..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 21

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:26

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 21
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 304 “



    نادى اللّه موسى بن عمران : يا ابن عمران ، لا تخيب من قصدك ، وأجر من أجارك . قال :
    بينما موسى عليه السلام في سياحته ، إذا بجارح يطلب حماما ، فلما رآه الحمام نزل على كتفه مستجيرا له ، ونزل الجارح على الكتف الآخر ، فلما همّ به الجارح نزل الحمام على كمه ، فناداه الجارح بلسان فصيح : يا ابن عمران ، إني قاصدك فلا تخيبني ، ولا تحل بيني وبين رزقي . وناداه الحمام : يا ابن عمران ، إني مستجير بك فأجرني .
    فقال : ما أسرع ما ابتليت به ، ثم مد يده ليقطع قطعة من فخذه للجارح وفاء لهما وحفظا لما عهد إليه فيهما .
    فقالا : يا ابن عمران ، إنّا رسل ربك إليك ليرى صحة ما عهد إليك .

    شعر :
    أيا سامعا ليس السماع بنافع * إذا أنت لم تفعل فما أنت سامع
    إذا كنت في الدنيا عن الخير عاجزا * فما أنت في يوم القيامة صانع


    وقال آخر :
    لما غلبت وزاد الشوق في ألمي * وقفت للذكر مغلوبا على قدمي
    ولو قدرت جعلت العين لي قدما * يا ذا التفضل والآلاء والكرم
    أشتاق ذكرك والتعظيم يمنعني * والشوق يملأ ألفاظي به وفمي
    فها أنا بين شوق لا أقوم به * وبين حسرة مغلوب ومحتشم


    وقال آخر :

    إن قلت عبدك لم أطق نطقا به * خوفا من الزلّات والعصيان
    فالعبد يبذل في التقرّب جهده * لا يستطيع تجاوز الإمكان
    فارحم بفضلك زلّتي وتحيّري * وصل التجاوز منك بالإحسان

    سمعت محمد بن قاسم ، قال : سمعت عمر بن عبد المجيد ، قال بعض السادة :
    رأيت رجلا في تيه بني إسرائيل قد لوّحته العبادة ، حتى صار كالشن البالي ، فقلت له : ما الذي بلغ بك هذه الحالة ؟ فنظر إليّ منكرا لسؤالي ، وقال : ما أظنك من جملة الأحبّاء . هذا ثقل الأوزار ، وخوف النار ، والحياء من الملك الستّار .

    شعر :

    لما ذكرت عذاب النار أزعجني * ذاك التذاكر عن أهلي وأوطاني
    فصرت في القفر أرعى الوحش منفردا * كما تراني على وجدي وأحزاني
    وذا قليل لمثلي بعد جرأته * فما عصى اللّه عبد مثل عصياني
    نادوا عليّ وقولوا في مجالسكم * هذا المسئ وهذا المذنب الجاني
    فما ارعويت وما قصّرت من زللي * ولا غسلت بماء الدمع أجفاني
    لكن ذكرت جوادا ماجدا صمدا * يعفو ويصفح ذا عفو وإحسان



    “ 305 “


    سبحانه ماجدا جلّت عوارفه * فهو الجواد بعفو منه ألجاني
    هذا اعتقادي ولو صيّرت في قرن * مع الشياطين في إدراك نيران
    يا ربّ عفوا فظني فيك متّسع * واغفر بفضلك إسراري وإعلاني


    مثل سائر

    كلب جوّال خير من أسد رابض .
    يقول الحكيم : لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان ، فإن الكريم محتال والدنيّ عيّال . وأنشد :
    فسر في بلاد اللّه والتمس الغنى * تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
    ولا ترض من عيش بدون ولا تنم * وكيف ينام الليل من كان معسرا


    ولحبيب بن أوس الطائي :
    وطول مقام المرء في الحي مخلق * لديباجتيه فاغترب تتجدّد
    فإني رأيت الشمس زيدت محبة * إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد
    وكان ابن السماك يقول : لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض ، وكن اليوم مشغولا بما أنت عنه مسؤول غدا ، وإياك والفضول فإن حسابها يطول .



    لعمرو بن أذينة :
    إني علمت وخير العلم أنفعه * إن الذي هو رزقي سوف يأتيني
    أسعى إليه فيعنيني تطلّبه * ولو قعدت أتاني لا يعنيني
    قال بعض الأعراب : كيف يفرح عاقل بعمر تنقصه الساعات ؟ وسلامة بدن معرّض للآفات ؟ فلقد عجبت من المرء يفرّ من الموت وهو سبيله ، ولا أرى أحدا إلا سيدركه الموت ؟
    روينا من حديث عليّ بن الجهم ، قال : كنت في مجلس محمد بن عمرو بن مسعدة ، فأقبلت جارية كأنها البدر ليلة التمام ، بلون كأنه الدرّ في البياض ، مع احمرار الخدين ، كشقائق النعمان ، فسلّمت ، فقال لي محمد : يا أبا الحسن ، هذه الجنة التي كنتم توعدون .
    فقالت :
    وما الوعد يا سؤلي ومنية مهجتي * فإن فؤادي من مقالك طائر
    فقال لها أبو محمد :


    “ 306 “


    أما وإله العرش ما قلت سيئا * وما كان إلا أنني لك شاكر
    فقال علي بن الجهم : فأقبلت تحدثنا ، فإذا عقل كامل ، وجمال فاضل ، وحسن قاتل ، وردف مائل . فقلت لها : قد أقرّ اللّه عينا تراك . فقالت : أقرّ اللّه أعينكم ، وزادكم سرورا وغبطة . ثم اندفعت تغني بنغمة لم أسمع أحسن منها ،

    وتقول :

    أروح بهمّ من هواك مبرّح * أناجي به قلبا كثير التفكّر
    عليك سلام لا زيارة بيننا * ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

    فما زلنا يومنا معها في الفردوس الأعلى . وما ذكرتها بعد إلا أسفت عليها وعلى فراقها .
    وروينا من حديث ثور بن معن السلمي ، عن أبيه ، قال : قال : إني دخلت على الخنساء في الجاهلية ، وعليها صدار من شعر ، وهي عريانة . قال : قال أبي : دخلت عليها تجهّرا بيتها ، فكلمتها في طرح الصدار ، فقالت : يا أحمق ، أنا أحسن منك غرسا ، وأطيب منك نفسا ، وأرقّ منك نقلا ، وأكرم منك بعلا .

    وقال عبد الرحمن بن مرة عن بعض أشياخه : إن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال للخنساء : ما أقرح مآقي عينيك ؟ قالت : بكائي على السادات من مضر .
    قال : يا خنساء ، إنهم في النار . قالت : ذاك أطول بعويلي عليهم .

    وقيل : إنها أقبلت حاجّة ، فمرّة بالمدينة ومعها ناس من قومها ، فأتوا عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، فقالوا : هذه الخنساء ، فلو وعظتها يا أمير المؤمنين ، فلقد طال بكاؤها في الجاهلية والإسلام . فقام عمر رضي اللّه عنه ، فأتاها فقال : يا خنساء ، فرفعت رأسها ، فقالت : ما تشاء ؟ قال : ما الذي أقرح عينيك ؟ قالت : البكاء على السادات من مضر . قال : إنهم هلكوا في الجاهلية ، وهم أعضاد اللهب ، وحشو جهنم .

    قالت : فذاك الذي زادني وجعا . قال : فأنشدني مما قلت ، قالت : أما إني لا أنشدك مما قلت اليوم ، ولكن أنشدك ما قلت الساعة .
    وقالت :
    سقى جدثا أعراق عمره دونه * ويدنيه وعّاث الربيع ووابله
    وكنت أعير الدمع قبلك من بكى * على فقد من قد فات والحزن شاغله
    وأرعيهم سمعي إذا ذكروا الأسى * وفي الصدر مني زفرة لا تزايله

    فقال : دعوها ، فإنها لا تزال حزينة أبدا .
    ومما يستحسن الأدباء من شعرها :



    “ 307 “


    تعرّفني الدهر قرعا وغمزا * وأوجعني الدهر نهشا ووخزا
    وأفنى رجالي فبادوا معا * وأصبح قلبي لهم مستفزّا
    كأن لم يكونوا حمى يتّقى * من الناس إذ ذاك من عزّ بزّا
    وكانوا سراة بني مالك * وزين العشيرة مجدا وعزّا
    وهم في القديم ضحاح الأديم * والكائنون من البأس حرزا
    بسمر الرماح وبيض الصفاح * فبالبيض ضربا وبالسمر وخزا
    وخيل تكردس بالدّارعين * وتحت العجاجة يجمزن جمزا
    جززنا نواصي فرسانها * وكانوا يظنون أن لا تجزّا
    ومن ظنّ ممن يلاقي الحروب * أن لا يصاب فقد ظن عجزا
    تعفّ وتعرف حق القرى * وتتخذ الحمد ذخرا وكنزا
    وتلبس في الحرب نسج الحديد * وفي السلم تلبس خزّا وقزّا

    حدثنا أبو جعفر الوزعي ، قال : روى الأصمعي ، عن رجل من أهل الشام ، وهو عبد اللّه بن الحارث ، قال : قدمت المدينة ، فقصدت منزل ابن هرمة ، فإذا ابنة صغيرة له تلعب ، فقلت لها : أي بنيّة ، ما فعل أبوك ؟ قالت : يا عم ، إنه قد وفد على بعض الإخوان ، قال : قلت : فانحري لي ناقة ، فأنا أضيافك ، فقالت : يا عم ، ما عندنا شيء ، قلت : فباطل ما قال أبوك ؟ قالت : وما قال ؟ قلت : قال :

    كم ناقة قد وجات منحرها * بمنهل أكبر ثور أو جمل
    قالت : يا عم ، فذاك القول من أبي أصارنا إلى أن ليس عندنا شيء ، قالت : فتعجبت من سرعة جوابها المسكت .

    ذكر أبو حيّان التوحيدي في كتاب « الإمتاع والمؤانسة » أن الفرس إذا وطئ أثر الذئب ارتعد وخرج الدخان من جسده كله ، والذئب إن رأى الإنسان يطأ خطوه وهو ساكت سكت عنه ، فإن رآه خاف وجبن ، اجترأ وحمل عليه . وإذا وطئ الذئب على ورق العنصل مات من ساعته . ولذلك يأتي الثعلب بها في جحره لئلا يأتي الذئب فيأكل ولده .

    حمار الوحش إذا ولدت أولادا ذكورا أو إناثا ، جاء الفحل فانتزع خصي تلك الذكور وقطعها بأسنانه لكيلا يصاد ويشاركه في طروقته . فربما تضع الأنثى أولادها في موضع لا يعرفه الفحل حتى يشتدوا ، وبهذا السبب يقلّ فيها الفحول .

    الحريش : دابة صغيرة في جرم الحربي ساكنة جدا ، غير أنها من قوة الجسم وسرعة العدو ما يعجز القانص . ولها من وسط رأسها قرن واحد منتصب مستقيم ، به تناطح جميع



    “ 308 “



    الحيوان فلا يغلبها شيء . وصورة الحيلة في صيدها أن تتعرض لها جارية حسناء عذراء وضيئة ، فإن هذه الدابة إذا رأت الفتاة وثبت إلى حجرها كأنها تريد الرضاع . وهذه فيها محبة طبيعية ثابتة ، فإذا صارت إلى حجر الجارية أرضعتها من ثديها على غير حضور لبن فيها ، حتى تصير كالنشوان من الخمر والوسنان من النوم .

    فيأتيها القانص وهي على تلك الحالة فيشدها وثاقا على سكون منها بهذه الحيلة .

    قال أبو حيّان : إن أسنان الرجل في فيه اثنان وثلاثون سنّا ، وأسنان المرأة ثلاثون ، وأسنان الخصي ثمان وعشرون ، وأسنان الخصي من البقر أربعة وعشرون ، وأسنان الشاة إحدى وعشرون سنّا ، وأسنان المعز تسعة عشر سنّا .
    قال : ومن كان من الحيوان أسنانه قليلة فعمره قصير ، ومن كانت أسنانه كثيرة فعمره طويل .
    قال : والفيل إذا ولد نبتت أسنانه في الحال ، فأما أسنانه الكبار وأنيابه الطوال فتظهر إذا كبر وشبّ .
    قال : والذي يكسب معاشه بالليل من الحيوان : البومة والوطواط . قال : الرجال يشتاقون إلى الجماع في الشتاء .
    وقال : كل ما كان من البيض مستطيلا مجرد الطرف يفرح الإناث ، وما كان مستديرا عريض الأطراف يفرّح الذكور . وقال : من الحيوان إذا هاج ووقفت الأنثى قابلة الذكر وهبّت الريح من ناحية الذكر مقبلة إلى ناحيتها حملت من ساعتها . قيل : اسم هذا الحيوان القبح .
    وأخبرني جماعة ، من جملتهم ما كان صاحب تاريخ وتجاريب . وقد وقع بيننا ذكر الثعبان العظيم ، قال : تعرفون من أبوه ومن أمه ؟
    قلنا : لا . قال : إن العقاب ينكح الأنثى من الثعالب فتحمل ، فإذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة ووضعت فيها قطع لحم لها ارتعاش وارتعاد ، فتأكل بعضها بعضا تحت الأرض حتى تبقى واحدة ، فينشأ من تلك الواحدة هذا التنين العظيم .


    ولنا في أسماء الطبيعة :
    إن الضريبة والسليقة والخليقة والغريزة *
    هي الطبيعة والنجيبة والسجية والنخيزة
    وكذاك شنشنة يقا * ل وشيمة لغة عزيزة
    وكتب أبو هاشم الحرّاني إلى بعض الأمراء ، عرض من الأمير معوز ، والصبر على الحرمان معجز .
    وكتب بعضهم إلى صديق له : أما بعد ، فقد أصبح لنا من نعم اللّه ما لا نحصيه ، مع


    “ 309 “


    كثرة ما نعصيه ، وما ندري ما نشكر ، جميل ما ينشر أم كثير ما يستر ، أم عظيم ما أبلى أم كثير ما عفا . غير أنه يلزمنا في كل الأمور شكره ، ويجب علينا حمده . فاستزد اللّه في حسن بلائه ، كشكرك في حسن آلائه .
    سئل بعض البلغاء عن النطق والصمت ، فقال : أخزى اللّه الساكنة ما أفسدها للّسان وأجلبها للعي ، وو اللّه لا مماراة في استخراج حق أهدم للعي من النار في يابس العرفج .

    فقيل له : قد عرفت ما في المماراة من الذم .
    فقال : ما فيها أقل ضررا من السكتة التي تورث عللا ، وتولد داء أيسره العي .

    ولبعضهم في الكتمان :
    صن السر بالكتمان يرضيك غبّه * فقد يظهر السر المذيع فيندم
    حدثنا مصعب بن محمد ، قال : دخل أبو العتاهية على المهدي وقد ذاع سره في غيبته ، فقال له : ما أحسنت في حبك ولا أجملت في إذاعة سرك ، فقال :
    من كان يزعم أن سيكتم حبه * حتى يشكك فيه فهو كذوب
    الحب أغلب للرجال بقهره * من أن يرى للستر فيه نصيب
    فإذا بدا سرّ اللبيب فإنه * لم يبد إلا والفتى مغلوب
    إني لأحسد ذا هوى مستحفظا * لم تتهمه أعين وقلوب

    فاستحسن المهدي شعره ، وقال : قد عذرناك على إذاعة سرك ، ووصلناك على حسن عذرك ، على أن كتمان السر أحسن من إذاعته .

    وقال آخر :
    لا يكتم السر إلا كل ذي خطر * والسر عند كريم الناس مكتوم
    والسر عندي في بيت له غلق * قد ضاع مفتاحه والباب مردوم

    قال زياد : ليس للسر موضع إلا أحد رجلين : إما صاحب آخرة يرجو ثواب اللّه ، وإما صاحب دنيا له شرف في نفسه وعقل يصون به حسبه ، وهما معدومان في هذا الوقت .

    مثل سائر
    أبخل من صاحب نجيح . حدثنا أبو ذرّ بن محمد بن مسعود ، قال : ذكر أن نجيح بن شاكة اليربوعي خرج يوما إلى الصيد ، فأثار حمار وحش ، فمضى أمامه ، وأتبعه نجيح ، إلى أن رفعه إلى أكمة في فلاة ، عليها رجل قاعد ، فدنا منه ، فإذا هو أعمى أسود في أطمار ، بين يديه ذهب وفضة ودرّ وياقوت . فدنا نجيح من المال ، فتناول بعضه ، فلم


    “ 310 “

    يستطع أن يحرّك به يده ، حتى ألقاه من يده ، فقال : يا هذا ، ما الذي بين يديك ؟ وكيف يستطاع أخذه ؟ فإني لم أجد له سبيلا . فهو لك أم لغيرك ؟ فإني أعجب مما أرى منه ، فإن كنت أيها الرجل جوادا فإني ذو حاجة إليه ، فجد بأي ما شئت منه . وإن كنت بخيلا فأخبرني أعذرك . فقال له الأعمى : اطلب رجلا قد غاب منذ سنين ، وهو سعد بن خشرم بن شماس ، فائتني به يعطيك ما تشاء مما تريد . قال : فانطلق نجيح مسرعا ، وقد استطار مما رأى فؤاده ، حتى وصل إلى قومه ، ودخل خباءه ، ووضع رأسه ، ونام لما به من الغم ، لا يدري من سعد بن خشرم ؟ فأتاه آت في منامه ، فقال له : يا نجيح ، إن سعد بن خشرم في حي بني محلم ، من ولد ذهل بن شيبان . فاسأل عن بني محلم ، ثم سل عن سعد بن خشرم بن شماس . فإذا هو بشيخ قاعد على باب خبائه ، يعني خشرم أبا سعد ، فجاءه نجيح وسلّم عليه ، فرد عليه خشرم . فقال له نجيح : من أنت ؟ قال : أنا خشرم .

    قال : فأين سعد ؟
    قال : خرج في طلب نجيح اليربوعي . فعرف نجيح القصة وكتمه في نفسه . وصرف نجيح فرسه ومضى وهو يقول :
    أيطلبني من قد عناني طلابه * فيا ليتني ألقاك سعد بن خشرم
    أتيت ابن يربوع لتبغي لقاءه * وجئت لكي ألقاك حي محلم

    فلما دنا نجيح من محلته ، استقبله سعد . فقال له نجيح : يا أيها الركب ، لقيت سعدا في بني يربوع ؟ قال : أنا سعد ، فهل تدلني على نجيح ؟ قال : أنا نجيح . وحدثه بالحديث .
    فقال سعد : الدال على الخير كفاعله . وهو أول من قاله . فانطلقا حتى أتيا ذلك المكان فتوارى الأعمى ، فأخذه سعد كله . فقال نجيح : يا سعد ، قاسمني . فقال له : أطوعن مالي كشحا . وأبي أن يعطيه . فانتضى نجيح سيفه فجعل يضربه حتى برد . فلما وقع قتيلا تحوّل الرجل الحافظ للمال ثعلا وأسرع في أكل سعد وعاد المال إلى مكانه . فلما رأى نجيح ذلك ولّى هاربا إلى قومه .

    ويقال في المثل : أبخل من أبي عبس ، وكان من شأنه إذا وقع الدرهم في يده نقره بإصبعه ، ثم يقول : كم من مدينة قد دخلتها ؟ ويد قد وقعت فيها ؟ فالآن استقر بك القرار ، واطمأن بك الدار . ثم يرمي به في صندوقه فيكون آخر العهد به .

    وشبيه ذلك شخص يقال له خليل ، من أعيان أهل فارس وأجلّهم قدرا ، دخل منزلي يوما فرآني أهب شيئا من دراهم كانت عندي ، ورأى السرور في وجهي بذلك ، فقال لي : يا سيدنا ، ما تقول في أمري ؟ قلت : وما أمرك ؟ قال : إني أعشق الناس في الدنيا والدرهم .
    فقلت له : جماعة من كرام الناس يحبون الجدة من أجل الجود ، فيجدون ما يهبون .

    فقال :

    “ 311 “

    ما أنا ممن يحب هذه الأحجار من أجل العطاء والإنفاق ، لكني أحبها لعينها ، أموت جوعا ولا أقدر أن أنفقها أصلا ، وما يخرج منها من يدي شيء إلا وتخرج روحي معه .
    حديث أمية بن يزيد الأموي
    قال : كنا عند عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية ، فجاء رجل من أهل بيته ، فسأله :

    المعونة على التزوج . فقال له قولا ضعيفا ، ووعده وعدا فيه قلة إطماع ، فلما قام من عنده ومضى دعا صاحب خزانته ، فقال : أعطه أربعمائة دينار ، فاستكثرناها ، فقلنا له : لما كلمك رددت عليه ردا ظننا أنك تعطيه قليلا ، فإذا أنت أعطيته أكثر مما أمل .

    قال : إني أحب أن يكون فعلي أحسن من قولي .
    قلت : ونزل على جدي حاتم الطائي ضيف ، ولم يحضره القري ، فنحر ناقة الضيف وعشّاه وغدّاه ، وقال له : يا ضيف ، إنك قد أقرضتني ناقتك فاحتكم .
    قال :راحلتين . قال حاتم : لك عشرون ، أرضيت ؟
    قال : نعم ، وفوق الرضا . قال : فلك أربعون . ثم قال لمن حضره من قومه : من أتانا بناقة فله ناقتان بعد الغارة ، فأتوه بأربعين ، فدفعها إلى الضيف .
    وحكي لي عن حاتم أيضا : أنه خرج في الشهر الحرام يطلب حاجة ، فلما كان بأرض غزّة ناداه أسير : يا أبا سفانة ، قد أكلني الأسر والقمل ، قال : واللّه ما أنا ببلادي ولا معي شيء ، وقد أسأت إليّ إذ نوّهت باسمي .
    فذهب العرس ، فساومهم ، وقال : خلوا عنه وأنا أقيم مكانه في قيده حتى أؤدي فداءه ، فأتاهم بفدائه .

    حدثنا أبو ذرّ ، وقد وقع ذكر حاتم طي ، فقال لي : ذكر من أخبار جدك أنه لما مات ، يعني حاتما ، خرج رجل من بني أسد يعرف بأبي البحتري في نفر من قومه ، وذلك قبل أن يعلم كثير من العرب بموته ، فأناخوا بقبره ، فقال : واللّه لأحلف للعرب أني نزلت بحاتم وسألته القرى ، فلم يفعل . وجعل يضرب برجله قبره ،

    ويقول :
    اجعل أبا سفانة قراكا * فسوف آتي سائلي ثناكا
    فقال بعضهم : ما لك تنادي رمة ؟
    وباتوا مكانهم . فقام صاحب القول من نومه مذعورا ، وقال : يا قوم ، عليكم مطاياكم لقرى حاتم . فقالوا : كيف ؟

    قال : إنه أتاني في منامي هذا فأنشدني :
    أبا البحتري وأنت امرئ * ظلوم العشيرة شتّامها
    ما ذا أردت إلى رمة * بدمنة قد صبحت هامها


    “ 312 “

    تبغي أذاها واعسارها * وحولك غوث وأبغامها
    وإنّا لننعم أضيافنا * من الكوم بالسيف نعتامها

    مثل سائر : أجود من كعب بن أمامة
    حكي أن جوده قتله . وذلك أنه خرج في نفر فيهم رجل من النميري قاسط ، فخلصوا في قفر بلا ماء ، فأضرّ بهم العطش ، فجعل النميري يشرب ماءه ، فإذا أراد كعب أن يشرب نصيبه يقول : آثر أخاك النميري ، فيؤثره على نفسه ، حتى أضرّ به العطش . فلما رأى ذلك استحثّ ناقته ، وبادر حتى بانت له أعلام الماء . وقيل له : رد كعب فإنك وارد . فمات قبل أن يرد الماء ، ونجا رفيقه . وكان هذا كعب من إياد .


    وأنشدوا في هذا المعنى لأبي تمام :
    هو البحر من أي النواحي أتيته * فلجّته المعروف والجود ساحله
    كريم إذا ما جئت للعرف طالبا * حباك بما تحوي عليه أنامله
    ولو لم يكن في كفه غير نفسه * لجاد بها فليتقّ اللّه سائله

    حديث يحيى بن يحيى النيسابوري مع المأمون
    حدثنا أبو محمد بن عبد الرحمن ، ثنا عبد اللّه بن إسماعيل ، ثنا أبو الفرج بن علي ، أنبأ إسماعيل بن أحمد ، انا أحمد ، انا يوسف بن الحسن ، قال : سمعت أبا علي بن الحسين بن بندار يقول : كان الرشيد بعث إلى مالك بن أنس يستحضره ليسمع منه الأمين والمأمون ، فأبى وقال : إن العلم يؤتى ولا يأتي . فبعث إليه : أبعثهما إليك ؟ فقال : بشرط أن لا يتخطيا رقاب الناس ، ويجلسا حيث انتهى بهما المجلس . فحضروا ، وكان يحيى بن يحيى النيسابوري يحضر المجلس ، فحضر ، فانكسر قلمه يوما فناوله المأمون قلما ، فلم يقبل . فقال له : ما اسمك ؟ فقال : يحيى بن يحيى النيسابوري . فقال : أتعرفني ؟ قال :

    نعم ، أنت المأمون ابن أمير المؤمنين . فكتب المأمون على ظهر جزء : ناولت يحيى بن يحيى النيسابوري قلما في مجلس مالك فلم يقبله . فلما أفضت الخلافة إليه بعث إلى عامله بنيسابور أن تولي يحيى بن يحيى القضاء . فأرسل كتاب المأمون إليه ، فقال : قل لأمير المؤمنين : ناولتني قلما وأنا شاب فلم أقبل ، أفتجبرني على القضاء وأنا شيخ ؟ فرفع الخبر إلى المأمون فقال : رجلا يختاره .
    فاختار رجلا فولّي ، فجاء القاضي إلى يحيى يسلّم عليه ، فضمّ يحيى فراشا تحته .



    “ 313 “

    فقال له القاضي : أيها الشيخ ، ألم تخترني ؟ قال : إنما قلت : اختاروه ، وما قلت لك : تقلّد القضاء .
    حدثنا غير واحد عن علي بن أبي عمر ، عن محمد بن الحسن ، عن عبد الملك بن بشر أنه قال : أنا أبو بكر الآجري ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي ، قال :
    حدثنا أحمد بن الحواري ، قال : حدثنا إبراهيم بن السقا ، عن أضرم الخراساني ، قال :
    كتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري : عظني ، فكتب إليه الحسن :
    أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فكن للمثل من المسلمين أخا ، وللكبير ابنا ، وللصغير أبا ، وعاقب كل واحد منهم بذنبه ، على قدر جسمه . ولا تضربن لغضبك سوطا واحدا ، فتدخل النار .

    قال إسماعيل بن عياش : ظهر بإفريقية جور ، فخرج عبد الرحمن بن زياد بن الأنعم الإفريقي إلى أبي جعفر المنصور ليعلمه بذلك . فلما وصل ، قال : ما أقدمك ؟ قال : ظهر الجور ببلادنا ، فجئت لأعلمك مستجيرا بعدلك ، فإذا الجور يخرج من دارك ، فغضب المنصور ، وهمّ به ثم إنه تراجع من نفسه فأمر بإخراجه إلى بلاده .

    حدثنا بذلك عبد الرحمن بن علي ، أجازه عن أبي منصور القزاز ، عن أحمد بن علي بن ثابت ، عن البرقاني ، عن محمد بن أحمد عن عبد الملك بن الآدمي ، عن محمد بن علي الإيادي ، عن زكريا بن يحيى الساجي ، عن أحمد بن محمد ، عن الهيثم بن خارجة ، عن إسماعيل بن عياش ، وذكره ، وقال :

    روينا من حديث ابن عرفة ، عن ابن عياش المنصوري ، عن محمد بن يوسف ، عن محمد بن يزيد ، عن ابن إدريس ، أن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي قال : أرسل إليّ أبو جعفر المنصور ، فقدمت إليه ، فاستدناني ، ثم قال لي : يا عبد الرحمن ، كيف ما مررت به من أعمالنا إلى أن وصلت إلينا ؟ قال : قلت : أعمالا فاسدة سيئة ، وظلما فاشيا ، وظننت أن ذلك لبعد البلاد منك فجعلت كلما دنوت منك كان الأمر أعظم . فنكس المنصور رأسه ، ثم رفع ، وقال : كيف لي بالرجال يا عبد الرحمن ؟ قال : قلت : أفليس عمر بن عبد العزيز يقول : السلطان بمنزلة السوق يجلب فيها ما ينفق فيها . فإن كان برا أتوه ببرّهم ، وإن كان فاجرا أتوه بفجوره . فأطرق طويلا ، وأومأ إلى الربيع أن أخرج ، فخرجت وما عدت إليه .

    حدثنا بذلك تاج النساء بنت رستم ، عن الأرموي ، عن أبي بكر الخطيب ، عن الأزهري ، عن أحمد بن إبراهيم ، عن إبراهيم ، عن محمد بن عرفة ، عن أبي العباس المنصور ، عن محمد بن يوسف ، قال : قال علي بن محمد بن الحسن القزويني : سمعت



    “ 314 “

    بعض أصحابنا يقول : أقبل المنصور يوما راكبا ، والفرج بن فضالة جالس عند باب الذهب .
    فقام الناس ولم يقم الفرج ، فاستشاط غضبا ودعا به ، فقال : ما منعك من القيام حين رأيتني ؟ قال : خفت أن يسألني اللّه عنه لم فعلت ؟ ويسألك عنه لم رضيت به ؟ وقد كرهه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .
    قال : فبكى المنصور ورقّ له وقضى حوائجه . حدثني بها محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن أبي منصور القزاز ، عن أبي بكر الخطيب ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز ، عن علي بن محمد بن الحسن القزويني ، وذكر : حدثنا يونس بن يحيى ، نبأ محمد بن ناصر ، نبأ المبارك بن عبد الجبار ، انا محمد بن علي بن الحسين بن المأمون ، نبأ أبو بكر بن القاسم ، ثنا أحمد بن بشار ، ثنا إسحاق بن بهلول ، ثنا أبي ، ثنا إسحاق بن زياد ، عن شبيب بن شيبة ، عن خالد بن صفوان بن الهيثم ، قال : إن ملكا من الملوك خرج في عام ، قد بكر وسميه ، وتتابع وليه ، واخضرّت الأرض فيه ، ونجم نبتها ، وضحك زهرها .

    وكان قد أعطى حسن الصورة والملك ، فنظر بأبعد النظر ، فقال : إن هذا الذي أنا فيه ، هل رأيتم ما أنا فيه ؟ هل أعطي أحد مثل ما أعطيته ؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجرة والمكبين على أدب الحق .
    فقال : أيها الملك ، إنك سألت عن أمر ، أفتأذن في الجواب ؟ قال : نعم . فقال :

    أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به أهو شيء لم تزل فيه ، أم هو شيء ميراثا عن غيرك وهو زائل عنك وصائر إلى غيرك كما صار إليك ؟ قال : فكذلك هو . قال : أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلا ، وتغيب عنه طويلا ، وتكون غدا بحسابه مرتهنا . قال : ويحك ، فأين المهرب ، وأين المطلب ؟ قال : إما أن تهتم في ملكك فتعمل فيه بطاعة ربك على ما سأل وسرّك وأرمضك ، وإما أن تضع تاجك وتلبس أمساحك وتعبد ربك في هذا الجبل حتى يأتيك أجلك . قال : فإذا كان السحر فاقرع على بابي ، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا لا تعصى ، وإن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقا لا تخالف . فلما كان السحر قرع عليه بابه ، فإذا هو به قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة . فلزما واللّه الجبل حتى أتاهما الأجل .

    حدثنا في آخرين ، قالوا : ثنا محمد بن عبد الباقي ، عن أحمد بن أحمد ، عن أبي نعيم ، عن عبد اللّه بن محمد بن جعفر ، عن أبي بكر بن معدان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي الحارث الكتّاني ، عن محمد بن عبد اللّه الأمويّ ، قال : حدثنا ابن داود ، وكان قد بلغ



    “ 315 “

    ثمانين ، عن الزهري ، قال : نظر سليمان بن عبد الملك إلى رجل يطوف بالكعبة له تمام وكمال ، فقال له : يا ابن شهاب ، من هذا ؟ قلت : طاوس اليماني ، قد أدرك عدة من الصحابة . فأرسل إليه سليمان ، فأتاه ، فقال له : لو حدثتنا . قال : حدثني أبو موسى الأشعري ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن أهون الخلق على اللّه من ولّي من أمر المسلمين شيئا فلم يعدل فيهم » . فتغير وجه سليمان ، فأطرق طويلا ، ثم رفع رأسه فقال : لو حدثتنا .
    قال : حدثني رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال ابن شهاب : ظننت أنه أراد عليا .
    قال : دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى طعام في مجلس من مجالس قريش . قال : « إن لكم على قريش حقا ، ولهم على الناس حقا ، ما استرحموا فرحموا ، واستحكموا فعدلوا ، وائتمنوا فأدوا . فمن لم يفعل ذلك لم يقبل اللّه منه صرفا ولا عدلا » . فتغير وجه سليمان ، فأطرق طويلا ، ثم رفع رأسه ، فقال : لو حدثتنا . فقال : حدثني ابن عباس أن آخر آية نزلت :

    وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .
    حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ عبد الرحمن بن علي ، نبأ علي بن محمد بن أبي عمر ، نا محمد بن الحسن بن أحمد ، عن عبد الملك بن بشران ، عن محمد بن الحسين الآجريّ ، حدثني عمرو بن محمد بن بكار القافلانيّ ، عن إبراهيم بن هانئ النيسابوري ، عن أبي صالح كاتب الليث بن سعد ، قال : أخذتها من الليث بن سعد رسالة الحسن بن أبي الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز .

    أما بعد ، أيها الأمير ، إن الدنيا دار ظعن وليست بدار إقامة ، وإنما أهبط آدم من الجنة عقوبة . وقد يحسب من لا يدري ثواب اللّه أنها ثواب ، ومن لا يدري عقاب اللّه أنها عقاب .
    ولها في كل حين صرعة ، وهي تهين من أكرمها ، والغبي فيها فقير . فكن فيها يا أمير المؤمنين كالمداوي جرحه يصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء ، يحتمي قليلا مخافة ما يكره طويلا ، فإن أهل الفضائل كان منطقهم فيها بالصواب ومشيهم بالتواضع ومطعمهم الطيب من الرزق ، مغمضي أبصارهم عن المحارم . فخوفهم من البرّ كخوفهم من البحر ، ودعاؤهم في السرّاء كدعائهم في الضرّاء ، لولا الآجال التي كتبت لهم ما تقاربت أرواحهم في أجسادهم خوفا من العقاب وشوقا إلى الثواب ، عظم الخالق في أنفسهم فصغر المخلوق في أعينهم .

    واعلم أن التفكّر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشرّ يدعو إلى تركه . وليس ما يغني وإن كان كثيرا بأهل أن يؤثر على ما يبقى وإن كان طلبه عزيزا . واحتمال المئونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مئونة باقية وندامة


    “ 316 “

    طويلة . فاحذر هذه الدنيا الصارعة الخاذلة القاتلة التي قد تزينت بخدعها ، وقتلت بغرورها ، وخدعت بآمالها فأصبحت كالعروس المجليّة ، فالعيون إليها ناظرة ، والقلوب إليها والهة ، والنفوس لها عاشقة ، وهي لأزواجها كلهم قاتلة ، فلا الباقي بالماضي يعتبر ، ولا الآخر لما رأى من أثرها بالأول يزدجر ، ولا العارف باللّه المصدق له حين أخبره عنها مذكر . قد أبت القلوب لها إلا حبا ، وأبت النفوس لها إلا عشقا . ومن عشق شيئا لم يعرف غيره ، ولم يعقل سواه ، ومات في طلبه ، وكان آثر الأشياء عنده ، فهما عاشقان طالبان مجتهدان . فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغترّ وطغى ونسي ولهى ، فغفل عن مبتدأ خلقه ، ووضع ما إليه معاده ، وقلّ في الدنيا لبثه ، حتى زلّت عنه قدمه ، وجاءته منيته على شرّ ما كان عليها حالا ، وأطول ما كان فيها أملا ، فعظم ندمه ، وكثرت حسرته مع ما عالج من سكرته ، فاجتمعت عليه سكرة الموت بكربته ، وحسرة الفوت بغصّته ، فغير موصوف ما نزل به ، وآخر مات قبل أن يظفر منها بحاجته ، فمات بغمّه وكمده ، ولم يدرك فيها ما طلب ، ولم يرح نفسه من التعب والنصب ، فخرجوا جميعا بلا زاد ، وقدما على غير مهاد .

    فالحذر يا أمير المؤمنين ، الحذر كله منها ، فإنما مثلها مثل الحيّة ، ليّن مسّها وتقتل بسمّها ، فاعرض عما يعجبك فيها القلة ما يصحبك منها ، وضع عنك همومها لما قد أيقنت به من فراقها ، واجعل شدة ما اشتدّ منها رجاء ما ترجو بعدها ، وكن عند أسرّ ما تكون فيها .

    احذر ما يكون منها ، فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور صبّحته من سرورها بما يسوؤه ، وكلما ظفر منها بما يحبّ انقلبت عليه بما يكره .
    فالسارّ منها لأهلها غارّ ، والنافع منها غدا ضارّ ، وقد وصل الرجاء فيها بالبلاء ، وجعل البقاء فيها إلى الفناء ، فسرورها بالحزن مشوب ، والناعم فيها مسلوب . فانظر يا أمير المؤمنين إليها انظر الزاهد المفارق ، ولا تنظر إليها نظر المبتلي العاشق .

    واعلم يا أمير المؤمنين نزيل البلوى الساكن ، وتفجّع المترف الآمن . ولا يرجع فيها إلى ما ولّى منها ، ولا يتبع ما صفا منها إلا ما كدر . فاحذرها ، فإن أمانيها كاذبة ، وآمالها باطلة ، وعيشها نكد ، وصفوها كدر ، وأنت منها على خطر ، إما نعمة زائلة ، أو بليّة نازلة ، أو مصيبة فادحة ، أو منية قاضية .

    فلقد كدرت المعيشة لمن عقل ، فهو من نعيمها على خطر ، ومن بليته على حذر ، ومن المنية على يقين . فلو كان الخالق تبارك اسمه لم يخبر عنها بخبر ، ولم يضرب لها مثل ، ولم يأمر فيها بزهد ، لكانت الدنيا أيقظت النائم ، ونبّهت الغافل ، وكيف وقد جاء عن اللّه عز وجل منها زاجر ، وفيها واعظ ، فما لها عنده قدر ، ولا وزن من الصغر ، وهي عنده أصغر من حصاة في الحصى ، ومن مقدار نواة في النوى . ما خلق اللّه عز وجل فيما بلغنا

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 14:20