الشيخ الأكبر محيي الدين محمد بن علي ابن العربي الحاتمي الطائي الأندلسي
الجزء السادس
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 89 “
ذكر ما أرّخ به الناس من آدم إلى الهجرة النبوية
فأول تاريخ كان بهبوط آدم عليه السلام ، ثم ببعث نوح ، ثم بالطوفان ، ثم بنار إبراهيم عليه السلام ، وقد أرّخ بموت آدم وببعث إدريس عليهما السلام .
ثم إن بني إسحاق بن إبراهيم عليه السلام أرّخوا بنار إبراهيم إلى يوسف ، ومن يوسف أرّخوا إلى بعث موسى عليهما السلام .
وأرّخوا من موسى إلى ملك داود وسليمان عليهما السلام ، ثم أرّخوا بما كان من الكوائن .
وكان منهم من أرّخ بوفاة يعقوب ، ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم بخراب بيت المقدس .
وأما بنو إسماعيل ، فقد أرّخوا ببناء الكعبة ، ثم أرّخوا بكل يوم أخرجوا من تهامة ، ثم أرّخوا بعام الفيل ، وبيوم الفجار .
وقد كانت بنو معدّ بن عدنان تؤرّخ بغلبة جرّهم العماليق ، وإخراجهم إياهم من الحرم ، ثم أرّخوا بأيام الحروب ، كحرب أبناء وائل ، وهي حرب البسوس ، وكحرب داحس .
وكانت حمير وكهلان تؤرّخ بملوكها السابقة ، وأرّخوا بنار ضرار ، خربت بعض اليمن ، وأرّخوا بسيل العرم .
وأرّخوا بظهور الحبشة على اليمن . وقد أرّخت الأمم الماضية ، قبل إبراهيم ، بهلاك عاد بالريح .
وأما الروم واليونان فتؤرّخ بظهور الإسكندر ، وأرّخت القبط بملك بختنصّر ، ثم أرّخت بملك زقلط يانوس القبطي ، وقالوا : إنه تاريخهم إلى الآن .
“ 90 “
وأرّخت المجوس بآدم ، ثم أرّخوا بقتل دارا ، وظهور الإسكندر ، ثم بظهور أزدشير ، ثم بملك يزدجرد .
وما زال التاريخ في العرب ، من عام الفيل إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه .
فتقرر الأمر على أن يؤرّخ بهجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة ، وجعلوا التاريخ في المحرم أول عام الهجرة .
“ 91 “
ذكر اختلاف الأمم فيما مضى من الزمان من آدم إلى هجرة نبينا عليه الصلاة والسلامتاريخ العرب في ذلك
روينا من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما ، أن ما بين مدة آدم إلى نبينا خمسة آلاف سنة ، وخمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ثم فصّل على ما رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عنه ، من آدم إلى نوح ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود ألف ومائة وتسع وسبعون سنة ، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاثمائة وخمس وستون سنة ، ومن عيسى إلى محمد ستمائة سنة ، وقد روي عنه غير ذلك .
وفي قول الواقدي : من هبوط آدم إلى مولد نبينا عليه السلام أربعة آلاف وستمائة سنة . وفي قول محمد بن إسحاق خمسة آلاف سنة وأربعمائة سنة وست وعشرون سنة ،
قال : كان بين آدم ونوح ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة واثنان وأربعون سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود خمسمائة وتسع وستون سنة ، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاثمائة وخمس وستون سنة ، ومن عيسى إلى محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين ستمائة سنة .
وفي قول وهب بن منبّه : خمسة آلاف وستمائة سنة .
تاريخ مجوس الفرس في ذلك : أربعة آلاف ومائة واثنان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما .
تاريخ أصحاب الريحان في ذلك : والتاريخ عندهم الذي يصح في دعواهم بالبرهان : من الطوفان ، فإنهم غير مؤمنين بما وردت به الأنبياء عليهم السلام ، من حديث آدم ،
فقالوا : إن من أول الطوفان إلى أول يوم الهجرة ثلاثة آلاف سنة وسبعمائة وخمس وعشرون سنة فارسية وثلاثمائة وتسعة وأربعون يوما .
“ 92 “
تاريخ اليهود في ذلك : أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة . تاريخ اليونان من النصارى في ذلك : خمسة آلاف سنة وسبعمائة واثنان وسبعون سنة وأشهر .
ذكر المؤرخون : أن عمر آدم ألف سنة ، وقيل : ألف إلا سبعين عاما ، وقيل :
ثمانمائة سنة .
وعمر ولده شيث ، وتفسيره : هبة اللّه ، وهو ابن آدم ، سبعمائة سنة واثنا عشر سنة ، وعاش أنوش بن شيث بن آدم سبعمائة سنة وخمسا وستين سنة . وعاش فينان بن أنوش سبعمائة وعشرين سنة ، وعاش مهلاييل بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم ثمانمائة سنة وخمسا وتسعين سنة ، وعاش برد بن مهلاييل تسعة واثنين وستين سنة ، وفي زمنه عملت الأصنام . وولد كل هؤلاء في حياة آدم . وعاش إدريس بن برد ، إلى أن رفع إلى السماء ، ثلاثمائة وخمسين سنة في حياة أبيه برد ، وعاش أبوه بعد رفعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة ،
وقيل : رفع وهو ابن أربعمائة وخمسا وستين سنة . وعاش متوشلخ بن إدريس تسعمائة واثنتين وثمانين سنة ، وولد متوشلخ وابنه لامك في حياة آدم أيضا ، وولد للامك نوح ، وعمر لامك إذ ذاك مائة وسبع وثمانون سنة ، وكان مولد نوح بعد وفاة آدم بثمانمائة سنة وستة وعشرين سنة ، وذلك في سنة ست وخمسين سنة لهبوط آدم وبعث نوح ، وله أربعمائة وثمانون سنة ، وركب الفلك وله ستمائة سنة ، وأقام بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة ، وقيل : بعث وله خمسون سنة ، ومات وله ألف سنة ، وقيل غير ذلك ، قيل : واستقلت السفينة لعشر خلت من رجب ، وبقيت على الماء مائة وخمسين سنة ، ثم استقرت على الجودي في جبل بالجزيرة شهرا ، وخرج إلى الأرض في المحرم في اليوم العاشر منه ، وابتنى قرية بالجزيرة تسمى سوق ثمانين ، فإنهم كانوا في السفينة ثمانين رجلا .
وعاش سام بعد نوح ستمائة سنة ، وكان سام أوسط ولد نوح ، وكان يافث أسنّ منه ، وقدموا ساما بالذكر لأنه أبو الأنبياء عليهم السلام ، وكان له من الولد : آدم ، وأرسيمون ، وأرفخشذ ، وعويلم ، ولاود ، وكان يسكن هو وولده الحرم وما حوله إلى اليمن وإلى غسان العرب .
والأنبياء كلهم ، عربيّهم وعجميّهم ، من ولده . واليمن كلها وعاد وثمود من ولده .
وأما حام بن نوح ، فزعم وهب أنه كان أبيض حسن الصورة ، فغيّر اللّه لونه وألوان ذريته لدعوة أبيه عليه ،
قيل : نام نوح فانكشفت عورته فلم يسترها حام ، فسترها سام ويافث ، فدعا لهما ، فالسودان كلهم على اختلاف أجناسهم من أولاد حام ، وكان له من غربي النيل إلى ما وراءه من بحر الديور .
“ 93 “
وأما يافث بن نوح وولده ، فكانت منازلهم أرض الروم ، والروم من ولده ، والترك والخزر ، ويأجوج ومأجوج .نسب هود عليه السلام
يقال : إنه عاير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وأنه ولد بعد ما مضى من عمر نوح ستمائة وسبع وستون سنة . وقال بعضهم : هو هود بن عبيد اللّه بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام ، بعثه اللّه عز وجل إلى حي من ولد أرم بن سام ، وهم عاد بن عوص بن أرم ، وهم عاد الأولى ، فكذبوه ، فأهلكهم اللّه . وقصتهم مذكورة في هذا الكتاب .
ولما أهلكهم ، بعث عليهم طيرا أسود ، فنقلهم إلى البحر ، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ، وكانت مساكنهم الشحر ، بين عمان وحضرموت . ويقال : كان هود أشبه ولد آدم بآدم ، وكذا قيل في يوسف . ومات هود بمكة بعد هلاك قومه ، وله مائة وخمسون سنة ، وقيل غير ذلك .
قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : قبر هود بحضرموت .نسب صالح عليه السلام
هو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن جابر بن أرم بن سام ، بعثه اللّه إلى حيّه ، وهم ثمود ، وكانت مساكنهم الحجر ، من وادي القرى والشام ، وقصته ستجيء إن شاء اللّه تعالى .
زعم وهب أن اللّه بعثه حين راهق الحلم ، وكان يمشي حافيا لا يتخذ نعلا ، وكانت آيته ناقة أخرجها اللّه من هضبة من الأرض ، يتبعها فصيل لها فيحلبون منها ربّهم ، وتشرب في ذلك اليوم جميع مياههم ، ويشربون هم اليوم الثاني الماء ، ولا تأتيهم ، فلما طال ذلك عليهم ملّوها ، فاجتمعوا تسعة من شرار قومه على عقرها ، وخرجوا إليها ، فعقرها رجل يعرف بقدار ، أحمر ، أزرق ، فوعدهم للّه بالعذاب بعد ثلاث ، فأصابهم في اليوم الأول ، وكان يوم الخميس ، صفرة ، فأصبحوا مصفرّين ، وأصبحوا في اليوم الثاني وجوههم محمرّة ، وأصبحوا في اليوم الثالث وجوههم مسودّة ، وصبحهم العذاب يوم الأحد ، فأتتهم صيحة من السماء ، فماتوا كلهم ، ولحق صالح ومن آمن معه من قومه بمكة ، ومات وله ثمان وخمسون سنة . وروي أن قبورهم بين دار الندوة والحجر . وذكر ريئمة أن صالحا
“ 94 “
عاش ثلاثمائة سنة إلا عشرين سنة . وزعم أهل التوراة إن صدقوا أنه لا ذكر لعاد وثمود في كتابهم .نسب إبراهيم عليه السلام
وقصته ستجيء ، ونسبه مذكور في سرد نسب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهن إبراهيم بن تارخ ، وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن رغو بن قالع بن عابر ، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، ولد ببابل ، وقيل : بحرّان ، ونقله أبوه إلى بابل ، وولد في زمن نمرود بن كوش ، وقيل : نمرود بن كنعان بن كوش . وكان النمرود ملك المشارق والمغارب .
ولما بلغ إبراهيم عليه السلام ثلاثين سنة ، ألقاه نمرود في النار ، وكان قد حبسه قبل أن يلقيه في النار ثلاث عشرة سنة ، وقيل : ألقي في النار وله ست عشرة سنة ، ولما بلغ عمره سبعين سنة خرج إبراهيم ومعه ابن أخيه لوط بن هاران ، وابنة عمه سارة زوجته ، إلى حرّان . وقيل : إن أباه كان معه ، فأقاموا بها خمسين سنة .
ومات بها آزر ، بعد أن خرج ابنه منها بسنتين . ثم سار إبراهيم ولوط وسارة من حران إلى الشام ، فوجدوا في الشام جوعا عظيما ، فساروا إلى مصر ، وفرعونها إذ ذاك سنان بن علوان ، وأقاموا بها ثلاثة أشهر ، ورجعوا إلى الشام ، وقد أهدى سنان فرعون مصر إلى سارة هاجر ، فنزلوا المسبع من أرض فلسطين ، وفارقه لوط وسكن في سدوم .
ثم تحول إبراهيم ونزل بين الرملة وإيلياء ، فلما بلغ إبراهيم خمسا وثمانين سنة وهبت له سارة جاريتها هاجر ، فولدت هاجر إسماعيل ، وله ست وثمانون سنة ، واختتن وله تسع وتسعون سنة ، ثم اختتن ابنه إسماعيل ، ثم ولدت سارة إسحاق وله مائة سنة ، وأنزل اللّه عليه عشر صحائف . وولد لإسحاق يعقوب والعيص بعد ما مضى مائة وستون سنة لإبراهيم . ومات إبراهيم وله مائة وخمس وسبعون سنة .
وماتت سارة ولها مائة وتسع وعشرون سنة ، وكان موتها قبل وفاة إبراهيم بعد مضي سبع وثلاثين سنة من عمر ابنها . ودفنا في مزرعة حبرون من أرض الشام .
وزعم محمد بن جرير الطبري أن من هبوط آدم إلى أن ولد إبراهيم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعا وثلاثين سنة ، فيكون إلى موته ثلاثة آلاف وخمسمائة واثنا عشر سنة .نسب لوط عليه السلام
هو لوط بن هاران بن آزر ، أرسل إلى أهل سدوم ، وقصته مع قومه ستجيء . وإن جبريل اقتلع أرضهم من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها إلى سماء الدنيا ، حتى سمع
“ 95 “
أهل السماء نباح كلابهم ، وأصوات ديكتهم ، ثم قلبها ، وهو قوله تعالى :وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى. وأرسل على الشرار منهم حجارة من سجّيل ، وكان ذلك بعد مضي تسع وتسعين من عمر إبراهيم . وكانت فيما روي خمس قرى : ضيعة ، وضعوة ، ودوما ، وعمره ، وسدوم ، وهي العظمى .
وذكر أن جميع ما عمرت سدوم إحدى وخمسون سنة .
نسب إسماعيل عليه السلام
هو إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد ذكرنا أولاده ، وحديثه بمكة . لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق ، وزوّج ابنته من العيص بن إسحاق ، وكان عمره مائة وسبعة وثلاثون سنة ، ودفن في الحجر إلى قبر أمه هاجر .
وماتت هاجر في حياة أبيه .نسب إسحاق عليه السلام
فأصحّ الروايات أنه الذبيح ، ولما عرضه أبوه للذبح كان ابن سبع سنين ، وكان مذبحه في بيت إيلياء . ولما علمت سارة بما أراد إبراهيم بإسحاق من الذبح ، أخذها البطن من الجزع يومين ، وماتت في الثالث . وقيل : كان ابن ست وعشرين سنة .
ولما بلغ عمر إسحاق ستين سنة ولد له العيص ويعقوب ، وكانا توأمين ، فولد للعيص الروم ، وكل بني الأصفر من ولده . وقيل : إنما سمّوا بني الأصفر لأن العيص كان أصفر اللون .
وولد ليعقوب الأسباط . وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ، وكان ضريرا ، وكانت وفاته في السنة التي استوزر يوسف فيها بمصر ، ودفن عند قبر أبيه إبراهيم .وأما يعقوب عليه السلام
فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عاش مائة وسبع وأربعين سنة .
توفي بمصر ، وحمله ابنه يوسف ودفنه عند قبر أبيه ، ثم عاد وكانت النبوّة والملك متصلين بالشام ونواحيها لولد إسرائيل الذي هو يعقوب بن إسحاق ، إلى أن زال عنهم ذلك بالفرس والروم ، بعد يحيى بن زكريا ، وبعد عيسى عليه السلام . وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا ذكورا ، وهم الأسباط .
وذكر بعض أهل التاريخ أن الأنبياء كلهم من ولد يعقوب ، إلا أحد عشر نبيا ، وهم :
نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وأيوب ، وشعيب ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، وعيسى ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين .
“ 96 “
وأما يوسف عليه السلام
فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وستجيء قصته
قيل : كان سنّه في الوقت الذي رأى فيه الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا سبع عشرة سنة .
واسم العزيز الذي استوزره الريان بن الوليد ، وذكر أنه آمن واتّبع يوسف ، ومات في حياة يوسف ، وولّي بعده قابوس بن مصعب ، وكان كافرا .
ومات يوسف وله مائة وعشر سنين . وباعه إخوته وله سبع عشرة سنة . وأقام في الرق ثلاث عشرة سنة . واستوزر وله ثلاثون سنة ، وأقام وزيرا وله تسع سنين .
واجتمع بأبيه ، فكانت مدة الفراق : اثنتين وعشرين سنة . وأقام مع أبيه سبع عشرة سنة .
وقال سلمان الفارسي : مدة فراقه من أبيه أربعون سنة . وقال الحسن : ثمانون سنة .
وقال ابن إسحاق : ثماني عشرة سنة . وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخولهم مصر سبعين نفسا . وبين دخول يعقوب وأهله مصر وبين خروج موسى ببني إسرائيل منها أربعمائة وست وثلاثون سنة .
وكان عدد من خرج مع موسى من بني إسرائيل من مصر ستمائة ألف مقاتل . وحمل موسى تابوت يوسف معه حين خرج . وإنه دفن عند آبائه .وأما أيوب عليه السلام
فهو أيوب بن مصوع بن راح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، قاله وهب بن منبّه . وقيل : هو أيوب بن عوص بن رعويل بن عيص بن إبراهيم الخليل .
وقال أهل التوراة : إنه من ولد عوص بن ناحور ، أخي إبراهيم الخليل ، فعلى هذا القول ليس هو من الروم . وقيل : إنه من ولد العيص ، لكونه روميا . واختلف في زوجته التي ضربها بالضغث ، فقيل : هي إلياء بنت يعقوب بن إسحاق عليهما السلام .
وقيل : هي رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ، وكانت أم أيوب بنت لوط .
وزعم الحسن البصري أنه ابتلي وله ثمانون سنة من عمره . قال وهب : وابتلي ثلاث سنين . وقيل : عاش مائتي سنة وعشر سنين . وقيل : نبّئ في عهد يعقوب .
وذكر الطبري أن اللّه بعث بعده ابنه ذا الكفل ، واسمه بشر بن أيوب ، وله خمس وسبعون سنة . ثم بعث اللّه بعد ذي الكفل شعيبا ، عليهم السلام .
“ 97 “
نسب شعيب عليه السلام
قيل : اسمه ترون بن صفوان بن الغابر ثابت بن مدين بن إبراهيم .
روينا عن ابن إسحاق أنه شعيب بن ميكائيل من ولد مدين ، وقيل : لم يكن من ولد إبراهيم ، وإنما هو من ولد بعض من آمن بإبراهيم ، وهاجر معه
قالوا : وأم أبيه هي بنت لوط ، وقصته ستجيء . وبعثه اللّه إلى أمتين : مدين ، وأصحاب الأيكة . وهو خطيب الأنبياء ، قيل : وكان أعمى ، ومات بمكة ، وما بلغني كم عاش.
وأما الخضر عليه السلام
فقيل : إن اسمه الخضر ، هذا قول الطبري . وقيل : اسمه بلياء بن لمكان بن قالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وكان أبوه لمكان اختلف في نبوّته ، وقصته مذكورة في هذا الكتاب .
قال ابن إسحاق : وكان الخضر نبيا ، بعثه اللّه إلى بني إسرائيل بعد شعيب .
قال وهب : اسم الخضر أورياء بن حلقيا ، وكان من سبط هارون ، وهو الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها . وقال عبد اللّه بن شوذب : الخضر من فارس ، والياس من بني إسرائيل .
وقال بعض أهل الكتاب من اليهود : إن موسى الذي لقي الخضر هو موسى بن ميشا بن يوسف ، وكان نبيا قبل موسى بن عمران .
والصحيح : أن موسى بن عمران هو صاحب الخضر . وقيل : إن هذا الخضر كان على مقدمة عسكر ذي القرنين الأكبر ، الذي كان في أيام إبراهيم الخليل ، وبلغ معه نهر الحياة ، فشرب من مائه ، وهو لا يعلم به ، فخلّد ، وهو حيّ إلى الآن ،
وهذا قول الطبري ، حكاه عنه صاحب كتاب أخبار الزمان .نسب موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام
وهما أخوان لأب وأم ، وأبوهم عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام .
واسم أمهما : لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب . وقيل : يوحانذ . وقال ابن إسحاق : يخبيب . وقصته ستجيء .
وكان قابوس بن مصعب ، صاحب يوسف الثاني ، قد مات ، وأقام مكانه أخوه :
الوليد بن مصعب ، وهو فرعون موسى .
“ 98 “
ولما بلغ فرعون بولادة مولود يكون هلاك فرعون على يده ، صار يقتل الولدان سنة ، ويحييهم سنة ، فولد هارون في السنة التي لا قتل فيها ، ثم ولد موسى بعده بثلاث سنين ، في السنة التي يقتل فيها ، فجعلته أمه في التابوت كما ذكر .
ولما وجد التابوت في الماء عند الشجر ، سماه فرعون : موسى مركب من ماء وشجر ، فإن الماء بلغتهم : المو ، والسا : الشجر . فسمّي بصفة المكان الذي وجد فيه .
ذكر ذلك شيخنا أبو زيد السهيلي في المعارف والأعلام .
وقتل القبطي وسنّه إحدى وأربعون سنة ، وأقام بمدين تسعا وثلاثين سنة ، ثم رجع إلى مصر بزوجته صفورا بنت شعيب ، ثم بعثه اللّه إلى فرعون ، فأقام يدعوه أحد عشر شهرا ، ثم سار ببني إسرائيل ، وأتبعه فرعون ، فأغرقه اللّه .
وأقاموا في التيه أربعين سنة ، وخسف اللّه بقارون في التيه ، ومات هارون في التيه وله مائة وسبعة عشر سنة ، ومات موسى في التيه وله مائة وعشرون سنة ، بعد أن استخلف يوشع بن نون . قال ابن إسحاق : إنها حوّلت النبوة إلى يوشع بن نون في حياة موسى عليه السلام .نسب يوشع بن نون عليه السلام
وهو فتى موسى ، هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، بعثه للّه نبيا بعد موسى إلى أريحا لحرب من فيها من الجبابرة ، فقاتلهم حتى أمسى ، فدعا اللّه أن يمسك عليه الشمس عن الغروب حتى يظفر عليهم .
فقيل : رجعت الشمس قدر نصف ساعة .
وقيل : رجعت اثني عشر برجا ، ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل المدينة من الجبارين مع موسى إلا مات ، ولم يشهد الفتح . قاله السدي .
وقال ابن عباس : كل من دخل التيه ممن جاوز العشرين مات ، ولم يدخل المدينة غير يوشع ، وقيل : إنه فتحها في حياة موسى ، وعاش يوشع مائة وعشر سنين ، وأقام يدبّر أمر بني إسرائيل ثمانية وعشرين سنة ، ثم استخلف يوشع رجلا صالحا اسمه غالب بن يوقنا .نسب حزقيل عليه السلام
ذكر الطبري : أنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين . إن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان غالب بن يوقنا ، ثم حزقيل بن يوقنا ، ويقال : ابن العجوز ، لأن أمه
“ 99 “
ولدته وهي عجوز عقيم ، وهو النبي الذي أصاب قومه الطاعون ، فخرجوا من ديارهم ، وهم ألوف ، حذر الموت ، فقال لهم اللّه : موتوا ، ثم أحياهم ، وقصتهم ستجيء .نسب الياس عليه السلام
قيل : هو إدريس عليه السلام ، وقصته ستجيء . ذكر المحب الطبري ،
قال : لما مات حزقيل ، كثرت الأحاديث في بني إسرائيل ، وتركوا عهد اللّه ، وعبدوا الأوثان ، فبعث اللّه إليهم الياس ، وهو الياس بن العيزار بن هارون بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، هكذا ذكر نسبه الطبري .
وذكر غيره : أنه بعث إلى أهل بعلبك .
وبعل : اسم صنم كانوا يعبدونه ، فتمادوا في طغيانهم يعمهون ، فدعا عليهم الياس ، فأمسك اللّه الغيث عنهم ثلاث سنين ، حتى هلكت مواشيهم ودوابهم ، فسألوه أن يدعو لهم ، فدعا لهم ، فجاءهم الخير ، فلم يتوبوا ، فدعا الياس أن يقبض اللّه روحه ، فكساه اللّه الريش ، فجعل يطير مع الملائكة ، وكان أنسيا ملكيا سماويا أرضيا ، ويجتمع في كل موسم بالخضر . وقد روي أنه اجتمع برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأكل معه من طعامه ، ويذكر أن الأبدال يجتمعون به .وأما اليسع عليه السلام
فهو اليسع بن يخطوب ، كان تلميذ الياس ، فدعا له فنبئ بعده ، وهو يعرف بابن العجوز ، ثم هلك ، ولم يزل الأمر في إدبار لكثرة التخليط ، وسلّط اللّه عليهم ملكا أخذ منهم التابوت . وقصتهم ستجيء . فأقاموا في ذلك من أول وفاة يوشع أربعمائة وستين سنة ، إلى أن عادت النبوة والملك إليهم بشمويل .
وأما شمويل عليه السلام
فقد زرته على أميال من بيت المقدس ، وهو شمويل بن يالا ، ويقال : ابن هلقيا ، وهو بالعربية اسم إسماعيل .
فكان بنو إسرائيل ، لما طال عليهم البلاء ، وملكتهم العمالقة ، وضربت عليهم الجزية ، وكان ملكهم طالوت ، وكانوا يسألون اللّه تعالى أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه ، ولم يكن بقي من سبط النبوة إلا امرأة حبلى ، اسمها حنا ، وكانت تدعو أن يرزقها اللّه
“ 100 “
النبوة ، على ما قيل ، وكانت عاقرا ، فسألت اللّه تعالى أن يرزقها ولدا ، فولدت شمويل ، فسمته سمعون ، وهو فعلون ، من سمع اللّه دعائي ، والسين في لغتهم شين ، وهو من ولد فاهث بن لاوي بن لاوي بن يعقوب ، فلما بلغ عشرين سنة ولّاه داود النبي عليه السلام .
فلما أكمل شمويل أربعين سنة ، بعثه اللّه نبيا ، وبعث لهم طالوت ملكا ، ولم يكن من سبط الملك ، فأبوه ، وكانت آيته أن أتاهم التابوت الذي انتزع منهم ، تحمله الملائكة نهارا ، حتى وضع بين أيديهم عند طالوت . هذا مرويّ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما . فآمنوا حينئذ بنبوة شمويل ، وبملك طالوت .
وكان في التابوت ، على ما زعم السديّ ، طست من ذهب ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، ورضراض الألواح ، وعصا موسى عليه السلام .
وخرج طالوت لقتال جالوت ، كما ذكرناه في هذا الكتاب . ولما قتل داود جالوت ، زوّجه طالوت ابنته ، ثم بعد ذلك حبسه ، وأراد أن يقتله ، فهرب منه داود ، فندم طالوت على ما همّ به من قتل داود ، وتاب إلى اللّه تعالى .
وقال طالوت : من توبتي أن أنخلع من ملكي ، وأقاتل في سبيل اللّه ، أنا وبنيّ حتى أموت . فخرج عن ملكه ، وأخرج معه بنيه ، وهم ثلاثة عشر ، فقاتلوا في سبيل اللّه حتى قتلوا كلهم . وورّث اللّه داود ملك طالوت ونبوة شمويل ، وهو قوله تعالى :وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، يعني ملك طالوت ،وَالْحِكْمَةَ: نبوة شمويل .
وتاريخ مدة ملك طالوت ، فيما حكى ابن جرير الطبري ، على زعم أهل التوراة :
أربعون سنة .
وأما شمويل ، فعاش اثنين وخمسين سنة ، دبّر أمر بني إسرائيل منها إحدى عشرة سنة .وأما داود عليه السلام
فهو داود بن بائس بن عويال من ولد يهوذا ، وقصته ستجيء . أطاعه بنو إسرائيل ، وفتح لهم الفتوحات الكثيرة . كان يقيم الزبور على اثنين وسبعين صوتا ، وكان له تسع وتسعون زوجة . ولما بلغ ثمانين سنة ، ابتلي بقصة أوريا ، وتزوج زوجته .
فولدت له سليمان ، وعاش داود مائة سنة ، وقيل : شرع في بناء بيت المقدس ، فمات قبل أن يتمه .
وكانت مدة ملكه أربعين سنة ، وتبع جنازته أربعون ألف راهب .
“ 101 “
وأما سليمان بن داود عليهما السلام
ولّي ملك أبيه وله اثنتا عشرة سنة . وسخّر له الجن والإنس والريح . وقصته ستجيء .
ولما مضى من ملكه أربع سنين ، بدأ ببناء بيت المقدس ، وفرغ منه في سبع سنين .
ولما مضى من ملكه خمس وعشرون سنة ، جاءته ملكة سبأ ، وهي بلقيس . واختلف في تزويجه إياها ، وقد ذكرناه .
وروينا من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : “ بينما سليمان يصلي ذات يوم ، رأى شجرة ، فقال : ما اسمك ؟ قالت : الخروب .
فقال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان : اللهم عمّ على الجنّ موتي ، حتى تعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب . ونحت من الخروب عصا ، وتوكأ عليها حولا ، وهو ميت حتى أكلتها الأرضة ، فسقط عن كرسيه ، فعلمت الجن عند ذلك بموته “ .
وعاش سليمان اثنين وخمسين سنة ، وملك بعده ابنه راحيم سبع عشرة سنة . وملك بعد ابنه أبناء بني إسرائيل ثلاث سنين .
ولم يزل الملك في ولده إلى صاحبه شعياء .ثم بعث اللّه شعياء عليه السلام
قال ابن إسحاق : اسم صاحبه صديقة . وقال غيره : صديقا ، وهو الذي بشّر بعيسى ومحمد عليهما السلام . وقصد ملك بابل قتال صديقة ، فكفاه اللّه . وأوحى اللّه إلى شعياء أني قد أخّرت أجل صديقة خمس عشرة سنة .
قال ابن إسحاق : وذكروا أن بني إسرائيل قتلوا شعياء بعد موت صديقة ، وسلط اللّه عليهم عدوهم فأفناهم . وأقام الملك في داود وبنيه أربعمائة وثلاثا وخمسين سنة ، وكان آخرهم صديقا ، وكان في زمنه أرمياء . وأقام الشام خرابا ما فيه غير السمرة سبعين سنة ، والملك لأهل بابل .
وبعث اللّه أرمياء عليه السلام
فأخبرهم بغضب اللّه عليهم ، فضربوه وقيّدوه ، فبعث اللّه عليهم بخت نصّر ، فقتل منهم ، وصلب ، وحرق ، والقصة ستجيء . وخرّب بيت المقدس ، وخرج أرمياء إلى مصر ، فأقام بها ، فأمره اللّه بالعود ، فسار حتى أشرف على خراب بيت المقدس ، فقال :
“ 102 “
أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها ؟ فأماته اللّه مائة عام ، ثم أحياه بعد أن عمرت بيت المقدس .
قيل : أقامت خرابا سبعين سنة .
وزعم ابن إسحاق أن أرمياء هو الخضر . وقال قتادة : هو الذي مرّ على قرية عزير .وأما دانيال وعزير
فكانا من جملة من سباهم بخت نصّر ، فسار بهما إلى بابل ، وأقاما في يده ، ثم رأى رؤيا هالته ، فعبّرها له دانيال ، فأكرمه .
وجاء دانيال وعزير ومن كان تحت يد بخت نصّر بعد موته إلى بيت المقدس .
وذكر أن أبا موسى الأشعري وجد قبر دانيال بالسويس ، فأخرجه وكفّنه وقبره ، وهو الذي كان يستمطر به أهل فارس في زمن كسرى .
وأما العزير
فلما عاد إلى بيت المقدس ، أقام لبني إسرائيل التوراة ، بعد ما احترقت ، وكان من علمائهم ، ولم يكن نبيا .
وقال العتبي : وأخبرني أيضا بذلك أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحنبلي بمكة ، وأنا أسمع عليه كتاب السنن لأبي داود ، فمر ذكره ، فقال : كان عزير قد أكثر المناجاة في القدر ، فمحا اللّه اسمه من الأنبياء ، فلا يذكر فيهم .
وزعم أهل التوراة أن عزرة وهو العزير دبّر أمر بني إسرائيل ، ومكث معه أربعين سنة . وذكر أهل التاريخ أنه من ولادة داود إلى موت العزير خمسمائة وأربع وستون سنة .
وفي آخر أيام العزير زال ملك الفرس من الشام ، وصارت لليونانيين والروم .وأما يونس عليه السلام
وهو يونس بن متى ، بعث إلى أهل نينوى ، وقصته ستجيء .
واختلف في زمان مبعثه ، فقيل : بعث بعد سليمان ، وقيل : بعد الياس ، وقيل : بعد شعيب .وأما زكريا عليه السلام
فهو زكريا بن برخيا من ولد سليمان بن داود ، وقيل : زكريا بن آذن ، وكان زكريا
“ 103 “
وعمران أبو مريم متزوجين بأختين : الواحدة عند زكريا والأخرى عند عمران ، وهي أم مريم ، ولهذا كفل زكريا مريم ، فإن أباها كان قد مات ، وقيل : إنه ضعف عن كفالتها لأزمة أصابتهم ، فكفلها جريج النجار .
فلما بلغ زكريا الكبر ، رزقه للّه يحيى من زوجته تلك ، فيحيى ابن خالة مريم . وولد عيسى بعد ولادة يحيى بثلاث سنين .
وقيل : ستة أشهر ، فاتهم بنو إسرائيل زكريا بمريم ، فهرب منهم ، والقصة ستجيء .
وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام
فولد في ملك سابور ، وذلك بعد قيام الإسكندر بثلاثمائة وثلاث سنين ، ويحيى وضع عيسى في نهر الأردن .
وذكر أن ملكا من ملوك بني إسرائيل شاور يحيى في تزويج امرأة ، فقال : إنها بغيّ ، فاحتالت المرأة عليه حتى قتله الملك ، وبقي دمه يغلي إلى أن رفع عيسى . غزاهم ملك بابل ، وكان يقال له خروش ، وظهر عليهم ، ورأى دم يحيى يغلي ، فقتل عليه خلقا من الناس ، وخرّب بيت المقدس .
وأما عيسى ابن مريم عليه السلام
فولد بعد قيام الإسكندر بثلاثمائة وثلاث سنين ، وقيل : بثلاثمائة وتسعة عشر سنة .
ذكر الحسن أن مريم حملت بعيسى ساعات ، ووضعته من يومها . وقيل : حملت به على العادة ، ومولده ببيت لحم ، وهربت به إلى مصر ، فأقامت بها اثني عشرة سنة ، ثم رجعت به إلى الشام ، وجاءه الوحي وهو ابن ثلاثين سنة ، وكانت نبوّته ثلاث سنين .
وقيل : تكلم في المهد ثلاث مرات ، ثم لم يتكلم حتى بلغ حد الكلام المعتاد . وهذا قول أبي هريرة ، وقصته ستجيء . وكان رفعه من بيت المقدس ليلة القدر .
قال وهب : توفاه اللّه ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه ، وعاشت أمه بعده ست سنين .
وكان بيت المقدس حين رفع عيسى للروم . ولما بلغ ملك الروم ما فعل بالمسيح ، وجّه ، فأنزل المصلوب المشبّه بعيسى ، وأخذ خشبته فأكرمها ، وقتل من بني إسرائيل خلقا كثيرا ، وأجلاهم عن فلسطين ، ومن هناك أصل النصرانية في الروم ، واسم هذا الملك قسطنطين ، وهو الذي بنى قسطنطينية .
“ 104 “
وأما الثلاثة أصحاب القرية
وحكايتهم مذكورة ، واختلف الناس فيهم ، فقال وهب : كانوا ثلاثة أنبياء : صادق ، وصدوق ، وسلوم . وبعثوا إلى أهل أنطاكية ، وملكهم طيخشر . وقال قتادة : كانوا من الحواريين ، بعثهم عيسى بأمر اللّه إلى أنطاكية .
وأما الذي جاء من أقصى المدينة فآمن بهم ، واسمه حبيب ، فكان نجارا بأنطاكية ، فلما آمن وطئوه بأرجلهم حتى مات ، فأحياه اللّه وأدخله الجنة ، وأهلك قريته بصيحة من السماء فخمدوا .
وأما ذو الكفل عليه السلام
فإنما سمي ذا الكفل ، قيل : لأنه بعث إلى ملك من بني إسرائيل ، يقال له : كنعان ، فدعاه إلى الإيمان ، وكفل له بالجنة ، فآمن به ، فسمي ذا الكفل ، قاله العتبي . قال مجاهد :
تكفل لليسع بأمته ، فوفى له ، ولم يكن نبيا . وقيل : تكفل بعمل رجل صالح . وكان يصلي كل يوم مائة صلاة . وقيل : تكفل بتملك أحد ملوك بني إسرائيل .
وقال الطبري : ذو الكفل هو بشر بن أيوب ، بعثه اللّه بعد أبيه أيوب .
وأما لقمان الحكيم
فكان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل ، فأعتقه ، وكان في زمن داود عليه السلام ، وكان اسم أبيه : باران ، واختلف في نبوّته ، وكان خياطا . وقيل : كان في زمن عاد ، وكان من جملة وفد عاد الذين أنفذهم إلى مكة ، يستسقون له ، فدعا اللّه أن يطيل عمره ، وكان له حينئذ مائتا سنة ، وقيل : عاش ألفا وثلاثمائة سنة .
وأما خالد بن سنان العبسي عليه السلام
قيل : هو من ولد إسماعيل ، أدركت ابنته النبي صلى اللّه عليه وسلم . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما :
ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة في الفترة ، فسمّتها العرب : بدا ، وكادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس ، فقام خالد هذا ، فأخذ عصاه ، واقتحم النار يضربها بعصاه حتى أطفأها اللّه تعالى . ثم قال : إني ميت ، فإذا متّ ، وحال الحول ، فأرصدوا قبري ، فإذا رأيتم حمارا عند قبري ، فارموه واقتلوه ، وانبشوا قبري ، فإني أحدثكم بكل ما هو كائن .
“ 105 “
فمات ، فلما حال الحول ، رأوا الحمار فقتلوه ، وأرادوا نبشه ، فمنعهم أولاده ، وقالوا : لا نسمّى بني المنبوش .
وقص النبي صلى اللّه عليه وسلم قصته على أصحابه ، حين جاءته ابنته ، فانتسبت له ، فقال لها :
« مرحبا بابنة نبي أضاعه قومه » . ثم قال عليه الصلاة والسلام : « لو نبشوه لأخبرهم بشأني ، وشأن هذه الأمة ، وما يكون منها » .
تاريخ نزول الكتب من عند اللّه عز وجل
روي أن صحف إبراهيم نزلت في أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست ليال خلت من شهر رمضان بعد صحف إبراهيم بسبعمائة سنة ، وأنزل الزبور لاثني عشر ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام ، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بستمائة سنة وعشرين عاما ، وأنزل القرآن لسبع وعشرين ليلة من شهر رمضان بعد الإنجيل بستمائة وعشرين عاما .
تاريخ قتل المختار
قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين . وأقام ابن الزبير الحج للناس من سنة أربع وستين إلى سنة اثنتين وسبعين .
وقتل ابن الزبير وصلب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين .
وقيل : من جمادى الأخيرة سنة اثنتين وسبعين ، وماتت أمه بعده بخمسة أيام ولها مائة سنة .
وكان ملك ابن الزبير بالحجاز والعراق ، منذ مات معاوية بن يزيد ، إلى أن قتل ، تسع سنين .
وكان إسلام الحكم ، طريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يوم فتح مكة ، ومات في خلافة عثمان .
وولّي الحجاج العراق سنة خمس وسبعين . ونقشت الدنانير والدراهم بالعربية سنة ست وسبعين .
وقيل : سنة خمس وسبعين ، نقشها عبد الملك بن مروان ، وكان نقشها قبل ذلك بالرومية .
الجزء السادس
محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في الأدبيات والنوادر والأخبار ج 1
“ 89 “
ذكر ما أرّخ به الناس من آدم إلى الهجرة النبوية
فأول تاريخ كان بهبوط آدم عليه السلام ، ثم ببعث نوح ، ثم بالطوفان ، ثم بنار إبراهيم عليه السلام ، وقد أرّخ بموت آدم وببعث إدريس عليهما السلام .
ثم إن بني إسحاق بن إبراهيم عليه السلام أرّخوا بنار إبراهيم إلى يوسف ، ومن يوسف أرّخوا إلى بعث موسى عليهما السلام .
وأرّخوا من موسى إلى ملك داود وسليمان عليهما السلام ، ثم أرّخوا بما كان من الكوائن .
وكان منهم من أرّخ بوفاة يعقوب ، ثم بخروج موسى من مصر ببني إسرائيل ، ثم بخراب بيت المقدس .
وأما بنو إسماعيل ، فقد أرّخوا ببناء الكعبة ، ثم أرّخوا بكل يوم أخرجوا من تهامة ، ثم أرّخوا بعام الفيل ، وبيوم الفجار .
وقد كانت بنو معدّ بن عدنان تؤرّخ بغلبة جرّهم العماليق ، وإخراجهم إياهم من الحرم ، ثم أرّخوا بأيام الحروب ، كحرب أبناء وائل ، وهي حرب البسوس ، وكحرب داحس .
وكانت حمير وكهلان تؤرّخ بملوكها السابقة ، وأرّخوا بنار ضرار ، خربت بعض اليمن ، وأرّخوا بسيل العرم .
وأرّخوا بظهور الحبشة على اليمن . وقد أرّخت الأمم الماضية ، قبل إبراهيم ، بهلاك عاد بالريح .
وأما الروم واليونان فتؤرّخ بظهور الإسكندر ، وأرّخت القبط بملك بختنصّر ، ثم أرّخت بملك زقلط يانوس القبطي ، وقالوا : إنه تاريخهم إلى الآن .
“ 90 “
وأرّخت المجوس بآدم ، ثم أرّخوا بقتل دارا ، وظهور الإسكندر ، ثم بظهور أزدشير ، ثم بملك يزدجرد .
وما زال التاريخ في العرب ، من عام الفيل إلى خلافة عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه .
فتقرر الأمر على أن يؤرّخ بهجرة النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى المدينة ، وجعلوا التاريخ في المحرم أول عام الهجرة .
“ 91 “
ذكر اختلاف الأمم فيما مضى من الزمان من آدم إلى هجرة نبينا عليه الصلاة والسلامتاريخ العرب في ذلك
روينا من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما ، أن ما بين مدة آدم إلى نبينا خمسة آلاف سنة ، وخمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ثم فصّل على ما رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عنه ، من آدم إلى نوح ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود ألف ومائة وتسع وسبعون سنة ، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاثمائة وخمس وستون سنة ، ومن عيسى إلى محمد ستمائة سنة ، وقد روي عنه غير ذلك .
وفي قول الواقدي : من هبوط آدم إلى مولد نبينا عليه السلام أربعة آلاف وستمائة سنة . وفي قول محمد بن إسحاق خمسة آلاف سنة وأربعمائة سنة وست وعشرون سنة ،
قال : كان بين آدم ونوح ألف ومائتا سنة ، ومن نوح إلى إبراهيم ألف ومائة واثنان وأربعون سنة ، ومن إبراهيم إلى موسى خمسمائة وخمس وسبعون سنة ، ومن موسى إلى داود خمسمائة وتسع وستون سنة ، ومن داود إلى عيسى ألف وثلاثمائة وخمس وستون سنة ، ومن عيسى إلى محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين ستمائة سنة .
وفي قول وهب بن منبّه : خمسة آلاف وستمائة سنة .
تاريخ مجوس الفرس في ذلك : أربعة آلاف ومائة واثنان وثمانون سنة وعشرة أشهر وتسعة عشر يوما .
تاريخ أصحاب الريحان في ذلك : والتاريخ عندهم الذي يصح في دعواهم بالبرهان : من الطوفان ، فإنهم غير مؤمنين بما وردت به الأنبياء عليهم السلام ، من حديث آدم ،
فقالوا : إن من أول الطوفان إلى أول يوم الهجرة ثلاثة آلاف سنة وسبعمائة وخمس وعشرون سنة فارسية وثلاثمائة وتسعة وأربعون يوما .
“ 92 “
تاريخ اليهود في ذلك : أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة . تاريخ اليونان من النصارى في ذلك : خمسة آلاف سنة وسبعمائة واثنان وسبعون سنة وأشهر .
ذكر المؤرخون : أن عمر آدم ألف سنة ، وقيل : ألف إلا سبعين عاما ، وقيل :
ثمانمائة سنة .
وعمر ولده شيث ، وتفسيره : هبة اللّه ، وهو ابن آدم ، سبعمائة سنة واثنا عشر سنة ، وعاش أنوش بن شيث بن آدم سبعمائة سنة وخمسا وستين سنة . وعاش فينان بن أنوش سبعمائة وعشرين سنة ، وعاش مهلاييل بن فينان بن أنوش بن شيث بن آدم ثمانمائة سنة وخمسا وتسعين سنة ، وعاش برد بن مهلاييل تسعة واثنين وستين سنة ، وفي زمنه عملت الأصنام . وولد كل هؤلاء في حياة آدم . وعاش إدريس بن برد ، إلى أن رفع إلى السماء ، ثلاثمائة وخمسين سنة في حياة أبيه برد ، وعاش أبوه بعد رفعه أربعمائة وخمسا وثلاثين سنة ،
وقيل : رفع وهو ابن أربعمائة وخمسا وستين سنة . وعاش متوشلخ بن إدريس تسعمائة واثنتين وثمانين سنة ، وولد متوشلخ وابنه لامك في حياة آدم أيضا ، وولد للامك نوح ، وعمر لامك إذ ذاك مائة وسبع وثمانون سنة ، وكان مولد نوح بعد وفاة آدم بثمانمائة سنة وستة وعشرين سنة ، وذلك في سنة ست وخمسين سنة لهبوط آدم وبعث نوح ، وله أربعمائة وثمانون سنة ، وركب الفلك وله ستمائة سنة ، وأقام بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة ، وقيل : بعث وله خمسون سنة ، ومات وله ألف سنة ، وقيل غير ذلك ، قيل : واستقلت السفينة لعشر خلت من رجب ، وبقيت على الماء مائة وخمسين سنة ، ثم استقرت على الجودي في جبل بالجزيرة شهرا ، وخرج إلى الأرض في المحرم في اليوم العاشر منه ، وابتنى قرية بالجزيرة تسمى سوق ثمانين ، فإنهم كانوا في السفينة ثمانين رجلا .
وعاش سام بعد نوح ستمائة سنة ، وكان سام أوسط ولد نوح ، وكان يافث أسنّ منه ، وقدموا ساما بالذكر لأنه أبو الأنبياء عليهم السلام ، وكان له من الولد : آدم ، وأرسيمون ، وأرفخشذ ، وعويلم ، ولاود ، وكان يسكن هو وولده الحرم وما حوله إلى اليمن وإلى غسان العرب .
والأنبياء كلهم ، عربيّهم وعجميّهم ، من ولده . واليمن كلها وعاد وثمود من ولده .
وأما حام بن نوح ، فزعم وهب أنه كان أبيض حسن الصورة ، فغيّر اللّه لونه وألوان ذريته لدعوة أبيه عليه ،
قيل : نام نوح فانكشفت عورته فلم يسترها حام ، فسترها سام ويافث ، فدعا لهما ، فالسودان كلهم على اختلاف أجناسهم من أولاد حام ، وكان له من غربي النيل إلى ما وراءه من بحر الديور .
“ 93 “
وأما يافث بن نوح وولده ، فكانت منازلهم أرض الروم ، والروم من ولده ، والترك والخزر ، ويأجوج ومأجوج .نسب هود عليه السلام
يقال : إنه عاير بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وأنه ولد بعد ما مضى من عمر نوح ستمائة وسبع وستون سنة . وقال بعضهم : هو هود بن عبيد اللّه بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن أرم بن سام ، بعثه اللّه عز وجل إلى حي من ولد أرم بن سام ، وهم عاد بن عوص بن أرم ، وهم عاد الأولى ، فكذبوه ، فأهلكهم اللّه . وقصتهم مذكورة في هذا الكتاب .
ولما أهلكهم ، بعث عليهم طيرا أسود ، فنقلهم إلى البحر ، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ، وكانت مساكنهم الشحر ، بين عمان وحضرموت . ويقال : كان هود أشبه ولد آدم بآدم ، وكذا قيل في يوسف . ومات هود بمكة بعد هلاك قومه ، وله مائة وخمسون سنة ، وقيل غير ذلك .
قال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه : قبر هود بحضرموت .نسب صالح عليه السلام
هو صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن جابر بن أرم بن سام ، بعثه اللّه إلى حيّه ، وهم ثمود ، وكانت مساكنهم الحجر ، من وادي القرى والشام ، وقصته ستجيء إن شاء اللّه تعالى .
زعم وهب أن اللّه بعثه حين راهق الحلم ، وكان يمشي حافيا لا يتخذ نعلا ، وكانت آيته ناقة أخرجها اللّه من هضبة من الأرض ، يتبعها فصيل لها فيحلبون منها ربّهم ، وتشرب في ذلك اليوم جميع مياههم ، ويشربون هم اليوم الثاني الماء ، ولا تأتيهم ، فلما طال ذلك عليهم ملّوها ، فاجتمعوا تسعة من شرار قومه على عقرها ، وخرجوا إليها ، فعقرها رجل يعرف بقدار ، أحمر ، أزرق ، فوعدهم للّه بالعذاب بعد ثلاث ، فأصابهم في اليوم الأول ، وكان يوم الخميس ، صفرة ، فأصبحوا مصفرّين ، وأصبحوا في اليوم الثاني وجوههم محمرّة ، وأصبحوا في اليوم الثالث وجوههم مسودّة ، وصبحهم العذاب يوم الأحد ، فأتتهم صيحة من السماء ، فماتوا كلهم ، ولحق صالح ومن آمن معه من قومه بمكة ، ومات وله ثمان وخمسون سنة . وروي أن قبورهم بين دار الندوة والحجر . وذكر ريئمة أن صالحا
“ 94 “
عاش ثلاثمائة سنة إلا عشرين سنة . وزعم أهل التوراة إن صدقوا أنه لا ذكر لعاد وثمود في كتابهم .نسب إبراهيم عليه السلام
وقصته ستجيء ، ونسبه مذكور في سرد نسب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهن إبراهيم بن تارخ ، وهو آزر بن ناحور بن ساروغ بن رغو بن قالع بن عابر ، وهو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، ولد ببابل ، وقيل : بحرّان ، ونقله أبوه إلى بابل ، وولد في زمن نمرود بن كوش ، وقيل : نمرود بن كنعان بن كوش . وكان النمرود ملك المشارق والمغارب .
ولما بلغ إبراهيم عليه السلام ثلاثين سنة ، ألقاه نمرود في النار ، وكان قد حبسه قبل أن يلقيه في النار ثلاث عشرة سنة ، وقيل : ألقي في النار وله ست عشرة سنة ، ولما بلغ عمره سبعين سنة خرج إبراهيم ومعه ابن أخيه لوط بن هاران ، وابنة عمه سارة زوجته ، إلى حرّان . وقيل : إن أباه كان معه ، فأقاموا بها خمسين سنة .
ومات بها آزر ، بعد أن خرج ابنه منها بسنتين . ثم سار إبراهيم ولوط وسارة من حران إلى الشام ، فوجدوا في الشام جوعا عظيما ، فساروا إلى مصر ، وفرعونها إذ ذاك سنان بن علوان ، وأقاموا بها ثلاثة أشهر ، ورجعوا إلى الشام ، وقد أهدى سنان فرعون مصر إلى سارة هاجر ، فنزلوا المسبع من أرض فلسطين ، وفارقه لوط وسكن في سدوم .
ثم تحول إبراهيم ونزل بين الرملة وإيلياء ، فلما بلغ إبراهيم خمسا وثمانين سنة وهبت له سارة جاريتها هاجر ، فولدت هاجر إسماعيل ، وله ست وثمانون سنة ، واختتن وله تسع وتسعون سنة ، ثم اختتن ابنه إسماعيل ، ثم ولدت سارة إسحاق وله مائة سنة ، وأنزل اللّه عليه عشر صحائف . وولد لإسحاق يعقوب والعيص بعد ما مضى مائة وستون سنة لإبراهيم . ومات إبراهيم وله مائة وخمس وسبعون سنة .
وماتت سارة ولها مائة وتسع وعشرون سنة ، وكان موتها قبل وفاة إبراهيم بعد مضي سبع وثلاثين سنة من عمر ابنها . ودفنا في مزرعة حبرون من أرض الشام .
وزعم محمد بن جرير الطبري أن من هبوط آدم إلى أن ولد إبراهيم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعا وثلاثين سنة ، فيكون إلى موته ثلاثة آلاف وخمسمائة واثنا عشر سنة .نسب لوط عليه السلام
هو لوط بن هاران بن آزر ، أرسل إلى أهل سدوم ، وقصته مع قومه ستجيء . وإن جبريل اقتلع أرضهم من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها إلى سماء الدنيا ، حتى سمع
“ 95 “
أهل السماء نباح كلابهم ، وأصوات ديكتهم ، ثم قلبها ، وهو قوله تعالى :وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى. وأرسل على الشرار منهم حجارة من سجّيل ، وكان ذلك بعد مضي تسع وتسعين من عمر إبراهيم . وكانت فيما روي خمس قرى : ضيعة ، وضعوة ، ودوما ، وعمره ، وسدوم ، وهي العظمى .
وذكر أن جميع ما عمرت سدوم إحدى وخمسون سنة .
نسب إسماعيل عليه السلام
هو إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد ذكرنا أولاده ، وحديثه بمكة . لما حضرته الوفاة أوصى إلى أخيه إسحاق ، وزوّج ابنته من العيص بن إسحاق ، وكان عمره مائة وسبعة وثلاثون سنة ، ودفن في الحجر إلى قبر أمه هاجر .
وماتت هاجر في حياة أبيه .نسب إسحاق عليه السلام
فأصحّ الروايات أنه الذبيح ، ولما عرضه أبوه للذبح كان ابن سبع سنين ، وكان مذبحه في بيت إيلياء . ولما علمت سارة بما أراد إبراهيم بإسحاق من الذبح ، أخذها البطن من الجزع يومين ، وماتت في الثالث . وقيل : كان ابن ست وعشرين سنة .
ولما بلغ عمر إسحاق ستين سنة ولد له العيص ويعقوب ، وكانا توأمين ، فولد للعيص الروم ، وكل بني الأصفر من ولده . وقيل : إنما سمّوا بني الأصفر لأن العيص كان أصفر اللون .
وولد ليعقوب الأسباط . وعاش إسحاق مائة وثمانين سنة ، وكان ضريرا ، وكانت وفاته في السنة التي استوزر يوسف فيها بمصر ، ودفن عند قبر أبيه إبراهيم .وأما يعقوب عليه السلام
فهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عاش مائة وسبع وأربعين سنة .
توفي بمصر ، وحمله ابنه يوسف ودفنه عند قبر أبيه ، ثم عاد وكانت النبوّة والملك متصلين بالشام ونواحيها لولد إسرائيل الذي هو يعقوب بن إسحاق ، إلى أن زال عنهم ذلك بالفرس والروم ، بعد يحيى بن زكريا ، وبعد عيسى عليه السلام . وكان ليعقوب اثنا عشر ولدا ذكورا ، وهم الأسباط .
وذكر بعض أهل التاريخ أن الأنبياء كلهم من ولد يعقوب ، إلا أحد عشر نبيا ، وهم :
نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وأيوب ، وشعيب ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، وعيسى ، ومحمد صلى اللّه عليه وسلم وعليهم أجمعين .
“ 96 “
وأما يوسف عليه السلام
فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، وستجيء قصته
قيل : كان سنّه في الوقت الذي رأى فيه الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا سبع عشرة سنة .
واسم العزيز الذي استوزره الريان بن الوليد ، وذكر أنه آمن واتّبع يوسف ، ومات في حياة يوسف ، وولّي بعده قابوس بن مصعب ، وكان كافرا .
ومات يوسف وله مائة وعشر سنين . وباعه إخوته وله سبع عشرة سنة . وأقام في الرق ثلاث عشرة سنة . واستوزر وله ثلاثون سنة ، وأقام وزيرا وله تسع سنين .
واجتمع بأبيه ، فكانت مدة الفراق : اثنتين وعشرين سنة . وأقام مع أبيه سبع عشرة سنة .
وقال سلمان الفارسي : مدة فراقه من أبيه أربعون سنة . وقال الحسن : ثمانون سنة .
وقال ابن إسحاق : ثماني عشرة سنة . وكان يعقوب وأهل بيته يوم دخولهم مصر سبعين نفسا . وبين دخول يعقوب وأهله مصر وبين خروج موسى ببني إسرائيل منها أربعمائة وست وثلاثون سنة .
وكان عدد من خرج مع موسى من بني إسرائيل من مصر ستمائة ألف مقاتل . وحمل موسى تابوت يوسف معه حين خرج . وإنه دفن عند آبائه .وأما أيوب عليه السلام
فهو أيوب بن مصوع بن راح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، قاله وهب بن منبّه . وقيل : هو أيوب بن عوص بن رعويل بن عيص بن إبراهيم الخليل .
وقال أهل التوراة : إنه من ولد عوص بن ناحور ، أخي إبراهيم الخليل ، فعلى هذا القول ليس هو من الروم . وقيل : إنه من ولد العيص ، لكونه روميا . واختلف في زوجته التي ضربها بالضغث ، فقيل : هي إلياء بنت يعقوب بن إسحاق عليهما السلام .
وقيل : هي رحمة بنت أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق ، وكانت أم أيوب بنت لوط .
وزعم الحسن البصري أنه ابتلي وله ثمانون سنة من عمره . قال وهب : وابتلي ثلاث سنين . وقيل : عاش مائتي سنة وعشر سنين . وقيل : نبّئ في عهد يعقوب .
وذكر الطبري أن اللّه بعث بعده ابنه ذا الكفل ، واسمه بشر بن أيوب ، وله خمس وسبعون سنة . ثم بعث اللّه بعد ذي الكفل شعيبا ، عليهم السلام .
“ 97 “
نسب شعيب عليه السلام
قيل : اسمه ترون بن صفوان بن الغابر ثابت بن مدين بن إبراهيم .
روينا عن ابن إسحاق أنه شعيب بن ميكائيل من ولد مدين ، وقيل : لم يكن من ولد إبراهيم ، وإنما هو من ولد بعض من آمن بإبراهيم ، وهاجر معه
قالوا : وأم أبيه هي بنت لوط ، وقصته ستجيء . وبعثه اللّه إلى أمتين : مدين ، وأصحاب الأيكة . وهو خطيب الأنبياء ، قيل : وكان أعمى ، ومات بمكة ، وما بلغني كم عاش.
وأما الخضر عليه السلام
فقيل : إن اسمه الخضر ، هذا قول الطبري . وقيل : اسمه بلياء بن لمكان بن قالع بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وكان أبوه لمكان اختلف في نبوّته ، وقصته مذكورة في هذا الكتاب .
قال ابن إسحاق : وكان الخضر نبيا ، بعثه اللّه إلى بني إسرائيل بعد شعيب .
قال وهب : اسم الخضر أورياء بن حلقيا ، وكان من سبط هارون ، وهو الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها . وقال عبد اللّه بن شوذب : الخضر من فارس ، والياس من بني إسرائيل .
وقال بعض أهل الكتاب من اليهود : إن موسى الذي لقي الخضر هو موسى بن ميشا بن يوسف ، وكان نبيا قبل موسى بن عمران .
والصحيح : أن موسى بن عمران هو صاحب الخضر . وقيل : إن هذا الخضر كان على مقدمة عسكر ذي القرنين الأكبر ، الذي كان في أيام إبراهيم الخليل ، وبلغ معه نهر الحياة ، فشرب من مائه ، وهو لا يعلم به ، فخلّد ، وهو حيّ إلى الآن ،
وهذا قول الطبري ، حكاه عنه صاحب كتاب أخبار الزمان .نسب موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام
وهما أخوان لأب وأم ، وأبوهم عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام .
واسم أمهما : لوخا بنت هاند بن لاوي بن يعقوب . وقيل : يوحانذ . وقال ابن إسحاق : يخبيب . وقصته ستجيء .
وكان قابوس بن مصعب ، صاحب يوسف الثاني ، قد مات ، وأقام مكانه أخوه :
الوليد بن مصعب ، وهو فرعون موسى .
“ 98 “
ولما بلغ فرعون بولادة مولود يكون هلاك فرعون على يده ، صار يقتل الولدان سنة ، ويحييهم سنة ، فولد هارون في السنة التي لا قتل فيها ، ثم ولد موسى بعده بثلاث سنين ، في السنة التي يقتل فيها ، فجعلته أمه في التابوت كما ذكر .
ولما وجد التابوت في الماء عند الشجر ، سماه فرعون : موسى مركب من ماء وشجر ، فإن الماء بلغتهم : المو ، والسا : الشجر . فسمّي بصفة المكان الذي وجد فيه .
ذكر ذلك شيخنا أبو زيد السهيلي في المعارف والأعلام .
وقتل القبطي وسنّه إحدى وأربعون سنة ، وأقام بمدين تسعا وثلاثين سنة ، ثم رجع إلى مصر بزوجته صفورا بنت شعيب ، ثم بعثه اللّه إلى فرعون ، فأقام يدعوه أحد عشر شهرا ، ثم سار ببني إسرائيل ، وأتبعه فرعون ، فأغرقه اللّه .
وأقاموا في التيه أربعين سنة ، وخسف اللّه بقارون في التيه ، ومات هارون في التيه وله مائة وسبعة عشر سنة ، ومات موسى في التيه وله مائة وعشرون سنة ، بعد أن استخلف يوشع بن نون . قال ابن إسحاق : إنها حوّلت النبوة إلى يوشع بن نون في حياة موسى عليه السلام .نسب يوشع بن نون عليه السلام
وهو فتى موسى ، هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، بعثه للّه نبيا بعد موسى إلى أريحا لحرب من فيها من الجبابرة ، فقاتلهم حتى أمسى ، فدعا اللّه أن يمسك عليه الشمس عن الغروب حتى يظفر عليهم .
فقيل : رجعت الشمس قدر نصف ساعة .
وقيل : رجعت اثني عشر برجا ، ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل المدينة من الجبارين مع موسى إلا مات ، ولم يشهد الفتح . قاله السدي .
وقال ابن عباس : كل من دخل التيه ممن جاوز العشرين مات ، ولم يدخل المدينة غير يوشع ، وقيل : إنه فتحها في حياة موسى ، وعاش يوشع مائة وعشر سنين ، وأقام يدبّر أمر بني إسرائيل ثمانية وعشرين سنة ، ثم استخلف يوشع رجلا صالحا اسمه غالب بن يوقنا .نسب حزقيل عليه السلام
ذكر الطبري : أنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين . إن القائم بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كان غالب بن يوقنا ، ثم حزقيل بن يوقنا ، ويقال : ابن العجوز ، لأن أمه
“ 99 “
ولدته وهي عجوز عقيم ، وهو النبي الذي أصاب قومه الطاعون ، فخرجوا من ديارهم ، وهم ألوف ، حذر الموت ، فقال لهم اللّه : موتوا ، ثم أحياهم ، وقصتهم ستجيء .نسب الياس عليه السلام
قيل : هو إدريس عليه السلام ، وقصته ستجيء . ذكر المحب الطبري ،
قال : لما مات حزقيل ، كثرت الأحاديث في بني إسرائيل ، وتركوا عهد اللّه ، وعبدوا الأوثان ، فبعث اللّه إليهم الياس ، وهو الياس بن العيزار بن هارون بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل ، هكذا ذكر نسبه الطبري .
وذكر غيره : أنه بعث إلى أهل بعلبك .
وبعل : اسم صنم كانوا يعبدونه ، فتمادوا في طغيانهم يعمهون ، فدعا عليهم الياس ، فأمسك اللّه الغيث عنهم ثلاث سنين ، حتى هلكت مواشيهم ودوابهم ، فسألوه أن يدعو لهم ، فدعا لهم ، فجاءهم الخير ، فلم يتوبوا ، فدعا الياس أن يقبض اللّه روحه ، فكساه اللّه الريش ، فجعل يطير مع الملائكة ، وكان أنسيا ملكيا سماويا أرضيا ، ويجتمع في كل موسم بالخضر . وقد روي أنه اجتمع برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأكل معه من طعامه ، ويذكر أن الأبدال يجتمعون به .وأما اليسع عليه السلام
فهو اليسع بن يخطوب ، كان تلميذ الياس ، فدعا له فنبئ بعده ، وهو يعرف بابن العجوز ، ثم هلك ، ولم يزل الأمر في إدبار لكثرة التخليط ، وسلّط اللّه عليهم ملكا أخذ منهم التابوت . وقصتهم ستجيء . فأقاموا في ذلك من أول وفاة يوشع أربعمائة وستين سنة ، إلى أن عادت النبوة والملك إليهم بشمويل .
وأما شمويل عليه السلام
فقد زرته على أميال من بيت المقدس ، وهو شمويل بن يالا ، ويقال : ابن هلقيا ، وهو بالعربية اسم إسماعيل .
فكان بنو إسرائيل ، لما طال عليهم البلاء ، وملكتهم العمالقة ، وضربت عليهم الجزية ، وكان ملكهم طالوت ، وكانوا يسألون اللّه تعالى أن يبعث لهم نبيا يقاتلون معه ، ولم يكن بقي من سبط النبوة إلا امرأة حبلى ، اسمها حنا ، وكانت تدعو أن يرزقها اللّه
“ 100 “
النبوة ، على ما قيل ، وكانت عاقرا ، فسألت اللّه تعالى أن يرزقها ولدا ، فولدت شمويل ، فسمته سمعون ، وهو فعلون ، من سمع اللّه دعائي ، والسين في لغتهم شين ، وهو من ولد فاهث بن لاوي بن لاوي بن يعقوب ، فلما بلغ عشرين سنة ولّاه داود النبي عليه السلام .
فلما أكمل شمويل أربعين سنة ، بعثه اللّه نبيا ، وبعث لهم طالوت ملكا ، ولم يكن من سبط الملك ، فأبوه ، وكانت آيته أن أتاهم التابوت الذي انتزع منهم ، تحمله الملائكة نهارا ، حتى وضع بين أيديهم عند طالوت . هذا مرويّ عن ابن عباس رضي اللّه عنهما . فآمنوا حينئذ بنبوة شمويل ، وبملك طالوت .
وكان في التابوت ، على ما زعم السديّ ، طست من ذهب ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، ورضراض الألواح ، وعصا موسى عليه السلام .
وخرج طالوت لقتال جالوت ، كما ذكرناه في هذا الكتاب . ولما قتل داود جالوت ، زوّجه طالوت ابنته ، ثم بعد ذلك حبسه ، وأراد أن يقتله ، فهرب منه داود ، فندم طالوت على ما همّ به من قتل داود ، وتاب إلى اللّه تعالى .
وقال طالوت : من توبتي أن أنخلع من ملكي ، وأقاتل في سبيل اللّه ، أنا وبنيّ حتى أموت . فخرج عن ملكه ، وأخرج معه بنيه ، وهم ثلاثة عشر ، فقاتلوا في سبيل اللّه حتى قتلوا كلهم . وورّث اللّه داود ملك طالوت ونبوة شمويل ، وهو قوله تعالى :وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ، يعني ملك طالوت ،وَالْحِكْمَةَ: نبوة شمويل .
وتاريخ مدة ملك طالوت ، فيما حكى ابن جرير الطبري ، على زعم أهل التوراة :
أربعون سنة .
وأما شمويل ، فعاش اثنين وخمسين سنة ، دبّر أمر بني إسرائيل منها إحدى عشرة سنة .وأما داود عليه السلام
فهو داود بن بائس بن عويال من ولد يهوذا ، وقصته ستجيء . أطاعه بنو إسرائيل ، وفتح لهم الفتوحات الكثيرة . كان يقيم الزبور على اثنين وسبعين صوتا ، وكان له تسع وتسعون زوجة . ولما بلغ ثمانين سنة ، ابتلي بقصة أوريا ، وتزوج زوجته .
فولدت له سليمان ، وعاش داود مائة سنة ، وقيل : شرع في بناء بيت المقدس ، فمات قبل أن يتمه .
وكانت مدة ملكه أربعين سنة ، وتبع جنازته أربعون ألف راهب .
“ 101 “
وأما سليمان بن داود عليهما السلام
ولّي ملك أبيه وله اثنتا عشرة سنة . وسخّر له الجن والإنس والريح . وقصته ستجيء .
ولما مضى من ملكه أربع سنين ، بدأ ببناء بيت المقدس ، وفرغ منه في سبع سنين .
ولما مضى من ملكه خمس وعشرون سنة ، جاءته ملكة سبأ ، وهي بلقيس . واختلف في تزويجه إياها ، وقد ذكرناه .
وروينا من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال : “ بينما سليمان يصلي ذات يوم ، رأى شجرة ، فقال : ما اسمك ؟ قالت : الخروب .
فقال : لأي شيء أنت ؟ قالت : لخراب هذا البيت . فقال سليمان : اللهم عمّ على الجنّ موتي ، حتى تعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب . ونحت من الخروب عصا ، وتوكأ عليها حولا ، وهو ميت حتى أكلتها الأرضة ، فسقط عن كرسيه ، فعلمت الجن عند ذلك بموته “ .
وعاش سليمان اثنين وخمسين سنة ، وملك بعده ابنه راحيم سبع عشرة سنة . وملك بعد ابنه أبناء بني إسرائيل ثلاث سنين .
ولم يزل الملك في ولده إلى صاحبه شعياء .ثم بعث اللّه شعياء عليه السلام
قال ابن إسحاق : اسم صاحبه صديقة . وقال غيره : صديقا ، وهو الذي بشّر بعيسى ومحمد عليهما السلام . وقصد ملك بابل قتال صديقة ، فكفاه اللّه . وأوحى اللّه إلى شعياء أني قد أخّرت أجل صديقة خمس عشرة سنة .
قال ابن إسحاق : وذكروا أن بني إسرائيل قتلوا شعياء بعد موت صديقة ، وسلط اللّه عليهم عدوهم فأفناهم . وأقام الملك في داود وبنيه أربعمائة وثلاثا وخمسين سنة ، وكان آخرهم صديقا ، وكان في زمنه أرمياء . وأقام الشام خرابا ما فيه غير السمرة سبعين سنة ، والملك لأهل بابل .
وبعث اللّه أرمياء عليه السلام
فأخبرهم بغضب اللّه عليهم ، فضربوه وقيّدوه ، فبعث اللّه عليهم بخت نصّر ، فقتل منهم ، وصلب ، وحرق ، والقصة ستجيء . وخرّب بيت المقدس ، وخرج أرمياء إلى مصر ، فأقام بها ، فأمره اللّه بالعود ، فسار حتى أشرف على خراب بيت المقدس ، فقال :
“ 102 “
أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها ؟ فأماته اللّه مائة عام ، ثم أحياه بعد أن عمرت بيت المقدس .
قيل : أقامت خرابا سبعين سنة .
وزعم ابن إسحاق أن أرمياء هو الخضر . وقال قتادة : هو الذي مرّ على قرية عزير .وأما دانيال وعزير
فكانا من جملة من سباهم بخت نصّر ، فسار بهما إلى بابل ، وأقاما في يده ، ثم رأى رؤيا هالته ، فعبّرها له دانيال ، فأكرمه .
وجاء دانيال وعزير ومن كان تحت يد بخت نصّر بعد موته إلى بيت المقدس .
وذكر أن أبا موسى الأشعري وجد قبر دانيال بالسويس ، فأخرجه وكفّنه وقبره ، وهو الذي كان يستمطر به أهل فارس في زمن كسرى .
وأما العزير
فلما عاد إلى بيت المقدس ، أقام لبني إسرائيل التوراة ، بعد ما احترقت ، وكان من علمائهم ، ولم يكن نبيا .
وقال العتبي : وأخبرني أيضا بذلك أبو الفتوح نصر بن أبي الفرج الحنبلي بمكة ، وأنا أسمع عليه كتاب السنن لأبي داود ، فمر ذكره ، فقال : كان عزير قد أكثر المناجاة في القدر ، فمحا اللّه اسمه من الأنبياء ، فلا يذكر فيهم .
وزعم أهل التوراة أن عزرة وهو العزير دبّر أمر بني إسرائيل ، ومكث معه أربعين سنة . وذكر أهل التاريخ أنه من ولادة داود إلى موت العزير خمسمائة وأربع وستون سنة .
وفي آخر أيام العزير زال ملك الفرس من الشام ، وصارت لليونانيين والروم .وأما يونس عليه السلام
وهو يونس بن متى ، بعث إلى أهل نينوى ، وقصته ستجيء .
واختلف في زمان مبعثه ، فقيل : بعث بعد سليمان ، وقيل : بعد الياس ، وقيل : بعد شعيب .وأما زكريا عليه السلام
فهو زكريا بن برخيا من ولد سليمان بن داود ، وقيل : زكريا بن آذن ، وكان زكريا
“ 103 “
وعمران أبو مريم متزوجين بأختين : الواحدة عند زكريا والأخرى عند عمران ، وهي أم مريم ، ولهذا كفل زكريا مريم ، فإن أباها كان قد مات ، وقيل : إنه ضعف عن كفالتها لأزمة أصابتهم ، فكفلها جريج النجار .
فلما بلغ زكريا الكبر ، رزقه للّه يحيى من زوجته تلك ، فيحيى ابن خالة مريم . وولد عيسى بعد ولادة يحيى بثلاث سنين .
وقيل : ستة أشهر ، فاتهم بنو إسرائيل زكريا بمريم ، فهرب منهم ، والقصة ستجيء .
وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام
فولد في ملك سابور ، وذلك بعد قيام الإسكندر بثلاثمائة وثلاث سنين ، ويحيى وضع عيسى في نهر الأردن .
وذكر أن ملكا من ملوك بني إسرائيل شاور يحيى في تزويج امرأة ، فقال : إنها بغيّ ، فاحتالت المرأة عليه حتى قتله الملك ، وبقي دمه يغلي إلى أن رفع عيسى . غزاهم ملك بابل ، وكان يقال له خروش ، وظهر عليهم ، ورأى دم يحيى يغلي ، فقتل عليه خلقا من الناس ، وخرّب بيت المقدس .
وأما عيسى ابن مريم عليه السلام
فولد بعد قيام الإسكندر بثلاثمائة وثلاث سنين ، وقيل : بثلاثمائة وتسعة عشر سنة .
ذكر الحسن أن مريم حملت بعيسى ساعات ، ووضعته من يومها . وقيل : حملت به على العادة ، ومولده ببيت لحم ، وهربت به إلى مصر ، فأقامت بها اثني عشرة سنة ، ثم رجعت به إلى الشام ، وجاءه الوحي وهو ابن ثلاثين سنة ، وكانت نبوّته ثلاث سنين .
وقيل : تكلم في المهد ثلاث مرات ، ثم لم يتكلم حتى بلغ حد الكلام المعتاد . وهذا قول أبي هريرة ، وقصته ستجيء . وكان رفعه من بيت المقدس ليلة القدر .
قال وهب : توفاه اللّه ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه ، وعاشت أمه بعده ست سنين .
وكان بيت المقدس حين رفع عيسى للروم . ولما بلغ ملك الروم ما فعل بالمسيح ، وجّه ، فأنزل المصلوب المشبّه بعيسى ، وأخذ خشبته فأكرمها ، وقتل من بني إسرائيل خلقا كثيرا ، وأجلاهم عن فلسطين ، ومن هناك أصل النصرانية في الروم ، واسم هذا الملك قسطنطين ، وهو الذي بنى قسطنطينية .
“ 104 “
وأما الثلاثة أصحاب القرية
وحكايتهم مذكورة ، واختلف الناس فيهم ، فقال وهب : كانوا ثلاثة أنبياء : صادق ، وصدوق ، وسلوم . وبعثوا إلى أهل أنطاكية ، وملكهم طيخشر . وقال قتادة : كانوا من الحواريين ، بعثهم عيسى بأمر اللّه إلى أنطاكية .
وأما الذي جاء من أقصى المدينة فآمن بهم ، واسمه حبيب ، فكان نجارا بأنطاكية ، فلما آمن وطئوه بأرجلهم حتى مات ، فأحياه اللّه وأدخله الجنة ، وأهلك قريته بصيحة من السماء فخمدوا .
وأما ذو الكفل عليه السلام
فإنما سمي ذا الكفل ، قيل : لأنه بعث إلى ملك من بني إسرائيل ، يقال له : كنعان ، فدعاه إلى الإيمان ، وكفل له بالجنة ، فآمن به ، فسمي ذا الكفل ، قاله العتبي . قال مجاهد :
تكفل لليسع بأمته ، فوفى له ، ولم يكن نبيا . وقيل : تكفل بعمل رجل صالح . وكان يصلي كل يوم مائة صلاة . وقيل : تكفل بتملك أحد ملوك بني إسرائيل .
وقال الطبري : ذو الكفل هو بشر بن أيوب ، بعثه اللّه بعد أبيه أيوب .
وأما لقمان الحكيم
فكان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل ، فأعتقه ، وكان في زمن داود عليه السلام ، وكان اسم أبيه : باران ، واختلف في نبوّته ، وكان خياطا . وقيل : كان في زمن عاد ، وكان من جملة وفد عاد الذين أنفذهم إلى مكة ، يستسقون له ، فدعا اللّه أن يطيل عمره ، وكان له حينئذ مائتا سنة ، وقيل : عاش ألفا وثلاثمائة سنة .
وأما خالد بن سنان العبسي عليه السلام
قيل : هو من ولد إسماعيل ، أدركت ابنته النبي صلى اللّه عليه وسلم . قال ابن عباس رضي اللّه عنهما :
ظهرت نار بالبادية بين مكة والمدينة في الفترة ، فسمّتها العرب : بدا ، وكادت طائفة منهم أن تعبدها مضاهاة للمجوس ، فقام خالد هذا ، فأخذ عصاه ، واقتحم النار يضربها بعصاه حتى أطفأها اللّه تعالى . ثم قال : إني ميت ، فإذا متّ ، وحال الحول ، فأرصدوا قبري ، فإذا رأيتم حمارا عند قبري ، فارموه واقتلوه ، وانبشوا قبري ، فإني أحدثكم بكل ما هو كائن .
“ 105 “
فمات ، فلما حال الحول ، رأوا الحمار فقتلوه ، وأرادوا نبشه ، فمنعهم أولاده ، وقالوا : لا نسمّى بني المنبوش .
وقص النبي صلى اللّه عليه وسلم قصته على أصحابه ، حين جاءته ابنته ، فانتسبت له ، فقال لها :
« مرحبا بابنة نبي أضاعه قومه » . ثم قال عليه الصلاة والسلام : « لو نبشوه لأخبرهم بشأني ، وشأن هذه الأمة ، وما يكون منها » .
تاريخ نزول الكتب من عند اللّه عز وجل
روي أن صحف إبراهيم نزلت في أول ليلة من شهر رمضان ، وأنزلت التوراة لست ليال خلت من شهر رمضان بعد صحف إبراهيم بسبعمائة سنة ، وأنزل الزبور لاثني عشر ليلة خلت من شهر رمضان بعد التوراة بخمسمائة عام ، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان بعد الزبور بستمائة سنة وعشرين عاما ، وأنزل القرآن لسبع وعشرين ليلة من شهر رمضان بعد الإنجيل بستمائة وعشرين عاما .
تاريخ قتل المختار
قتله مصعب بن الزبير سنة سبع وستين . وأقام ابن الزبير الحج للناس من سنة أربع وستين إلى سنة اثنتين وسبعين .
وقتل ابن الزبير وصلب يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين .
وقيل : من جمادى الأخيرة سنة اثنتين وسبعين ، وماتت أمه بعده بخمسة أيام ولها مائة سنة .
وكان ملك ابن الزبير بالحجاز والعراق ، منذ مات معاوية بن يزيد ، إلى أن قتل ، تسع سنين .
وكان إسلام الحكم ، طريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، يوم فتح مكة ، ومات في خلافة عثمان .
وولّي الحجاج العراق سنة خمس وسبعين . ونقشت الدنانير والدراهم بالعربية سنة ست وسبعين .
وقيل : سنة خمس وسبعين ، نقشها عبد الملك بن مروان ، وكان نقشها قبل ذلك بالرومية .
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin