باب ذكر أول من لعب بالعقاب
قيل: أول من تصيد بالعقاب من الملوك، ملوك الموصل وأصحابها، ومنهم بدأ لعب العقاب، وقد لعب به المعتضد وكان به مغرماً شديد الإرادة، وكان أيضاً يحب اللعب بالفهود، وكان يقتل الأسد بنفسه ولا يشركه فيه أحد، ولم ير مثل مذهبه في الصيد، وكان مشهوراً بالفهود والعقبان، وكان يقول هما سبعا الضواري، وكان يباشرهما بنفسه.
وقيل: أول من لعب بالعقاب رجل بالموصل، كان يصيد الغزال بالفخاخ في موضع يقال له: بلد الفرح وهو كثير الصيد، كثير الغزال. فاتفق أن الصياد وقع له عقاب فحمله إلى داره وخيطه، وإذا هو قد استغفل الصياد وأكل كلباً له كان يتصيد به، واتفق أيضاً أنه قتل ابنة الصياد، وكان سنها فيما يقال عشر سنين، وكان هذا العقاب قد ضري على الغزال، والعقاب كثير في بلاد الموصل وسنجار وحران.
باب كيفية حمل ضواري الطير وأدبه
قال أصحاب التجربة: إن يد الحامل تصلح وتفسد وهي في القياس كالميزان، ينبغي لحامل الباز أن يكون نظيف الثوب، طيب الروائح، طيب الخلاق، عارفاً في حمل البازي، وأن يكون يعتمد في حمله تسريح لحيته بالما ورد فإن البازي يحب الروائح العطرة، ولا يحمله أبخر، فإن البازي إذا حمله أبخر كسر شهوته، وإنه إذا حمله الأبخر يومين ثلاثة، فإنه يعرفه ويهرب منه وعلامته متى ما حمله الأبخر على يده، فإنه لا يزال البازي يميل برأسه عنه، ولا يزال خلقه متوحشاً أبداً، إذا وثب وثب هارباً، وذلك أنه إذا وثب صرصر، وصرصر بمعنى زق زق، ولا يقال في اللغة إلا صرصر، وعلامة البازي إذا كان حماله طيب الرائحة يكون أبداً البازي يلصق بنفسه إلى جانب الحمال، أعني البازيار، ويولع أبداً بمنسره في لحيته، وإذا دعاه البازيار أجابه قبل أن يدعيه ويقعد على يده أو على رأسه أو بين يديه أو على ظهره، فهذه العلامة في الباز كما ذكر وبالله التوفيق.
وقد يكون البازي سيئ الأخلاق من يد حامله عند سوء حمله، وذلك أن يده هي التي توحش أخلاقه وتوحش أيضاً أخلاق البازي سوء أخلاق الحمال وسوء أخلاق من تصيد به وأيضاً وداده الرمي على الصيد، وعند ذبح الطريدة في كفه إذا نازعه البازي الطريدة، وفيهم من ينازع في تناول القطعة اللحم أو الفخذ، فإنه يعسر في تركه الطريدة من كفه، وهذا كثير ما يوجد في اصفر العين، وأما غيره فلا يكون، هكذا قال المجربون.
فإذا نازع الباز البازيار ولم يطلع على يده قبض على كفيه وقلعه عن الطريدة، فإنه متى سلم من أن يفك إحدى كفيه لم يسلم من أن ينزع إحدى مخاليبه، فإن سلم من هذا ومن هذا لم يسلم من أن يخلع إحدى أوراكه، وإن سلم من جميع ما ذكر بردت شهوته عند الصيد. ويتولد ما يفعل به مرة بعد مرة النهيج الذي يلحقه ويظنه البازيار من المرض، لا ولكنه يولد المرض والنقص، ويرخي البازي ويعود ذلك عليه مرضاً حقاً.
وتعتبر ملاحة البازي وحسن ريشه من حسن السياسة وحسن الحمل.
(1/39)
ولقد سئل الشيخ عيسى الأسدي عن ترتيب الحمل لجميع الضواري، فقال له: إن كيف حمل البازي غير حمل الضواري، وإن يد حامل البازي تكون مثل الميزان. وذلك أن يكون راس البازي مقابل أذن الحمال، وأن تكون يده خارجة عن جسده بحيث لا يصل إلى البازي شيء من كتف الحمال، بل يكون كأن في جنبه دمل وأن في سائر أحواله لا يغفل عن بازه، ولا يحط يده إلى الأرض ليأخذ شيئاً، فإن أمن ذلك فلا يعطي الحاجة إلا من خلفه، ولا يقف على يساره أحد من الناس، ولا يمشي مع أحد إلا أن يكون الباز على يسار من يماشيه، ولا يغفل عن البازي من كلب يأتيه من ورائه، وهو لا يعلم ولا ينقله من يد إلى يد إلا بطعم إلا ساعة الصيد في تلك الساعة وإذا سلمه إلى الذي يتصيد به، وهو راجل والذي يتصيد به راكب فحسن، ولا يسلم الباز إلا على هذه الصورة، ولهم في ذلك طرق معروفة، وإذا أفرغ من الطعم أمض به إلى الماء إلى أصلح الأماكن وأطيبها، فإن لم ينزل الماء وإلا ارم في الماء حصى صغاراً، بحيث تحرك الماء حتى يراه، فإن ذلك يطيب للبازي والبازي يحب القعود في الماء، فإذا شرب وخرج فخذه 40 أإلى يدك فإنه غير محتاج إلى الماء، وإن كان يستحم فلا تقربه إلى أن يخرج عن الماء بنفسه، ثم أقم له يدك ليطلع عليها، واحمله عن الماء خطوات ثم شده على القفاز، واجلس قريباً منه حتى تعلم أنه قد نشف وتمشق وتدهن وتنفض، ولم تره يولع بجسمه، فخذه على يدك وسر حيث شئت، ولا يكلف حمال الباشق في الحمل إلى ما كلف حمال البازي في أن يجعل يده معلقة عن جنبه بل يكون عكسه لاصقاً بجنبه، ويكون جنب الباشق إليه، وأن يقوم يده بحيث أنها تكون قائمة في جنبه كأنها مخلوقة لذلك. وأنه متى ما وثب باشقة يلين يده مع وثبة الباشق قليلاً ثم يدير يده إلى ورائه بمقدار ما يحسن الباشق، فإنه يرجع، والباز كذلك إلا أنه يشد يده بمقدار قوة الباز ولا يجاذب الباز، فإن ذلك وبالاً عليه، وليس من طبع البازي ذلك ولا غيره.
ولكن منها ما هو أقوى في الجذب، وليس في ظهره قوة الرجوع، وهذا طبع الشاهين والصقر، وذلك من رخاوة ظهره وقصر رجليه وطول جناحيه، وليس أصفر العين كذلك، ولا يجوز أن يرد هذا رد الباز ولا يرد البازي رد هذا.
قيل: أول من تصيد بالعقاب من الملوك، ملوك الموصل وأصحابها، ومنهم بدأ لعب العقاب، وقد لعب به المعتضد وكان به مغرماً شديد الإرادة، وكان أيضاً يحب اللعب بالفهود، وكان يقتل الأسد بنفسه ولا يشركه فيه أحد، ولم ير مثل مذهبه في الصيد، وكان مشهوراً بالفهود والعقبان، وكان يقول هما سبعا الضواري، وكان يباشرهما بنفسه.
وقيل: أول من لعب بالعقاب رجل بالموصل، كان يصيد الغزال بالفخاخ في موضع يقال له: بلد الفرح وهو كثير الصيد، كثير الغزال. فاتفق أن الصياد وقع له عقاب فحمله إلى داره وخيطه، وإذا هو قد استغفل الصياد وأكل كلباً له كان يتصيد به، واتفق أيضاً أنه قتل ابنة الصياد، وكان سنها فيما يقال عشر سنين، وكان هذا العقاب قد ضري على الغزال، والعقاب كثير في بلاد الموصل وسنجار وحران.
باب كيفية حمل ضواري الطير وأدبه
قال أصحاب التجربة: إن يد الحامل تصلح وتفسد وهي في القياس كالميزان، ينبغي لحامل الباز أن يكون نظيف الثوب، طيب الروائح، طيب الخلاق، عارفاً في حمل البازي، وأن يكون يعتمد في حمله تسريح لحيته بالما ورد فإن البازي يحب الروائح العطرة، ولا يحمله أبخر، فإن البازي إذا حمله أبخر كسر شهوته، وإنه إذا حمله الأبخر يومين ثلاثة، فإنه يعرفه ويهرب منه وعلامته متى ما حمله الأبخر على يده، فإنه لا يزال البازي يميل برأسه عنه، ولا يزال خلقه متوحشاً أبداً، إذا وثب وثب هارباً، وذلك أنه إذا وثب صرصر، وصرصر بمعنى زق زق، ولا يقال في اللغة إلا صرصر، وعلامة البازي إذا كان حماله طيب الرائحة يكون أبداً البازي يلصق بنفسه إلى جانب الحمال، أعني البازيار، ويولع أبداً بمنسره في لحيته، وإذا دعاه البازيار أجابه قبل أن يدعيه ويقعد على يده أو على رأسه أو بين يديه أو على ظهره، فهذه العلامة في الباز كما ذكر وبالله التوفيق.
وقد يكون البازي سيئ الأخلاق من يد حامله عند سوء حمله، وذلك أن يده هي التي توحش أخلاقه وتوحش أيضاً أخلاق البازي سوء أخلاق الحمال وسوء أخلاق من تصيد به وأيضاً وداده الرمي على الصيد، وعند ذبح الطريدة في كفه إذا نازعه البازي الطريدة، وفيهم من ينازع في تناول القطعة اللحم أو الفخذ، فإنه يعسر في تركه الطريدة من كفه، وهذا كثير ما يوجد في اصفر العين، وأما غيره فلا يكون، هكذا قال المجربون.
فإذا نازع الباز البازيار ولم يطلع على يده قبض على كفيه وقلعه عن الطريدة، فإنه متى سلم من أن يفك إحدى كفيه لم يسلم من أن ينزع إحدى مخاليبه، فإن سلم من هذا ومن هذا لم يسلم من أن يخلع إحدى أوراكه، وإن سلم من جميع ما ذكر بردت شهوته عند الصيد. ويتولد ما يفعل به مرة بعد مرة النهيج الذي يلحقه ويظنه البازيار من المرض، لا ولكنه يولد المرض والنقص، ويرخي البازي ويعود ذلك عليه مرضاً حقاً.
وتعتبر ملاحة البازي وحسن ريشه من حسن السياسة وحسن الحمل.
(1/39)
ولقد سئل الشيخ عيسى الأسدي عن ترتيب الحمل لجميع الضواري، فقال له: إن كيف حمل البازي غير حمل الضواري، وإن يد حامل البازي تكون مثل الميزان. وذلك أن يكون راس البازي مقابل أذن الحمال، وأن تكون يده خارجة عن جسده بحيث لا يصل إلى البازي شيء من كتف الحمال، بل يكون كأن في جنبه دمل وأن في سائر أحواله لا يغفل عن بازه، ولا يحط يده إلى الأرض ليأخذ شيئاً، فإن أمن ذلك فلا يعطي الحاجة إلا من خلفه، ولا يقف على يساره أحد من الناس، ولا يمشي مع أحد إلا أن يكون الباز على يسار من يماشيه، ولا يغفل عن البازي من كلب يأتيه من ورائه، وهو لا يعلم ولا ينقله من يد إلى يد إلا بطعم إلا ساعة الصيد في تلك الساعة وإذا سلمه إلى الذي يتصيد به، وهو راجل والذي يتصيد به راكب فحسن، ولا يسلم الباز إلا على هذه الصورة، ولهم في ذلك طرق معروفة، وإذا أفرغ من الطعم أمض به إلى الماء إلى أصلح الأماكن وأطيبها، فإن لم ينزل الماء وإلا ارم في الماء حصى صغاراً، بحيث تحرك الماء حتى يراه، فإن ذلك يطيب للبازي والبازي يحب القعود في الماء، فإذا شرب وخرج فخذه 40 أإلى يدك فإنه غير محتاج إلى الماء، وإن كان يستحم فلا تقربه إلى أن يخرج عن الماء بنفسه، ثم أقم له يدك ليطلع عليها، واحمله عن الماء خطوات ثم شده على القفاز، واجلس قريباً منه حتى تعلم أنه قد نشف وتمشق وتدهن وتنفض، ولم تره يولع بجسمه، فخذه على يدك وسر حيث شئت، ولا يكلف حمال الباشق في الحمل إلى ما كلف حمال البازي في أن يجعل يده معلقة عن جنبه بل يكون عكسه لاصقاً بجنبه، ويكون جنب الباشق إليه، وأن يقوم يده بحيث أنها تكون قائمة في جنبه كأنها مخلوقة لذلك. وأنه متى ما وثب باشقة يلين يده مع وثبة الباشق قليلاً ثم يدير يده إلى ورائه بمقدار ما يحسن الباشق، فإنه يرجع، والباز كذلك إلا أنه يشد يده بمقدار قوة الباز ولا يجاذب الباز، فإن ذلك وبالاً عليه، وليس من طبع البازي ذلك ولا غيره.
ولكن منها ما هو أقوى في الجذب، وليس في ظهره قوة الرجوع، وهذا طبع الشاهين والصقر، وذلك من رخاوة ظهره وقصر رجليه وطول جناحيه، وليس أصفر العين كذلك، ولا يجوز أن يرد هذا رد الباز ولا يرد البازي رد هذا.
10/11/2024, 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
10/11/2024, 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin