..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 13

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:03

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 13
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 182 “

    وقف بالقصور على دخلة * حزينا وقل أين أربابها
    وأين الملوك ولاة العهود * رقاة المنابر غلّابها
    تجيبك آثارهم عنهم * إليك فقد مات أصحابها


    الدخلة بالضم : باطن الأمر . يقال : هو عالم بدخلته أي بباطن أمره . انتهى .
    رسالة اعتبار الناسك في ذكر الآثار الكريمة والمناسك
    كتب بعض أدباء المغرب إلى بعض إخوانه بمكة :

    أخي الأعز الأكرم الأفضل ، الأبرّ الأوفى الأوصل ، الذي أستوحش لفراقه ، أذوب أسى وكمدا إن لم أجتمع به في تلك المشاهد الكريمة ، وإلا قد بلغك اللّه المنى ، وأحلك عن قريب بعرفات ومنى . رسمته إليك من فاس والأشواق بعدك تصعد الأنفاس ، فإلى اللّه الكريم أشكو بينك ، وإليه سبحانه أتوسل وله أسأل أن يجمع بحرمه الكريم آخرا كما جمع أولا بيني وبينك .

    فلقد فارقت وودّعت ، وأودعت الجوانح من تباريح الشوق ما أودعت ، وفطرت الأفئدة بحسب مقصدك المبارك المحرس وصعدت فيسرّ اللّه إلى تلك المثابة الأمنية عودة وصولك ، وبلغك من لقائها غاية سؤلك ، وسنى في ذلك الحرم الشريف المنيف بغية حصولك ، وأجرى فلكك بريح السلامة حين ينتهي إن شاء اللّه عن كل ولي من أولئك إلى تلك المشاهد المعظمة ، والمعاهد المكرّمة ، تحيته العاطرة وسلامه ، وتذكرة عند مباشرتك تقبيل الحجر الأسود واستلامه ، بحول اللّه عز وجل ، فإذا بدأت على بركة اللّه تعالى بأول المناسك ، فاشعر نفسك لبؤس المحبة أيها الناسك ، ومن أي مواقيت الحج أحرمت ،

    وقد أشعلت بعد الاغتسال نار شوق الوقادة في قلبك وأضرمت ، فاغتبط أيها الوافد على حرم اللّه تعالى فقد استكرمت ، فارفع صوتك بالإهلال ، ملبيا دعوة ذي الجلال ، حتى إذا شارفت مكة الغرّاء ، وأن تجتلي في منصتها العروس الزهراء ،

    فادخل على اسم اللّه وسنّة نبيه من باب بني شيبة ، وقل اللهم صن من لفح نارك هذه الشيبة ، فإذا اكتحلت عيناك بسناء الكعبة البيت الحرام وذهلت ، فهناك استهونت كل مشقة لقيتها في طريقك ، واستسهلت ودنوت حتى وقفت خلف الحجر الأسود ، وجعلته على يسارك وكبّرت ، وقبّلت حيث قبّل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم واستعبرت ، وأخذت في الأشواط الثلاثة بالرمل ، وقد أيقنت ببلوغ أقصى الأمل .
    ثم أكملت بالسعي مأمولك بقية أسبوعك ، فحينئذ تجد برد السلوة عن أوطانك


    “ 183 “

    وربوعك ، ثم اركع ركعتي الطواف خلف المقام ، وادع لمن بعدك بالمقام ، وتعلق بالأستار داعيا عند الملتزم ، وتضلع عند شربك من ماء زمزم ، وانو فيه نيّة من أخلص للّه عمله ، فماء زمزم لما شرب له ، ثم اجعل خروجك على باب الصفا والمروة ، وقف على درجاتها ، وادع بخلاص نفسك ونجاتها ، ثم انحدر في وادي إبراهيم عليه السلام ، فإذا بلغت الميل الأخضر فخذ في الرمل أخذ المجد إذا أحضر ، فإذا أتممت السعي فبادر بالحلاق ، وتجنب التقصير ، فللمحلقين وجبت الدعوة النبوية وجوب استحقاق ، فإن لم تكن معرفا فأخرج متى شئت للتنعيم ، واحرم من مسجد عائشة رضي اللّه عنها بعمرة ، وقل : طوبى لمن أفنى في هذه الأحوال السنيّة ، والمشاعر المرضية ، عمرة ، ولازم الحجر الكريم ، وقف داعيا تحت ميزابه ، وتذكر إخوانك بالدعاء ، وكلما أسلفت من خير تجزى به ، وصلّ على الرخامتين الخضراوين فهما علامتا قبري إسماعيل وأمه هاجر ، وقل : الحمد للّه الذي جعلني ممن انقطع إلى حرمه المعظم وهاجر ، وإذا فتح باب الكعبة المعظمة المكرّمة فكن فيها أول داخل ، وأول خارج ، وهنئ قدميك تربيهما في تلك المدارج وتوخّ مصلى النبي صلى اللّه عليه وسلم متوسلا إلى اللّه ذي المعارج ، واستدع معاينة المقام الكريم عند باب الرحمة ، وقيل فيه ، واشرب ماء زمزم في أثر القدمين المباركين ، فطوبى لمن باشرهما بغية .

    وفي أثناء مقامك تعهد المعاهد الشريفة والآثار ، وحرّك فيها شوقك المثار ، وزر المولد المقدّس المبارك ، واجعل فيه نظرك واعتبارك ، والمم بدار الخيزران وسائر تلك المنازل الشريفة والمواطن .

    وصل بما أمكنك من الصدقة كل ثاو فيها وقاطن ، وزر القبور الطاهرة بالمعلّى ، واعل على جبل أبي قبيس وقيقعان ، فحقّ أن يشرف عليهما ويعلى . واقصد جبل حراء ، واصعد في ذروته ، ففيه رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم أول علامات نبوّته . وارقأ جبل ثور ، ولج الغار ، وتذكر ثاني اثنين إذ هما فيه ، فنفس كل جبل عليه وغار . حتى إذا ظلّ شهر ذي الحجة ، وأحرم وفود اللّه لهلاله ، وبدا كل واحد بإهلاله ، وارتفعت بالتلبية الأصوات في أعقاب الصلوات ، وأقاموا على التلبية ، متأهبين ليوم التروية ، فيا لك من يوم تسابق فيه إلى منى بالصعود ، واستبشروا بمطالع السعود . فتعدّوا منى إلى عرفات ، موقنين برحمة اللّه عز وجل ومنازل الآمن في الغرفات ، مرتفعين عن بطن عرفة ، علما بأن من وقف فيه فقد ذهب حجه عامه ذلك وفات . ثم أصبحوا يوم عرفة وقد جلّلت الأرض فساطيط أهل العراق ، وسائر الآفاق ، كأنها قطع أزهار ذات ألوان ، صنوان وغير صنوان ، تخال البسيطة منها في بستان . فارتقوا جبل الرحمة ، ثم نزلوا إلى دار آدم يسألون ربهم المغفرة والرحمة . وفي أثناء ذلك ابتاعوا قرابينهم المتقبّلة ليأكلوا منها ، ويجعلوا بقاياها على البائس الفقير مسبلة ،


    “ 184 “


    فإذا اغتسلوا وتطهروا للجمع بين الظهر والعصر في مسجد إبراهيم ، فهم أيها الأخ الأكرم في تلك المسالك المباركة وجدا وشوقا فحقّ أن تهيم . وهنالك لا تنس أخاك ، وحاشاك أن تنساه ، وواسه بدعوة ، فمثلك من واساه .

    ثم اجتمعوا مع العشي بإزاء موقف النبي صلى اللّه عليه وسلم عند الصخرات ، وقد ارتفعت بالتهليل والتكبير والتلبية الأصوات ، وأسيلت العبرات ، وصعدت الزفرات ، وأثيرت بازدحام الركائب الغبرات ، وقد واجهوا الكعبة المقدسة واستقبلوها ، ورجوا الرحمة من اللّه عز وجل وأملوها ، واقفين شعثا غبرا ، لا يرى منهم إلا ذو مقلة عبرا ، يتذكرون بذلك الموقف العظيم موقف الحشر فما يستطيعون صبرا ، باسطو أيديهم لمولاهم الكريم الكفيل بارتقابهم ، يتضرعون إليه في فكاك رقابهم ، وحط أوزارهم التي حملوها باحتقابهم ، يباهي بهم اللّه عز وجل ملائكة السماء .

    ويقول : اشهدوا بأني قد رحمتهم فأنا أرحم الرحماء .
    وقد غصّت بذلك الجمع الأرض الأريضة ، والشمس تجنح للغروب مريضة ، حتى إذا وجبت ، حلت الإفاضة ووجبت ، فوصلوا مع الليل جمعا ، وقرنوا به بين المغرب والعشاء جمعا ، ومسجده المبارك قد استنار مشاعل وشمعا ، ولكثرة الضجيج والعجيج لا يستطيع أحد سمعا ، ولا تملك العيون دمعا ، وباتوا يتلفظون ويكسرون حصا الجمار ، وكلّ مسرور بسميره تلك الليلة ، فيا شرف تلك الأسمار ، وعند الأسفار وقفوا داعين ، ثم أفاضوا إلى منى مسرعين ، وأجازوا وادي محسّر بالنّظّ والرّمل ، فائزين من اللّه عز وجل بالصنع الأجمل ، مقتدين بما ورد في ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من العمل ، فرموا جمرة العقبة المحللة ، ونفوسهم منبهجة متهللة ، ثم انقلبوا للحلاق ، والتقرب بالدم المهراق ، إلى المهيمن الخلاق ، وبعد ذلك ساروا الطواف الإفاضة ، لابسين من التقوى خير مفاضة ، ثم عادوا محلّين قد أتموا الحج ، وقضوا الثجّ والعجّ ، وأقاموا متنعمين أيام منى بالأكل والشرب ، وكل منهم قد أصبح آمن السّرب ، يرمون في كل يوم في محصّب الجمار الثلاث إحدى وعشرين جمرة ، والشوق يلهب في أحشائهم جمرة ، وأكثر الناس مع ذلك في بيعهم وشرائهم في غمرة ، وأهل الانقطاع إلى اللّه ، وتجار الآخرة في مسجد الخيف مقيلهم ، وذكر اللّه قيلهم ، يسألون ربهم الإقالة ، والرب بكرمه يقيلهم ، مثابرين على التهليل والتسبيح ، ظافرين بالمتجر الرّبيح ، ملمّين بزيارة موضع الذّبيح ، ثم تعجّلوا في يومين بالنفر ، فهنيئا لك أيها الأخ الكريم كونك في أولئك السفر ، فإذا تأهبت للزيارة الطيبة ، وطفت طواف الوداع ، فاستودع اللّه دينك وأمانتك ، فهو أهل الإيداع ، وسر على بركة اللّه ،


    “ 185 “

    فإذا اجتزت بقبر أم المؤمنين ميمونة بسرف ، فامسك عنانك وقف ، واسكب دمعك فيه رحمة واذرف ، ففي ذلك الموضع كاتبها ، وابتنى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بها ، وفيه قضيت وفاتها ، ومنه تجيء زمرتها الطاهرة ورفاتها ، ثم عج في طريقك على خيمة أم معبد ، فقد حازت بحلول الرفيقين الكريمين فيها شرف الذكر آخر الأبد .

    وإذا جئت بدرا فحيّ شهداءه بالسلام ، فهو أول مشهد نصر اللّه فيه الإسلام ، حتى إذا بدت لك أعلام المدينة ، فأبشر باحتلالك البلد الذي أظهر اللّه فيه دينه ، فإذا مررت بمسجد ذي الخليفة فعرّج عليه ولا تعرج عنه ، وحيّه بركعتين فهو المسجد المبارك الذي أحرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منه ، حتى إذا جزت وادي العقيق فهنالك انزل وامش كرامة لمن حل في ذلك المنزل ، وادخل على اسم اللّه ، وعليك الوقار والسكينة ، واكس الخضوع والخشوع نفسك المسكينة ، فإذا دخلت مسجد الشفيع الرفيع فاقصد بعد ركعتي التحية روضة سيد دار السلام بالسلام ، وأمثل قبالة وجهه الكريم ، وحيّه صلى اللّه عليه وسلم بأفضل التسليم ، والزم هنالك أدب التوقير والتعظيم ، وقف ، وإياك أن تلمس الجدار وتلثم ، فقد نهى عن ذلك ، ولعلّ فاعله أن يأثم ، وسلم على الصديق ، والفاروق ، وزيريه وصاحبيه ، وقم كالمسين بين الكريمتين يديه ، فغدا ترجو الشفاعة لديه ، وإنه سلام أولئك إليه صلى اللّه عليه وسلم ، وحافظ على الصلاة بين قبره ومنبره عليه السلام ، فبينهما روضة من رياض الجنة ، وألمس الدرجة المباركة الباقية من المنبر الكريم موقف القدمين المقدّستين ، واتخذ التبرّك بلمسها جنة ، وطف على تلك المنازل الكريمة والديار ، واستقر مواطن البررة الأخيار ، وزر قبور أمهات المؤمنين وروضة العباس والحسن رضوان اللّه عليهم أجمعين ببقيع الفرقد ، وإن أضرم الوجد عليهم نار الحزن بين جوانحك وأوقد ، وحدّث نفسك باللحاق السريع بهم فكان قد عرّج في آخر البقيع على روضة ذي النورين عثمان بن عفان ، ومل إلى روضة فاطمة بنت أسد أم علي السابق إلى الإيمان ، ولا تنس عن يسارك إذا خرجت على باب البقيع قبر العمة الطاهرة صفية ، أم الزبير الذي كان حواري الرسول صلى اللّه عليه وسلم وصفية ، وامش إلى قباء مظهر الأسوة برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والاقتداء ، وزر بأحد عم المصطفى حمزة والشهداء ، فإذا أذن بالارتحال ، فأمل أن تجمع في الزيارة بين المساجد الثلاثة التي لا تشدّ إلا إليها الرحال ، مؤثرا سلوك المحجة البيضاء من السنّة ، ملتمسا بركة الحديث المأثور : « من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على اللّه الجنة » ، والضامن ملي ، وهو صلى اللّه عليه وسلم بالمؤمنين ولي ، فاعمل ركابك إلى المسجد الأقصى ، واستقصي الطواف بجميع آثاره المقدسة ، فمثلك من استقصى ، وإن استطعت الإحرام منه أولا ، فهو أفضل عمل صالح يدّخر ، وقد ورد فيه حديث بمغفرة ما تقدم من الذنب وما تأخر ، حيث اختص المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بالإسراء ، وعرج


    “ 186 “

    به إلى السماء ، بعد أن صلى فيه بجميع الأنبياء ، وتبرّك بالصخرة المقدسة ، فمنها كان معراج سيد البشر ، وصلي خلفها ، فهي المكان القريب الذي ينادي المنادي منه للمنشر والمحشر ، وادخل قبة السلسلة واركع فيها ، وادع لنفسك ونفوس إخوانك بتداركها بالتوبة وتلافيها ، وصلّ في محراب زكريا ، وإياك والرياء ، وفي محراب مريم حيث دخل عليها فوجد الرزق من اللّه لديها ، وأرق في محراب داود حيث كان تسوّر الخصم ، وصلّ فيه متوسلا إلى اللّه بشرف ذلك الاسم ، وواصل بالزيارة مبدئا لها ومعيدا ، موضع نزول المائدة التي كانت لبني إسرائيل آية وعيدا ، وأسمعوا على الكفر بعد نزولها وعيدا ،

    ولا تمش في جميع تلك الأرض المقدسة إلا بانكسار واستحياء ، فإنك لا تخطو فيها خطوة إلا على مواطئ أقدام الأنبياء ، ولا تنس أن تتطهر في عين سلوان ، واذكر فيه من لم يحدّث نفسه عنك بسلوان ، ثم أخذت للخليل في الرحيل ، فابدأ في أول طريقك بقبر راحيل ، ثم بمولد المسيح ، وموضع مهده ،
    وسل من اللّه قبول مساعيك ، واستعنه واستهده ، واعطف على موضع جذع النخلة الذي هزّت به مريم فأسقط عليها رطبا جنيّا فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ، ثم المم في طريقك ، وحق لك الإلمام ، بقبر يونس ولوط عليهما السلام ، فإذا انتهيت إلى قبر الخليل ، وقبر إسحاق ويعقوب ، وقد حننت إليهم حنين الرقوب ، فهنالك تقبّل مزارك ، وتحط إن شاء اللّه أوزارك ، وخارج ذلك الحرم الخليلي على ما يذكر قبر يوسف الصديق ، واللّه أعلم بالتحقيق ،

    فإذا قضيت بحول اللّه عز وجل وقوته من زيارة جميع تلك الآثار المقدسة إربك ، فلا تذكر بعدها مغربك ، فقد منّ اللّه عليك بتجديد عهد الوفادة عليها ، والنظر إليها ، وما ذكرتها لك على هذا النسق إلا تبرّكا بذكراها ، وتشوّقا للعودة الثالثة عسى نجدد العهد الكريم بها وأراها ، واستطابة للحديث معك فيها لأنك تعرف بالمعاينة معناها ، وليس من درى حقيقة الشيء كمن لا يدريه ، وأين شوق آدم للجنة من شوق بنيه ؟

    فعد إلى حرم اللّه العظيم ، وألق فيه عصا تسيارك ، وقر عينا بمآل اختيارك ، وأقم بقية عمرك فيه مستوطنا ، والنية الصادقة الخالصة للّه عز وجل مستبطنا ، وقل رب تركت من إخواني عبيدا مشتاقين للعودة إلى حرمك ، متوسلين إليك في ذلك بفضلك وكرمك ، فسهّل بعزّتك وقدرتك مرامهم ، وسكّن بالوصول إلى كعبتك المقدسة المشرّفة غرامهم ،
    وعرّفهم معاهدهم الكريمة بعرفات ، والمشعر الحرام ،
    وشرّفهم بالمثول فيها قبل أن تقضي على مدتهم بالانصرام ،
    وتفجأ أعمارهم قواطع الاخترام ، إنك سبحانك مولى المنن الجسام ، ومقدّر الحظوظ السنيّة لعباده والأقسام ، واقرأ عليك أيها الأخ الأسنى ، المختوم له إن شاء اللّه بالحسنى ، سلاما أعطر من الزهر عند الابتسام ، يتلقاه مسك دارين بالتنشق والابتسام ، ورحمة اللّه وبركاته .

    “ 187 “



    وصية نبوية
    روينا من حديث الهاشمي فيما يرويه من حديث أبي ذرّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال لرجل يوصيه :

    « أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر ، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت ، وقدم مالك أمامك يسرّك اللحاق به ، واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب ، ولا تتشاغل عما فرض عليك بما قد ضمن لك ، إنه ليس بفنائك ما قسم لك ، ولست بلاحق ما زوي عنك ، فلا تك جاهدا فيما يصبح نافدا ، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه » .
    ومن حديثه أيضا عن ابن عباس قال :
    قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « ما سكن حبّ الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث : شغل لا ينفك عناه ، وفقر لا يدرك غناه ، وأمل لا ينال منتهاه . إن الدنيا والآخرة طالبتان ومطلوبتان ، فطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه ، وطالب الدنيا تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه . ألا وإن السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفد عذابها ، وقدم لما يقدم عليه فيما هو الآن في يديه ، قبل أن يخلفه لمن سعد بإنفاقه ، وقد شقى هو بجمعه واحتكاره » .
    روينا من حديث محمد بن العماد قال : كنا يوما عند إسحاق بن نجيح ، وعنده جارية يقال لها شادن ، موصوفة بجودة ضرب العود ، وشجو صوت ، وحسن خلق ، وظرف مجلس ، وحلاوة وجه .



    فأخذت العود وغنّت :
    ظبيّ تكامل في نهاية حسنه * فزها ببهجته وتاه بصده
    والشمس تطلع من فرند جبينه * والبدر يغرب في شقائق خده
    ملك الجمال بأسره فكأنما * حسن البرية كلها من عنده
    يا رب هب لي وصله وبقاءه * أبدا فلست بعائش من بعده

    فطارت عقولنا وذهبت ألبابنا من حسن غنائها وظرفها ، فقلت : يا سيدتي ، من هذا الذي تكامل في الحسن والنّهى سواك ؟ فقالت :
    فإن بحت نالتني عيون كثيرة * وأضعف عن كتمانه حين أكتم

    يحكى عن الخنساء أنها دخلت على عائشة وعليها صدار من شعر ، فقالت لها عائشة رضي اللّه عنها : أتتخذين الصدار وقد نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال : يا أم المؤمنين ، إن

    “ 188 “

    زوجي كان متلافا منفقا ، فقال لي : لو أتيت معاوية فاستعنت به ، فخرجت ، فلقيني صخر ، فأخبرته ، فشاطرني ماله ثلاث مرت ، فقالت امرأته : لو أعطيتها من شرارها يعني الإبل ،

    فقال :
    واللّه لو أمنحها شرارها * وهي حصان قد كفتني عارها
    وإن هلكت مزّقت خمارها * واتخذت من شعر صدارها


    فلما هلك صخر اتخذت هذا الصدار ونذرت أن لا أضعه حتى أموت .
    حدثنا بعض مشايخنا من أهل الأدب ، قال عمرو : قال بعضهم : رأيت أعرابية بالتياح ، فقلت لها : أنشديني ، قالت : نعم ورب الكعبة ، قلت : فأنشديني ، فأنشأت :
    لا بارك اللّه فيمن كان يخبرني * أن المحب إذا ما شاء ينصرف
    وجد المحب إذا ما بان صاحبه * وجد الصبيّ بثديي أمه الكلف

    فقلت : فأنشديني من قولك ، فقالت :
    بنفسي من هواه على التنائي * وطول الدهر مؤتلف جديد
    ومن هو في الصلاة حديث نفسي * وعدل الروح عندي بل يزيد

    فقلت لها : إن هذا الكلام ممن قد عشق ، فقالت : وهل يعرى من ذلك من له سمع أو قلب ؟ ثم أنشدتني :
    ألا بأبي واللّه من ليس شافعي * بشيء ومن قلبي على النأي ذاكره
    له خفقان يرفع الجنب كالشجا * ويقطع أزرار الجريان ثائره
    وروينا من حديث عمر بن يزيد الأسدي قال : مررت بخرقاء صاحبة ذي الرمّة ، فقلت لها : هل حججت قط ؟ فقالت : أما علمت أني منسك من مناسك الحج ؟ ما منعك أن تسلّم عليّ ؟ أما سمعت

    قول عمك ذي الرمة وهو ينشد :
    تمام الحج أن تقف المطايا * على خرقاء واضعة اللثام

    فقلت لها : قد أثر فيك الدهر ، قالت : أما سمعت قول عمك العجيف العقيلي :
    وخرقاء لا تزداد إلا ملاحة * ولو عمّرت تعمير نوح وحلت

    قال : ورأيتها وإن فيها المباشرة ، وإن ديباجة وجهها لطريّة كأنها فتاة ، وإنها لتزيد يومئذ على المائة . وشبب بها ذو الرمة وهي ابنة ثمانين سنة .
    حدثني أبو ذرّ بإشبيلية أن سبب أن سميت الخرقاء وهي ميّ ، وسمي ذو الرمة وهو غيلان ، أن رآها يوما فتعرّض إليها وبيده حبل بال لتعمل له نعله ، وكان قد انتقض ، وأراد


    “ 189 “

    بذلك الكلام معها ، فقالت له : إني خرقاء يا ذا الرمة ، أي لا أحسن العمل . والخرقاء : التي لا تحسن العمل ، والصناع ضدها . والرمة : الحبل البالي . فجرى عليهما هذان الاسمان إلى هذا اليوم .

    وروينا من حديث الهاشمي يبلغ به النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :
    « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وأعدد نفسك في الموتى . وإذا أصبحت نفسك فلا تحدثها بالمساء ، وإذا أمسيت فلا تحدثها بالصباح . وخذ من صحتك لسقمك ، ومن شبابك لهرمك ، ومن فراغك لشغلك ، ومن حياتك لوفاتك ، فإنك لا تدري ما اسمك غدا » .

    قال بعض الأعراب : الموت يقتحم على ابن آدم كاقتحام الشيب على الشباب ، ومن عرف الدنيا لم يفرح بها ولا بزخارفها ، ولم يحزن فيها على بلوى ، ولا طالب أغشم من الموت ، ومن عطف عليه الليل والنهار أردياه ، ومن وكل به الموت أفناه .

    أصيب الحجاج بمصيبة وعنده رسول لعبد الملك بن مروان ، فقال : ليت أني وجدت إنسانا يخفف مصيبتي ، فقال له الرسول : أأقول ؟ قال : قل ، قال : كل إنسان مفارق صاحبه بموت أو بصلب أو بنار تقع عليه من فوق البيت ، أو يقع البيت عليه ، أو يقع في بشر ، أو يغشى عليه ، أو يكون شيء لا يعرفه . فضحك الحجاج وقال : مصيبتي في أمير المؤمنين أعظم حين وجّه مثلك رسولا .

    قال عبد اللّه بن المعتز : أهل الدنيا كصور في صحيفة كلما نشر بعضها طوي بعضها . وقال أيضا : أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام . ينظر هذا إلى قول الآخر :
    فسيرك يا هذا كسير سفينة * بقوم جلوس والقلاع تطير

    وقال الآخر : طلاق الدنيا مهر الجنة . وسئل أعرابي عن حال الدنيا ، فقال : هي جمة المصائب ، رتقة المشارب ، لا تمتع صاحبا بصاحب قال أبو الدرداء : ما أنصف الدنيا ، ذمّت بإساءة المسئ فيها ، ولم تحمد بإحسان المحسن فيها . غير أنه قال يوما : من هوان الدنيا على اللّه أنه لا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها . وهو الذي يقول فيها أيضا : إذا أقبلت الدنيا على امرئ أعارته محاسن غيره ، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه .

    وروينا من حديث الطفيل بن عامر العامري قال : خرجت يوما أريد الغارة ، وكنت رجلا أحب الوحدة ، فبينما أنا أسير إذ ضللت الطريق التي أردت ، فسرت أياما لا أدري أين


    “ 190 “

    التوجّه حتى نفذ زادي ، فجعلت آكل الحشيش وورق الشجر حتى أشرفت على الهلاك ، ويئست من الحياة . فبينما أنا أسير إذ بصرت بقطيع غنم في ناحية من الطريق ، فملت إليها فإذا أنا بشاب حسن الوجه فقال : يا ابن العم ، أين تريد ؟ فقلت : أردت حاجة لي في بعض المدن ، وما أحسست بنفسي إلا وقد ضللت عن الطريق . قال : أجل ، إن بينك وبين الطريق مسيرة أيام ، فانزل حتى تستريح وتطمئن ، وتريح نفسك وفرسك . فنزلت ، ورمى لدابتي حشيشا ، وجاءني بثريد كثير ولبن ، ثم قام إلى كبش فذبحه ، وأجّج نارا ، وجعل يكبّب لي ويطعمني حتى اكتفيت .

    فلما جنّ الليل قام وفرش لي .
    ثم قال : قم فأرح نفسك ، فإن النوم أذهب لتعبك ، وأرجع لنفسك .
    فقمت ووضعت رأسي ، فبينما أنا نائم إذ أقبلت جارية لم تر عيناي مثلها قط حسنا وجمالا ، فقعدت إلى الفتى ، وجعل كل واحد منهما يشكو إلى صاحبه ما يلقى من الوجد به ، فامتنع عليّ النوم بحسن حديثهما .



    فلما كان في وقت السحر قامت ورجعت إلى منزلها . فلما أصبحت دنوت منه ، فقلت له : من الرجل ؟ قال : أنا فلان ابن فلان فانتسب لي فعرفته ، فقلت : ويحك ، إن أباك لسيّد قومك ، وما حملك على وضع نفسك في هذا المكان ؟

    فقال : أنا واللّه أخبرك ، كنت عاشقا لابنة عمي هذه التي رأيتها ، وكان هي أيضا لي وامقة ، فشاع خبرنا في الناس ، فأتيت عمي أن يزوّجنيها ، فقال : واللّه يا بني ما سألت شططا ، وما هي بأبرّ عنك ، ولكن الناس قد تحدثوا بشيء ، وعمك يكره المقالة القبيحة ، ولكن انظر غيرها في قومك حتى يقوم عمك بالواجب لك .

    فقلت : لا حاجة لي فيما ذكرت ، وتحمّلت عليه بجماعة من قومي فردّهم . وزوّجها رجلا من ثقيف له رئاسة وقدر ، فحملها إلى هاهنا ، وأشار بيده إلى خيم كثيرة بالقرب منا ، فضاقت عليّ الأرض برحبها ، وخرجت في أثرها ، فلما رأتني فرحت فرحا شديدا ، فقلت لها : لا تخبري أحدا بي منك بسبيل . ثم أتيت زوجها ،

    فقال : أنا رجل من الأزد ، أصبت دما ، وإني خائف ، وقد قصدتك لما يعرف من رغبتك في اصطناع المعروف . ولي بصر بالغنم ، فإن رأيت أن تعطيني من غنمك فأكون في جوارك وكنفك فافعل .

    قال : نعم وكرامة ، فأعطاني مائة شاة ، وقال لي : لا تبعد بها عن الحي ، وكانت ابنة عمي تخرج في كل ليلة في الوقت الذي رأيت وتنصرف ، فلما رأى حسن حال الغنم أعطاني هذه ، فرضيت من الدنيا بما ترى .

    قال : فأقمت عنده أياما ، فبينما أنا نائم إذ نبّهني وقال : يا أخا بني عامر ، قلت له : ما




    “ 191 “



    شأنك ؟ قال : ابنة عمي قد أبطأت ولم تكن هذه عادتها ، وما أظن ذلك إلا لأمر حادث .

    وأنشأ يقول :

    ما بال ميّة لا تأتي لعادتها * هل هاجها طرب أو صدّها شغل

    لكن قلبي لا يغنيه غيركم * حتى الممات ولا لي غيركم أمل

    أو تعلمين الذي بي من فراقكم * لما اعتذرت ولا طالك بك العلل

    نفسي فداؤك قد أحللت بي حرقا * تكاد من حرّها الأنفاس تنفصل

    لو كان غادية مني على جبل * لزلّ وانهدّ من أركانه الجبل



    قال الطفيل : فو اللّه ما اكتحل بغمض حتى انفجر عمود الصبح ، وقام ومرّ نحو الحي ، فأبطأ عني ساعة ، ثم أقبل ومعه شيء يحمله ، وجعل يبكي عليه ، فقلت له : ما هذا ؟ فقال : هذه ابنة عمي افترسها السبع ، فأكل بعضها ووضعها بالقرب مني فأوجع واللّه قلبي ، ثم تناول سيفه ، ومرّ نحو الحي فأبطأ هنيهة ، ثم أقبل إليّ وعلى عاتقه ليث كأنه حمار ، فقلت : ما هذا ؟ قال : صاحبي ، قلت : وكيف عملت به ؟

    قال : إني قصدت الموضع الذي أصابها فيه ، وعلمت أنه سيعود إلى ما فضل منها ، فجاء قاصدا إلى ذلك الموضع ، فعلمت أنه هو فحملت عليه ، فقتلته . ثم قام فحفر في الأرض ، فأمعن وأخرج ثوبا جديدا ،

    وقال : يا أخا بني عامر ، إذا أنا متّ فأدرجني معها في هذا الثوب ، ثم ضعنا في هذه الحفرة ، وهلّ التراب علينا ، واكتب هذين البيتين على قبرنا :

    كنا على ظهرها والعيش في مهل * والدهر يجمعنا والدار والوطن

    فخاننا الدهر في تفريق الفتنا * فاليوم يجمعنا في بطنها الكفن



    ثم التفت إلى الأسد فقال :

    ألا أيها الليث المدلّ بنفسه * هبلت لقد جرّت يداك لنا حزنا

    وغادرتني فردا وقد كنت آلفا * وصيّرت آفاق البلاد لنا سجنا

    أأصحب دهرا خانني بفراقها * معاذ إلهي أن أكون له خدنا



    وقال : يا أخا بني عامر ، إذا فرغت من شأننا ، فصح في إدبار هذه الغنم ، فردّها إلى صاحبها . ثم قام إلى شجرة فاختنق حتى مات ، فقمت ، فأدرجتهما في ذلك الثوب ، ووضعتهما في تلك الحفيرة ، وكتبت البيتين على قبرهما ، ورددت الغنم على صاحبها .



    وسألني القوم عن الرجل ، فأخبرتهم الخبر ، فخرج جماعة منهم فقالوا : واللّه لننحرنّ عليه تعظيما له . فخرجوا ، وأخرجنا مائة ناقة ، وتسامع بنا الناس ، فاجتمعوا إلينا فنحرنا ثلاثمائة ناقة ، وانصرفنا .




    “ 192 “



    كتب جعفر بن محمد الأشعث إلى يحيى بن خالد يستعفيه من العمل : شكري لك على ما أريد الخروج منه شكر من سأل الدخول فيه .

    وحدثنا بعض الأدباء ، قال : كتب علي بن هشام إلى إسحاق بن إبراهيم الموصلي :

    ما أدري كيف أصنع ؟ أغيب فأشتاق ، وألقى فلا أشتفي . ثم يحدث لي اللقاء إذا طلبت منه الشفاء نوعا من الحرقة للوعة الفرقة .

    وحدثنا محمد بن سعيد : قال رجل من قريش لخالد بن صفوان : ما اسمك ؟ قال :

    خالد بن صفوان بن الأهتم . قال : إن اسمك لكذب ، ما أنت بخالد ، وإن أباك لصفوان ، وهو حجر ، وإن جدك الأهتم ، والصحيح خير من الأهتم . قال له خالد : من أي قريش أنت ؟ قال : من عبد الدار بن قصي بن كلاب ، قال : لقد هشمتك هاشم ، وأمتك أميّة ، وجمحت بك جمح ، وخزمتك مخزوم ، واقتصتك قصيّ ، فجعلتك عبد دارها ، تفتح إذا دخلوا ، وتغلق إذا خرجوا .

    وحكي عن شهرام المروزي أنه جرى بينه وبين أبي مسلم صاحب الدولة كلام ، فما زال أبو مسلم يحاوره إلى أن قال شهرام : يا لقطة .

    فصمت أبو مسلم ، وندم شهرام على ما سبق به لسانه ، وأقبل معتذرا وخاضعا ومتنصلا . فلما رأى ذلك أبو مسلم قال : لسان سبق ، ووهم أخطأ ، وإنما الغضب شيطان ، والذنب لي ، لأني جرأتك على نفسي بطول احتمالي منك ، فإن كنت متعمدا للذنب فقد شركتك فيه ، وإن كنت مغلوبا فالعذر سبقك ، وقد غفرنا لك على كل حال .

    قال شهرام : أيها الملك ، عفو مثلك لا يكون غرورا . قال : أجل . قال : وإن عظيم ذنبي أن تدع قلبي يسكن . وألحّ في الاعتذار ، فقال أبو مسلم : فيا عجبا ، كنت تسيء وأنا أحسن إليك ، فإذا أحسنت أسأت .

    روينا عن بعض إخواننا من أهل الأدب أن سليمان بن عبد الملك كان سبب موته أن استدعى يوما الجارية التي كانت على خزانة ملابسه ، فقال لها : ائتيني اليوم بثياب صفر .

    فأتته بحلّة صفراء ، وعمامة صفراء ، وطيلسان أصفر ، من أحسن ما يكون . فتنظّف ، ولبس ، وتطيّب ، واستدعى صاحبة الوجه ، واستدعى بالمرآة ، فرأى وجهه وما عليه من البزّة الفاخرة ونضارة الملك ، فأعجبته نفسه ، وقال : واللّه لأخرجن اليوم على الناس ، وأصعد على المنبر ، وأتكلم من أحسن الكلام ، وما يليق بهذه الحالة .

    وخرج يتبختر في مشيته زهوا وعجبا بنفسه ، فتعرضت له جارية يعرفها من جواريه ،




    “ 193 “



    فخدمت ، وسلّمت ، وقالت : ما أحسن هذه الحالة التي أنت فيها ، لو تمّ ، ثم أنشدت :

    ليس فيما بدا لنا منك عيب * عابه الناس غير أنك فان

    أنت نعم المتاع لو كنت تبقى * غير أن لا بقاء للإنسان



    فقال لها سليمان : يا فلانة ، ما حملك على هذا في هذا الوقت ؟ وتغيّر عليه الحال .

    ثم إنه أكذب نفسه ، وتحامل على عقله بهواه ، ومضى لوجهه ، حتى خرج على قومه في زينته ، فأعجب الناس به ، وصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه بصوت يستوي في سماعه أقصى من في المجلس وأدناه ، وأبلغ وأسهب فأعجب ، وأوجز فأعجز . فبينما هو في أطيب ما يكون من الكلام أخذته الحمى ، فتحامل عليها ، فما زالت تخفض في صوته إلى أن سقط مغشيا عليه . ثم أفاق ، فحمل إلى منزله ورجلاه تخطّ في الأرض ضعفا ، وقوة من مرض . فلما دخل منزله استدعى الجارية التي تعرّضت له عند خروجه بالبيتين في صحن الدار ، فحضرت بين يديه ، فقال لها : يا فلانة ، أعيدي عليّ ما قلت عند خروجي .

    فقالت له : يا سيدي ، ما أعرف ما تقول ، واللّه ما تعرضت إليك ، وكيف أجرؤ على التعرض إليك في صحن الدار وليست مرتبتي ؟ فعلم سليمان أن نفسه نعيت له ، فأوصى ، فلبث أياما ومات .



    مثل سائر

    أوفى من أمّ جميل ، وهي دوسية من قبيلة أبي هريرة رضي اللّه عنه ، فذكر أهل الأدب من وفائها أن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي قتل رجلا من الأزد ، فبلغ ذلك قومه بالسّراة ، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهريّ ليقتلوه ، فعدا حتى دخل بيت أم جميل وعاذ بها ، فقامت في وجوههم ، ودعت قومها فمنعوه لها . فلما ولّي عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ظنت أم جميل أنه أخو ضرار بن الخطاب ، فأتته بالمدينة . فلما انتسبت عرف القصة ، فقال : يا أم جميل ، لست بأخيه إلا في الإسلام ، وقد عرفنا منّتك عليه . فأعطاها على أنها ابنة سبيل .



    وأما وفاء السموأل بن عاديا ، فذكر أهل الأدب من وفائه أن امرأ القيس بن حجر لما أراد الخروج إلى قيصر استودع السموأل دروعا له ، فلما مات امرؤ القيس بأنقرة ، غزا السموأل ملك من ملوك الشام ، فتخوّر منه السموأل ، فأخذ الملك ابنا له وصاح به : يا سموأل ، هذا ابنك في يدي ، وقد علمت أن امرأ القيس ابن عمي ، وأنا أحق بميراثه ، فإن دفعت إليّ الدروع ، وإلا ذبحت ابنك ، قال : أجّلني ، فأجّله . فجمع أهل بيته ، فشاورهم




    “ 194 “



    فكلهم أشاروا بدفع الدروع وأن يستنقذ ابنه . فلما أصبح أشرف فقال : ليس إلى دفع الدروع سبيل ، فاصنع ما أنت صانع . فذبح الملك ابنه وهو ينظر إليه ، وكان يهوديا .

    وانصرف الملك ، ووافى السموأل بالدروع الموسم ، فدفعها إلى ورثة امرئ القيس . وقال في

    ذلك شعرا :

    وفيت بأدرع الكنديّ إني * إذا ما خان أقوام وفيت

    وقالوا عنده كنز وعيب * ولا وأبيك أعذر ما مشيت

    بنى لي عاديا حصنا حصينا * وبئرا كلما شئت استقيت



    وفي ذلك يقول الأعشى :

    كن كالسموأل إذ طاف الهمام به * في عسكر كسواد الليل جرّار

    خيّره خطّتا خسف فقال له * اختر وما فيهما حظ لمختار

    فشكّ غير بعيد ثم قال له * اذبح أسيرك إني مانع جاري



    وروينا من حديث الشعبي ، قال : قالت أم البنين ابنة عبد العزيز ، وهي أخت أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه ، وكانت تحت الوليد بن عبد الملك : لو كان البخل قميصا ما لبسته ، أو طريقا ما سلكته . وكانت تعتق في كل يوم رقبة ، وتحمل على فرس في سبيل اللّه . وكانت تقول : البخل كل البخل من بخل على نفسه بالجنة .



    أخبرني أبو القاسم البخاري ، قال : أخبرني أبو عبد اللّه الغزّال بالمرية قال : سمعت أبا العباس بن العريف الصنهاجيّ ، عارف وقته ، يقول : ليس السخي من يسخى بماله ، إنما السخي من يسخى بنفسه على العلم .



    في الحكمة

    ثواب الجود : خلف ، ومحبة ، ومكافأة . وثواب البخل : حرمان ، وإتلاف ، ومذمّة .
    سئل الإسكندر : ما أكبر ما شيّدت به ملكك ؟ قال : ابتداري إلى اصطناع الرجال والإحسان إليهم .
    وكتب أرسطاطاليس : يا إسكندر ، اعلم أن الأيام تأتي على كل شيء فتخلقه ، وتخلق آثاره ، وتميت الأفعال ، إلا ما رسخ في قلوب الناس . فأودع قلوبهم محبة أبدية تبقي بها حسن ذكرك ، وكريم أفعالك ، وشرف آثارك .




    “ 195 “



    جاء الشاعر السبتي من قرطبة إلينا إلى إشبيلية ، وكان صاحب ديوان بها أبو عبد اللّه بن تاكفت رحمه اللّه ، فلم يجد من ينزله ، فكتب إلى صاحب الديوان أبياتا :
    أتجعل بالفرزدق والكميت * وفي قيد الحيا شعر السبيتي
    يروّعني بشعرهما أناس * وجهلا روّعوا حيا بميت
    لئن أسكنتني بيتا رفيعا * لتسكن من ثنائي ألف بيت
    فأمر له صاحب الديوان بمنزله ، ونزل وأخصب عليه . فلقيته فسألته فشكر حاله .


    حكمة
    قال إبراهيم عليه السلام : وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، قالوا : الثناء الحسن .
    لما قدّم بزرجمهر إلى القتل قيل له : إنك في آخر وقت من أوقات الدنيا ، وأول وقت من أوقات الآخرة ، فتكلم بكلام تذكر به . فقال : أي شيء أقول ؟ الكلام كثير ، ولكن إن أمكنك أن تكون حديثا حسنا فافعل .

    وأنشدنا بعض إخواننا قال : أنشدنا أبو القاسم بن فيرة الشاطبي قال : أنشدنا أبو العباس أحمد بن مسعود القيسي قال : أنشدنا أبو عامر بن حبيب ، عن أبي الحسن بن مفوز ، عن أبي عامر بن عبد البر ، عن عبيد اللّه بن عبد الرحمن بن الفرضي لنفسه :
    ما يشتهي قرب السلاطين * غير ضعيف العقل مغبون
    لا تكذبن عنهم فما صحبهم * منهم على دنيا ولا دين
    دنياهم بالخزي موصولة * فلا تسل عن دين مفتون
    لا رأي لي في نيل دنياهم * حسبي بأن يسلم لي ديني

    أخبرني بعض الحكماء قال : شكى رجل إلى أياس بن معاوية كثرة ما يهب ، ويصل به الناس ، وينفق . فقال : إن النفقة داعية الرزق . وكان جالسا على باب فقال للرجل : أغلق هذا الباب ، فأغلقه ، فقال : هل يدخل فيه الريح ؟
    قال : لا . قال : فافتحه ، ففتحه ، فجعلت الرياح تخترق في البيت .
    فقال : هكذا الرزق ، أغلقت فلم يدخل الريح ، فكذلك إذا أمسكت لم يأتك الرزق .
    حدثنا بعض شيوخنا قال : تنازع في الضيافة رجل عربي وآخر فارسي .
    فقال الأعرابي : نحن أقرى للضيف . قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأن أحدنا لا يملك إلا بعيرا ، فإذا


    “ 196 “

    حلّ به ضيف نحره له . فقال الفارسي : فنحن أحسن مذهبا في القرى منكم . قال : وما ذاك ؟ قال : نحن نسمي الضيف مهمان ومعناه أنه أكبر من في المنزل والمكان .
    أخبرنا عبد الرحمن بن ميمون ، أنا أبو القاسم الرعيني قال : كان شيخنا أبو محمد عليم بن هانئ العمري من أشدّ الناس انقباضا عن أهل الدنيا ، وكان كثيرا ما ينشد الأبيات المنسوبة إلى الفقيه


    الإمام يونس بن مغيث :
    أقرّ إليك من ظلمي لنفسي * وسلّمني العبيد وأنت أنسي
    لقاؤك مأملي وبك افتخاري * وذكرك في الدّجى قمري وشمسي
    قصدت إليك منقطعا غريبا * لتؤنس وحدتي في قعر رمسي
    وللعظمى من الحاجات عندي * قصدت وأنت تعلم سرّ نفسي

    قال الشاطبي : ودخلت عليه رضي اللّه عنه عقيب عيد الفطر فقال لي : مرّ عليّ أمس بعض الأمراء في مركب فاخر وملبس باهر والناس يغبطونه بذلك . فقلت أبياتا وهي :
    محالات تجرّ إلى محال * وأحوال تحول بكل حال
    ملابس قد تبدّل ثم تبلى * وأجسام تؤول إلى اضمحال
    فناء عاجل لو يقض مرّت * وكل إقامة تالي ارتحال
    فما المغبوط من ركب المطايا * بعزّ أو تسربل في الجمال
    ولكنّ المغبّط من تردّى * بثوب الذلّ رهبة ذي الجلال
    فإن شئت البقاء بلا نفاد * وعزّ لا يكدّر بالزوال
    فمت حيا تعش حيا وميتا * وتنعم بالكواعب في الظلال
    وقم في الليل ويحك مستكنّا * وقل يا سيّدي اسمع مقالي
    حياتي في الذي تدري وموتي * وجود الهجر من بعد الوصال
    فنائي في بقائي لي بقاء * وأن يفنى فنائي لا أبالي
    أجرني أن أرى نفسي أعذني * حبيبي أن يخيّل لي خيالي
    وجد بالمجدّ ويحك في جهاد * وبع ما شئت مبخوسا بغالي

    قال الشاطبي : كان سبب موت هذا السيد أنه اضطرّ إلى الاجتماع بالسلطان في نازلة نزلت به ، فسار إليه ، فلما جاء البلد الذي السلطان فيه ، خلا بنفسه في ليلة جمعة ، فصلى بسورة فيها سجدة ، فلما سجد سأل ربه الموت ولا يجتمع بالسلطان ، فانقطع كلامه وهو ساجد ، فرفع وهو كذلك ، فلبثت يومين وهو لا يتكلم ، ومات . وكان هذا الشيخ قد نهبت داره ، فجعل يبكي ، فاجتمع إليه الفقهاء والأدباء يصبّرونه ، ويهوّنون عليه ما جرى . فقال

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 14:12