صحيفة القواعد
في الطريقة المحمدية الشاذلية
لفضيلة الأستاذ الإمام الرائد
محمد زكي إبراهيم
رحمه الله تعالى رحمة واسعة
بسم الله وبحمده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
القاعدة الأولى:
نحن طريقة صوفية سلفية شرعية موصولة السند بمولانا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، من عدة مشارع ظاهرية وباطنية، ولهذا انتسبنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم، وسميت الطريقة بـ (المحمدية).المسلم : رسالة الوعي الإسلامي
فنحن ندور في فلك الكتاب والسنة، على المثاليات الروحية والأخلاقية والإنسانية طوق الجهد والإمكان، ثم نربط بينهما وبين الحياة العامة ومتطلباتها المختلفة، على الأسلوب الرباني المحمدي الرفيع، لنؤدي رسالة الخلافة على الأرض مادياً ومعنوياً، على خير ما نعتقد أنه يرضي الله والناس، في براءة مطلقة من الفتن والمشاغبات، وبعد تام عن الريب، وتنزه عن الشكوك والظنون والمشكلات، واحتياط دون المناكر والبدع والمحرمات.
1- شعارنا: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
2- ودستورنا: الكتاب والسنة، في يسر ورفق وسماحة وربانية وحب لله وللناس.
3- وسبيلنا: حسن الظن، وحسن الخلق، وحسن العبادة، وحسن المعاملة.
4- علامتنا: الدعوة إلى الحب والسلام ومكارم الأخلاق والعلاقة بالله في كل حركة وسكنة.
5- وغايتنا: الله، والله وحده.
القاعدة الثانية:
والتصوف عبادة، فما رسمه الله فيه فهو الرسمي، وما لم يرسمه الله فمرفوض نهائياً، ولا قيمة له، وإن تظاهر عليه كل ما يسمى العرف الرسمي والمصطلح التمصوفي والتقاليد والمشيخات، فنحن لا نؤمن بالطبول، ولا الزمور، ولا العكاكيز، ولا الرايات، ولا الأوشحة، ولا الطراطير، ولا مسابح الأعناق، ولا تيجان الريش، ولا سيوف الخشب، ولا الرقص، ولا المواكب الألعبانية، ولا المكاثرة بالأتباع، ولا المظاهر والدعاوى الكاذبة، وإن آمن بها الثقلان.
إن أساس رسالتنا: تخريج القادة، لا حشد الجماهير.
والتصوف إرادة لا إدارة.
والوظائف الصوفية تشريف وتكليف معاً، لمن هم أهله، فقهاً وتقىً وجهاداً في الله.
فلا قيمة لإجازة أو وظيفة صوفية في يد من ليس هو أهلاً لها، وإن اشتراها بمال قارون، وإن اعتمدته كل الإدارات، فحامل الإجازة يجب أن يكون صورة مصغرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فهو ومن عاونه من طلائع المسيخ الدجال، و {لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}.
والمريد المتقلب بين الطرق المتردد على الأشياخ بلا سبب شرعي مقرر ناقض للعهد مسلوب البركة، فلا خير فيه ولا في الاهتمام بشئونه، فهو مهما عظم: خسر الدنيا والآخرة، والاهتمام به تفاهة وضياع.
وتجديد العهد للمريد الذي توفي شيخه، أو للمريد الذي كان مقتدياً بمضلل أو جاهل أو مبتدع أو نحوه أمر واجب، إنقاذاً للدين وللتصوف وللمريد نفسه.
وتلقي عهود البركة والسند الروحي للمريد الواصل الراشد بإذن شيخه جائز لمن يستطيع الوفاء بحق ما تلقاه جميعاً، كما كان شأن كبار أئمتنا الراشدين عليهم الرضوان.
القاعدة الثالثة:
المسائل الخلافية: كالتوسل في الدعاء، والقراءة للميت، والإعلان بسورة الكهف يوم الجمعة، وأذاني صلاة الجمعة وسنتها القبلية، والصلاة والسلام بعد الأذان، والقيام للقادم، والسلام للتوديع، والمصافحة بعد الفرائض والعيدين، وختام الصلاة بالجهر، وتشييد المساجد، وتجويف القبلة، وزيارة مشاهد الأولياء، والذكر بجماعة، والتعبد بالأحزاب والأوراد والصلوات وأسماء الله تعالى، وبعض تقاليد الصوفية، وتقسيم البدعة، ونحو ذلك وهو كثير.
كل هذه مسائل فرعية اجتهادية، قد اختلف ولا يزال يختلف فيها الرأي والنظر، ولم يمكن ولن يمكن الاجتماع فيها أبداً على رأي واحد أبداً، وهي من مسائل الحلال والحرام، وليست من مسائل العقيدة التي يترتب عليها الكفر والإيمان، وكل رجل فيها ملزم بما صح عنده من دليل يلقى الله عليه بلا مشاغبة.
وهي عندنا ربما ترددت بين الرخصة والعزيمة، فنتعامل فيها على هذا الأساس، ولا تكون سبباً في الفرقة بين المسلمين أو الحرب التي تمزق الأسر وتمزع البلاد، وإنما شأنها شأن الخلاف الفقهي المعروف بين المذاهب الأربعة، فكل إنسان يلتزم بما اختاره لنفسه دون تأثيم أو تجريم أو تسفيه للآخرين، ونحن نسجل حجتنا فيها، ولكن لا نجادل ولا نماري أبداً، لأنه لا فائدة من وراء الجدال على الإطلاق، وحسبنا أن ندفع بالتي هي أحسن.
القاعدة الرابعة:
ونحن لا نرمي مسلماً بالكفر أو الشرك أو الفسق أو الزندقة أو الردة لمخالفتنا في الرأي، أو لأنه ارتكب معصية، فإن رَمْي الناس بالكفر أو الشرك حمق ومجازفة من أخطر المجازفات الدينية والعلمية، وهي بدعة وهابية مدمرة، ولا يملك أحد أبداً أن يخرج أحداً من أهل القبلة من دينه بخلاف مذهبي أو حكم فرعي له فيه رأي واجتهاد، وشر الشر تكلف نقل حكم الفروع إلى حكم الأصول، وتسمية الأشياء بغير أسمائها، الأمر الذي فتت الأمة وأساء إلى دين الله، والمتمسك به فتان يخشى عليه سوء الخاتمة، فهو منافق سياسي يلبس لباس الدين، أو نفعي وصولي يطلب الدنيا بعمل الآخرة.
القاعدة الخامسة:
ونحن نؤمن بالغيب وبالكرامة للأولياء أحياء وموتى، ولكننا لا نؤمن بالشعوذة، ولا بالكهانة، ولا الودع، ولا البخت والورق والفنجان ونحوه، وما يصدق أو يصح منها فهو إما من قبيل المصادفة أو من قبيل التجربة أو استخدام الشيطان.
ولكننا نؤمن بالرؤيا الصادقة، والمكاشفة الصحيحة، والإلهام الإلهي، والاستخارة الواردة، والرقى النبوية الثابتة، والأدعية والآيات والسور القرآنية وما فيها من بركات وأسرار بغير حدود للأحياء والموتى والأصحاء والمرضى، على ما هو مسجل في كتب التفسير والحديث الشريف.
القاعدة السادسة:
نحن نحب جميع الطرق الشرعية مهما اختلفت المشارب والمناهج والأسماء، ولكن لا نفضل طريقة علي طريقتنا قط.
ونحن نحب جميع مشايخ الطرق الشرعية الأحياء والموتى، ونتبرك بهم ما داموا يخدمون في حقل الدعوة إلى الله بلا دعاوى ولا بدع ولا مظهريات، ولكن لا نقدمهم على أشياخنا قط : شأن الرجل بين الأب والعم.
إن كبار أئمتنا الصوفية الذين بلغوا درجة الكمال قد تلقوا الطريق للبركة عن عشرات من معاصريهم الأولياء، مما يدل على أن العصبية الحزبية المقيتة لم تكن لهم على بال، بل كان كل واحد يعتقد كل الخير في أخيه، فيتبادلون التلقي والتلقين، في ثقة وحب، وعقيدة وتعاون ويقين، فهم أسرة واحدة، وإن تباعدت البلاد والأجساد، وجميع الطرق الشرعية تبدأ من التوبة وتنتهي بالمعرفة.
وإنما الاختلاف في المناهج والسلوك، حتى يجد كل مقبل على الله ما يناسب فطرته.
القاعدة السابعة:
ونحن نحب أولياء الله الموتى، ونتبرك بزيارتهم مهما كانت مذاهبهم ومشاربهم، وكما لا نفرق بين أحد من رسله، لا نفرق بين أحد من أوليائه، ونترك أمر تفضيلهم الغيبي إلى الله الذي يعلم الحقيقة وحده، فلا نتهجم على سر غيبه المكنون، ولا نبالغ في إطراء الشيوخ إطراء يفضلهم جهلاً على رسل الله، ونستغفر الله.
ونحن نتوسل بالأولياء إلى الله، على أساس علمنا وتجاربنا، معتقدين أن الله سبحانه وحده القادر الفعال، والاستشفاع إليه تعالى بالأولياء إنما هو مجرد سبب، وزيادة في العبودية وتأكيد للتوحيد الحق، واعتراف بالتقصير المطلق، وهو تذلل عملي يفيد معنى خصوصيته تعالى بالطلب وزيادة، وما خطواتنا إلى المساجد للصلاة وأنفاسنا فيها، وابتهالاتنا إلى الله بها، إلا أنواع من التوسل بالعمل الصالح، بجوار التوسل ببركة الروح الصالح.
والفاعل في الحياة والموت هو الله، لا الأحياء ولا الأموات، فمن شاء توسل فأحسن، ومن شاء ترك، والله رب قلوب.
القاعدة الثامنة :
كل من بايع ( ولو قلبياً ) على طريقتنا، وعمل بأعمالنا، وقال بأقوالنا، واعتقد عقائدنا، واعتاد عوائدنا، وشهد مشاهدنا، ودعا بدعوتنا، فهو منا، له ما لنا من حقوق، وعليه ما علينا من واجبات، سواء في ذلك من كان في المشرق أو في المغرب أو الشمال أو الجنوب، وسواء في ذلك الأمير والحقير.
فالأخ الجاهل في ذمة العالم، والأخ الضعيف في ذمة القوي، والأخ الفقير في ذمة الغني والأخ العاجز في ذمة القادر، كل بحسبه وحدود طاقته، ما في ذلك عذر لمعتذر، قد ذابت بيننا الفوارق، فلا اعتبار في أخوتنا إلا للتقوى، والتقوى لا غير، بكل ما تجمعه من أرفع المعاني، والعهد عهد القلب، لا عهد اللسان.
وقد عاهد المنافقون رسول الله باللسان واليد، لا بالقلب والحقيقة، فكانوا من أهل النار.
القاعدة التاسعة:
كل حركتنا وسكناتنا وأنفاسنا وخطواتنا، وأقوالنا وأعمالنا وأحوالنا، وكل شئون معادنا ومعاشنا، حتى المرح والمتع، مراد بها عندنا وجه الله وحده، فهي بحسن توجيه نياتنا، وحضورنا مع الله، صلوات وعبادات وأوراد وأذكار، ولهذا نحن نقول : أخونا فلان، أو سيدي فلان: في ورد العمل، أو ورد الراحة، أو ورد النوم، أو ورد العبادة، أو ورد الفسحة، أو ورد المطالعة، أو ورد الزيارة، أو ورد الكتابة، أو غير ذلك، تيمناً وتذكيراً وتوجيهاً إلى معالي الأمور، فالأدب العالي هو وسيلتنا وعلاقتنا الخاصة إن شاء الله.
القاعدة العاشرة:
أنت واحد من هذه الأسرة المختارة المصطفاة، ولولا أن الله أحبك ما كنت منا، وعلى هذه الأسرة التزامات مادية وأدبية تتجدد لا تنتهي، فشارك هذه الأسرة في التزاماتها بما يفيض عن حاجتك من المال، واجعل لها نصيباً مفروضاً من زكاتك وصدقاتك، ومن الجهد الشخصي، ومن الجاه والشفاعة عند الناس، وقدم اشتراكك الشهري، واشتراك مجلة (المسلم)(1) السنوي، دون تذكير ولا تنبيه، وقدم ما تستطيعه – وإن قل – من المال أو الأشياء العينية الأخرى، لينتفع به فقراء الإخوان، خصوصاً في مناسبة إحياء ذكريات أشياخنا، ومواسمنا الإسلامية المباركة، وإلا فمن أين نستطيع أن نوفي التزاماتنا ونقوم بواجباتنا، ونخدم دعوتنا إلى الله؟!
والله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
انتهت صحيفة القواعد
———————
(1) ملاحظة: المقصود بالأسرة هنا العشيرة والطريقة، والمقصود بمجلة المسلم مجلة العشيرة المحمدية الشهرية التي أنشأها الإمام الرائد في بداية الخمسينات، وما زالت تصدر حتى اليوم، وهي شيء غير موقع المسلم موسوعة إسلامية صوفية سلفية شرعية.
في الطريقة المحمدية الشاذلية
لفضيلة الأستاذ الإمام الرائد
محمد زكي إبراهيم
رحمه الله تعالى رحمة واسعة
بسم الله وبحمده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
القاعدة الأولى:
نحن طريقة صوفية سلفية شرعية موصولة السند بمولانا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، من عدة مشارع ظاهرية وباطنية، ولهذا انتسبنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم، وسميت الطريقة بـ (المحمدية).المسلم : رسالة الوعي الإسلامي
فنحن ندور في فلك الكتاب والسنة، على المثاليات الروحية والأخلاقية والإنسانية طوق الجهد والإمكان، ثم نربط بينهما وبين الحياة العامة ومتطلباتها المختلفة، على الأسلوب الرباني المحمدي الرفيع، لنؤدي رسالة الخلافة على الأرض مادياً ومعنوياً، على خير ما نعتقد أنه يرضي الله والناس، في براءة مطلقة من الفتن والمشاغبات، وبعد تام عن الريب، وتنزه عن الشكوك والظنون والمشكلات، واحتياط دون المناكر والبدع والمحرمات.
1- شعارنا: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
2- ودستورنا: الكتاب والسنة، في يسر ورفق وسماحة وربانية وحب لله وللناس.
3- وسبيلنا: حسن الظن، وحسن الخلق، وحسن العبادة، وحسن المعاملة.
4- علامتنا: الدعوة إلى الحب والسلام ومكارم الأخلاق والعلاقة بالله في كل حركة وسكنة.
5- وغايتنا: الله، والله وحده.
القاعدة الثانية:
والتصوف عبادة، فما رسمه الله فيه فهو الرسمي، وما لم يرسمه الله فمرفوض نهائياً، ولا قيمة له، وإن تظاهر عليه كل ما يسمى العرف الرسمي والمصطلح التمصوفي والتقاليد والمشيخات، فنحن لا نؤمن بالطبول، ولا الزمور، ولا العكاكيز، ولا الرايات، ولا الأوشحة، ولا الطراطير، ولا مسابح الأعناق، ولا تيجان الريش، ولا سيوف الخشب، ولا الرقص، ولا المواكب الألعبانية، ولا المكاثرة بالأتباع، ولا المظاهر والدعاوى الكاذبة، وإن آمن بها الثقلان.
إن أساس رسالتنا: تخريج القادة، لا حشد الجماهير.
والتصوف إرادة لا إدارة.
والوظائف الصوفية تشريف وتكليف معاً، لمن هم أهله، فقهاً وتقىً وجهاداً في الله.
فلا قيمة لإجازة أو وظيفة صوفية في يد من ليس هو أهلاً لها، وإن اشتراها بمال قارون، وإن اعتمدته كل الإدارات، فحامل الإجازة يجب أن يكون صورة مصغرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا فهو ومن عاونه من طلائع المسيخ الدجال، و {لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ}.
والمريد المتقلب بين الطرق المتردد على الأشياخ بلا سبب شرعي مقرر ناقض للعهد مسلوب البركة، فلا خير فيه ولا في الاهتمام بشئونه، فهو مهما عظم: خسر الدنيا والآخرة، والاهتمام به تفاهة وضياع.
وتجديد العهد للمريد الذي توفي شيخه، أو للمريد الذي كان مقتدياً بمضلل أو جاهل أو مبتدع أو نحوه أمر واجب، إنقاذاً للدين وللتصوف وللمريد نفسه.
وتلقي عهود البركة والسند الروحي للمريد الواصل الراشد بإذن شيخه جائز لمن يستطيع الوفاء بحق ما تلقاه جميعاً، كما كان شأن كبار أئمتنا الراشدين عليهم الرضوان.
القاعدة الثالثة:
المسائل الخلافية: كالتوسل في الدعاء، والقراءة للميت، والإعلان بسورة الكهف يوم الجمعة، وأذاني صلاة الجمعة وسنتها القبلية، والصلاة والسلام بعد الأذان، والقيام للقادم، والسلام للتوديع، والمصافحة بعد الفرائض والعيدين، وختام الصلاة بالجهر، وتشييد المساجد، وتجويف القبلة، وزيارة مشاهد الأولياء، والذكر بجماعة، والتعبد بالأحزاب والأوراد والصلوات وأسماء الله تعالى، وبعض تقاليد الصوفية، وتقسيم البدعة، ونحو ذلك وهو كثير.
كل هذه مسائل فرعية اجتهادية، قد اختلف ولا يزال يختلف فيها الرأي والنظر، ولم يمكن ولن يمكن الاجتماع فيها أبداً على رأي واحد أبداً، وهي من مسائل الحلال والحرام، وليست من مسائل العقيدة التي يترتب عليها الكفر والإيمان، وكل رجل فيها ملزم بما صح عنده من دليل يلقى الله عليه بلا مشاغبة.
وهي عندنا ربما ترددت بين الرخصة والعزيمة، فنتعامل فيها على هذا الأساس، ولا تكون سبباً في الفرقة بين المسلمين أو الحرب التي تمزق الأسر وتمزع البلاد، وإنما شأنها شأن الخلاف الفقهي المعروف بين المذاهب الأربعة، فكل إنسان يلتزم بما اختاره لنفسه دون تأثيم أو تجريم أو تسفيه للآخرين، ونحن نسجل حجتنا فيها، ولكن لا نجادل ولا نماري أبداً، لأنه لا فائدة من وراء الجدال على الإطلاق، وحسبنا أن ندفع بالتي هي أحسن.
القاعدة الرابعة:
ونحن لا نرمي مسلماً بالكفر أو الشرك أو الفسق أو الزندقة أو الردة لمخالفتنا في الرأي، أو لأنه ارتكب معصية، فإن رَمْي الناس بالكفر أو الشرك حمق ومجازفة من أخطر المجازفات الدينية والعلمية، وهي بدعة وهابية مدمرة، ولا يملك أحد أبداً أن يخرج أحداً من أهل القبلة من دينه بخلاف مذهبي أو حكم فرعي له فيه رأي واجتهاد، وشر الشر تكلف نقل حكم الفروع إلى حكم الأصول، وتسمية الأشياء بغير أسمائها، الأمر الذي فتت الأمة وأساء إلى دين الله، والمتمسك به فتان يخشى عليه سوء الخاتمة، فهو منافق سياسي يلبس لباس الدين، أو نفعي وصولي يطلب الدنيا بعمل الآخرة.
القاعدة الخامسة:
ونحن نؤمن بالغيب وبالكرامة للأولياء أحياء وموتى، ولكننا لا نؤمن بالشعوذة، ولا بالكهانة، ولا الودع، ولا البخت والورق والفنجان ونحوه، وما يصدق أو يصح منها فهو إما من قبيل المصادفة أو من قبيل التجربة أو استخدام الشيطان.
ولكننا نؤمن بالرؤيا الصادقة، والمكاشفة الصحيحة، والإلهام الإلهي، والاستخارة الواردة، والرقى النبوية الثابتة، والأدعية والآيات والسور القرآنية وما فيها من بركات وأسرار بغير حدود للأحياء والموتى والأصحاء والمرضى، على ما هو مسجل في كتب التفسير والحديث الشريف.
القاعدة السادسة:
نحن نحب جميع الطرق الشرعية مهما اختلفت المشارب والمناهج والأسماء، ولكن لا نفضل طريقة علي طريقتنا قط.
ونحن نحب جميع مشايخ الطرق الشرعية الأحياء والموتى، ونتبرك بهم ما داموا يخدمون في حقل الدعوة إلى الله بلا دعاوى ولا بدع ولا مظهريات، ولكن لا نقدمهم على أشياخنا قط : شأن الرجل بين الأب والعم.
إن كبار أئمتنا الصوفية الذين بلغوا درجة الكمال قد تلقوا الطريق للبركة عن عشرات من معاصريهم الأولياء، مما يدل على أن العصبية الحزبية المقيتة لم تكن لهم على بال، بل كان كل واحد يعتقد كل الخير في أخيه، فيتبادلون التلقي والتلقين، في ثقة وحب، وعقيدة وتعاون ويقين، فهم أسرة واحدة، وإن تباعدت البلاد والأجساد، وجميع الطرق الشرعية تبدأ من التوبة وتنتهي بالمعرفة.
وإنما الاختلاف في المناهج والسلوك، حتى يجد كل مقبل على الله ما يناسب فطرته.
القاعدة السابعة:
ونحن نحب أولياء الله الموتى، ونتبرك بزيارتهم مهما كانت مذاهبهم ومشاربهم، وكما لا نفرق بين أحد من رسله، لا نفرق بين أحد من أوليائه، ونترك أمر تفضيلهم الغيبي إلى الله الذي يعلم الحقيقة وحده، فلا نتهجم على سر غيبه المكنون، ولا نبالغ في إطراء الشيوخ إطراء يفضلهم جهلاً على رسل الله، ونستغفر الله.
ونحن نتوسل بالأولياء إلى الله، على أساس علمنا وتجاربنا، معتقدين أن الله سبحانه وحده القادر الفعال، والاستشفاع إليه تعالى بالأولياء إنما هو مجرد سبب، وزيادة في العبودية وتأكيد للتوحيد الحق، واعتراف بالتقصير المطلق، وهو تذلل عملي يفيد معنى خصوصيته تعالى بالطلب وزيادة، وما خطواتنا إلى المساجد للصلاة وأنفاسنا فيها، وابتهالاتنا إلى الله بها، إلا أنواع من التوسل بالعمل الصالح، بجوار التوسل ببركة الروح الصالح.
والفاعل في الحياة والموت هو الله، لا الأحياء ولا الأموات، فمن شاء توسل فأحسن، ومن شاء ترك، والله رب قلوب.
القاعدة الثامنة :
كل من بايع ( ولو قلبياً ) على طريقتنا، وعمل بأعمالنا، وقال بأقوالنا، واعتقد عقائدنا، واعتاد عوائدنا، وشهد مشاهدنا، ودعا بدعوتنا، فهو منا، له ما لنا من حقوق، وعليه ما علينا من واجبات، سواء في ذلك من كان في المشرق أو في المغرب أو الشمال أو الجنوب، وسواء في ذلك الأمير والحقير.
فالأخ الجاهل في ذمة العالم، والأخ الضعيف في ذمة القوي، والأخ الفقير في ذمة الغني والأخ العاجز في ذمة القادر، كل بحسبه وحدود طاقته، ما في ذلك عذر لمعتذر، قد ذابت بيننا الفوارق، فلا اعتبار في أخوتنا إلا للتقوى، والتقوى لا غير، بكل ما تجمعه من أرفع المعاني، والعهد عهد القلب، لا عهد اللسان.
وقد عاهد المنافقون رسول الله باللسان واليد، لا بالقلب والحقيقة، فكانوا من أهل النار.
القاعدة التاسعة:
كل حركتنا وسكناتنا وأنفاسنا وخطواتنا، وأقوالنا وأعمالنا وأحوالنا، وكل شئون معادنا ومعاشنا، حتى المرح والمتع، مراد بها عندنا وجه الله وحده، فهي بحسن توجيه نياتنا، وحضورنا مع الله، صلوات وعبادات وأوراد وأذكار، ولهذا نحن نقول : أخونا فلان، أو سيدي فلان: في ورد العمل، أو ورد الراحة، أو ورد النوم، أو ورد العبادة، أو ورد الفسحة، أو ورد المطالعة، أو ورد الزيارة، أو ورد الكتابة، أو غير ذلك، تيمناً وتذكيراً وتوجيهاً إلى معالي الأمور، فالأدب العالي هو وسيلتنا وعلاقتنا الخاصة إن شاء الله.
القاعدة العاشرة:
أنت واحد من هذه الأسرة المختارة المصطفاة، ولولا أن الله أحبك ما كنت منا، وعلى هذه الأسرة التزامات مادية وأدبية تتجدد لا تنتهي، فشارك هذه الأسرة في التزاماتها بما يفيض عن حاجتك من المال، واجعل لها نصيباً مفروضاً من زكاتك وصدقاتك، ومن الجهد الشخصي، ومن الجاه والشفاعة عند الناس، وقدم اشتراكك الشهري، واشتراك مجلة (المسلم)(1) السنوي، دون تذكير ولا تنبيه، وقدم ما تستطيعه – وإن قل – من المال أو الأشياء العينية الأخرى، لينتفع به فقراء الإخوان، خصوصاً في مناسبة إحياء ذكريات أشياخنا، ومواسمنا الإسلامية المباركة، وإلا فمن أين نستطيع أن نوفي التزاماتنا ونقوم بواجباتنا، ونخدم دعوتنا إلى الله؟!
والله تعالى يقول: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
انتهت صحيفة القواعد
———————
(1) ملاحظة: المقصود بالأسرة هنا العشيرة والطريقة، والمقصود بمجلة المسلم مجلة العشيرة المحمدية الشهرية التي أنشأها الإمام الرائد في بداية الخمسينات، وما زالت تصدر حتى اليوم، وهي شيء غير موقع المسلم موسوعة إسلامية صوفية سلفية شرعية.
10/11/2024, 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
10/11/2024, 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin