيضا تحت الأرض مجلسا وبركة ، وجعل فيها ماء ، وكان على وجه الماء بساط ، فمن كان على الباطل إذا وقع في ذلك الماء غرق ، ومن كان على الحق لم يغرق .
فلما رأى ذو القرنين هذه العجائب أوحى اللّه إليه :
إنك ميّت ، وإن أجلك قد حضر . وكان ذو القرنين قد أوسع أهل الأرض عدلا ، وكان آخر ملوك الأرض من أهل الخير . وقد كان كبر ودقّ عظمه ، ونحل جسمه ، وطعن في السن . فمات رحمه اللّه ببيت المقدس .
وزعم أهل العلم : أنه بدومة الجندل ، رجع إليها من بيت المقدس ، وقبره بها اليوم .
قيل : عاش خمسمائة عام .
ومن باب التقوى في الهوى :
فلما التقينا قالت الحكم بيننا * سوى خصلة هيهات منك مرامها
فقلت معاذ اللّه أطلب خصلة * نموت ويبقى بعد ذاك آثامها
ولعمرو بن أبي ربيعة في هذا الباب :
لعمر أبيها ما صبوت ولا صبت * إليّ وإني عن صبا لحليم
سوى قبلة أستغفر اللّه ذنبها * سأطعم مسكينا بها وأصوم
وللفرزدق من هذا الباب :
شمس إذا بلغ الحديث خيانة * أمسكن عنه غرائر أقمار
وحديثهن كأنها مرفوعة * من دينهنّ إذا جهرن سرار
وله أيضا ويعزى لغيره :
ويوم كإبهام الحبارى قطعته * بنعمة والواشون فيه تحرف
بلا محرم إلا كلام مودّة * علينا رقيبان التقى والتطرف
إذا ما هممنا صدّت النفس دونها * كما صدّ من بعد التهمّم يوسف
“ 244 “
ومن نظمنا في هذا الباب ارتجالا :
علينا من التقوى رقيب مسلّط * إذا ما خلونا والهوى زائد البلوى
ولكن وقانا اللّه شرّ بلائه * بما جعل الرحمن فينا من التقوى
ولو لم يكن تقوى لكان اشتغالنا * إذا ما خلونا بالعتاب وبالشكوى
ويأبى الهوى القتال إلا صيانة * عن اللثم لما كان سلطانه أقوى
فحسبي أن أفنى إذا ما لقيته * وحسبي ما يلقى عن السمع في النجوى
حديث كزهر الروض عطّره الندى * وفي الطعم طعم المنّ فيه مع السلوى
مثل نبوي
من حديث الخليل بن أحمد قال : حدثنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، أنبأ ابن منيع ، ثنا عبد الأعلى بن حماد القرشي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أوس بن خالد ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : « مثل الذي يجلس يستمع الحكمة ثم لا يحدّث إلا بسوء ما يسمع ، كمثل رجل أتى راعيا فقال : يا راعي ، اجزر لي شاة من غنمك ، فقال له : اذهب فخذ بأذن خيرها شاة ، فأخذ بأذن كلب الغنم » .
شعر
لعمرك ما للعبد كالرب حافظ * ولا مثل عقل المرء للمرء واعظ
لسانك لا يلقيك في الغيّ لفظه * فإنك مأخوذ بما أنت لافظ
وروينا من حديث عبد العزيز بن عمر قال : حدثنا أو محمد بن محمد القطواني ، ثنا عبد الجبار بن الحسن الخشنيّ ، ثنا محمد بن علي ، حدثنا محمد بن سليمان الحضرمي ، ثنا محمد بن العلاء ، ثنا معاوية بن سنان ، عن منصور بن سعيد الحمصي ، عن يونس بن حبّان العسكري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يأتي على أمتي زمان تكثر فيه الآراء ، وتتبع فيه الأهواء ، ويتخذ القرآن مزامير ، ويوضع على ألحان الأغاني ، يقرأ بغير خشية ، لا يأجرهم اللّه على قراءته ، بل يلعنهم .
عند ذلك تهشّ النفوس إلى طيب الألحان ، فتذهب حلاوة القرآن . أولئك لا نصيب لهم في الآخرة .
ويكثر الهرج والمرج ، وتخلع العرب أعنّتها ، وتكفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويتخذون ضرب القضيب فيما بينهم فلا ينكره منكر ، ويتراضون به ، وهو من إحدى الكبائر الخفية .
فويل لهم من ديّان يوم الدين ، لا تنالهم شفاعتي ، فمن رضي بذلك منهم ولم ينههم ندم بذلك يوم القيامة ، وأنا منه
“ 245 “
بريء ، وعندها تتخذ النساء مجالس ويكون الجموع الكثيرة ، حتى إن المرأة لتتكلم فيها مثل الرجال ، ويكون جموعهن لهوا ولعبا ، وفي غير مرضاة اللّه ، وهي من عجائب ذلك الزمان ، فإذا رأيتموهم فباينوهم ، واحذروهم في اللّه ، فإنهم حرب للّه ولرسوله ، واللّه ورسوله منهم بريء » .
ومن شذور الحكم
أفضل المعروف معونة الملهوف . من تمام الكرم أن تذكر الخدمة لك وتنسى النعمة منك ، وتفطن للرغبة إليك ، وتتعامى عن الجناية عليك . ومن تمام المروءة أن تنسى الحق لك ، وتذكر الحق عليك ، وتستكثر الإساءة منك ، وتستصغر الإساءة من غيرك إليك . من أحسن المكارم عفو المقتدر وجود المفتقر . أحسن الأدب ما كفك عن المحارم ، وأحسن الأخلاق ما حثك على المكارم . الكريم يكرم عن السؤال ، ويحلم عن الجهال .
ومن وصايا اللّه تعالى لنبيّه داود عليه السلام
ما رويناه من حديث ابن ثابت قال : أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصلت الأهوازي ، حدثنا أبو عبد اللّه محمد بن مخلد العطار ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا محمد يعني ابن نعيم بن هضيم قال : سمعت بشرا بن الحارث المشهور بالحافي يقول :
أوحى اللّه تعالى إلى نبيّه داود عليه السلام : يا داود ، لا تجعل بيني وبينك عالما مفتونا فيصدّك بمكره عن طريق محبتي ، أولئك قطاع طريق عبادي .
حكمة بالغة وحجة دامغة
روينا من حديث ابن ثابت قال : ثنا عبد الرحمن بن فضالة ، ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي قال : قال يحيى بن معاذ الرازي :
مصيبتان للعبد لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما في ماله عند موته . قال له : ما هي ؟
قال : يؤخذ منه كله ، ويسأل عنه كله .
وصية أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه
روينا من حديث أبي بكر أحمد بن محمد الماروزي ، حدثنا محمد بن عباس
“ 246 “
السامري ، ثنا مؤمن بن إسماعيل ، ثنا عبد اللّه بن أبي حميد ، عن أبي المليح ، أن أبا بكر رضوان اللّه عليه لما حضرته الوفاة أرسل إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه فقال :
إني أوصيك بوصية إن أنت قبلتها عني : إن للّه عز وجل حقا بالليل لا يقبله بالنهار ، وإن للّه حقا بالنهار لا يقبله بالليل ، وإنه عز وجل لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة .
واعلم أن اللّه عز وجل ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم . فيقول القائل : أين يقع عملي في عمل هؤلاء ؟ وذلك أن اللّه عز وجل تجاوز عن سيّئ أعمالهم ولم يثر به . واعلم أن اللّه عز وجل ذكر أهل النار بأسوإ أعمالهم . ويقول قائل : أنا خير من هؤلاء عملا وذلك أن اللّه عز وجل ردّ عليهم أحسن أعمالهم ، فلم يقبله . ألم تر إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه في الآخرة في اتّباعهم الحق في الدنيا ؟ وثقل ذلك عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا حق أن يثقل .
ألم تر إنما خفّت موازين من خفّت موازينه في الآخرة في اتّباعهم الباطل في الدنيا ، وخفّ ذلك عليهم ؟ وحق لميزان لا يوضع فيه إلا باطلا أن يخف . ألم تر أن اللّه عز وجل أنزل آية الرخاء عند آية الشدة ، وآية الشدة عند آية الرخاء ، لكي يكون العبد راغبا راهبا ، لا يلقي بيده إلى التهلكة ، ولا يتمنى على اللّه غير الحق .
فإن أنت حفظت وصيتي ، فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ، ولا بد لك منه . وإن أنت ضيّعت وصيتي هذه فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت ، ولن تعجزه .
وروينا من حديث محمد بن يوسف بن بشر ، حدثنا الفضل بن العباس بن أبي العباس الزيّات ، ثنا زكريا بن يحيى بن صبيح ، ثنا أبو بكر محمد الواسطي ، ثنا الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي اللّه عنها قالت :
كتب أبو بكر رضي اللّه عنه وصية :
بسم اللّه الرحمن الرحيم : هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة ، عند خروجه من الدنيا ، حين يؤول الكافر ، وينتهي الفاجر ، ويصدق الكاذب . إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن يعدل فذلك ظني به ، ورجائي فيه ، وإن يجر ويبدّل فلا أعلم الغيب ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ .
قال أبو سليمان : والذي كتب وصية أبي بكر عثمان بن عفان رضوان اللّه عليهم أجمعين .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin