..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2 ـ 6

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:13

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء السادس
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 2

    “ 79 “
    منتقما ونصيرا ، وكفى بالجنة ثوابا ونوالا ، وكفى بالنار عقابا ونكالا ، وكفى بكتاب اللّه جحيما وخصيما .

    ومما وعظ به كعب الأحبار عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه
    ما رويناه من حديث أحمد بن حنبل ، ثنا بهر بن أسد ، ثنا جعفر بن سليمان ، ثنا علي بن زيد ، عن مطرف ، عن كعب ، قال : قال عمر بن الخطاب وأنا عنده : يا كعب خوّفنا ، قلت : يا أمير المؤمنين أليس فيكم كتاب اللّه وحكمة رسول اللّه ؟ قال : بلى ، ولكن خوّفنا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، اعمل عمل وجل ، لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لازدريت عملك مما ترى . فأطرق عمر مليا ، ثم أفاق فقال : زدنا يا كعب ، قلت : يا أمير المؤمنين ، لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب ، لغلى دماغه حتى يسيل من حرّها . فأطرق عمر مليا ، ثم أفاق فقال : زدنا يا كعب ، قلت : إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة لا يبقى ملك مقرّب ، ولا نبي مصطفى إلا خرّ جاثيا على ركبتيه ، ويقول : رب نفسي نفسي ، لا أسألك اليوم إلا نفسي . فأطرق عمر مليا ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أو ليس تجدون هذا في كتاب اللّه عز وجل ؟ قال : كيف ؟ قلت : يقول اللّه تعالى : يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها .

    وروينا من حديث ابن أبي الدنيا ، حدثني القاسم بن هاشم ، قال : نبأ أبو اليمان قال :
    نبأ صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان ، عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه قال لكعب :
    ما تخاف علينا يا أبا إسحاق ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إن في السماء ديّانا ، وإن في الأرض ديّانا ، فويل لديّان الأرض من ديّان السماء إلا من دان نفسه للّه عز وجل ، إنك تأمر ولا تؤمر ، وإنك بين الناس وبين ربك ، وليس بينك وبين اللّه أحد . فقال له عمر : أنشدك باللّه كيف تجدني ، أخليفة أم ملكا ؟
    قال : بل خليفة ، قال : فاستحلفه عمر ، فحلف له كعب ، وقال : خليفة واللّه من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان .



    موعظة أعرابي للرشيد بمكة
    ذكر أبو الفرج في كتاب « مثير الغرام الساكن » له ، أن الرشيد حجّ في بعض السنين ، فبينما هو يطوف بالبيت عرض له أعرابي فأنشده :
    عش ما بدا لك كم تراك تعيش * أتظنّ سهم الحادثات يطيش
    عش كيف شئت لتأتيك وقفة * يوما وليس على جناحك ريش


    “ 80 “

    قال : فوقف الرشيد فاستعاده الشعر ، ثم بكى حتى بلّ وجهه ، وأمر له بخمسين ألف درهم .
    روينا من حديث الهاشميّ قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « تكون أمتي في الدنيا على ثلاثة أطباق :
    أما الطبق الأول : فلا يرغبون في جمع المال وادّخاره ، ولا يسعون في اقتنائه واحتكاره ، إنما رضاهم من الدنيا ما سدّ جوعة وستر عورة ، وغناهم فيها ما بلّغ الآخرة ، فأولئك الذين لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * .
    وأما الطبق الثاني : يحبّون جمع المال من أطيب سبيله وصرفه في أحسن وجوهه ، يصلون به أرحامهم ، ويبرّون به إخوانهم ، ويواسون به فقراءهم ، ولعضّ أحدهم على الرصف أسهل عليه من أن يكسب درهما من غير حله ، وأن يضعه في غير وجهه ، وأن يمنعه من حقه ، وأن يكون له خازنا إلى حين موته ، فأولئك الذين إن نوقشوا عذّبوا ، وإن عفي عنهم سلموا .

    وأما الطبق الثالث : فيحبون جمع المال مما حل وحرم ، ومنعه مما افترض أو وجب ، إن أنفقوه أنفقوه إسرافا وبدارا ، وإن أمسكوه أمسكوه بخلا واحتكارا ، أولئك الذين ملكت الدنيا أزمّة قلوبهم حتى أوردتهم النار بذنوبهم .


    كان عليّ بن عبد اللّه بن العباس عند عبد الملك بن مروان ، فأخذ عبد الملك يذكر أيام بني أمية ، فبينما هو كذلك إذ نادى المنادي بالأذان ، فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمدا رسول اللّه .

    فقال علي رضي اللّه عنه :
    هذي المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
    فقال عبد الملك بن مروان : الحق في هذا بيّن من أن يكابر .



    ومن هذا الباب
    ما ذكره علي بن محمد النديم قال : دخلت على المتوكل وعنده الرضا ، فقال : يا علي ، من أشعر الناس في زماننا ؟ قلت : البحتري ، قال : وبعده ؟ قلت : مروان بن أبي حفصة عبدك ، والتفت إليّ الرضا فقال : يا ابن عمّ ، من أشعر الناس ؟ قال : علي بن محمد العلوي ، قال : وما تحفظ من شعره ؟ قال : قوله :



    “ 81 “

    لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمطّ خدود وامتداد أصابع
    فلما تنازعنا القضاء قضى لنا * عليهم بما تهوى نداء الصوامع

    قال المتوكل : ما معنى نداء الصوامع ؟ قال : الشهادة . قال : وأبيك إنه أشعر الناس .
    ومن قوله :
    بلغنا السماء بأنسابنا * ولولا السماء لحزنا السماء
    وحسبك من سؤدد أننا * بحسن البلاء كشفنا البلاء
    يطيب الثناء لآبائنا * وذكر عليّ يطيب الثناء
    إذا ذكر الناس كنا ملوكا * وكانوا عبيدا وكانوا إماء
    هجاني رجال ولم أهجهم * أبي اللّه لي أن أقول الهجاء

    ومن باب قوله تعالى : إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ما رويناه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، عن ربه تعالى ، قال : « يقول اللّه جلّ ذكره يوم القيامة : اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي ، أين المتقون ؟ » .

    روينا من حديث ابن عباس قال : الناس يتفاضلون في الدنيا في الشرف ، والبيوت ، والأمارات ، والغنى ، والجمال ، والهيبة ، والنطق . ويتفاضلون في الآخرة بالتقوى ، واليقين ، وأتقاهم أحسنهم يقينا ، وأزكاهم عملا ، وأرفعهم درجة .



    لبعضهم شعر :
    يزين الفتى في الناس صحة عقله * وإن كان محظورا عليه مكاسبه
    وشين الفتى في الناس قلّة عقله * وإن كرمت آباؤه ومناسبه

    قيل لعامر بن قيس : ما تقول في الإنسان ؟ قال : وما أقول فيمن إن جاع صغى ، وإن شبع طغى ؟ قال الحكيم : أخوان من أب واحد وأم واحدة ، الواحد عاقل فساد بين الناس بعقله فكان له الشرف والسؤدد ، والآخر لا عقل له فلم يرفع نسبه به رأسا له ، فيقول له أخوه :

    أبوك أبي والجدّ لا شكّ واحد * ولكننا عودان آس وخروع

    وأحسن ما قيل مما يليق بهذا الباب :
    إن الفتى من يقول ها أنا ذا * ليس الفتى من يقول كان أبي

    وقول الآخر :
    وما ينفع الأصل من هاشم * إذا كانت النفس من باهله



    “ 82 “



    روينا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه أتاه أعرابي فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه ، من أكرم الناس حسبا ؟ قال : « أحسنهم خلقا وأفضلهم تقوى » . فانصرف الأعرابي فقال : « ردّوه » ، فقال : « يا أعرابي ، لعل أردت أكرم الناس نسبا ؟ » ، قال : نعم يا رسول اللّه ، قال : « يوسف صديق اللّه ابن يعقوب ، إسرائيل اللّه ابن إسحاق ، ذبيح اللّه ابن إبراهيم خليل اللّه ، فأين مثل هؤلاء الآباء في جميع الدنيا ؟ ما كان مثلهم ولا يكون » .

    وفي ذلك يقول الشاعر :

    ولم أر كالأسباط أبناء واحد * ولا كأبيهم والدا حين ينسب

    فمن الشرف والسؤدد الحلم ، وبه ساد الأحنف بن قيس .

    ومنها الوفاء ، وبه ساد السموأل .

    ومنها الرأي ، وبه ساد الحصين بن المنذر .

    ومنها التحبّب إلى الناس عامة وخاصة ، وبه ساد مالك بن مسمع .

    ومنها الجود والكرم ، وبه ساد حاتم ومعن بن زائدة .

    ومنها حب المساكين ، وبه ساد جعفر بن أبي طالب .

    ومنها العطف على الأرامل ، وبه ساد سويد بن متحوف .

    ومن مكارم الأخلاق

    ما حدثه الفتح بن خاقان ، عن المتوكل قال : خرج المتوكل إلى دمشق وأنا عديله ، فلما صرنا بقنسرين قطعت بنو سليم على التجار ، فانتهى ذلك إليه ، فوجّه قائدا من وجوه قوّاده إليهم ، فحاصرهم ، فلما قربنا من القوم إذا نحن بجارية ذات جمال وهيبة وهي تقول :

    أمير المؤمنين سما إلينا * سموّ الليث مال به الغريف

    فإن نسلم فعفو اللّه نرجو * وإن نقتل فقاتلنا شريف

    فقال لها المتوكل : أحسنت ، ما جزاؤها يا فتح ؟ قلت : العفو والصلة يا أمير المؤمنين ، فأمر لها بعشرة آلاف درهم .

    وقال لها : مرّي إلى قومك وقولي لهم : لا تردّوا المال على التجار ، فإني أعوّضهم .




    “ 83 “



    حكمة بالغة

    قال عبد الملك بن مروان لسالم بن يزيد الفهمي : أي الزمان أدركت أفضل ؟ وأي ملوكه أكمل ؟ قال : أما الملوك فلم أر إلا ذامّا وحامدا ، وأما الزمان فرفع أقوام ووضع آخرين ، وكلهم يذم زمانه ، لأنه يبلي جديدهم ويهرم صغيرهم ، وكل ما فيه منقطع إلا الأمل ، قال : فأخبرني عن فهم ، قال : هم كما قال الشاعر :

    درج الليل والنهار على فه * م بن عمر فأصبحوا كالرميم

    وخلت دارهم فأضحت نعاما * بعد عزّ وثروة ونعيم

    وكذاك الزمان يذهب بالنا * س وتبقى ديارهم كالرّسوم



    قال : فمن يقول منكم :

    رأيت الناس مذ خلقوا وكانوا * يحبون الغنيّ من الرجال

    وإن كان الغني أقل خيرا * بخيلا بالقليل من النوال

    فلم أدر علام وفيم هذا * وما ذا يرتجون من المحال

    أللدنيا فليس هناك دنيا * ولا يرجى لحادثة الليالي

    قال : أنا وقد كتمتها .



    وروينا من حديث ابن ودعان ، عن أبي سعيد الآملي ، عن السيرافي ، عن أبي سعيد ، عن هبة اللّه بن عاصم ، عن محمد بن عبيد اللّه الخزاعي ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لرجل يعظه : « ارغب فيما عند اللّه يحبك اللّه ، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس . الزاهد في الدنيا يربح قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة ، وإن الراغب يتعب قلبه وبدنه في الدنيا والآخرة . ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم حسنات كأمثال الجبال ، فيؤمر بهم إلى النار » ، فقيل : يا رسول اللّه ، أو يصلّون كانوا ؟ قال : « كانوا يصلّون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل ، لكنهم كانوا إذا لاح لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه » .



    وروينا من حديثه أيضا ، عن محمد بن علي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن عبيد اللّه بن جرير ، عن معاذ بن أسد ، عن ابن المبارك ، عن إسماعيل بن عياش ، عن يحيى الطويل ، عن نافع بن عمرة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : « أيها الناس ، إن هذه الدار دار التواء لا دار استواء ، ومنزلة ترح لا منزلة فرح ، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء ، ألا وإن اللّه خلق الدنيا دار بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا




    “ 84 “



    لثواب الآخرة سببا ، وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ليعطي ، ويبتلي ليجزي ، وإنها لسريعة الذهاب ، وشبكة الانقلاب . فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها ، واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ، ولا تسعوا في غمرات دار قد قضى اللّه خرابها ، ولا تواصلوها وقد أراد اللّه منكم اجتنابها ، فتكونوا لسخطه متعرضين ، ولعقوبته مستحقين » .

    ولما أتى علي رضي اللّه عنه العراق دخل المدائن ، فنظر إلى إيوان كسرى معتبرا ، فجعل يبكي ، فقام إليه بعض الحاضرين فقال : يا أمير المؤمنين ، أتحب أن أسمعك قول الأسود بن يعفر ؟ فقال : إن شئت ، وعليّ يتلو قوله تعالى : فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، قال : وأي آية ؟ ما أعظمها ، ثم قال : يا هذا ، ما قال الأسود ؟

    فقال :

    ما ذا يؤمل بعد آل محرّق * تركوا منازلهم وبعد إياد

    أرض الخورنق والسدير وبارق * والقصر ذو الشرفات من سنداد

    نزلوا بأنفرة تسيل عليهم * ماء الفرات يجيء من أطواد

    أرض تخيّرها لطيب نسيمها * كعب بن مامة وابن أم دواد

    جرت الرياح على محل ديارهم * فكأنما كانوا على ميعاد

    فإذا النعيم وكل ما يلهى به * يوما يصير إلى بلى ونفاد



    فقال علي رضي اللّه عنه : يا هذا ، أبلغ من ذلك قول اللّه تعالى : كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ .

    سمعت محمد بن أبي محمد الكتاني ينشد يوما أبياتا فأثّر بي سماعها ، وهي :

    لو جرى دمعك يا هذا دما * ما تقدمت إلينا قدما

    إنما يصفو هوانا لامرئ * حفظ العهد وراعى الذمما

    كيف يخفى لك أمر بعد ما * نشر العذر عليه علما

    عندنا منك أمور كلها * حيرة فيما لدينا وعما

    وأرى داءك داء معضلا * أبدا تزداد فيه سقما

    كم حميناك فلم تبق لنا * وتعدّيت ووافيت الحمى

    نح علينا أسفا أو لا تنح * واقرع السنّ علينا ندما

    لو أردناك لنا ما فتنا * أو وصلنا حبلنا ما انصرما

    ما رأينا منصفا عامله * منصف في صفقة فاختصما

    أنت لو سالمتنا نلت المنى * قلّ من سالم إلا سلما

    كان ثوبة صاحب ليلى الأخيلية قد قال :




    “ 85 “



    ولو أن ليلى الأخيلية سلّمت * عليّ ودوني جندل وصفائح

    لسلّمت تسليم البشاشة أوزقي * إليها صدى من جانب القبر صائح

    ولو أن ليلى في السماء لأصعدت * بطرفي إلى ليلى العيون اللوامح



    فيقال : إنه لما مات ثوبة مرّ زوج ليلى بليلى على قبره ، فقال لها : سلّمي على ثوبة ، فإنه زعم في شعره أنه يسلّم عليك تسليم البشاشة ، فقالت : ما تريد إلى من بليت عظامه ؟

    قال : واللّه لتفعلي ، فقالت وهي على البعير : سلام عليك يا ثوبة فتى الفتيان . وكان قطاة مستظلة في نقب القبر ، فلما سمعت الصوت طارت فصاحت ، فنفر البعير ورمى بليلى ، فماتت ودفنت بجنب قبره .



    ويحكى أن ليلى الأخيلية دخلت على الحجاج فأنشدته قولها فيه :

    إذا نزل الحجّاج أرضا سقيمة * تتبّع أقصى دائها فشفاها

    شفاها من الداء العضال الذي بها * غلام إذا هزّ القناة ثناها

    أحجّاج لا تعطي العصاة مناهم * ولا اللّه لا يعطي العصاة مناها

    فوصلها الحجاج بألف دينار ، وسألها الحجاج : هل كان بينك وبين ثوبة ريبة قطّ ؟

    قالت : لا والذي أسأله صلاحك ، إلا أنه قال مرة لي قولا ، ظننت أنه خنع لبعض شيء ، فقلت له



    شعرا :

    وذي حاجة قلنا له لا تبح بها * فليس إليها ما حييت سبيل

    لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه * وأنت لأخرى فارغ وحليل

    قالت : فما كلّمني بعد ذلك بشيء حتى فرّق بيني وبينه الموت . قال الحجاج : فما كان من بعد ذلك ؟ قالت : لم يلبث أن قال لصاحب له : إذا أتيت الحاضر من بني عباد فقل بأعلى صوتك :

    عفا اللّه عنها هل أبيتنّ ليلة * من الدهر لا يسري إلينا خيالها



    فلما سمعت الصوت خرجت فقالت :

    وعنه عفا ربّي فأصلح حاله * يعزّ علينا حالة لا ينالها



    ومن الكلام الأشد في وصف الأسد

    ما حدثناه بعض الأدباء قال : دخل أبو زبيد الطائي على عثمان بن عفان رضي اللّه عنه في خلافته ، وكان نصرانيا ، فقال له : بلغني أنك تجيد وصف الأسد ، فقال له : لقد رأيت




    “ 86 “



    منه منظرا ، وشهدت منه مخبرا ، لا يزال ذكره يتجدد على قلبي . قال : هات ما مرّ على رأسك منه ، فقال : خرجت يا أمير المؤمنين في صبية من أفناء قبائل العرب ذوي شارة حسنة ترتمي بنا المهاري بأكسائها القيروانية ، ومعنا البغال عليها العبيد يقودون عناق الخيل ، نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام ، فاخروط بنا المسير في جمارة القيظ ، حتى إذا عصبت الأفواه ، وذبلت الشفاه ، وسالت المياه ، وأذكت الجو المعر ، وذاب الصخر الجندب ، وضاف العصفور الضبّ في وجاره ، قال قائلنا : أيها الركب ، غوروا بنا في وضوح هذا الوادي ، وإذا واد كثير الدّغل ، دائم الغلل ، شجراؤه معثة ، وأطياره مرثة .

    فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات متهدلات ، قاصبنا من فضلات المزاود ، وأتبعناها بالماء البارد ، فإنا لنصف حرّ يومنا ، ومماطلته ومطاولته ، إذ صرّ أقصى الخيل أذنيه ، وفحص الأرض بيديه ، ثم ما لبث أن جال فحمحم ، وبال فهمهم ، ثم فعل الذي يليه واحد فواحد ، فتضعضعت الخيل ، وتكعكعت الإبل ، وتقهقرت البغال ، فمن نافر بشكاله ، وناهض بعقاله ، فعلمنا أن قد أتينا ، وأنه السبع لا شك ، ففزع كل امرئ إليه بسيفه ، واستلّ من جربانه ، ثم وقفنا له زردقا ، فأقبل يتطلع في مشيته كأنه مجنون ، أو في هجار ، لصدره مخيط ، ولبلاعيمه غطيط ، ولطرفه وميض ، ولأرساغه نقيض ، كأنما يخبط هشيما ، أو يطأ صريما ، وإذا هامة كالمجنّ ، وخدّ كالمسنّ ، وعينان شجراوان كأنهما تقدّان ، وقصرة ربلة ، ولهزمة رهلة ، وكيد مغتبط ، وزور مفرط ، وساعد مجدول ، وعضد مفتول ، وكفّ شبيه المراثن إلى مخالب كالمحاجن .



    ثم ضرب بذنبه الأرض فأرهج ، وكشر فأفرج عن أنياب كالمعاول ، مصقولة غير مغلولة ، وفم أشدق كالغار الأخرق ، ثم تمطى فأسرع بيديه ، وحفز وركيه برجليه ، حتى صار ظله مثليه . ثم أقعا فاقشعر ، ثم مثل فاكفهرّ ، ثم تجهّم فازبأرّ .

    فلا والذي بيته في السماء ما اتّقيناه بأول من أخ لنا من بني فزارة ، كان ضخم الجزارة ، فوهصه ، ثم أقعصه ، فقضقض متنه ، وبقر بطنه ، فجعل يألغ في دمه ، فدمرت أصحابي ، فبعد رأي ما استقدموا ، فكرّ مقشعرا لزئيرة كان بها سهما حوليا ، فاختلج من دوني رجلا ذا حوابا ، فنفضه نفضة ، فتزايلت أوصاله ، وانقطعت أوداجه ، ثم نهض فقرقر ، ثم زفر فبربر ، ثم زأر فجرجر ، ثم لحظ فو اللّه لخلت البرق يتطاير من تحت جفونه من عن شماله ويمينه ، فأرعشت الأيدي ، واصطكت الأرجل ، وأطت الأضلاع ، وارتجت الأسماع ، وجمحت العيون ، وانخزلت المتون ، ولحقت البطون بالظهور ، وساءت الظنون ،

    وأنشأ يقول :

    عبوس شموس مصلخدّ خنابس * جريء على الأرواح للقرن قاهر

    منيع ويحمي كل واد يرومه * شديد أصول الماضغين مكابر




    “ 87 “



    برايته شتن وعيناه في الدجى * لجمر الغضى في وجهه الشر ظاهر

    يدل بأنياب حداد كأنها * إذا قلص الأشداق عنها خناجر

    فقال له عثمان رضي اللّه عنه : اكفف لا أم لك ، فلقد أرعبت قلوب المسلمين ، ولقد وصفته حتى كأنني أنظر إليه يريد يواثبني .



    مثل سائر

    هو أجبن من هجرس ، وهو القرد ، وذلك أنه لا ينام الليل إلا وفي يده حجر مخافة أن يأكله الذئب .

    قال قتيبة بن مسلم : لا تطلبوا الحوائج من كذوب ، فإنه يقرّبها وإن كانت بعيدة ، ويبعدها وإن كانت قريبة ، ولا إلى رجل قد جعل المسألة مأكله ، فإنه يقدّم حاجته قبلها ، ويجعل حاجتك وقاية لها ، ولا إلى أحمق فإنه يريد نفعك فيضرّك .

    قال بعضهم : لو لم يترك العاقل الكذب إلا مروءة بذلك ، فكيف وفيه المأثم والعار ؟



    مكتوب في الحكمة

    عند التراخي عن شكر المنعم يحلّ عظيم النقم .

    وقيل لذي الرمة : لم خصصت بلال بن أبي بردة بمدحك ؟ قال : لأنه وطّأ مضجعي ، وأكرم مجلسي ، وأحسن صلتي ، فحق لكثير معروفه عندي أن يستولي على شكري .

    وروينا من حديث عائشة أم المؤمنين قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثيرا ما يقول : « يا عائشة ، ما فعل نبيّك ؟ » ،

    فأنشده :

    نجزيك أو نثني عليك وإن من * أثنى عليك لما فعلت كمن جزا



    فيقول صلى اللّه عليه وسلم : " صدق القائل يا عائشة ، إن اللّه إذا أجرى على يد رجل خيرا فلم يشكر فليس للّه بشاكر " .

    قال الهيثم بن حسن بن عمارة : كان سراقة البارقي من أظرف الناس ، وكان من أهل الكوفة ، فأسره رجل من أصحاب المختار ، وكان يومي إلى أنه نبيّ ، وعرف ذلك منه ، فأتى بسراقة إليه ، فقال له المختار : أسرك هذا ؟ فقال سراقة : كذب واللّه ، ما أسرني إلا رجل عليه ثياب بيض على فرس أبلق ، فقال المختار : أما إن الرجل قد عاين الملك ، خلّوا سبيله . فلما أفلت أنشأ يقول :




    “ 88 “



    ألا بلّغ أبا إسحاق أني * رأيت البلق دهما مضمنات

    أري عينيّ ما لم تورياه * كلانا عالم بالترهات

    كفرت بوحيكم وجعلت نذرا * عليّ قتالكم حتى الممات

    قيل : وما عبّر عن شيء فهو أفضل منه . انتهى .



    كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم وما كان منه في ذلك

    روينا من حديث الحافظ أبي نعيم ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن أبو عمر ، نبأ الحسن بن الجهم ، نبأ الحسين بن الفرج ، نبأ محمد بن عمر الواقدي ، حدثني مالك بن أبي الرجال ، عن عمر بن عبد اللّه ، عن محمد بن كعب القرظيّ ، قال : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دحيّة الكلبيّ إلى قيصر ، وكتب إليه معه ، فلقيه دحية بحمص ، وقيصر ماش من قسطنطينية ، فلما لقيه قال له من قومه كلب : إذا لقيته فاسجد له ، ثم لا ترفع رأسك حتى يأذن لك . قال دحية : لا أفعل هذا أبدا ، ولا أسجد لغير اللّه . قال : فإذا لا يأخذ كتابك ، ولا يردّ جوابك . قال : وإن لم يأخذ . قال رجل من القوم : أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ، ولا يكلفك السجود فيه . قال دحية : وما هو ؟ قال له : على كل عقبة منبر يجلس عليه ، فضع صحيفتك وجاه المنبر ، فإنه لا أحد يحرّكها حتى يأخذها هو ، ثم يدعو صاحبها . قال : أما هذا فسأفعله ، فعمد إلى منبر من تلك المنابر التي يستريح عليها ، فألقى الصحيفة ، وجاه المنبر ، ثم تنحّى فجلس قريبا ، فجاء قيصر فجلس على المنبر ، ثم نظر إلى الصحيفة ، فدعا بها ، فإذا عنوانها : كتاب عربي . فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية ، فإذا فيه : « من محمد رسول اللّه إلى قيصر صاحب الروم » . فغضب أخ لقيصر يسمى نياق ، فضرب الترجمان في صدره ضربة شديدة أجلسته على استه ، ثم نزعها منه ، فقال : ما شأنك اختلست الصحيفة ؟ قال : تنظر في كتاب رجل بدا فيه بنفسه قبلك ؟ قال قيصر لنياق :

    إنك واللّه ما علمت أنك أحمق صغير ، أو مجنون كبير ، أتريد أن تخرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه ؟ فلعمري إن كان رسول اللّه كما يقول ، فنفسه أحق أن يبدأ بها مني ، وإن كان سمّاني صاحب الروم لقد صدق ، وما أنا إلا صاحبهم ، وما أملكهم ، ولكن اللّه سخّرهم لي ، ولو شاء لسلّطهم عليّ كما سلّط فارس على كسرى فقتلوه .

    ثم فتح الصحيفة فإذا فيها : بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه إلى قيصر صاحب الروم ، سلام على من اتّبع الهدى . أما بعد : « يا أهل الكتاب ، تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعض أربابا من دون




    “ 89 “



    اللّه ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون » في آيات من كتاب اللّه تعالى يدعوه إلى اللّه ، ويزهّده في ملكه ، ويرغّبه فيما رغّبه اللّه عنه من دار الآخرة ، ويحذّره بطش اللّه وبأسه .

    فقرأ قيصر الكتاب فقال : يا معشر الروم ، إني لأظنّ أن هذا الذي بشّر به عيسى ابن مريم عليه السلام ، ولو أعلم أنه هو لمشيت إليه حتى أخدمه بنفسي لا يسقط وضوءه إلا على يديّ . قالوا : ما كان اللّه ليجعل ذلك في العرب الأميين ، ويدعنا ونحن أهل الكتاب .



    قال : فاصل الهدى بيني وبينكم عندي الإنجيل ، ندعوا به فنفتحه ، فإن كان هو اتّبعناه ، وإلا أعدنا عليه خواتيمه كما كانت ، إنما هي خواتم مكان خواتم .

    قال : وعلى الإنجيل يومئذ اثنا عشر خاتما من ذهب ، ختم عليه هرقل ، فكان كل ملك يليه بعده ظاهر عليه بخاتم آخر ، حتى ألفي ملك قيصر وعليه اثنا عشر خاتم بخبر أولهم آخرهم : أنه لا يحلّ لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم ، وأنه يوم يفتح يغيّر دينهم ، ويهلك ملكهم ، فدعا بالإنجيل ، ففضّ عنه أحد عشر خاتما حتى إذا بقي عليه خاتم واحد قامت الشمامسة والأساقفة والبطارقة ، فشقوا ثيابهم ، وصكّوا وجوههم ، ونتفوا رؤوسهم .



    قال : ما لكم ؟ قالوا : اليوم يملك ملك أبيك ، ويتغير دين قومك . قال : فاصل الهدى ، قالوا : لا تعجل حتى نسأل عن هذا ، ونكاتبه ، وتنظر في أمره ، فإنك قادر إن شاء اللّه تعالى على أن تفضّ هذا الخاتم فتنظر فيه ما تريد ، وإنك لا تقدر إن انفتق عليك ما تكره أن تردّه بعد فتقه . قال : فمن نسأل عنه ؟ قالوا : نسأل قوما كثيرا بالشام . فأرسل يبتغي قوما يسألهم ، قال : فجمع له أبو سفيان بن حرب وأصحابه ، فجاء قوم كلهم للّه ولرسوله عليه السلام عدو ، فقال : أخبرني يا أبا سفيان ، من هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فلم يأل أن يصغّر أمره ما استطاع ، قال : أيها الملك ، لا يكبر عليك شأنه ، إنّا لنقول هو ساحر ، ونقول هو شاعر ، ونقول هو كاهن .

    قال قيصر : كذلك والذي نفسي بيده كان يقال للأنبياء قبله ، أخبرني موضعه فيكم .



    قال : أوسطنا سطة ، قال : كذلك يبعث اللّه كل نبي من أوسط قومه ، قال : أخبرني عن أصحابه ، قال : غلماننا وأحداثنا سنا والسفهاء ، أما رؤساؤنا فلم يتبعه منهم أحد .

    قال :أولئك واللّه أتباع الرسل منذ قط ، أما الملأ والرؤوس فتأخذهم الحمية ، قال : فأخبرني عن أصحابه هل يفارقونه بعد ما يدخلون في دينه سخطة له ؟

    قال : ما يفارقه منهم أحد ، قال :فلا يزال داخل منكم في دينه ؟ قال : نعم ، قال : ما تزيدونني عليه إلا بصيرة ، والذي نفس بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي .

    يا معشر الروم ، هل إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعانا إليه ؟ ونسأله الشام أن لا




    “ 90 “



    توطأ علينا أبدا ، فإنه لم يكتب قطّ نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى اللّه تعالى فيجيبه إلى ما دعاه ، ثم يسأله غيرها فيسأله إلا أعطاه مسألته ما كانت ، فأطيعوني . فلنجبه إلى ما دعانا إليه ، ونسأله الشام أن لا توطأ . قالوا : لا نطاوعك في هذا أبدا ، أتكتب إليه تسأله في ملكك الذي تحت رجليك ، وهو هنالك لا يملك من ذلك شيئا ، فمن أضعف منك ؟ قال أبو سفيان : واللّه ما يمنعني من أن أقول قولا أسقط من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليّ فلا يصدّقني في شيء ، قال : حتى ذكرت قوله ليلة أسري به ، قال : قلت : أيها الملك ، ألا أخبرك عنه خبرا تعلم أنه قد كذب ؟ قال : وما هو ؟ قال : يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة ، فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .

    قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر ، فقال بطريق إيلياء : قد علمت تلك الليلة .

    قال : فنظر قيصر إليه وقال : وما علمك بهذا ؟ قال : إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد ، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني ، فاستعنت عليه عمّالي ومن حضرني كلهم ، فعالجته فلم نستطع أن نحرّكه كأنما تروّل به جبلا ، فدعوت النجاجرة ، فنظروا إليه فقالوا : هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان والأسطوانة ، ولا نستطيع أن نحرّكه حتى نصبح فننظر من أين أتى . قال : فرجعت وتركت البابين مفتوحين ، فلما أصبحت غدوت عليهما ، فإذا الحجر الذي من زاوية المسجد مثقوب ، وإذا فيه أثر مربط الدابة .

    قال : فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي ، وقد صلّى الليلة في مسجدنا .

    فقال قيصر لقومه : يا معشر الروم ، أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبيا بشّركم به عيسى كنتم ترجون أن يجعله اللّه منكم ؟ قالوا : نعم . قال : فإن اللّه قد جعله في غيركم في أقلّ منكم عددا ، وأضيق منكم بابا ، وهي رحمة اللّه يضعها حيث يشاء ، فإما أن تطيعوني فيما آمركم به ، وإلا رأيتم الخيل دوابين ، نواصيها بين أظهركم ، فيقتل الرجال ، ويستباح المال ، وتسبى العيال .

    قالوا : نصبر له عشر سنين ؟ قال : نعم وعشرين سنة . قالوا : نصبر عشرين سنة ؟

    قال : نعم وثلاثين . قالوا : نصبر ثلاثين ؟ قال : نعم وأربعين . قالوا : نصبر أربعين ؟ قال :

    نعم وخمسين ، حتى بلغ رأس المائة يزيد عشرا عشرا ، فلما بلغ رأس المائة قالوا : ألك علم بهم ؟ كيف هم بعد المائة ؟ قال : هم بعد المائة كالدينار المضروب ثلثه هبرزي خالص ، وثلثه مغشوش ، وثلث لا خير فيه . قال : ثم قال قيصر : ارجعوا عني هذا اليوم




    “ 91 “



    حتى أفكّر في أمري وأدبّره ، ثم اغدوا عليّ بالغداة أجمعكم . قال : فغدوا عليه حين أصبح وأشرف لهم على بيت مرتفع ، فقال : يا معشر الروم ، إن هذا النبي الذي بشّر به عيسى ابن مريم ، فأجيبوه إلى ما دعا إليه . فلما رأى إلغاطهم وإباءهم صمت عنهم حتى سكن عنه الصوت ، ثم قال : يا معشر الروم ، دعاكم ملككم ينظر كيف صلابتكم في دينكم ، فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم . قال : فخرّوا له سجّدا .



    غريب دعاه حبيب فأجابه

    حدثنا محمد بن إسماعيل ، نبأ عبد الرحمن بن علي ، نبأ محمد بن أبي منصور ، نبأ أبو عبد اللّه الحميدي ، انا الأردستاني ، نبأ أبو عبد الرحمن السلمي ، سمعت أبا الحسن بن عبد اللّه الطوسي ، سمعت علّوس الدينوري يقول : سمعت المزني يقول : كنت مجاورا بمكة ، فخطر لي خاطر في الخروج إلى المدينة ، فخرجت ، فبينا أنا بين المسجدين أمشي فإذا أنا بشابّ مطروح إلى جانب جبل عليه خرقتان وهو ينزع ، فقعدت عند رأسه فقلت : يا سيدي ، قل لا إله إلا اللّه ، ففتح عينيه ونظر إليّ ،

    وأنشد :

    أنا إن متّ فالهوى حشو قلبي * وبداء الهوى يموت الكرام

    وشهق شهقة كانت فيها نفسه ، فكفّنته في أطماره ورجعت .



    أنشدني أبو علي الغالي في الوطن :

    أقول لصاحبي والعيس تحدي * بنا بين المنيعة والضمار

    زوّد من شميم عرار نجد * فما بعد العشيّة من عرار

    ألا يا حبّذا أرواح نجد * وريّا روضه غبّ القطار

    وعيشك إذ يحلّ القوم نجدا * وأنت على زمانك غير زار

    شهور تنقضين وما علمنا * إنصاف لهنّ ولا سرار



    وأنشد أبو بكر الأنباري في ذلك :

    واستشرف الأعلام حتى يدلني * على طيبها مرّ الرياح النواسم

    وما أنسم الأرواح إلا لأنها * تمرّ على تلك الربى والمعالم



    وأنشد الشريف الرضيّ رحمه اللّه تعالى :

    أقول وقد حلّت بذي الأثل ناقتي * قرى لا ينل منك الحنين المرجّع

    تحنّين إلا أن بي لا بك الهوى * ولي لا لك اليوم الخليط المودّع

    وباتت تشكي تحت رحلي ضمانة * كلانا إذا يا ناق نضو مفجع

    “ 92 “

    أحسّت بنار في ضلوعي فأصبحت * يحثّ بها نار الغرام ويوضع

    ومن وقائع بعض الفقراء

    ما حدثنا به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي رحمه اللّه قال : رأى بعض الفقراء ببجاية في الواقعة أبا حامد وجماعة من الصوفية يقولون للشيخ أبي مدين : أخبرنا عن شيء مما خصك به الحق من العلم ، فقال لهم : بالعلم الباقي أضاء سري ، وحسنت أخلاقي ، فعلم اللّه صفة ذاته ، فكل ما عرف منه سبحانه معروف ، والصفة لا تفارق الموصوف ، فما ثبت في الوجود منه فبإمداده ، وما فهموا عنه فبإرشاده ، فكل علم سواه بالإضافة إليه مذموم ، وإنما يشرف العلم بشرف المعلوم ، فانظر ما علمك وما ذا ؟ فمن هناك تجازى وتنادى ، فخير العلم ما وصلك إلى المعلوم ، وعند مشاهدة الحق تضمحل الرسوم ، ويتجلى إذ ذاك الحي القيوم ، فمن رقى عن المحسوسات نال الغيوب ، ومن قهقر عندها فهو محجوب ، فالعارف أبدا يرقى ، ودقائق الإشارات واللطائف يتلقّى ، ليس له التفات إلى ذيت وذيت ، ولا يقنع من البيت إلا برب البيت ، فهو أبدا في التنزيه والمشاهدة ، يرفع عن الأغيار والمكايدة ، ملاحظ ذلك الجمال الأبدي ، متلذذ بمشاهدة الملك العليّ .

    ثم قال الشيخ : مقامي مقام العبودية ، وعلومي العلوم الإلهية ، وصفاتي مستمدة من الصفات الربانية ، بها عمر فكري ، وهي غذاء لسرّي وجهري ، فعلمي باللّه متصل ، وعن كل من سواه منفصل ، اتصاله بحضرة قدسه ، ومسرحه في رياض أنسه ، فبالعلم باللّه وذاته وصفاته نلت الجاه ، ومعلومي هو اللّه ، عظمته ملأت حقيقتي وسرّي ، ونوره أضاء به برّي وبحري ، فمن أحياه فهو الحيّ ، ومن أماته عنه في ظلمة الغيّ إذ المقرب به عظيم ، ولا يسمو إلا من أتى اللّه بقلب سليم ، فالقلب السليم هو الذي سلم مما سواه ، ولا يكون في الوعاء إلا ما جعل فيه مولاه ، فقلب العارف يسرح في الملكوت بلا شكّ ولا ارتياب ، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب ، فالجبال بقدرته سيّرها ، وبصنعه الجميل أتقنها ، فكلامه العزيز لصدور أوليائه شفا ، وهو سبحانه لشدة ظهوره خفا .

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 07:11