..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 8

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:59

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء الثامن
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1

    “ 124 “


    رأيته مع الإماء في الحجاز ) ، فبلغ ذلك المختار فدعا به ، فقال : ما هذا الذي بلغنا عنك ؟

    قال : أباطيل . فأمر بضرب عنقه ، فقال : لا ، واللّه لا تقدر على ذلك ، قال : ولم ؟ قال : أما دون أن أنظر إليك وقد هدمت مدينة دمشق حجرا حجرا ، وقتلت المقاتلة ، وسبيت الذرية ، ثم تصلبني على شجرة على نهر ، واللّه إني لأعرف الشجرة الساعة ، وأعرف شاطئ ذلك النهر .
    فالتفت المختار إلى أصحابه فقال لهم : أما إن الرجل قد عرف الشجرة ، وربما يقول حقا .
    فأمر به فحبس حتى إذا كان الليل بعث إليه فقال : يا أخا خزاعة ، أو مزاح عند القتل ؟
    قال : أنشدك اللّه أن أقتل ضياعا ، قال : وما تطلب هاهنا ؟ قال : أربعة آلاف درهم أقضي بها ديني ، قال : ادفعوها إليه ، وإياك أن تصبح بالكوفة ، فقبضها وخرج .


    مثل
    هو أحمق من عجل . وهو عجل بن لخيم . وذلك أنه قيل له : ما سمّيت فرسك ؟ ففقأ عينه ، وقال : سمّيته الأعور .

    قال الشاعر :
    رمتني بنو عجل بداء أبيهم * وأي امرئ في الحمق أحمق من عجل
    أليس أبوهم غار عين جواده * فصارت به الأمثال تضرب في الجهل


    ومن سماعنا في نسيب مهيار حيث يقول :
    هبّت بأشواقك نجدية * مطبعة أنت لها واجب
    ما أنت يا قلبي وأهل الحمى * وإنما هم أمسك الذاهب
    فاردد على الريح أحاديثها * ففي صباها ناقل كاذب
    ودون نجد وظباء الحمى * أن تقرح السّنام والغارب

    السماع في ذلك يقول : يا أيها المحبّ العارف ، هبّت بأشواقك أنفاس متصاعدة تطمع في أمر هي دونه ، ألا تراه ؟ قال : ما أنت يا قلبي ؟

    يقول : أنت في مقام التقليب والتلوين ، وأهل الحمى في مقام الثبوت ، وهما ضدّان فلا يجتمعان كما لا يرجع أمس أبدا . وقد نبّه على كذب الأحوال بما ذكر عن الريح بسبب الباعث لهبوبها . ثم قال : ودون



    “ 125 “


    نجد الذي هو النظر الأعلى ، وظباء الحمى : الأرواح العلوية ، تقرح : أي تدمي الخف والسنام من طول السير ، وحمل الأثقال ، شبّهها بالإبل ، ثم لا وصول ، يقول : إنها موهوبة لا مكسوبة ، فلا تعمل لها .


    موعظة عطاء بن أبي رباح لعبد الملك بمكة

    حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عبد الرحمن بن علي ، انا عبد الوهاب ، انا جعفر بن أحمد ، انا عبد العزيز الضرّاب ، أخبرني أبي ، ثنا أحمد بن مروان ، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، ثنا الرياشي ، قال : سمعت الأصمعي يقول : دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن ، وذلك بمكة في وقت حجّه في خلافته ، فلما بصر به قام إليه وأجلسه معه على السرير ، وقعد بين يديه ، وقال له : يا أبا محمد ، ما حاجتك ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، اتق اللّه في حرم اللّه ورسوله فتعاهده بالعمارة .

    واتق اللّه في أولاد المهاجرين والأنصار ، فإنك بهم جلست هذا المجلس . واتق اللّه في أهل الثغور فإنهم حصن للمسلمين . وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤول عنهم . واتق اللّه فيمن على بابك ، ولا تغفل عنهم ، ولا تغلق دونهم بابك . فقال له : أفعل . ثم نهض فقبض عليه عبد الملك فقال : يا أبا محمد ، سألتنا حوائج غيرك فقد قضيناها ، فما حاجتك ؟ فقال : ما لي إلى مخلوق من حاجة ، ثم خرج . فقال عبد الملك : هذا وأبيك الشرف ، هذا وأبيك السؤدد .

    ومن وقائع بعض الفقراء إلى اللّه تعالى ما حدثناه عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي ، قال : قال بعض المريدين : رأيت أبا مدين ، وأبا حامد ، وأبا طالب ، وأبا يزيد ، وجماعة من الصوفية ، فقال أبو يزيد لأبي مدين : تكلم لنا في شيء من التوحيد .

    فقال : التوحيد هو الحق ، وإليه الملجأ لأهله ، وبه النجاة . هو السر الخفي ، به ظهرت الأسرار ، وهو الشمس المشرقة ، ومنه ينابيع الأنوار . وهو قطب العارفين ، وهو الدليل ، ومبرئ الأسقام ، وشفاء كل عليل . هو الظاهر ، فما سواه حجابه ، فمن كان ذا بصر جاوز أبوابه ، كشف له عن ملكه ، فعاين سلطانه ، وغيّبه به عنه ، فعظّم شأنه . فبين العارف وبين ربه سر وقر في صدره ، وحكم بمدّه بها من غيبه ، فهي غذاؤه وشرابه ، مظهر له حقيقة التوحيد ولبابه ، امتاز بها عن سائر الخلق ، فواصلته وأجلسته في حضرة الحق ، اختصه بالعلوم الأزلية العجيبة . فحقيقته من الحق دانية قريبة ، بلا حركة من معنى إلى معنى ، ولا انتقال ، ولا ماض ، ولا مستقبل ، ولا حال . هو بسر العارف مكشوف ، أمدّه به من خفيّ سرّه ، فسرّه



    “ 126 “


    من سره معروف . فجملة المحسوسات عدم وهبا . فحقّق ببصيرتك تنظر عجبا ، تجد القائم في كل الخطرات واللحظات مشاهد ، إذ هي أغطية يستر بها إذ هو في الوجود واحد .
    فالمعرفة في حق كل مصنوع وضعه ، فكل مفترق هو أصله وجمعه . بذلك شهدت الظواهر على غيبها ، فهو المبدئ لكل شيء والمعيد ، والفعّال في ملكه يفعل ما يريد . فجملة هذه العلوم عرفها العارفون ، وجهلها الأكثرون ، وعلم تأويلها الراسخون ، وما يعقلها إلا العالمون .
    وروينا من حديث الهاشمي ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أيها الناس ، بسط الأمل مقدّم على حلول الأجل ، والمعاد مضمار العمل ، فمغتبط بما احتقب ، غانم ، ومبتئس بما فاته من العمل ، نادم . أيها الناس ، إن الطمع فقر ، واليأس غنى ، والقناعة راحة ، والعزلة عبادة ، والعمل كنز ، والدنيا معدن . واللّه ما يسرّني ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بردي هذا ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء . وكل إلى نفاد وشيك ، وزوال قريب ، فبادروا وأنتم في مهل الأنفاس ، وجدّة الأحلاس ، قبل أن يؤخذ بالكظم ، ولا يغني الندم » .

    عمرة أبي بكر الصدّيق في خلافته رضي اللّه عنه
    حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن علي ، عن محمد بن عبد الباقي ، عن أبي محمد الجوهري ، عن ابن حبوة ، عن أبي الحسن بن معروف ، عن الحسين بن الفهم ، عن محمد بن سعد ، عن الواقدي ، عن أشياخه ، قالوا : اعتمر أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه في خلافته ، في رجب سنة اثنتي عشرة ، فدخل مكة ضحوة ، فأتى منزله وأبوه أبو قحافة جالس على باب داره ، فقيل له : هذا ابنك ، فنهض قائما ، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته ، فنزل عنها وهي قائمة ، فجعل أبو بكر يقول : يا أبت لا تقم ، ثم التزمه ، فقبّل أبو بكر بين عيني أبيه . فأخذ الشيخ يبكي فرحا بقدومه ، وجاء ممن سمع به ممن هناك من الصحابة ، مثل عتاب بن أسيد ، وسهيل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، والحارث بن هشام ، فسلموا عليه : سلام عليك يا خليفة رسول اللّه ، فجعل أبو بكر عندما سمع ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبكي ، وأبكى القوم ، وتجدد عليه الحزن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال أبو قحافة :

    يا عتيق ، هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم ، فقال أبو بكر : يا أبت ، لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم ، لقد طوقني اللّه أمرا عظيما لا قوة لي به ولا يد إلا باللّه . ثم دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحاهم ، ولقيه الناس يعزّونه برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يبكي حتى انتهى إلى البيت ، فاضطبع واستلم ، وطاف سبعا ، وركع ركعتين ، ثم رجع إلى منزله . فلما كانت


    “ 127 “


    صلاة الظهر ، خرج فطاف بالبيت ، ثم جلس قريبا من دار الندوة ، فقال : هل من أحد يشتكي من ظلامة ، أو يطلب حقا ؟ فما أتاه أحد ، وأثنى الناس على وإليهم خيرا . ثم صلى العصر وجلس ، فردفه الناس ثم خرج راجعا إلى المدينة .

    وبالإسناد أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، دخل في بعض حججه على نافع بن الحارث يعوده ، فوجده قريب عهد بعرس وفي بيته ستر من آدم مزيّن بسيور ، فأخذه عمر فشقه ، وقال : لم لا تستروا بيوتكم بهذه المسوح ؟ فهي أوفى وألين وأحمل للغبار .

    وأذن له أبو محذورة بصوت شديد ، فقال : يا أبا محذورة ، أما خشيت أن تنشقّ مريطاؤك ؟ قال : إني أحببت أن أسمعك صوتي . ثم مرّ عمر بأبي سفيان بن حرب ، فرأى أحجارا قد بناها أبو سفيان كالدكان في وجه داره يجلس عليها بالغداة ، فقال عمر : لا ، أرجعنّ من وجهي هذا حتى تقلعه وترفعه . فلما رجع عمر وجده على حاله ، فقال : ألم أقل لك اقلعه ؟ قال : انتظرت أن يأتينا بعض أهل مهنتنا ، فقال : عزمت عليك لتقلعه بيدك ، وتنقله على عاتقك ، فلم يراجعه وفعل ذلك .

    فقال عمر : الحمد للّه الذي أعزّ الإسلام رجل من عديّ يأمر أبا سفيان سيد بني عبد مناف بمكة فيطيعه .
    وبالإسناد قال محمد بن سعد : حدثنا يزيد بن هارون ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ، أن عمر لما أفاض من منى أناخ بالأبطح فكوّم كومة من بطحاء فطرح عليها طرف ثوبه ، ثم استلقى عليها ، ورفع يده إلى السماء وقال : اللهمّ كبرت سني ، وضعفت قوّتي ، وانتشرت رعيّتي ، فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط . فلما قدم المدينة خطب الناس . قال سعيد : فما انسلخ ذو الحجة حتى طعن رضي اللّه عنه وأرضاه .



    ذكر حجج الخلفاء الأربع في زمان خلافتهم
    أما أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه ، فاستعمل على الناس في الحج عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة ، واعتمر في رجب ، وحجّ بالناس سنة اثنتي عشرة ، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان .
    وأما عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ، فاستعمل أول سنة وليّ على الحج عبد الرحمن بن عوف ، فحجّ بالناس ، ثم لم يزل عمر يحج بالناس في خلافته كلها ، فحجّ بهم عشر سنين ، وحجّ بأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم في آخر حجة حجّها .
    قال ابن عباس : حججت مع عمر إحدى عشرة حجة ، واعتمر في خلافته ثلاث مرات . وقالت عائشة رضي اللّه عنها :
    لما كانت آخر حجة حجها عمر بأمهات المؤمنين مررت بالمحصّب ، فسمعت رجلا على


    “ 128 “


    راحلته يقول : أين كان عمر أمير المؤمنين ؟ وسمعت رجلا آخر يقول : هاهنا قد كان ، فأناخ راحلته ورفع عقيرته ، وقال :
    عليك سلام من إمام وباركت * يد اللّه في ذاك الأديم الممزّق
    فمن يسع أو يركب جناحيّ نعامة * ليدرك ما قدّم بالأمس يسبق

    قضيت أمورا ثم غادرت بعدها * بوائق في أكمامها لم تفتق

    قالت عائشة : فلم ندر ذاك الراكب من هو ؟
    فكنا نتحدث أنه من الجن ، قالت : فقدم عمر من تلك الحجة ، فطعن فمات .
    وقد ذكرنا هذا الشعر في هذا الكتاب أكمل من هذا من حديث أحمد بن عبد اللّه .


    وأما عثمان بن عفان رضي اللّه عنه
    فإنه لما ولّي أمّر عبد الرحمن بن عوف على الحج سنة أربع وعشرين ، وحجّ عثمان سنة خمس وعشرين ، ثم لم يزل يحج إلى سنة أربع وثلاثين ، ثم حصر في داره ، وحجّ بالناس عبد اللّه بن عباس . قال ابن سيرين : وكان عثمان أعلم الناس بالمناسك ، وبعده ابن عمر .


    وأما علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه
    فحج كثيرا قبل ولايته الخلافة . وأما ولايته ، فإنه ولّي الخلافة أربع سنين وتسعة أشهر وأياما ، وكانت ولايته بعد انقضاء الحج في سنة خمس وثلاثين ، لأن عثمان قتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة من هذه السنة . وكانت وقعة الجمل سنة ست وثلاثين ، وحج بالناس أيضا عبد اللّه بن عباس . واشتغل علي رضي اللّه عنه بتلك الأمور ، فحج بالناس سنة ثمان وثمانين قثم بن عباس . ثم اصطلح الناس في سنة تسع وثلاثين على شيبة بن عثمان ، فأقام لهم الحج .

    ثم قتل علي رضي اللّه عنه سنة أربعين .
    ولنا في المحلات ، وهي ست آلات ، وإنما سمّيت محلات لأن من كانت معه حلّ حيث شاء :
    إن المحلات ستّ فاسمعنّ لها * الزند والدلو والسكين والفأس
    والقدر والزق لا تبغي بها عوضا * فحيث ما كنّ كان الناس والبأس
    ولنا في أصناف المياه ونعوتها ، وأصناف الشرب :


    “ 129 “


    ماء فرات نقاخ سلسل شبم * سلاسل وزلال نشره عطر
    تسري الحياة به في كل ذي شبح * النبت والحيوان الكلّ والبشر
    وما سواه من الأمواه ليس له * هذي النعوت فما في نعته نكر
    مثل الأجاج وماج مالح لغة * فريدة وشريب طعمه خصر
    كذا الشروب وملح والزعاق له * على القعاع مقام ليس يستتر
    أما النمير فنعت لا يخصّ به * صنف فذاك الذي ينمى به الشجر
    فهذه خمسة من بعد عاشرة * من اللغات لها في نفسها سور
    والنشج والنضج ثم النقع والبغر * ونغبة بعدها لفظ هو النجر

    تفسيره : فالنشج والنضج هو الشرب دون الريّ . والنقع : الريّ . والبغر والنجر : أن يكثر الشرب فلا يروى . والنغبة : الجرعة من الماء . وكل ما تضمنه البيت الأول هو العذب الطيب ، والشبم : البارد . والسلسل والسلاسل : السهل الدخول في الحلق . والشريب :
    الذي فيه شيء من العذوبة . والشروب : دونه ، وهو الذي يشرب عند الضرورة . والأجاج :
    الماء المالح ، وهو أيضا : الماج ، والقعاع ، والزعاق : فيه مرارة .
    ولنا في أسماء العطش :
    الصدا والأوام ثم غليل * وو غيم ولوحة العطش
    وكذاك الجواد مهلكة * فإذا ما ارتويت تنتعش

    ولنا في أسماء الخيل في السباق :
    قالوا المجلّى أول ثم المصلّى بعده * ثم المسلى والنال طرف رابع
    والخامس المرتاح ثم عاطف سادسهم * ثم الخطى بعده وهو الجواد السابع
    والثامن المؤمّل ثم اللطيم تاسع * سكبتهم عاشرهم أهلّة طوالع
    فثكلهم آخرهم فلا يعدّ فيهم * أن المجلّى أوّل فتسعة توابع
    المحفوظ عن العرب : السابق ، ثم المصلى ، والسكيب الذي هو العاشر ، والسابق هو الأول ، وهو المجلى والمبرز أيضا . وسائر ما ذكر من الأسماء ، فإن بعض الحفّاظ من أهل اللغة قال : أراها محدثة ، واللّه أعلم .

    وروينا من حديث عمرو بن بحر الجاحظ قال : ثنا سنان بن الحسن التستري ، عن إسماعيل بن فهران العسكري ، عن أبان بن عثمان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ، قال : لما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعرض نفسه على القبائل ، خرج وأنا معه ، وأبو بكر ، وكان أبو بكر عالما بأنساب العرب ، فوقفنا على

    “ 130 “

    مجلس من مجالس العرب عليهم الوقار والسكينة ، فتقدم أبو بكر ، فسلّم عليهم ، فردّوا عليه السلام ، فقال : ممن القوم ؟ فقالوا : من ربيعة . قال : أمن هاماتها أم من لهازمها ؟
    قالوا : بل من هاماتها العظمى . قال : وأيّ هاماتها ؟ قالوا : ذهل . قال : أذهل الأكبر أم ذهل الأصغر ؟ قالوا : بل الأكبر . قال : أفمنكم عوف الذي كان يقال : لا حرّ بوادي عوف ؟
    قالوا : لا . قال : أفمنكم بسطام بن قيس صاحب اللواء ومنتمي الأخيّاء ؟ قالوا : لا . قال :
    أفمنكم جساس بن مرّة حامي الزمار ومانع الجار ؟ قالوا : لا . قال : أفمنكم المزدلف صاحب الغمام ؟ قالوا : لا . قال : أفأنتم أخوال الملوك من كندة ؟
    قالوا : لا . قال : أفأنتم أصهار الملوك من لخم ؟ قالوا : لا . قال : فلستم من ذهل الأكبر ، إذ أنتم من ذهل الأصغر .

    فقام إليه أعرابي غلام حين بقل وجهه ، فأخذ بزمام ناقته ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واقف على ناقته يسمع مخاطبته ، فقال لنا : على من سألنا أن نسأله ، والعبء لا تعرفه أو تحمله . يا هذا ، إنك سألتنا أي مسألة شئت فلم نكتمك ، فأخبرنا من أنت ؟ قال أبو بكر : من قريش .
    قال : بخ بخ ، أهل الشرف والرئاسة ، فأخبرني من أي قريش أنت ؟
    قال : من بني تميم بن مرّة . قال : أمنكم قصيّ بن كلاب الذي جمع القبائل من فهر ، فكان يقال له مجمعا ؟ قال أبو بكر : لا . قال : أفمنكم هاشم الذي يقول فيه الشاعر :
    عمرو الذي هشم الثريد لقومه * ورجال مكة مسنتون عجاف
    قال أبو بكر : لا . قال : أفمنكم شيبة الحمد ، الذي كان وجهه يضيء في الليلة الظلماء الداجية مطعم الطير ؟ قال : لا . قال : أفمن المفيضين بالبأس أنت ؟ قال : لا . قال :

    أفمن أهل الرفادة أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل السقاية أنت ؟ قال : لا . قال : أفمن أهل الحجابة أنت ؟ قال : لا . قال : أما واللّه لو شئت لأخبرتك أنك لست من أشراف قريش .
    فاجتذب أبو بكر زمام ناقته منه كهيئة المغضب ،
    فقال الأعرابي :
    صادف درء السيل درء يدفعه * يرفعه طورا وطورا يضعه
    فتبسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . قال علي : فقلت : يا أبا بكر ، لقد وقعت من هذا الأعرابي على باقعة . قال : أجل يا أبا الحسن ، ما من طامّة إلا وفوقها طامّة ، وإن البلاء موكل بالمنطق .
    سأل عليّ بن أبي طالب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما أفضل الصلاة ؟ قال : « ما حضرت فيها القلوب ، وذرفت فيها العيون ، وخلصت فيها النيّات ، وفاضت فيها العبرات » .
    وبكى الحسن البشري يوما في حلقته ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : لأني أرى قوما قد أمروا بالزاد ، ونودي فيهم بالرحيل ، وحبس أولهم على آخرهم وهم قعود يلعبون .


    “ 131 “


    وأنشدني محمد بن عبد الواحد لبعضهم :
    قالوا تقدّم فقلت الخوف أخّرني * وقبح فعلي وزلّاتي ومجترمي
    بأيّ وجه إذا ما جئت أرفعه * وقد تمرّنت بالتوبيخ والندم
    وكيف أنقل أقداما عصيت بها * إلى محل العلا في القدس والعظم
    إلى الذي جاد بالإحسان مبتدئا * ومنّ بالفضل والآلاء والنّعم
    وكلّ جارحة لي غير طاهرة * لا ماء وجهي ولا جسمي ولا قدمي
    قالوا فدونك من أبواب رحمته * ومنتهى العفو والإحسان والكرم
    فقلت وجهي من الزلّات محتشم * ولست أملك وجها غير محتشم

    وقال بعض الأولياء :
    الفكرة نور ، والغفلة ظلمة ، والجهالة ضلالة ، والسعيد من وعظ بغيره .

    شعر

    إني لأذكر مولاي وأشكره * في كل وقت وفي داج من الظلم
    فكم له نعمة في كل جارحة * ضاقت لكثرتها عن شكرها هممي
    فرض على كل عبد شكر خالقه * فيما أفاض من الأنعام والكرم

    أوحى اللّه إلى داود عليه السلام : يا داود ، اعرفني واعرف قدر نفسك .

    ففكّر ساعة ، ثم قال : إلهي عرفتك بالأحدية ، والقدرة ، والبقاء ، وعرفت نفسي بالعجز ، والضعف ، والفناء .
    قال السريّ : اطلب حياة قلبك بمجالسة أهل الذكر ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن ، والتمس تعجيل الانتقال ، وإياك والتسويف ، ونافس الأبرار في إقامة الفرض ، ونافس المقربين في إخلاص النوافل ، واترك فضول الحلال ، واطلب حلاوة المناجاة بفراغ القلب ، واستجلب زيادة النّعم بعظيم الشكر ، وأكثر من الحسنات الحديثات للسيئات القديمات ، واستبق الحسنات بترك التبعات ، وسارع في الخيرات ، واحذر ما يوجب العقوبات .

    وروينا من حديث ابن ودعان ، قال : أخبرنا أبو نصر أحمد بن الخليل ، عن علي بن أبي القاسم ، عن عبد اللّه بن جعفر ، عن محمد بن الحسن العبدي ، عن أبيه ، قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد وثابت جميعا ، عن أنس بن


    “ 132 “

    مالك ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط اللّه ، وأن تحمدهم على رزق اللّه ، وأن تذمّهم على ما لم يؤتك اللّه إن رزق اللّه لا يحدّه حرص حريص ، ولا يرده كراهة كاره ، وإن اللّه تبارك وتعالى بحكمته جعل الروح والفرح في الرضا واليقين ، وجعل الهمّ والحزن في الشك والسخط ، إنك لن تدع شيئا تقرّبا إلى اللّه إلا أجزل لك الثواب عليه . فاجعل همّتك وسعيك لآخرة لا ينفذ فيها ثواب المرضي عنه ، ولا ينقطع فيها عقاب المسخوط عليه » .
    وروينا من حديث الخطابي ، قال : حدثنا ابن داسة ، حدثنا أبو داود ، ثنا عمرو بن مروان ، قال : أخبرنا شعبة ، عن الأشعث بن سليمان ، عن أبي بردة ، عن ثعلبة بن ضبيعة ، قال : دخلنا على حذيفة قال : إني لا أعرف رجلا لا تضرّه الفتن شيئا . قال : فخرجنا فإذا فسطاط مضروب ، فدخلنا فإذا فيه محمد بن مسلمة ، فسألناه عن ذلك فقال : ما أريد أن أستمل على شيء من أمصارهم حتى تنجلي عما انجلت .



    روينا من حديث ابن الخطاب ، قال : حدثنا ابن الأعرابي ، عن أبي سعيد ، عن يحيى بن سعيد القطّان ، عن محمد بن مهران بن مسلم بن المثنى ، قال : أخبرني مسلم ، قال : كنا مع عبد اللّه بن الزبير ، والحجاج محاصره ، فكان ابن عمر يصلي مع ابن الزبير ، فإذا فاتته الصلاة معه ، وسمع مؤذن الحجاج ، انطلق فصلى معه ، فقيل له : تصلي مع ابن الزبير ومع الحجاج ؟ قال : إذا دعونا إلى اللّه أجبناهم ، وإذا دعونا إلى السلطان تركناهم .
    وكان ينهى ابن الزبير عن طلب الخلافة والتعرض لها . ا هـ
    المجلس .
    خبر الضبّ الذي آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم
    روينا من حديث أبي نعيم ، عن سليمان بن أحمد إملاء وقراءة ، عن محمد بن علي بن الوليد السلمي البصري من كتابه ، عن محمد بن الأعلى الصنعاني ، عن معتمر بن سليمان ، عن كهمس بن الحسن ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي ، عن عبد اللّه بن عمر ، عن أبيه رضي اللّه عنه ، قال : إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان في محفل من أصحابه ، إذ جاء أعرابي من بني سليم قد أصاب ضبّا ، وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله ليأكله ،
    فقال : علي من هذه الجماعة ؟

    فقالوا : على هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي . فشقّ الناس ، ثم أقبل على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : يا محمد ، ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك ، ولا أبغض لك مني ، ولولا أن يسمّوني قومي عجولا ، لعجلت عليك فقتلتك ، فسررت بقتلك الناس جميعا . قال عمر بن الخطاب : يا رسول اللّه ، دعني أقتله .
    فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يا عمر ،


    “ 133 “


    أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ؟ » ، ثم أقبل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال : واللات والعزّى لا آمنت بك . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يا أعرابي ، ما حملك على الذي قلت ، وما قلت وقلت غير الحق ، ولم تكرم مجلسي ؟ » ، فقال : وتكلمني أيضا ، استخفافا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، واللات والعزّى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضبّ ، فأخرج الضب من كمّه وطرحه بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال : إن آمن بك هذا الضب آمنت بك . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يا ضبّ ، تكلم بإذن اللّه » ، فتكلم الضب بلسان عربي مبين ، يفهمه القوم جميعا :

    لبيك وسعديك يا رسول رب العالمين . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « يا ضب ، من تعبد ؟ » ، قال :

    الذي في السماء عرشه ، وفي الأرض سلطانه ، وفي البحر سبيله ، وفي الجنة رحمته ، وفي النار عذابه . قال : « فمن أنا يا ضب ؟ » ، قال : أنت رسول رب العالمين ، وخاتم النبيين ، قد أفلح من صدّقك ، وقد خاب من كذّبك . فقال الأعرابي : أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأشهد أنك رسول اللّه حقا . واللّه لقد أتيتك وما على وجه الأرض أحد أبغض إليّ منك ، واللّه لأنت الساعة أحبّ إليّ من نفسي ، ومن ولدي ، وقد آمنت بك بشعري ، وبشري ، وداخلي ، وخارجي ، وسرّي ، وعلانيتي . فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : « الحمد للّه الذي هداك إلى هذا الدين الذي يعلو ولا يعلى عليه ، لا يقبله اللّه إلا بصلاة ، ولا يقبل الصلاة إلا بقرآن » . فعلّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الفاتحة والإخلاص . وقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما سمعت في البسيط ولا في الرجز أحسن من هذا . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « إن هذا كلام رب العالمين ، وليس بشعر ، فإذا قرأت : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فكأنما قرأت ثلث القرآن ، وإذا قرأتها مرتين ، فكأنما قرأت ثلثي القرآن ، وإذا قرأتها ثلاث مرات ، فكأنما قرأت القرآن كله » . فقال الأعرابي : نعم الإله إلهنا ، يقبل اليسير ، ويعطي الجزيل . ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أعطوا الأعرابي » ، فأعطوه حتى أبطروه . فقام عبد الرحمن بن عوف ، فقال : يا رسول اللّه ، إني أريد أن أعطيه ناقة أقرّب بها إلى اللّه دون البختي وفوق العرابي ، وهي عشراء تلحق ولا تلحق ، أهديت إليّ يوم تبوك . فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : " قد وصفت ما تعطي ، فأصف لك ما يعطيك اللّه جزاء " .

    قال : نعم . قال : « لك ناقة من درّة جوفاء ، قوائمها من زبرجد أخضر ، وعنقها من زبرجد أصفر ، عليها هودج وعلى الهودج السندس والإستبرق، تمرّ بك إلى الصراط كالبرق الخاطف ".
    فخرج الأعرابي من عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلقيه ألف أعرابي على ألف دابة وألف رمح وألف سيف ، فقال لهم : أين تريدون ؟ فقالوا : نقاتل هذا الذي يكذب ويزعم أنه نبي . فقال الأعرابي : إني أشهد أن لا إله إلا اللّه ، وأن محمدا رسول اللّه . فقالوا له : صبوت . فقال :
    صبوت ، وحدّثهم الحديث . فقالوا بأجمعهم : نشهد أن لا إله إلا اللّه ، ونشهد أن محمدا



    “ 134 “

    رسول اللّه . فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتلقّاهم بلا رداء ، فنزلوا على ركبهم يقبّلون يديه ، وما ولّوا منه إلا وهم يقولون : لا إله إلا اللّه ، محمد رسول اللّه .
    فقالوا : مرنا بأمر تحبه يا رسول اللّه . قال : « تكونون تحت راية خالد بن الوليد » .
    قال : فليس أحد من العرب آمن منهم ألف رجل إلا هؤلاء من بني سليم .



    دلالات التائبين
    روينا من حديث ابن مروان ، عن عبد الرحمن بن مرزوق ، عن عبد اللّه بن أبي بكر السهميّ ، قال : قال بعض العبّاد : علامة التوبة الخروج من الجهل ، والندم على الذنب ، والتجافي عن الشهوات ، واعتقاد مقت نفسك المسئولة ، وإخراج المظلمة ، وإصلاح الكسرة والشهوة ، وترك الكذب ، وقطع الغيبة ، والانتهاء عن أخدان السوء ، والاشتغال لما عليك ، والاستعداد بما تنقلب إليه ، والبكاء على ما سلف من عمرك ، وترك ما لا يعنيك ، والخوف من ساعة تأتيك فيها رسل ربك لقبض روحك ، والتفجّع والحزن من ليلة تبيت في قبرك وحدك بين أطباق الثرى إلى يوم المعاد .


    ومما قيل في الحنين إلى الأوطان للشريف الرضيّ :
    لا يذكر الرمل إلا حنّ مغترب * له بذي الرمل أوطار وأوطان
    تهفو إلى البان من قلبي نوازعه * وما بي البان بل من داره البان
    أسدّ سمعي إذا غنّى الحمام به * أن لا يهيج سرّ الوجد إعلان
    وربّ دار أولّيها مجانبة * ولي إلى الدار أطراب وأشجان
    إذا تلفت في أطلالها ابتدرت * للعين والقلب أمواه ونيران


    ومن قول الشريف الرضيّ في الاشتياق :
    خذي نفسي يا ريح من جانب الحمى * فلاقي بها ليلا نسيم ربا نجد
    فإنّ بذاك الحيّ حيّا عهدته * وبالرغم مني أن يطول به عهدي
    ولولا تداوي القلب من ألم الهوى * بذكر تلاقينا قضيت من الوجد
    ويا صاحبيّ اليوم عوجا لتسألا * ركيبا من الغورين أينقهم تحدي
    عن الحيّ بالجرعاء جرعاء مالك * هل ارتبعوا واخضرّ واديهم بعدي
    شممت بنجد شيمة حاجريّة * فأمطرتها دمعي وأفرشتها خدّي
    ذكرت بهاويّا الحبيب على النوى * وهيهات ذا يا بعد بينهما عندي
    وإني لمجلوب لي الشوق كلما * تنفس شاك ، أو تألم ذو وجد


    “ 135 “


    تعرّض رسل الشوق والركب جاهد * فأيقظني من بين نوّامهم وحدي
    فما شرب العشاق إلا بقيّتي * ولا وردوا في الحبّ إلا على وردي
    قال بعض العارفين : إن كانت الحاجة إلى الناس فالكسب أولى ، ومن لم ير غير اللّه ، ولم يخطر له الناس ببال ، ففي أي مقام أقيم فهو ذاك وهو حال عزيز .
    قال بعض الحكماء : بذل الحيلة في طلب الحلال . وقلة الحوائج إلى الناس أفضل العبادة .
    رويناه من حديث ابن مروان عن عباس بن محمد بن الجمحي ، عن محمد بن سلام .
    ومن الأمثال في السعي على العيال ما رويناه من حديث المالكي ، عن علي بن الحسن ، عن أبيه ، قال : قال لي البناجي : قال بعض العبّاد : إن مثل الرجل لولده ولعياله مثل الدخنة الطيبة تحترق ويلتذ بطيب رائحتها آخرون .
    ومن أحوال الدنيا ما رويناه من حديث الدينوري ، عن أحمد بن الحسن ، عن سعيد الجرمي ، قال : قال ابن السماك لجعفر بن يحيى : إن اللّه عز وجل ملأ الدنيا باللّذات ، وحشاها بالآفات ، فمزج حلالها بالموبقات ، وحرامها بالتبعات .



    حكمة علوية
    أحسن الدنيا ، أقبحها عند من يبصرها ، يعني بعين عقله ، وذلك أنها تشغل عما هو أحسن منها ، يعني الآخرة ، واكتساب الخلق الفاضلة . رويناه من حديث أحمد بن مروان بن إبراهيم ، عن نصر ، عن محمد بن سلام ، عن بعض الحكماء .
    ومن باب حنين الإبل وسيرها ، قول أبي منصور بن الفضل المؤدب :
    تزاورن من أذرعات يمينا * نواشز ليس يطعن البرينا
    كلفن بنجد كأن الرياض * أخذن لنجد عليها يمينا
    وأقسمن يحملن إلا بخيلا * إليه ويبلغن الآخرينا
    ولما استمعن زفير المشوق * ونوح الحمام تركن الحنينا
    إذا جئتما بآنة الواديين * فأرخوا النسوع وخلّوا الوضينا


    وقال أيضا في هذا الباب :
    لأي مرمى تزجر الأيانقا * إن جاوزت نجدا فلست عاشقا


    “ 136 “


    وإنما كان بكائي حاديا * ركب الغرام وزفيري سائقا
    ومن هذا الباب لأبي جعفر البياضي :
    نوق تراها كالسّفين * إذا رأيت الآل بحرا
    كتب النحر بدمائها * في مهرق البيداء سطرا
    فكأن أرجلهن تطلب * عند أيديهنّ وترا
    يحملن من أهل الهوى * شعثا على الأكوار غبرا
    لاح الهجير وجوههم * فأحال منها البيض سمرا


    ولابن الخفاجي من هذا الباب :
    امتيحها فضل الأزمة شمّر * فمع النسيم تحية من عرعر
    يا بانتي أضم ومن دين الهوى * بثّ السؤال لكل من لم يخبر
    أعلمتما قلبي أقام مكانه * أم سار في طلب الصباح المسفر


    وله أيضا :
    دعوها نناضل بالأذرع * فأين العواصم من لعلع
    وقودوا أزمتها بالحنين * فلولا الصبابة لم تتبع

    وروينا عن الإمام أبي الفرج بن الجوزيّ الحافظ كتابة لنفسه في هذا الباب :
    وحرمة شعث على كل نضر * براهنّ من ألم ما براني
    إذا ذكرتها حداة الهوى * قطعن البر أقطع وجدي عنان
    تطايرن والشوق يدني مني * وكل المنى عند ذاك المكان
    فلما علون فويق الكثيب * تراءين ذاك البريق اليماني


    وله أيضا من قصيدة في هذا الباب :
    لا وشعث فارقوا أوطانهم * يستلينون الطريق الأوعرا
    كلما غنّى بهم حاديهم * أخذت عيسهم تغري البرا
    أعسفت في سيرها إذ طربت * أمنى ذكّرها والأجفرا
    وافقت من حملت في شوفهم * فتناست بالهوى طول السّرى

    خبر فيميون وعبادته وما جرى له
    روينا من حديث ابن إسحاق ، عن المغيرة بن أبي لبيد مولى الأحنف ، عن وهب بن


    “ 137 “



    منبّه اليماني أنه حدّثهم ، أن موقع دين النصرانية بنجران ، أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى ابن مريم عليه السلام ، يقال له فيميون ، وكان صالحا زاهدا مجتهدا ورعا ، مجاب الدعوة ، سائحا نائحا ينزل القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية ، لا يعرف بها .
    وكان لا يأكل إلا من كسب يده ، وكان بنّاء يعمل الطين ، وكان يعظّم الأحد إذا كان يوم الأحد ، لا يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض فصلّى فيها حتى يمسي .
    قال : وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن بشأنه رجل من أهلها يقال له صالح ، فأحبّه صالح حبا لم يحبه شيئا كان قبله ، فكان يتبعه حيث ذهب ، ولا يفطن له فيميون ، حتى خرج مرة يوم الأحد إلى فلاة في الأرض ، كما كان يصنع ، وقد تبعه صالح ، وفيميون لا يدري به ، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه لا يحب أن يعلم بمكانه .

    وقام فيميون يصلي ، فبينا هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين : الحية ذات الرؤوس السبعة ، فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت ، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها فخافها عليه ، فعيل عوله ، فصرخ : يا فيميون ، التنين قد أقبل نحوك ، فلم يلتفت إليه ، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها وأمسى ، فانصرف وعرف أنه قد عرف ، وعرف صالح أنه قد رأى مكانه ، فقال له : يا فيميون ، تعلم واللّه أني ما أحببت شيئا قط حبك ، وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت .
    قال : ما شئت أمري كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم ، فلزمه صالح . وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه ، وكان إذا ناجاه العبد به الضرّ دعا له فشفي ، وإذا دعا لأحد به ضرّ لم يأته .

    وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير ، فسأل عن شأن فيميون ، فقيل له : إنه لا يأتي أحدا دعاه ، ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجرة .
    فعمد الرجل إلى ابنه ذلك ، فوضعه في حجرته ، وألقى عليه ثوبا ، ثم جاءه فقال : يا فيميون ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي حتى تنظر إليه فأشارطك عليه . فانطلق معه حتى دخل حجرته ، ثم قال له : ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال : كذا وكذا ، ثم كشط الثوب عن الصبي ، وقال : يا فيميون ، عبد من عباد اللّه أصابه ما ترى ، فادع اللّه له ، فدعا له فيميون ، فقام الصبي ليس به بأس ، وعرف فيميون أنه قد عرف . فخرج من القرية ، واتبعه صالح ، فبينما هو يمشي في بعض أرض الشام ، إذ مرّ بشجرة عظيمة ، فناداه منها رجل ، فقال : أفيميون ؟ قال : نعم .
    قال : ما زلت أنظر وأقول متى هو جاء ؟ حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو ، لا




    “ 138 “


    تبرح حتى تقوم عليّ ، فإني ميت الآن . فمات وقام عليه حتى واراه .
    ثم انصرف وتبعه صالح حتى وطئا بعض أرض العرب ، فعدّوا عليها ، فاختطفتهما سيارة من بعض لعرب ، فخرجوا بهما حتى باعوهما بنجران . وأهل نجران يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ، لها عيد كل سنة ، إذا كان ذلك العيد ، علّقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه ، وحلّي النساء ، ثم خرجوا إليها ، فعكفوا عليها يوما . فابتاع فيميون رجل من أشرافهم . وابتاع صالحا آخر .

    فكان فيميون إذا قام من الليل في بيته يصلي ، أسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح ، فرأى ذلك سيده ، فأعجبه ما رأى منه ، فسأله عن دينه فأخبره ، وقال له فيميون : إنما أنتم في باطل ، إن هذه النخلة لا تضرّ ولا تنفع ، فلو دعوت عليها إلهي الذي أعبد أهلكها ، وهو اللّه وحده لا شريك له . فقال له سيده : فافعل ، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه . قال : فقام فيميون ، فتطهّر وصلى ركعتين ،
    ثم دعا اللّه عز وجل عليها ، فأرسل ريحا ، فجعفتها من أصلها فألقتها . فاتبعه عند ذلك أهل نجران على دينه ، فحملهم على الشريعة من دين عيسى ابن مريم عليه السلام . قوله : فجعفتها قلعتها ، وقوله : عيل عوله ، يقال : عال الأمر إذا أثقل .

    وعليه قول الفرزدق :
    ترى الغرّ الجحاجح من قريش * إذا ما الأمر في الحدثان عالا

    فمعنى عيل عوله أي غلب غلبة ، وقهرت شدته وجلده .
    ومن وقائع بعض أصحاب شيخنا أبي مدين شعيب بن الحسن رضي اللّه عنه ما حدثنا به أبو محمد عبد اللّه ابن الأستاذ صاحبنا ، وهو من سادات القوم ، قال بعض المريدين :

    رأيت في واقعتي الشيخ أبا مدين ، والشيوخ قد أحدقوا به يسألونه عن المعرفة ، فقال لهم :

    إذا تلاشت المعرفة بالمعروف صحّت المعرفة ، ثم قالوا له : صف لنا سرّك ،

    فقال لهم :اسمعوا ولنفسي أسمع :
    يا سرّ سرّي وجهر جهري * يا نور نوري وحياة أمري
    يا قلب قلبي وبحر فكري * ومن به الفلك في البحر يجري
    فأنت تكسو * وأنت تعري
    قال عبد اللّه صاحب الواقعة : ثم أصابتني في واقعتي شبه السنّة ، فرأيت أبا مدين والأشياخ كما كانوا ، فقالوا له : زدنا ، فقال لهم : إنكم تحسبون أني أغيبه ، ثم سكت ، فإذا جملة من الديكة مجتمعون فتطاول واحد منهم وهو يبكي بحنين وتطويل ، فقال له أبو مدين : قل ، فنطق بلسان فصيح : إنكم تحسبون أني أغيبه ، المطبوع في البيت هو فيه ،

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 16:42