..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty25/11/2024, 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14 Empty كتاب: محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1 ـ 14

    مُساهمة من طرف Admin 15/11/2021, 14:53

    الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
    الجزء 14
    محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
    “ 208 “

    ما طلعت أهلة * بأفق ذاك المطلع
    ألا وددت أنها * من حدر لم تطلع
    ولا بدت لامعة * من برق ذاك البرقع
    ألا اشتهيت أنها * لما بنا لم تلمع
    يا دمعتي وانسكبي * يا مقلتي لا تقلعي
    يا زفرتي خذ صعدا * يا كبدي تصدّع
    وأنت يا حادي اتئد * فالنار بين أضلعي
    قد فنيت مما جرى * خوف الفراق أدمعي
    حتى إذا حلّ النوى * لم تلف عينا تدمع
    فارحل إلى وادي اللّوى * مربعهم ومصرع
    إنّ به أحبّتي * عند مياه الأجرع
    ونادهم من لفتى * ذي لوعة مودّع
    رمت به أشجانه * وسط خراب بلقع
    يا قمرا تحت دجى * خذ منه شيئا ودع
    وزوّديه نظرة * من خلف ذاك البرقع
    فإنه يضعف عن * درك الجمال الأروع
    أو علّليه بالمنى * عساه يحيى ويعي
    ما هو إلا ميت * بين النقا ولعلع
    فمت أياسا وأسى * كما أنا في موضعي
    ما صدقت ريح الصّبا * حين أتت بالجزع
    قد تكذب الريح إذا * تقول ما لم تسمع

    ولنا أيضا في هذا الباب :
    أنجد الشوق وأتهم الغرام * فأنا ما بين نجد وتهام
    وهما ضدّان لن يجتمعا * فشتاتي ما له الدّهر نظام
    ما صنيعي ما احتيالي دلّني * يا عذولي لا ترعني بالملام
    زفرات قد تعالت صعدا * ودموع فوق خدّي سجام
    حنّت العيس إلى أوطانها * من وجا السير حنين المستهام
    ما حياتي بعدهم إلّا الفنا * فعليها وعلى الصبر السلام

    “ 209 “

    ولنا أيضا في هذا الباب :
    لمعت لنا بالأبرقين بروق * فصفت لها بين الضلوع رعود
    وهمت سحائبها بكل خميلة * وبكل ميّاد عليك يميد
    فجرت مدامتها وفاح نسيمها * وهفت مطوقة وأورق عود
    نصبوا القباب الحمر بين جداول * مثل الأساود بينهن قعود
    بيض أو أنس كالشموس طوالع * عين كريمات عقائل غيد

    ولنا أيضا من هذا الباب :
    عند الكئيب من جبال زرود * صيد وأسد من لحاظ الغيد
    صرعى وهم أبناء ملحمة الوغى * ابن الأسود من العيون السود
    فتكت بهم لحظاتهن وحبذا * تلك الملاحظ من بنات الصيد
    ذكر أبو الفرج بن الجوزي رحمه اللّه في كتاب « مثير الغرام الساكن » ، أخبرنا به كتابة ، قال : حكي عن بعض السلف أنه نوى الحج ومعه ثمانمائة درهم ، وعرضت له ذات يوم حاجة ، فبعث ولده إلى بعض جيرانه ، فرجع الولد يبكي ، فقال : ما لك ؟
    قال : دخلت على جارنا وعندهم طبيخ فاشتهيته فلم يطعموني . فذهب الرجل إلى جاره فعاتبه على ما فعل ، فبكى الجار وقال : ألجأتني إلى كشف حالي ، إنّا منذ خمسة أيام لم نطعم ، فطبخنا ميتة فأكلناها ، وعلمت أن ولدك يجد ما يحل له أكله ، ولا يحل له معنا أكله ، فتعجب الرجل ، وقال لنفسه : كيف النجاة وفي جوارك مثل هذا وأنت تتأهب للحج ؟ فرجع إلى بيته وأعطاه الثمانمائة درهم . فلما كانت عشية عرفة رأى ذو النون المصري في منامه وهو بعرفات كأنّ قائلا يقول له : يا ذا النون ، ترى هذا الزّحام على هذا الموقف ؟ قال : نعم .
    قال : ما حج منهم إلّا رجل تخلف عن الموقف فحج بهمّته ، فوهب اللّه عز وجل أهل الموقف له . فقال ذو النون : من هو ؟ قيل له : رجل يسكن دمشق . فذهب ذو النون إلى دمشق ، وبحث عنه حتى عرفه وسلّم عليه . ا ه المجلس .

    ولمهيار الديلمي في حنين الإبل ، وقيل بل هو للمتنبي :
    أركائب الأحباب أن الأدمعا * تطس الخدود كما تطسن اليرمعا
    فاعرفن من حملت عليكن النوى * وامشين هونا في الأزمة خضعا

    وله أيضا في هذا الباب :
    أراك حبستها تشكو المضيقا * اثرها ربما وجدت طريقا
    اجزها تطلب القصوى ودعها * سدّى ترمي الغروب بها الشروقا


    “ 210 “

    وله أيضا في هذا الباب :
    يا سائق البكرات استبق فضلتها * على الرويدا فظهر العود معقور
    حبسا ولو ساعة تروي بها مقل * هيم عليها الدهر منه مشكور
    فالعيس طائعة والأرض واسعة * وإنما هو تقديم وتأخير
    تغلوا من زرود وجه يومهم * وحظهم بظلال البان تهجير

    وله أيضا في هذا الباب :
    مرت بنعمان على طول المدى * دعها فليس كل ماء موردا
    لحاجة أمس ما حاجاتها * تخطات أرزاقها تعمدا
    ترعى وفي مشروبها ضراعة * حرارة على الكبود أبردا
    لا حملت ظهورها إن حملت * رحلا على الضم تفرا وبدا

    استجلاب وصية حكيم
    روينا من حديث الدينوري قال : حدثنا ابن أبي الدنيا قال : سمعت محمد بن الحسين يقول : قال حكيم لحكيم : أوصني . قال : اجعل اللّه همّك ، واجعل الحزن على قدر ذنبك ، فكم من حزين به حزنه على سرور الأبد ، وكم من فرح نقله فرحه إلى طول الشقاء .

    ومن كلام إبراهيم بن أدهم في الكمد
    روينا من حديث المالكي ، عن إبراهيم بن سهلويه ، عن ابن حنيف ، قال : قال إبراهيم بن أدهم : ما من العمل شيء أشد على أهله من طول الكمد ، والكمد جرح لا يندمل دون الموت .
    تقلّب الأحوال ، وتنوّع الأشكال
    فيوم علينا ويوم لنا * ويوم نساء ويوم نسرّ

    وروينا من حديث الدينوري ، عن إبراهيم الحربي ، عن أبي نصر ، عن يعقوب بن داود ، عن السائب بن الأقرع أنه قال : هكذا الدنيا تصبح لك مسرّة ، وتمسي عليك مكرّة ، ثم أنشأ يقول :
    ألا قد أرى أن لا خلود وأنه * سينعق في داري غراب ويحجل


    “ 211 “

    ويقسم ميراثي رجال أعزّة * وتذهل عني الوالدات وتشغل
    ومن خبر أسعد تبّع الذي كسا الكعبة ، وتوجه إلى مكة ، وما اتفق له في نار اليمن
    روينا من حديث ابن إسحاق ، قال : كان تبّع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فوجّه إلى مكة وهي طريقه إلى اليمن حتى إذا كان بين عسفان وألح ، أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر ، فقالوا : أيها الملك ، ألا ندلّك على بيت المال وأثر غفلته الملوك قبلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة ؟ قال : بلى . قالوا : بيت مكة يعبده أهله ، ويصلّون عنده ، وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك ، لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك ، وبغى عنده ، فلما أجمع رأيه ، قالوا : أرسل إلى حبرين كانا عنده ، فسألهما عن ذلك ، فقالا : ما أراد القوم إلا هلاكك ، وهلاك جندك ، ما نعلم بيتا للّه اتخذه في الأرض لنفسه غيره . ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن ، ويهلكن من معك جميعا .
    قال : فما ذا تأمراني أن أصنع ؟ قالا : إذا قدمت عليه تصنع عنده ما يصنع أهله ، تطوف به ، وتكرمه ، وتعظمه ، وتحلق رأسك عنده ، وتذلل حتى تخرج من عنده . قال :
    فما يمنعكما أنتما من ذلك ؟ قالا : أما واللّه إنه لبيت أبينا إبراهيم ، وإنه لكما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله ، بالدماء التي يهرقون عنده وهم نجس أهل شرك .
    فعرف نصحهما ، وصدق حديثهما ، وقرّب النفر من هذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم مضى حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ، ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ، ويطعم أهلها ، ويسقيهم العسل .
    ورأى في المنام أن يكسو البيت ، فكساه الخصف ، وهي ثياب غلاظ جدا . ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه المغافر . ثم رأى أنه يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه الملا والوصائل . وأوصى بالبيت ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره ، وأن لا يقربوا إليه دماء ولا ميتة ، ولا ميلغا ، وهي المحائض . وجعل له بابا ومفتاحا ، فكان تبّع فيما يروى أنه أول من كسا البيت ، وقال تبّع في ذلك وفي مسيره :
    وكسونا البيت الذي حرّم * اللّه ملاء معصبا وبرودا
    وأقمنا به من الشهر عشرا * وجعلنا لنا به أقليدا
    وخرجنا منه نؤم سهيلا * قد رفعنا لواءنا معقودا




    “ 211 “

    ويقسم ميراثي رجال أعزّة * وتذهل عني الوالدات وتشغل
    ومن خبر أسعد تبّع الذي كسا الكعبة ، وتوجه إلى مكة ، وما اتفق له في نار اليمن
    روينا من حديث ابن إسحاق ، قال : كان تبّع وقومه أصحاب أوثان يعبدونها ، فوجّه إلى مكة وهي طريقه إلى اليمن حتى إذا كان بين عسفان وألح ، أتاه نفر من هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر ، فقالوا : أيها الملك ، ألا ندلّك على بيت المال وأثر غفلته الملوك قبلك ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة ؟ قال : بلى . قالوا : بيت مكة يعبده أهله ، ويصلّون عنده ، وإنما أراد الهذليون هلاكه بذلك ، لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك ، وبغى عنده ، فلما أجمع رأيه ، قالوا : أرسل إلى حبرين كانا عنده ، فسألهما عن ذلك ، فقالا : ما أراد القوم إلا هلاكك ، وهلاك جندك ، ما نعلم بيتا للّه اتخذه في الأرض لنفسه غيره . ولئن فعلت ما دعوك إليه لتهلكن ، ويهلكن من معك جميعا .
    قال : فما ذا تأمراني أن أصنع ؟ قالا : إذا قدمت عليه تصنع عنده ما يصنع أهله ، تطوف به ، وتكرمه ، وتعظمه ، وتحلق رأسك عنده ، وتذلل حتى تخرج من عنده . قال :
    فما يمنعكما أنتما من ذلك ؟ قالا : أما واللّه إنه لبيت أبينا إبراهيم ، وإنه لكما أخبرناك ، ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها حوله ، بالدماء التي يهرقون عنده وهم نجس أهل شرك .
    فعرف نصحهما ، وصدق حديثهما ، وقرّب النفر من هذيل ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، ثم مضى حتى قدم مكة ، فطاف بالبيت ، ونحر عنده ، وحلق رأسه ، وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ، ويطعم أهلها ، ويسقيهم العسل .
    ورأى في المنام أن يكسو البيت ، فكساه الخصف ، وهي ثياب غلاظ جدا . ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه المغافر . ثم رأى أنه يكسوه أحسن من ذلك ، فكساه الملا والوصائل . وأوصى بالبيت ولاته من جرهم ، وأمرهم بتطهيره ، وأن لا يقربوا إليه دماء ولا ميتة ، ولا ميلغا ، وهي المحائض . وجعل له بابا ومفتاحا ، فكان تبّع فيما يروى أنه أول من كسا البيت ، وقال تبّع في ذلك وفي مسيره :
    وكسونا البيت الذي حرّم * اللّه ملاء معصبا وبرودا
    وأقمنا به من الشهر عشرا * وجعلنا لنا به أقليدا
    وخرجنا منه نؤم سهيلا * قد رفعنا لواءنا معقودا

    “ 212 “

    وفي ذلك تقول سبيعة بنت الأجبّ بن ربيبة بن حذيمة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن لابنها خالد بن عبد مناف بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤيّ ، تعظم عليه حرمة مكة وتنهاه عن البغي فيها ، فذكرت تبّعا وما كان منه في تعظيم الكعبة
    حيث يقول :
    ابني لا تظلم بمكة * لا الصغير ولا الكبير
    واحفظ محارمها ولا * يغررك باللّه الغرور
    ابني من يظلم بمكة * يلق أطراف الشرور
    ابني يضرب وجهه * ويلح بخديه السعير
    ابني قد جرّبتها * فوجدت ظالمها يبور
    اللّه آمنها وما * بنيت بعرصتها قصور
    واللّه آمن طيرها * والعصم تأمن في ثبير
    ولقد غزاها تبّع * وكسا لبنيتها الحرير
    وأذلّ ربي ملكه * فيها فأوفى بالنذور
    يمشي إليها حافيا * بفنائها ألفا بعير
    ويظل يطعم أهلها * لحم المهاري والجزور
    يسقيهم العسل المصفّى * والرخيص من الشعير
    والفيل أهلك جيشه * يرمون فيها بالصخور
    والملك في أقصى البلاد * وفي الأعاجم والجزير
    فاسمع إذا حدّثت واف * هم كل عاقبة الأمور

    قال ابن إسحاق : ثم خرج تبّع متوجها إلى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين ، حتى إذا دخل اليمن دعا قومه إلى الدخول فيما دخل فيه ، فأبوا عليه حتى يحاكموه إلى النار التي كانت باليمن .
    وقيل : لما جاء يدخل اليمن حالت حمير بينه وبين الدخول ، قالوا : لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا ، فقال لهم تبّع : إنه خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار ،

    قال تبّع :
    نعم . وكان في اليمن نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضر بالمظلوم ، فخرج قومه بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما متقلديهما حتى قعدوا للنار عبد مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار إليهم ، فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها ، فزأرهم من حضرهم من الناس وأمروهم بالصبر لها ،

    “ 213 “

    فصبروا حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قرّبوا معها وما حمل ذلك من رجال حمير ، وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما ، فأصقعت حمير عند ذلك على دينه . فعند ذلك كان أصل اليهودية باليمن .

    فتنة إلهية أضل بها من شاء
    أخبرني بمكة رجل ثقة من التجار ، يقال له ابن صوّاف من أهل الإسكندرية ، وكان عدلا صالحا ، ثبت الحديث فطنا ، ولا أزكى على اللّه أحدا .
    قال لي : أخبرني بعض التجار أنه أتجر ببعض بلاد الهند ، فعامل رجلا من أهل ذلك البلد إلى أجل معلوم ، فتوفي التاجر الهندي قبل حلول الأجل بغتة ، فأسف التاجر الغريب على تلاف ماله ، فقصد دار الهندي ليشهد جنازته ، باكيا على ما كان له قبله ، فقال له بعض أهل الميت : ما شأنك تكثر البكاء ؟ فذكر ما له قبل الميت ، فقال له : لا بأس عليك تأخذ مالك موفّى ، فقال : وكيف ذلك ؟
    فقال له : إن الميت عندنا يحييه اللّه بعد ثلاثة أيام من دفنه ، فيفتح دكانه إن كان صاحب دكان ، ويذكر ما له وما عليه في جريدته ، ويعطي للناس ما لهم في قبله من الحقوق ، فإذا لم يبق عليه تبعة قام وأغلق دكانه ، وسلم المفاتيح للورثة ، وانصرف من حيث جاء لا يتبعه أحد ، فلا نراه بعد ذلك . قال التاجر : فتعجب لخبره وهان عليّ تلف المال بمشاهدة هذه الأعجوبة .
    قال : ثم إنّا تبعنا الجنازة حتى دفناه ، وبقيت أترقب ، فلما كان بعد ثلاث نادى مناد في البلد : معشر الناس ، من كان له عند فلان الذي مات حق فليأت إلى دكانه ، فقد قعد يعطي الناس حقوقهم .

    قال : فأسرعت إلى الدكان فوجدت صاحبي بعينه لا أنكر منه شيئا وجريدته في يده ، ومن له عنده شيء قد حضر ، فما زال ينظر في الجريدة ويقول : أين فلان ؟ فيجيبه ، فيقول :
    كم تسألني ؟ فيقول له : كذا وكذا ، فيعطيه ، إلى أن دعاني باسمي فقال : كم تسألني ؟
    فقلت : كذا وكذا ، فنظر في الجريدة ، فقال : صدقت ، فوافاني حقي وشكرني ، واعتزلت أنظر آخر أمره وإلام يؤول ، فلما جاء وقت العصر وتمكن ، فرغ من شغله ، وقفل الحانوت ، وانصرف الناس ، وأخذ المفاتيح وأسلمها للورثة ، وسلّم عليهم ، وانصرف ، فلم يتبعه أحد ، فانصرفت خلفه أسأله عن شأنه ، فإني رأيت عجبا ، فما دخل زقاقا إلا وأنا خلفه أجهد نفسي في أثره ، فلما ألححت عليه وقف وقال : يا هذا ألم تأخذ حقك ؟ قلت :


    “ 214 “



    بلى . قال : فانصرف . قلت له : أريد أن أعرف شأنك ، فإني ما شككت في موتك ودفنك فكيف قضيتك ؟ وأقسمت عليه أن يخبرني . فقال : نعم أخبرك ، أما صاحبك التاجر الهندي فقد انتقل إلى لعنة اللّه ، وأما أنا فملك على صورته أرسلني اللّه تعالى ، ففعلت ما رأيت ليفتنهم اللّه تعالى ، وقد أجرى اللّه لهم العادة في ذلك ، فلست صاحبك ، فانصرف عافاك اللّه حتى أنصرف .

    قال التاجر : ثم التفتّ فلم أره ، وقد عرفت خبره ، وكتمته في نفسي ، وجبر اللّه عليّ مالي .

    واقعة



    حدثنا صاحبنا عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي ، قال : رأى بعض المريدين من أصحابنا في واقعته الشيخ أبا مدين وقد استوى في الهواء ، ومعه أبو حامد الغزالي ، فقال الشيخ : يا أبا حامد ، السرّ باللّه ناظر ، والروح يتلقف منه الأوامر ، والقلب للسكينة والساكن ، والعقل حكم هاكم ، والنفس تحت قهر القاهر ، والحق به ظهر الوجود ، وهو الواحد المعبود .



    ثم قال : يا أبا حامد ، إذا تلاشت المعاني فاقرأ السبع المثاني ، فإنك تراه كما لم يزل ، وأنت كما لم تكن ، فرأيت عند هذا الكلام قد خصّ الشيخ بالتجلي الإلهي ، وأبو حامد معه مشارك ، فقال أبو حامد للشيخ : كيف مادة اللّه للسرّ ؟ فقال له الشيخ : اسمع إن نظرت به وجدتهما معا لم يفترقا ولم يجتمعا .



    ثم قال له : فالسرّ ما هو ؟ فقال : هو خزانة النظر . قال له : والروح ؟ قال : هو خزانة النظر ، قال له : والقلب ؟ قال : هو خزانة الفكر ، قال : والعقل ؟ قال : هو خزانة العدل والعلم ، قال : والنفس ؟ فقال : خزانة الأرض . ثم قال الشيخ : يا أبا حامد ، على هذا صنعه وكل متفرق جمعه .



    تذكرة

    حدثنا محمد بن قاسم ، قال : سمعت عمر بن عبد المجيد يقول : تقدّم في العمل الصالح دهرك ، واغتنم زمانك وعمرك ، واعلم أن الآخرة مرآة الدنيا ، فما عملت في هذه رأيت في تلك ، فأنت اليوم تعمل ، وغدا ترى ، فإن كنت عاقلا فابك على ما جرى ، واذكر ما قدمت ، فكأنك قد وصلت .

    ثم أنشد :



    “ 215 “



    ذكرت إساءتي فازددت حزنا * ومثلي من تذكّر ثم ناحا

    قطعت العمر عصيانا وجهلا * وجانبت المسرّة والصلاحا

    سيبدي العرض مني يوم حشر * لأهل الجمع أحوالا قباحا

    وأنشدني أيضا :

    معاصيك العظام عليك دين * ويوم الحشر تبديها جميعا

    فكن متجافيا عن كل ذنب * فخير الناس من أمسى مطيعا

    اجتماع سليمان بن عبد الملك مع أبي حازم

    روينا من حديث المالكي ، عن أبي غسان عبد اللّه بن محمد ، عن أبي سلمة يحيى بن المغيرة المخزومي ، عن عبد الجبار بن عبد العزيز ، عن جده أبي حازم ، قال :

    دخل سليمان بن عبد الملك المدينة فأقام بها ثلاثا ، فقال : ما هاهنا رجل ممن أدرك أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم يحدثنا ؟ فقيل له : بلى ، هاهنا رجل يقال له أبو حازم . فبعث إليه ، فجاءه .

    فقال له سليمان بن عبد الملك : يا أبا حازم ما هذا الجفاء ؟ فقال له أبو حازم : وأي جفاء رأيت مني ؟ قال له سليمان : أتاني وجوه أهل المدينة كلهم ولم تأتني ، فقال له :

    أعيذك باللّه أن تقول ما لم يكن ما جرى بيني وبينك معرفة آتيك هكذا ، فقال سليمان :

    صدق الشيخ ، ثم قال سليمان : يا أبا حازم ، ما لنا نكره الموت ؟ فقال أبو حازم : لأنكم أخربتم آخرتكم ، وعمرتم دنياكم ، فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب . قال :

    صدقت يا أبا حازم ، كيف القدم على اللّه ؟ فقال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسئ فكالآبق يقدم على مولاه .

    قال : فبكى سليمان وقال : يا ليت شعري ما لنا عند اللّه يا أبا حازم ؟ فقال أبو حازم :

    اعرض نفسك على كتاب اللّه عز وجل تعلم ما لك عند اللّه . فقال : يا أبا حازم ، أين نصيب تلك المعرفة في كتاب اللّه عز وجل ؟ قال أبو حازم : عند قوله عز وجل : إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ .

    فقال سليمان : يا أبا حازم ، فأين رحمة اللّه ؟ قال أبو حازم : قريب من المحسنين ، قال سليمان : يا أبا حازم ، من أعقل الناس ؟ قال أبو حازم : من تعلّم الحكمة وعلّمها الناس ، قال سليمان : يا أبا حازم ، من أحمق الناس ؟ قال أبو حازم : من باع آخرته بدنيا غيره ، فقال سليمان : ما أسمع الدعاء ؟ قال أبو حازم : دعاء المخبتين إليه . قال سليمان :


    “ 216 “


    ما أزكى الصدقة ؟ فقال أبو حازم : جهد المقل . فقال سليمان : يا أبا حازم ، ما تقول فيما نحن فيه ؟ فقال أبو حازم : اعفنا من هذا .

    فقال سليمان : نصيحة بلغتها . قال أبو حازم : إن أناسا أخذوا هذا الأمر من غير مشورة من المؤمنين ، ولا إجماع من رأيهم ، فسفكوا فيها الدماء على طلب الدنيا ثم ارتحلوا عنها ، فليت شعري ما قالوا وما قيل لهم .
    فقال بعض جلسائه : بئس ما قلت يا شيخ ، فقال أبو حازم : كذبت ، إن اللّه تبارك وتعالى أخذ على العلماء ليبيننه للناس ، ولا يكتمونه .
    فقال سليمان : يا أبا حازم ، كيف لنا بصلح ؟
    قال : تدعوا التكلّف وتمسكوا بالمروءة . قال سليمان : يا أبا حازم ، كيف الأخذ بذلك ؟
    قال أبو حازم : تأخذه من حقه ، وتضعه في أهله .
    فقال له سليمان : اصحبنا يا أبا حازم ، وتصيب منا ونصيب منك . فقال : أعيذك من ذلك . قال سليمان : ولم ؟ قال : أخاف أن أركن إليكم شيئا قليلا فيذيقني اللّه منها ضعف الحياة وضعف الممات .

    قال سليمان : يا أبا حازم ، فأشر عليّ ، فقال أبو حازم : اتق اللّه أن يراك حيث نهاك وأن يفقدك حيث أمرك . قال سليمان : يا أبا حازم ، ادع لنا بخير . فقال أبو حازم : اللهم إن كان سليمان وليّك فبشّره بخير الدنيا والآخرة ، وإن كان عدوك فخذ إلى الخير بناصيته .
    فقال سليمان : عظني يا أبا حازم ، قال : فقد أوجزت إن كنت وليّه ، وإن كنت عدوه ، فما ينفعك إذ أرمي بقوس بغير وتر .

    فقال سليمان : يا غلام ، ائت بمائة دينار ، ثم قال : خذها يا أبا حازم ، فقال أبو حازم : لا حاجة لي بها ، إني أخاف أن تكون لما سمعت من كلامي أن موسى عليه السلام لما هرب من فرعون وورد ماء مدين وجد عليه الجاريتين تذودان ، قال : ما خطبكما ؟

    قالتا : لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ، فسقى لهما ، ثم تولى إلى الظل فقال :

    رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير ، ولم يسأل على عون اللّه أجرا على دينه فلما أعجل بالجاريتين الانصراف ، أنكر ذلك أبوهما وقال : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا فسقى لنا ، قال : فما سمعتماه يقول ؟

    قالتا : سمعناه يقول : رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير ، قال : ينبغي أن يكون هذا جائعا ، تنطلق إحداكما فتقول له : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا .

    قال : فجزع من ذلك موسى عليه السلام ، وكان طريدا في فيافي الصحراء ، فأقبل والجارية أمامه ، فهبت الريح فوصفتها له ، وكانت ذا خلق ، فلما بلغ الباب دخل وإذا طعام


    “ 217 “


    موضوع ، قال شعيب : أصب يا فتى من هذا الطعام ، قال موسى عليه السلام : أعوذ باللّه ، قال شعيب : ولم ؟ قال موسى : لأننا من بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهبا . قال شعيب عليه السلام : لا واللّه ، لكنها عادتي وعادة آبائي ، نطعم الطعام ، ونقري الضعيف . فجلس موسى فأكل . فإن كانت هذه الدنانير هي عوضا لما سمعت من كلامي ، فالآن أرى أكل الميتة والدم في حال الضرورة أحب إليّ من أخذها .
    فكان سليمان أعجب بأبي حازم ، فقال بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ، أيسرّك أن يكون الناس كلهم مثله ؟
    قال الزهري : إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلّمته بكلمة قط . قال له أبو حازم :
    صدقت إنك نسيت اللّه فنسيتني ، ولو أحببت اللّه لأحببتني . قال الزهري : صدقت أتشتمني ؟
    قال سليمان : بل أنت شتمت نفسك ، أما علمت أن للجار على جاره حقا . قال أبو حازم :

    إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب ، وكانت الأمراء تحتاج إلى العلماء ، وكانت العلماء تضنّ بدينها عن الأمراء ، فاستغنت الأمراء عن العلماء ، واجتمع القوم على المعصية ، فشغلوا وانتكسوا ، ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم ، لكانوا لم تزل الأمراء تهابهم .

    قال الزهري : كأنك لي تريد وبي تعرّض ، قال : هو ما تسمع .
    وبالإسناد

    قال : وفد هشام إلى المدينة ، فأرسل إلى أبي حازم ، فقال له : يا أبا حازم عظني وأوجز ، قال أبو حازم : اتق اللّه ، وازهد في الدنيا ، فإن حلالها حساب ، وحرامها عذاب ، قال : لقد أوجزت يا أبا حازم ، ارفع حوائجك إلى أمير المؤمنين ، فقال أبو حازم : هيهات هيهات قد رفعت حوائجي إلى من تنجز الحوائج دونه ، فما أعطاني منها قنعت ، وما منعني منها رضيت ، وقد نظرت في هذا الأمر فإذا هو نصفين : أحدهما لي والآخر لغيري ، فأما ما كان لي فلو احتلت بكل حيلة ما وصلت إليه قبل أوانه الذي قدّر لي فيه ، وأما الذي لغيري فذاك الذي لا أطمع نفسي فيما مضى ولا أطمعها فيما بقي ، وكما منع غيري رزقي كذلك منعت رزق غيري ، فعلام أقتل نفسي ؟

    حدثنا محمد بن الفضل ، ثنا محمد بن أبي منصور ، انا عبد القادر بن يوسف ، أنا أبو الحسن بن الأبنوسي ، انا ابن شاهين ، نبأ إسماعيل بن علي ، حدثني القاسم بن الخطابي ، نبأ عبيد اللّه بن محمد العبسي ، ثنا جعفر بن سليمان الصفي ،

    قال : سمعت أبا يحيى مالك بن دينار يقول شعرا :
    أتيت القبور فناديتها * فأين المعظّم والمحتقر




    “ 218 “



    وأين المذلّ بسلطانه * وأين العزيز إذا ما قدر
    وأين الملبّي إذا ما دعا * وأين العزيز إذا ما افتخر



    قال : فهتف بي هاتف يقول :
    تفادوا هناك فما مخبر * وبادوا جميعا وباد الخبر
    تروح وتغدي بنات الثرى * فتمحو محاسن تلك الصور
    فيا سائلي عن أناس مضوا * أما لك فيما مضى معتبر



    أخبرني أحمد بن مسعود قال : وقع بعض الخلفاء لبعض الأدباء بشيء ، فتردد إلى الديوان زمانا ، فلم ينفّذ له صاحب الديوان ما وقع له به ، فكتب إلى الخليفة يقول :

    خليفة اللّه وقد وقّعت لي كرما * بذلك الرسم لكن من يتممه
    وكل من جئته بالطرس ينبذه * نبذ الحصاة كأن الطرس يؤلمه
    فآه إن كان هذا قد علمت به * وآه إن كان هذا لست تعلمه
    قال : فغضب الخليفة على صاحب ديوانه وعزله ، ونفذ توقيعه ، وضاعف له .

    روينا من حديث الهاشمي بسنده إلى أبي هريرة قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « أيها الناس ، لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعاقبوا ظالما فيبطل فضلكم ، ولا تراءوا الناس فتحبط أعمالكم ، ولا تمنعوا الموجود فيقلّ خيركم . أيها الناس ، إن الأشياء ثلاثة : أمر استبان رشده فاتبعوه ، وأمر استبان غيّه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فردّوه إلى اللّه ورسوله . أيها الناس ، ألا أنبئكم بأمرين خفيف مئونتهما ، عظيم أجرهما ، لم يلق اللّه بمثلهما : الصمت وحسن الخلق »



    ذكر من حج من خلفاء بني أمية
    حجّ معاوية بن أبي سفيان بالناس سنة خمسين ، وحجّ عبد الملك بن مروان سنة خمس وسبعين ، وحج الوليد بن عبد الملك سنة إحدى وتسعين .
    ومن وقائع بعض الفقراء ما حدثني به عبد اللّه ابن الأستاذ المروزي ، قال :
    قال لي بعض الصالحين : رأيت في الواقعة أبا طالب ، وأبا حامد ، وأبا يزيد ، وجمعا من الصوفية ، وقد اجتمعوا على أبي مدين ،
    وقال بعضهم لأبي مدين : قل لنا في التوحيد ، فقال : التوحيد أصل وهو مع كل دقيقة ، والوجود سر وهو ظل الحقيقة ، والتوحيد أحصى كل شيء عددا ، وهو الباقي أزلا وأبدا ، الكافي لمن هو حسبه ، فمن وفقه عمر به قلبه ، هو المظهر للأشياء ،



    “ 219 “



    وبحياته كانت الحياة ، فالتوحيد ثمرة المعرفة ، ولا ينال إلا بقلب الأخلاق والصفة ، فمن انقلبت صفته كان المحمود ، ومن وقفت همته على ما سواه نال المقصود ، فالعارف به له تظهر أسراره ، وإلى حضرة سيّده تمتد أفكاره ، يلاحظ الجمال العليّ ، وينزّه ذات المالك الوفيّ ، فالتوحيد حياة القلوب ، ومظهر الأشياء ، وساتر العيوب ، ستر به مخلوقاته فبطن ، وأظهر به قدرته فيهم سبحانه فظهر للعارف أسرار بها يقتدي ، وأنوار بها يهتدي ، وأنواره من نور سيّده ملأت وجوده ، وأشرقت أسراره فكاشفت معبوده ، صفت همته فباشرت المعاني ، وتنزهت صفاته فظل فانيا ، فبالتوحيد العارفون يقولون ويسمعون ، فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون .

    روينا من حديث الخطابي قال : انا ابن الأعرابي ، قال : حدثنا بكر بن فرقد ، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن طلحة بن عبد اللّه ، أن أقل : لعيب الرجل أن يجلس في داره .

    حدثنا محمد بن قاسم ، قال : قيل لحاتم الأصمّ : كيف أصبحت ؟ قال : كيف يصبح من أجله قريب ، وأمله بعيد ، والموت أمامه والقبر مسكنه ، وهو مع ذلك مطالب بتسع خلال ، قلت : وما هنّ ؟ قال : أصبحت واللّه سبحانه يطالبني بالفرض ، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يطالبني بالسّنّة ، والعيال بالنفقة ، والنفس بالقوت ، والوالدان بالبرّ ، والملكان بصدق اللسان ، والقبر بالجسم ، والدود باللحم ، ومنكر ونكير بالحجة ، فهؤلاء غرمائي ، وهذه ديوني ، فكيف يجب أن يكون من يصبح كل يوم على هذه الصفة وقد غلب تقصيري عن الوفاء .

    شعر

    داويت قلبي بالهموم فما اشتفى * وعتبت طرفي بالدموع فما اكتفى

    ووقفت أندب في منازل وصلكم * حزنا على زمن المودة والصّفا


    مثل
    هو أحمق من هبنّقة ، وله حكايات في هذا الفن عجيبة ، فما بلغ من حمقه أنه ضلّ له بعير يوما ، فجعل ينادي : من وجد بعيري فهو له ، فقيل له : فلم تنشده ؟ قال : فأين حلاوة الوجدان ؟
    ومن أخباره : أنه اختصمت إليه في رجل بنو طفاوة ، وبنو راسب ، فادّعى هؤلاء


    “ 220 “



    فيه ، وادّعى هؤلاء فيه ، فقالوا : رضينا بأول طالع علينا حكما ، فطلع عليهم هبنّقة ، فلما رأوه قالوا : باللّه انظروا من طلع علينا ، فلما دنا قصّوا عليه قصتهم ، فقال هبنّقة : الحكم في هذا بيّن ، اذهبوا به إلى نهر البصرة ، فألقوه فيه ، فإن كان من بني راسب رسب ، وإن كان طفاويا طفا ، فقال الرجل : لا أريد أن أكون من هذين الجنسين ، ولا حاجة إلى الديوان .

    ومما يقرب من هذا الحكم ما اتفق في بلدنا بإشبيلية ، كان عندنا رجل من سفلة الناس يقال له جمعة ، يبيع الخبز ، وكان يتحاكم إليه أطراف الناس ، فجاء إليه رجلان يوما ، فقال أحدهما : يا جمعة ، إن هذا الرجل زنى بامرأتي ، فقال : ومن أين علمت ذلك ؟

    قال : زعم أنه رأى امرأتي في نومه فنكحها ، قال : كذلك كان ؟ فقال الخصم : نعم ، فقال جمعة : وجب الحدّ عليه ، اذهبوا به إلى الشمس ، فإذا امتد ظله في الأرض فاجلدوا ظلّه مائة جلدة ، فقال الرجل : وما عليّ في ذلك ؟ فقال له جمعة : وما على امرأة الرجل في ذلك إذا نكح خيالها في منامها ، ما لك عندي حكم غير ذلك .

    واختصم إليه مرة أخرى في إشبيلية هذا رجل طباخ يطلب حق أدامه من رجل آخر ، فقال : كيف ترتب لك ما تدّعيه على هذا الرجل ؟ فقال : إني رجل طباخ ، أبيع في الدكان ما أطبخه ، فجاء هذا الرجل وبيده قرصة من خبز ، فجعل يأخذ اللقمة ويعرضها على بخار القدر الصاعد ويأكل حتى فرغت ، فطلبت منه حق بخار القدر ، فقال جمعة : وجب عليك يا هذا أعندك قطعة فضة ؟ قال : نعم ، فأخرج المدّعى عليه قطعة فضة ، فقال جمعة للطباخ :

    اصغ بأذنك ، ورمى القطعة على الحجر ، فسمع لها طنين ، فقال : يا طباخ ، خذ هذا الطنين في حق بخارك ، وردّ القطعة الفضة لخصمك ، فقال الطباخ : ما نقصه شيء . فقال جمعة :

    ولا أخذ من قدرك شيئا .

    افتخر الحسين عليه السلام يوما في مجلس معاوية في كلام جرى ضربنا عن ذكره ، لأنّا قد عزمنا أن لا نذكر ما شجر بين الصحابة من قبيح القول والفعل ، لما يحصل في القلوب الضعيفة من ذلك . قال الحسين : أنا ابن ماء السماء ، وعروق الثرى ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثاقب ، والشرف الفائق ، والقديم السابق ، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن ، وسخطه سخط الرحمن ، ثم رد وجهه للخصم فقال له : هل لك أب كأبي أو قديم كقديمي ؟ فإن قلت لا تغلب ، وإن قلت نعم تكذب ، فقال الخصم : لا تصديقا لقولك . فقال الحسين عليه السلام : الحق أبلج لا يزيغ سبيله ، والحق يعرفه ذوو الألباب .

    وقال معاوية يوما وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني بأكرم الناس أبا وأما ، وعما وعمة ، وخالا وخالة ، وجدا وجدة . فقال مالك بن عجلان ، وأومأ إلى


    “ 221 “

    الحسن بن علي عليهما السلام فقال : ها هو ذا أبوه علي بن أبي طالب ، وأمه فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجدته خديجة بنت خويلد ، وجده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعمه جعفر الطيار في الجنة ، وعمته أم هانئ بنت أبي طالب . فسكت القوم ، ونهض الحسن ، فقام رجل من بني سهم ، وقال : أنت أمرت ابن عجلان على مقاتلته ، فقال ابن عجلان : ما قلت إلّا حقا ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق ، إلا لم يعط أمنيته في دنياه ، وختم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضركم عودا ، وأوراكم زندا ، كذلك يا معاوية ؟ فقال معاوية : اللهم نعم .

    وروينا من حديث ابن عباس قال : قدمت على معاوية وقد قعد على سريره وجمع بنو أمية ووفود العرب عنده ، فدخلت وسلّمت وقعدت ، فقال : يا ابن عباس ، من الناس ؟

    قلت : نحن ، قال : فإذا غبتم ، قلت : فلا أحد ، قال : فكأنك ترى أني قعدت هذا المقعد بكم ، قلت : نعم ، فبمن قعدت ؟ قال : بمن كان مثل حرب بن أمية ، يعني جده ، قلت : من انكفأ عليه إناؤه ، وأجاره بردائه ، أراد بذلك ابن عباس ، ما اتفق لحرب بن أمية جد معاوية مع عبد المطلب لما استجار به حرب حين أراد قتله الزبير بن عبد المطلب من أجل التميمي ، وذلك أن حرب بن أمية لم يلق أحدا من رؤساء قريش في عقبة ، ولا مضيق إلا تقدمه حرب حتى يجوزه ، فلقيه يوما رجل من بني تميم في عقبة ، فتقدمه التميمي ، فقال حرب : أنا حرب بن أمية ، فلم يلتفت التميمي وجاوزه ، وقال : موعدك مكة ، فخاف التميمي .



    ثم أراد التميمي دخول مكة فقال : من يجيرني من حرب بن أمية ؟ فقيل له : عبد المطلب ، فقال : عبد المطلب أقل قدرا من أن يجيرني على حرب بن أمية ، فأتى ليلا دار الزبير بن عبد المطلب ، فدق بابه ، فقال الزبير لعبده : قد جاءنا رجل إما طالب حاجة ، وإما طالب قرى ، وإما مستجير ، وقد أجبناه إلى ما يريد ، ثم خرج الزبير إليه ،

    فقال التميمي :

    لاقيت حربا في الثنية مقبلا * والصبح أبلج ضوأه للساري
    فدعا بصوت واكتنى ليريعني * وسما عليّ سموّ ليث ضاري
    فتركته كالكلب ينبح ظله * وأتيت قوم معالم وفخار
    ليثا هزبرا يستجار بعزّه * رحب المياه ومكرما للجار
    ولقد حلفت بمكة وبزمزم * والبيت ذي الأحجار والأستار
    أن الزبير لما نعى من خوفه * ما كبّر الحجاج في الأمصار
    فقدّمه الزبير وأجاره ، ودخل به المسجد ، فرآه حرب ، فقام إليه ولطمه ، فحمل عليه

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/11/2024, 03:30